ابتعاد الوالد عن المنزل وأثره في الجوّ الأسري

ابتعاد الوالد عن المنزل وأثره في الجوّ الأسري

استشارة..

ترك أبي المنزل وذهب إلى بيتنا القديم ليمكث فيه وحده، بعدما أخذ معه بعض المستلزمات المنزلية، وبات يكرهنا من دون أيِّ سبب منطقي.

تجدر الإشارة إلى أنَّ والدتي هي الَّتي تتكفّل بمصاريفنا، وكانت قبل ذهابها إلى العمل تحضّر له كل ما يحتاجه، علماً بأنه مريض بالسكري، ولم تخطئ في حقِّه أبداً أو تقصر معه. وعلى الرغم من ذلك، هجرها وأصبح قاسياً إلى درجة أنه لم يطمئن على أختي عندما مرضت.

نحن أسرة ملتزمة، ولا نلجأ إلا إلى الله، وقد استعنا برقية شرعية علَّه يعود عن قراره، فهل لديه مرض نفسي أو مسه سحر ما؟ أفتونا في أمرنا، فالحيرة تسرَّبت إلى نفوسنا.

وجواب..

لا شكَّ في أنَّ سعادة الأسرة ترتكز على تضامن أفرادها وتوادهم وتراحمهم وتفاهمهم، ولا سيَّما الوالدين، فإنهما عماد الأسرة والقدوة للأبناء وأملهم وحضنهم الآمن والدافئ، حتى لو شبّوا وتجاوزوا مرحلة الطّفولة والصّبا، ولذا فإنَّ أي خلاف ينشب بين الوالدين، سيؤثر سلباً في استقرار الأسرة، ويهدد سعادة الأولاد، ويشيع القلق والتوتر في نفوسهم، ورغم أنَّ لكلِّ من الوالد والوالدة دوره المتميز على صعيد حركة الأسرة ومستقبلها، ورغم ما لدور الأم من أهمية فائقة واستثنائية، فإن الوالد هو العمدة والأصل والأمل الكبير، وربما من أجل ذلك يصاب الأولاد باليتم عند فقد والدهم، لأنه لن يتمكن أحد من أن يقوم مقامه في دوره الأساس والمهم.

ومن هنا، فإننا نقدّر حجم المعاناة التي تعانونها جراء غياب الوالد عن منزله وابتعاده عنكم، وترككم مع الوالدة رهينة القلق والتوتر جراء هذا التصرف المفاجئ والغامض، وإنني أقدر أيضاً الموقف الحكيم الَّذي وقفتموه أنتم والوالدة أمام هذا التصرف، وكنا نود لو نتمكَّن من تقديم تفسير حاسم وواضح لتصرفه، لو أمكننا لقاؤه ولقاء الوالدة والتحادث معهما حول طبيعة علاقتهما الزوجية، لأنَّنا في البداية سنستبعد فرضية تعرّضه لحالة من الاضطراب النفسي، ونعتبره عاقلاً وواعياً وطبيعياً من هذه الجهة، وأنَّ سبب موقفه ذاك يعود إلى أزمة في علاقته بالوالدة لم تشعروا بها، وتراكمت عبر السنين، وأدت إلى تعاظم نفوره وكراهيته لزوجته ـ والدتكم ـ إلى الحد الَّذي فضَّل معه أن ينسحب من حياتكم، لتبقوا أنتم ووالدتكم في حياتكم المعتادة في منزل الأسرة.

وقد يكون من أسباب ذلك انهماك كل من الوالد والوالدة بعمله خارج البيت، وحؤول ذلك دون قيام علاقة حميمة بينهما، بحيث صار حبهما لبعضهما البعض يذوي ويتبدد مع الأيام، رغم عيشهما في بيت واحد، وقد أظهر الوالد نفوره الدفين وانزعاجه من هذا الجو حينما صار في عمر متقدم، وصار بحاجة أكثر إلى حنان المرأة وعاطفتها، وهذه الحالة هي إحدى سلبيات سن الكهولة التي يعيش فيها الرجل والمرأة حالات من الاضطراب العاطفي تشبه في بعض ملامحها حالة المراهقة، وبخاصَّة الرجل، الذي قد يظهر عليه شيء من نزوات الشّباب، ويصير يتصابى ويبدي اهتماماً بالنساء وتوددا ًإليهن وتجملاً لهن، ولذا، فإنَّ على كلّ من الزوجين أن يدرك حساسية هذه المرحلة، وأن يكون حكيماً في التصرف مع شريكه ومتفهماً لحاجاته، ولا سيما الزوجة الَّتي يفترض بها أن تساعد زوجها على عبور هذه المرحلة بسلام.

كما أنه من أجل ذلك يستحسن لهما معاً أو للوالدة، أن يقصدا عالماً دينياً في منطقتكم، فربما يساعدهما على تفهّم المشكلة ومعالجتها.

أما احتمال أن يكون قد عرض له عارض نفسي، فهو أمر ممكن، ولكن لا يمكننا الجزم به إلا بعد دراسة الوضع بالطريقة المتقدمة، وتأكدنا من عدم وجود أزمة عاطفيَّة متراكمة بين الوالد والوالدة، وحينئذ لن ينفعنا إلا استشارة اختصاصي في الطبّ النّفسي، ليدرس الأمر ويصف العلاج المناسب، إن استجاب الوالد له. إضافةً إلى ذلك، فإن الدعاء هو أمر مهم وأساس، وقد ينفعنا إن استجاب الله تعالى لنا، وهيأ بلطفه أسباب عودة الوئام إلى أسرتكم الكريمة.

وأخيراً، فإنَّ عليكم استبعاد السّحر وأشباهه، فإنه من الأباطيل والخرافات التي لا يصح للمؤمن التعويل عليها ولا الاعتقاد بتأثيرها. أما الرقية، فقد ورد أنها تنفع في دفع شرور كثيرة، من حيث هي دعاء يتوسل فيه الراقي إلى الله تعالى ليدفع الأذى عن المصاب، وهذا أمر آخر مختلف عما هو متداول بين الناس من أعمال السحر والكتابة التي لا تستند إلى ذكر الله تعالى والأدعية المأثورة.

***

مرسل الاستشارة: ...

المجيب عن الاستشارة: الشّيخ محسن عطوي، عالم دين وباحث، عضو المكتب الشّرعي في مؤسّسة العلامة المرجع السيّد محمَّد حسين فضل الله(رض).

التاريخ: 16  أيار 2013م.

نوع الاستشارة: اجتماعية.

استشارة..

ترك أبي المنزل وذهب إلى بيتنا القديم ليمكث فيه وحده، بعدما أخذ معه بعض المستلزمات المنزلية، وبات يكرهنا من دون أيِّ سبب منطقي.

تجدر الإشارة إلى أنَّ والدتي هي الَّتي تتكفّل بمصاريفنا، وكانت قبل ذهابها إلى العمل تحضّر له كل ما يحتاجه، علماً بأنه مريض بالسكري، ولم تخطئ في حقِّه أبداً أو تقصر معه. وعلى الرغم من ذلك، هجرها وأصبح قاسياً إلى درجة أنه لم يطمئن على أختي عندما مرضت.

نحن أسرة ملتزمة، ولا نلجأ إلا إلى الله، وقد استعنا برقية شرعية علَّه يعود عن قراره، فهل لديه مرض نفسي أو مسه سحر ما؟ أفتونا في أمرنا، فالحيرة تسرَّبت إلى نفوسنا.

وجواب..

لا شكَّ في أنَّ سعادة الأسرة ترتكز على تضامن أفرادها وتوادهم وتراحمهم وتفاهمهم، ولا سيَّما الوالدين، فإنهما عماد الأسرة والقدوة للأبناء وأملهم وحضنهم الآمن والدافئ، حتى لو شبّوا وتجاوزوا مرحلة الطّفولة والصّبا، ولذا فإنَّ أي خلاف ينشب بين الوالدين، سيؤثر سلباً في استقرار الأسرة، ويهدد سعادة الأولاد، ويشيع القلق والتوتر في نفوسهم، ورغم أنَّ لكلِّ من الوالد والوالدة دوره المتميز على صعيد حركة الأسرة ومستقبلها، ورغم ما لدور الأم من أهمية فائقة واستثنائية، فإن الوالد هو العمدة والأصل والأمل الكبير، وربما من أجل ذلك يصاب الأولاد باليتم عند فقد والدهم، لأنه لن يتمكن أحد من أن يقوم مقامه في دوره الأساس والمهم.

ومن هنا، فإننا نقدّر حجم المعاناة التي تعانونها جراء غياب الوالد عن منزله وابتعاده عنكم، وترككم مع الوالدة رهينة القلق والتوتر جراء هذا التصرف المفاجئ والغامض، وإنني أقدر أيضاً الموقف الحكيم الَّذي وقفتموه أنتم والوالدة أمام هذا التصرف، وكنا نود لو نتمكَّن من تقديم تفسير حاسم وواضح لتصرفه، لو أمكننا لقاؤه ولقاء الوالدة والتحادث معهما حول طبيعة علاقتهما الزوجية، لأنَّنا في البداية سنستبعد فرضية تعرّضه لحالة من الاضطراب النفسي، ونعتبره عاقلاً وواعياً وطبيعياً من هذه الجهة، وأنَّ سبب موقفه ذاك يعود إلى أزمة في علاقته بالوالدة لم تشعروا بها، وتراكمت عبر السنين، وأدت إلى تعاظم نفوره وكراهيته لزوجته ـ والدتكم ـ إلى الحد الَّذي فضَّل معه أن ينسحب من حياتكم، لتبقوا أنتم ووالدتكم في حياتكم المعتادة في منزل الأسرة.

وقد يكون من أسباب ذلك انهماك كل من الوالد والوالدة بعمله خارج البيت، وحؤول ذلك دون قيام علاقة حميمة بينهما، بحيث صار حبهما لبعضهما البعض يذوي ويتبدد مع الأيام، رغم عيشهما في بيت واحد، وقد أظهر الوالد نفوره الدفين وانزعاجه من هذا الجو حينما صار في عمر متقدم، وصار بحاجة أكثر إلى حنان المرأة وعاطفتها، وهذه الحالة هي إحدى سلبيات سن الكهولة التي يعيش فيها الرجل والمرأة حالات من الاضطراب العاطفي تشبه في بعض ملامحها حالة المراهقة، وبخاصَّة الرجل، الذي قد يظهر عليه شيء من نزوات الشّباب، ويصير يتصابى ويبدي اهتماماً بالنساء وتوددا ًإليهن وتجملاً لهن، ولذا، فإنَّ على كلّ من الزوجين أن يدرك حساسية هذه المرحلة، وأن يكون حكيماً في التصرف مع شريكه ومتفهماً لحاجاته، ولا سيما الزوجة الَّتي يفترض بها أن تساعد زوجها على عبور هذه المرحلة بسلام.

كما أنه من أجل ذلك يستحسن لهما معاً أو للوالدة، أن يقصدا عالماً دينياً في منطقتكم، فربما يساعدهما على تفهّم المشكلة ومعالجتها.

أما احتمال أن يكون قد عرض له عارض نفسي، فهو أمر ممكن، ولكن لا يمكننا الجزم به إلا بعد دراسة الوضع بالطريقة المتقدمة، وتأكدنا من عدم وجود أزمة عاطفيَّة متراكمة بين الوالد والوالدة، وحينئذ لن ينفعنا إلا استشارة اختصاصي في الطبّ النّفسي، ليدرس الأمر ويصف العلاج المناسب، إن استجاب الوالد له. إضافةً إلى ذلك، فإن الدعاء هو أمر مهم وأساس، وقد ينفعنا إن استجاب الله تعالى لنا، وهيأ بلطفه أسباب عودة الوئام إلى أسرتكم الكريمة.

وأخيراً، فإنَّ عليكم استبعاد السّحر وأشباهه، فإنه من الأباطيل والخرافات التي لا يصح للمؤمن التعويل عليها ولا الاعتقاد بتأثيرها. أما الرقية، فقد ورد أنها تنفع في دفع شرور كثيرة، من حيث هي دعاء يتوسل فيه الراقي إلى الله تعالى ليدفع الأذى عن المصاب، وهذا أمر آخر مختلف عما هو متداول بين الناس من أعمال السحر والكتابة التي لا تستند إلى ذكر الله تعالى والأدعية المأثورة.

***

مرسل الاستشارة: ...

المجيب عن الاستشارة: الشّيخ محسن عطوي، عالم دين وباحث، عضو المكتب الشّرعي في مؤسّسة العلامة المرجع السيّد محمَّد حسين فضل الله(رض).

التاريخ: 16  أيار 2013م.

نوع الاستشارة: اجتماعية.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية