الإمامُ الحسينُ (ع) الإمامةُ المسؤولةُ وشَجاعةُ المواجهة

الإمامُ الحسينُ (ع) الإمامةُ المسؤولةُ وشَجاعةُ المواجهة
كان الحسين (ع) حبيب رسول الله (ص)، وكان حبيب فاطمة الزّهراء (ع)، وكان وأخاه سيّدَيْ شباب أهل الجنَّة، وقد انطلق مع جدِّه ليعيش في طفولته أنفاسه، ولينفتح على كلّ عاطفته ومحبَّته ورعايته، كما عاش مع أمِّه السيِّدة الطّاهرة المعصومة التي عاشت مع الله منذ طفولتها، وعاشت مع رسول الله (ص) بعض شبابها، وتعلّمت منه وتخلّقت بأخلاقه، حتى إنّ رسول الله دخل في عقل الزّهراء (ع) وقلبها وامتدَّ في حياتها، فكانت الإنسانة التي اختزنت في كلّ شخصيَّتها معنى رسول الله (ص)، وكانت علاقتها به وعلاقته بها عميقةً للغاية، بفعل عطائها المتدفّق من قلبها ومشاعرها وأحاسيسها، ما جعله يشعر بأمومة جديدة في ابنته، حتى قال عنها إنّها أمّ أبيها، لأنّها عوّضت أباها عاطفة الأمّ التي فقدها منذ طفولته الأولى.

إذاً، عاش الحسين (ع) مع أمّه هو وأخوه، وامتدَّت حياته مع أبيه عليّ (ع)، وعاش كلّ قيم أبيه الّذي علَّمه أسرار الرّوحانيَّة والمحبّة لله، وكذلك عاش كلّ آلام أبيه. وكان عليّ (ع) الإنسان الذي عاش مع الحقّ، فلم يترك له الحقّ صديقاً، واستطاع أن يعمل بكلِّ ما عنده من طاقة في سبيل أن يجسّد الإسلام حتّى في الظروف الصّعبة، لأنّه كان يريد أن يؤكِّد السياسة الإسلاميّة التي ترفع مستوى النّاس وتحلّ مشاكلهم. وكان الحسين (ع) يعيش كلّ هذا الجوّ، فعاش شجاعة أبيه وروحانيَّته وقوَّة موقفه في الدّفاع عن الإسلام، حتّى انطبعت شخصيَّته بشخصيّة أبيه(ع).

ولذلك، فإنَّ حركة الحسين (ع) كانت حركة الإمامة في موقعه، ولم تكن حركةً ذاتيّةً أو شخصيّةً، ولم يكن (ع) طالب سلطان، ولكنَّه كان إماماً يشعر بأنَّ الإمامة تفرض عليه الامتداد في كلِّ قضايا النّاس، ليمنحهم القيمة العليا في روحانيَّتها وحركيَّتها وكلّ المواقع التي ترتفع بمستواهم. ولذلك، أراد الحسين (ع) للحاكم الإسلاميّ أن يجسِّد الإسلام في عقله ليكون خيراً كلّه، وفي قلبه ليكون الخيرَ كلّه، وأن يجسِّد العدل في حياته لتكون حياته عدلاً كلّها، بحيث يعيش آلام النّاس ومشاكلهم، وليجعل الحياة كلّها صلاحاً وإصلاحاً: "إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمَّة جدّي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر"، ولم يكن الحسين (ع) إنسان العنف، بل كان إنسان الرّفق: "فمَنْ قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم بالحقّ، وهو خير الحاكمين" .

وانطلق الحسين (ع) ليكون إنسان الحوار مع خصومه وأعدائه الَّذين تغلغلت الدّنيا في عقولهم، فكانت قلوبهم معه ولكنّ سيوفهم عليه، فكان يقف أمامهم بين وقتٍ وآخر، ليرشدهم ويبصّرهم بالحقيقة كلّها، ولكنّ الدّنيا شغلتهم وراقهم زبرجها... حتّى إذا أرادوا منه أن يقرّ بشرعيَّة حكم يزيد وابن زياد ، وينزل على حكمهم، انتفض (ع) انتفاضة الإنسان الَّذي انطلق الحقّ في كل كيانه، وبكلّ مسؤوليّة قال لهم: "ألا وإنَّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين؛ بين السلّة والذلّة، وهيهات منَّا الذلَّة! يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حميّة، ونفوس أبيّة، من أن نؤثر طاعة اللّئام على مصارع الكرام" . وقال لهم بكلِّ شجاعة وقوّةٍ في الموقف: "لا والله، لا أعطيكم بيدي إعطاء الذَّليل - فالعزّة لله ولرسوله وللمؤمنين - ولا أقرُّ لَكُمْ إقرارَ العبيد" ، لأنّني أعيش الحرّيّة التي منحها الله للإنسان، وقد رفض له أن يذلَّ نفسه.

وانطلق (ع) بكلِّ شجاعته، وهو الذي ورث شجاعة أبيه، ولذلك صاح ابن سعد بجيشه: "أتدرون من تقاتلون؟ هذا ابن الأنزع البطين، هذا ابن قتَّال العرب". وانطلقوا بآلافهم ليقاتلوه وحيداً، فكان (ع) أمّةً في موقفه حين واجههم، حتى قال بعضهم: "فوالله ما رأيت مكثوراً قطّ قد قُتل أهله وولده، أربط جأشاً ولا أمضى جناناً منه، إن كانت الرجّالة لتشدّ عليه فيشدّ عليها، فتنكشف عن يمينه وشماله انكشاف المعزى إذا شدَّ فيها الذّئب" .
وكان (ع) مثال الإمامة المسؤولة، والرّسالة المتحدّية، والشّجاعة الصَّابرة، وهو وإن قُتل في تلك المرحلة، إلا أنَّه بقي حيّاً في الأمَّة، ليكون ثورةً في كلّ جيل، وحركةً في كلّ موقع من مواقع مواجهة الاستكبار.
* من خطبة جمعة لسماحته، بتاريخ: 9 شعبان 1430 هـ/ الموافق: ٣١/ ٧/ ٢٠٠٩م.
كان الحسين (ع) حبيب رسول الله (ص)، وكان حبيب فاطمة الزّهراء (ع)، وكان وأخاه سيّدَيْ شباب أهل الجنَّة، وقد انطلق مع جدِّه ليعيش في طفولته أنفاسه، ولينفتح على كلّ عاطفته ومحبَّته ورعايته، كما عاش مع أمِّه السيِّدة الطّاهرة المعصومة التي عاشت مع الله منذ طفولتها، وعاشت مع رسول الله (ص) بعض شبابها، وتعلّمت منه وتخلّقت بأخلاقه، حتى إنّ رسول الله دخل في عقل الزّهراء (ع) وقلبها وامتدَّ في حياتها، فكانت الإنسانة التي اختزنت في كلّ شخصيَّتها معنى رسول الله (ص)، وكانت علاقتها به وعلاقته بها عميقةً للغاية، بفعل عطائها المتدفّق من قلبها ومشاعرها وأحاسيسها، ما جعله يشعر بأمومة جديدة في ابنته، حتى قال عنها إنّها أمّ أبيها، لأنّها عوّضت أباها عاطفة الأمّ التي فقدها منذ طفولته الأولى.

إذاً، عاش الحسين (ع) مع أمّه هو وأخوه، وامتدَّت حياته مع أبيه عليّ (ع)، وعاش كلّ قيم أبيه الّذي علَّمه أسرار الرّوحانيَّة والمحبّة لله، وكذلك عاش كلّ آلام أبيه. وكان عليّ (ع) الإنسان الذي عاش مع الحقّ، فلم يترك له الحقّ صديقاً، واستطاع أن يعمل بكلِّ ما عنده من طاقة في سبيل أن يجسّد الإسلام حتّى في الظروف الصّعبة، لأنّه كان يريد أن يؤكِّد السياسة الإسلاميّة التي ترفع مستوى النّاس وتحلّ مشاكلهم. وكان الحسين (ع) يعيش كلّ هذا الجوّ، فعاش شجاعة أبيه وروحانيَّته وقوَّة موقفه في الدّفاع عن الإسلام، حتّى انطبعت شخصيَّته بشخصيّة أبيه(ع).

ولذلك، فإنَّ حركة الحسين (ع) كانت حركة الإمامة في موقعه، ولم تكن حركةً ذاتيّةً أو شخصيّةً، ولم يكن (ع) طالب سلطان، ولكنَّه كان إماماً يشعر بأنَّ الإمامة تفرض عليه الامتداد في كلِّ قضايا النّاس، ليمنحهم القيمة العليا في روحانيَّتها وحركيَّتها وكلّ المواقع التي ترتفع بمستواهم. ولذلك، أراد الحسين (ع) للحاكم الإسلاميّ أن يجسِّد الإسلام في عقله ليكون خيراً كلّه، وفي قلبه ليكون الخيرَ كلّه، وأن يجسِّد العدل في حياته لتكون حياته عدلاً كلّها، بحيث يعيش آلام النّاس ومشاكلهم، وليجعل الحياة كلّها صلاحاً وإصلاحاً: "إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمَّة جدّي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر"، ولم يكن الحسين (ع) إنسان العنف، بل كان إنسان الرّفق: "فمَنْ قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم بالحقّ، وهو خير الحاكمين" .

وانطلق الحسين (ع) ليكون إنسان الحوار مع خصومه وأعدائه الَّذين تغلغلت الدّنيا في عقولهم، فكانت قلوبهم معه ولكنّ سيوفهم عليه، فكان يقف أمامهم بين وقتٍ وآخر، ليرشدهم ويبصّرهم بالحقيقة كلّها، ولكنّ الدّنيا شغلتهم وراقهم زبرجها... حتّى إذا أرادوا منه أن يقرّ بشرعيَّة حكم يزيد وابن زياد ، وينزل على حكمهم، انتفض (ع) انتفاضة الإنسان الَّذي انطلق الحقّ في كل كيانه، وبكلّ مسؤوليّة قال لهم: "ألا وإنَّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين؛ بين السلّة والذلّة، وهيهات منَّا الذلَّة! يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حميّة، ونفوس أبيّة، من أن نؤثر طاعة اللّئام على مصارع الكرام" . وقال لهم بكلِّ شجاعة وقوّةٍ في الموقف: "لا والله، لا أعطيكم بيدي إعطاء الذَّليل - فالعزّة لله ولرسوله وللمؤمنين - ولا أقرُّ لَكُمْ إقرارَ العبيد" ، لأنّني أعيش الحرّيّة التي منحها الله للإنسان، وقد رفض له أن يذلَّ نفسه.

وانطلق (ع) بكلِّ شجاعته، وهو الذي ورث شجاعة أبيه، ولذلك صاح ابن سعد بجيشه: "أتدرون من تقاتلون؟ هذا ابن الأنزع البطين، هذا ابن قتَّال العرب". وانطلقوا بآلافهم ليقاتلوه وحيداً، فكان (ع) أمّةً في موقفه حين واجههم، حتى قال بعضهم: "فوالله ما رأيت مكثوراً قطّ قد قُتل أهله وولده، أربط جأشاً ولا أمضى جناناً منه، إن كانت الرجّالة لتشدّ عليه فيشدّ عليها، فتنكشف عن يمينه وشماله انكشاف المعزى إذا شدَّ فيها الذّئب" .
وكان (ع) مثال الإمامة المسؤولة، والرّسالة المتحدّية، والشّجاعة الصَّابرة، وهو وإن قُتل في تلك المرحلة، إلا أنَّه بقي حيّاً في الأمَّة، ليكون ثورةً في كلّ جيل، وحركةً في كلّ موقع من مواقع مواجهة الاستكبار.
* من خطبة جمعة لسماحته، بتاريخ: 9 شعبان 1430 هـ/ الموافق: ٣١/ ٧/ ٢٠٠٩م.
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية