ألقى سماحة آية الله العظمى السيد ،محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء فيهما:
المعايير الحقيقية للالتزام الديني
هناك خطوطٌ متعدّدة لالتزام الإنسان بالقيم الروحية، فالناس يختلفون في عطاءاتهم ومواقعهم وخدماتهم، فهناك الَّذي يقوم بخدمة النّاس كما في ما تحدّث عنه القرآن الكريم، من أنّ بعض الناس يسقون الحاج، أو يرعون بيت الله، وهناك من الناس من تكون حياتهم حركةً من أجل الرسالة في تغيير عقول الناس، لتكون عقولهم منتجةً للحق، بعيدةً عن الباطل، وقلوبهم منفتحةً على المحبة بعيدة عن الحقد، وحياتهم متحركةً في خط الخير لا في خط الشر، ونشاطهم منصبّاً في الدعوة إلى الله وفي الجهاد في سبيله وفي التضحية من أجل دينه ونصرة المستضعفين.
التفاخر بالقيم الدنيويَّة
وقد تحدَّث الله تعالى في بعض الآيات عن هذه الموارد. فقد نُقل في السيرة النبوية الشريفة، أنه اجتمع في مكة العباس بن عبد المطلب، عمّ النبي(ص)، وطلحة بن شيبة، والإمام عليّ بن أبي طالب(ع)، وذلك حينما افتخروا (تفاخروا)، والظاهر أنَّ الإمام عليّاً(ع) لم يدخل معهما في ذلك، بل إنه عندما سمع منهما ذلك، صحَّح لهما ما صدر عنهما من الكلام، فقال طلحة: "أنا صاحب البيت، وبيدي مفتاحه، ولو أشاء بتّ فيه"، وقال العباس: "أنا صاحب السقاية والقائم عليها"، وقال عليّ(ع): "لا أدري ما تقولانـ لأن ما قمتما به قد يكون شيئاً جيداً، ولكنه لا يمثل القيمة التي تجعل الإنسان في الموقع الأعلى ـ لقد صلّيت إلى القبلة ستَّة أشهر قبل الناسـ فأنا أقدمكم إيماناً، وأسبقكم عبادة، وعلاقتي بالله كانت ولا تزال أكثر قرباً من علاقة الناس به ـ وأنا صاحب الجهاد"، أنا الذي جاهدت بين يدي رسول الله(ص) منذ كنت في أوائل سنّ الشباب، كنت أدافع عنه في مكَّة، فكنت أطرد الأطفال الذين كان المشركون يرسلونهم ليؤذوا رسول الله، وقد خضت مع النبي(ص) حروبه التي خاضها مع المشركين الذين أرادوا أن يُسقطوا دينه.
وقد خلّد الله تعالى هذه المسألة، فقال تعالى وهو يخاطب هؤلاء الناس، ويخاطب المجتمع من خلالهم في تخطئة هذا النوع من المفاضلة: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحَاجِّ وَعِمَارَةَ المَسْجِدِ الحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ ـ ساويتم بين هذا وذاك. فهذان الرجلان يعتبران أنَّ القيمة، كل القيمة، هي سقي الحاج أو الإشراف على المسجد الحرام أو عمارة ما انهدم منه، فساويتم بين هذا العمل وبين الذي آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله، وهو عليّ(ع) الذي ركّز قواعد الإسلام وأنقذه من ضغطِ المشركين، حتى أصبح الإسلام قوةً أمام قوة المشركين، وحتى استطاع أن يهزمهم ـ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِـ ليس هذا في مرتبة هذا ـ وَاللهُ لَا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ}(التوبة:19-20).
وهذه الآية الكريمة قد تكون نزلت في مناسبة خاصة، ولكنها تعطينا أساس القيمة عندما نريد أن نقيّم الناس في ما يملكون من القيم والقرب من الله: {وَفَضَّلَ اللهُ المُجَاهِدِينَ عَلَى القَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا}(النساء:95). قد يكون لبعض الناس الذين يقومون ببعض الأعمال الخيرية فضلهم، ولكن يبقى للمجاهدين فضلهم الأعظم، لأنهم يحفظون دين الله وأمَّتهم، لكي تبقى كلمة الله هي العليا وكلمة الكافرين هي السفلى.
رفض المساواة بين المؤمن والمفسد
ويقول تعالى في موضع آخر، وهو ما يجب أن ننتبه إليه في ما نعيشه من التزامنا بالأشخاص وتأييدنا لهم، يقول تعالى: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِـ هل تساوي بين الذين يفسدون في الأرض بإثارة الفتنة والتعامل مع المستكبرين، والعمل بما يتناسب مع خطط المنحرفين، لأنهم يعطوننا أموالاً أكثر أو يؤمّنون الوظائف أكثر، أو لأنه من بلدنا ومن طائفتنا أو من جماعتنا، وبين أولئك الذين يصلحون الأرض ويعمرونها ويحمون أمتهم لكي تبقى عزيزةً وقويةً ـ أَمْ نَجْعَلُ المُتَّقِينَ كَالفُجَّار}(ص:28). فمن يفعل ذلك ويساوي بينهما، فهو ليس من الدين في شيء، وإن صام وصلّى، لأن الدين موقف ينسجم مع ما يحبه الله ويرضاه، وليس مجرد عمل لا ينفتح على الالتزام بأوامر الله ونهيه.
مصير الإنسان مرهون بعمله
ويحدّثنا الله تعالى عن مصير الإنسان في حوارٍ بين أهل الجنة وأهل النار، يقول تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ـ فالإنسان مرهونٌ بعمله، فإذا لم تصلح نفسك وتتب إلى الله وترجع إليه، تظل نفسك مرهونةً بما قدّمت من عمل، وهناك من يأخذه الرهن إلى الجنة، وهناك من يأخذه الرهن إلى النار ـ إِلَّا أَصْحَابَ اليَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَـ الظاهر أن الجنة تشرف على النار، فالمؤمنون المتقون في الجنة يطلّون على المجرمين وهم في النار، ومنهم أقرباء وأصدقاء ومحازبون ـ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَـ وهو وادٍ في جهنّم ـ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ـ لم نكن نصلّي ونعبد الله في ما أمرنا به من الصلاة، وكثير من أولادنا وأصدقائنا لا يصلّون ـ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَـ ما كنّا ندفع حقوق الله في زكاته وخمسه، وغير ذلك مما أراد الله لنا أن نقوم به من سدّ حاجات الفقراء والمساكين والأيتام ـ وَكُنّا نَخوضُ مَعَ الخْائِضينَـ كمن يدخل مع الناس في بركة ماء، وهو كناية عن مشاركة الآخرين في ما يقومون به من دون حقّ أو علم ـ وَكُنّا نُكذّبُ بِيومِ الدِّينِـ والتكذيب على قسمين؛ فمنهم من ينكر الآخرة، ومنهم من لا ينكرها ولكنه لا يعمل لها ـ حَتّى أَتانا الْيَقينُ *فَما تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعينَ ـ فالشفاعة لا تنفع إلا بإذن الله ورضاه، فالأنبياء والأئمة يملكون الشفاعة بإذن الله، والله يتقبّل الشفاعة، وهو ما عبّر عنه الإمام زين العابدين(ع) في دعاء يوم الخميس: "واجعل توسلي به شافعاً يوم القيامة نافعاً" ـفَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضينَ *كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ}.(المدَّثر:38-51).
التأييد لمن يرضى الله عنه
أما إذا كنتم أتباع جماعة في الدنيا، فعليكم أن تنتبهوا، هل إنَّ هؤلاء الّذين تحبّونهم وتؤيّدونهم هم ممّن يرضى الله عنهم؟! لأنهم إذا لم يكونوا ممن يرضى الله عن تأييدهم فإنهم سوف يتبرؤون منكم،. يقول تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}(البقرة:166-167).
لذلك عندما تريدون أن تتبعوا أحداً انظروا كيف يكون موقفكم يوم القيامة، {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ للهِ}(الانفطار:19)، {اليَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ اليَوْمَ}(غافر:17).الخطبة الثانية
الخطبة الثانية
عباد الله... اتقوا الله
لبنان تحت المظلة الإسرائيلية
مجدَّداً، يدخل لبنان في عمقِ الحسابات الصهيونية مع كونه لم يخرج منها، وخصوصاً منذ أصبح نقطة تحوّل مركزية في الصراع مع العدو... ولكنه في هذه الأيام يطل على مرحلة جديدة، تحاول المناورات الإسرائيلية من جهة، والضغوط الدولية من جهة ثانية، أن ترسم معالمها، لتوحي لمحور الممانعة وقوى المقاومة, بأنه من المبكر المباشرة بالاحتفال بدخول لبنان والمنطقة في مرحلة الخلاص من مشروع الهيمنة والاحتلال.
ومع أننا ندرك أنّ المناورات الصهيونيَّة لا تستهدف لبنان فحسب، بل هي موجَّهة إلى المنطقة كلها، وربَّما يريد العدوّ من خلالها أن يبعث برسالة إلى العالم كله، بأنه سيبقى كيان الحرب الذي لا يكفّ عن صناعة القوة في الداخل لتهديد الآخرين في الخارج، والذي يعلن في شكل مباشر أو غير مباشر عن رفض المبادرات التي تطرح تجميد الاستيطان، إلا أننا نعرف أيضاً أن لبنان، الذي هزم العدو في أكثر من مناسبة وموقعة، يبقى على لائحة الاستهداف الأولى من قِبَل العدوّ، الذي يعلن وزير حربه، ومن الأمم المتَّحدة، أنه سيتخذ الموقف المحدَّد من لبنان بعد معرفة نتائج الانتخابات النيابية!
جرائم العدوّ بيد فلسطينية
ولعلَّ من اللافت أنّ العدوَّ الذي يهدِّد اللبنانيين ويتوعدهم، وخصوصاً في الوقت الذي تنكشف شبكاته التجسسية الواحدة تلو الأخرى، يفسح في المجال واسعاً لمستوطنيه للاعتداء على الفلسطينيين باغتيال بعضهم، وبحرق بساتينهم، وقطع أشجار الزيتون، وإطلاق النار على كلّ من يتصدَّى لاعتداءاتهم، في وقت تقوم قوات السلطة الفلسطينية بتنفيذ المهمة التي كان العدو ينفّذها بنفسه في ملاحقة المقاومين واغتيالهم، تحت عنوان "الحفاظ على القانون"!! ولعل الغريب العجيب في هذه المعادلة، أن الرئيس الفلسطيني، الذي رفض خيار المقاومة واستخدام السلاح ضد العدوّ، لا يجد غضاضة في استخدامه ضدَّ المجاهدين وضد أهله وإخوته، وهو يتحدث عن "الضرب بيد من حديد"، وكأن هذه اليد لا تتحرك إلا في مواجهة المقاومة وحماية الأمن الإسرائيلي!
الوحدة الفلسطينيّة
إننا نريد للفلسطينيّين أن يعملوا على إنتاج وحدتهم التي تعرّضت لكثير من التصدّعات والاختراقات، ونريد للسلطة الفلسطينية أن تكفّ عن القيام بالدور الذي تحسب أنه سيجلب لها عاطفة الإدارة الأميركية والإدارات الغربية بمجرد أن تتصدى لطموحات شعبها وخيارات مواطنيها، لأنه لا بقاء لسلطة تخسر أهلها وشعبها، حتى وإن ربحت رضا العالم... وقد جرَّبت هذه السلطة كل أساليب التودد مع العدو ومع الولايات المتحدة الأميركية، منذ اتفاق أوسلو إلى الآن، ولم تحصد إلا المزيد من الخيبة والخسران, وتقطيع الوقت لتمرير المزيد من الاستيطان والتهويد والقتل، وحتى حروب الإبادة المتواصلة.
أوباما والعالم الإسلامي
أما الرئيس الأمريكي الذي يحطّ رحاله في العالم العربي والإسلامي، من خلال المنابر السياسية أو الدينية، على العكس من سلفه الذي زحف إلى المنطقة عبر الدبابات والطائرات... فقد لاحظنا أنه يدخل إلى بلادنا بلغة جديدة، ولكن اللغة الجديدة وحدها لا توحي بأن ثمة تحوّلاً في السياسة، لأننا استمعنا إلى "أوباما" منذ مباشرة مهمته في البيت الأبيض، فلاحظنا أن كل كلمة إطراء صدرت منه تجاه العرب والمسلمين، أو تجاه الإسلام، قابلها التزام "لا يتزعزع" بالكيان الصهيوني.
إننا نقول للرئيس الأمريكي إنّ عليه أن يستمع إلى نبض الشارع العربي والإسلامي، ولا يكتفي بتدوين الملاحظات من خلال لقاءاته مع المسؤولين العرب والمسلمين، وندعوه إلى مزيد من الجرأة ليطالب كيان العدو بالاعتراف بالشعب الفلسطيني ووقف إرهابه وعنفه ضد هذا الشعب، لأن معاناة الفلسطينيين التي يتحدث عنها أوباما بدأت مع الاحتلال الإسرائيلي، ولا يمكن للعرب والمسلمين أن يتفهّموا الإصرار على عدم ذكر هذا الاحتلال الذي يمثل المأساة والجريمة للفلسطينيين، والكارثة للمنطقة، والتهديد المستمر للأمن العالمي، خصوصاً أنه احتلال استيطاني ذو أنياب نووية كيميائية، ويحمل عقيدةً إقصائيةً تجاه الآخرين.
الفتنة المستمرة بين السنة والشيعة
وفي موازاة ذلك، نطلُّ على الوضع في المنطقة، لنرى عملاً مستمراً للإيقاع بين المسلمين، من خلال السَّعي لإحداث فتنة بين السنّة والشّيعة، والتي حاول البعض أن يحرّك خيوطها في إيران هذه المرَّة، وخصوصاً في منطقة زاهدان، بتفجير وحشي استهدف المصلِّين، وأُريد له أن يجتذب ردَّ فعل معاكس، لتنطلق شرارةٌ جديدةٌ من شراراتِ الفتنةِ المذهبيةِ في المنطقة، الّتي استهدفت هذه المرة البلد الذي انفتح على قضايا العالم الإسلامي، وعَمِلَ مؤسِّس جمهوريته الإسلامية الإمام الخميني (قده)، الذي نعيش في هذه الأيام ذكرى وفاته، على احتضان خطِّ الوحدة الإسلامية، وأعاد الحرارة إلى مشروع التقريب بين جناحي الأمة، وأطلق أسبوع الوحدة الإسلامية الذي أراد له أن يطل على قضايا الأمة كلِّها، ودعا المسلمين والعرب ومستضعفي العالم إلى وقفة مشرّفة مع الشعب الفلسطيني، انطلاقاً من "يوم القدس العالمي" الذي أراده يوماً للوحدة حول فلسطين وقضايا الأمة الكبرى.
إنَّنا في الوقت الذي نستشعر خطورة ما جرى في زاهدان، وخصوصاً في المرحلة التي تتعرّض فيها الجمهورية الإسلامية لسلسلة من الضغوط الدولية الكبرى، ولتهديدات متواصلة من العدو الصهيوني، نشعر بأن القيادة الإسلامية في إيران قد أحسنت التعامل مع هذا الحدث الخطير، وقطعت الطريق على الساعين للفتنة، العاملين لخدمة قوى الاستكبار العالمي والصهيوني بطريقة مباشرة وغير مباشرة.
الالتزام بخطّ الوحدة الإسلاميّة
إنَّنا في الوقت الذي نؤكِّد ضرورة ملاحقة ومعاقبة كلّ أولئك الذين تسوّل لهم أنفسهم الاعتداء على أمن الأمة، سواء حصل ذلك في إيران أو في أيِّ بلد عربي أو إسلامي آخر، ندعو ـ بموازاة ذلك ـ إلى القيام بخطوات وحدوية إسلامية ميدانية. وبهذه المناسبة، فإنَّنا نثمّن الصوت الذي انطلق من إيران، من خلال مرشد الثورة الإسلامية سماحة السيد الخامنئي، الذي اعتبر أن إساءة أي شيعي إلى السنّة تمثل خدمةً للصهيونية وإسرائيل، وندعو إلى تأكيد ذلك بخطوات ميدانية تنعكس في وسائل الإعلام وفي الحركة الشعبية، كما ندعو المرجعيات الإسلامية، السنّية والشيعية، إلى السير في هذا الخطّ بما يرضي الله ورسوله، ويُسقط محاولات الأعداء للإيقاع بين المسلمين.
حمى الانتخابات اللبنانيّة
أما في لبنان، الذي يقبل على الانتخابات النيابية وسط زحمة الزوّار والتدخّلات الخارجية التي تأتي إلى اللّبنانيّين، تارةً عبر نصائح سياسية مموَّهة، وطوراً عبر تهديدات مباشرة، فإننا نقول للمواطنين فيه: حذار من السقوط في فخّ التهويل الذي ترسمه شخصيات سياسية، أو تصوغه مواقع دينية أو غير دينية، لأن حصانة البلد تأتي من الداخل، ولأن الوحدة الداخلية تمثل نوعاً من أنواع المواجهة التي توصد الأبواب في وجه الساعين لاختراق الساحة الداخلية والعبث فيها سياسياً وأمنياً، وخصوصاً من قِبَل العدو الإسرائيلي.
وعلى اللّبنانيين، الذين شَحَنَهم الخطابُ السياسيّ والإعلاميّ الانتخابي شحناً مذهبياً وعصبياً وحزبياً، أن يقاربوا المسألة الانتخابية من أكثر من زاوية؛ فمن جهة، عليهم أن يحدّقوا في المشروع الأميركي الذي لا يُبصر إلا مصالح إسرائيل، ليتحرَّكوا في مواجهة هذا المشروع وما يخطّط له في لبنان، وليقطعوا الطريق عليه بحركتهم الميدانية والسياسية والانتخابية... ومن جهةٍ ثانية، عليهم أن يعرفوا أنَّ دور النائب لا يتمثَّل في إصلاح طريق هنا أو هناك، أو في ترتيب أوضاعهم في الريف وغيره، لأنها من الأمور التي يفترض أن تعالجها البلديات... إن دور النائب ينطلق في عملية التشريع، وفي انتخاب الرئيس، وفي إعطاء الشرعية لهذه الحكومة أو تلك، وفي الخيارات الكبرى التي قد تعود بالخير على الوطن والأمة، أو تنعكس وبالاً عليهما، في التصديق على المعاهدات والتفاهمات وما إلى ذلك.
لذلك، إنَّني أخاطب في النَّاس ضميرهم وحسّهم الوطني والديني والإنساني، لأقول لهم: صوّتوا لمن يحمل همّ القضايا الكبرى، كونوا مع دعاة الإصلاح الصادقين، تحرّكوا في الساحات التي ترفض رهن البلد للمشروع الأميركي، ولكلِّ المشاريع المناهضة للوطن والأمة، سيروا في الخطوط التي تحمي البلد من العدوان والاحتلال وتحفظ خط المقاومة.
الحملة الشرسة على المقاومة
إنَّ المقاومة الشَّريفة والصَّادقة التي قدّمت مئات الشهداء، وعملت على تحرير البلد، وتصدّت ولا تزال تتصدَّى لمخططات العدوّ وأطماعه، تتعرض في هذه الأيام لهجمة دولية منسّقة تستهدف النيل من سمعتها، ووضعها في خانة الإرهاب، في الوقت الذي يطّّلع العالم على هول ما خطَّطت له إسرائيل من خلال شبكاتها التجسّسية التي اغتالت المقاومين والمجاهدين في لبنان وسوريا، من دون أن ينطلق صوتٌ دولي واضح يتَّهم إسرائيل بالإرهاب والعمل على تخريب الأمن اللبناني وأمن المنطقة.
إنَّنا ندعو اللبنانيين جميعاً، والمسلمين والعرب وأحرار العالم، إلى الالتفاف حول هذه المقاومة التي تمثل عنصر الإلهام للأمة في خطِّ العزة والعنفوان وصون كرامة الإنسان، وأن يعتبروا أن الحملة على المقاومة وإضعافها، هي كالحملة على الجيش اللبناني وإضعافه، لأنهما يتكاملان في الدفاع عن الوطن، ويشكّلان قوة لبنان في مواجهة الأعداء.
ألقى سماحة آية الله العظمى السيد ،محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء فيهما:
المعايير الحقيقية للالتزام الديني
هناك خطوطٌ متعدّدة لالتزام الإنسان بالقيم الروحية، فالناس يختلفون في عطاءاتهم ومواقعهم وخدماتهم، فهناك الَّذي يقوم بخدمة النّاس كما في ما تحدّث عنه القرآن الكريم، من أنّ بعض الناس يسقون الحاج، أو يرعون بيت الله، وهناك من الناس من تكون حياتهم حركةً من أجل الرسالة في تغيير عقول الناس، لتكون عقولهم منتجةً للحق، بعيدةً عن الباطل، وقلوبهم منفتحةً على المحبة بعيدة عن الحقد، وحياتهم متحركةً في خط الخير لا في خط الشر، ونشاطهم منصبّاً في الدعوة إلى الله وفي الجهاد في سبيله وفي التضحية من أجل دينه ونصرة المستضعفين.
التفاخر بالقيم الدنيويَّة
وقد تحدَّث الله تعالى في بعض الآيات عن هذه الموارد. فقد نُقل في السيرة النبوية الشريفة، أنه اجتمع في مكة العباس بن عبد المطلب، عمّ النبي(ص)، وطلحة بن شيبة، والإمام عليّ بن أبي طالب(ع)، وذلك حينما افتخروا (تفاخروا)، والظاهر أنَّ الإمام عليّاً(ع) لم يدخل معهما في ذلك، بل إنه عندما سمع منهما ذلك، صحَّح لهما ما صدر عنهما من الكلام، فقال طلحة: "أنا صاحب البيت، وبيدي مفتاحه، ولو أشاء بتّ فيه"، وقال العباس: "أنا صاحب السقاية والقائم عليها"، وقال عليّ(ع): "لا أدري ما تقولانـ لأن ما قمتما به قد يكون شيئاً جيداً، ولكنه لا يمثل القيمة التي تجعل الإنسان في الموقع الأعلى ـ لقد صلّيت إلى القبلة ستَّة أشهر قبل الناسـ فأنا أقدمكم إيماناً، وأسبقكم عبادة، وعلاقتي بالله كانت ولا تزال أكثر قرباً من علاقة الناس به ـ وأنا صاحب الجهاد"، أنا الذي جاهدت بين يدي رسول الله(ص) منذ كنت في أوائل سنّ الشباب، كنت أدافع عنه في مكَّة، فكنت أطرد الأطفال الذين كان المشركون يرسلونهم ليؤذوا رسول الله، وقد خضت مع النبي(ص) حروبه التي خاضها مع المشركين الذين أرادوا أن يُسقطوا دينه.
وقد خلّد الله تعالى هذه المسألة، فقال تعالى وهو يخاطب هؤلاء الناس، ويخاطب المجتمع من خلالهم في تخطئة هذا النوع من المفاضلة: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحَاجِّ وَعِمَارَةَ المَسْجِدِ الحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ ـ ساويتم بين هذا وذاك. فهذان الرجلان يعتبران أنَّ القيمة، كل القيمة، هي سقي الحاج أو الإشراف على المسجد الحرام أو عمارة ما انهدم منه، فساويتم بين هذا العمل وبين الذي آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله، وهو عليّ(ع) الذي ركّز قواعد الإسلام وأنقذه من ضغطِ المشركين، حتى أصبح الإسلام قوةً أمام قوة المشركين، وحتى استطاع أن يهزمهم ـ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِـ ليس هذا في مرتبة هذا ـ وَاللهُ لَا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ}(التوبة:19-20).
وهذه الآية الكريمة قد تكون نزلت في مناسبة خاصة، ولكنها تعطينا أساس القيمة عندما نريد أن نقيّم الناس في ما يملكون من القيم والقرب من الله: {وَفَضَّلَ اللهُ المُجَاهِدِينَ عَلَى القَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا}(النساء:95). قد يكون لبعض الناس الذين يقومون ببعض الأعمال الخيرية فضلهم، ولكن يبقى للمجاهدين فضلهم الأعظم، لأنهم يحفظون دين الله وأمَّتهم، لكي تبقى كلمة الله هي العليا وكلمة الكافرين هي السفلى.
رفض المساواة بين المؤمن والمفسد
ويقول تعالى في موضع آخر، وهو ما يجب أن ننتبه إليه في ما نعيشه من التزامنا بالأشخاص وتأييدنا لهم، يقول تعالى: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِـ هل تساوي بين الذين يفسدون في الأرض بإثارة الفتنة والتعامل مع المستكبرين، والعمل بما يتناسب مع خطط المنحرفين، لأنهم يعطوننا أموالاً أكثر أو يؤمّنون الوظائف أكثر، أو لأنه من بلدنا ومن طائفتنا أو من جماعتنا، وبين أولئك الذين يصلحون الأرض ويعمرونها ويحمون أمتهم لكي تبقى عزيزةً وقويةً ـ أَمْ نَجْعَلُ المُتَّقِينَ كَالفُجَّار}(ص:28). فمن يفعل ذلك ويساوي بينهما، فهو ليس من الدين في شيء، وإن صام وصلّى، لأن الدين موقف ينسجم مع ما يحبه الله ويرضاه، وليس مجرد عمل لا ينفتح على الالتزام بأوامر الله ونهيه.
مصير الإنسان مرهون بعمله
ويحدّثنا الله تعالى عن مصير الإنسان في حوارٍ بين أهل الجنة وأهل النار، يقول تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ـ فالإنسان مرهونٌ بعمله، فإذا لم تصلح نفسك وتتب إلى الله وترجع إليه، تظل نفسك مرهونةً بما قدّمت من عمل، وهناك من يأخذه الرهن إلى الجنة، وهناك من يأخذه الرهن إلى النار ـ إِلَّا أَصْحَابَ اليَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَـ الظاهر أن الجنة تشرف على النار، فالمؤمنون المتقون في الجنة يطلّون على المجرمين وهم في النار، ومنهم أقرباء وأصدقاء ومحازبون ـ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَـ وهو وادٍ في جهنّم ـ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ـ لم نكن نصلّي ونعبد الله في ما أمرنا به من الصلاة، وكثير من أولادنا وأصدقائنا لا يصلّون ـ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَـ ما كنّا ندفع حقوق الله في زكاته وخمسه، وغير ذلك مما أراد الله لنا أن نقوم به من سدّ حاجات الفقراء والمساكين والأيتام ـ وَكُنّا نَخوضُ مَعَ الخْائِضينَـ كمن يدخل مع الناس في بركة ماء، وهو كناية عن مشاركة الآخرين في ما يقومون به من دون حقّ أو علم ـ وَكُنّا نُكذّبُ بِيومِ الدِّينِـ والتكذيب على قسمين؛ فمنهم من ينكر الآخرة، ومنهم من لا ينكرها ولكنه لا يعمل لها ـ حَتّى أَتانا الْيَقينُ *فَما تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعينَ ـ فالشفاعة لا تنفع إلا بإذن الله ورضاه، فالأنبياء والأئمة يملكون الشفاعة بإذن الله، والله يتقبّل الشفاعة، وهو ما عبّر عنه الإمام زين العابدين(ع) في دعاء يوم الخميس: "واجعل توسلي به شافعاً يوم القيامة نافعاً" ـفَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضينَ *كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ}.(المدَّثر:38-51).
التأييد لمن يرضى الله عنه
أما إذا كنتم أتباع جماعة في الدنيا، فعليكم أن تنتبهوا، هل إنَّ هؤلاء الّذين تحبّونهم وتؤيّدونهم هم ممّن يرضى الله عنهم؟! لأنهم إذا لم يكونوا ممن يرضى الله عن تأييدهم فإنهم سوف يتبرؤون منكم،. يقول تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}(البقرة:166-167).
لذلك عندما تريدون أن تتبعوا أحداً انظروا كيف يكون موقفكم يوم القيامة، {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ للهِ}(الانفطار:19)، {اليَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ اليَوْمَ}(غافر:17).الخطبة الثانية
الخطبة الثانية
عباد الله... اتقوا الله
لبنان تحت المظلة الإسرائيلية
مجدَّداً، يدخل لبنان في عمقِ الحسابات الصهيونية مع كونه لم يخرج منها، وخصوصاً منذ أصبح نقطة تحوّل مركزية في الصراع مع العدو... ولكنه في هذه الأيام يطل على مرحلة جديدة، تحاول المناورات الإسرائيلية من جهة، والضغوط الدولية من جهة ثانية، أن ترسم معالمها، لتوحي لمحور الممانعة وقوى المقاومة, بأنه من المبكر المباشرة بالاحتفال بدخول لبنان والمنطقة في مرحلة الخلاص من مشروع الهيمنة والاحتلال.
ومع أننا ندرك أنّ المناورات الصهيونيَّة لا تستهدف لبنان فحسب، بل هي موجَّهة إلى المنطقة كلها، وربَّما يريد العدوّ من خلالها أن يبعث برسالة إلى العالم كله، بأنه سيبقى كيان الحرب الذي لا يكفّ عن صناعة القوة في الداخل لتهديد الآخرين في الخارج، والذي يعلن في شكل مباشر أو غير مباشر عن رفض المبادرات التي تطرح تجميد الاستيطان، إلا أننا نعرف أيضاً أن لبنان، الذي هزم العدو في أكثر من مناسبة وموقعة، يبقى على لائحة الاستهداف الأولى من قِبَل العدوّ، الذي يعلن وزير حربه، ومن الأمم المتَّحدة، أنه سيتخذ الموقف المحدَّد من لبنان بعد معرفة نتائج الانتخابات النيابية!
جرائم العدوّ بيد فلسطينية
ولعلَّ من اللافت أنّ العدوَّ الذي يهدِّد اللبنانيين ويتوعدهم، وخصوصاً في الوقت الذي تنكشف شبكاته التجسسية الواحدة تلو الأخرى، يفسح في المجال واسعاً لمستوطنيه للاعتداء على الفلسطينيين باغتيال بعضهم، وبحرق بساتينهم، وقطع أشجار الزيتون، وإطلاق النار على كلّ من يتصدَّى لاعتداءاتهم، في وقت تقوم قوات السلطة الفلسطينية بتنفيذ المهمة التي كان العدو ينفّذها بنفسه في ملاحقة المقاومين واغتيالهم، تحت عنوان "الحفاظ على القانون"!! ولعل الغريب العجيب في هذه المعادلة، أن الرئيس الفلسطيني، الذي رفض خيار المقاومة واستخدام السلاح ضد العدوّ، لا يجد غضاضة في استخدامه ضدَّ المجاهدين وضد أهله وإخوته، وهو يتحدث عن "الضرب بيد من حديد"، وكأن هذه اليد لا تتحرك إلا في مواجهة المقاومة وحماية الأمن الإسرائيلي!
الوحدة الفلسطينيّة
إننا نريد للفلسطينيّين أن يعملوا على إنتاج وحدتهم التي تعرّضت لكثير من التصدّعات والاختراقات، ونريد للسلطة الفلسطينية أن تكفّ عن القيام بالدور الذي تحسب أنه سيجلب لها عاطفة الإدارة الأميركية والإدارات الغربية بمجرد أن تتصدى لطموحات شعبها وخيارات مواطنيها، لأنه لا بقاء لسلطة تخسر أهلها وشعبها، حتى وإن ربحت رضا العالم... وقد جرَّبت هذه السلطة كل أساليب التودد مع العدو ومع الولايات المتحدة الأميركية، منذ اتفاق أوسلو إلى الآن، ولم تحصد إلا المزيد من الخيبة والخسران, وتقطيع الوقت لتمرير المزيد من الاستيطان والتهويد والقتل، وحتى حروب الإبادة المتواصلة.
أوباما والعالم الإسلامي
أما الرئيس الأمريكي الذي يحطّ رحاله في العالم العربي والإسلامي، من خلال المنابر السياسية أو الدينية، على العكس من سلفه الذي زحف إلى المنطقة عبر الدبابات والطائرات... فقد لاحظنا أنه يدخل إلى بلادنا بلغة جديدة، ولكن اللغة الجديدة وحدها لا توحي بأن ثمة تحوّلاً في السياسة، لأننا استمعنا إلى "أوباما" منذ مباشرة مهمته في البيت الأبيض، فلاحظنا أن كل كلمة إطراء صدرت منه تجاه العرب والمسلمين، أو تجاه الإسلام، قابلها التزام "لا يتزعزع" بالكيان الصهيوني.
إننا نقول للرئيس الأمريكي إنّ عليه أن يستمع إلى نبض الشارع العربي والإسلامي، ولا يكتفي بتدوين الملاحظات من خلال لقاءاته مع المسؤولين العرب والمسلمين، وندعوه إلى مزيد من الجرأة ليطالب كيان العدو بالاعتراف بالشعب الفلسطيني ووقف إرهابه وعنفه ضد هذا الشعب، لأن معاناة الفلسطينيين التي يتحدث عنها أوباما بدأت مع الاحتلال الإسرائيلي، ولا يمكن للعرب والمسلمين أن يتفهّموا الإصرار على عدم ذكر هذا الاحتلال الذي يمثل المأساة والجريمة للفلسطينيين، والكارثة للمنطقة، والتهديد المستمر للأمن العالمي، خصوصاً أنه احتلال استيطاني ذو أنياب نووية كيميائية، ويحمل عقيدةً إقصائيةً تجاه الآخرين.
الفتنة المستمرة بين السنة والشيعة
وفي موازاة ذلك، نطلُّ على الوضع في المنطقة، لنرى عملاً مستمراً للإيقاع بين المسلمين، من خلال السَّعي لإحداث فتنة بين السنّة والشّيعة، والتي حاول البعض أن يحرّك خيوطها في إيران هذه المرَّة، وخصوصاً في منطقة زاهدان، بتفجير وحشي استهدف المصلِّين، وأُريد له أن يجتذب ردَّ فعل معاكس، لتنطلق شرارةٌ جديدةٌ من شراراتِ الفتنةِ المذهبيةِ في المنطقة، الّتي استهدفت هذه المرة البلد الذي انفتح على قضايا العالم الإسلامي، وعَمِلَ مؤسِّس جمهوريته الإسلامية الإمام الخميني (قده)، الذي نعيش في هذه الأيام ذكرى وفاته، على احتضان خطِّ الوحدة الإسلامية، وأعاد الحرارة إلى مشروع التقريب بين جناحي الأمة، وأطلق أسبوع الوحدة الإسلامية الذي أراد له أن يطل على قضايا الأمة كلِّها، ودعا المسلمين والعرب ومستضعفي العالم إلى وقفة مشرّفة مع الشعب الفلسطيني، انطلاقاً من "يوم القدس العالمي" الذي أراده يوماً للوحدة حول فلسطين وقضايا الأمة الكبرى.
إنَّنا في الوقت الذي نستشعر خطورة ما جرى في زاهدان، وخصوصاً في المرحلة التي تتعرّض فيها الجمهورية الإسلامية لسلسلة من الضغوط الدولية الكبرى، ولتهديدات متواصلة من العدو الصهيوني، نشعر بأن القيادة الإسلامية في إيران قد أحسنت التعامل مع هذا الحدث الخطير، وقطعت الطريق على الساعين للفتنة، العاملين لخدمة قوى الاستكبار العالمي والصهيوني بطريقة مباشرة وغير مباشرة.
الالتزام بخطّ الوحدة الإسلاميّة
إنَّنا في الوقت الذي نؤكِّد ضرورة ملاحقة ومعاقبة كلّ أولئك الذين تسوّل لهم أنفسهم الاعتداء على أمن الأمة، سواء حصل ذلك في إيران أو في أيِّ بلد عربي أو إسلامي آخر، ندعو ـ بموازاة ذلك ـ إلى القيام بخطوات وحدوية إسلامية ميدانية. وبهذه المناسبة، فإنَّنا نثمّن الصوت الذي انطلق من إيران، من خلال مرشد الثورة الإسلامية سماحة السيد الخامنئي، الذي اعتبر أن إساءة أي شيعي إلى السنّة تمثل خدمةً للصهيونية وإسرائيل، وندعو إلى تأكيد ذلك بخطوات ميدانية تنعكس في وسائل الإعلام وفي الحركة الشعبية، كما ندعو المرجعيات الإسلامية، السنّية والشيعية، إلى السير في هذا الخطّ بما يرضي الله ورسوله، ويُسقط محاولات الأعداء للإيقاع بين المسلمين.
حمى الانتخابات اللبنانيّة
أما في لبنان، الذي يقبل على الانتخابات النيابية وسط زحمة الزوّار والتدخّلات الخارجية التي تأتي إلى اللّبنانيّين، تارةً عبر نصائح سياسية مموَّهة، وطوراً عبر تهديدات مباشرة، فإننا نقول للمواطنين فيه: حذار من السقوط في فخّ التهويل الذي ترسمه شخصيات سياسية، أو تصوغه مواقع دينية أو غير دينية، لأن حصانة البلد تأتي من الداخل، ولأن الوحدة الداخلية تمثل نوعاً من أنواع المواجهة التي توصد الأبواب في وجه الساعين لاختراق الساحة الداخلية والعبث فيها سياسياً وأمنياً، وخصوصاً من قِبَل العدو الإسرائيلي.
وعلى اللّبنانيين، الذين شَحَنَهم الخطابُ السياسيّ والإعلاميّ الانتخابي شحناً مذهبياً وعصبياً وحزبياً، أن يقاربوا المسألة الانتخابية من أكثر من زاوية؛ فمن جهة، عليهم أن يحدّقوا في المشروع الأميركي الذي لا يُبصر إلا مصالح إسرائيل، ليتحرَّكوا في مواجهة هذا المشروع وما يخطّط له في لبنان، وليقطعوا الطريق عليه بحركتهم الميدانية والسياسية والانتخابية... ومن جهةٍ ثانية، عليهم أن يعرفوا أنَّ دور النائب لا يتمثَّل في إصلاح طريق هنا أو هناك، أو في ترتيب أوضاعهم في الريف وغيره، لأنها من الأمور التي يفترض أن تعالجها البلديات... إن دور النائب ينطلق في عملية التشريع، وفي انتخاب الرئيس، وفي إعطاء الشرعية لهذه الحكومة أو تلك، وفي الخيارات الكبرى التي قد تعود بالخير على الوطن والأمة، أو تنعكس وبالاً عليهما، في التصديق على المعاهدات والتفاهمات وما إلى ذلك.
لذلك، إنَّني أخاطب في النَّاس ضميرهم وحسّهم الوطني والديني والإنساني، لأقول لهم: صوّتوا لمن يحمل همّ القضايا الكبرى، كونوا مع دعاة الإصلاح الصادقين، تحرّكوا في الساحات التي ترفض رهن البلد للمشروع الأميركي، ولكلِّ المشاريع المناهضة للوطن والأمة، سيروا في الخطوط التي تحمي البلد من العدوان والاحتلال وتحفظ خط المقاومة.
الحملة الشرسة على المقاومة
إنَّ المقاومة الشَّريفة والصَّادقة التي قدّمت مئات الشهداء، وعملت على تحرير البلد، وتصدّت ولا تزال تتصدَّى لمخططات العدوّ وأطماعه، تتعرض في هذه الأيام لهجمة دولية منسّقة تستهدف النيل من سمعتها، ووضعها في خانة الإرهاب، في الوقت الذي يطّّلع العالم على هول ما خطَّطت له إسرائيل من خلال شبكاتها التجسّسية التي اغتالت المقاومين والمجاهدين في لبنان وسوريا، من دون أن ينطلق صوتٌ دولي واضح يتَّهم إسرائيل بالإرهاب والعمل على تخريب الأمن اللبناني وأمن المنطقة.
إنَّنا ندعو اللبنانيين جميعاً، والمسلمين والعرب وأحرار العالم، إلى الالتفاف حول هذه المقاومة التي تمثل عنصر الإلهام للأمة في خطِّ العزة والعنفوان وصون كرامة الإنسان، وأن يعتبروا أن الحملة على المقاومة وإضعافها، هي كالحملة على الجيش اللبناني وإضعافه، لأنهما يتكاملان في الدفاع عن الوطن، ويشكّلان قوة لبنان في مواجهة الأعداء.