من كرم أبي عبدالله الحسين (ع)

من كرم أبي عبدالله الحسين (ع)

ممّا جاء في كرم الحسين (ع)، ما رواه عمرو بن دينار قال: دخل الحسين بن علي (ع) على أسامة بن زيد وهو مريض، وهو يقول: وا غمّاه ! فقال له الحسين (ع): "وما غمّك يا أسامة؟". فقال: دَيني، وهو ستّون ألف درهم. فقال الحسين (ع): "هو علَيّ". فقال: إنّي أخشى أنْ أموت. فقال الحسين (ع): "لنْ تموت حتّى أقضيها عنك". قال: فقضاها قبل موته.

وكان (ع) يقول: "شرّ خصال الملوك؛ الجُبن عن الأعداء، والقسوة على الضعفاء، والبخل عن الإعطاء".

ووفد أعرابي إلى المدينة، فسأل عن أكرم النّاس بها، فدُلّ على الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)، فدخل المسجد فوجده يصلّي، فوقف بإزائه وأنشأ يقول:

لمْ يَخبِ الآن مَنْ رجاكَ ومَنْ حرَّكَ من دون بابِك الحلَقهْ

أنت جوادٌ وأنت مُعتَمَدٌ أبوك قدْ كان قاتلَ الفسَقهْ

لولا الّذي كان منْ أوائِلكُمْ كانتْ علينا الجَحيمُ مُنطبقهْ

فسلّم الحسين (ع)، وقال: "يا قنبر، هل بقي من مال الحجاز شيء؟"، قال: نعم، أربعة آلاف دينار. فقال (ع): "هاتها، قد جاء مَن هو أحقّ بها منّا". ثمّ نزع بردته، ولفّ الدنانير فيها، وأخرج يده من شقّ الباب؛ حياءً من الأعرابي، وأنشأ يقول:

خُذْها فإنّي إليك معتذرٌ واعلَمْ بأنّي عليك ذو شَفَقهْ

لو كان في سَيرنا الغداةَ عصاً أمستْ سمانا عليكَ مُندفِقهْ

لكنَّ ريبَ الزّمان ذو غِيرٍ والكفُّ منّي قليلةُ النّفَقهْ

فأخذها الأعرابي وبكى. فقال له الحسين (ع): "لعلّك استقللت ما أعطيناك؟". قال: لا، ولكن كيف يأكل التّراب جودك؟!

ووُجِد على ظهر الحسين (ع) يوم الطفّ أثر، فسألوا زين العابدين (ع) عن ذلك، فقال: "هذا ممّا كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين".

ووُجِد على ظهره (ع) يوم الطفّ أثر آخر، هو أوجع للقلوب من هذا الأثر، وهو أثر حوافر الخيل التي داست بحوافرها صدره الشّريف وظهره؛ وذلك حين أمر ابن سعد عشرة فوارس أنْ يدوسوا بحوافر خيولهم صدره وظهره؛ تنفيذاً لِما أمر به ابن زياد. ففعلوا، وأقبلوا إلى ابن زياد وهم يقولون:

نحنُ رَضضْنَا الصَّدرَ بعد الظَّهْرِ بكلِّ يعبوبٍ شديدِ الأسرِ

فقال ابن زياد: مَن أنتم؟ قالوا: نحن الذين وطأنا بخيولنا جسد الحسين حتّى طحنّا جناجن صدره.

تَطأُ الصّواهلُ جسمَهُ وعلى القنَا من رأسهِ المرفوعِ بدرُ سماءِ

* * *

عقَرتْ بناتُ الأعوجيّةِ هلْ دَرتْ ما يُستباحُ بها وماذا يُصنعُ

ممّا جاء في كرم الحسين (ع)، أنّ أعرابياً جاءه فقال: يابن رسول الله، قد ضمنت دية كاملة وعجزت عن أدائها، فقلت في نفسي: أسأل أكرم النَّاس، وما رأيت أكرم من آل محمّد (ص). فقال (ع): "أسألك عن ثلاث مسائل؛ فإنْ أجبت عن واحدة أعطيتك ثلث المال، وإنْ أجبت عن اثنتين أعطيتك ثلثي المال، وإنْ أجبت عن الكلّ أعطيتك الكلّ". فقال الأعرابي: يابن رسول الله، أمثلك يسأل مثلي، وأنت من أهل العلم والشّرف؟! فقال الحسين (ع): "بلى، سمعت جدّي رسول الله (ص) يقول: المعروف بقدر المعرفة". فقال الأعرابي: سلْ عمّا بدا لك، فإنْ أجبت، وإلّا تعلّمت منك. فقال الحسين (ع): "أيّ الأعمال أفضل؟". فقال الأعرابي: الإيمان بالله. فقال الحسين (ع): "فما النجاة من المهلكة؟". فقال الأعرابي: الثقة بالله. فقال الحسين (ع): "فما يزيّن الرّجل؟". فقال الأعرابي: علم معه حلم. فقال الحسين (ع): "فإنْ أخطأه ذلك؟". فقال الأعرابي: مال معه مروءة. فقال الحسين (ع): "فإنْ أخطأه ذلك؟". فقال الأعرابي: فقر معه صبر. فقال الحسين (ع): "فإنْ أخطأه ذلك؟". فقال الأعرابي: فصاعقة تنزل من السّماء فتحرقه؛ فإنّه أهل لذلك. فضحك الحسين (ع)، ورمى إليه بصرّة فيها ألف دينار، وأعطاه خاتمه وفيه فصّ قيمته مئتا درهم، وقال الحسين (ع): "يا أعرابي، أعط الذّهب غرماءك، واصرف الخاتم في نفقتك". فأخذ الأعرابي المال، وقال: الله أعلم حيث يجعل رسالته.

وعلّم عبد الرحمن السّلمي بعض ولْد الحسين (ع) سورة الفاتحة، فلمّا قرأها الصبي على أبيه الحسين (ع)، أعطى ذلك المعلّم ألف دينار وألف حلّة وحشا فاه درّاً. فقيل له في ذلك، فقال (ع): "وأين يقع هذا من إعطائه"، يعني تعليمه للسورة. وأنشد الحسين (ع) يقول:

إذا جادتْ الدّنيا عليك فجُدْ بها على النّاس طُرّاً قبل أنْ تتفلّتِ

فلا الجودُ يُفنيها إذا هي أقبلتْ ولا البخلُ يُبقيها إذا ما تولّتِ

ومن كرمه العظيم وسخائه العجيب، أنّه لـمّا التقى مع الحُرّ بن يزيد - وكان مع الحرّ زهاء ألف فارس - وكان الحسين (ع) في سَحر ذلك اليوم، أمر فتيانه أنْ يستقوا من الماء ويكثروا، ففعلوا. ووقف الحرّ وخيله مقابل الحسين (ع) في حَرّ الظهيرة، فقال الحسين (ع) لفتيانه: "اسقوا القوم وارووهم من الماء، وارشفوا الخيل ترشيفاً"، أي أسقوها قليلاً. وأقبلوا يملأون القصاع والطساس من الماء ثمّ يدنونها من الفرس، فاذا عبّ فيها ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً، عُزلت عنه وسقوا آخر حتّى سقوها عن آخرها.

أتدرون ما كان جزاء الحسين (ع) من الأعداء على سقيه إيّاهم الماء مع خيولهم في تلك الأرض القفراء؟ نعم، كان جزاؤه منهم أنْ حالوا بينه وبين ماء الفرات، وبعث عمر بن سعد عمرو بن الحجّاج في خمسمائة فارس، فنزلوا على الشّريعة، وحالوا بين الحسين (ع) وأصحابه وبين الماء.

وقال الشيخ المفيد (عليه الرحمة): وكان ذلك قبل قَتل الحسين (ع) بثلاثة أيّام.

منَعوهُ شُربَ الماءِ لا شَرِبوا غداً من كفِّ والده البطينِ الأنزعِ

*من كتاب "المجالس السنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة"، ج 1.

ممّا جاء في كرم الحسين (ع)، ما رواه عمرو بن دينار قال: دخل الحسين بن علي (ع) على أسامة بن زيد وهو مريض، وهو يقول: وا غمّاه ! فقال له الحسين (ع): "وما غمّك يا أسامة؟". فقال: دَيني، وهو ستّون ألف درهم. فقال الحسين (ع): "هو علَيّ". فقال: إنّي أخشى أنْ أموت. فقال الحسين (ع): "لنْ تموت حتّى أقضيها عنك". قال: فقضاها قبل موته.

وكان (ع) يقول: "شرّ خصال الملوك؛ الجُبن عن الأعداء، والقسوة على الضعفاء، والبخل عن الإعطاء".

ووفد أعرابي إلى المدينة، فسأل عن أكرم النّاس بها، فدُلّ على الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)، فدخل المسجد فوجده يصلّي، فوقف بإزائه وأنشأ يقول:

لمْ يَخبِ الآن مَنْ رجاكَ ومَنْ حرَّكَ من دون بابِك الحلَقهْ

أنت جوادٌ وأنت مُعتَمَدٌ أبوك قدْ كان قاتلَ الفسَقهْ

لولا الّذي كان منْ أوائِلكُمْ كانتْ علينا الجَحيمُ مُنطبقهْ

فسلّم الحسين (ع)، وقال: "يا قنبر، هل بقي من مال الحجاز شيء؟"، قال: نعم، أربعة آلاف دينار. فقال (ع): "هاتها، قد جاء مَن هو أحقّ بها منّا". ثمّ نزع بردته، ولفّ الدنانير فيها، وأخرج يده من شقّ الباب؛ حياءً من الأعرابي، وأنشأ يقول:

خُذْها فإنّي إليك معتذرٌ واعلَمْ بأنّي عليك ذو شَفَقهْ

لو كان في سَيرنا الغداةَ عصاً أمستْ سمانا عليكَ مُندفِقهْ

لكنَّ ريبَ الزّمان ذو غِيرٍ والكفُّ منّي قليلةُ النّفَقهْ

فأخذها الأعرابي وبكى. فقال له الحسين (ع): "لعلّك استقللت ما أعطيناك؟". قال: لا، ولكن كيف يأكل التّراب جودك؟!

ووُجِد على ظهر الحسين (ع) يوم الطفّ أثر، فسألوا زين العابدين (ع) عن ذلك، فقال: "هذا ممّا كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين".

ووُجِد على ظهره (ع) يوم الطفّ أثر آخر، هو أوجع للقلوب من هذا الأثر، وهو أثر حوافر الخيل التي داست بحوافرها صدره الشّريف وظهره؛ وذلك حين أمر ابن سعد عشرة فوارس أنْ يدوسوا بحوافر خيولهم صدره وظهره؛ تنفيذاً لِما أمر به ابن زياد. ففعلوا، وأقبلوا إلى ابن زياد وهم يقولون:

نحنُ رَضضْنَا الصَّدرَ بعد الظَّهْرِ بكلِّ يعبوبٍ شديدِ الأسرِ

فقال ابن زياد: مَن أنتم؟ قالوا: نحن الذين وطأنا بخيولنا جسد الحسين حتّى طحنّا جناجن صدره.

تَطأُ الصّواهلُ جسمَهُ وعلى القنَا من رأسهِ المرفوعِ بدرُ سماءِ

* * *

عقَرتْ بناتُ الأعوجيّةِ هلْ دَرتْ ما يُستباحُ بها وماذا يُصنعُ

ممّا جاء في كرم الحسين (ع)، أنّ أعرابياً جاءه فقال: يابن رسول الله، قد ضمنت دية كاملة وعجزت عن أدائها، فقلت في نفسي: أسأل أكرم النَّاس، وما رأيت أكرم من آل محمّد (ص). فقال (ع): "أسألك عن ثلاث مسائل؛ فإنْ أجبت عن واحدة أعطيتك ثلث المال، وإنْ أجبت عن اثنتين أعطيتك ثلثي المال، وإنْ أجبت عن الكلّ أعطيتك الكلّ". فقال الأعرابي: يابن رسول الله، أمثلك يسأل مثلي، وأنت من أهل العلم والشّرف؟! فقال الحسين (ع): "بلى، سمعت جدّي رسول الله (ص) يقول: المعروف بقدر المعرفة". فقال الأعرابي: سلْ عمّا بدا لك، فإنْ أجبت، وإلّا تعلّمت منك. فقال الحسين (ع): "أيّ الأعمال أفضل؟". فقال الأعرابي: الإيمان بالله. فقال الحسين (ع): "فما النجاة من المهلكة؟". فقال الأعرابي: الثقة بالله. فقال الحسين (ع): "فما يزيّن الرّجل؟". فقال الأعرابي: علم معه حلم. فقال الحسين (ع): "فإنْ أخطأه ذلك؟". فقال الأعرابي: مال معه مروءة. فقال الحسين (ع): "فإنْ أخطأه ذلك؟". فقال الأعرابي: فقر معه صبر. فقال الحسين (ع): "فإنْ أخطأه ذلك؟". فقال الأعرابي: فصاعقة تنزل من السّماء فتحرقه؛ فإنّه أهل لذلك. فضحك الحسين (ع)، ورمى إليه بصرّة فيها ألف دينار، وأعطاه خاتمه وفيه فصّ قيمته مئتا درهم، وقال الحسين (ع): "يا أعرابي، أعط الذّهب غرماءك، واصرف الخاتم في نفقتك". فأخذ الأعرابي المال، وقال: الله أعلم حيث يجعل رسالته.

وعلّم عبد الرحمن السّلمي بعض ولْد الحسين (ع) سورة الفاتحة، فلمّا قرأها الصبي على أبيه الحسين (ع)، أعطى ذلك المعلّم ألف دينار وألف حلّة وحشا فاه درّاً. فقيل له في ذلك، فقال (ع): "وأين يقع هذا من إعطائه"، يعني تعليمه للسورة. وأنشد الحسين (ع) يقول:

إذا جادتْ الدّنيا عليك فجُدْ بها على النّاس طُرّاً قبل أنْ تتفلّتِ

فلا الجودُ يُفنيها إذا هي أقبلتْ ولا البخلُ يُبقيها إذا ما تولّتِ

ومن كرمه العظيم وسخائه العجيب، أنّه لـمّا التقى مع الحُرّ بن يزيد - وكان مع الحرّ زهاء ألف فارس - وكان الحسين (ع) في سَحر ذلك اليوم، أمر فتيانه أنْ يستقوا من الماء ويكثروا، ففعلوا. ووقف الحرّ وخيله مقابل الحسين (ع) في حَرّ الظهيرة، فقال الحسين (ع) لفتيانه: "اسقوا القوم وارووهم من الماء، وارشفوا الخيل ترشيفاً"، أي أسقوها قليلاً. وأقبلوا يملأون القصاع والطساس من الماء ثمّ يدنونها من الفرس، فاذا عبّ فيها ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً، عُزلت عنه وسقوا آخر حتّى سقوها عن آخرها.

أتدرون ما كان جزاء الحسين (ع) من الأعداء على سقيه إيّاهم الماء مع خيولهم في تلك الأرض القفراء؟ نعم، كان جزاؤه منهم أنْ حالوا بينه وبين ماء الفرات، وبعث عمر بن سعد عمرو بن الحجّاج في خمسمائة فارس، فنزلوا على الشّريعة، وحالوا بين الحسين (ع) وأصحابه وبين الماء.

وقال الشيخ المفيد (عليه الرحمة): وكان ذلك قبل قَتل الحسين (ع) بثلاثة أيّام.

منَعوهُ شُربَ الماءِ لا شَرِبوا غداً من كفِّ والده البطينِ الأنزعِ

*من كتاب "المجالس السنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة"، ج 1.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية