ألقى سماحة آية الله العظمى، السيد محمد حسين فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته:
التدقيق في خلفية الأخبار
يقول الله تعالى في كتابه المجيد:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6].
يعتبر الإسلام أنّ الكلام الذي يسمعه الإنسان هو وسيلة للاعتقاد، أو وسيلة للحركة، أو وسيلة للتصرف في علاقاته مع الآخرين، لذا فقد يكون الكلام حقاً، فيكون تصرّف الإنسان تجاهه منسجماً مع الحق، وقد يكون الكلام باطلاً، فيكون التزام الإنسان به التزاماً بالباطل، وقد تسمع كلمة سلبية تعقّد مشاعرك تجاه الناس الآخرين ممن قد يقرب منك أو يبتعد عنك.
مخاطر الإشاعة
وقد يتحوّل الكلام إلى وسيلة تهدّم البيوت على رؤوس أصحابها، أو تبعث على الخطر فيمن ترتبط به، وقد تثير الحرب بين فريق وآخر، وقد تخلط الأوراق، وهذا ما تصنعه الإشاعات التي يبتدعها بعض الناس الذين يريدون إرباك المجتمع وإثارة الفوضى فيه، وتحريك الفتنة في داخله، وقد تدفع الإشاعة الناس نحو الخوف في وقت لا خوف فيه، وقد تدفعهم إلى الأمن في الوقت الذي تضجّ الساحة بالخطر، وقد تثير المشاكل في حياة الإنسان؛ في بيته، أو في مواقع عمله، أو في علاقاته.
ولذلك، حذّرنا الله تعالى وأمرنا بأن ندقق في شخصية المُخبر، وفي النبأ والإشاعة. ادرس شخصيته؛ هل هو إنسان يخاف الله في نفسه وفي الناس ويتحمّل مسؤولية أمن الناس واستقرارهم وتوازن أمورهم، أو إنه إنسان لا يخاف الله، فيخطط للفتنة، ويحاول أن يثير المشاكل في الحياة الاجتماعية، ويدمّر سلام الناس وأمنهم؟
فإذا سمعت كلمةً من فاسق، فعليك التنبّه إلى ما يقول. والفاسق هو الإنسان الذي يتجاوز حدود الله، فيعصي الله في ما أمره به وفي ما نهاه عنه، ويتحرك في الخطوط المنحرفة بعيداً عن خط الاستقامة. والفاسق على أنواع، فقد يكون شخصاً يثير الإشاعة السلبية التي تخلط الأوراق وتربك المجتمع، كما يُخلط الماء الصافي بالوحل، وقد يكون حزباً، ونحن نعرف أن الأحزاب السياسية ربما تحرك عصبياتها الحزبية في سبيل إثارة الإشاعة من هذا الحزب ضد ذاك الحزب، أو إطلاق الكذب في مسيرة هذا التجمّع أو ذاك، وقد يكون الفاسق صحيفة يقرأها الناس، حيث نرى أن أغلب الصحف العربية تتموّل من خلال أجهزة المخابرات الإقليمية أو الدولية، أو أنها تتموّل من بعض الشخصيات التي تملك المال وتتحرك من أجل العبث بالواقع الاقتصادي أو الأمني أو السياسي.
الإعلام المأجور
وقد يكون الفاسق أيضاً فضائيةً من هذه الفضائيات التي تُحسب كل واحدة منها على دولة تنفّذ سياستها على طريق إيجاد المشاكل تجاه الدولة الأخرى أو الحزب الآخر، أو تجاه المنظمات التي تعمل على تحرير البلد وإنقاذه من سيطرة المحتلين. وهذا ما نلاحظه في هذه المرحلة، عندما نجد أن الكثير من وسائل الإعلام المقروءة أو المسموعة أو المرئية أو أجهزة المخابرات، تعلن حرباً على كل مقاومة للتحرير، سواء كان ذلك في فلسطين أو لبنان، لأنهم يعتبرون أن المقاومة تضرّ مصالحهم وتهدم بنيانهم، وهذا ما لاحظناه في ما يثير المشاكل والأفكار والمشاعر والأحاسيس في مثل هذه الأيام التي تحاول فيها صحف أجنبية وعربية إثارة الإشاعات الكاذبة ضد الذين يحررون أوطانهم.
التحقّق من الخبر
ولذلك، فإن الله تعالى يقول لنا:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ ـ بأيّ خبر كان ـ فَتَبَيَّنُوا ـ لا تعتمد على ما سمعته من الفاسق لأنه يستسيغ الكذب، بل حاول أن تعرف الحقيقة بوسائلك الخاصة، لأنك إذا اعتمدت على خبر الفاسق، وكان هذا الخبر كاذباً ويستهدف إثارة الفتنة، فقد تتصرف ضد الناس الذين يرتبط بهم هذا الخبر، وتنكشف القضية بعد ذلك أنه خبر كاذب، عند ذلك تندم لأنك تصرفت من دون تدقيق أو تحقيق ـ أَنْ تُصِيبُوا ـ يعني حتى لا تصيبوا ـقَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}.ولهذه الآية الكريمة مناسبة في زمن النبي(ص)، إذ تنقل كتب السيرة أنها نزلت في الوليد بن عقبة، عندما أرسله النبي لجمع الزكاة من قبيلة بني المصطلق، فلما عَلِم بنو المصطلق أن مبعوث النبي(ص) قادم إليهم، وكانوا قد دخلوا في الإسلام وأخلصوا له، سُرّوا كثيراً وهُرعوا لاستقباله، إلاّ أن الوليد، حيث كانت له خصومة شديدة معهم في زمان الجاهلية، تصوّر أنهم يريدون قتله، فرجع إلى النبي من دون أن يتحقق في الأمر وقال: يا رسول الله، إنهم امتنعوا عن دفع الزكاة، وذلك من أجل أن يستثير النبي(ص) على هؤلاء القوم. فغضب النبي(ص) لذلك، لأن الامتناع عن دفع الزكاة هو امتناع عن الخضوع للسلطة الشرعية، وصمّم على أن يقاتلهم، فنـزلت الآية.
وأضاف بعض المؤرِّخين، أن النبي(ص) بعث من يستقصي الخبر، بعدما شكّك في دقة هذا الخبر، فعادوا إليه وأخبروه بأنهم مسلمون، وسمع منهم صوت الأذان والصلاة، وعرف بالخبر ونزلت الآية. ولولا التدقيق من النبي(ص) في المسألة، لحدثت حرب بين هذه العشيرة الصادقة في إيمانها، وبين المسلمين.
الفاسق آلة الفتنة
ويتحدث الله تعالى عن الفاسقين، وهم كثر، بل كثير من الناس من يشهدون الشهادتين ولكن لا يلتزمون بمضمونها، يقول تعالى:{الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ ـ ألا يشجّع البعض البعض الآخر على بيع الخمر لأنه أربح، أو يشجعونهم على العمل في الجاسوسية، أو يحرّضونهم على بناتهم من أجل أن يمنعوهم من الحجاب ـ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [التوبة:69].
ويتحدث الله تعالى عن الفاسقين الذين يطيعون الطغاة، يقول:{وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ* أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا ـ ويشير إلى النبي موسى(ع) ـ الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ* فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ* فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ} [الزخرف:54].
وورد عن رسول الله (ص): "أما علامة الفاسق فأربعة: اللهو ـ فهو لا ينطلق في حياته من الجدية في القيام بمسؤولياته ـ واللغو ـ الكلام الذي لا ينفع ـ والعدوان والبهتان". يقول الإمام عليّ(ع): "ألا فالحذر الحذر من طاعة ساداتكم وكبرائكم ـ زعمائكم ـ الذين تكبّروا عن حسبهم، وترفّعوا فوق نسبهم، فإنهم قواعد أساس العصبية ـ يدفعون الناس لكي يتعصّبوا بعضهم ضد بعض ـ ودعائم أركان الفتنة، وهم أساس الفسوق وأحلاس العقوق".
إن عالمنا هذا مملوء بالمخابرات التي تتحرك لتحرق الأخضر واليابس، ونحن نواجه المخابرات القريبة والبعيدة، فهناك المخابرات المركزية الأمريكية، والمخابرات الصهيونية، وكذلك المخابرات العربية المتحالفة معها. لذلك إذا قرأتم صحيفةً تنقل خبراً، أو سمعتم فضائيةً أو إذاعةً، فعليكم أن تتدبّروا ذلك، وتدرسوا ما قرأتم أو سمعتم دراسةً عميقةً، حتى تعرفوا الحق من الباطل، وحتى لا تضيعوا في المتاهات، لأن المرحلة من أخطر المراحل التي تمر على الإسلام والمسلمين.
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
القضية الفلسطينية
في المسألة الفلسطينية، يدخل عنوان جديد على الخط: التطبيع بين كيان العدو والدول العربية والإسلامية، مقابل وقف الاستيطان، وبما أن الاستيطان لا يتوقف لأنه يمثل القلب النابض للاحتلال، فإن المسألة تدخل في نطاق لعبة جديدة يستمر الاستيطان فيها، ويقبل العرب بمعطياته، لأن العدو أعطاه اسماً جديداً هو "التكاثر الطبيعي" الذي تتوسّع فيه دائرة الاستيطان من دون أن تنشأ مستوطنات جديدة، وتمتد إلى الضفة كلها وسط صمت العرب وخضوعهم.
وإلى جانب ذلك، تبرز العنصرية الإسرائيلية بأبشع صورها، بمصادقة الكنيست الصهيوني على مشروع قانون يحكم بالسجن على من ينكر يهودية الدولة، بعد القانون الذي سبقه، والذي يمنع الفلسطينيين من الاحتفال بيوم النكبة، ليبرز هذا الكيان بكل ملامح حقده التي لا تطيق رؤية مظاهر الحزن لشعب طُرد من أرضه، وشُرّد في بقاع العالم، ولأنه يعرف أن هوية الأرض لا تأتي من الخارج، وبالتالي فهو يخاف من كل هذه الأجيال الفلسطينية التي فشل في تهويدها وسلبها هويتها الحقيقية... ولكن العدو استفاد ـ على كل حال ـ من برقيات التهنئة العربية التي باركت له ما أسمته "عيد الاستقلال"، ليأخذ من ذلك دافعاً جديداً لتهويد الأرض ومصادرة إنسانها الأصيل، ومع أن العدو يذهب بعيداً في طمس الهوية العربية الفلسطينية، والاستعداد لتهجير فلسطينيّي العام 1948، ويضرب عرض الحائط طرح الدولتين الأميركي الأصل، فإنه يلتقي بعرب الاعتدال في منتصف الطريق، الذين ينتظرون بفارغ الصبر بروز صفقة شكلية يحملها الراعي الأميركي ليقدّموا إلى الغاصب الصهيوني التبريكات بفلسطين، بما يمثل صكَّ الاعتراف العربي الممهِّد للاعتراف الإسلامي الكبير...
عقدة الحكام العرب تجاه شعوبهم
لقد كان البعض يظن أن العرب ـ في بعض رموزهم الرسمية ـ هم ضحية للبساطة والسذاجة والعفوية التي جعلتهم طوال هذه العقود يتنازلون عن كل ما في أيديهم لأمريكا وإسرائيل، لكن تبيّن أن ثمة عقدة مستحكمة لدى هذه المواقع تجاه شعوبها ومصالحها، حتى سارت في خط ضرب كل الواقع العربي والإسلامي لمصلحة العدوّ الأول للعرب والمسلمين، وهو الكيان الإسرائيلي الغاصب.
إننا نحذّر هؤلاء الذين خرجوا من دائرتهم الشعبية ليرتموا في الدائرة الصهيونية، ليطلقوا الأحاديث والتصريحات اليومية حول ضرورة استمرار الحوار مع إسرائيل، من أن ما يجري من حديث حول ما يسمّونه السلام، لا يعدو كونه دوراناً في الحلقة المفرغة، وليس إلا حركة استهلاكية خادعة يُستهلك فيها الوقت لحساب الكيان الصهيوني، وتسقط فيها مقررات مؤتمر مدريد ثم أوسلو ثم خريطة الطريق وصولاً إلى أنابوليس وما بعده...
اختلاق الأعداء الوهميين
كما نحذّر من لعبة اختلاق عدوّ للأمة من داخلها، مقابل الاستعداد لقبول عدوّها التاريخي كصديق وشريك، لأن ما ترسمه الأنظمة لا تتبنَّاه الشعوب، ولأن لعبة التخويف من إيران باتت مكشوفة ومفضوحة، ولأن العدو الذي يتوجس خيفةً من إمكانات إيران وقدراتها وتأثيرها في ساحات المنطقة المختلفة، يحسب الحسابات الصعبة والمعقّدة، قبل أن تحدّثه نفسه بالاعتداء عليها، وبالتالي فإن أكثر الناس بساطة في عالم السياسة هُم الذين يتوسّلون تحسين مواقعهم السياسية من خلال مراهناتهم على مغامرات عدوّهم، بدلاً من أن يتلمّسوا طريق الحوار وخطى الوحدة في آفاق أمتهم ورحاب أهلهم وإخوانهم.
التهديد ضد العالم الحرّ
وليس بعيداً من ذلك كله، نستمع في هذه الأيام إلى تهديدات متواصلة تنطلق مما يسمّونه العالم الحر ضد كوريا الشمالية، لأنها أجرت بضعة تجارب نووية، مع أنها ليست الأولى في هذا المحيط النووي العالمي الذي تمتد جذوره من أمريكا إلى أوروبا والصين، وصولاً إلى الهند وباكستان والكيان الصهيوني، ومع أنه لا توجد قوة في العالم استعملت السلاح النووي ضد البشرية إلا الولايات المتحدة الأميركية، إلا أنّ القوم يثيرون المسألة بالطريقة التي يبعثون بها برسائل الوعيد إلى إيران، وببرقيات التهدئة إلى كيان العدو الذي يهدد دول المنطقة كلها، ويعمل على ألا تمثل أية دولة تهديداً له حتى على مستوى الموقف الحر والمستقل، أو على مستوى الطموح العلمي البحت.
إننا نقول للرئيس الأميركي: إن ما تشاهدونه من اضطراب وفوضى في هذا العالم هو نتاج ما صنعته أيديكم، وما زرعته إدارتكم السابقة، وإذا كنت صادقاً في دعواتك السابقة الرامية إلى الخلاص من السلاح النووي على مستوى العالم، فما عليك إلا أن تبدأ بالتغيير من بلادك، وخصوصاً أنكم تتحدثون عن أمريكا كقائدة للعالم، فلماذا لا تكون هذه التجربة بمثابة الدرس الذي تقدمونه إلى العالم أجمع؟... وقد قال الشاعر:
إذا كان ربُّ البيتِ بالطبل ضارباً فشيمة أهل البيت كلهم الرقصُ
منظمة المؤتمر الإسلامي والتناقض بين الكلام والفعل
ومن جانب آخر، تابعنا مؤتمر مجلس وزراء خارجية منظمة المؤتمر الإسلامي، والذي شارك فيه 57 وزير خارجية أو ممثلون عنهم، ليخرجوا ببيان سُمِّي "إعلان دمشق"، وفيه دعوة إلى عدم مكافأة إسرائيل على جرائمها، وربط أي تطوير للعلاقات معها بتنفيذها لقرارات مجلس الأمن الدولي، مع أن ثمة دولاً حضرت المؤتمر وهي تقيم علاقات مع العدو، ولم تكلّف نفسها أن تسحب سفيرها أو أن تمارس أي ضغط إعلامي أو سياسي عليه، حتى في الوقت الذي كان يرتكب أبشع الجرائم في حق الفلسطينيين، بل إن هذه الدول تمارس نوعاً من التنسيق الأمني والسياسي مع العدو ضد الفلسطينيين والمقاومين، على مرأى ومسمع من منظمة المؤتمر الإسلامي التي لم تكلّف نفسها أن تطالب هؤلاء بالكف عن لعبة المقامرة بشعوبهم وبحقوق الأمة وكرامتها.
إننا نخشى من أن يقتصر دور المنظمة على تلطيف الأجواء استعداداً لترتيبات معينة مع الأميركيين ومع العدو، ونخشى من أن يكون هذا الإعلان قد حمل في طياته استعداداً إسلامياً رسمياً للاعتراف بإسرائيل، وبالتالي، فعلى الشعوب الإسلامية أن تحدد من الآن فصاعداً سقف التعامل مع هذه المنظمة ومع الجامعة العربية، اللتين تحوّلتا إلى ما يشبه التجمّع الذي يصدر البيانات لحفظ ماء الوجه عند الأزمات، وربما تُصاغ هذه البيانات خارج نطاق الواقع الإسلامي والعربي كله.
لبنان ومخاطر التهديدات الإسرائيلية
أما في لبنان الذي ينام على شائعة ويستفيق على أخرى، فإننا نستغرب عدم قيام الدولة بتحقيق خاص حول الجهات والأسماء العاملة على الترويج للفتنة، سواء أكانت هذه الجهات سياسية أم إعلامية، وخصوصاً أن التسريبات التي تبثها هذه الصحيفة الأجنبية أو تلك حول جريمة اغتيال الرئيس الحريري، تلتقي بالأهداف والغايات التي عملت شبكات التجسس الإسرائيلية ولا تزال تعمل على تحقيقها، والدولة معنية بالبحث عن هؤلاء المسرِّبين وخفافيش الليل، تماماً كما هي معنية بالقبض على العملاء والجواسيس والخونة.
إننا نحذّر من أن المسألة لا تستهدف تشويه صورة المقاومة الشريفة فحسب، بل تسعى أيضاً لحشرها في زاوية الدفاع عن النفس داخلياً، ولجعلها تستنزف وقتها وشغلها داخلياً بما يعطي العدو هامش المناورة والحركة والهجوم، في وقت تزداد الأوضاع خطورة، وتتصاعد التهديدات الإسرائيلية على أبواب المناورة التي يحاول العدو أن يُحاكي فيها هجوماً مباغتاً على لبنان.
إننا في الوقت الذي نرحب باهتمام الدولة على مستوى المجلس الأعلى للدفاع في متابعة تطورات التهديدات وأخطار المناورة الإسرائيلية القادمة، ونقدّر لرئيس الجمهورية مواقفه الحاسمة في دعم المقاومة، وتأكيد ضرورتها وأهميتها إلى جانب الجيش وأجهزة الدولة، نؤكد ضرورة أن يقوم جميع المسؤولين بواجباتهم فيما يحفظ السلم الأهلي للبنان، من خلال السعي لسَوْق المتورطين باختلاق الشائعات إلى قبضة العدالة، حيث لا يكفي النفي الرسمي أمام المحاولات الخطيرة الرامية إلى إشعال البلد كله بفتنة كبيرة وفوضى خطيرة يُراد لها أن تُسقط الهيكل على رؤوس الجميع.
ألقى سماحة آية الله العظمى، السيد محمد حسين فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته:
التدقيق في خلفية الأخبار
يقول الله تعالى في كتابه المجيد:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6].
يعتبر الإسلام أنّ الكلام الذي يسمعه الإنسان هو وسيلة للاعتقاد، أو وسيلة للحركة، أو وسيلة للتصرف في علاقاته مع الآخرين، لذا فقد يكون الكلام حقاً، فيكون تصرّف الإنسان تجاهه منسجماً مع الحق، وقد يكون الكلام باطلاً، فيكون التزام الإنسان به التزاماً بالباطل، وقد تسمع كلمة سلبية تعقّد مشاعرك تجاه الناس الآخرين ممن قد يقرب منك أو يبتعد عنك.
مخاطر الإشاعة
وقد يتحوّل الكلام إلى وسيلة تهدّم البيوت على رؤوس أصحابها، أو تبعث على الخطر فيمن ترتبط به، وقد تثير الحرب بين فريق وآخر، وقد تخلط الأوراق، وهذا ما تصنعه الإشاعات التي يبتدعها بعض الناس الذين يريدون إرباك المجتمع وإثارة الفوضى فيه، وتحريك الفتنة في داخله، وقد تدفع الإشاعة الناس نحو الخوف في وقت لا خوف فيه، وقد تدفعهم إلى الأمن في الوقت الذي تضجّ الساحة بالخطر، وقد تثير المشاكل في حياة الإنسان؛ في بيته، أو في مواقع عمله، أو في علاقاته.
ولذلك، حذّرنا الله تعالى وأمرنا بأن ندقق في شخصية المُخبر، وفي النبأ والإشاعة. ادرس شخصيته؛ هل هو إنسان يخاف الله في نفسه وفي الناس ويتحمّل مسؤولية أمن الناس واستقرارهم وتوازن أمورهم، أو إنه إنسان لا يخاف الله، فيخطط للفتنة، ويحاول أن يثير المشاكل في الحياة الاجتماعية، ويدمّر سلام الناس وأمنهم؟
فإذا سمعت كلمةً من فاسق، فعليك التنبّه إلى ما يقول. والفاسق هو الإنسان الذي يتجاوز حدود الله، فيعصي الله في ما أمره به وفي ما نهاه عنه، ويتحرك في الخطوط المنحرفة بعيداً عن خط الاستقامة. والفاسق على أنواع، فقد يكون شخصاً يثير الإشاعة السلبية التي تخلط الأوراق وتربك المجتمع، كما يُخلط الماء الصافي بالوحل، وقد يكون حزباً، ونحن نعرف أن الأحزاب السياسية ربما تحرك عصبياتها الحزبية في سبيل إثارة الإشاعة من هذا الحزب ضد ذاك الحزب، أو إطلاق الكذب في مسيرة هذا التجمّع أو ذاك، وقد يكون الفاسق صحيفة يقرأها الناس، حيث نرى أن أغلب الصحف العربية تتموّل من خلال أجهزة المخابرات الإقليمية أو الدولية، أو أنها تتموّل من بعض الشخصيات التي تملك المال وتتحرك من أجل العبث بالواقع الاقتصادي أو الأمني أو السياسي.
الإعلام المأجور
وقد يكون الفاسق أيضاً فضائيةً من هذه الفضائيات التي تُحسب كل واحدة منها على دولة تنفّذ سياستها على طريق إيجاد المشاكل تجاه الدولة الأخرى أو الحزب الآخر، أو تجاه المنظمات التي تعمل على تحرير البلد وإنقاذه من سيطرة المحتلين. وهذا ما نلاحظه في هذه المرحلة، عندما نجد أن الكثير من وسائل الإعلام المقروءة أو المسموعة أو المرئية أو أجهزة المخابرات، تعلن حرباً على كل مقاومة للتحرير، سواء كان ذلك في فلسطين أو لبنان، لأنهم يعتبرون أن المقاومة تضرّ مصالحهم وتهدم بنيانهم، وهذا ما لاحظناه في ما يثير المشاكل والأفكار والمشاعر والأحاسيس في مثل هذه الأيام التي تحاول فيها صحف أجنبية وعربية إثارة الإشاعات الكاذبة ضد الذين يحررون أوطانهم.
التحقّق من الخبر
ولذلك، فإن الله تعالى يقول لنا:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ ـ بأيّ خبر كان ـ فَتَبَيَّنُوا ـ لا تعتمد على ما سمعته من الفاسق لأنه يستسيغ الكذب، بل حاول أن تعرف الحقيقة بوسائلك الخاصة، لأنك إذا اعتمدت على خبر الفاسق، وكان هذا الخبر كاذباً ويستهدف إثارة الفتنة، فقد تتصرف ضد الناس الذين يرتبط بهم هذا الخبر، وتنكشف القضية بعد ذلك أنه خبر كاذب، عند ذلك تندم لأنك تصرفت من دون تدقيق أو تحقيق ـ أَنْ تُصِيبُوا ـ يعني حتى لا تصيبوا ـقَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}.ولهذه الآية الكريمة مناسبة في زمن النبي(ص)، إذ تنقل كتب السيرة أنها نزلت في الوليد بن عقبة، عندما أرسله النبي لجمع الزكاة من قبيلة بني المصطلق، فلما عَلِم بنو المصطلق أن مبعوث النبي(ص) قادم إليهم، وكانوا قد دخلوا في الإسلام وأخلصوا له، سُرّوا كثيراً وهُرعوا لاستقباله، إلاّ أن الوليد، حيث كانت له خصومة شديدة معهم في زمان الجاهلية، تصوّر أنهم يريدون قتله، فرجع إلى النبي من دون أن يتحقق في الأمر وقال: يا رسول الله، إنهم امتنعوا عن دفع الزكاة، وذلك من أجل أن يستثير النبي(ص) على هؤلاء القوم. فغضب النبي(ص) لذلك، لأن الامتناع عن دفع الزكاة هو امتناع عن الخضوع للسلطة الشرعية، وصمّم على أن يقاتلهم، فنـزلت الآية.
وأضاف بعض المؤرِّخين، أن النبي(ص) بعث من يستقصي الخبر، بعدما شكّك في دقة هذا الخبر، فعادوا إليه وأخبروه بأنهم مسلمون، وسمع منهم صوت الأذان والصلاة، وعرف بالخبر ونزلت الآية. ولولا التدقيق من النبي(ص) في المسألة، لحدثت حرب بين هذه العشيرة الصادقة في إيمانها، وبين المسلمين.
الفاسق آلة الفتنة
ويتحدث الله تعالى عن الفاسقين، وهم كثر، بل كثير من الناس من يشهدون الشهادتين ولكن لا يلتزمون بمضمونها، يقول تعالى:{الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ ـ ألا يشجّع البعض البعض الآخر على بيع الخمر لأنه أربح، أو يشجعونهم على العمل في الجاسوسية، أو يحرّضونهم على بناتهم من أجل أن يمنعوهم من الحجاب ـ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [التوبة:69].
ويتحدث الله تعالى عن الفاسقين الذين يطيعون الطغاة، يقول:{وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ* أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا ـ ويشير إلى النبي موسى(ع) ـ الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ* فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ* فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ} [الزخرف:54].
وورد عن رسول الله (ص): "أما علامة الفاسق فأربعة: اللهو ـ فهو لا ينطلق في حياته من الجدية في القيام بمسؤولياته ـ واللغو ـ الكلام الذي لا ينفع ـ والعدوان والبهتان". يقول الإمام عليّ(ع): "ألا فالحذر الحذر من طاعة ساداتكم وكبرائكم ـ زعمائكم ـ الذين تكبّروا عن حسبهم، وترفّعوا فوق نسبهم، فإنهم قواعد أساس العصبية ـ يدفعون الناس لكي يتعصّبوا بعضهم ضد بعض ـ ودعائم أركان الفتنة، وهم أساس الفسوق وأحلاس العقوق".
إن عالمنا هذا مملوء بالمخابرات التي تتحرك لتحرق الأخضر واليابس، ونحن نواجه المخابرات القريبة والبعيدة، فهناك المخابرات المركزية الأمريكية، والمخابرات الصهيونية، وكذلك المخابرات العربية المتحالفة معها. لذلك إذا قرأتم صحيفةً تنقل خبراً، أو سمعتم فضائيةً أو إذاعةً، فعليكم أن تتدبّروا ذلك، وتدرسوا ما قرأتم أو سمعتم دراسةً عميقةً، حتى تعرفوا الحق من الباطل، وحتى لا تضيعوا في المتاهات، لأن المرحلة من أخطر المراحل التي تمر على الإسلام والمسلمين.
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
القضية الفلسطينية
في المسألة الفلسطينية، يدخل عنوان جديد على الخط: التطبيع بين كيان العدو والدول العربية والإسلامية، مقابل وقف الاستيطان، وبما أن الاستيطان لا يتوقف لأنه يمثل القلب النابض للاحتلال، فإن المسألة تدخل في نطاق لعبة جديدة يستمر الاستيطان فيها، ويقبل العرب بمعطياته، لأن العدو أعطاه اسماً جديداً هو "التكاثر الطبيعي" الذي تتوسّع فيه دائرة الاستيطان من دون أن تنشأ مستوطنات جديدة، وتمتد إلى الضفة كلها وسط صمت العرب وخضوعهم.
وإلى جانب ذلك، تبرز العنصرية الإسرائيلية بأبشع صورها، بمصادقة الكنيست الصهيوني على مشروع قانون يحكم بالسجن على من ينكر يهودية الدولة، بعد القانون الذي سبقه، والذي يمنع الفلسطينيين من الاحتفال بيوم النكبة، ليبرز هذا الكيان بكل ملامح حقده التي لا تطيق رؤية مظاهر الحزن لشعب طُرد من أرضه، وشُرّد في بقاع العالم، ولأنه يعرف أن هوية الأرض لا تأتي من الخارج، وبالتالي فهو يخاف من كل هذه الأجيال الفلسطينية التي فشل في تهويدها وسلبها هويتها الحقيقية... ولكن العدو استفاد ـ على كل حال ـ من برقيات التهنئة العربية التي باركت له ما أسمته "عيد الاستقلال"، ليأخذ من ذلك دافعاً جديداً لتهويد الأرض ومصادرة إنسانها الأصيل، ومع أن العدو يذهب بعيداً في طمس الهوية العربية الفلسطينية، والاستعداد لتهجير فلسطينيّي العام 1948، ويضرب عرض الحائط طرح الدولتين الأميركي الأصل، فإنه يلتقي بعرب الاعتدال في منتصف الطريق، الذين ينتظرون بفارغ الصبر بروز صفقة شكلية يحملها الراعي الأميركي ليقدّموا إلى الغاصب الصهيوني التبريكات بفلسطين، بما يمثل صكَّ الاعتراف العربي الممهِّد للاعتراف الإسلامي الكبير...
عقدة الحكام العرب تجاه شعوبهم
لقد كان البعض يظن أن العرب ـ في بعض رموزهم الرسمية ـ هم ضحية للبساطة والسذاجة والعفوية التي جعلتهم طوال هذه العقود يتنازلون عن كل ما في أيديهم لأمريكا وإسرائيل، لكن تبيّن أن ثمة عقدة مستحكمة لدى هذه المواقع تجاه شعوبها ومصالحها، حتى سارت في خط ضرب كل الواقع العربي والإسلامي لمصلحة العدوّ الأول للعرب والمسلمين، وهو الكيان الإسرائيلي الغاصب.
إننا نحذّر هؤلاء الذين خرجوا من دائرتهم الشعبية ليرتموا في الدائرة الصهيونية، ليطلقوا الأحاديث والتصريحات اليومية حول ضرورة استمرار الحوار مع إسرائيل، من أن ما يجري من حديث حول ما يسمّونه السلام، لا يعدو كونه دوراناً في الحلقة المفرغة، وليس إلا حركة استهلاكية خادعة يُستهلك فيها الوقت لحساب الكيان الصهيوني، وتسقط فيها مقررات مؤتمر مدريد ثم أوسلو ثم خريطة الطريق وصولاً إلى أنابوليس وما بعده...
اختلاق الأعداء الوهميين
كما نحذّر من لعبة اختلاق عدوّ للأمة من داخلها، مقابل الاستعداد لقبول عدوّها التاريخي كصديق وشريك، لأن ما ترسمه الأنظمة لا تتبنَّاه الشعوب، ولأن لعبة التخويف من إيران باتت مكشوفة ومفضوحة، ولأن العدو الذي يتوجس خيفةً من إمكانات إيران وقدراتها وتأثيرها في ساحات المنطقة المختلفة، يحسب الحسابات الصعبة والمعقّدة، قبل أن تحدّثه نفسه بالاعتداء عليها، وبالتالي فإن أكثر الناس بساطة في عالم السياسة هُم الذين يتوسّلون تحسين مواقعهم السياسية من خلال مراهناتهم على مغامرات عدوّهم، بدلاً من أن يتلمّسوا طريق الحوار وخطى الوحدة في آفاق أمتهم ورحاب أهلهم وإخوانهم.
التهديد ضد العالم الحرّ
وليس بعيداً من ذلك كله، نستمع في هذه الأيام إلى تهديدات متواصلة تنطلق مما يسمّونه العالم الحر ضد كوريا الشمالية، لأنها أجرت بضعة تجارب نووية، مع أنها ليست الأولى في هذا المحيط النووي العالمي الذي تمتد جذوره من أمريكا إلى أوروبا والصين، وصولاً إلى الهند وباكستان والكيان الصهيوني، ومع أنه لا توجد قوة في العالم استعملت السلاح النووي ضد البشرية إلا الولايات المتحدة الأميركية، إلا أنّ القوم يثيرون المسألة بالطريقة التي يبعثون بها برسائل الوعيد إلى إيران، وببرقيات التهدئة إلى كيان العدو الذي يهدد دول المنطقة كلها، ويعمل على ألا تمثل أية دولة تهديداً له حتى على مستوى الموقف الحر والمستقل، أو على مستوى الطموح العلمي البحت.
إننا نقول للرئيس الأميركي: إن ما تشاهدونه من اضطراب وفوضى في هذا العالم هو نتاج ما صنعته أيديكم، وما زرعته إدارتكم السابقة، وإذا كنت صادقاً في دعواتك السابقة الرامية إلى الخلاص من السلاح النووي على مستوى العالم، فما عليك إلا أن تبدأ بالتغيير من بلادك، وخصوصاً أنكم تتحدثون عن أمريكا كقائدة للعالم، فلماذا لا تكون هذه التجربة بمثابة الدرس الذي تقدمونه إلى العالم أجمع؟... وقد قال الشاعر:
إذا كان ربُّ البيتِ بالطبل ضارباً فشيمة أهل البيت كلهم الرقصُ
منظمة المؤتمر الإسلامي والتناقض بين الكلام والفعل
ومن جانب آخر، تابعنا مؤتمر مجلس وزراء خارجية منظمة المؤتمر الإسلامي، والذي شارك فيه 57 وزير خارجية أو ممثلون عنهم، ليخرجوا ببيان سُمِّي "إعلان دمشق"، وفيه دعوة إلى عدم مكافأة إسرائيل على جرائمها، وربط أي تطوير للعلاقات معها بتنفيذها لقرارات مجلس الأمن الدولي، مع أن ثمة دولاً حضرت المؤتمر وهي تقيم علاقات مع العدو، ولم تكلّف نفسها أن تسحب سفيرها أو أن تمارس أي ضغط إعلامي أو سياسي عليه، حتى في الوقت الذي كان يرتكب أبشع الجرائم في حق الفلسطينيين، بل إن هذه الدول تمارس نوعاً من التنسيق الأمني والسياسي مع العدو ضد الفلسطينيين والمقاومين، على مرأى ومسمع من منظمة المؤتمر الإسلامي التي لم تكلّف نفسها أن تطالب هؤلاء بالكف عن لعبة المقامرة بشعوبهم وبحقوق الأمة وكرامتها.
إننا نخشى من أن يقتصر دور المنظمة على تلطيف الأجواء استعداداً لترتيبات معينة مع الأميركيين ومع العدو، ونخشى من أن يكون هذا الإعلان قد حمل في طياته استعداداً إسلامياً رسمياً للاعتراف بإسرائيل، وبالتالي، فعلى الشعوب الإسلامية أن تحدد من الآن فصاعداً سقف التعامل مع هذه المنظمة ومع الجامعة العربية، اللتين تحوّلتا إلى ما يشبه التجمّع الذي يصدر البيانات لحفظ ماء الوجه عند الأزمات، وربما تُصاغ هذه البيانات خارج نطاق الواقع الإسلامي والعربي كله.
لبنان ومخاطر التهديدات الإسرائيلية
أما في لبنان الذي ينام على شائعة ويستفيق على أخرى، فإننا نستغرب عدم قيام الدولة بتحقيق خاص حول الجهات والأسماء العاملة على الترويج للفتنة، سواء أكانت هذه الجهات سياسية أم إعلامية، وخصوصاً أن التسريبات التي تبثها هذه الصحيفة الأجنبية أو تلك حول جريمة اغتيال الرئيس الحريري، تلتقي بالأهداف والغايات التي عملت شبكات التجسس الإسرائيلية ولا تزال تعمل على تحقيقها، والدولة معنية بالبحث عن هؤلاء المسرِّبين وخفافيش الليل، تماماً كما هي معنية بالقبض على العملاء والجواسيس والخونة.
إننا نحذّر من أن المسألة لا تستهدف تشويه صورة المقاومة الشريفة فحسب، بل تسعى أيضاً لحشرها في زاوية الدفاع عن النفس داخلياً، ولجعلها تستنزف وقتها وشغلها داخلياً بما يعطي العدو هامش المناورة والحركة والهجوم، في وقت تزداد الأوضاع خطورة، وتتصاعد التهديدات الإسرائيلية على أبواب المناورة التي يحاول العدو أن يُحاكي فيها هجوماً مباغتاً على لبنان.
إننا في الوقت الذي نرحب باهتمام الدولة على مستوى المجلس الأعلى للدفاع في متابعة تطورات التهديدات وأخطار المناورة الإسرائيلية القادمة، ونقدّر لرئيس الجمهورية مواقفه الحاسمة في دعم المقاومة، وتأكيد ضرورتها وأهميتها إلى جانب الجيش وأجهزة الدولة، نؤكد ضرورة أن يقوم جميع المسؤولين بواجباتهم فيما يحفظ السلم الأهلي للبنان، من خلال السعي لسَوْق المتورطين باختلاق الشائعات إلى قبضة العدالة، حيث لا يكفي النفي الرسمي أمام المحاولات الخطيرة الرامية إلى إشعال البلد كله بفتنة كبيرة وفوضى خطيرة يُراد لها أن تُسقط الهيكل على رؤوس الجميع.