حبّ الله.. علامة الإيمان
يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لله} (البقرة:165)
من علامات إيمان المؤمن، أنه يحب الله أكثر مما يحب غيره، لأن الله هو سر وجوده، فهو الخالق والرازق والمنعم والمحيي والمميت، {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ* وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ* وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ* وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ* وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّين} (الشعراء:78 -82)، وهذا ما تحدث به النبي إبراهيم(ع) في مواجهة قومه.
وإذا كنا نحب الله، فإن محبتنا له سبحانه وتعالى تفرض علينا أن نحب من يحبه، وأن نبغض من يبغضه، لأن معنى أن تحبّ الله، هو أن تنفتح بالحب على كل من يحبه ويطيعه، وأن تبغض كل من لا يحبه الله ومن يعصيه. وعلى ضوء ذلك، يريد الله سبحانه وتعالى للمجتمع الإسلامي أن يكون في حبه وبغضه منفتحاً على حركة الإيمان في النفس، أن تكون علاقتك بالناس منطلقةً من علاقتك بربك سلباً أو إيجاباً. وهذا ما ورد في الحديث عن الإمام محمد الباقر(ع): "إذا أردت أن تعلم أنّ فيك خيراً ـ هل أنت على خير أو على شر ـ فانظر إلى قلبك، فإن كان يحب أهل طاعة الله، ويبغض أهل معصيته، ففيك خير والله يحبك ـ فإذا كنت تنفتح على المطيعين لله والمحبين له، وتنغلق على العاصين لله والمعادين له، فمعنى ذلك أن فيك خيراً والله يحبك ـ وإن كان ـ قلبك ـ يبغض أهل طاعة الله ـ لا يحب المؤمنين، حيث يعتبرهم بعض الناس ثقيلين على القلب ـ ويحب أهل معصيته ـ فبعض الناس يحبون الذين يشربون الخمر ويلعبون القمار ويرقصون... ـ فليس فيك خير ـ والله يبغضك، والمرء مع من أحب"، فسيحشرك الله سبحانه يوم القيامة مع من تحب، فإذا كنت تحب الخير، فالله يحشرك مع أهل الخير، وإن كنت تحب الشر، فسيحشرك الله مع أهل الشر.
الجنّة جزاء المتحابّين في الله
وقد ورد عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين(ع): "إذا جمع الله الأولين والآخرين، قام منادٍ فنادى يُسمع الناس فيقول: أين المتحابون في الله؟ ـ الذين كانوا يحبون بعضهم بعضاً من خلال التقائهم على محبة الله ومحبة من يحبه ـ قال: فيقوم عنق من الناس ـ جماعة من الناس ـ فيقال لهم: اذهبوا إلى الجنة بغير حساب، فتلقّاهم الملائكة فيقولون: إلى أين؟ فيقولون إلى الجنة بغير حساب، فيقولون أي ضرب ـ نوع ـ أنتم من الناس؟ فيقولون: نحن المتحابون في الله، قال: فيقولون: وأي شيء كانت أعمالكم؟ ـ ماذا كنتم تفعلون في الدنيا ـ قالوا: كنا نحب في الله ونبغض في الله، فيقولون: نعم أجر العاملين".
وعن الإمام جعفر الصادق(ع): "إن المسلمَيْن يلتقيان: فأفضلهما ـ عند الله ـ أشدّهما حباً لصاحبه". وعنه(ع): "قد يكون حبّ في الله ورسوله وحب في الدنيا، فما كان في الله ورسوله فثوابه على الله، وما كان في الدنيا ـ من أجل الحاجات الشخصية والأطماع الدنيوية ـ فليس بشيء".
عروة الإيمان الوثقى
كما ورد في الحديث عنه(ع): "قال رسول الله(ص) لأصحابه: أيُّ عرى الإيمان أوثق؟ ـ ما هي العروة الوثيقة التي يتمسك بها المؤمن فلا يسقط ـ فقالوا: الله ورسوله أعلم، وقال بعضهم: الصلاة، وقال بعضهم: الزكاة، وقال بعضهم: الصيام، وقال بعضهم: الحج والعمرة، وقال بعضهم: الجهاد، فقال رسول الله: لكل ما قلتم فضل وليس به ـ صحيح ولكن ليس عرى الإيمان ـ ولكن أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله، وتوالي أولياء الله، والتبري من أعداء الله".
وقد ورد عن الإمام الصادق(ع): "كل من لم يحب على الدين، ولم يبغض على الدين، فلا دين له"، فالمفروض عندما تكون ملتزماً دينياً، أن يكون الدين أساس علاقاتك بالآخرين.
وقال الصادق(ع): "من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، فهو ممن كمل إيمانه".
وسأل أحد أصحاب الإمام الصادق(ع)، وهو فضيل بن يسار، الإمام: "قال سألته عن الحب والبغض، أمن الإيمان هو؟ فقال(ع): وهل الإيمان إلا الحب والبغض"، ثم تلا هذه الآية {حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ}" (الحجرات:7).
هذا كلّه يؤكّد لنا ـ أيها الأحبة ـ أن التزامنا الإيماني، وبالتالي علاقتنا بربنا همت اللذان ينبغي أن يكونا الأساس في علاقات بعضنا ببعض ليكون المجتمع مرتبطاً ببعضه البعض من خلال محبة الله، لأنه يؤكد بذلك إخلاصه لله سبحانه وتعالى.
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله... {اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ* وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (آل عمران: 102- 103)، ماذا هناك؟:
رشوة السلطة الفلسطينية
في المشهد الفلسطيني، كان مؤتمر الدول المانحة في باريس يمنح السلطة الفلسطينية عدة مليارات من الدولارات لإنقاذها من الإفلاس، من دون أن يكون لقطاع غزة أيّ حصة في المساعدة، حسب خطة رئيس وزراء السلطة، لأن السياسة الدولية، والأمريكية منها على وجه الخصوص، تضغط على السلطة الفلسطينية كي تمارس دوراً في حصار الشعب الفلسطيني في هذا القطاع، وتترك لإسرائيل الحرية في قصفه وقتل مجاهديه وخنق حاجاته الضرورية وخدماته الحيوية، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل المشكلة في فلسطين تتحدد في المساعدات المالية، أو في إيجاد واقعية لبناء دولة فلسطينية وامتناع إسرائيل عن قتل الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة واغتيال قياداته؟
إن هذا هو ما حدث ويحدث في الغارات الجوية الإسرائيلية، وآخرها ضد سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، وذلك في وقت انعقاد المؤتمر، إضافة إلى قرار الحكومة الإسرائيلية معاودة الحفريات قرب باحة المسجد الأقصى في القدس في أقرب وقت ممكن، وإعلانها أنها ستسمح بعمليات بناء داخل مستوطنات قائمة في الضفة الغربية في ظل موافقة أميركية ضمنية، ذلك أن المسألة الاستراتيجية لدى إسرائيل المتوافقة مع الخطة الأمريكية، أن تقوم إسرائيل بكل مشاريعها الاستيطانية في القدس والضفة الغربية، لتكريس أمر واقع في ظل المفاوضات، ما يفرض على السلطة الفلسطينية القبول به، مع بعض المساحيق السياسية التي تخدع العرب الذين لا يريد الكثيرون منهم إزعاج إسرائيل وأمريكا سياسياً بل ربما أصبح قرارهم السري الضغط على الفلسطينيين ليقبلوا بالدولة بأقل قدر ممكن من الأرض والخدمات، ومع شروط أمنية معقّدة تُحوِّل هذه الدولة إلى هامش إسرائيلي في حركة الفلسطينيين وفي أوضاعهم الاقتصادية والسياسية. ولعل هذا المؤتمر المالي هو الرشوة التي تقدمها الدول المانحة للسلطة الفلسطينية التي يراد لها القبول بأيّ شيء بالرغم من شعاراتها الوطنية التي لا تملك تنفيذ أي هدف منها، بل قد ينتهي الأمر بها إلى القبول بالتقسيم الواقعي لفلسطين، لتصبح الضفة الغربية كياناً منفصلاً عن غزة، انطلاقاً من رفض الحوار السياسي الذي ربما يوحد المساحة الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل.
إسرائيل والملف النووي الإيراني
ومن جانب آخر، فإن الشغل الشاغل لإسرائيل هو الملف النووي الإيراني، لأنها لا تريد لإيران أن تملك الخبرة النووية التي تمدّها بالقوة في إطلاق مشاريعها التنموية المستقلة في الطاقة، أو فيما هو أبعد من الطاقة، وهي تعمل للضغط على حليفتها أمريكا كي تزيد في ضغطها الاقتصادي والعسكري على إيران لتوقف مشروعها، وقد كان تقرير أجهزة الاستخبارات الأمريكية عن توقف مشروع صنع القنبلة النووية صدمةً لها، خصوصاً أنها لم تتمكن من إقناع بعض المؤسسات الأميركية الفاعلة بأن التقرير ليس صحيحاً، ولكن "دك تشيني" العدو اللدود للعرب وللمسلمين، والصديق لإسرائيل مع فريقه من المحافظين الجدد، أرسل إلى إسرائيل رسالة جديدة تشير إلى أن الخيار العسكري ضد إيران ما يزال ماثلاً على جدول أعمال الولايات المتحدة، وقد تزامن ذلك مع ذهاب وفد أمني إسرائيلي إلى أمريكا للتنسيق معها في هذا الاتجاه. وهنا علينا أن نتوقف ملياً عند بعض التقارير الإسرائيلية التي تقول إن إسرائيل مرتاحة للأزمة السياسية في لبنان، لأنها تشغل خصومها في سوريا وحزب الله عن الاستعداد لمواجهة عدوانها المستقبلي.
استمرار دور أمريكا الإمبراطوري
وفي المشهد الأمريكي، لا تزال الإدارة تدير لعبتها السياسية في المنطقة من أجل إبقاء سيطرتها الإمبراطورية على المنطقة في الشرق الأوسط، وفي آسيا تحديداً، لأنّها لا تخطط للاستقرار في حياة الشعوب، بل يهمها تعزيز استراتيجيتها التي تلتقي بالفوضى البناءة التي تثير الفتن والحروب، وتتحرك في دائرة الاحتلال المباشر وغير المباشر، ولاسيما في الساحات الإسلامية التي لا تريد هذه الإدارة لها أن تستخدم طاقاتها الحيوية وثرواتها البترولية ومواقعها الاستراتيجية، لأن المطلوب هو أن تبقى ضعيفةً في اقتصادها وسياستها، خصوصاً أمام إسرائيل، لتعمل على استنـزافها في كل مواردها ومصادرها، حتى حوّلت المنطقة والمناطق الأخرى الخاضعة لمصالحها، إلى حالةٍ من الإرباك والتوتر الأمني والسياسي والدمار الاقتصادي...
هذا هو الذي نواجهه في أوضاعنا في الأزمة السياسية في لبنان، حيث يتابع موفدو الإدارة الأمريكية من وزارة الخارجية وغيرها، تدخلهم في حركة الواقع بالطريقة التي يوسعون فيها الهوّة بين اللبنانيين، حتى لا يلتقوا على رأي واحد أو يلتزموا جدياً تنظيم أمورهم العامة.
لبنان في الدائرة المفرغة
وتبقى اللعبة السياسية تفرض نفسها على لبنان المتقدم ثقافياً، المتخلف سياسياً، البدوي في ذهنية الكثيرين ممن يديرون أوضاعه ولكن من دون قيم البداوة، فنلاحظ أن رجال القبائل في الساحة السياسية يدافعون عن زعمائهم بعيداً عن دراسة صوابية المضمون السياسي أو خطأه، ويرتبطون بهم، لا من ناحية عقلانية وطنية، بل من خلال العصبية العشائرية، ولا أحد يخاف أن يحاسبه الناس، لأن هذا البلد لا يسمح بمحاسبة أولي الشأن من الزعماء الطائفيين أو التقليديين، ولا أحد يخاف من الوقوف أمام محكمة التاريخ ما دام بلا تاريخ، لأن الرجال التاريخيين غاب أكثرهم عن الوطن، وتحكّمت بالبلد طبقة تكاد تخرجه من التاريخ وحتى الجغرافيا في معنى الدولة.
إن المشكلة هي أن القرار السياسي ليس في بيروت، أما حديث البعض في الداخل والخارج أن القرار متروك للبنانيين من دون تدخل خارجي، لأن الخارج لا يقدم إلا الموعظة والنصيحة بمحبة، فهو نكتة سخيفة سوداء بائخة، لأن المسألة مرتبطة بحساسيات الصراع الإقليمي والدولي في لبنان والمنطقة، حيث تتلاعب به المصالح والمشاريع الدولية.