[سمّي الإمام الحسن بن عليّ بن محمَّد (ع) بالعسكريّ] نسبةً إلى بلدة سامرّاء
التي كانت تسمَّى بالعسكر، باعتبار أنّها كانت منطقة العسكر، ثم صارت مدينةً بعد
ذلك1.
عاش الإمام العسكريّ (ع) كما عاش آباؤهُ من أئمة أهل البيت (ع) في موقع الإمامة، من
أجل فتح عقول النّاس وقلوبهم على الإسلام الأصيل الّذي انطلق به رسول الله (ص)،
وسار فيه أئمة أهل البيت (ع)، باعتبار أنّهم أمناء الله على الرّسالة، ولأنهم
خلفاؤه سبحانه في أرضه وحججه على عباده.. وقد تتلمذ عليه الكثيرون من الرّواة
والعلماء، وأثّر في مجتمعه، بالرّغم من حداثة سنّه، تأثيراً كبيراً جدّاً، حتى إنَّ
أعداءه كانوا يشهدون له بما يشهد له به أولياؤه. وكما ذكرنا، فإنَّه بالرّغم من
أنَّه كان أصغر الأئمّة عمراً، لكنّه استطاع أن يستولي على ثقة المجتمع كلِّه، وكان
يُقَدَّم على شيوخ بني هاشم، والمجتمع كلُّه يقدِّمه ويثقُ به ويتحرّك باتجاه علمه
وإمامته.
وفي سيرته (ع) أنَّه بلغ عدد الرّواة عنه 149 حدّثوا عنه بلا واسطة، مع الاختلاف في
وثاقتهم ومنازلهم، ما يدلُّ على اهتمام المجتمع الثّقافي آنذاك بالمكانة العلميَّة
التي يمثّلها الإمام الحسن العسكريّ (ع)، لأنَّ الرواة ليسوا مجرَّد أشخاص يسألون،
بل كانوا يمثّلون أساتذة المجتمع في الثقافة الإسلاميّة، ومواقع المعرفة فيه...
كان العباسيّون يحقدون على الإمام (ع)، لأنَّهم كانوا يخافون منه على سلطانهم، كما
أنَّه كان هناك بعض النّاس المعقَّدين منه، وهذا ما نجده في كلِّ زمانٍ ومكان،
عندما ينطلق المعقَّدون ضدّ الذين يتحرّكون في الحياة من أجل الخير كلِّه والحقِّ
كلِّه...
وقد حُوصِر (ع) في عهد المتوكِّل، واعتقل مرّات عدّة في عهد من جاء بعده، من
المستعين، إلى المعتزّ، إلى المهتدي، إلى المعتمد...2.
كان (ع) يتابع حركة الثقافة في زمانه، وكان يتحرّك على كلّ الاتجاهات المضادّة
الّتي تنطلق في مواجهة الإسلام، فلم يكن خارج نطاق الواقع الثقافي، وهذا ينطلق من
مسؤوليّة الإمام عن تصحيح المسار الإسلاميّ في كلّ ما يمكن أن يعرض عليه من
الانحرافات، ويرى أنَّ عليه أن يقوم بالمبادرة الفعليّة في ذلك، إمّا بشكل مباشر،
أو بشكل غير مباشر.
وهذا ما نرصده في سيرة أئمّة أهل البيت (ع)، فنحن عندما نقرأ كلّ التراث الذي نقله
لنا المؤرِّخون والباحثون، فإنّنا نرى أنَّ كلّ إمام من الأئمّة كان يواجه كلّ
التيّارات التي تتحرّك في داخل الواقع الإسلاميّ، عندما يعيش المسلمون الخلاف
الكلاميّ تارةً والفقهيّ تارةً أخرى، فيتمذهب كلّ واحد منهم بمذهب معيّن، وينطلقون
إلى الواقع الإسلاميّ ليديروا الحوار حول هذه القضايا، حتى يصحّحوا ما فسد،
ويقوّموا ما انحرف، ويلتفتون إلى الواقع الإسلاميّ عندما تفد عليه التيارات اللا
إسلاميّة، فيجلسون مع الزنادقة ومع الملاحدة ومع اليهود والنصارى والمجوس وأهل
الفلسفات، ليديروا الحوار معهم بكلّ العقل المنفتح على الإنسان الآخر، في كلّ ما هو
فيه، وبكلّ لسان لا ينطلق إلّا بالتي هي أحسن، وبكلّ أسلوبٍ لا يتحرَّك إلّا بالّتي
هي أحسن3.
وقد جاء في سيرة الإمام (ع)، أنه عندما مرض، أرسلت إليه السلطة الكثير من الأطباء
لمعالجته والبقاء إلى جانبه، حتى إذا قبضه الله إلى جواره، أرسل الخليفة إلى
العلماء والقضاة لينظروا إليه، وليشهدوا أنه مات حتف أنفه، حتى لا تُتَّهم الخلافة
بقتله. ويذكر المؤرخون أنّه عندما أعلنت وفاته، ضجّت سامراء ضجة واحدة، وانطلق كلّ
الناس في تشييعه، وأرسل الخليفة إلى بيته من يفحص هل له ولد، ويفحص جواريه هل إنّ
إحداهنَّ حامل، لأنهم كانوا يريدون أن يطمئنّوا لانقطاع الإمامة. ولكنَّ الله عزّ
وجلّ أخفى وليّه بالطريقة التي حفظ بها هذا الوليّ الذي ينتظره العالم كلّه ليملأ
الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
وصلَّى الله على الإمام الحسن العسكريّ (ع) وعلى آبائه (ع) وعلى ولده (ع) حجّة الله
في الأرض، سائلين الله أن ينفعنا ببركته وبركة آبائه، وأن يرزقنا شفاعتهم {
يَوْمَ
لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ
سَلِيمٍ
}[الشّعراء: 88 - 89]4.
[1]النّدوة، ج2.
[2]في رحاب أهل البيت، ج2.
[3]النّدوة، ج3.
[4]في رحاب أهل البيت (ع)، ج2.
[سمّي الإمام الحسن بن عليّ بن محمَّد (ع) بالعسكريّ] نسبةً إلى بلدة سامرّاء
التي كانت تسمَّى بالعسكر، باعتبار أنّها كانت منطقة العسكر، ثم صارت مدينةً بعد
ذلك1.
عاش الإمام العسكريّ (ع) كما عاش آباؤهُ من أئمة أهل البيت (ع) في موقع الإمامة، من
أجل فتح عقول النّاس وقلوبهم على الإسلام الأصيل الّذي انطلق به رسول الله (ص)،
وسار فيه أئمة أهل البيت (ع)، باعتبار أنّهم أمناء الله على الرّسالة، ولأنهم
خلفاؤه سبحانه في أرضه وحججه على عباده.. وقد تتلمذ عليه الكثيرون من الرّواة
والعلماء، وأثّر في مجتمعه، بالرّغم من حداثة سنّه، تأثيراً كبيراً جدّاً، حتى إنَّ
أعداءه كانوا يشهدون له بما يشهد له به أولياؤه. وكما ذكرنا، فإنَّه بالرّغم من
أنَّه كان أصغر الأئمّة عمراً، لكنّه استطاع أن يستولي على ثقة المجتمع كلِّه، وكان
يُقَدَّم على شيوخ بني هاشم، والمجتمع كلُّه يقدِّمه ويثقُ به ويتحرّك باتجاه علمه
وإمامته.
وفي سيرته (ع) أنَّه بلغ عدد الرّواة عنه 149 حدّثوا عنه بلا واسطة، مع الاختلاف في
وثاقتهم ومنازلهم، ما يدلُّ على اهتمام المجتمع الثّقافي آنذاك بالمكانة العلميَّة
التي يمثّلها الإمام الحسن العسكريّ (ع)، لأنَّ الرواة ليسوا مجرَّد أشخاص يسألون،
بل كانوا يمثّلون أساتذة المجتمع في الثقافة الإسلاميّة، ومواقع المعرفة فيه...
كان العباسيّون يحقدون على الإمام (ع)، لأنَّهم كانوا يخافون منه على سلطانهم، كما
أنَّه كان هناك بعض النّاس المعقَّدين منه، وهذا ما نجده في كلِّ زمانٍ ومكان،
عندما ينطلق المعقَّدون ضدّ الذين يتحرّكون في الحياة من أجل الخير كلِّه والحقِّ
كلِّه...
وقد حُوصِر (ع) في عهد المتوكِّل، واعتقل مرّات عدّة في عهد من جاء بعده، من
المستعين، إلى المعتزّ، إلى المهتدي، إلى المعتمد...2.
كان (ع) يتابع حركة الثقافة في زمانه، وكان يتحرّك على كلّ الاتجاهات المضادّة
الّتي تنطلق في مواجهة الإسلام، فلم يكن خارج نطاق الواقع الثقافي، وهذا ينطلق من
مسؤوليّة الإمام عن تصحيح المسار الإسلاميّ في كلّ ما يمكن أن يعرض عليه من
الانحرافات، ويرى أنَّ عليه أن يقوم بالمبادرة الفعليّة في ذلك، إمّا بشكل مباشر،
أو بشكل غير مباشر.
وهذا ما نرصده في سيرة أئمّة أهل البيت (ع)، فنحن عندما نقرأ كلّ التراث الذي نقله
لنا المؤرِّخون والباحثون، فإنّنا نرى أنَّ كلّ إمام من الأئمّة كان يواجه كلّ
التيّارات التي تتحرّك في داخل الواقع الإسلاميّ، عندما يعيش المسلمون الخلاف
الكلاميّ تارةً والفقهيّ تارةً أخرى، فيتمذهب كلّ واحد منهم بمذهب معيّن، وينطلقون
إلى الواقع الإسلاميّ ليديروا الحوار حول هذه القضايا، حتى يصحّحوا ما فسد،
ويقوّموا ما انحرف، ويلتفتون إلى الواقع الإسلاميّ عندما تفد عليه التيارات اللا
إسلاميّة، فيجلسون مع الزنادقة ومع الملاحدة ومع اليهود والنصارى والمجوس وأهل
الفلسفات، ليديروا الحوار معهم بكلّ العقل المنفتح على الإنسان الآخر، في كلّ ما هو
فيه، وبكلّ لسان لا ينطلق إلّا بالتي هي أحسن، وبكلّ أسلوبٍ لا يتحرَّك إلّا بالّتي
هي أحسن3.
وقد جاء في سيرة الإمام (ع)، أنه عندما مرض، أرسلت إليه السلطة الكثير من الأطباء
لمعالجته والبقاء إلى جانبه، حتى إذا قبضه الله إلى جواره، أرسل الخليفة إلى
العلماء والقضاة لينظروا إليه، وليشهدوا أنه مات حتف أنفه، حتى لا تُتَّهم الخلافة
بقتله. ويذكر المؤرخون أنّه عندما أعلنت وفاته، ضجّت سامراء ضجة واحدة، وانطلق كلّ
الناس في تشييعه، وأرسل الخليفة إلى بيته من يفحص هل له ولد، ويفحص جواريه هل إنّ
إحداهنَّ حامل، لأنهم كانوا يريدون أن يطمئنّوا لانقطاع الإمامة. ولكنَّ الله عزّ
وجلّ أخفى وليّه بالطريقة التي حفظ بها هذا الوليّ الذي ينتظره العالم كلّه ليملأ
الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
وصلَّى الله على الإمام الحسن العسكريّ (ع) وعلى آبائه (ع) وعلى ولده (ع) حجّة الله
في الأرض، سائلين الله أن ينفعنا ببركته وبركة آبائه، وأن يرزقنا شفاعتهم {
يَوْمَ
لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ
سَلِيمٍ
}[الشّعراء: 88 - 89]4.
[1]النّدوة، ج2.
[2]في رحاب أهل البيت، ج2.
[3]النّدوة، ج3.
[4]في رحاب أهل البيت (ع)، ج2.