نهج عليّ(ع) في استيحاء القرآن

نهج عليّ(ع) في استيحاء القرآن

ونبقى مع عليّ(ع)، مع ذلك السّموّ الرّوحيّ الَّذي يجعله في قمَّة الإنسانيَّة بعد رسول الله(ص)، في كلّ ما انفتح فيه على الله، في معرفته وإخلاصه وذوبانه فيه ورساليَّته، بل في أموره كلّها، فقد أعطى عليّ(ع) لله كلّ ما عنده، فلم يكن لديه شيء للذّات في شخصيّته، حتى إنّه قال لأصحابه: "ليس أمري وأمركم واحداً، إنّني أريدكم لله وأنتم تريدونني لأنفسكم"[1].

تنوّع أساليب التّفسير

وإذ نعيش هذا الجوّ ـ أيّها الأحبَّة ـ نشعر بالحاجة إلى أن نغرف من هذا البحر العلويّ الّذي تنطلق أمواجه لتكون أمواج الخير والحقّ والعدل، وتنفتح أعماقه على لآلئ الفكر والسّموّ والروحانيّة والإبداع كلّها.

وقد تحدّثنا فيما سبق حول أسلوب الإمام عليّ(ع) في تفسير القرآن، ونحن نعرف أنَّ هناك أساليب متنوّعة في التفسير، فهناك من يفسّر القرآن تفسيراً لغويّاً، وهناك من ينطلق به في أبحاث فكرية ربّما تبتعد بالإنسان عن أجواء القرآن وأسلوبه، لأنّ القرآن ـ وهو كتاب يعطي الفكر والكثير مما تتحرك به مشاكل الإنسان في أوضاعه الشّخصيّة والاجتماعيّة والسّياسيّة والاقتصاديّة العامّة، يتميّز بميزة لا بدَّ من أن يلاحظها كلّ مفسّر، وهذه الميزة هي أنّه ينطلق بالإنسان كما لو كان يسير في رحلةٍ إلى الله سبحانه وتعالى أمام الأوضاع المتحركة والصِّراعات الدّاخليّة التي تغرس في الإنسان روحانيَّته، وتذهب بصفائه، وتجعله يتجمَّد في كلّ ما يحيط به من ذاتيّات وأوضاع خاصّة.

فعندما نقرأ القرآن الكريم، نجد أنّ الآيات القرآنيّة تنساب انسياباً مع الروح، حتى إنّها عندما تتحدَّث عن الأمور العقليَّة، تعطيها مسحة وجدانية، وعندما تنطلق في التأريخ، فإنها لا تريد أن تؤكّد مفردات التأريخ فحسب، بل تريد أن تجعل منه عنصراً نابضاً بالحياة، بحيث تشعر بأنّه يعيش معك من خلال خطوطه العامّة.

ولذلك، فإنّ الّذين يفسّرون القرآن بطريقة فلسفيّة، يبتعدون عن أجوائه، وإن كان هناك علم يستفيد الإنسان منه، وإن الذين يفسّرون القرآن بطريقة بلاغيّة أو لغويّة أو فكريّة، يحسنون إلى فكر القرآن وبلاغته وفلسفته، ولكنّك عندما تقرأ التّفسير الّذي من هذا الصّنف، فإنك لا تعيش القرآن في حيويّته النّابضة الّتي تنفذ إلى مشاعرك وأحاسيسك كما تتحرَّك مع عقلك، لتشعرك بأنّك عندما تقرأ آيات القرآن، فإنّك تتحرّك وتسمو وتستوحي الكثير من آية واحدة، لتجد نفسك تطوف في داخل نفسك وآفاق ربّك وحركتك في الحياة من خلال تلك الآية.

وهذا ما نستوحيه من تفسير الإمام أمير المؤمنين(ع) للقرآن مما تركه لنا وجُمع في (نهج البلاغة) فيما أضيع الكثير منه، لأنّ عليّاً(ع)، فيما نستوحيه من النّهج، كان عندما يخطب أو يتكلّم، يجعل القرآن العنوان الكبير الّذي يستوحيه ويطلق الموعظة والفكرة من خلاله.

آفاق الآية الكريمة

وكنموذج لهذا التفسير، قوله(ع) عند تلاوته: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ}[2].

وقبل أن نتلو كلماته(ع) في استيحاء هذه الآية، نحاول أن نلخِّص العناوين التي استوحاها الإمام(ع) من خلال ما تحدّث به في خطبته. ففي البداية، وصف الإنسان بأنَّه الّذي لا يملك حجّة ولا عذراً، ويعاني من إعجاب نفسه بجهالته.

ثمّ يستوحي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}، لينفذ إلى داخل شخصيَّة هذا الإنسان في أسلوب إثارة علامات الاستفهام، وكأنّه يوجّه إلى هذا المغترّ بربّه علامات استفهام متعدِّدة حول مواجهة الموقف: كيف تجرّأ على ذنبه؟ كيف اغترّ بربّه؟ كيف واجه العمل بما يهلك نفسه في حالة مرضيّة مستعصية؟ وكيف ابتعد عن الرَّحمة لنفسه مما لو حصل لغيره لرحمه؟

ثم يتوجَّه إليه في إقلاعه عن هذه الغفلة بالطّاعة لله، والأنس بذكره، والالتفات إلى إقبال الله عليه مع إعراضه عنه، ثم يتحدّث عن لطف الله به، وتأكيده بعد ذلك أنَّ الدنيا ليست هي التي تغرّ الإنسان، وإنما هو الذي يغترّ بها، لأنّ في الدنيا زخارف قد تجذبك، ولكن فيها مواعظ لو التفتّ إليها لوعظتك بكلّ ما يرجع بك إلى الواقع ويبتعد بك عن هذا الغرور الذي يتحوّل عندك إلى حالة خيال وضياع ووهم.

ثم بعد ذلك، يتحدّث عن يوم القيامة، ويربط بين واقع الإنسان في كلّ ما يتحرّك به في خطّ الانحراف، وبين مصيره في القيامة، ويدعوه إلى أن يؤكّد القيامة في وجدانه عندما يتحرّك في حياته. ونخلص من ذلك كلِّه إلى أنَّ الإمام أراد أن يعطي لهذه الآية بعداً واسعاً في داخل الإنسان، وبعداً في آفاق حركته، وبعداً في آفاق الله سبحانه وتعالى، في مقارنةٍ بين ما يفيضه عزّ وجلّ على عباده، وما يتحرّك به عباده بالنّسبة إليه في إعراضهم عنه.

حثّ الإنسان على اليقظة

تعالوا ـ أيّها الأحبَّة ـ مع أمير المؤمنين(ع) من أجل أن نستوحي هذه الآية، لنستجلي آفاقها كلّها، حيث يقول في توصيف الإنسان الّذي خاطبه الله تعالى:

"أدحضُ مسؤولٍ حجّةً"، فهو لا يملك أية حجة يستطيع بها أن يدافع عن نفسه فيما تقترفه من معاصٍ وآثام.

"وأقطعُ مغترٍّ معذرةً"، فليس له ما يعذر به، "لقد أبرحَ جهالةً بنفسه"، أي انطلق على أساس أنّه يجهل نفسه وهو معجب بها.

"يا أيّها الإنسان، ما جرّأك على ذنبك؟"، لقد اغتررت بربِّك واستهنت به، لأنَّ الإنسان عندما يفكّر بربّه الذي خلقه فسوّاه فعدله، في أيّ صورة ما شاء ركّبه، فعليه أن يعرف مقام ربّه. وعندما يعرف مقام ربّه، فإن عليه أن يخشع لهذا المقام، وخشوعه يفرض عليه أن يعيش الخضوع والعبودية له، فلا يجترئ عليه بمعصية، ولا ينحرف عن طريقه بأية خطوة. فإذا كان الله تعالى سرّ وجودك، وكنت أنت مجرّد صدى لإرادته، فكيف ينبغي لك أن تعرف مقام ربّك؟ إذ لا بدَّ لك من أن تسأل نفسك: ما جرّأك على ذنبك؟ وما هي الأسس والمعطيات والمفردات الّتي جعلتك تجرؤ على ربّك بارتكاب الذنوب؟

"وما غرّك بربّك؟"، والمقصود بالغرور هنا هو ذاك الّذي يجعل الإنسان يتصرَّف مع ربّه تصرّف المستهين به، الذي لا يهمّه رضاه أو غضبه، أو الّذي يستسلم لفكرة أنّ من الممكن أن يعصي ربّه من دون أن ينال على ذلك عقاباً.

"وما آنسك بهلكةِ نفسك"، فأنت تهلك نفسك عندما تتمرَّد على ربّك، فكيف يمكن للإنسان العاقل أن يأنس بهلكةِ نفسه دون أن يشعر بذلك؟! ولكن ـ للأسف ـ هذا هو الواقع.

"أما من دائك بُلول؟"، أي أنَّك مريض، فأنت لا تنطلق في هذا من حالة صحيّة، وإنما من حالة مرضيَّة مستعصية، فعليك أن تفكِّر في مرضك، وأنْ تعرف متى تشفى منه، وعليك أن تفكِّر في علاج هذا المرض، إنَّه سؤال يختزن في داخله الدَّعوة إلى أن يعمل الإنسان على أن يبرأ من مرضه، فقولـه(ع): "أما من دائك بلول"، يعني أليس منه برء وشفاء؟

"أمْ ليس من نومتك يقظة؟"، فأنت تعيش في حالة نوم لا يبصر فيها عقلك النّتائج السلبيّة، ولا يتحسّس قلبك ـ في هذه النّومة المطبقة ـ أيّ إحساسٍ أو شعورٍ بالعاقبة السيّئة.

"أما ترحمُ من نفسك ما ترحم من غيرك؟!". ثم يحاول الإمام(ع) أن يطلق اليقظة في إطار أوسع، ليجعل الإنسان يقارن بين سلوكه مع الآخرين فيما يعرض لهم، ليرحمهم من خلال المشاكل الّتي يعيشونها، فما يحدث له هو نفسه ما يحدث للآخرين، إلا أنّه قد يرحمهم ولا يرحم نفسه.

"فلربّما ترى الضّاحي لحرّ الشّمس فتظلّه"، أي عندما ترى إنساناً يتعرّض لحرارة الشّمس، ويعاني ويقاسي من حرارتها، فإنّ الرحمة تأخذك به، فتبادر إلى أن تظلّه بأية مظلة تحملها.

"أو ترى المبتلي بألم يمضّ جسده"، تجد الإنسان المبتلى ببعض الأمراض التي تثير الألم في جسده، بحيث تجعله يعاني ويتألم، "فتبكي رحمةً له".

التّذكير بنعم الله

"فما صبّرك على دائك!"، ولا سيَّما أنّك مريض كمرض هؤلاء الّذين ترحمهم، "وجلّدك على مصابك"، فكيف تتجلَّد وأنت واقع في مصيبة؟! "وعزّاك عن البكاء على نفسك"، تلك الّتي تسير في خطِّ الهلاك الّذي يفرض عليك أن تتحسَّسه لتبكي عليها، وهي تهلك هلاكاً روحيّاً يعرّضها لعذاب الله، "وهي أعزّ الأنفس عليك".

"وكيف لا يوقظك خوفُ بيات نقمة"، فالإنسان عندما يكون في حالة غفلةٍ ونوم، وتأتي الأشياء الّتي تهزّه وتهزّ مشاعره، فإنَّه لا يمكن أن ينام. إنَّه(ع) يقول له إنَّ هذا النَّوم الروحيّ والعقليّ الّذي تعيشه وأنت مسترخٍ، ألا تخاف أن تنـزل عليك فيه نقمة من الله فتسلبك ما أنت فيه؟!

"وقد تورَّطتَ بمعاصيه مدارجَ سطواته"، أي وقعت في ورطة المعاصي الّتي عصيت بها الله، وانطلقت في الأماكن والمواقع والمسالك الّتي تواجه فيها سطوة الله.

"فتداوَ من داء الفترة في قلبك بعزيمة"، فحاول أن تداوي هذه الفترة الّتي عشت فيها النّوم والغفلة بعزيمةٍ من عزمات الرّجال المؤمنين، "ومن كرى الغفلة في ناظرك بيقظة"، وليس المقصود بالنّاظر هو النّظر الّذي في الوجه، ولكنّه البصيرة، أي النّظر الدّاخليّ: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[3].

"وكن لله مطيعاً"، بعد أن عصيته، "وبذكره آنساً"، بعد أن عشت في وحشة من ذكره، "وتمثّل في حال تولّيك عنه إقباله عليك"، فعندما تعرض عن ربّك، ادرس أحوالك لترى كيف يفعل بك ربّك، وكيف يفيض عليك لطفه، وكيف يقبل عليك برحمته، وفكِّر في إقباله عليك إقبال الرّحمة والمغفرة واللّطف والعطاء الذي ليس له حدّ، فلا بدَّ لك من أن تتمثّل صورة ما تراه من إقبال ربّك عليك، وأنت في حال الإعراض عنه.

"يدعوك إلى عفوه"، فهو القائل: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[4]، "ويتغمَّدك بفضله"، بأن يدعوك إلى أن تعيش في نطاق فضله، "وأنت متولٍّ عنه إلى غيره"، فأنت تعبد هذا وتمتنع عن عبادة الله، وتطيع هذا وتعصيه، وتقبل على هذا وتعرض عنه. وهذا ما صوَّره إمامنا عليّ بن الحسين زين العابدين(ع) بأوضح صورة في دعائه: "تتحببُّ إلينا بالنّعم ونعارضك بالذّنوب، خيرك إلينا نازل، وشرّنا إليك صاعد، ولم يزل ولا يزال ملك كريم يأتيك عنّا بعمل قبيح، فلا يمنعك ذلك من أن تحوطنا بنعمتك، وتتفضَّل علينا بآلائك. فسبحانك ما أحلمك وأعظمك وأكرمك مبدياً ومعيداً!"[5].

الاعتراف بالمعصية

"فتعالى من قويٍّ ما أكرمه!"، فهو القويّ الّذي لا حدّ لقوّته الّتي تفيض بالكرم والعطاء والرحمة، "وتواضعتَ" في صغرك وحقارة وجودك، "من ضعيفٍ ما أجرأك على معصيته! وأنت في كنف ستره مقيم"، يسترك في كلّ ما تتحرّك به من فضائح، فلا يجعل العباد يطّلعون عليك، "وفي سعة فضله متقلّب"، فأنت تتقلّب في رحاب فضله مما أعطاك وأنعم عليك، وهو القائل: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ}، والقائل أيضاً: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا}[6].

"فلم يمنعك فضلهُ، ولم يهتك عنك ستره، بل لم تخلُ من لطفه مطرفَ عين"، فهو يعطيك من لطفه على مستوى الثّانية، بحيث إنّك في أية طرفة عينٍ تجد نعمة الله تفيض عليك، "في نعمةٍ يحدثها لك، أو سيّئة يسترها عليك، أو بليّة يصرفها عنك"، فتلك هي حياتنا اليوميَّة، فنحن نستقبل نعمةً يسبغها الله علينا هنا، وسيّئة يسترها عنّا هناك، وبليّة يصرفها عنا هنا وهناك.

"فما ظنّك به لو أطعته؟"، فإذا كان يعطيك وأنت سادرٌ في معصيته، فكيف يكون حالك لو أطعته؟ كيف تكون رحمته؟ وكيف يكون عطاؤه؟ وكيف يكون فضله عليك؟ "وأيمُ الله، لو أنَّ هذه الصِّفة كانت في متّفقين في القوّة"، أي لم تكن هذه الحالة التي أنت عليها كما أنت مع ربّك، فهو القويّ العزيز وأنت الضّعيف الذّليل، ومع ذلك، فأنت تفعل ما تفعل معه من جحود، وهو يفعل ما يفعل معك من لطفٍ ورحمة، فلو كانت هذه المسألة بين "متوازيين في القدرة"، أحدهما عمل مع الآخر مثل هذا، فكيف تكون النّتيجة؟ "لكنت أوّلَ حاكم على نفسك بذميم الأخلاق ومساوي الأعمال"، فلو كانت قوّتك قوة الله أو قوّة شخص آخر، وفعلت معه ما فعلت، ألا تحكم على نفسك بأنّك تعاملت معه بأخلاق ذميمة وأعمال سيّئة؟!

الاغترار بالدّنيا

"وحقّاً أقول ما الدّنيا غرَّتك"، كما نقول عندما نحاول إلقاء التّبعة على غيرنا، إنّ الشّيطان هو الذي غرّنا، لكنّ الإمام يقول إنّ في الدّنيا بعض ما يغرّ، ولكن عندما تدرس الدّنيا في متغيّراتها ومتطلّباتها وأوضاعها، فإنَّك لن تجد واعظاً يعظك أكثر من هذه الدّنيا. وقد لخَّص الإمام(ع) مسألة التَّعامل مع الدّنيا في كلمةٍ قصيرةٍ وبليغة، حينما قال: "ومن أبصر بها بصَّرته، ومن أبصر إليها أعمته"[7]، فإذا كنت تتطلَّع إلى الدّنيا، فإنَّ الدّنيا تعشي نظرك، ولكنَّك إذا جعلتها في واقعها وعمقها عيناً تبصر بها داخلها، لكانت مبصرة لك بكلّ حقائقها.

يقول الإمام(ع) "وحقّاً أقول"، فأيّ عظمةٍ وأيّ انفتاحٍ وأيّة رحابةٍ في استيحاء الآية في كلّ هذه الأجواء العظيمة! "ما الدّنيا غرّتك، ولكن بها اغتررت"، فأنت من جعلها وسيلةً للغرور، "ولقد كاشفتك العظات"، فلقد كشفت لك المواعظ بنفسها، "وآذنتك على سواء"، أي علّمتك العدل والإنصاف، "ولهي بما تعدك من نزول البلاء بجسمك والنّقص في قوّتك"، فعندما تتحرّك في الحياة، وترى في كلِّ يوم تناقصاً في جسمك، سواء كان مرضاً أو غير مرض، وتلحظ النقص في قوّتك البدنيَّة، فأنت تتحرّك في خطٍّ تنازليّ في القوّة، "أصدق وأوفى من أن تكذّبك أو تغرّك"، فعندما تقدِّم نفسُك إليك الحقيقةَ، وأنت تعاني المرض بين وقتٍ وآخر، والنقص في قوّتك من مرحلة إلى أخرى، فكأنّ الدّنيا تقول لك إنّني أصدقك الحقيقة، إنّني لن أبقى معك إلى ما لا نهاية على حال، ولن تستمرّ الصحّة معك إلى ما لا نهاية، فسيعرض لك المرض، ولن يستمرّ الأمن معك إلى الأبد، فستواجه الخوف، ولن تستمرّ القوَّة معك دائماً، فسوف تواجه الضّعف، فعندما تناديك نفسك بهذا النّداء، من خلال واقعك الّذي يتحرّك في حياتك، فهل هناك أصدق وأوفى من الدّنيا عندما تتحدَّث إليك بهذه الطريقة وبهذا الأسلوب؟! فهل تعتبرها غارّةً وخادعة لك، أم تعتبرها صادقة معك وفيّة لك؟!

"ولربَّ ناصحٍ لها عندك متَّهم"، أي ربما تأتيك بعض الحوادث التي تقدِّم إليك النصيحة بالعبرة فتتّهمها، وهذا هو أخطر أنواع الغرور، وأسوأ ألوان العجب، "وصادق من خبرها مكذّب"، فعندما تأتيك أخبارها بما تقدِّمه إليك من حقائقها، فأنت تحاول أن تقابل ذلك بالتّكذيب، كما قال (المتنبي):

طوى الجزيرة حتى جاءني خبرٌ      فـزعتُ فيه بآمالي إلى الكذب

فأحلام الإنسان قد تكذِّب الواقع، فقد يأتيك الخبر صارخاً قاسياً مؤلماً، لكنّك تحاول أن تكذّبه، لأنّك تتمنّى أن لا يكون الأمر كذلك.

"ولئن تعرّفتها"، فأنت لديك أكثر من وسيلة من وسائل معرفة الدّنيا، "في الدّيار الخاوية"، التي كانت مزدهرة، "والربوع الخالية"، التي كانت عامرة، فأدر بصرك في دور آبائك وأجدادك وديار الأوّلين، "لتجدنّها من حسن تذكيرك وبلاغ موعظتك بمحلّة الشّفيق عليك والشَّحيح بك"، فالدّيار الخاوية والرّبوع الخالية، كما تجدها في القلاع والحصون والآثار القديمة، تقف لتذكّرك كما يذكّر الأخ الشّفيق عليك والضّنين بك، بأنَّك تسلك في طريق فيها هلاكك، "ولنعم دارُ من لم يرض بها داراً"، فمتى تكون الدّنيا نعم الدّار لك؟ إذا كنت تعرف أنَّ هذه الدّار ليست دارك التي تخلد فيها، ولكنّها الدّار التي تنتقل منها إلى دارٍ أخرى.

"ومحلّ من لمْ يوطّنها محلاًّ"، وهي محلّ الإنسان الذي لم يعتبرها وطناً يستقيم به، ولكنها مجرَّد مرحلة من مراحل السفر، "وإنّ السعداء بالدنيا غداً هم الهاربون منها اليوم"، هم الذين لا يعيشون حالة الإخلاد إليها والاسترخاء فيها، بل الّذين يهربون من ضلالاتها إلى ما يعطيهم محلاً آخر عند الله.

"إذا رجفت الرَّاجفة"، وهي كناية عن القيامة الّتي تجعل النَّاس يعيشون الرَّجفة العظيمة لهول ما يلاقونه فيها: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ}[8]. "وحقّت بجلائلها القيامة، ولحق بكلّ منسك أهلُه"، أي بكلّ عبادة، فمن يعبد الله يسير في طريق الله ويلحق برحمته، ومن يعبد الشّيطان يسير إلى نهايات الشّيطان ومقطّعات النّيران، "وبكلّ معبود عبدته، وبكلّ مطاع أهل طاعته"، فانظروا من تعبدون، لأنكم ستلحقون به يوم القيامة، وانظروا من تطيعون، فإنّكم ستكونون معه يوم القيامة، "فلم يُجزَ في عدله وقسطه يومئذٍ خرقُ بصر في الهواء، ولا همس قدمٍ في الأرض إلا بحقّه"، والله تعالى يقول: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ}[9]، {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى}[10]. ويقول: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ}[11]، فالله هو العادل الّذي يظلّل الخلائق بعدله، "فكم حجّة يوم ذاك داحضة"، فقد نقدّم الحجج الآن لبعضنا البعض، ولكنّنا عندما نقف بين يدي الله، {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا}[12]،  {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}[13]، فلا نجد فيها أي حجّة بالغة.

"وعلائق عذر منقطعة"، فهناك الكثير من الأعذار التي نستخدمها في الدّنيا ستنقطع يوم القيامة، لأنها لا ترتكز على أساس، "فتحرَّ من أمرك ما يقوم به عذرك"، أي حاول أن تجد عذراً حقيقياً لا ينقطع، "وتثبّت به حجّتك، وخذ ما يبقى لك مما لا تبقى له"، فخذ مـن الدنيا ـ ما استطعت إلى ذلك سبيلاً ـ ما يبقى لك من المال والجاه والطّاقة إلى الآخرة، لأنّك لن تبقى لمالك، ولأنّه لن يبقى لك، ولأنّ جاهك أيضاً لن يبقى لك، ولأنّ طاقتك لن تبقى لك، فحاول أن تعتصر ما عندك لتشربه في الآخرة كأساً رويّة لا تظمأ بعدها أبداً، وعلينا أن نحصل على عصير العمر في كلِّ ما يعطينا القوّة والسّلامة عند الله، فكلّ تلك الأشياء قشور تتحوَّل إلى تراب.

"وتيسَّر لسفرك"، فالله قد قال لك: {إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ}[14]، "وشم برقَ النّجاة"، أي حاول أن تجد في البرق المعنويّ ـ الّذي يمثّل الطاعات كلّها ـ الطريق إلى النجاة، "وأرحل مطايا التشمير"[15]، أي حاول أن تشمّر عن طاقاتك كلّها لتصل إلى ما تريد من الهدف.

عليّ(ع) مصدر الوعي

أيّها الأحبّة، هذا هو استيحاء الإمام عليّ(ع) لهذه الآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}[16]، وعلينا أن نستوحي عليّاً(ع) في استيحائه للقرآن، لنرى كيف يمتدّ بالآية إلى آفاق النّفس، ليعطيها الوعي بعد الغفلة والحقّ بعد الباطل، وما يمكن أن يسير بها إلى الله لتلتقي به: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ}[17]، و{يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ للهِ}[18].

ويبقى الإمام عليّ(ع) مصدر الوعي واليقظة والسموّ والحقّ والعدل وإثراء إنسانيّتنا بكلّ ما يغنيها ويرتفع بها، فلا تأخذوا من عليّ سيفه فقط، وإن كان سيفه سيف الحقّ، ولكن خذوا منه علمه وفكره، فهو الّذي يبقى لنا ما دامت السّماوات والأرض، لأنَّ عليّاً هو إنسان الحياة الَّذي لا يبلى فكره ولا تتجمَّد كلماته، فهو تلميذ القرآن، وكما أنَّ القرآن يتحرّك غضّاً جديداً كلّما تلي في أيّ زمن وموقع فعليّ، يبقى غضّاً جديداً في كلماته كلِّها، لأنها مستوحاة من كلمات الله وحقائق الحقّ والحياة كلّها.

 *ندوة الشّام الأسبوعيّة، فكر وثقافة، بتاريخ: 6 شوّال 1419ه/‍ الموافق: 23/1/1999م.


[1]  نهج البلاغة، خطب الإمام علي(ع)، ج 2، ص 19.

[2]  [الانفطار: 6 ـ 8].

[3]  [الحجّ: 46].

[4]  [الزمر: 53].

[5]  الصحيفة السجاديّة، الإمام زين العابدين(ع)، دعاؤه في سحر كلّ ليلة من شهر رمضان.

[6]  [النّحل: 18].

[7]  نهج البلاغة، ج 1، ص 131.

[8]  [الحجّ: 2].

[9]  [غافر: 17].

[10]  [آل عمران: 195].

[11]  [الزلزلة: 7، 8].

[12]  [النّحل: 111].

[13]  [غافر: 19].

[14]  [الانشقاق: 6].

[15]  نهج البلاغة، ج 2، ص 213 ـ 216.

[16]  [الانفطار: 6].

[17]  [الشعراء: 88].

[18]  [الانفطار: 19].

ونبقى مع عليّ(ع)، مع ذلك السّموّ الرّوحيّ الَّذي يجعله في قمَّة الإنسانيَّة بعد رسول الله(ص)، في كلّ ما انفتح فيه على الله، في معرفته وإخلاصه وذوبانه فيه ورساليَّته، بل في أموره كلّها، فقد أعطى عليّ(ع) لله كلّ ما عنده، فلم يكن لديه شيء للذّات في شخصيّته، حتى إنّه قال لأصحابه: "ليس أمري وأمركم واحداً، إنّني أريدكم لله وأنتم تريدونني لأنفسكم"[1].

تنوّع أساليب التّفسير

وإذ نعيش هذا الجوّ ـ أيّها الأحبَّة ـ نشعر بالحاجة إلى أن نغرف من هذا البحر العلويّ الّذي تنطلق أمواجه لتكون أمواج الخير والحقّ والعدل، وتنفتح أعماقه على لآلئ الفكر والسّموّ والروحانيّة والإبداع كلّها.

وقد تحدّثنا فيما سبق حول أسلوب الإمام عليّ(ع) في تفسير القرآن، ونحن نعرف أنَّ هناك أساليب متنوّعة في التفسير، فهناك من يفسّر القرآن تفسيراً لغويّاً، وهناك من ينطلق به في أبحاث فكرية ربّما تبتعد بالإنسان عن أجواء القرآن وأسلوبه، لأنّ القرآن ـ وهو كتاب يعطي الفكر والكثير مما تتحرك به مشاكل الإنسان في أوضاعه الشّخصيّة والاجتماعيّة والسّياسيّة والاقتصاديّة العامّة، يتميّز بميزة لا بدَّ من أن يلاحظها كلّ مفسّر، وهذه الميزة هي أنّه ينطلق بالإنسان كما لو كان يسير في رحلةٍ إلى الله سبحانه وتعالى أمام الأوضاع المتحركة والصِّراعات الدّاخليّة التي تغرس في الإنسان روحانيَّته، وتذهب بصفائه، وتجعله يتجمَّد في كلّ ما يحيط به من ذاتيّات وأوضاع خاصّة.

فعندما نقرأ القرآن الكريم، نجد أنّ الآيات القرآنيّة تنساب انسياباً مع الروح، حتى إنّها عندما تتحدَّث عن الأمور العقليَّة، تعطيها مسحة وجدانية، وعندما تنطلق في التأريخ، فإنها لا تريد أن تؤكّد مفردات التأريخ فحسب، بل تريد أن تجعل منه عنصراً نابضاً بالحياة، بحيث تشعر بأنّه يعيش معك من خلال خطوطه العامّة.

ولذلك، فإنّ الّذين يفسّرون القرآن بطريقة فلسفيّة، يبتعدون عن أجوائه، وإن كان هناك علم يستفيد الإنسان منه، وإن الذين يفسّرون القرآن بطريقة بلاغيّة أو لغويّة أو فكريّة، يحسنون إلى فكر القرآن وبلاغته وفلسفته، ولكنّك عندما تقرأ التّفسير الّذي من هذا الصّنف، فإنك لا تعيش القرآن في حيويّته النّابضة الّتي تنفذ إلى مشاعرك وأحاسيسك كما تتحرَّك مع عقلك، لتشعرك بأنّك عندما تقرأ آيات القرآن، فإنّك تتحرّك وتسمو وتستوحي الكثير من آية واحدة، لتجد نفسك تطوف في داخل نفسك وآفاق ربّك وحركتك في الحياة من خلال تلك الآية.

وهذا ما نستوحيه من تفسير الإمام أمير المؤمنين(ع) للقرآن مما تركه لنا وجُمع في (نهج البلاغة) فيما أضيع الكثير منه، لأنّ عليّاً(ع)، فيما نستوحيه من النّهج، كان عندما يخطب أو يتكلّم، يجعل القرآن العنوان الكبير الّذي يستوحيه ويطلق الموعظة والفكرة من خلاله.

آفاق الآية الكريمة

وكنموذج لهذا التفسير، قوله(ع) عند تلاوته: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ}[2].

وقبل أن نتلو كلماته(ع) في استيحاء هذه الآية، نحاول أن نلخِّص العناوين التي استوحاها الإمام(ع) من خلال ما تحدّث به في خطبته. ففي البداية، وصف الإنسان بأنَّه الّذي لا يملك حجّة ولا عذراً، ويعاني من إعجاب نفسه بجهالته.

ثمّ يستوحي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}، لينفذ إلى داخل شخصيَّة هذا الإنسان في أسلوب إثارة علامات الاستفهام، وكأنّه يوجّه إلى هذا المغترّ بربّه علامات استفهام متعدِّدة حول مواجهة الموقف: كيف تجرّأ على ذنبه؟ كيف اغترّ بربّه؟ كيف واجه العمل بما يهلك نفسه في حالة مرضيّة مستعصية؟ وكيف ابتعد عن الرَّحمة لنفسه مما لو حصل لغيره لرحمه؟

ثم يتوجَّه إليه في إقلاعه عن هذه الغفلة بالطّاعة لله، والأنس بذكره، والالتفات إلى إقبال الله عليه مع إعراضه عنه، ثم يتحدّث عن لطف الله به، وتأكيده بعد ذلك أنَّ الدنيا ليست هي التي تغرّ الإنسان، وإنما هو الذي يغترّ بها، لأنّ في الدنيا زخارف قد تجذبك، ولكن فيها مواعظ لو التفتّ إليها لوعظتك بكلّ ما يرجع بك إلى الواقع ويبتعد بك عن هذا الغرور الذي يتحوّل عندك إلى حالة خيال وضياع ووهم.

ثم بعد ذلك، يتحدّث عن يوم القيامة، ويربط بين واقع الإنسان في كلّ ما يتحرّك به في خطّ الانحراف، وبين مصيره في القيامة، ويدعوه إلى أن يؤكّد القيامة في وجدانه عندما يتحرّك في حياته. ونخلص من ذلك كلِّه إلى أنَّ الإمام أراد أن يعطي لهذه الآية بعداً واسعاً في داخل الإنسان، وبعداً في آفاق حركته، وبعداً في آفاق الله سبحانه وتعالى، في مقارنةٍ بين ما يفيضه عزّ وجلّ على عباده، وما يتحرّك به عباده بالنّسبة إليه في إعراضهم عنه.

حثّ الإنسان على اليقظة

تعالوا ـ أيّها الأحبَّة ـ مع أمير المؤمنين(ع) من أجل أن نستوحي هذه الآية، لنستجلي آفاقها كلّها، حيث يقول في توصيف الإنسان الّذي خاطبه الله تعالى:

"أدحضُ مسؤولٍ حجّةً"، فهو لا يملك أية حجة يستطيع بها أن يدافع عن نفسه فيما تقترفه من معاصٍ وآثام.

"وأقطعُ مغترٍّ معذرةً"، فليس له ما يعذر به، "لقد أبرحَ جهالةً بنفسه"، أي انطلق على أساس أنّه يجهل نفسه وهو معجب بها.

"يا أيّها الإنسان، ما جرّأك على ذنبك؟"، لقد اغتررت بربِّك واستهنت به، لأنَّ الإنسان عندما يفكّر بربّه الذي خلقه فسوّاه فعدله، في أيّ صورة ما شاء ركّبه، فعليه أن يعرف مقام ربّه. وعندما يعرف مقام ربّه، فإن عليه أن يخشع لهذا المقام، وخشوعه يفرض عليه أن يعيش الخضوع والعبودية له، فلا يجترئ عليه بمعصية، ولا ينحرف عن طريقه بأية خطوة. فإذا كان الله تعالى سرّ وجودك، وكنت أنت مجرّد صدى لإرادته، فكيف ينبغي لك أن تعرف مقام ربّك؟ إذ لا بدَّ لك من أن تسأل نفسك: ما جرّأك على ذنبك؟ وما هي الأسس والمعطيات والمفردات الّتي جعلتك تجرؤ على ربّك بارتكاب الذنوب؟

"وما غرّك بربّك؟"، والمقصود بالغرور هنا هو ذاك الّذي يجعل الإنسان يتصرَّف مع ربّه تصرّف المستهين به، الذي لا يهمّه رضاه أو غضبه، أو الّذي يستسلم لفكرة أنّ من الممكن أن يعصي ربّه من دون أن ينال على ذلك عقاباً.

"وما آنسك بهلكةِ نفسك"، فأنت تهلك نفسك عندما تتمرَّد على ربّك، فكيف يمكن للإنسان العاقل أن يأنس بهلكةِ نفسه دون أن يشعر بذلك؟! ولكن ـ للأسف ـ هذا هو الواقع.

"أما من دائك بُلول؟"، أي أنَّك مريض، فأنت لا تنطلق في هذا من حالة صحيّة، وإنما من حالة مرضيَّة مستعصية، فعليك أن تفكِّر في مرضك، وأنْ تعرف متى تشفى منه، وعليك أن تفكِّر في علاج هذا المرض، إنَّه سؤال يختزن في داخله الدَّعوة إلى أن يعمل الإنسان على أن يبرأ من مرضه، فقولـه(ع): "أما من دائك بلول"، يعني أليس منه برء وشفاء؟

"أمْ ليس من نومتك يقظة؟"، فأنت تعيش في حالة نوم لا يبصر فيها عقلك النّتائج السلبيّة، ولا يتحسّس قلبك ـ في هذه النّومة المطبقة ـ أيّ إحساسٍ أو شعورٍ بالعاقبة السيّئة.

"أما ترحمُ من نفسك ما ترحم من غيرك؟!". ثم يحاول الإمام(ع) أن يطلق اليقظة في إطار أوسع، ليجعل الإنسان يقارن بين سلوكه مع الآخرين فيما يعرض لهم، ليرحمهم من خلال المشاكل الّتي يعيشونها، فما يحدث له هو نفسه ما يحدث للآخرين، إلا أنّه قد يرحمهم ولا يرحم نفسه.

"فلربّما ترى الضّاحي لحرّ الشّمس فتظلّه"، أي عندما ترى إنساناً يتعرّض لحرارة الشّمس، ويعاني ويقاسي من حرارتها، فإنّ الرحمة تأخذك به، فتبادر إلى أن تظلّه بأية مظلة تحملها.

"أو ترى المبتلي بألم يمضّ جسده"، تجد الإنسان المبتلى ببعض الأمراض التي تثير الألم في جسده، بحيث تجعله يعاني ويتألم، "فتبكي رحمةً له".

التّذكير بنعم الله

"فما صبّرك على دائك!"، ولا سيَّما أنّك مريض كمرض هؤلاء الّذين ترحمهم، "وجلّدك على مصابك"، فكيف تتجلَّد وأنت واقع في مصيبة؟! "وعزّاك عن البكاء على نفسك"، تلك الّتي تسير في خطِّ الهلاك الّذي يفرض عليك أن تتحسَّسه لتبكي عليها، وهي تهلك هلاكاً روحيّاً يعرّضها لعذاب الله، "وهي أعزّ الأنفس عليك".

"وكيف لا يوقظك خوفُ بيات نقمة"، فالإنسان عندما يكون في حالة غفلةٍ ونوم، وتأتي الأشياء الّتي تهزّه وتهزّ مشاعره، فإنَّه لا يمكن أن ينام. إنَّه(ع) يقول له إنَّ هذا النَّوم الروحيّ والعقليّ الّذي تعيشه وأنت مسترخٍ، ألا تخاف أن تنـزل عليك فيه نقمة من الله فتسلبك ما أنت فيه؟!

"وقد تورَّطتَ بمعاصيه مدارجَ سطواته"، أي وقعت في ورطة المعاصي الّتي عصيت بها الله، وانطلقت في الأماكن والمواقع والمسالك الّتي تواجه فيها سطوة الله.

"فتداوَ من داء الفترة في قلبك بعزيمة"، فحاول أن تداوي هذه الفترة الّتي عشت فيها النّوم والغفلة بعزيمةٍ من عزمات الرّجال المؤمنين، "ومن كرى الغفلة في ناظرك بيقظة"، وليس المقصود بالنّاظر هو النّظر الّذي في الوجه، ولكنّه البصيرة، أي النّظر الدّاخليّ: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[3].

"وكن لله مطيعاً"، بعد أن عصيته، "وبذكره آنساً"، بعد أن عشت في وحشة من ذكره، "وتمثّل في حال تولّيك عنه إقباله عليك"، فعندما تعرض عن ربّك، ادرس أحوالك لترى كيف يفعل بك ربّك، وكيف يفيض عليك لطفه، وكيف يقبل عليك برحمته، وفكِّر في إقباله عليك إقبال الرّحمة والمغفرة واللّطف والعطاء الذي ليس له حدّ، فلا بدَّ لك من أن تتمثّل صورة ما تراه من إقبال ربّك عليك، وأنت في حال الإعراض عنه.

"يدعوك إلى عفوه"، فهو القائل: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[4]، "ويتغمَّدك بفضله"، بأن يدعوك إلى أن تعيش في نطاق فضله، "وأنت متولٍّ عنه إلى غيره"، فأنت تعبد هذا وتمتنع عن عبادة الله، وتطيع هذا وتعصيه، وتقبل على هذا وتعرض عنه. وهذا ما صوَّره إمامنا عليّ بن الحسين زين العابدين(ع) بأوضح صورة في دعائه: "تتحببُّ إلينا بالنّعم ونعارضك بالذّنوب، خيرك إلينا نازل، وشرّنا إليك صاعد، ولم يزل ولا يزال ملك كريم يأتيك عنّا بعمل قبيح، فلا يمنعك ذلك من أن تحوطنا بنعمتك، وتتفضَّل علينا بآلائك. فسبحانك ما أحلمك وأعظمك وأكرمك مبدياً ومعيداً!"[5].

الاعتراف بالمعصية

"فتعالى من قويٍّ ما أكرمه!"، فهو القويّ الّذي لا حدّ لقوّته الّتي تفيض بالكرم والعطاء والرحمة، "وتواضعتَ" في صغرك وحقارة وجودك، "من ضعيفٍ ما أجرأك على معصيته! وأنت في كنف ستره مقيم"، يسترك في كلّ ما تتحرّك به من فضائح، فلا يجعل العباد يطّلعون عليك، "وفي سعة فضله متقلّب"، فأنت تتقلّب في رحاب فضله مما أعطاك وأنعم عليك، وهو القائل: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ}، والقائل أيضاً: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا}[6].

"فلم يمنعك فضلهُ، ولم يهتك عنك ستره، بل لم تخلُ من لطفه مطرفَ عين"، فهو يعطيك من لطفه على مستوى الثّانية، بحيث إنّك في أية طرفة عينٍ تجد نعمة الله تفيض عليك، "في نعمةٍ يحدثها لك، أو سيّئة يسترها عليك، أو بليّة يصرفها عنك"، فتلك هي حياتنا اليوميَّة، فنحن نستقبل نعمةً يسبغها الله علينا هنا، وسيّئة يسترها عنّا هناك، وبليّة يصرفها عنا هنا وهناك.

"فما ظنّك به لو أطعته؟"، فإذا كان يعطيك وأنت سادرٌ في معصيته، فكيف يكون حالك لو أطعته؟ كيف تكون رحمته؟ وكيف يكون عطاؤه؟ وكيف يكون فضله عليك؟ "وأيمُ الله، لو أنَّ هذه الصِّفة كانت في متّفقين في القوّة"، أي لم تكن هذه الحالة التي أنت عليها كما أنت مع ربّك، فهو القويّ العزيز وأنت الضّعيف الذّليل، ومع ذلك، فأنت تفعل ما تفعل معه من جحود، وهو يفعل ما يفعل معك من لطفٍ ورحمة، فلو كانت هذه المسألة بين "متوازيين في القدرة"، أحدهما عمل مع الآخر مثل هذا، فكيف تكون النّتيجة؟ "لكنت أوّلَ حاكم على نفسك بذميم الأخلاق ومساوي الأعمال"، فلو كانت قوّتك قوة الله أو قوّة شخص آخر، وفعلت معه ما فعلت، ألا تحكم على نفسك بأنّك تعاملت معه بأخلاق ذميمة وأعمال سيّئة؟!

الاغترار بالدّنيا

"وحقّاً أقول ما الدّنيا غرَّتك"، كما نقول عندما نحاول إلقاء التّبعة على غيرنا، إنّ الشّيطان هو الذي غرّنا، لكنّ الإمام يقول إنّ في الدّنيا بعض ما يغرّ، ولكن عندما تدرس الدّنيا في متغيّراتها ومتطلّباتها وأوضاعها، فإنَّك لن تجد واعظاً يعظك أكثر من هذه الدّنيا. وقد لخَّص الإمام(ع) مسألة التَّعامل مع الدّنيا في كلمةٍ قصيرةٍ وبليغة، حينما قال: "ومن أبصر بها بصَّرته، ومن أبصر إليها أعمته"[7]، فإذا كنت تتطلَّع إلى الدّنيا، فإنَّ الدّنيا تعشي نظرك، ولكنَّك إذا جعلتها في واقعها وعمقها عيناً تبصر بها داخلها، لكانت مبصرة لك بكلّ حقائقها.

يقول الإمام(ع) "وحقّاً أقول"، فأيّ عظمةٍ وأيّ انفتاحٍ وأيّة رحابةٍ في استيحاء الآية في كلّ هذه الأجواء العظيمة! "ما الدّنيا غرّتك، ولكن بها اغتررت"، فأنت من جعلها وسيلةً للغرور، "ولقد كاشفتك العظات"، فلقد كشفت لك المواعظ بنفسها، "وآذنتك على سواء"، أي علّمتك العدل والإنصاف، "ولهي بما تعدك من نزول البلاء بجسمك والنّقص في قوّتك"، فعندما تتحرّك في الحياة، وترى في كلِّ يوم تناقصاً في جسمك، سواء كان مرضاً أو غير مرض، وتلحظ النقص في قوّتك البدنيَّة، فأنت تتحرّك في خطٍّ تنازليّ في القوّة، "أصدق وأوفى من أن تكذّبك أو تغرّك"، فعندما تقدِّم نفسُك إليك الحقيقةَ، وأنت تعاني المرض بين وقتٍ وآخر، والنقص في قوّتك من مرحلة إلى أخرى، فكأنّ الدّنيا تقول لك إنّني أصدقك الحقيقة، إنّني لن أبقى معك إلى ما لا نهاية على حال، ولن تستمرّ الصحّة معك إلى ما لا نهاية، فسيعرض لك المرض، ولن يستمرّ الأمن معك إلى الأبد، فستواجه الخوف، ولن تستمرّ القوَّة معك دائماً، فسوف تواجه الضّعف، فعندما تناديك نفسك بهذا النّداء، من خلال واقعك الّذي يتحرّك في حياتك، فهل هناك أصدق وأوفى من الدّنيا عندما تتحدَّث إليك بهذه الطريقة وبهذا الأسلوب؟! فهل تعتبرها غارّةً وخادعة لك، أم تعتبرها صادقة معك وفيّة لك؟!

"ولربَّ ناصحٍ لها عندك متَّهم"، أي ربما تأتيك بعض الحوادث التي تقدِّم إليك النصيحة بالعبرة فتتّهمها، وهذا هو أخطر أنواع الغرور، وأسوأ ألوان العجب، "وصادق من خبرها مكذّب"، فعندما تأتيك أخبارها بما تقدِّمه إليك من حقائقها، فأنت تحاول أن تقابل ذلك بالتّكذيب، كما قال (المتنبي):

طوى الجزيرة حتى جاءني خبرٌ      فـزعتُ فيه بآمالي إلى الكذب

فأحلام الإنسان قد تكذِّب الواقع، فقد يأتيك الخبر صارخاً قاسياً مؤلماً، لكنّك تحاول أن تكذّبه، لأنّك تتمنّى أن لا يكون الأمر كذلك.

"ولئن تعرّفتها"، فأنت لديك أكثر من وسيلة من وسائل معرفة الدّنيا، "في الدّيار الخاوية"، التي كانت مزدهرة، "والربوع الخالية"، التي كانت عامرة، فأدر بصرك في دور آبائك وأجدادك وديار الأوّلين، "لتجدنّها من حسن تذكيرك وبلاغ موعظتك بمحلّة الشّفيق عليك والشَّحيح بك"، فالدّيار الخاوية والرّبوع الخالية، كما تجدها في القلاع والحصون والآثار القديمة، تقف لتذكّرك كما يذكّر الأخ الشّفيق عليك والضّنين بك، بأنَّك تسلك في طريق فيها هلاكك، "ولنعم دارُ من لم يرض بها داراً"، فمتى تكون الدّنيا نعم الدّار لك؟ إذا كنت تعرف أنَّ هذه الدّار ليست دارك التي تخلد فيها، ولكنّها الدّار التي تنتقل منها إلى دارٍ أخرى.

"ومحلّ من لمْ يوطّنها محلاًّ"، وهي محلّ الإنسان الذي لم يعتبرها وطناً يستقيم به، ولكنها مجرَّد مرحلة من مراحل السفر، "وإنّ السعداء بالدنيا غداً هم الهاربون منها اليوم"، هم الذين لا يعيشون حالة الإخلاد إليها والاسترخاء فيها، بل الّذين يهربون من ضلالاتها إلى ما يعطيهم محلاً آخر عند الله.

"إذا رجفت الرَّاجفة"، وهي كناية عن القيامة الّتي تجعل النَّاس يعيشون الرَّجفة العظيمة لهول ما يلاقونه فيها: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ}[8]. "وحقّت بجلائلها القيامة، ولحق بكلّ منسك أهلُه"، أي بكلّ عبادة، فمن يعبد الله يسير في طريق الله ويلحق برحمته، ومن يعبد الشّيطان يسير إلى نهايات الشّيطان ومقطّعات النّيران، "وبكلّ معبود عبدته، وبكلّ مطاع أهل طاعته"، فانظروا من تعبدون، لأنكم ستلحقون به يوم القيامة، وانظروا من تطيعون، فإنّكم ستكونون معه يوم القيامة، "فلم يُجزَ في عدله وقسطه يومئذٍ خرقُ بصر في الهواء، ولا همس قدمٍ في الأرض إلا بحقّه"، والله تعالى يقول: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ}[9]، {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى}[10]. ويقول: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ}[11]، فالله هو العادل الّذي يظلّل الخلائق بعدله، "فكم حجّة يوم ذاك داحضة"، فقد نقدّم الحجج الآن لبعضنا البعض، ولكنّنا عندما نقف بين يدي الله، {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا}[12]،  {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}[13]، فلا نجد فيها أي حجّة بالغة.

"وعلائق عذر منقطعة"، فهناك الكثير من الأعذار التي نستخدمها في الدّنيا ستنقطع يوم القيامة، لأنها لا ترتكز على أساس، "فتحرَّ من أمرك ما يقوم به عذرك"، أي حاول أن تجد عذراً حقيقياً لا ينقطع، "وتثبّت به حجّتك، وخذ ما يبقى لك مما لا تبقى له"، فخذ مـن الدنيا ـ ما استطعت إلى ذلك سبيلاً ـ ما يبقى لك من المال والجاه والطّاقة إلى الآخرة، لأنّك لن تبقى لمالك، ولأنّه لن يبقى لك، ولأنّ جاهك أيضاً لن يبقى لك، ولأنّ طاقتك لن تبقى لك، فحاول أن تعتصر ما عندك لتشربه في الآخرة كأساً رويّة لا تظمأ بعدها أبداً، وعلينا أن نحصل على عصير العمر في كلِّ ما يعطينا القوّة والسّلامة عند الله، فكلّ تلك الأشياء قشور تتحوَّل إلى تراب.

"وتيسَّر لسفرك"، فالله قد قال لك: {إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ}[14]، "وشم برقَ النّجاة"، أي حاول أن تجد في البرق المعنويّ ـ الّذي يمثّل الطاعات كلّها ـ الطريق إلى النجاة، "وأرحل مطايا التشمير"[15]، أي حاول أن تشمّر عن طاقاتك كلّها لتصل إلى ما تريد من الهدف.

عليّ(ع) مصدر الوعي

أيّها الأحبّة، هذا هو استيحاء الإمام عليّ(ع) لهذه الآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}[16]، وعلينا أن نستوحي عليّاً(ع) في استيحائه للقرآن، لنرى كيف يمتدّ بالآية إلى آفاق النّفس، ليعطيها الوعي بعد الغفلة والحقّ بعد الباطل، وما يمكن أن يسير بها إلى الله لتلتقي به: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ}[17]، و{يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ للهِ}[18].

ويبقى الإمام عليّ(ع) مصدر الوعي واليقظة والسموّ والحقّ والعدل وإثراء إنسانيّتنا بكلّ ما يغنيها ويرتفع بها، فلا تأخذوا من عليّ سيفه فقط، وإن كان سيفه سيف الحقّ، ولكن خذوا منه علمه وفكره، فهو الّذي يبقى لنا ما دامت السّماوات والأرض، لأنَّ عليّاً هو إنسان الحياة الَّذي لا يبلى فكره ولا تتجمَّد كلماته، فهو تلميذ القرآن، وكما أنَّ القرآن يتحرّك غضّاً جديداً كلّما تلي في أيّ زمن وموقع فعليّ، يبقى غضّاً جديداً في كلماته كلِّها، لأنها مستوحاة من كلمات الله وحقائق الحقّ والحياة كلّها.

 *ندوة الشّام الأسبوعيّة، فكر وثقافة، بتاريخ: 6 شوّال 1419ه/‍ الموافق: 23/1/1999م.


[1]  نهج البلاغة، خطب الإمام علي(ع)، ج 2، ص 19.

[2]  [الانفطار: 6 ـ 8].

[3]  [الحجّ: 46].

[4]  [الزمر: 53].

[5]  الصحيفة السجاديّة، الإمام زين العابدين(ع)، دعاؤه في سحر كلّ ليلة من شهر رمضان.

[6]  [النّحل: 18].

[7]  نهج البلاغة، ج 1، ص 131.

[8]  [الحجّ: 2].

[9]  [غافر: 17].

[10]  [آل عمران: 195].

[11]  [الزلزلة: 7، 8].

[12]  [النّحل: 111].

[13]  [غافر: 19].

[14]  [الانشقاق: 6].

[15]  نهج البلاغة، ج 2، ص 213 ـ 216.

[16]  [الانفطار: 6].

[17]  [الشعراء: 88].

[18]  [الانفطار: 19].

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية