سمات الشخصية الإسلامية في ضوء سيرة أهل البيت(ع)

سمات الشخصية الإسلامية في ضوء سيرة أهل البيت(ع)

سمات الشخصية الإسلامية في ضوء سيرة أهل البيت(ع)


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته:

في أجواء عيد الأضحى المبارك، لا بد من أن نتحدث قليلاً عن مسألة تحديد يوم العيد، حيث صدرت في العالم الإسلامي عدة فتاوى حول تحديد بداية الشهر ومن ثم يوم العيد، فمنهم من يقول إنه يوم الأربعاء أو الخميس، ومنهم من يقول أنه يوم الجمعة. ونحن نعلّق على هذه المسألة بالتالي:

إنّ ما صدر عن بعض المفتين، بأنَّ أول شهر ذي الحجة هو نهار الإثنين، وعليه يكون العيد نهار الأربعاء، غريب جداً، والسبب هو أن الهلال لا يولد إلا في يوم الأحد بعد الغروب في الساعة 7:40 مساءً، وعليه، لا يمكن رؤية الهلال ليلة الإثنين في أي مكان في العالم، والذين ادعوا الرؤية مخطئون، وبهذا فإن الرأي الذي اعتبر أنّ الأربعاء هو العيد هو رأيٌ مخطئ.

ورأينا أن يوم الإثنين هو متمم لشهر ذي القعدة، فيكون يوم الثلاثاء هو أول شهر ذي الحجة، وبهذا يكون عيد الأضحى نهار الخميس القادم.

أما بالنسبة إلى السيد السيستاني (حفظه الله)، وغيره أيضاً، فقد رأى أنّ أول شهر ذي الحجة هو يوم الأربعاء، وبهذا يكون الوقوف بعرفات الخميس، والعيد نهار الجمعة.

أما بالنسبة إلى مقلدينا، فإن هناك مبنى شرعياً، كان يقول به السيدان الحكيم والخميني (قدهما)، ونحن نقول به: بأنه حتى لو كان الموقف مخالفاً للواقع، فالحج صحيح، إن شاء الله.

وعلى ضوء هذا، فنحن سنصلي صلاة عيد الأضحى إن شاء الله نهار الخميس.

مَن هو الشيعي؟

من هو المسلم؟ ومن هو المؤمن؟ ومن هو الشيعي؟ إنّ الإجابة عن هذه الأسئلة نعرفها من خلال التراث الثقافي الذي تركه لنا الأئمة من أهل البيت(ع):

فقد جاء في الحديث عن الإمام جعفر الصادق(ع)، في تعريف مَن هم شيعة أهل البيت(ع)، قوله: "شيعتنا أهل الهدى ـ السائرون على هدى الله سبحانه وتعالى، والبعيدون عن أي خط من خطوط الضلال ـ وأهل التقى ـ الذي يخافون الله سبحانه وتعالى، ويطيعونه في كل ما أمر به، وينتهون عن كل ما نهى عنه، {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله، ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} (آل عمران:135) ـ وأهل الخير ـ الذين عندما يعيشون في أي مجتمع، يبادرون إلى فعل الخير في كل شؤون الحياة، ومع جميع أفراد المجتمع، كباراً وصغاراً ـ وأهل الإيمان ـ الذين يؤمنون بالله سبحانه وتعالى، والذين {إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون} (الأنفال:2) ـ وأهل الفتح ـ الذين إذا خاضوا أي معركة ضد الكفر أو الاستكبار، فإنهم يعملون على أن يحققوا النصر للمؤمنين والمسلمين ـ وأهل الظفر"، الذين يظفرون بأعدائهم في معارك الحق والهدى.

وفي حديث آخر عن الإمام الصادق(ع)، يخاطب به بعض أصحابه: "إياك والسفلة ـ أسافل الناس وغوغاؤهم ـ فإنما شيعة علي من عفَّ بطنه ـ فلم يدخل الحرام إليه ـ وفرجه ـ فلم يعمل على ارتكاب الحرام، سواء بالزنا أو بغيره ـ واشتدَّ جهاده ـ في العبادة والطاعة ـ وعمل لخالقه ـ ولم يعمل للناس ـ ورجا ثوابه ـ طلباً لثواب الله سبحانه وتعالى ـ وخاف عقابه، فإذا رأيت أولئك، فأولئك شيعة جعفر".

مَن هو المسلم المؤمن؟

وفي حديث آخر للإمام الصادق(ع) يصف فيه المؤمن: "إنما المؤمن، الذي إذا غضب لم يخرجه غضبه عن حق ـ فإذا غضب وتوتر، يبقى على الحق، ولا يعمل على أن يكون غضبه على الشخص غضباً بالباطل ـ وإذا رضي لم يدخله رضاه في باطل ـ فهو يتكلم بالحق ويبتعد عن الباطل حتى مع أحبائه وأقربائه ـ وإذا قدر ـ أي كان عنده قدرة وقوة ـ لم يأخذ أكثر مما له".

وقد تحدّث الإمام الباقر(ع) عن المسلم المؤمن، فوصفه بأن: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ـ فهو لا يسيء إلى المسلمين بالكلام الذي لا يرضاه الله سبحانه وتعالى، ولا يعتدي على الآخرين أو يظلمهم ـ المؤمن من ائتمنه الناس على أموالهم وأنفسهم ـ فالمؤمن لا يخون الناس في أنفسهم وأموالهم، ولا يعتدي على أعراضهم وأهلهم ـ والمسلم حرام على المسلم أن يظلمه ـ بل لا بد من أن يكون عادلاً مع كل مسلم ومسلمة ـ أو يخذله ـ عندما يحتاج الآخر إلى نصرته ـ أو يدفعه دفعةً تعنّته"، أي يدفعه دفعة قوية توقعه في المشقة أو الهلاك.

وأيضاً جاء عن الصادق(ع) في حديثه عن سلوك المؤمن: "المؤمن من طاب مكسبه ـ فإذا ابتغى كسب المال، فإنه لا بد من أن يكون من حلال ـ وحسنت خليقته ـ أي كان حسن الأخلاق ـ وصحّت سريرته ـ كانت سريرته صحيحةً، فلا يحمل على مؤمن إلا بما يحبه الله ويرضاه ـ وأنفق الفضل من ماله ـ {وفي أموالهم حق للسائل والمحروم} (الذاريات:19) ـ وأمسك الفضل من كلامه"، فلم يتكلم إلا بما يعنيه ويحتاج إليه.

عنوان المؤمن

وعن الصادق(ع): "من عامل الناس فلم يظلمهم ـ كان عادلاً معهم ـ وحدّثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، كان ممن حرمت غيبته، وكملت مروّته، وظهر عدله، ووجبت أخوته".

وعن الإمام الباقر(ع): "المؤمن أصلب من الجبل؛ الجبل يستقلُّ منه ـ يمكن أن يهدَّم الجبل بالمعاول ـ والمؤمن لا يستقل من دينه شيء"، فإنه يبقى ثابتاً صلباً، لا يمكن أن يضعف دينه أحد.

وفي حديث آخر عن الإمام الصادق(ع): "المؤمن حسن المعونة ـ يعين الناس في كل ما يحتاجون إليه ـ خفيف المؤونة ـ لا يثقل على أحد ـ جيد التدبير لمعيشته ـ فلا يغلبه أحد أو يخدعه ـ لا يلدغ من جحر مرتين"، فإذا ابتلي بتجربة صعبة، فإنه لا يكررها.

هذه ـ أيها الأحبة ـ هي بعض صفات الإنسان المؤمن المسلم السائر في خط أهل البيت(ع)، وعلينا أن نقتدي بسيرة أهل البيت(ع)، لأنّ فيها صلاح أمرنا في دنيانا وآخرتنا.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله... اتقوا الله، وواجهوا الموقف بكل قوة، كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، فماذا هناك؟

الإدارة الأمريكية: تزاوج عدواني مع الدولة العبرية

في الحركة الأمريكية في المنطقة، تقوم الإدارة الأمريكية بمزيد من التنسيق الأمني والسياسي والعسكري مع إسرائيل، بهدف التخفيف عن كيان العدوّ بعد الإحراج الذي تسبّب به التقرير الأخير للاستخبارات المركزيّة الأمريكية حول الملفّ النووي الإيراني، والذي يؤكّد طابعه السلمي وعدم وجود أيّ خطّة إيرانية لصنع القنبلة النووية في المدى المنظور.

ولعلّ زيارة رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة إلى كيان العدوّ، كانت من أجل تطمين قادته إلى أنّ الإدارة الأمريكية لن تتخلّى عن تفوّق إسرائيل النوعي على كلّ دول المنطقة، لأنّ هناك استراتيجيّة في التعاون وصلت إلى مستوى التكامل والتداخل بين إسرائيل وأمريكا، وتمثّلت بشكل خاص بالتنسيق المشترك لمخطّط احتلال العراق، ما أدّى إلى اهتزاز استقرار المنطقة كلّها، فضلاً عن العراق نفسه الذي تحوّل إلى ساحة فوضى وقتل ومجازر متنقّلة، إضافةً إلى الدعم القويّ المتحرّك الذي قدّمته أمريكا لإسرائيل في عدوانها على لبنان العامَ الماضي.

إنّنا نجد أنّ مشكلة المنطقة ليست في إيران، بل هي في إسرائيل التي تملك أكبر ترسانة نوويّة تهدّد بها المنطقة، وأعتى أنواع الأسلحة التي تحرّكها في عدوانها المتنقّل، والمشكلة هي في أمريكا التي تنشر أساطيلها في البحر للتهديد بالحرب ضدّ إيران، وتشجّع الدول العربيّة على تعقيد علاقاتها الأمنيّة والاقتصاديّة والسياسيّة معها، في الوقت الذي نرى الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانية تتقدّم إلى العرب في المنطقة كلّها، من أجل إيجاد تعاون اقتصادي أمني يحمي الواقع العربي، وخصوصاً الخليجي.

إنّ المشكلة هي هذا التزاوج العدواني بين الدولة العبريّة وأمريكا؛ الأمر الذي جعل الإدارة الأمريكية تتحرّك في خداعٍ سياسي في الواقع الفلسطيني، حتّى إن الحديث عن الدولة الفلسطينية أصبح حديثاً استهلاكيّاً لا ينفتح على أيّة خطّة للتنفيذ بالرغم من مرور السنين على تكراره. من ناحية أخرى، يشكّل الحديث الأمريكي عن إسرائيل كوطن قومي لليهود، غطاءً يُمكن أن يؤدّي إلى تهجير البقيّة الباقية من الشعب الفلسطيني، وإلى التنكّر لحقّ العودة للمُبعدين من أرضهم بغير حقّ، وإلى تشجيع اليهود للقدوم إلى فلسطين من سائر أنحاء العالم.

اجتياح غزة: غطاء دولي وصمت عربي

ومع كلّ ذلك، يتحرّك الغطاء الدولي ليمنح الجيش الإسرائيلي مزيداً من حرّية القصف والقتل والتدمير للمدنيّين في غزّة، والاجتياح والاعتقال للشباب الفلسطيني في الضفّة الغربيّة، إضافةً إلى استمرار الحصار الاقتصادي غير الإنساني للمستضعفين في غزّة، والتوسّع في تهويد القدس ببناء المستوطنات في مناطقها القديمة، من دون أن نجد أيّ ردّ فعلٍ عربيّ أو أوروبي أو أيّ ضغطٍ أمريكي، بل مجرّد تصريحات أمريكيّة على لسان وزيرة الخارجيّة الأمريكية لا تتخطى الحديث عن أنّ ذلك يؤدّي إلى انعدام الثقة التي حاول مؤتمر أنابوليس أن يبنيها.

إنّنا نشعر أن صمت العالمين العربي والإسلامي أمام نزيف الدم الفلسطيني اليومي، وعدم القيام بأيّ مبادرة لوقف التدهور الحاصل في العلاقات الفلسطينية ـ الفلسطينية الذي انعكس دماراً سياسيّاً واقتصاديّاً ومعيشيّاً، يمثّل جريمة كبيرة في حقّ الشعب الفلسطيني كلّه والقضيّة كلّها.

لبنان: فشل في الرؤية الاستراتيجية

أمّا لبنان، فإنّ شعبه يعاني في كثير من مناطقه من البرد الشديد الذي يفتك بالجميع، بعد الغلاء الذي يزداد يوماً بعد يوم، ولاسيّما في المحروقات، ما تعجز عنه الطبقة المتوسّطة فضلاً عن الفقيرة. هذا، إلى جانب التقنين في الكهرباء الذي وصل إلى الحد الذي جعل وجود الكهرباء كعدمها؛ الأمر الذي أساء إلى كل الأوضاع المدنيّة في حاجات الناس، وفي أوضاعهم الغذائيّة وأمورهم الحياتيّة.

ولا ندري كيف يمكن أن تحترم أيّة حكومة، دستوريّة أو غير دستوريّة، نفسها عندما تحاصر شعبها بمثل هذا الوضع الذي يدمّر الحياة كلّها في القضايا الحيويّة التي تتحوّل إلى صراخٍ إنسانيّ لا يملك معها الإنسان أيّ استقرار.

أمّا في المسألة السياسية، فلا تزال الدوّامة الداخليّة تفرض نفسها من خلال استمرار الجدل الدستوري والتجاذب السياسي في ظلّ انعدام الثقة بين الأفرقاء اللبنانيّين... ويبقى الشعب حائراً يحدّق في هذا النـزاع الذي يسبح في التجريد، بعيداً عن الواقعيّة والقيم. وقد أثبتت الطبقة السياسيّة، مع بعض الاستثناءات، أنّها فاشلة في الرؤية الاستراتيجية، وناجحة في تكرار الآراء الجامدة والمناورات التكتيكيّة من دون الاهتمام بواقع الشعب ومستقبل البلد.

وتعود التعقيدات الداخليّة إلى ذروتها، مع تجدّد التفجيرات التي أعادت اللبنانيّين إلى حال الخوف والحذر من تردّي الأوضاع الأمنيّة التي قد تفتح آفاق الاغتيالات لإرباك الواقع اللبناني السياسي والأمني.

إنّنا نناشد الجميع أن يرحموا هذا البلد الصغير الذي لا يزال يعيش المعاناة الصعبة على الصعيد المحلّي، أو في حركة التدخّلات الدولية والإقليميّة التي تمنعه من الاستقرار، وتزيد في مشاكله الحياتيّة والأمنيّة والسياسيّة، ونؤكّد أن يكون كلّ لبنانيّ خفيراً يُراقب كلّ الحركات المشبوهة التي قد تخفي حالات الإجرام؛ لأنّه يبدو أن قدر هذا الشعب أن يقلّع شوكه بأظافره.

سمات الشخصية الإسلامية في ضوء سيرة أهل البيت(ع)


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته:

في أجواء عيد الأضحى المبارك، لا بد من أن نتحدث قليلاً عن مسألة تحديد يوم العيد، حيث صدرت في العالم الإسلامي عدة فتاوى حول تحديد بداية الشهر ومن ثم يوم العيد، فمنهم من يقول إنه يوم الأربعاء أو الخميس، ومنهم من يقول أنه يوم الجمعة. ونحن نعلّق على هذه المسألة بالتالي:

إنّ ما صدر عن بعض المفتين، بأنَّ أول شهر ذي الحجة هو نهار الإثنين، وعليه يكون العيد نهار الأربعاء، غريب جداً، والسبب هو أن الهلال لا يولد إلا في يوم الأحد بعد الغروب في الساعة 7:40 مساءً، وعليه، لا يمكن رؤية الهلال ليلة الإثنين في أي مكان في العالم، والذين ادعوا الرؤية مخطئون، وبهذا فإن الرأي الذي اعتبر أنّ الأربعاء هو العيد هو رأيٌ مخطئ.

ورأينا أن يوم الإثنين هو متمم لشهر ذي القعدة، فيكون يوم الثلاثاء هو أول شهر ذي الحجة، وبهذا يكون عيد الأضحى نهار الخميس القادم.

أما بالنسبة إلى السيد السيستاني (حفظه الله)، وغيره أيضاً، فقد رأى أنّ أول شهر ذي الحجة هو يوم الأربعاء، وبهذا يكون الوقوف بعرفات الخميس، والعيد نهار الجمعة.

أما بالنسبة إلى مقلدينا، فإن هناك مبنى شرعياً، كان يقول به السيدان الحكيم والخميني (قدهما)، ونحن نقول به: بأنه حتى لو كان الموقف مخالفاً للواقع، فالحج صحيح، إن شاء الله.

وعلى ضوء هذا، فنحن سنصلي صلاة عيد الأضحى إن شاء الله نهار الخميس.

مَن هو الشيعي؟

من هو المسلم؟ ومن هو المؤمن؟ ومن هو الشيعي؟ إنّ الإجابة عن هذه الأسئلة نعرفها من خلال التراث الثقافي الذي تركه لنا الأئمة من أهل البيت(ع):

فقد جاء في الحديث عن الإمام جعفر الصادق(ع)، في تعريف مَن هم شيعة أهل البيت(ع)، قوله: "شيعتنا أهل الهدى ـ السائرون على هدى الله سبحانه وتعالى، والبعيدون عن أي خط من خطوط الضلال ـ وأهل التقى ـ الذي يخافون الله سبحانه وتعالى، ويطيعونه في كل ما أمر به، وينتهون عن كل ما نهى عنه، {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله، ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} (آل عمران:135) ـ وأهل الخير ـ الذين عندما يعيشون في أي مجتمع، يبادرون إلى فعل الخير في كل شؤون الحياة، ومع جميع أفراد المجتمع، كباراً وصغاراً ـ وأهل الإيمان ـ الذين يؤمنون بالله سبحانه وتعالى، والذين {إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون} (الأنفال:2) ـ وأهل الفتح ـ الذين إذا خاضوا أي معركة ضد الكفر أو الاستكبار، فإنهم يعملون على أن يحققوا النصر للمؤمنين والمسلمين ـ وأهل الظفر"، الذين يظفرون بأعدائهم في معارك الحق والهدى.

وفي حديث آخر عن الإمام الصادق(ع)، يخاطب به بعض أصحابه: "إياك والسفلة ـ أسافل الناس وغوغاؤهم ـ فإنما شيعة علي من عفَّ بطنه ـ فلم يدخل الحرام إليه ـ وفرجه ـ فلم يعمل على ارتكاب الحرام، سواء بالزنا أو بغيره ـ واشتدَّ جهاده ـ في العبادة والطاعة ـ وعمل لخالقه ـ ولم يعمل للناس ـ ورجا ثوابه ـ طلباً لثواب الله سبحانه وتعالى ـ وخاف عقابه، فإذا رأيت أولئك، فأولئك شيعة جعفر".

مَن هو المسلم المؤمن؟

وفي حديث آخر للإمام الصادق(ع) يصف فيه المؤمن: "إنما المؤمن، الذي إذا غضب لم يخرجه غضبه عن حق ـ فإذا غضب وتوتر، يبقى على الحق، ولا يعمل على أن يكون غضبه على الشخص غضباً بالباطل ـ وإذا رضي لم يدخله رضاه في باطل ـ فهو يتكلم بالحق ويبتعد عن الباطل حتى مع أحبائه وأقربائه ـ وإذا قدر ـ أي كان عنده قدرة وقوة ـ لم يأخذ أكثر مما له".

وقد تحدّث الإمام الباقر(ع) عن المسلم المؤمن، فوصفه بأن: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ـ فهو لا يسيء إلى المسلمين بالكلام الذي لا يرضاه الله سبحانه وتعالى، ولا يعتدي على الآخرين أو يظلمهم ـ المؤمن من ائتمنه الناس على أموالهم وأنفسهم ـ فالمؤمن لا يخون الناس في أنفسهم وأموالهم، ولا يعتدي على أعراضهم وأهلهم ـ والمسلم حرام على المسلم أن يظلمه ـ بل لا بد من أن يكون عادلاً مع كل مسلم ومسلمة ـ أو يخذله ـ عندما يحتاج الآخر إلى نصرته ـ أو يدفعه دفعةً تعنّته"، أي يدفعه دفعة قوية توقعه في المشقة أو الهلاك.

وأيضاً جاء عن الصادق(ع) في حديثه عن سلوك المؤمن: "المؤمن من طاب مكسبه ـ فإذا ابتغى كسب المال، فإنه لا بد من أن يكون من حلال ـ وحسنت خليقته ـ أي كان حسن الأخلاق ـ وصحّت سريرته ـ كانت سريرته صحيحةً، فلا يحمل على مؤمن إلا بما يحبه الله ويرضاه ـ وأنفق الفضل من ماله ـ {وفي أموالهم حق للسائل والمحروم} (الذاريات:19) ـ وأمسك الفضل من كلامه"، فلم يتكلم إلا بما يعنيه ويحتاج إليه.

عنوان المؤمن

وعن الصادق(ع): "من عامل الناس فلم يظلمهم ـ كان عادلاً معهم ـ وحدّثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، كان ممن حرمت غيبته، وكملت مروّته، وظهر عدله، ووجبت أخوته".

وعن الإمام الباقر(ع): "المؤمن أصلب من الجبل؛ الجبل يستقلُّ منه ـ يمكن أن يهدَّم الجبل بالمعاول ـ والمؤمن لا يستقل من دينه شيء"، فإنه يبقى ثابتاً صلباً، لا يمكن أن يضعف دينه أحد.

وفي حديث آخر عن الإمام الصادق(ع): "المؤمن حسن المعونة ـ يعين الناس في كل ما يحتاجون إليه ـ خفيف المؤونة ـ لا يثقل على أحد ـ جيد التدبير لمعيشته ـ فلا يغلبه أحد أو يخدعه ـ لا يلدغ من جحر مرتين"، فإذا ابتلي بتجربة صعبة، فإنه لا يكررها.

هذه ـ أيها الأحبة ـ هي بعض صفات الإنسان المؤمن المسلم السائر في خط أهل البيت(ع)، وعلينا أن نقتدي بسيرة أهل البيت(ع)، لأنّ فيها صلاح أمرنا في دنيانا وآخرتنا.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله... اتقوا الله، وواجهوا الموقف بكل قوة، كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، فماذا هناك؟

الإدارة الأمريكية: تزاوج عدواني مع الدولة العبرية

في الحركة الأمريكية في المنطقة، تقوم الإدارة الأمريكية بمزيد من التنسيق الأمني والسياسي والعسكري مع إسرائيل، بهدف التخفيف عن كيان العدوّ بعد الإحراج الذي تسبّب به التقرير الأخير للاستخبارات المركزيّة الأمريكية حول الملفّ النووي الإيراني، والذي يؤكّد طابعه السلمي وعدم وجود أيّ خطّة إيرانية لصنع القنبلة النووية في المدى المنظور.

ولعلّ زيارة رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة إلى كيان العدوّ، كانت من أجل تطمين قادته إلى أنّ الإدارة الأمريكية لن تتخلّى عن تفوّق إسرائيل النوعي على كلّ دول المنطقة، لأنّ هناك استراتيجيّة في التعاون وصلت إلى مستوى التكامل والتداخل بين إسرائيل وأمريكا، وتمثّلت بشكل خاص بالتنسيق المشترك لمخطّط احتلال العراق، ما أدّى إلى اهتزاز استقرار المنطقة كلّها، فضلاً عن العراق نفسه الذي تحوّل إلى ساحة فوضى وقتل ومجازر متنقّلة، إضافةً إلى الدعم القويّ المتحرّك الذي قدّمته أمريكا لإسرائيل في عدوانها على لبنان العامَ الماضي.

إنّنا نجد أنّ مشكلة المنطقة ليست في إيران، بل هي في إسرائيل التي تملك أكبر ترسانة نوويّة تهدّد بها المنطقة، وأعتى أنواع الأسلحة التي تحرّكها في عدوانها المتنقّل، والمشكلة هي في أمريكا التي تنشر أساطيلها في البحر للتهديد بالحرب ضدّ إيران، وتشجّع الدول العربيّة على تعقيد علاقاتها الأمنيّة والاقتصاديّة والسياسيّة معها، في الوقت الذي نرى الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانية تتقدّم إلى العرب في المنطقة كلّها، من أجل إيجاد تعاون اقتصادي أمني يحمي الواقع العربي، وخصوصاً الخليجي.

إنّ المشكلة هي هذا التزاوج العدواني بين الدولة العبريّة وأمريكا؛ الأمر الذي جعل الإدارة الأمريكية تتحرّك في خداعٍ سياسي في الواقع الفلسطيني، حتّى إن الحديث عن الدولة الفلسطينية أصبح حديثاً استهلاكيّاً لا ينفتح على أيّة خطّة للتنفيذ بالرغم من مرور السنين على تكراره. من ناحية أخرى، يشكّل الحديث الأمريكي عن إسرائيل كوطن قومي لليهود، غطاءً يُمكن أن يؤدّي إلى تهجير البقيّة الباقية من الشعب الفلسطيني، وإلى التنكّر لحقّ العودة للمُبعدين من أرضهم بغير حقّ، وإلى تشجيع اليهود للقدوم إلى فلسطين من سائر أنحاء العالم.

اجتياح غزة: غطاء دولي وصمت عربي

ومع كلّ ذلك، يتحرّك الغطاء الدولي ليمنح الجيش الإسرائيلي مزيداً من حرّية القصف والقتل والتدمير للمدنيّين في غزّة، والاجتياح والاعتقال للشباب الفلسطيني في الضفّة الغربيّة، إضافةً إلى استمرار الحصار الاقتصادي غير الإنساني للمستضعفين في غزّة، والتوسّع في تهويد القدس ببناء المستوطنات في مناطقها القديمة، من دون أن نجد أيّ ردّ فعلٍ عربيّ أو أوروبي أو أيّ ضغطٍ أمريكي، بل مجرّد تصريحات أمريكيّة على لسان وزيرة الخارجيّة الأمريكية لا تتخطى الحديث عن أنّ ذلك يؤدّي إلى انعدام الثقة التي حاول مؤتمر أنابوليس أن يبنيها.

إنّنا نشعر أن صمت العالمين العربي والإسلامي أمام نزيف الدم الفلسطيني اليومي، وعدم القيام بأيّ مبادرة لوقف التدهور الحاصل في العلاقات الفلسطينية ـ الفلسطينية الذي انعكس دماراً سياسيّاً واقتصاديّاً ومعيشيّاً، يمثّل جريمة كبيرة في حقّ الشعب الفلسطيني كلّه والقضيّة كلّها.

لبنان: فشل في الرؤية الاستراتيجية

أمّا لبنان، فإنّ شعبه يعاني في كثير من مناطقه من البرد الشديد الذي يفتك بالجميع، بعد الغلاء الذي يزداد يوماً بعد يوم، ولاسيّما في المحروقات، ما تعجز عنه الطبقة المتوسّطة فضلاً عن الفقيرة. هذا، إلى جانب التقنين في الكهرباء الذي وصل إلى الحد الذي جعل وجود الكهرباء كعدمها؛ الأمر الذي أساء إلى كل الأوضاع المدنيّة في حاجات الناس، وفي أوضاعهم الغذائيّة وأمورهم الحياتيّة.

ولا ندري كيف يمكن أن تحترم أيّة حكومة، دستوريّة أو غير دستوريّة، نفسها عندما تحاصر شعبها بمثل هذا الوضع الذي يدمّر الحياة كلّها في القضايا الحيويّة التي تتحوّل إلى صراخٍ إنسانيّ لا يملك معها الإنسان أيّ استقرار.

أمّا في المسألة السياسية، فلا تزال الدوّامة الداخليّة تفرض نفسها من خلال استمرار الجدل الدستوري والتجاذب السياسي في ظلّ انعدام الثقة بين الأفرقاء اللبنانيّين... ويبقى الشعب حائراً يحدّق في هذا النـزاع الذي يسبح في التجريد، بعيداً عن الواقعيّة والقيم. وقد أثبتت الطبقة السياسيّة، مع بعض الاستثناءات، أنّها فاشلة في الرؤية الاستراتيجية، وناجحة في تكرار الآراء الجامدة والمناورات التكتيكيّة من دون الاهتمام بواقع الشعب ومستقبل البلد.

وتعود التعقيدات الداخليّة إلى ذروتها، مع تجدّد التفجيرات التي أعادت اللبنانيّين إلى حال الخوف والحذر من تردّي الأوضاع الأمنيّة التي قد تفتح آفاق الاغتيالات لإرباك الواقع اللبناني السياسي والأمني.

إنّنا نناشد الجميع أن يرحموا هذا البلد الصغير الذي لا يزال يعيش المعاناة الصعبة على الصعيد المحلّي، أو في حركة التدخّلات الدولية والإقليميّة التي تمنعه من الاستقرار، وتزيد في مشاكله الحياتيّة والأمنيّة والسياسيّة، ونؤكّد أن يكون كلّ لبنانيّ خفيراً يُراقب كلّ الحركات المشبوهة التي قد تخفي حالات الإجرام؛ لأنّه يبدو أن قدر هذا الشعب أن يقلّع شوكه بأظافره.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية