الإسراء والمعراج: إغناء ثقافيّ وعباديّ للمبعث

29 رجب 1429 هـ
 

ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين،
ومما جاء فيهما:
المبعث: يوم ولادة الإسلام

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}(البقرة: 151)، {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ}(البقرة: 119)، {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً}(النساء: 113).

في السابع والعشرين من شهر رجب، كانت ولادة الإسلام الذي أراد الله سبحانه لرسوله محمد(ص) أن يصدع به وأن يدعو إليه، وأن يجاهد من أجل أن يفتح عقول الناس عليه، ويفتح حياتهم على شريعته، وأن يؤكّد في كل وجودهم حقيقة توحيد الله سبحانه في الألوهية والعبادة والشريعة.

لقد أرسل الله سبحانه رسوله بالحقِّ ليبشّر الناس بالجنّة إذا ساروا على الخطِّ المستقيم، ولينذرهم بالنّار إذا انحرفوا عنه، وليبلّغهم آياته، ويطهّر نفوسهم عندما ينمِّي فيهم كلَّ عناصر الخير وموازين التقوى، ويحوّلهم إلى أناسٍ يعيشون إنسانيتهم في خطِّ التقوى والعدل والخير، وأراد سبحانه له أن يكون الرسول المعلِّم الذي يعلِّم الناس الكتاب كله، فيتلوه عليهم ويفسِّره لهم، {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ}(المائدة:15)، لأنّ القرآن الكريم هو نورٌ إلهي، انطلق من الله سبحانه وتعالى من أجل أن ينير العقول والنفوس والحياة، وليعلِّمهم ما لم يكونوا يعلمونه، ويحارب الجهل الذي عاشوا فيه زمناً طويلاً، والتخلّف الذي جعلهم يفكرون بطريقة ملتبسة.

وقد سعى رسول الله(ص) إلى تعليم النّاس ما علَّمه الله إيّاه {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ}(النساء:113)، وأراد له أن ينفتح على أرقى مواقع العلم وأوسعها آفاقاً، وهو الأميّ ـ {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ المُبْطِلُونَ}(العنكبوت:48) ـ ولكنّ أميّته فتحت عقول الناس على اأسمى ما أنتجه العقل الإنساني، وهو الّذي علّم الناس كيف يقرأون ويكتبون ويحاورون ويجادلون.

الرّحمة والبشارة الرّساليّة

وهكذا انطلق النبي(ص) ليكون شاهداً على الأمة {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً، وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً}(الأحزاب:45-46)، فهو السراج الذي ينير العقل كلّه، والقلب كله، والكيان كله، والحياة كلها، وهو الداعي إلى الله سبحانه وتعالى بالحق، وهو المبشّر برضوان الله، والمنذر من سخطه سبحانه وتعالى، وهو الرحمة التي رحم الله بها الإنسانية، فالإسلام يمثّل الرحمة في الفكر وفي القانون وفي حركة الحياة وفي العلاقات الإنسانية التي تنفتح على آفاق التقدّم والتطور في كل شؤون الحياة.

وهكذا، قدَّم الله سبحانه وتعالى نبيه إلى النّاس من خلال بشريته:} قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ}(الكهف:110)، فأنا آكل كما تأكلون، وأشرب كما تشربون، وألبس كما تلبسون... ولكنَّ الفرق بيني وبينكم، أني منفتح على الله الذي ينـزل عليَّ وحيه، فأنا لم آت إليكم كصاحب ثروة يملك خزائن الدنيا، أو لأحدِّثكم عن الغيب، فالله يعلمني من الغيب ما تحتاج إليه الرّسالة،{ تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ}(هود:49)، {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ}(الأحقاف:9).

ومن هنا نقول إنّ الذين ينسبون إدارة الكون إلى النبي(ص) وإلى الأئمة(ع) من خلال أنّ لهم ولاية تكوينية عليه، يخالفون القرآن في ذلك، فالرّسول(ص) يقول: {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ}(الأعراف:188). وقد انطلق رسول الله(ص) إلى النّاس ببشريته، وقدَّم إليهم الإسلام كما صوره الله في عناصره العامة {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ ـ حتى لا يأتي الناس بمنكر يسيء إلى حياتهم ويؤدي إلى سخط الله ـ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ ـ ما يستقذرونه ـ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ ـ أي الثقل الذي يصعب حمله ـ وَالأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ}(الأعراف:157).

وأراد الله سبحانه لرسوله أن يعلّم النّاس كيف يحبّون الله، وكيف يوحّدونه في الحبّ، كما يوحّدونه في الطّاعة والعبادة، فكان الرّسول(ص) يقول للنّاس: {إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي ـ في شريعتي، والتزام الوحي الذي أبلِّغكم إياه ـ يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}(آل عمران:31).

صفات الرّسول(ص)

وقد تحدَّث عن رسول الله(ص) أخوه وابن عمه علي(ع)، فقال: «أرسله داعياً إلى الحق، وشاهداً على الخلق، فبلّغ رسالات ربه غير وانٍ (متباطئ) ولا مقصر، وجاهد في الله أعداءه غير واهن - ضعيف - ولا معذِّر - من يعتذر- إمام من اتقى، وبصر من اهتدى».

وأيضاً ممّا قال علي(ع) عن رسول الله(ص): «لقد قرن الله به (صلى الله عليه وآله) من لدن كان فطيماً أعظم مَلَك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالَم ليلَهُ ونهاره»، «جعله الله بلاغاً لرسالته، وكرامة لأمته، وربيعاً لأهل زمانه، ورفعةً لأعوانه، وشرفاً لأنصاره».

وصايا الرّسول للمسلمين

وهكذا كان النبي(ص) يحدث قومه، وحديثه مع قومه هو حديثٌ للمسلمين في كل زمان ومكان، وكان يقول لهم: «أيُّها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى».

وكان(ص) يوصيهم في علاقاتهم بعضهم مع بعض، فكان يقول لهم: «أيها الناس، إنَّ دماءكم وأموالكم عليكم حرامـ لا تعتدوا على بعضكم البعض بالقتل، ولا تأكلوا أموال بعضكم بعضاً من غير حق ـ إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا ـ عيد النحر ـ في شهركم هذا ـ الشهر الحرام ـ في بلدكم هذا ـ البلد الحرام ـ ألا هل بلغت؟ اللهمَّ اشهد. فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى الذي ائتمنه عليها. اتقوا الله في النساء، واستوصوا بهن خيراً، ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد. أيها الناس، المؤمنون أخوة، ولا يحلُّ لامرئ من مال أخيه إلا عن طيب نفسه، ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد».

ثم يقول لهم، وكأنه ينظر إلى مستقبل المسلمين من بعده: «فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعدكم رقاب بعض، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي».

أيُّها الأحبة، إنّنا عندما نواجه العالم الآن، فإنّنا نجدُ أنَّ الكفر والاستكبار قد شنوا حرباً على الإسلام كلّه؛ إسلام العقيدة والشريعة، وإسلام الحياة والأمة، لذلك على المسلمين جميعاً ـ كما كانت مسؤولية أصحاب رسول الله في زمان رسول الله(ص) ـ أن يتوحَّدوا، وأن يكونوا المتراحمين، يرحم بعضهم بعضاً، كما جاء في قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}(الفتح:29)، ولكن مع الأسف، أصبح بعضنا أشدَّاء على بعضنا، رحماء مع الكفّار، فالكثير من المسلمين يحاول أن يرحم أمريكا وإسرائيل وأوروبا ولا يرحم المسلمين.

الإسلام شرّع الوحدة والحرّية

إنّ مسؤوليتنا في هذا المجال هي الوحدة الإسلامية: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}(آل عمران:103).

ونحن نرى أنَّ هؤلاء المستكبرين قد وظَّفوا ملوكاً وأمراء ورؤساء ووزراء وأحزاباً في البلاد الإسلامية، من أجل أن يحاصروا كلّ حركة للحرية، وكلّ انطلاقة للعزّة والكرامة. ولذلك، لا بدَّ لنا من أن نقتدي برسول الله(ص)، وبعلي(ع) بطل الإسلام الذي قال عنه رسول الله(ص) في واقعة خيبر: «لأعطينَّ الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، كرّار غير فرار، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه»، لأن علياً(ع) كان يشعر بمسؤوليته عن الإسلام كله، أكثر مما كان يشعر بمسؤوليته عن نفسه وعن أهله.

أيّها الأحبة، إذا كنا نحب الله، فعلينا أن نعمل من أجل أن يكون الإسلام قوياً، وأن يكون المسلمون أمةً واحدةً. وإذا كنّا نحب رسول الله(ص)، فإنّ علينا أن نحفظ رسول الله في رسالته. وإذا كنا نحبُّ علياً والعترة من أهل بيته وأولاده(ع)، فإن علينا أن نعمل بسيرتهم في هذا الخطّ الإسلامي الأصيل.

ففي ذكرى المبعث، ذكرى ولادة الإسلام، لا بدَّ من أن نتابع هذه المسيرة الإسلامية، لنكون جزءاً منها، حتى لا يعود المسلمون مجرد أرقام وأعداد، وقد بلغوا المليار والنصف، وليكونوا قوةً في العلم والخبرة والحركة والمواجهة، وقوةً في حركة العزّة والكرامة.

الإسراء والمعراج: رحلة الثّقافة النبويّة

ونقف أيضاً مع ذكرى السابع والعشرين من شهر رجب، ذكرى الإسراء والمعراج، الذي جاء ذكره في قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ البَصِير}(الإسراء:1)، لقد أراد الله سبحانه أن يعرّف نبيه(ص) بالمسجد الأقصى الذي يلتقي عنده كل الأنبياء، ليكون نهاية هذه المسيرة الرسالية النبوية. كما أننا نجد في رحلة المعراج، أنّ الله سبحانه يقول في سورة النجم: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الكُبْرَى}(النَّجم:18)، فالله أراد أن يثِّقف نبيّه بثقافة الكون كلّه، في الأرض كما في السماء، حتى يعطي الناس من هذه الثقافة الكونيّة الرسالية الحركية التي ترفع من مستواهم، فإذا تنازعوا فيما بينهم، انفتحوا على الحوار {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ}(النساء:59). وإذا كان الله سبحانه يريد منّا أن نقول لأهل الكتاب: {تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ}(آل عمران:64)، فلماذا لا نقول لأهل القرآن: {تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ}.

إنّ علينا أن نحترم بعضنا بعضاً، وأن نمتنع عمّا يسيء إلى المسلمين الآخرين، كما نريد للآخرين أن يمتنعوا عن الإساءة إلينا، فهذا هو معنى ذكرى المبعث والإسراء والمعراج، أن ننطلق بالإسلام ليكون للعالم كلّه {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}(سبأ:28)، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}(الأعراف:158)، فنرتفع إلى السماء كما ارتفع رسول الله(ص) إلى السماء في معراجه، وأن نحفظ المسجد الأقصى كما نحفظ المسجد الحرام.
 
الخطبة الثانية

عباد الله... اتقوا الله، فماذا هناك؟

الإدارة الأميركيّة: تدمير منهجي للقضية الفلسطينية

تدخل المسألة الفلسطينية في نطاق الأولويات الأميركية والدولية، ولكنها ليست أولويات الحل، بل أولويات التدمير المنهجي للقضية، والتمهيد أمام إسرائيل لإحكام سيطرتها على كامل فلسطين، وتكريس الأمر الواقع الذي تفرض فيه الجزر الاستيطانية والجدار الفاصل وعمليات الاغتيال والاعتقال شروطاً جديدة، لا نافذة تطل منها على فلسطين الدولة.

وفي ظل عملية الخداع للأنظمة المتهالكة، وفي الوقت الذي يعلن رئيس وزراء العدو بأنه لا سبيل للتوصل إلى تسوية سلمية نهائية في هذا العام، تفعل الجرافات الإسرائيلية فعلها في تدمير بيوت الفلسطينيين المقدسيين في شكل متواصل، ويتحدث العدو عن بيوت جديدة هي على لائحة الهدم القادم في القدس الشرقية، بحجة أنها مشادة على أراضٍ هي ملكٌ لليهود... للوصول إلى واقع التهويد الكامل للقدس، وتشريد أهلها، وتحقيق مقولة بوش بيهودية الدولة، وسط هذيان عربي لا يستحضر إلاّ تهاويل الخوف من إيران، وإلى المستوى الذي تخشى فيه الأنظمة من الاحتفال باستقبال جثامين الشهداء الذين أطلقتهم عملية الرضوان، لأنها تخاف من أن تضبط متلبسةً باستقبال من أشاروا إلى وجهة الصراع الحقيقية وإلى العدو الحقيقي.

وفي هذا الجو الذي تدفع فيه السلطة الفلسطينية من مفاوضات استهلاكية فارغة المضمون إلى مفاوضات مماثلة، وحيث ينهش الوحش الصهيوني بالجسد الفلسطيني، يتصاعد الخلاف بين حركتي "فتح" و"حماس"، ليغدو اتفاق التهدئة مع العدو نذيراً بحرب جديدة بين الفلسطينيين، ولتنطلق الاعتقالات في الضفة والقطاع، وكأنه لا يكفي الفلسطينيين إرهاب العدو واعتقالاته، ولتعود أجواء الشحن والتعقيد، وتبتعد أجواء الحوار، بما يثير التساؤل: هل كان اتفاق التهدئة مناسبةً لانطلاق جولة من الضغوط الدولية والأميركية والإسرائيلية، وحتى العربية، التي تمنع الفلسطينيين من تسيير عجلة حوارهم الداخلي، وصولاً إلى التّوافق حول حكومة الوحدة الوطنية، والعمل ـ في المقابل ـ على استضعاف الفريق الجهادي المقاوم، لدفعه إلى إلغاء خيار المقاومة، والنـزول عند الشروط المذلة لكيان العدو، بما يسقط مقولة الدولة، ويجعل القضية بين نارين: نار الخلافات الداخلية، ونار العدوان الإسرائيلي المدعوم من الاستكبار ومواقع الانهزام في المنطقة؟!

إننا نحذِّر من أن العدو يبني مشروعه الإرهابي في فلسطين بالانتقال من مرحلة إلى أخرى، وسط هذا الدخان الذي يثيره حول إيران ودول الممانعة وحركات المقاومة، والخطورة تكمن في أن سقوط فلسطين يعني سقوط القاعدة التي ترتكز عليها بقية القضايا العربية والإسلامية، الأمر الذي يطلّ بنا على واقع احتلالي متجدد يهدد الأمة في كيانها ووجودها.

التّكفيريّون إنتاج مواقف دموية

ولعل الطامَّة الكبرى تكمن في أن الجهات التكفيرية التي تزعم أنها تحمل عنوان الإسلام وهموم العرب، لا تنظر إلى كل فظائع الاحتلال في فلسطين، وجرائم الحلف الأطلسي في أفغانستان، وإرهاب الاحتلال الأميركي للعراق بعين بصيرة، بل تعمل دائماً لجعل المناسبات الإسلامية محطاتٍ دامية، كما فعلت في مجازرها الوحشية الأخيرة في العراق، وفي استهدافها إلى زوار قبر الإمام الكاظم(ع) في ذكرى شهادته، إمعاناً منها في استهداف وحدة المسلمين، وفي الإصرار على المنهج التكفيري الذي لا يتوانى عن استخدام النساء في العمليات التفجيرية الانتحارية، ظناً منهم بأن قتل المسلمين المؤمنين يجعلهم يتقربون أكثر إلى الله، ورفضاً منهم لحديث النبي(ص): «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه».

إننا في الوقت الذي نعتقد بأنّ الاحتلال هو المسؤول الأول عن هذه الجرائم والمجازر، سواء تلك التي حدثت في الكاظمية، الّتي حصلت في كركوك، نستغرب هذا الصمت من المرجعيات العربية والإسلامية التي نستمع مراراً لمواقف لها تتوقف فيها عند تفاصيل صغيرة هنا وهناك، ولكنَّها لا تكلِّف نفسها التعليق على هذه المجازر واستنكارها وتبيان الموقف الإسلامي الشرعي من استهداف المسلمين الآمنين المسالمين.

لبنان: الديمقراطيّة التوافقيّة والمواطنة

أمَّا في لبنان، فإننا نسمع بين وقت وآخر، أن الخط السياسي الذي يحكم اللّبنانيين هو أن الأكثرية تحكم والأقلية تعارض، لأنّ دول العالم المتحضر تمارس هذه الطريقة في إدارة شؤون الحكم عندها. إنّنا لا ننكر ذلك في الواقع الدولي، ولكن لدينا ملاحظتين:

الملاحظة الأولى: أن الأكثرية والأقلية قد تتفق فيما بينها على الدخول في حكومة ائتلافية إذا اقتضت مصلحة الوطن ذلك، من خلال برنامج سياسي واقتصادي وأمني لتحقيق المصلحة العليا. فهل يعارض أصحاب هذه المقولة اتفاق اللبنانيين على حكومة وحدة وطنية وائتلافية تلتقي فيها الأقلية والأكثرية في حكم البلد؟

الملاحظة الثانية: أن العالم المتحضِّر يأخذ بالمنهج الديمقراطي على أساس الأكثرية العددية في الانتخابات، من دون تفريق بين دين وآخر ومذهب وآخر، فليس هناك تمييز طائفي بين طائفة وأخرى من الناحية الديمقراطية، والسؤال: هل يوافق هؤلاء المتحدثون عن لبنان ـ اتباعاً لدول العالم ـ على الديمقراطية العددية بعيداً من الخطوط الطائفية، بحيث تكون الأكثرية من المواطنين هي التي تملك الحكم إذا فازت في الانتخابات، ليكون الأساس هو المواطنة لا الطائفية؟

إنَّهم يرفضون ذلك ويتحدثون عن خصوصية لبنان التعايش أو العيش المشترك، ما يفرض الديمقراطية التوافقية التي تمنح كل طائفة حقوقاً محددة في التمثيل، حتى لو كانت في مستوى الأقلية... إننا نؤكّد أن القول بالديمقراطية في الحكم لا بدَّ من أن يقوم على المواطنة، بحيث يشمل كل المواطنين، بعيداً عن امتيازات الطوائف، وهذا ما يفرض على الجميع القبول به أو الحوار حوله.

من جانب آخر، فإنَّ المشاكل الاقتصادية الخانقة لا تزال تفرض نفسها على المواطنين جميعاً، الذين يجدون أنهم لا يعيشون في ظل دولة عادلة ذات اهتمامات حقيقية بالجوع الذي يفتك بالفقراء، وبالحرمان الذي يعانونه في قضايا الخدمات الحياتية والاجتماعية والاقتصادية، وبالمديونية الساحقة التي تأكل إنتاج البلد، إضافة إلى عدم الاهتمام بتنمية الزراعة والصناعة في شكل مبرمج وتثبيت الأمن، هذا فضلاً عن التعقيدات التي يثيرها الكثير من المشرفين على إدارة الدولة ضد المقاومة التي استطاعت أن تحرر الأرض والإنسان. ويحدثونك عن الدولة التي لا بد من أن تكون وحدها القوة التي تدير البلد، ولكنهم لا يأخذون بأسباب القوة في تزويد الجيش بالأسلحة المتطورة والطائرات والصواريخ القادرة على ردع أيِّ عدوان إسرائيلي...

المقاومة: جدل بين المشروعية والتهميش

إنَّنا نلمح محاولات متجددة للنظر إلى المقاومة وكأنها كيان غير شرعي، وكأن المطلوب هو محاسبتها لانتصارها على العدو وتحرير أسراها وشهدائها، بينما لا نجد أحداً في كيان العدوّ يعترض على حكومته في مواجهتها للتحديات المحتملة في المستقبل... إن هذا الجدل في نوع البيان الوزاري حول تأكيد رعاية الدولة للمقاومة، قد يوحي بأن البعض يخاف من القوّة المقاومة للعدوان... لأن الاحتلال الإسرائيلي يملك المظلة الأمريكية والأوروبية التي تحاول منع لبنان من أن يدافع عن نفسه عسكرياً، وأن يطالب بتطبيق القرار 1701 في منع الاختراق الإسرائيلي الجوي والبحري، وربما البري في بعض الحالات، وبإصدار الأمم المتحدة القرار بوقف إطلاق النار.

ويبقى الغزل السياسي بالمجتمع الدولي وبالقرارات الدولية في الأمم المتحدة التي يركع السياسيون أمامها، وتبقى إسرائيل ترفض تنفيذها، لأن أمريكا لا تسمح لأي دولة بأن تطالبها بذلك تحت التهديد بالإدانة والملاحقة.

إن مسالة تحرير الوطن من الاحتلال المباشر وغير المباشر، والبقاء على أهبة الاستعداد لمواجهة أطماع العدو ومخططاته، هي من الأمور التي ينبغي أن تظل أولوية حاسمة، لا في البيان الوزاري لحكومة معينة فحسب، بل في البيانات الوزارية كلّها، وفي الخط البياني للسياسة اللبنانية، وبذلك ينتفي هذا الجدل المعيب حول المقاومة! ونحن لا ندري كيف يضع البعض المقاومة في مواجهة الدولة، وهي التي أعادت لبنان إلى خط الدولة ومسيرتها، بينما يرفض هؤلاء وضع الدولة في مواجهة الاحتلال وأخطاره، وخصوصاً في التهديدات المتصاعدة لقادة العدو ضد لبنان!

إن بلداً لا يصنع القوة الشعبية، أو يخاف من قوة شعبه، هو بلد سيظل يدور في فلك هذا المحور الدولي أو ذاك المحور الإقليمي، الذي يستغل أوضاعه بعيداً عن مصالحه الاستراتيجية، وهذا هو السرّ في الفوضى السياسية في لبنان الساحة والمزرعة، والّذي لا يسمح المجتمع الدولي له أن يكون دولةً كما هي الدولة... ويستمر الجدل العبثي، ويصفِّق المصفقون، ويهتف الهاتفون، ويسقط الفقراء المحرومون في جوعهم وحرمانهم، ويرقصون على وقع آلامهم "كالطير يرقص مذبوحاً من الألم"، ويضيعون في المتاهات التي لا يعرف اللبنانيون السبيل للخروج من دوائرها المميتة.
 
 

ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين،
ومما جاء فيهما:
المبعث: يوم ولادة الإسلام

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}(البقرة: 151)، {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ}(البقرة: 119)، {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً}(النساء: 113).

في السابع والعشرين من شهر رجب، كانت ولادة الإسلام الذي أراد الله سبحانه لرسوله محمد(ص) أن يصدع به وأن يدعو إليه، وأن يجاهد من أجل أن يفتح عقول الناس عليه، ويفتح حياتهم على شريعته، وأن يؤكّد في كل وجودهم حقيقة توحيد الله سبحانه في الألوهية والعبادة والشريعة.

لقد أرسل الله سبحانه رسوله بالحقِّ ليبشّر الناس بالجنّة إذا ساروا على الخطِّ المستقيم، ولينذرهم بالنّار إذا انحرفوا عنه، وليبلّغهم آياته، ويطهّر نفوسهم عندما ينمِّي فيهم كلَّ عناصر الخير وموازين التقوى، ويحوّلهم إلى أناسٍ يعيشون إنسانيتهم في خطِّ التقوى والعدل والخير، وأراد سبحانه له أن يكون الرسول المعلِّم الذي يعلِّم الناس الكتاب كله، فيتلوه عليهم ويفسِّره لهم، {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ}(المائدة:15)، لأنّ القرآن الكريم هو نورٌ إلهي، انطلق من الله سبحانه وتعالى من أجل أن ينير العقول والنفوس والحياة، وليعلِّمهم ما لم يكونوا يعلمونه، ويحارب الجهل الذي عاشوا فيه زمناً طويلاً، والتخلّف الذي جعلهم يفكرون بطريقة ملتبسة.

وقد سعى رسول الله(ص) إلى تعليم النّاس ما علَّمه الله إيّاه {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ}(النساء:113)، وأراد له أن ينفتح على أرقى مواقع العلم وأوسعها آفاقاً، وهو الأميّ ـ {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ المُبْطِلُونَ}(العنكبوت:48) ـ ولكنّ أميّته فتحت عقول الناس على اأسمى ما أنتجه العقل الإنساني، وهو الّذي علّم الناس كيف يقرأون ويكتبون ويحاورون ويجادلون.

الرّحمة والبشارة الرّساليّة

وهكذا انطلق النبي(ص) ليكون شاهداً على الأمة {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً، وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً}(الأحزاب:45-46)، فهو السراج الذي ينير العقل كلّه، والقلب كله، والكيان كله، والحياة كلها، وهو الداعي إلى الله سبحانه وتعالى بالحق، وهو المبشّر برضوان الله، والمنذر من سخطه سبحانه وتعالى، وهو الرحمة التي رحم الله بها الإنسانية، فالإسلام يمثّل الرحمة في الفكر وفي القانون وفي حركة الحياة وفي العلاقات الإنسانية التي تنفتح على آفاق التقدّم والتطور في كل شؤون الحياة.

وهكذا، قدَّم الله سبحانه وتعالى نبيه إلى النّاس من خلال بشريته:} قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ}(الكهف:110)، فأنا آكل كما تأكلون، وأشرب كما تشربون، وألبس كما تلبسون... ولكنَّ الفرق بيني وبينكم، أني منفتح على الله الذي ينـزل عليَّ وحيه، فأنا لم آت إليكم كصاحب ثروة يملك خزائن الدنيا، أو لأحدِّثكم عن الغيب، فالله يعلمني من الغيب ما تحتاج إليه الرّسالة،{ تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ}(هود:49)، {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ}(الأحقاف:9).

ومن هنا نقول إنّ الذين ينسبون إدارة الكون إلى النبي(ص) وإلى الأئمة(ع) من خلال أنّ لهم ولاية تكوينية عليه، يخالفون القرآن في ذلك، فالرّسول(ص) يقول: {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ}(الأعراف:188). وقد انطلق رسول الله(ص) إلى النّاس ببشريته، وقدَّم إليهم الإسلام كما صوره الله في عناصره العامة {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ ـ حتى لا يأتي الناس بمنكر يسيء إلى حياتهم ويؤدي إلى سخط الله ـ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ ـ ما يستقذرونه ـ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ ـ أي الثقل الذي يصعب حمله ـ وَالأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ}(الأعراف:157).

وأراد الله سبحانه لرسوله أن يعلّم النّاس كيف يحبّون الله، وكيف يوحّدونه في الحبّ، كما يوحّدونه في الطّاعة والعبادة، فكان الرّسول(ص) يقول للنّاس: {إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي ـ في شريعتي، والتزام الوحي الذي أبلِّغكم إياه ـ يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}(آل عمران:31).

صفات الرّسول(ص)

وقد تحدَّث عن رسول الله(ص) أخوه وابن عمه علي(ع)، فقال: «أرسله داعياً إلى الحق، وشاهداً على الخلق، فبلّغ رسالات ربه غير وانٍ (متباطئ) ولا مقصر، وجاهد في الله أعداءه غير واهن - ضعيف - ولا معذِّر - من يعتذر- إمام من اتقى، وبصر من اهتدى».

وأيضاً ممّا قال علي(ع) عن رسول الله(ص): «لقد قرن الله به (صلى الله عليه وآله) من لدن كان فطيماً أعظم مَلَك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالَم ليلَهُ ونهاره»، «جعله الله بلاغاً لرسالته، وكرامة لأمته، وربيعاً لأهل زمانه، ورفعةً لأعوانه، وشرفاً لأنصاره».

وصايا الرّسول للمسلمين

وهكذا كان النبي(ص) يحدث قومه، وحديثه مع قومه هو حديثٌ للمسلمين في كل زمان ومكان، وكان يقول لهم: «أيُّها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى».

وكان(ص) يوصيهم في علاقاتهم بعضهم مع بعض، فكان يقول لهم: «أيها الناس، إنَّ دماءكم وأموالكم عليكم حرامـ لا تعتدوا على بعضكم البعض بالقتل، ولا تأكلوا أموال بعضكم بعضاً من غير حق ـ إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا ـ عيد النحر ـ في شهركم هذا ـ الشهر الحرام ـ في بلدكم هذا ـ البلد الحرام ـ ألا هل بلغت؟ اللهمَّ اشهد. فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى الذي ائتمنه عليها. اتقوا الله في النساء، واستوصوا بهن خيراً، ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد. أيها الناس، المؤمنون أخوة، ولا يحلُّ لامرئ من مال أخيه إلا عن طيب نفسه، ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد».

ثم يقول لهم، وكأنه ينظر إلى مستقبل المسلمين من بعده: «فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعدكم رقاب بعض، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي».

أيُّها الأحبة، إنّنا عندما نواجه العالم الآن، فإنّنا نجدُ أنَّ الكفر والاستكبار قد شنوا حرباً على الإسلام كلّه؛ إسلام العقيدة والشريعة، وإسلام الحياة والأمة، لذلك على المسلمين جميعاً ـ كما كانت مسؤولية أصحاب رسول الله في زمان رسول الله(ص) ـ أن يتوحَّدوا، وأن يكونوا المتراحمين، يرحم بعضهم بعضاً، كما جاء في قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}(الفتح:29)، ولكن مع الأسف، أصبح بعضنا أشدَّاء على بعضنا، رحماء مع الكفّار، فالكثير من المسلمين يحاول أن يرحم أمريكا وإسرائيل وأوروبا ولا يرحم المسلمين.

الإسلام شرّع الوحدة والحرّية

إنّ مسؤوليتنا في هذا المجال هي الوحدة الإسلامية: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}(آل عمران:103).

ونحن نرى أنَّ هؤلاء المستكبرين قد وظَّفوا ملوكاً وأمراء ورؤساء ووزراء وأحزاباً في البلاد الإسلامية، من أجل أن يحاصروا كلّ حركة للحرية، وكلّ انطلاقة للعزّة والكرامة. ولذلك، لا بدَّ لنا من أن نقتدي برسول الله(ص)، وبعلي(ع) بطل الإسلام الذي قال عنه رسول الله(ص) في واقعة خيبر: «لأعطينَّ الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، كرّار غير فرار، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه»، لأن علياً(ع) كان يشعر بمسؤوليته عن الإسلام كله، أكثر مما كان يشعر بمسؤوليته عن نفسه وعن أهله.

أيّها الأحبة، إذا كنا نحب الله، فعلينا أن نعمل من أجل أن يكون الإسلام قوياً، وأن يكون المسلمون أمةً واحدةً. وإذا كنّا نحب رسول الله(ص)، فإنّ علينا أن نحفظ رسول الله في رسالته. وإذا كنا نحبُّ علياً والعترة من أهل بيته وأولاده(ع)، فإن علينا أن نعمل بسيرتهم في هذا الخطّ الإسلامي الأصيل.

ففي ذكرى المبعث، ذكرى ولادة الإسلام، لا بدَّ من أن نتابع هذه المسيرة الإسلامية، لنكون جزءاً منها، حتى لا يعود المسلمون مجرد أرقام وأعداد، وقد بلغوا المليار والنصف، وليكونوا قوةً في العلم والخبرة والحركة والمواجهة، وقوةً في حركة العزّة والكرامة.

الإسراء والمعراج: رحلة الثّقافة النبويّة

ونقف أيضاً مع ذكرى السابع والعشرين من شهر رجب، ذكرى الإسراء والمعراج، الذي جاء ذكره في قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ البَصِير}(الإسراء:1)، لقد أراد الله سبحانه أن يعرّف نبيه(ص) بالمسجد الأقصى الذي يلتقي عنده كل الأنبياء، ليكون نهاية هذه المسيرة الرسالية النبوية. كما أننا نجد في رحلة المعراج، أنّ الله سبحانه يقول في سورة النجم: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الكُبْرَى}(النَّجم:18)، فالله أراد أن يثِّقف نبيّه بثقافة الكون كلّه، في الأرض كما في السماء، حتى يعطي الناس من هذه الثقافة الكونيّة الرسالية الحركية التي ترفع من مستواهم، فإذا تنازعوا فيما بينهم، انفتحوا على الحوار {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ}(النساء:59). وإذا كان الله سبحانه يريد منّا أن نقول لأهل الكتاب: {تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ}(آل عمران:64)، فلماذا لا نقول لأهل القرآن: {تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ}.

إنّ علينا أن نحترم بعضنا بعضاً، وأن نمتنع عمّا يسيء إلى المسلمين الآخرين، كما نريد للآخرين أن يمتنعوا عن الإساءة إلينا، فهذا هو معنى ذكرى المبعث والإسراء والمعراج، أن ننطلق بالإسلام ليكون للعالم كلّه {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}(سبأ:28)، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}(الأعراف:158)، فنرتفع إلى السماء كما ارتفع رسول الله(ص) إلى السماء في معراجه، وأن نحفظ المسجد الأقصى كما نحفظ المسجد الحرام.
 
الخطبة الثانية

عباد الله... اتقوا الله، فماذا هناك؟

الإدارة الأميركيّة: تدمير منهجي للقضية الفلسطينية

تدخل المسألة الفلسطينية في نطاق الأولويات الأميركية والدولية، ولكنها ليست أولويات الحل، بل أولويات التدمير المنهجي للقضية، والتمهيد أمام إسرائيل لإحكام سيطرتها على كامل فلسطين، وتكريس الأمر الواقع الذي تفرض فيه الجزر الاستيطانية والجدار الفاصل وعمليات الاغتيال والاعتقال شروطاً جديدة، لا نافذة تطل منها على فلسطين الدولة.

وفي ظل عملية الخداع للأنظمة المتهالكة، وفي الوقت الذي يعلن رئيس وزراء العدو بأنه لا سبيل للتوصل إلى تسوية سلمية نهائية في هذا العام، تفعل الجرافات الإسرائيلية فعلها في تدمير بيوت الفلسطينيين المقدسيين في شكل متواصل، ويتحدث العدو عن بيوت جديدة هي على لائحة الهدم القادم في القدس الشرقية، بحجة أنها مشادة على أراضٍ هي ملكٌ لليهود... للوصول إلى واقع التهويد الكامل للقدس، وتشريد أهلها، وتحقيق مقولة بوش بيهودية الدولة، وسط هذيان عربي لا يستحضر إلاّ تهاويل الخوف من إيران، وإلى المستوى الذي تخشى فيه الأنظمة من الاحتفال باستقبال جثامين الشهداء الذين أطلقتهم عملية الرضوان، لأنها تخاف من أن تضبط متلبسةً باستقبال من أشاروا إلى وجهة الصراع الحقيقية وإلى العدو الحقيقي.

وفي هذا الجو الذي تدفع فيه السلطة الفلسطينية من مفاوضات استهلاكية فارغة المضمون إلى مفاوضات مماثلة، وحيث ينهش الوحش الصهيوني بالجسد الفلسطيني، يتصاعد الخلاف بين حركتي "فتح" و"حماس"، ليغدو اتفاق التهدئة مع العدو نذيراً بحرب جديدة بين الفلسطينيين، ولتنطلق الاعتقالات في الضفة والقطاع، وكأنه لا يكفي الفلسطينيين إرهاب العدو واعتقالاته، ولتعود أجواء الشحن والتعقيد، وتبتعد أجواء الحوار، بما يثير التساؤل: هل كان اتفاق التهدئة مناسبةً لانطلاق جولة من الضغوط الدولية والأميركية والإسرائيلية، وحتى العربية، التي تمنع الفلسطينيين من تسيير عجلة حوارهم الداخلي، وصولاً إلى التّوافق حول حكومة الوحدة الوطنية، والعمل ـ في المقابل ـ على استضعاف الفريق الجهادي المقاوم، لدفعه إلى إلغاء خيار المقاومة، والنـزول عند الشروط المذلة لكيان العدو، بما يسقط مقولة الدولة، ويجعل القضية بين نارين: نار الخلافات الداخلية، ونار العدوان الإسرائيلي المدعوم من الاستكبار ومواقع الانهزام في المنطقة؟!

إننا نحذِّر من أن العدو يبني مشروعه الإرهابي في فلسطين بالانتقال من مرحلة إلى أخرى، وسط هذا الدخان الذي يثيره حول إيران ودول الممانعة وحركات المقاومة، والخطورة تكمن في أن سقوط فلسطين يعني سقوط القاعدة التي ترتكز عليها بقية القضايا العربية والإسلامية، الأمر الذي يطلّ بنا على واقع احتلالي متجدد يهدد الأمة في كيانها ووجودها.

التّكفيريّون إنتاج مواقف دموية

ولعل الطامَّة الكبرى تكمن في أن الجهات التكفيرية التي تزعم أنها تحمل عنوان الإسلام وهموم العرب، لا تنظر إلى كل فظائع الاحتلال في فلسطين، وجرائم الحلف الأطلسي في أفغانستان، وإرهاب الاحتلال الأميركي للعراق بعين بصيرة، بل تعمل دائماً لجعل المناسبات الإسلامية محطاتٍ دامية، كما فعلت في مجازرها الوحشية الأخيرة في العراق، وفي استهدافها إلى زوار قبر الإمام الكاظم(ع) في ذكرى شهادته، إمعاناً منها في استهداف وحدة المسلمين، وفي الإصرار على المنهج التكفيري الذي لا يتوانى عن استخدام النساء في العمليات التفجيرية الانتحارية، ظناً منهم بأن قتل المسلمين المؤمنين يجعلهم يتقربون أكثر إلى الله، ورفضاً منهم لحديث النبي(ص): «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه».

إننا في الوقت الذي نعتقد بأنّ الاحتلال هو المسؤول الأول عن هذه الجرائم والمجازر، سواء تلك التي حدثت في الكاظمية، الّتي حصلت في كركوك، نستغرب هذا الصمت من المرجعيات العربية والإسلامية التي نستمع مراراً لمواقف لها تتوقف فيها عند تفاصيل صغيرة هنا وهناك، ولكنَّها لا تكلِّف نفسها التعليق على هذه المجازر واستنكارها وتبيان الموقف الإسلامي الشرعي من استهداف المسلمين الآمنين المسالمين.

لبنان: الديمقراطيّة التوافقيّة والمواطنة

أمَّا في لبنان، فإننا نسمع بين وقت وآخر، أن الخط السياسي الذي يحكم اللّبنانيين هو أن الأكثرية تحكم والأقلية تعارض، لأنّ دول العالم المتحضر تمارس هذه الطريقة في إدارة شؤون الحكم عندها. إنّنا لا ننكر ذلك في الواقع الدولي، ولكن لدينا ملاحظتين:

الملاحظة الأولى: أن الأكثرية والأقلية قد تتفق فيما بينها على الدخول في حكومة ائتلافية إذا اقتضت مصلحة الوطن ذلك، من خلال برنامج سياسي واقتصادي وأمني لتحقيق المصلحة العليا. فهل يعارض أصحاب هذه المقولة اتفاق اللبنانيين على حكومة وحدة وطنية وائتلافية تلتقي فيها الأقلية والأكثرية في حكم البلد؟

الملاحظة الثانية: أن العالم المتحضِّر يأخذ بالمنهج الديمقراطي على أساس الأكثرية العددية في الانتخابات، من دون تفريق بين دين وآخر ومذهب وآخر، فليس هناك تمييز طائفي بين طائفة وأخرى من الناحية الديمقراطية، والسؤال: هل يوافق هؤلاء المتحدثون عن لبنان ـ اتباعاً لدول العالم ـ على الديمقراطية العددية بعيداً من الخطوط الطائفية، بحيث تكون الأكثرية من المواطنين هي التي تملك الحكم إذا فازت في الانتخابات، ليكون الأساس هو المواطنة لا الطائفية؟

إنَّهم يرفضون ذلك ويتحدثون عن خصوصية لبنان التعايش أو العيش المشترك، ما يفرض الديمقراطية التوافقية التي تمنح كل طائفة حقوقاً محددة في التمثيل، حتى لو كانت في مستوى الأقلية... إننا نؤكّد أن القول بالديمقراطية في الحكم لا بدَّ من أن يقوم على المواطنة، بحيث يشمل كل المواطنين، بعيداً عن امتيازات الطوائف، وهذا ما يفرض على الجميع القبول به أو الحوار حوله.

من جانب آخر، فإنَّ المشاكل الاقتصادية الخانقة لا تزال تفرض نفسها على المواطنين جميعاً، الذين يجدون أنهم لا يعيشون في ظل دولة عادلة ذات اهتمامات حقيقية بالجوع الذي يفتك بالفقراء، وبالحرمان الذي يعانونه في قضايا الخدمات الحياتية والاجتماعية والاقتصادية، وبالمديونية الساحقة التي تأكل إنتاج البلد، إضافة إلى عدم الاهتمام بتنمية الزراعة والصناعة في شكل مبرمج وتثبيت الأمن، هذا فضلاً عن التعقيدات التي يثيرها الكثير من المشرفين على إدارة الدولة ضد المقاومة التي استطاعت أن تحرر الأرض والإنسان. ويحدثونك عن الدولة التي لا بد من أن تكون وحدها القوة التي تدير البلد، ولكنهم لا يأخذون بأسباب القوة في تزويد الجيش بالأسلحة المتطورة والطائرات والصواريخ القادرة على ردع أيِّ عدوان إسرائيلي...

المقاومة: جدل بين المشروعية والتهميش

إنَّنا نلمح محاولات متجددة للنظر إلى المقاومة وكأنها كيان غير شرعي، وكأن المطلوب هو محاسبتها لانتصارها على العدو وتحرير أسراها وشهدائها، بينما لا نجد أحداً في كيان العدوّ يعترض على حكومته في مواجهتها للتحديات المحتملة في المستقبل... إن هذا الجدل في نوع البيان الوزاري حول تأكيد رعاية الدولة للمقاومة، قد يوحي بأن البعض يخاف من القوّة المقاومة للعدوان... لأن الاحتلال الإسرائيلي يملك المظلة الأمريكية والأوروبية التي تحاول منع لبنان من أن يدافع عن نفسه عسكرياً، وأن يطالب بتطبيق القرار 1701 في منع الاختراق الإسرائيلي الجوي والبحري، وربما البري في بعض الحالات، وبإصدار الأمم المتحدة القرار بوقف إطلاق النار.

ويبقى الغزل السياسي بالمجتمع الدولي وبالقرارات الدولية في الأمم المتحدة التي يركع السياسيون أمامها، وتبقى إسرائيل ترفض تنفيذها، لأن أمريكا لا تسمح لأي دولة بأن تطالبها بذلك تحت التهديد بالإدانة والملاحقة.

إن مسالة تحرير الوطن من الاحتلال المباشر وغير المباشر، والبقاء على أهبة الاستعداد لمواجهة أطماع العدو ومخططاته، هي من الأمور التي ينبغي أن تظل أولوية حاسمة، لا في البيان الوزاري لحكومة معينة فحسب، بل في البيانات الوزارية كلّها، وفي الخط البياني للسياسة اللبنانية، وبذلك ينتفي هذا الجدل المعيب حول المقاومة! ونحن لا ندري كيف يضع البعض المقاومة في مواجهة الدولة، وهي التي أعادت لبنان إلى خط الدولة ومسيرتها، بينما يرفض هؤلاء وضع الدولة في مواجهة الاحتلال وأخطاره، وخصوصاً في التهديدات المتصاعدة لقادة العدو ضد لبنان!

إن بلداً لا يصنع القوة الشعبية، أو يخاف من قوة شعبه، هو بلد سيظل يدور في فلك هذا المحور الدولي أو ذاك المحور الإقليمي، الذي يستغل أوضاعه بعيداً عن مصالحه الاستراتيجية، وهذا هو السرّ في الفوضى السياسية في لبنان الساحة والمزرعة، والّذي لا يسمح المجتمع الدولي له أن يكون دولةً كما هي الدولة... ويستمر الجدل العبثي، ويصفِّق المصفقون، ويهتف الهاتفون، ويسقط الفقراء المحرومون في جوعهم وحرمانهم، ويرقصون على وقع آلامهم "كالطير يرقص مذبوحاً من الألم"، ويضيعون في المتاهات التي لا يعرف اللبنانيون السبيل للخروج من دوائرها المميتة.
 
اقرأ المزيد
- خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) بتاريخ 01-08-2008م / 29 رجب 1429 هـ : الإسراء والمعراج: إغناء ثقافيّ وعباديّ للمبعث .
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية