المبعث النبوي الشريف مناسبةٌ لإحياء للقيم الإسلامية

المبعث النبوي الشريف مناسبةٌ لإحياء للقيم الإسلامية
ألقى سماحة آية الله العظمى، السيد محمد حسين فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته: 

 المبعث النبوي الشريف مناسبةٌ لإحياء للقيم الإسلامية

ذكرى المبعث
مرّت علينا ذكرى المبعث النبوي الشريف، وذكرى الإسراء والمعراج. وعندما نقف أمام ذكرى المبعث الذي هو يوم ولادة الإسلام، من خلال وحي الله تعالى الذي أنزله على رسوله(ص)، نتذكّر ذلك الإنسان اليتيم الذي عاش يتيم الأب والأمّ، ولكنّ الله سبحانه وتعالى آواه برحمته ولطفه، لأنّ الله أعدّه لينطلق في قيادة العالم إلى خطّ التوحيد، وليكون النبيّ الذي تختم به النبوّات، وليكون الرحمة التي تفيض على النّاس كافّةً، وعلى الوجود كافّةً، وليعلّم الناس كيف يمارسون الحياة وكيف يطوّرونها، وكيف يعطونها من عقولهم عقلاً تنمو به الحقيقة، ومن قلوبهم قلباً تنفتح به كلّ القيم الروحية، ومن حركته حركةً يمتدّ بها العدل في كلّ مواقع الحياة.

أبو طالب حامي النبوّة
وقد أراد الله تعالى للنبي(ص) أن يعيش الرعاية في كنف عمّه أبي طالب، هذا الإنسان الذي أعطى رسول الله(ص) كلّ رعايته وعنايته، وكلّ لطفه وحضانته، وكان معه قبل الرسالة، يتعهّد حياته لكي ينطلق شاباً أميناً صادقاً، وكان معه بعد الرسالة ليكون الناصر الوحيد له، إذ ورد في بعض النصوص، أنّ أبا طالب كان الناصر الوحيد لرسول الله(ص) والمحامي عنه، والمحتمل عظيم الأذى من قومه في سبيله، والباذل أقصى جهده في نصرته، فما كان يصل إلى رسول الله(ص) من قومه سوء مدّة حياة أبي طالب، فلمّا مات، نالت قريش من رسول الله بغيتها، وأصابته بعظيم الأذى.

ولما جاهر النبي(ص) بالرسالة مستنكراً كلّ ما انطلق به المشركون في عبادتهم لأصنامهم ووثنيّتهم، جاءه وجهاء قريش وقالوا لأبي طالب: "إنّا لن نصبر على شتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وعيب آلهتنا، فإمّا أن تكفّه عنّا، أو ننازله وإيّاك حتى يهلك أحد الفريقين". ثم انصرفوا، فأخبر أبو طالب ابن أخيه النبيّ محمّداً(ص) بذلك، وقال له: "إنّ قومك قد جاؤوني فقالوا لي كذا وكذا، فأبقِ على نفسك ولا تحمّلني من الأمر ما لا أطيقه". فظنّ رسول الله (ص) أنه قد بدا لعمّه فيه بداء، وأنّه خاذلُه ومسلّمُه، وأنّه قد ضعف عن نصرته والقيام دونه، فقال(ص): "يا عمّ، لو وضعوا الشّمس في يميني، والقمر في شمالي، على أن أترك هذا الأمر، ما تركته حتى يُظهره الله أو أهلك فيه"، ثم استعبر باكياً وقام وولّى، فلمّا ولّى ناداه أبو طالب: "أقبل يا ابن أخي"، فأقبل راجعاً فقال له: "اذهب يا بن أخي فقل ما أحببت، فوالله لا أسلّمك لشيء أبداً"، وأنشأ يقول ـ وهذا هو دليل إسلام عمّ النبيّ وإيمانه، لأن بعض المسلمين يقولون إنّ أبا طالب مات كافراً لينالوا من عليّ(ع) ـ:

والله لن يصلوا إليك بجمعهم                        حتى أوسّدَ في التراب دفينا

فانفذ لأمرك ما عليك مخافة                        وابشر وقِرّ بذاك منه عيونا

ودعوتني وعلمتُ أنّك ناصحي                        ولقد صدقتَ وكنتَ قبلُ أمينا

وعرضت ديناً قد علمت بأنه                       من خير أديان البرية دينا

المبعث الشريف وتحدّيات الرسالة
وهكذا، عاش رسول الله(ص) عندما بعثه الله بالرسالة، وأعطاه الله من علمه علماً، لأنّ النبي(ص) لم يتعلّم عند معلّم، وهذا ما قاله الله تعالى:{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ روحاً مِنْ أَمْرِنا ما كنْتَ تدْري ما الكتابُ ولا الإيمانُ ولكنْ جعلْنَاه نوراً نهدي به من نشاءُ من عبادِنا وإنّكَ لتهدي إلى صراطٍ مستقيم}[الشورى:52]، ونقرأ كيف أنّ الله تعالى هو المعلّم له: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً}[النساء:113]. وأراد الله تعالى لرسوله أن يعيش في مسيرة الأنبياء، وأوحى إليه بكلّ ما عاشه الأنبياء من التحدّيات التي واجهتهم، قال تعالى:{وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}[هود:120]. وقال:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً}[الفرقان:32]. كان الله يرعى رسول الله(ص) ويتعهّده بكلّ لطفه وعنايته، لأنّه الرسول الذي اصطفاه ليكون رحمةً للعالمين.

 وقال الله تعالى للناس ـ وهو يبيّن موقع النبي(ص) فيهم ـ : {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ{[البقرة:151]، وقال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[آل عمران:164].
وقد أراد الله تعالى من خلال ما أراده لنا أن نستوحيه من دور الرسول(ص)، أن نتوفّر على دراسة كلّ ما قاله النبي(ص)، وكلّ ما بيّنه وعرّف الناس أسرار حقائقه، لأنّ قضيّة رسول الله لم تكن قضيّة مرحلة معيّنة، بل كانت قضيّة الناس كافّةً والعالم كافةً، وهكذا أطلق رسول الله دعوته الإنسانية العالمية: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً}[الأعراف:158]، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً}[سبأ:28].
وقد أراد الله تعالى للرسالة الإسلامية أن تشمل العالم، ليكون العالم كلّه إسلامياً. وعلى ضوء هذا، فإنّ على المسلمين في كلّ زمان ومكان مسؤولية الدعوة إلى   الإسلام، ومواجهة كلّ من يحاول أن يشوّه صورته أو يبعد النّاس عنه، حتى يعيش العالم للإسلام وبالإسلام، في عقائده وشرائعه ومفاهيمه وكلّ قيمه: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}[التّوبة:33].وعندما ندرس شخصيّة رسول الله(ص) في القرآن الكريم، نرى الشّخصيّة الرسالية التي تعيش مع الفقراء، والتي تتحدّث مع الناس بكلّ رحمة ورقّة: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}[آل عمران:159].

ذكرى المبعث دعوة للإحياء وليس للاحتفال
وقد أراد الله تعالى أن يثقّف رسوله، فأسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي هو مسجد الرسالات الذي عاش الرسل في أجوائه، قال تعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الإسراء:1]، لنعلّمه من خلال الآيات التي تظهر له من خلال الإسراء، فيزداد بذلك علماً ومعرفةً.

لا بدّ لنا من أن نعيش الإسلام كلّه عندما نعيش في ذكرى المبعث والإسراء والمعراج، لا أن نتذكّر رسول الله بالاحتفالات التي نقيمها فحسب، ولكن أن نتذكّره بالإسلام الذي أحياه، وأن نتذكّر مسؤوليتنا عن الإسلام، لنعمل من أجل أن يكون الإسلام دين العالم كله الذي لا بدّ من أن يأخذ الّناس به، لأن الله أرادنا أن نعمل على هذا الأساس: }ادْعُ إلى سَبيلِ ربِّكَ بالحكْمَةِ والموْعِظَةِ الحسَنَة{[النّحل:125]. أن نكون المبلّغين، كلٌّ بحسب معرفته وظروفه وإمكاناته. ولذلك، فإنّ الّذين يهاجرون ويغتربون في آفاق الأرض، لا بدّ لهم من أن يستفيدوا من هذه البلاد التي هاجروا إليها، في سبيل تعريف النّاس بالإسلام على حقيقته، لأنّ المسألة الآن هي أنّ هناك حرباً على الإسلام من كلّ الكافرين والمستكبرين، وعلينا أن نحمي الإسلام بكلّ ما عندنا من طاقة ومعرفة، وعلينا أن نعيش حالة طوارئ إسلاميّة، ولا سيّما في هذه المرحلة التي نواجه فيها الواقع المستكبر الذي يسعى للفتنة بين المسلمين ليقاتلوا بعضهم بعضاً، من خلال العملاء الذين فرضهم على العالم الإسلامي.

لا بدّ لنا من أن نعيش رسول الله؛ أن نعيشه في عقولنا وقلوبنا وكلّ حركتنا في الحياة، وأن نعيشه في كلّ حكم شرعي نأخذ به، وعلينا أن نحلّل ما حلّل، وأن نحرّم ما حرّم، لأنّ حلاله حلال إلى اليوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة. {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}[الأحزاب:56].الخطبة الثانية

الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم

فلسطين: استمرار المؤامرة
لا يبدو المشهد في فلسطين المحتلة مختلفاً عن السنوات الأولى لنشأة الكيان الصهيوني، حينما كانت آلة العدوان تنهش الأرض الفلسطينية، وتحرق البلدات الفلسطينية لتقيم على أنقاضها مئات المستوطنات الإسرائيلية، حيث يواصل العدوّ في هذه الأيّام نشاطه الاستيطاني بوحشيّة عنصريّة، وفي جعبته فتوى جديدة من الحاخام الأكبر، مفادها أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تخالف تعاليم التوراة عندما تطالب كيانه بتجميد الاستيطان في الضفة الغربية.

وفي موازاة ذلك، انكشفت الإدارة الأمريكية أكثر أمام العالم، وبدأت تطلق الإشارات التي توحي بانهزامها أمام العدوّ، وعجزها عن إحداث تغييرٍ شكلي في النقطة التي ارتكز عليها الرئيس الأمريكي، لدفع العرب إلى التطبيع الشامل مع العدوّ، والمتمثّلة بتجميد الاستيطان لا تفكيكه، حيث أكّدت الحكومة الصهيونية أنها غير جاهزة للتنازل ـ حتى في الشكل ـ في مسألة الاستيطان لكي تفتح الباب للعرب للإقبال عليها، ربما لأنها تنتظر هذه النتيجة من دون مقدّمات إسرائيلية.

وحتى القدس الشّرقية التي أوحت بعض العواصم الغربية إلى السلطة الفلسطينية وعرب الاعتدال بأنها ستشكّل عاصمة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة، زحف الاستيطان الصهيوني إليها، وأعلن رئيس حكومة العدوّ أنه لا يسع الصهاينة المحتلّين "قبول فكرة أنه ليس لليهود الحقّ في العيش والبناء في كلّ مكان في القدس"... ولعلّ ما يُضحك الثكلى، أنه في الوقت الذي أعلن "نتنياهو" هذا الموقف، انبرى مسؤول عربي لدعوة المسؤولين العرب ليدخلوا في حوار مع العدوّ من خلال الانفتاح على وسائل إعلامه، ليوحي بأنّ الانخراط في فخّ التطبيع الإعلامي هو البداية المثلى في مسيرة الانحدار السياسي العربي إلى الهاوية.

وفي هذه الأجواء، يأخذ العدوّ حريته في اعتقال المزيد من الفلسطينيين، والاعتداء الوحشي على آخرين، وقتل بعضهم، والإغارة على أطراف قطاع غزّة بين وقت وآخر، مطمئناً إلى أن هذه الممارسات لن تكون عائقاً أمام قطار التطبيع الذي سيقطع المراحل المرسومة بعناية ودقة، وإن تظاهرت الإدارة الأمريكية بأنها منـزعجة، أو استدعت الخارجية الأمريكية سفير العدوّ لديها، لإشعار العرب بأنّ بإمكان المهزوم أن يحصل على شيء من الزهو، ليقدّم نفسه إلى الناس بثوب المنتصر.

إننّا أمام هذا الواقع الخطير، نسأل السّلطة الفلسطينيّة: ماذا فعلت لحماية الشّعب الفلسطيني في الضفّة الغربية، ليس أمام الزحف الاستيطاني الذي لا يتوقّف، بل أمام هذا الهجوم الوحشي المتواصل من المستوطنين على أرزاق الفلسطينيين ومزارعهم، وأمام حرق بساتينهم وأشجارهم المثمرة، والاعتداء المتواصل على حياتهم وممتلكاتهم؟!

إننّا نستغرب أن يكون سلاح هذه السّلطة هو اللاسلاح، وأن يكون خيارها هو المفاوضات المفتوحة، واستجداء الحوار مع العدوّ، واستعطافه لتجميد الاستيطان بما يحفظ ماء وجهها، وإن تمّ الأمر على حساب شعبها وقضيّته ومصيره.

إنّنا نقول للشعب الفلسطيني الذي أرهقته سياسة التواطؤ العربي، وأتعبته سياسة الخذلان على المستوى الإسلامي العام: لا سبيل أمامكم إلا بالعودة إلى سياسة استنـزاف العدوّ وإتعابه ومجاهدته على جميع المستويات، فهذا عدوّ لا يفهم إلا لغة القوّة، وهذا عالمٌ لا يستمع إلى أنّات المتعَبين والمقهورين إلا عندما تتحوّل صرخاتهم إلى خططٍ تدمي العدوّ وتصيب نظامه الأمني والسياسي في الصميم.

الانسحاب الأمريكي من العراق خطّة للعودة
وعندما نرصد الواقع العراقي الذي عاين تجربة الانسحاب الأمريكي من المدن، نلمح مخطّطاً خبيثاً يقوم على تفجير العراق من الداخل، واستهداف المدنيين في المواقع التي انسحب الاحتلال منها، بما قد يقدّم ذريعةً جديدةً للأمريكيين لكي يعيدوا احتلالهم للمدن العراقية، وقد تحدّث قائد قوات الاحتلال في بغداد عن أنّ الجيش الأمريكي ينوي الدخول في عمليات قتالية في المدن، موحياً بإمكانية العودة إلى الخيار السابق.

إننا ندعو العراقيين، بكلّ مكوّناتهم السياسية والدينية والعرقية، إلى الوحدة والتماسك، وفضح وتفكيك هذه العلاقة الملتبسة بين الاحتلال والجهات التكفيرية التي تحظى بدعم من بعض الجهات الإقليمية، لأنّ عليهم العمل على خطين: إنهاء الاحتلال، وإسقاط لعبة التمزيق الداخلي المدعومة من جهات خارجية، والساعية لركوب الموجة المذهبية التي لم تجلب إل العراقيين والمنطقة إلا الخراب والدمار.

تشكيل الحكومة اللّبنانية دونه عقبات
أمّا في لبنان الذي تسير فيه عمليّة تشكيل الحكومة سيراً سلحفاتياً، بفعل تدخّلات خارجية، وإيحاءات تأتي من هنا وهناك، فإنّنا نلمح مخطّطاً خبيثاً تحاول من خلاله الجهات أو الأدوات التي استخدمتها محاور دولية وغير دولية خلق مناخات لفتنة داخلية لا تبقي ولا تذر، من خلال توجيهها المرسوم والمدفوع من جهات معادية تسعى لاختلاق ملفّ جديد يعيد تحريك خيوط الفتنة المذهبية، تارةً باستخدام عنوان المحكمة الدولية، وطوراً باستخدام عناوين أخرى، ربما للمساومة في بعض الأمور السياسية التي تريح الآخرين وتجعلهم يستفيدون من ذلك في لعبة فرض الشروط على هذه الجهة الداخلية أو هذه الدولة أو تلك، في لعبة الأمم التي يراد للبلد الصغير أن يدفع ثمنها لاحقاً كما دفعه سابقاً.

إنّنا نحذّر كلّ من تسوّل له نفسه أن يعبث بالساحة الداخلية، وخصوصاً الساحة الإسلامية، وتحديداً من يسعى لإحداث فتنة بين السنّة والشيعة، أنّنا لن نسمح له بذلك حتى لو اختفى وراء عناوين دولية، أو حاول التسلّل إلى المواقع القضائية الدولية أو غيرها، وندعو العقلاء في الداخل إلى كشف هؤلاء وفضحهم، والاقتصاص منهم، قبل أن يحقّقوا أغراضهم ويترجموا أهداف العدوّ بحرق البلد من الداخل، بعدما عجز عن إخضاعه بالحرب الوحشية المباشرة. ونتلو قوله تعالى: {واتّقوا فتنةً لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصةً}[ الأنفال:25].

ألقى سماحة آية الله العظمى، السيد محمد حسين فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته: 

 المبعث النبوي الشريف مناسبةٌ لإحياء للقيم الإسلامية

ذكرى المبعث
مرّت علينا ذكرى المبعث النبوي الشريف، وذكرى الإسراء والمعراج. وعندما نقف أمام ذكرى المبعث الذي هو يوم ولادة الإسلام، من خلال وحي الله تعالى الذي أنزله على رسوله(ص)، نتذكّر ذلك الإنسان اليتيم الذي عاش يتيم الأب والأمّ، ولكنّ الله سبحانه وتعالى آواه برحمته ولطفه، لأنّ الله أعدّه لينطلق في قيادة العالم إلى خطّ التوحيد، وليكون النبيّ الذي تختم به النبوّات، وليكون الرحمة التي تفيض على النّاس كافّةً، وعلى الوجود كافّةً، وليعلّم الناس كيف يمارسون الحياة وكيف يطوّرونها، وكيف يعطونها من عقولهم عقلاً تنمو به الحقيقة، ومن قلوبهم قلباً تنفتح به كلّ القيم الروحية، ومن حركته حركةً يمتدّ بها العدل في كلّ مواقع الحياة.

أبو طالب حامي النبوّة
وقد أراد الله تعالى للنبي(ص) أن يعيش الرعاية في كنف عمّه أبي طالب، هذا الإنسان الذي أعطى رسول الله(ص) كلّ رعايته وعنايته، وكلّ لطفه وحضانته، وكان معه قبل الرسالة، يتعهّد حياته لكي ينطلق شاباً أميناً صادقاً، وكان معه بعد الرسالة ليكون الناصر الوحيد له، إذ ورد في بعض النصوص، أنّ أبا طالب كان الناصر الوحيد لرسول الله(ص) والمحامي عنه، والمحتمل عظيم الأذى من قومه في سبيله، والباذل أقصى جهده في نصرته، فما كان يصل إلى رسول الله(ص) من قومه سوء مدّة حياة أبي طالب، فلمّا مات، نالت قريش من رسول الله بغيتها، وأصابته بعظيم الأذى.

ولما جاهر النبي(ص) بالرسالة مستنكراً كلّ ما انطلق به المشركون في عبادتهم لأصنامهم ووثنيّتهم، جاءه وجهاء قريش وقالوا لأبي طالب: "إنّا لن نصبر على شتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وعيب آلهتنا، فإمّا أن تكفّه عنّا، أو ننازله وإيّاك حتى يهلك أحد الفريقين". ثم انصرفوا، فأخبر أبو طالب ابن أخيه النبيّ محمّداً(ص) بذلك، وقال له: "إنّ قومك قد جاؤوني فقالوا لي كذا وكذا، فأبقِ على نفسك ولا تحمّلني من الأمر ما لا أطيقه". فظنّ رسول الله (ص) أنه قد بدا لعمّه فيه بداء، وأنّه خاذلُه ومسلّمُه، وأنّه قد ضعف عن نصرته والقيام دونه، فقال(ص): "يا عمّ، لو وضعوا الشّمس في يميني، والقمر في شمالي، على أن أترك هذا الأمر، ما تركته حتى يُظهره الله أو أهلك فيه"، ثم استعبر باكياً وقام وولّى، فلمّا ولّى ناداه أبو طالب: "أقبل يا ابن أخي"، فأقبل راجعاً فقال له: "اذهب يا بن أخي فقل ما أحببت، فوالله لا أسلّمك لشيء أبداً"، وأنشأ يقول ـ وهذا هو دليل إسلام عمّ النبيّ وإيمانه، لأن بعض المسلمين يقولون إنّ أبا طالب مات كافراً لينالوا من عليّ(ع) ـ:

والله لن يصلوا إليك بجمعهم                        حتى أوسّدَ في التراب دفينا

فانفذ لأمرك ما عليك مخافة                        وابشر وقِرّ بذاك منه عيونا

ودعوتني وعلمتُ أنّك ناصحي                        ولقد صدقتَ وكنتَ قبلُ أمينا

وعرضت ديناً قد علمت بأنه                       من خير أديان البرية دينا

المبعث الشريف وتحدّيات الرسالة
وهكذا، عاش رسول الله(ص) عندما بعثه الله بالرسالة، وأعطاه الله من علمه علماً، لأنّ النبي(ص) لم يتعلّم عند معلّم، وهذا ما قاله الله تعالى:{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ روحاً مِنْ أَمْرِنا ما كنْتَ تدْري ما الكتابُ ولا الإيمانُ ولكنْ جعلْنَاه نوراً نهدي به من نشاءُ من عبادِنا وإنّكَ لتهدي إلى صراطٍ مستقيم}[الشورى:52]، ونقرأ كيف أنّ الله تعالى هو المعلّم له: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً}[النساء:113]. وأراد الله تعالى لرسوله أن يعيش في مسيرة الأنبياء، وأوحى إليه بكلّ ما عاشه الأنبياء من التحدّيات التي واجهتهم، قال تعالى:{وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}[هود:120]. وقال:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً}[الفرقان:32]. كان الله يرعى رسول الله(ص) ويتعهّده بكلّ لطفه وعنايته، لأنّه الرسول الذي اصطفاه ليكون رحمةً للعالمين.

 وقال الله تعالى للناس ـ وهو يبيّن موقع النبي(ص) فيهم ـ : {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ{[البقرة:151]، وقال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[آل عمران:164].
وقد أراد الله تعالى من خلال ما أراده لنا أن نستوحيه من دور الرسول(ص)، أن نتوفّر على دراسة كلّ ما قاله النبي(ص)، وكلّ ما بيّنه وعرّف الناس أسرار حقائقه، لأنّ قضيّة رسول الله لم تكن قضيّة مرحلة معيّنة، بل كانت قضيّة الناس كافّةً والعالم كافةً، وهكذا أطلق رسول الله دعوته الإنسانية العالمية: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً}[الأعراف:158]، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً}[سبأ:28].
وقد أراد الله تعالى للرسالة الإسلامية أن تشمل العالم، ليكون العالم كلّه إسلامياً. وعلى ضوء هذا، فإنّ على المسلمين في كلّ زمان ومكان مسؤولية الدعوة إلى   الإسلام، ومواجهة كلّ من يحاول أن يشوّه صورته أو يبعد النّاس عنه، حتى يعيش العالم للإسلام وبالإسلام، في عقائده وشرائعه ومفاهيمه وكلّ قيمه: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}[التّوبة:33].وعندما ندرس شخصيّة رسول الله(ص) في القرآن الكريم، نرى الشّخصيّة الرسالية التي تعيش مع الفقراء، والتي تتحدّث مع الناس بكلّ رحمة ورقّة: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}[آل عمران:159].

ذكرى المبعث دعوة للإحياء وليس للاحتفال
وقد أراد الله تعالى أن يثقّف رسوله، فأسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي هو مسجد الرسالات الذي عاش الرسل في أجوائه، قال تعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الإسراء:1]، لنعلّمه من خلال الآيات التي تظهر له من خلال الإسراء، فيزداد بذلك علماً ومعرفةً.

لا بدّ لنا من أن نعيش الإسلام كلّه عندما نعيش في ذكرى المبعث والإسراء والمعراج، لا أن نتذكّر رسول الله بالاحتفالات التي نقيمها فحسب، ولكن أن نتذكّره بالإسلام الذي أحياه، وأن نتذكّر مسؤوليتنا عن الإسلام، لنعمل من أجل أن يكون الإسلام دين العالم كله الذي لا بدّ من أن يأخذ الّناس به، لأن الله أرادنا أن نعمل على هذا الأساس: }ادْعُ إلى سَبيلِ ربِّكَ بالحكْمَةِ والموْعِظَةِ الحسَنَة{[النّحل:125]. أن نكون المبلّغين، كلٌّ بحسب معرفته وظروفه وإمكاناته. ولذلك، فإنّ الّذين يهاجرون ويغتربون في آفاق الأرض، لا بدّ لهم من أن يستفيدوا من هذه البلاد التي هاجروا إليها، في سبيل تعريف النّاس بالإسلام على حقيقته، لأنّ المسألة الآن هي أنّ هناك حرباً على الإسلام من كلّ الكافرين والمستكبرين، وعلينا أن نحمي الإسلام بكلّ ما عندنا من طاقة ومعرفة، وعلينا أن نعيش حالة طوارئ إسلاميّة، ولا سيّما في هذه المرحلة التي نواجه فيها الواقع المستكبر الذي يسعى للفتنة بين المسلمين ليقاتلوا بعضهم بعضاً، من خلال العملاء الذين فرضهم على العالم الإسلامي.

لا بدّ لنا من أن نعيش رسول الله؛ أن نعيشه في عقولنا وقلوبنا وكلّ حركتنا في الحياة، وأن نعيشه في كلّ حكم شرعي نأخذ به، وعلينا أن نحلّل ما حلّل، وأن نحرّم ما حرّم، لأنّ حلاله حلال إلى اليوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة. {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}[الأحزاب:56].الخطبة الثانية

الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم

فلسطين: استمرار المؤامرة
لا يبدو المشهد في فلسطين المحتلة مختلفاً عن السنوات الأولى لنشأة الكيان الصهيوني، حينما كانت آلة العدوان تنهش الأرض الفلسطينية، وتحرق البلدات الفلسطينية لتقيم على أنقاضها مئات المستوطنات الإسرائيلية، حيث يواصل العدوّ في هذه الأيّام نشاطه الاستيطاني بوحشيّة عنصريّة، وفي جعبته فتوى جديدة من الحاخام الأكبر، مفادها أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تخالف تعاليم التوراة عندما تطالب كيانه بتجميد الاستيطان في الضفة الغربية.

وفي موازاة ذلك، انكشفت الإدارة الأمريكية أكثر أمام العالم، وبدأت تطلق الإشارات التي توحي بانهزامها أمام العدوّ، وعجزها عن إحداث تغييرٍ شكلي في النقطة التي ارتكز عليها الرئيس الأمريكي، لدفع العرب إلى التطبيع الشامل مع العدوّ، والمتمثّلة بتجميد الاستيطان لا تفكيكه، حيث أكّدت الحكومة الصهيونية أنها غير جاهزة للتنازل ـ حتى في الشكل ـ في مسألة الاستيطان لكي تفتح الباب للعرب للإقبال عليها، ربما لأنها تنتظر هذه النتيجة من دون مقدّمات إسرائيلية.

وحتى القدس الشّرقية التي أوحت بعض العواصم الغربية إلى السلطة الفلسطينية وعرب الاعتدال بأنها ستشكّل عاصمة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة، زحف الاستيطان الصهيوني إليها، وأعلن رئيس حكومة العدوّ أنه لا يسع الصهاينة المحتلّين "قبول فكرة أنه ليس لليهود الحقّ في العيش والبناء في كلّ مكان في القدس"... ولعلّ ما يُضحك الثكلى، أنه في الوقت الذي أعلن "نتنياهو" هذا الموقف، انبرى مسؤول عربي لدعوة المسؤولين العرب ليدخلوا في حوار مع العدوّ من خلال الانفتاح على وسائل إعلامه، ليوحي بأنّ الانخراط في فخّ التطبيع الإعلامي هو البداية المثلى في مسيرة الانحدار السياسي العربي إلى الهاوية.

وفي هذه الأجواء، يأخذ العدوّ حريته في اعتقال المزيد من الفلسطينيين، والاعتداء الوحشي على آخرين، وقتل بعضهم، والإغارة على أطراف قطاع غزّة بين وقت وآخر، مطمئناً إلى أن هذه الممارسات لن تكون عائقاً أمام قطار التطبيع الذي سيقطع المراحل المرسومة بعناية ودقة، وإن تظاهرت الإدارة الأمريكية بأنها منـزعجة، أو استدعت الخارجية الأمريكية سفير العدوّ لديها، لإشعار العرب بأنّ بإمكان المهزوم أن يحصل على شيء من الزهو، ليقدّم نفسه إلى الناس بثوب المنتصر.

إننّا أمام هذا الواقع الخطير، نسأل السّلطة الفلسطينيّة: ماذا فعلت لحماية الشّعب الفلسطيني في الضفّة الغربية، ليس أمام الزحف الاستيطاني الذي لا يتوقّف، بل أمام هذا الهجوم الوحشي المتواصل من المستوطنين على أرزاق الفلسطينيين ومزارعهم، وأمام حرق بساتينهم وأشجارهم المثمرة، والاعتداء المتواصل على حياتهم وممتلكاتهم؟!

إننّا نستغرب أن يكون سلاح هذه السّلطة هو اللاسلاح، وأن يكون خيارها هو المفاوضات المفتوحة، واستجداء الحوار مع العدوّ، واستعطافه لتجميد الاستيطان بما يحفظ ماء وجهها، وإن تمّ الأمر على حساب شعبها وقضيّته ومصيره.

إنّنا نقول للشعب الفلسطيني الذي أرهقته سياسة التواطؤ العربي، وأتعبته سياسة الخذلان على المستوى الإسلامي العام: لا سبيل أمامكم إلا بالعودة إلى سياسة استنـزاف العدوّ وإتعابه ومجاهدته على جميع المستويات، فهذا عدوّ لا يفهم إلا لغة القوّة، وهذا عالمٌ لا يستمع إلى أنّات المتعَبين والمقهورين إلا عندما تتحوّل صرخاتهم إلى خططٍ تدمي العدوّ وتصيب نظامه الأمني والسياسي في الصميم.

الانسحاب الأمريكي من العراق خطّة للعودة
وعندما نرصد الواقع العراقي الذي عاين تجربة الانسحاب الأمريكي من المدن، نلمح مخطّطاً خبيثاً يقوم على تفجير العراق من الداخل، واستهداف المدنيين في المواقع التي انسحب الاحتلال منها، بما قد يقدّم ذريعةً جديدةً للأمريكيين لكي يعيدوا احتلالهم للمدن العراقية، وقد تحدّث قائد قوات الاحتلال في بغداد عن أنّ الجيش الأمريكي ينوي الدخول في عمليات قتالية في المدن، موحياً بإمكانية العودة إلى الخيار السابق.

إننا ندعو العراقيين، بكلّ مكوّناتهم السياسية والدينية والعرقية، إلى الوحدة والتماسك، وفضح وتفكيك هذه العلاقة الملتبسة بين الاحتلال والجهات التكفيرية التي تحظى بدعم من بعض الجهات الإقليمية، لأنّ عليهم العمل على خطين: إنهاء الاحتلال، وإسقاط لعبة التمزيق الداخلي المدعومة من جهات خارجية، والساعية لركوب الموجة المذهبية التي لم تجلب إل العراقيين والمنطقة إلا الخراب والدمار.

تشكيل الحكومة اللّبنانية دونه عقبات
أمّا في لبنان الذي تسير فيه عمليّة تشكيل الحكومة سيراً سلحفاتياً، بفعل تدخّلات خارجية، وإيحاءات تأتي من هنا وهناك، فإنّنا نلمح مخطّطاً خبيثاً تحاول من خلاله الجهات أو الأدوات التي استخدمتها محاور دولية وغير دولية خلق مناخات لفتنة داخلية لا تبقي ولا تذر، من خلال توجيهها المرسوم والمدفوع من جهات معادية تسعى لاختلاق ملفّ جديد يعيد تحريك خيوط الفتنة المذهبية، تارةً باستخدام عنوان المحكمة الدولية، وطوراً باستخدام عناوين أخرى، ربما للمساومة في بعض الأمور السياسية التي تريح الآخرين وتجعلهم يستفيدون من ذلك في لعبة فرض الشروط على هذه الجهة الداخلية أو هذه الدولة أو تلك، في لعبة الأمم التي يراد للبلد الصغير أن يدفع ثمنها لاحقاً كما دفعه سابقاً.

إنّنا نحذّر كلّ من تسوّل له نفسه أن يعبث بالساحة الداخلية، وخصوصاً الساحة الإسلامية، وتحديداً من يسعى لإحداث فتنة بين السنّة والشيعة، أنّنا لن نسمح له بذلك حتى لو اختفى وراء عناوين دولية، أو حاول التسلّل إلى المواقع القضائية الدولية أو غيرها، وندعو العقلاء في الداخل إلى كشف هؤلاء وفضحهم، والاقتصاص منهم، قبل أن يحقّقوا أغراضهم ويترجموا أهداف العدوّ بحرق البلد من الداخل، بعدما عجز عن إخضاعه بالحرب الوحشية المباشرة. ونتلو قوله تعالى: {واتّقوا فتنةً لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصةً}[ الأنفال:25].

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية