الإمام موسى الكاظم(ع): صبرٌ وجهاد

الإمام موسى الكاظم(ع): صبرٌ وجهاد
ألقى سماحة آية الله العظمى، السيد محمد حسين فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته: 

الإمام موسى الكاظم(ع):
صبرٌ وجهاد

معاناة الإمام(ع)
يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} [الأحزاب:33].
 في اليوم الخامس والعشرين من شهر رجب، الذي يصادف يوم غد، كانت وفاة الإمام الأسير المظلوم، موسى بن جعفر الكاظم(ع)، بعد أن نقله هارون الرشيد من سجن إلى سجن.

ونحن نعرف أنّ أئمّة أهل البيت(ع) عاشوا المعاناة مع الأمويين كما عاشوها مع العباسيين، لأنّ هؤلاء الخلفاء كانوا يتابعون من خلال مخابراتهم، ومن خلال ملاحظاتهم، كيف كان أهل البيت(ع) يمثّلون القمة العلميّة والروحية والأخلاقية عند النّاس، فكان الناس يلجأون إليهم في كلّ ما أشكل عليهم من شؤون الإسلام ومن شؤون العلم في شتّى مواقعه، وكان الناس يتبرّكون بهم ويقدّسونهم ويعظّمونهم. ولذلك، فإنّ الخلفاء الأمويين والعباسيين كانوا يخافون على سلطانهم من هذه الجماهيرية المنتشرة في العالم الإسلامي لأئمّة أهل البيت(ع).

محبّة الخلفاء للإمام
وينقل بعض المؤرّخين، أنّه قيل للمأمون الذي كان يحبّ أهل هذا البيت(ع) ويعظّمهم: من أين أخذت هذا الحبّ الذي يوحي بالتشيّع؟ قال: أخذته من أبي هارون الرشيد. قيل له: وكيف ذلك، وقد كان أبوك معادياً لأهل هذا البيت؟ قال: كنت شاباً، وكنت عند أبي، وقيل له: هذا موسى بن جعفر في الباب، فلمّا قيل له ذلك، أمر كلّ من كان في الديوان أن يستقبلوه، ثم استقبله واحتضنه وأجلسه في مجلسه، وجلس بين يديه بكلّ احترام وتعظيم، ثم ودّعه كما استقبله. فقلت لأبي: من هو هذا الشخص الذي رحّبْتُ به هذا الترحيب؟ فقال أبي: لو عرف الناس من شأن هذا وآبائه وأهل بيته ما نعرف، لم يتركونا في مواقعنا، فقلت له: إذا كان كذلك فلماذا لا تتنازل له؟ فقال: أنت ولدي، ولو نازعتني ما أنا فيه لأخذت الذي فيه عيناك ( أي لقتلتك).

وقد جاء هارون الرشيد إلى المدينة زائراً، ووقف أمام قبر رسول الله(ص) وقال: "السّلام عليك يا بن عمّ"، وكأنّه يفتخر أمام النّاس بأنّ النبي(ص) ابن عمه، فلم يترك له الإمام الكاظم(ع) هذا الزّهو، ووقف مخاطباً رسول الله(ص) وقال له: "السلام عليك يا أبه"، فقال له الرشيد: "وكيف ذلك"؟ فسأله الإمام(ع): "لو جاءك النبي خاطباً ابنتك هل تزوّجه إيّاها"؟ فقال الرشيد: "وأتشرّف بذلك"، فقال الإمام: "ولكن لا أستطيع أن أزوّجه ابنتي لأنها ابنته".

وبعد أن وضعه هارون الرشيد في سجنٍ لأحد أقربائه مدّةً من الزمن، قام السجّان ووكّل أحد العاملين ليسمع ما يقول، فقيل له: إنّه كان يقضي نهاره بالعبادة، وكان يناجي ربّه ويقول: "اللّهمَّ إنّي كنت قد طلبتُ منك أن تفرّغني لعبادتك وقد فعلت، فلك الحمد"، فأرسل هذا السجّان إلى الرشيد: إمّا أن تأخذه مني وإلا أطلقت سراحه. وتمّ نقل الإمام إلى بغداد من سجنٍ إلى سجنٍ، حتى دُسّ له السمّ وارتفع إلى رحاب ربّه.

وفي هذه الذكرى، علينا أن نتعرّف كيف كانت منـزلة الإمام الكاظم(ع). جاء في عمدة الطالب: "كان الإمام موسى الكاظم(ع) عظيم الفضل، رابط الجأش، واسع العطاء". وقال الشّيخ المفيد في الإرشاد: "كان أعبد زمانه وأزهدهم وأفقههم، وأسخاهم كفّاً، وأكرمهم نفساً. وروي: أنّه(ع) كان يصلّي نوافل اللّيل ويصلها بصلاة الصبح، ثم يعقّب حتى تطلع الشّمس، وكان يبكي من خشية الله حتى تخضلّ لحيتُه بالدموع، وكان أوصلَ الناس لأهله ورَحِمِه، وكان يتفقّد فقراء المدينة في اللّيل فيحمل إليهم الزنبيل، فيه العين والورق والأدقة والتمور، فيوصل إليهم ذلك ولا يعلمون من أيّ جهة هو".

وروي أنّ الإمام الكاظم(ع) مرّ برجل من أهل السواد دميم المنظر، فسلّم عليه، ونزل عنده وحادثه طويلاً، ثم عرض عليه نفسه في القيام بحاجة إن عرضت، فقيل له: يا بن رسول الله، أتنـزل إلى هذا ثم تسأله عن حوائجه وهو إليك أحوج؟! فقال(ع): "عبدٌ من عبيد الله، وأخٌ في كتاب الله، وجارٌ في بلاد الله، يجمعنا وإيّاه خير الآباء آدم، وأفضل الأديان الإسلام، ولعلّ الدهر يردّ من حاجته إلينا، فيرانا بعد الزهو عليه متواضعين بين يديه". ثم قال:

نواصلُ مَنْ لا يستحقُّ وصالَنا               مخافةَ أنْ نبقى بغير صديقِ

وصايا الإمام(ع)
وكان من وصاياه(ع) لوِلْده: "يا بَنيَّ، إني أوصيكم بوصيّة من حفظها لم يضع معها؛ إن أتاكم آتٍ فأسمعكم في الأذن اليمنى مكروهاً، ثم تحوّل إلى الأذن اليسرى فاعتذر وقال: لم أقل شيئاً، فاقبلوا عذره". وكان من وصيّته لهشام بن الحكم: "يا هشام، كان أمير المؤمنين يوصي أصحابه ويقول: أوصيكم بالخشية من الله في السرّ والعلانية، والعدل في الرضى والغضب، والاكتساب في الفقر والغنى، وأن تصلوا من قطعكم، وتعفوا عمّن ظلمكم، وتعطفوا على من حرمكم، وليكن نظركم عِبَراً، وصمتكم فكراً، وقولكم ذكراً، وطبيعتكم السخاء، فإنّه لا يدخل الجنّة بخيل، ولا يدخل النّار سخيّ".

وقال "ابن حمدون" في "تذكرته": قال موسى بن جعفر: "وجدت علم الناس في أربع: أوّلها أن تعرف ربّك ـ أي وجوب معرفة الله ـ ثانيها أن تعرف ما صنع بك ـ من النّعم التي يتعيّن عليك لأجلها الشّكر والعبادة ـ ثالثها أن تعرف ما أراد منك ـ فيما أوجبه عليك، وندبك إلى فعله، لتفعله على الحدّ الذي أراده منك، فتستحقّ بذلك الثواب ـ رابعها أن تعرف ما يخرجك من دينك"، من العقائد الباطلة والمعاصي الكبيرة.

وكان(ع) يقول في تقسيم الوقت: "اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لمناجاة الله، وساعة لأمر المعاش، وساعة لمعاشرة الأخوان الثّقاة الذين يعرّفونكم عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن، وساعة تخلون فيها للذّاتكم في غير محرّم، وبهذه الساعة تقدرون على الثلاث ساعات". فالإنسان عليه أن يعطي نفسه ما تحبّ وما ترضى بالحلال، حتى يقوّي نفسه أمام المسؤوليّات الكبرى.

وكان(ع) يقول: "ليس منّا من لم يحاسب نفسه في كلّ يوم، فإن عمل حسناً استزاد الله، وإن عمل سيّئاً استغفر الله منه".

الأئمّة(ع) أدلاّء على الله
إنّ أئمّتنا هم أئمّة الهدى، وهم الدالّون على الله، والحجّة على النّاس، وقد كانوا النّور الذي ينفتح على عقول النّاس وقلوبهم وحياتهم، وعلينا أن نلتزم بولايتهم وحبّهم، وأن نقتدي بهم، لأنهم الأدلاّء على الله تعالى، ولأنهم خلفاء رسول الله(ص).

وقد روى عن الإمام الكاظم(ع) الكثير من الناس ومن العلماء، ومنهم أحمد بن حنبل، إمام الحنابلة، حيث قال: "روى لي موسى بن جعفر قال: حدّثني أبي جعفر بن محمّد قال: حدّثني أبي محمد بن علي قال: حدّثني أبي علي بن الحسين قال: حدّثني أبي الحسين بن علي قال: حدّثني أبي علي بن أبي طالب قال: حدّثني رسول الله..."،  ثم قال أحمد بن حنبل: " لو عُرض هذا الإسناد على المجنون لأفاق"، لأنّ هؤلاء يمثّلون القمّة في كلّ معاني العلم والروح والهداية وفي كلّ معاني الإرشاد.

ووالِ أناساً قولهم وحديثهم روى           جدُّنا عن جبرائيلَ عن الباري

والسّلام على الإمام موسى بن جعفر يوم وُلد، ويوم انتقل إلى جوار ربه، ويوم يبعث حيّاً.

الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم

حرب عالمية على الشعب الفلسطيني
تدخل الحرب العالميّة على الشعب الفلسطيني مرحلةً جديدةً، هي مرحلة شطب الهوية، وطمس كلّ المعالم العربية والإسلامية، التي من شأنها تذكير أهل الأرض بتراثهم وحقوقهم وأرضهم السليبة.

ومع إعلان وزارة النقل الصهيونيّة عن عزمها محو الأسماء العربيّة للبلدات الفلسطينية، واعتماد الاسم العبريّ فقط، تكون الرسالة الإسرائيلية الأكثر بلاغةً قد وصلت إلى الدول العربية المتهالكة لعقد صفقة نهائية مع العدوّ، للخلاص من وزر القضيّة الفلسطينيّة الذي أثقل كاهل هؤلاء المتعَبين، وتكون الرسالة قد وصلت إلى الوسطاء الدوليّين لكي يعلنوا عن النيّة في طرح جديد خلاصته: أن يُعلن مجلس الأمن الدولي قيام دولة فلسطين، على الورق، بعد فشل المفاوضات بين الفلسطينيين والعدوّ خلال فترة زمنية محدودة، كما طرحه ممثل السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي.

فالواقع يتحدّث عن أنّ كيان العدوّ بات يتصرّف وكأنّه قد حصل على تفويضٍ دوليّ يصل إلى مستوى الإجماع، بأنّ فلسطين هي وطن قوميّ لليهود، وأنّ على العرب أن يتصرّفوا منذ الآن في مسألة اللاجئين وكأنّها محسومة، ليستوعبوا كل الأعداد في بلادهم، خصوصاً أن الإدارة الأمريكية التي تدعو العدوّ إلى تجميد الاستيطان علناً، أطلقت يده سرّاً لبناء آلاف الوحدات الاستيطانية، تماشياً مع المطالب الصهيونية.

إنّ المشهد الفلسطيني يزداد قتامةً في ظلّ الحرص العربي الرسمي على الإسراع في إغلاق ملفّ القضية، عبر الهرولة في فتح ملف التطبيع مع العدوّ على مصراعيه، وخصوصاً أنّ كيان العدوّ بدأ يزايد على العرب في أنّ بإمكانه أن يزحف إلى عواصمهم من خلال السلطة الدينية الرسمية إذا هم تباطؤوا في خطوات التطبيع السياسي حياله.

مسؤوليّة الأمّة تجاه فلسطين
إنّ المسؤولية تبدو كبيرةً وخطيرةً أمام الطليعة العربية والإسلامية الواعية، والمنفتحة على قضايا الأمّة، وفي مقدّمها قضية فلسطين ـ كلّ فلسطين ـ، لأنّ الواقع بات يستدعي العمل على خطّين: الأوّل، الالتفاف الإعلامي والثقافي والشعبي على أيّ تمهيد للتطبيع مع العدوّ، لأنّ هذا التطبيع يمثل عدواناً على الأمّة كلّها، التي تقرّ مذاهبها كافّةً، واتجاهاتها المختلفة، برفض الغصب وعدم الإقرار بشرعية الاحتلال. أمّا الخط الثاني، فيتمثل برفد حركات المقاومة والممانعة ومنظّمات التحرر، لإعادة الروح إلى القضية من خلال إطلاق الجهاد ضدّ العدوّ، بعدما كادت الخطّة الدولية توحي إلى الكثيرين بأنّه لا جدوى من المقاومة، وأنّ جلّ ما يطمح العرب إلى تحقيقه أو الحصول عليه من العدوّ، إنما يأتي استجداءً عن طريق المفاوضات.

العالم العربي والإسلامي: واقع متوتّر
ونبقى في الواقع العربي والإسلامي؛ لنلاحظ أنّ الأيادي الاستكبارية من جهة، ومن يخدمون الاستكبار العالمي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من جهة ثانية، يواصلون العبث بهذا الوضع، من خلال إبقاء عناصر التوتّر والانقسام، وحتى إشعال نيران الحرب والتفجيرات، كما هي المسألة في الصومال والسودان، وهناك الذين تجنّدهم القوى المستكبرة لخدمة أهدافها، وخوض الحرب بالوكالة عنها، تحت عنوان الحرب على الإرهاب، كما هي المسألة في باكستان وأفغانستان وغيرهما من السّاحات التي تورّطت فيها أمريكا مع حلف الناتو أكثر، ولم يتغيّر أسلوب الإدارة الأمريكية الجديدة عن الإدارة السالفة إلا على مستوى الخطاب الذي لم يشفع لأمريكا التي بقيت تبحث عن أحلامها الامبراطورية في الجبال الأفغانية والوديان الباكستانية.

أمّا العراق، فقد بدأت عناصر جديدة تدخل على خطّ الوضع فيه، من خلال إثارة المسألة العرقية في كركوك، أو من خلال الاستهداف للمسيحيين فيه، ما يوحي بأنّ ثمة من يعمل لحساب المحتل، ومن يفكّر في تحريك الأمور لعودته إلى المدن العراقية من النافذة الأمنية بعدما خرج من البوّابة السياسية، وعلى العراقيين بكلّ فئاتهم وأعراقهم التنبّه لذلك، وقطع الطريق على الاحتلال وعلى الجهات التكفيرية العاملة لحسابه بطريقة وبأخرى.

أمّا في لبنان، فنطلّ على الذكرى السنوية الثالثة للحرب الإسرائيلية على لبنان، هذه الذكرى التي توقّف عندها العدوّ بالدراسة والتأمّل، قبل أن يتحدث اللبنانيون والعرب حولها، والتي قال وزير حربه بأنّ كيانه بات جاهزاً لمزيد من الحروب، في الوقت الذي يتحدث بعض أطفال السياسة في لبنان عن ضرورة الإسراع في إلقاء السلاح وتسليم الأمر لما يسمى "المجتمع الدولي"، مع أنّ هذا السلاح أثبت أهميته وقدرته على كسر شوكة العدوّ ووحشيّته، وإسقاط أهدافه في الحرب المجنونة على لبنان في تمّوز من العام 2006م.

إنّ العدوّ يتحدث عن "مزيد من الحروب"، وفي الواقع العربي وحتى اللّبناني من يتحدث عن "مزيد من الحلول"، وكأنّ المسألة هي أن نلحق بإسرائيل إلى حيث تريد، وأن نقدّم إليها وإلى الولايات المتّحدة الأمريكية فروض الطاعة، حتى لا تتساقط علينا تهم الإرهاب أو صواريخ العدوان، وحتى لا تأتينا العواصف من كلّ حدب وصوب.

حرب تموز: إسقاط أهداف العدوّ
لقد أثبت لبنان من خلال تجربة حرب تموز، والتي اعترف العدوّ بأنه كان قد خطّط لها مسبقاً، أنه استطاع إسقاط أهداف العدوّ وإفشال خططه في ظروف لم تكن مثاليةً على الإطلاق، وبالتالي فهو يستطيع هزيمته إذا قرّر أن يعيد الكرّة، وأن يُلحق به الأذى الكبير على المستويين الميداني والاستراتيجي. ونحن في الوقت الذي نريد للجميع أن يعملوا على إبعاد شبح الحرب عن لبنان، نؤكّد أهمّية إعداد العدّة داخلياً لمنع العدوّ من اللّجوء إلى هذا الخيار، لأنّنا نعتقد أنّ العدوّ لن يلجأ إليه إلا عندما يلمح وهناً في السّاحة اللّبنانية الداخلية، وعندما يرصد استرخاءً في ساحة الجهوزية الأمنيّة والعسكريّة التي تتحرك فيها المقاومة إلى جانب الجيش اللبناني.

إننا عندما نستمع إلى الكلمات التي قد يُمنّن فيها مسؤول ما شعبه حيال مسألة الإعمار،  نشعر بالاستغراب، لأنّ المسألة تتّصل بأقلّ الواجبات التي لا بدّ للمسؤول من أن يأخذها على عاتقه، فضلاً عن أنّ الموضوع يستدعي الكثير من التّدقيق في بلدٍ جُمّدت فيه الأجهزة الرقابيّة، ومُنعت من القيام بعملها لمحاسبة المقصّرين والعابثين بالمال العام. ولكنّ لبنان ـ على كلّ حال ـ يحتاج إلى ورشة إعمار سياسيّة بعد إهدار كلّ هذه الشهور والسنوات في متاهات الخلافات والمصادمات الكلامية والميدانية، وبعد حرق كلّ تلك المراحل التي استنزفها السجال المحلّي حول قضايا هامشية أُريد لها أن تتقدّم على القضية الأساس التي تتصل ببناء الوطن، وإقامة الدولة، وإطلاق عجلة الإصلاح، أو حول مسألة خطيرة تتّصل بأطماع العدوّ بأرضنا، وهو الذي لا ينفكّ يتحدث عن أنه استنفد تدريباته ومناوراته التي أكّدت جهوزيّته لشنّ حروب جديدة ضدّ لبنان.

ألقى سماحة آية الله العظمى، السيد محمد حسين فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته: 

الإمام موسى الكاظم(ع):
صبرٌ وجهاد

معاناة الإمام(ع)
يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} [الأحزاب:33].
 في اليوم الخامس والعشرين من شهر رجب، الذي يصادف يوم غد، كانت وفاة الإمام الأسير المظلوم، موسى بن جعفر الكاظم(ع)، بعد أن نقله هارون الرشيد من سجن إلى سجن.

ونحن نعرف أنّ أئمّة أهل البيت(ع) عاشوا المعاناة مع الأمويين كما عاشوها مع العباسيين، لأنّ هؤلاء الخلفاء كانوا يتابعون من خلال مخابراتهم، ومن خلال ملاحظاتهم، كيف كان أهل البيت(ع) يمثّلون القمة العلميّة والروحية والأخلاقية عند النّاس، فكان الناس يلجأون إليهم في كلّ ما أشكل عليهم من شؤون الإسلام ومن شؤون العلم في شتّى مواقعه، وكان الناس يتبرّكون بهم ويقدّسونهم ويعظّمونهم. ولذلك، فإنّ الخلفاء الأمويين والعباسيين كانوا يخافون على سلطانهم من هذه الجماهيرية المنتشرة في العالم الإسلامي لأئمّة أهل البيت(ع).

محبّة الخلفاء للإمام
وينقل بعض المؤرّخين، أنّه قيل للمأمون الذي كان يحبّ أهل هذا البيت(ع) ويعظّمهم: من أين أخذت هذا الحبّ الذي يوحي بالتشيّع؟ قال: أخذته من أبي هارون الرشيد. قيل له: وكيف ذلك، وقد كان أبوك معادياً لأهل هذا البيت؟ قال: كنت شاباً، وكنت عند أبي، وقيل له: هذا موسى بن جعفر في الباب، فلمّا قيل له ذلك، أمر كلّ من كان في الديوان أن يستقبلوه، ثم استقبله واحتضنه وأجلسه في مجلسه، وجلس بين يديه بكلّ احترام وتعظيم، ثم ودّعه كما استقبله. فقلت لأبي: من هو هذا الشخص الذي رحّبْتُ به هذا الترحيب؟ فقال أبي: لو عرف الناس من شأن هذا وآبائه وأهل بيته ما نعرف، لم يتركونا في مواقعنا، فقلت له: إذا كان كذلك فلماذا لا تتنازل له؟ فقال: أنت ولدي، ولو نازعتني ما أنا فيه لأخذت الذي فيه عيناك ( أي لقتلتك).

وقد جاء هارون الرشيد إلى المدينة زائراً، ووقف أمام قبر رسول الله(ص) وقال: "السّلام عليك يا بن عمّ"، وكأنّه يفتخر أمام النّاس بأنّ النبي(ص) ابن عمه، فلم يترك له الإمام الكاظم(ع) هذا الزّهو، ووقف مخاطباً رسول الله(ص) وقال له: "السلام عليك يا أبه"، فقال له الرشيد: "وكيف ذلك"؟ فسأله الإمام(ع): "لو جاءك النبي خاطباً ابنتك هل تزوّجه إيّاها"؟ فقال الرشيد: "وأتشرّف بذلك"، فقال الإمام: "ولكن لا أستطيع أن أزوّجه ابنتي لأنها ابنته".

وبعد أن وضعه هارون الرشيد في سجنٍ لأحد أقربائه مدّةً من الزمن، قام السجّان ووكّل أحد العاملين ليسمع ما يقول، فقيل له: إنّه كان يقضي نهاره بالعبادة، وكان يناجي ربّه ويقول: "اللّهمَّ إنّي كنت قد طلبتُ منك أن تفرّغني لعبادتك وقد فعلت، فلك الحمد"، فأرسل هذا السجّان إلى الرشيد: إمّا أن تأخذه مني وإلا أطلقت سراحه. وتمّ نقل الإمام إلى بغداد من سجنٍ إلى سجنٍ، حتى دُسّ له السمّ وارتفع إلى رحاب ربّه.

وفي هذه الذكرى، علينا أن نتعرّف كيف كانت منـزلة الإمام الكاظم(ع). جاء في عمدة الطالب: "كان الإمام موسى الكاظم(ع) عظيم الفضل، رابط الجأش، واسع العطاء". وقال الشّيخ المفيد في الإرشاد: "كان أعبد زمانه وأزهدهم وأفقههم، وأسخاهم كفّاً، وأكرمهم نفساً. وروي: أنّه(ع) كان يصلّي نوافل اللّيل ويصلها بصلاة الصبح، ثم يعقّب حتى تطلع الشّمس، وكان يبكي من خشية الله حتى تخضلّ لحيتُه بالدموع، وكان أوصلَ الناس لأهله ورَحِمِه، وكان يتفقّد فقراء المدينة في اللّيل فيحمل إليهم الزنبيل، فيه العين والورق والأدقة والتمور، فيوصل إليهم ذلك ولا يعلمون من أيّ جهة هو".

وروي أنّ الإمام الكاظم(ع) مرّ برجل من أهل السواد دميم المنظر، فسلّم عليه، ونزل عنده وحادثه طويلاً، ثم عرض عليه نفسه في القيام بحاجة إن عرضت، فقيل له: يا بن رسول الله، أتنـزل إلى هذا ثم تسأله عن حوائجه وهو إليك أحوج؟! فقال(ع): "عبدٌ من عبيد الله، وأخٌ في كتاب الله، وجارٌ في بلاد الله، يجمعنا وإيّاه خير الآباء آدم، وأفضل الأديان الإسلام، ولعلّ الدهر يردّ من حاجته إلينا، فيرانا بعد الزهو عليه متواضعين بين يديه". ثم قال:

نواصلُ مَنْ لا يستحقُّ وصالَنا               مخافةَ أنْ نبقى بغير صديقِ

وصايا الإمام(ع)
وكان من وصاياه(ع) لوِلْده: "يا بَنيَّ، إني أوصيكم بوصيّة من حفظها لم يضع معها؛ إن أتاكم آتٍ فأسمعكم في الأذن اليمنى مكروهاً، ثم تحوّل إلى الأذن اليسرى فاعتذر وقال: لم أقل شيئاً، فاقبلوا عذره". وكان من وصيّته لهشام بن الحكم: "يا هشام، كان أمير المؤمنين يوصي أصحابه ويقول: أوصيكم بالخشية من الله في السرّ والعلانية، والعدل في الرضى والغضب، والاكتساب في الفقر والغنى، وأن تصلوا من قطعكم، وتعفوا عمّن ظلمكم، وتعطفوا على من حرمكم، وليكن نظركم عِبَراً، وصمتكم فكراً، وقولكم ذكراً، وطبيعتكم السخاء، فإنّه لا يدخل الجنّة بخيل، ولا يدخل النّار سخيّ".

وقال "ابن حمدون" في "تذكرته": قال موسى بن جعفر: "وجدت علم الناس في أربع: أوّلها أن تعرف ربّك ـ أي وجوب معرفة الله ـ ثانيها أن تعرف ما صنع بك ـ من النّعم التي يتعيّن عليك لأجلها الشّكر والعبادة ـ ثالثها أن تعرف ما أراد منك ـ فيما أوجبه عليك، وندبك إلى فعله، لتفعله على الحدّ الذي أراده منك، فتستحقّ بذلك الثواب ـ رابعها أن تعرف ما يخرجك من دينك"، من العقائد الباطلة والمعاصي الكبيرة.

وكان(ع) يقول في تقسيم الوقت: "اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لمناجاة الله، وساعة لأمر المعاش، وساعة لمعاشرة الأخوان الثّقاة الذين يعرّفونكم عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن، وساعة تخلون فيها للذّاتكم في غير محرّم، وبهذه الساعة تقدرون على الثلاث ساعات". فالإنسان عليه أن يعطي نفسه ما تحبّ وما ترضى بالحلال، حتى يقوّي نفسه أمام المسؤوليّات الكبرى.

وكان(ع) يقول: "ليس منّا من لم يحاسب نفسه في كلّ يوم، فإن عمل حسناً استزاد الله، وإن عمل سيّئاً استغفر الله منه".

الأئمّة(ع) أدلاّء على الله
إنّ أئمّتنا هم أئمّة الهدى، وهم الدالّون على الله، والحجّة على النّاس، وقد كانوا النّور الذي ينفتح على عقول النّاس وقلوبهم وحياتهم، وعلينا أن نلتزم بولايتهم وحبّهم، وأن نقتدي بهم، لأنهم الأدلاّء على الله تعالى، ولأنهم خلفاء رسول الله(ص).

وقد روى عن الإمام الكاظم(ع) الكثير من الناس ومن العلماء، ومنهم أحمد بن حنبل، إمام الحنابلة، حيث قال: "روى لي موسى بن جعفر قال: حدّثني أبي جعفر بن محمّد قال: حدّثني أبي محمد بن علي قال: حدّثني أبي علي بن الحسين قال: حدّثني أبي الحسين بن علي قال: حدّثني أبي علي بن أبي طالب قال: حدّثني رسول الله..."،  ثم قال أحمد بن حنبل: " لو عُرض هذا الإسناد على المجنون لأفاق"، لأنّ هؤلاء يمثّلون القمّة في كلّ معاني العلم والروح والهداية وفي كلّ معاني الإرشاد.

ووالِ أناساً قولهم وحديثهم روى           جدُّنا عن جبرائيلَ عن الباري

والسّلام على الإمام موسى بن جعفر يوم وُلد، ويوم انتقل إلى جوار ربه، ويوم يبعث حيّاً.

الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم

حرب عالمية على الشعب الفلسطيني
تدخل الحرب العالميّة على الشعب الفلسطيني مرحلةً جديدةً، هي مرحلة شطب الهوية، وطمس كلّ المعالم العربية والإسلامية، التي من شأنها تذكير أهل الأرض بتراثهم وحقوقهم وأرضهم السليبة.

ومع إعلان وزارة النقل الصهيونيّة عن عزمها محو الأسماء العربيّة للبلدات الفلسطينية، واعتماد الاسم العبريّ فقط، تكون الرسالة الإسرائيلية الأكثر بلاغةً قد وصلت إلى الدول العربية المتهالكة لعقد صفقة نهائية مع العدوّ، للخلاص من وزر القضيّة الفلسطينيّة الذي أثقل كاهل هؤلاء المتعَبين، وتكون الرسالة قد وصلت إلى الوسطاء الدوليّين لكي يعلنوا عن النيّة في طرح جديد خلاصته: أن يُعلن مجلس الأمن الدولي قيام دولة فلسطين، على الورق، بعد فشل المفاوضات بين الفلسطينيين والعدوّ خلال فترة زمنية محدودة، كما طرحه ممثل السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي.

فالواقع يتحدّث عن أنّ كيان العدوّ بات يتصرّف وكأنّه قد حصل على تفويضٍ دوليّ يصل إلى مستوى الإجماع، بأنّ فلسطين هي وطن قوميّ لليهود، وأنّ على العرب أن يتصرّفوا منذ الآن في مسألة اللاجئين وكأنّها محسومة، ليستوعبوا كل الأعداد في بلادهم، خصوصاً أن الإدارة الأمريكية التي تدعو العدوّ إلى تجميد الاستيطان علناً، أطلقت يده سرّاً لبناء آلاف الوحدات الاستيطانية، تماشياً مع المطالب الصهيونية.

إنّ المشهد الفلسطيني يزداد قتامةً في ظلّ الحرص العربي الرسمي على الإسراع في إغلاق ملفّ القضية، عبر الهرولة في فتح ملف التطبيع مع العدوّ على مصراعيه، وخصوصاً أنّ كيان العدوّ بدأ يزايد على العرب في أنّ بإمكانه أن يزحف إلى عواصمهم من خلال السلطة الدينية الرسمية إذا هم تباطؤوا في خطوات التطبيع السياسي حياله.

مسؤوليّة الأمّة تجاه فلسطين
إنّ المسؤولية تبدو كبيرةً وخطيرةً أمام الطليعة العربية والإسلامية الواعية، والمنفتحة على قضايا الأمّة، وفي مقدّمها قضية فلسطين ـ كلّ فلسطين ـ، لأنّ الواقع بات يستدعي العمل على خطّين: الأوّل، الالتفاف الإعلامي والثقافي والشعبي على أيّ تمهيد للتطبيع مع العدوّ، لأنّ هذا التطبيع يمثل عدواناً على الأمّة كلّها، التي تقرّ مذاهبها كافّةً، واتجاهاتها المختلفة، برفض الغصب وعدم الإقرار بشرعية الاحتلال. أمّا الخط الثاني، فيتمثل برفد حركات المقاومة والممانعة ومنظّمات التحرر، لإعادة الروح إلى القضية من خلال إطلاق الجهاد ضدّ العدوّ، بعدما كادت الخطّة الدولية توحي إلى الكثيرين بأنّه لا جدوى من المقاومة، وأنّ جلّ ما يطمح العرب إلى تحقيقه أو الحصول عليه من العدوّ، إنما يأتي استجداءً عن طريق المفاوضات.

العالم العربي والإسلامي: واقع متوتّر
ونبقى في الواقع العربي والإسلامي؛ لنلاحظ أنّ الأيادي الاستكبارية من جهة، ومن يخدمون الاستكبار العالمي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من جهة ثانية، يواصلون العبث بهذا الوضع، من خلال إبقاء عناصر التوتّر والانقسام، وحتى إشعال نيران الحرب والتفجيرات، كما هي المسألة في الصومال والسودان، وهناك الذين تجنّدهم القوى المستكبرة لخدمة أهدافها، وخوض الحرب بالوكالة عنها، تحت عنوان الحرب على الإرهاب، كما هي المسألة في باكستان وأفغانستان وغيرهما من السّاحات التي تورّطت فيها أمريكا مع حلف الناتو أكثر، ولم يتغيّر أسلوب الإدارة الأمريكية الجديدة عن الإدارة السالفة إلا على مستوى الخطاب الذي لم يشفع لأمريكا التي بقيت تبحث عن أحلامها الامبراطورية في الجبال الأفغانية والوديان الباكستانية.

أمّا العراق، فقد بدأت عناصر جديدة تدخل على خطّ الوضع فيه، من خلال إثارة المسألة العرقية في كركوك، أو من خلال الاستهداف للمسيحيين فيه، ما يوحي بأنّ ثمة من يعمل لحساب المحتل، ومن يفكّر في تحريك الأمور لعودته إلى المدن العراقية من النافذة الأمنية بعدما خرج من البوّابة السياسية، وعلى العراقيين بكلّ فئاتهم وأعراقهم التنبّه لذلك، وقطع الطريق على الاحتلال وعلى الجهات التكفيرية العاملة لحسابه بطريقة وبأخرى.

أمّا في لبنان، فنطلّ على الذكرى السنوية الثالثة للحرب الإسرائيلية على لبنان، هذه الذكرى التي توقّف عندها العدوّ بالدراسة والتأمّل، قبل أن يتحدث اللبنانيون والعرب حولها، والتي قال وزير حربه بأنّ كيانه بات جاهزاً لمزيد من الحروب، في الوقت الذي يتحدث بعض أطفال السياسة في لبنان عن ضرورة الإسراع في إلقاء السلاح وتسليم الأمر لما يسمى "المجتمع الدولي"، مع أنّ هذا السلاح أثبت أهميته وقدرته على كسر شوكة العدوّ ووحشيّته، وإسقاط أهدافه في الحرب المجنونة على لبنان في تمّوز من العام 2006م.

إنّ العدوّ يتحدث عن "مزيد من الحروب"، وفي الواقع العربي وحتى اللّبناني من يتحدث عن "مزيد من الحلول"، وكأنّ المسألة هي أن نلحق بإسرائيل إلى حيث تريد، وأن نقدّم إليها وإلى الولايات المتّحدة الأمريكية فروض الطاعة، حتى لا تتساقط علينا تهم الإرهاب أو صواريخ العدوان، وحتى لا تأتينا العواصف من كلّ حدب وصوب.

حرب تموز: إسقاط أهداف العدوّ
لقد أثبت لبنان من خلال تجربة حرب تموز، والتي اعترف العدوّ بأنه كان قد خطّط لها مسبقاً، أنه استطاع إسقاط أهداف العدوّ وإفشال خططه في ظروف لم تكن مثاليةً على الإطلاق، وبالتالي فهو يستطيع هزيمته إذا قرّر أن يعيد الكرّة، وأن يُلحق به الأذى الكبير على المستويين الميداني والاستراتيجي. ونحن في الوقت الذي نريد للجميع أن يعملوا على إبعاد شبح الحرب عن لبنان، نؤكّد أهمّية إعداد العدّة داخلياً لمنع العدوّ من اللّجوء إلى هذا الخيار، لأنّنا نعتقد أنّ العدوّ لن يلجأ إليه إلا عندما يلمح وهناً في السّاحة اللّبنانية الداخلية، وعندما يرصد استرخاءً في ساحة الجهوزية الأمنيّة والعسكريّة التي تتحرك فيها المقاومة إلى جانب الجيش اللبناني.

إننا عندما نستمع إلى الكلمات التي قد يُمنّن فيها مسؤول ما شعبه حيال مسألة الإعمار،  نشعر بالاستغراب، لأنّ المسألة تتّصل بأقلّ الواجبات التي لا بدّ للمسؤول من أن يأخذها على عاتقه، فضلاً عن أنّ الموضوع يستدعي الكثير من التّدقيق في بلدٍ جُمّدت فيه الأجهزة الرقابيّة، ومُنعت من القيام بعملها لمحاسبة المقصّرين والعابثين بالمال العام. ولكنّ لبنان ـ على كلّ حال ـ يحتاج إلى ورشة إعمار سياسيّة بعد إهدار كلّ هذه الشهور والسنوات في متاهات الخلافات والمصادمات الكلامية والميدانية، وبعد حرق كلّ تلك المراحل التي استنزفها السجال المحلّي حول قضايا هامشية أُريد لها أن تتقدّم على القضية الأساس التي تتصل ببناء الوطن، وإقامة الدولة، وإطلاق عجلة الإصلاح، أو حول مسألة خطيرة تتّصل بأطماع العدوّ بأرضنا، وهو الذي لا ينفكّ يتحدث عن أنه استنفد تدريباته ومناوراته التي أكّدت جهوزيّته لشنّ حروب جديدة ضدّ لبنان.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية