الإسلام مسؤوليّتنا جميعاً في خطّ الزمن...

الإسلام مسؤوليّتنا جميعاً في خطّ الزمن...

مع إطلالة ذكرى المبعث النبوي والإسراء والمعراج:
الإسلام مسؤوليّتنا جميعاً في خطّ الزمن...


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته:

النبيّ الأميّ يملأ الحياة علماً:

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}(الجمعة/2)، ويقول سبحانه وتعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}(الإسراء/1).

في اليوم السابع والعشرين من شهر رجب، نلتقي بمناسبتين إسلاميتين كبيرتين، وهما المبعث النبويّ الشريف، وذكرى الإسراء والمعراج، فقد أرسل الله رسوله بالرسالة، وأراد له أن يبلِّغ ما أنزله عليه من وحيه: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}(المائدة/67)، {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا}(الأحزاب/45ـ46)، {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ}(الصَّف/9).

ونحن، في مثل هذه المناسبات، نستذكر السيرة المجيدة لرسول الله(ص) الذي أعدَّه الله طيلة الأربعين سنة ليكون الإنسان المتميّز بكلِّ الكمالات العلمية والروحية والأخلاقية، بعد أن صاغه الله على عينه كما صاغ رسله من قبل، ليكمل عقله، وليفتح قلبه، ولتكون حياته الحياة المعصومة، ولتكون مكانته الأعلى والأفضل والأقوى في طاعة الله وموقع القرب منه.

وقد كان النبي(ص) قبل أن يبعث بالرسالة، أمّياً لم يقرأ كتاباً ولم يكن يكتب أيضاً، كما قال الله سبحانه وتعالى عنه: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ المُبْطِلُونَ}(العنكبوت/48). وهنا تميَّز رسول الله عن كلِّ الناس، بأنه كان الأعلم من دون أن يقرأ ويكتب، لأن الله هو الَّذي علَّمه وألهمه وأعطاه عقلاً ينفتح به على حقائق الكون وأسرار غيبه، ولم تكن عدم ممارسته للقراءة والكتابة نقصاً فيه، وإنما كمالاً، لأنها لم تعبِّر عن جهل، وإنما عبّرت، بعناية الله له، عن شخصية متكاملة في كلِّ جوانب المعرفة والثقافة، وقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يرسل النبيّ الأميّ، ليقول للناس إنّ هذا النبيّ هو الذي سيملأ الحياة علماً، ويعطي الإنسان من علمه ما يغتني به، وهذا دليل على أنه رسول من الله، وإلا فمن أين جاء بهذا العلم. وفي هذا المجال، يخبرنا عليّ(ع) أن الله سبحانه وكل به عظيماً من ملائكته، يلقي إليه في كلِّ يوم علماً، وهكذا أنزل عليه القرآن ليثبت به فؤاده، وليفتح به عقله، وليحلّ له كلَّ المشاكل التي كانت تعترضه وتعترض المسلمين معه.

الهجرة تمهِّد لتأسيس الدولة:

ثم إنّ الرسول(ص) انطلق بالدعوة إلى الله في مجتمع يغلب عليه الشرك وعبادة الأوثان، فكان إنسان الحوار الذي لم يعنف مع قومه، ولم يتخذ الأسلوب القاسي معهم، بل كان يصبر على كلِّ سلبياتهم، وكان يحاورهم بالكلمة الطيبة والأسلوب الأحسن، ولكنّهم كانوا يزدادون غروراً وعداوةً، وما استطاعوا أن يناقشوه في ما كان يعرض عليهم من حقائق التوحيد وحقائق الحياة، في ما أراد الله للإنسان من تنظيم حياته، بل بادروا إلى العنف، فاضطهدوا أصحابه وعائلته وحاصروهم وقاطعوهم، وعملوا على التخلّص منه {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ}(الأنفال/30). ولكن الله أنقذه في ليلة الهجرة إلى المدينة، حيث غطّى انسحابه بمبيت علي(ع) في فراشه، حتى يوهم المشركين بأنّه لا يزال في مكّة، فيتوقّفوا عن ملاحقته، وقال له علي(ع): «أوتسلم يا رسول الله؟ قال بلى». فأنزل الله في علي(ع): {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالعِبَادِ}(البقرة/207)، فقد باع عليٌّ نفسه لله، لأنّه كان لله في حربه وسلمه وصبره وانفتاحه على كلِّ ما فيه مصلحة الإسلام والمسلمين.

وهكذا بدأ النبي(ص) تنظيم المجتمع عندما حلَّ بالمدينة، فبنى المسجد الذي أراد للمسلمين أن يلتقوا فيه بعيداً عن عصبياتهم وعائلياتهم، وعقد معاهدةً في مجتمع المدينة بين الأنصار أنفسهم والمهاجرين معه، وبين اليهود الذين كانوا يسكنون في المدينة، وهكذا أسَّس النبيّ(ص) الدولة الإسلامية الأولى، وملأ ما تحتاجه من مبادئ وتشريعات لبناء حياة إسلامية متكاملة.

وفي المقابل، وقف المشركون ليعطّلوا حركته، ففرضوا عليه الحروب في بدر وأحد والأحزاب وخيبر وحنين، ولكن الله سبحانه وتعالى نصر نبيّه، وامتدت دعوته، وأصبحت هناك قوة جديدة دخلت شبه الجزيرة العربية، وهي قوة الإسلام، وأنزل الله سبحانه بعد فتح مكة: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا *فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}(سورة النَّصر).

وصايا الرّسول(ص) للمسلمين:

وأدّى الرّسول(ص) رسالته، وعلَّم الناس ما يأخذون به وما يدعونه، ومن ثم وقف فيهم في منى في حجة الوداع وقال لهم: «أيّ يوم أعظم حرمة؟ قالوا: هذا اليوم، قال: فأيّ شهر أعظم حرمة؟ قالوا: هذا الشّهر، قال: فأيّ بلد أعظم حرمةً؟ قالوا: هذا البلد، قال: فإنّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا إلى يوم تلقونه... لا يحلّ دم امرىء مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفسه، ولا تظلموا أنفسكم ولا ترجعوا بعدي كفّاراً...». وقد ورد عنه أن المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه.

وبعد ذلك، ختم الرّسول(ص) مسيرته في يوم الغدير، عندما جمع الناس بعد رجوعه من حجّة الوداع، وكان الوقت وقت الظهيرة في حرٍّ شديد، ونصب له منبراً من أحداج الإبل، ودعا علياً وأخذ بيده ورفعه حتى بان بياض إبطيهما للناس، وقال: «ألست أولى بالمسلمين من أنفسهم؟ قالوا: اللهم بلى، قال: فمن كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه، اللهمَّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحقَّ معه حيثما دار»، وكان يوم الغدير يوم الولاية.

عليٌّ(ع) يتحمَّل المسؤوليَّة:

ورحل النبيّ(ص) للقاء ربه، وابتعد الناس عن الولاية، ولكنَّ علياً(ع) تحمَّل مسؤوليته في حماية الإسلام ورعايته، فحتى وهو خارج الخلافة، أعطى الذين تقدّموه الرأي والنصح والمشورة، وحافظ على وحدة المسلمين، لأنه رأى أن أعداء الإسلام آنذاك من الفرس والرومان، إلى جانب المنافقين، كانوا يخطّطون للقضاء على الإسلام كلّه، وكان ردُّ عليٍّ(ع) في كلمته الخالدة: «لأسلمنَّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلا عليَّ خاصة».

وهكذا انطلق الإسلام وامتدَّ ومرَّ بمشاكل كثيرة... ونحن في هذه المرحلة، وفي ذكرى المبعث النبوي، وهي ذكرى ولادة الإسلام، يجب علينا أن نشعر بأنَّ الله جعل الإسلام أمانة في أعناقنا وحمَّلنا مسؤوليّته {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ}(آل عمران/144).

الإسلام مسؤوليّتنا جميعاً:

وانطلاقاً من هذه الآيات، فإننا مسؤولون عن الرِّسالة الإسلامية لنلتزمها في عقولنا وقلوبنا، ونحركها في حياتنا، وأن نكون الدُّعاة إلى الله في العالم كلِّه. ومسؤولية كل المسلمين، من العلماء والمثقفين والمفكرين، وكلّ من يعرف آيةً أو حكماً شرعياً، أن يبلِّغ ذلك للناس {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللهَ}(الأحزاب/39)، فنحن مسؤولون عن نشر الإسلام في العالم، لأن الله أراد لنا ذلك: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا}(الفتح/28).

إنّنا مسؤولون جميعاً، في المغتربات، وفي بلداننا، مع عوائلنا ومع أصدقائنا، أن نبلِّغ جميع النّاس الإسلام، والله سبحانه قال لرسوله: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}(طه/132)، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}(التحريم/6).

مسؤوليّتنا أن نعطي للإسلام من قوّتنا قوّةً، ومن عزّتنا عزةً، وأن تكون إرادتنا قويةً وصلبةً حتى تكسر إرادة المستكبرين والظالمين... «كلُّكم راعٍ وكل راعٍ مسؤولٌ عن رعيّته». لا مجال للحياد، فليس العلماء والمثقفون وحدهم هم المسؤولين، بل إنّ كل واحد منّا مسؤول بحسب طاقته، {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}(البقرة/286).

حتى إن العلماء لا يجوز لهم أن يجلسوا في بيوتهم وينعزلوا عن حركة الدّعوة والصراع، فرسول الله(ص) يقول: «إذا ظهرت البدع في أمّتي، فليظهر العالم علمه، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله»، «إن الله ما أخذ على الجهَّال أن يتعلَّموا حتى أخذ على العلماء أن يعلِّموا».

إيحاءات الذكرى وآفاق المستقبل:

في هذه الذكرى، نستحضر تكريم الله لرسوله بالإسراء والمعراج {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا}(الإسراء/1)، وقيل إن الله جمعه بكل الأنبياء، وصلَّى بهم، وقيل في السيرة أيضاً إن لله عرج به إلى السماء ليعرِّفه ملكوتها، ولذلك أيها الأحبة، عندما نتذكَّر رسول الله والمبعث والإسراء والمعراج، ونتذكر كلَّ الامتداد الإسلامي في العالم، في كلِّ ما واجه المسلمين، فإنّ علينا أن نعتبر أنفسنا كأنصار رسول الله(ص) وصحابته: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ}{الفتح/29}.

هذه هي إيحاءات الذكرى التي نلتقي بها، فهي ليست قضية احتفالية، بل مسؤولية رسالية، بأن نقدِّم الإسلام خطوةً إلى الأمام، ولا سيما أن المسلمين بلغوا في العالم ما يقارب المليار والنصف، وأن نعمل بكل جهدنا الثقافي والسياسي والعسكري والاقتصادي لأن نملك قيادة العالم، لأن الله يريدنا أن نكون قادة العالم. {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمُؤْمِنُونَ}(التوبة/105).


 

الخطبة الثانية

بسم الله الرَّحمن الرحيم

عباد الله... اتقوا الله، وكونوا كما أراد سبحانه وتعالى أمةً واحدة كالبنيان المرصوص يشدُّ بعضه بعضاً، وأخوةً كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر، فماذا هناك؟

تأجيج الصراعات اللّبنانية:

في المشهد الأمريكيّ، صرَّح الرئيس الأميركي، جورج بوش، بأنَّ المسألة السياسية في لبنان تدخل في دائرة الأمن القومي الأمريكي، بحيث تمثل المعارضة خطراً على هذا الأمن لمجرد معارضتها للحكومة. ونحن لا نريد الدخول في مناقشة حول المفردات المختلف عليها بين السلطة والمعارضة، ولكن هذا التصريح يحمل سلبيتين خطرتين:

الأولى أنه يتناقض مع الديمقراطية السياسية التي تؤكد أن من حقِّ أيِّ شعب أن يعارض حكومته بالوسائل السلمية، حتّى لو أدّى ذلك إلى تهديد استقرارها أو إسقاطها، وهو يحدث في أكثر من بلد، بما في ذلك البلدان التي تؤيِّد فيها الإدارة الأمريكية المعارضة السياسية، كما في أمريكا اللاتينية وغيرها، وبذلك يسيء بوش إلى المنهج الديمقراطي الذي تؤمن به الولايات المتحدة وتدعو دول الشرق الأوسط إلى الأخذ به في مشروع الشرق الأوسط الجديد.

الثانية: إن هذا التصريح يجعل لبنان ساحةً من ساحات الصراع المتوتر بين أمريكا والدول المعارضة لسياستها في المنطقة وغيرها، تماماً كما هو الحال في التزامها المطلق بالأمن الإسرائيلي، واعتباره من الأمن القومي الأمريكي، الأمر الذي جعل أمريكا تشارك في كلِّ حروب إسرائيل العدوانية منذ تأسيسها ضد أكثر من دولة في المنطقة، ولا سيما لبنان ومصر وسوريا وغيرها، فهي شريكة في قصف المدنيين اللّبنانيين وتدمير البنية التحتية بالقنابل الذكية والقنابل العنقودية التي لا تزال تترك تأثيرها على حياة القرويين والفلاحين. ومن جهة أخرى، فإن هذا الأمر يؤدي إلى المزيد من التوتر بين اللّبنانيين، المنقسمين أصلاً بين الذين يؤيّدون سياسة أمريكا تحت عنوان تأييد المجتمع الدولي الذي تسيطر عليه في مجلس الأمن، والذين يعارضون هذه السياسة، إلى جانب التعقيدات التي تصنعها الإدارة الأمريكية من خلال موفديها ومسؤوليها في إثارة المشاكل السياسية التي تمنع أيّ حلٍّ واقعي أو حواري يجمع المواطنين على الوحدة الوطنية.

أمريكا تحرض على إيران:

ومن جهة أخرى، فقد حمل إلينا الإعلام في زيارة الرئيس الأفغاني، حميد قرضاي، إلى أمريكا، تأكيده للرئيس الأمريكي أن إيران دولة تقدم مساعدةً وحلولاً لأفغانستان أكثر مما تشكِّل تهديداً لها، موضحاً أن أفغانستان تقيم علاقات وثيقة جداً وجيّدة للغاية مع طهران. ولكن الرئيس بوش أعرب عن عدم موافقته على هذا الأمر، وقال سأكون حذراً جداً حول ما إذا كان التأثير الإيراني في أفغانستان إيجابياً أم لا، فالرئيس الأميركي لا يريد أن يسمع الحديث عن أية إيجابية للعلاقات الطبيعية لإيران مع جيرانها، حتى من الرئيس الحليف لأمريكا. ذلك أن أمريكا تعمل على تخويف المنطقة المجاورة لإيران مما تسميه "الخطر الإيراني"، والرئيس بوش غير معني بالخطر على تلك الدول من السياسة الأمريكية الضاغطة على شعوب الدول المستضعفة، كما في العراق وأفغانستان، ولذلك فقد جدَّد القول إن إيران مصدرٌ لزعزعة استقرار المنطقة، وإن عليها أن تتخلى عن طموحاتها المتعلّقة بالسلاح النووي الذي أعلنت إيران أنها لا تسعى للحصول عليه.

إن الجميع يعرف أن هناك استقراراً أمنياً لا مثيل له في علاقة إيران بدول الجوار، بما فيها دول الخليج، الّتي تحاول إيران تأكيد أسس الاستقرار الأمنية والاقتصادية والسياسية معها، حتى إنها طرحت معاهدة الحماية المشتركة للخليج، ولكن السياسة الأمريكية تحاول إيجاد المشاكل في منطقة الخليج ضد إيران، انطلاقاً من مصالحها الاستراتيجية لا من مصالح دول الخليج، وهذا أمر تعرفه تلك الدول وتخشى منه، ولكنَّ الضغط الأمريكي يأخذ مأخذه منها.

ومع ذلك، فإنَّ أمريكا اضطرَّت إلى الدُّخول في مفاوضات مع إيران حول مسألة الأمن في العراق، والمقصود به أمن الاحتلال الأمريكي الذي بدأ يتساقط بفعل مقاومة الشعب العراقي الذي دمَّر الاحتلال وعملاؤه كل أوضاعه السياسية والأمنية والاقتصادية، وحوّل الأمور في داخله إلى حال من الفوضى الدامية التي يستفيد منها التكفيريون الّذين تدعمهم أمريكا في شكل غير مباشر، بحيث بات العراقيون يستقبلون في كلِّ يوم المزيد من الضحايا من القتلى والجرحى من المدنيين. كما أن أمريكا تواصل أيضاً استثارة الفتن المذهبية التي تزيد النار اشتعالاً وتنتهي بالوضع إلى متاهات خطيرة.

شعارات التسوية وقضم الأرض:

وفي المشهد الفلسطيني، كانت زيارة رئيس الكيان الصهيوني إلى رئيس السلطة الفلسطينية تأخذ بعدها الإعلامي، والذي يستفيد منه أولمرت دولياً، ولا سيما لإعطاء الرئيس الأمريكي جرعةً سياسيةً بأنه استطاع إحداث تقدم في الوصول إلى الدولة الفلسطينية، في الوقت الذي يعرف الجميع، أن اللقاء كان بين رئيس دولة احتلال ورئيس كيان يخضع له، وليس بين طرفين متكافئين. وقد تحدث الإعلام أن أولمرت أراد أن يبلغ العالم عبر الرئيس الفلسطيني، أنه يأمل أن تبدأ قريباً المحادثات من أجل إقامة الدولة الفلسطينية، فكلَّما كانت الدولة هذه أبعد كلما صار في وسع أولمرت أن يتحدث عنها بصراحة، وقد تحدث بعض مسؤولي الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، أنّ سلطة عباس في الضفة تقوم على الإسناد الإسرائيلي.

ونلاحظ أن رئيس السلطة الفلسطينية لم يحصل على أيّ مطلب من مطالبه ولو الجزئية، والمتمثلة في إطلاق سراح عدد من الأسرى، وتوسيع الأذونات للتجار، والإفراج عن مبعدي كنيسة المهد، والجدول الزمني لإزالة الحواجز العسكرية التي تقطع أوصال الضفة وما شابه. وفي خفايا الحديث، جرى التأكيد على العودة إلى التنسيق الأمني وتبادل المعلومات بين الطرفين، ولا سيما بما يتعلق بحركة حماس وبالمقاومة، من أجل حماية الأمن الإسرائيلي. وفي ضوء ذلك، فإنه لا ثمار سياسية من وراء هذه الاجتماعات بين أولمرت وعباس التي تستهدف التغطية على السياسية الأمريكية التي تقوم على تحشيد المنطقة العربية وتهدئة الملف الفلسطيني، وذلك لصالح شن حروب أو معارك جديدة على دول إسلامية وعربية في المنطقة.

وهذا مما نريد للشعب الفلسطيني أن يفهم خلفياته بما يرتبط بقضيته الكبرى التي يراد العمل على تطويقها وتحجيمها دولياً وعربياً، ليقبل الفلسطينيون بأقل قدر ممكن من الأرض، وببقايا دولة لا امتداد لها في حركة الحياة والسيادة والاستقلال. وذلك عندما تتطاير الشعارات التي يطلقها البعض من المسؤولين، فلا يبقى للقدس معنى، وتخضع المستوطنات لعملية تبادل في أمكنة أخرى، وتحلّ مشكلة اللاجئين بما يمنعهم من العودة إلى بيوتهم وأراضيهم، أما القدس، فإن إسرائيل ـ ومعها أمريكا ـ لن تتخلى لهم عن شبر منها، وكل فلسطين وأنتم بخير.

إنّنا نهيب بالشعوب العربية والإسلامية التي ترتبط المسألة الفلسطينية بأصالتها الدينية والقومية، أن تبقى في الساحة في حركة سياسية دائمة، وفي دعم مستمر للشعب الفلسطيني، لتمنع المؤامرة الدولية والعربية على هذه القضية المقدَّسة.

زعامات تختزل الوطن:

أما لبنان، فقد جرت الانتخابات الفرعيَّة في مناخ سياسي وأسلوب انتخابي استطاع أن يدلِّل على الذهنية الطائفية التي تؤكِّد زعامة هذا الشخص أو ذاك الشخص لطائفته، وعلى الجدل الدائر الذي يؤكِّد هذا الفريق أن انتخاب ممثله كان بأصوات طائفته، بينما كان انتخاب الفريق الآخر بأصوات طائفة أخرى، مع هجوم على بعض الطوائف بطريقة مهينة تنكر على هذه الطائفة حقها في اتخاذ الموقف السياسي الذي يتناسب مع قناعاتها أو قناعات بعض أحزابها، كما لو كانوا مواطنين من الدرجة الثانية أمام الطائفة العليا التي لا بدَّ لبقية الطوائف من أن تخضع لها أو تراعي أوضاعها، ولا سيما أنَّ قضية الاستحقاق الرئاسي لا تنفتح على إرادة الشعب اللبناني بجميع طوائفه وفئاته، بل يراد لها أن تقتصر على إرادة الرئيس القادم.

وقد يكون الدرس الذي يأخذه اللبنانيون من هذه المعركة، أن لبنان بات من خلال هذه الذهنيات لا يمثل شعبه ومواطنيه، بل يمثل زعامةً هنا وزعامةً هناك، وعائلةً هنا وعائلةً هناك، بحيث يختصر عدة أشخاص أو بضعة عوائل الطوائف كلَّها التي أريد لها أن تتحرك عصبياتها لمصلحة زعاماتها لا لمصلحة وطنها... ويحدّثونك بعد ذلك عن قانون انتخاب عادل، ويتحدثون في خطوطه أنه لا بد لكلِّ نائب من أن تنتخبه طائفته، وأنّه لا يجوز أن تنتخبه طوائف أخرى، ولا بد لكل رئيس من أن تقبله طائفته أو زعماء هذه الطائفة، لا أن يقبله الشعب اللبناني كله... ثم يحدّثونك عن لبنان الواحد وعن لبنان السيد الحر المستقل الذي تتلاعب بمقدّراته وقراراته أكثر من دولة في المنطقة أو في العالم، وفي ظل ذلك كلّه، يستمر التوجيه الخطير لجعل الهتافات تنطلق من الحناجر الطائفية ومن التوجيهات الشخصانية والزعاماتية... ويقف الجميع لينشدوا النشيد الوطني الذي لا يُسمح له أن يتحرك في الواقع، بل يبقى في موسيقى الألحان، فلا يدخل الوجدان ولا العمق الإنساني في لبنان.

مع إطلالة ذكرى المبعث النبوي والإسراء والمعراج:
الإسلام مسؤوليّتنا جميعاً في خطّ الزمن...


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته:

النبيّ الأميّ يملأ الحياة علماً:

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}(الجمعة/2)، ويقول سبحانه وتعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}(الإسراء/1).

في اليوم السابع والعشرين من شهر رجب، نلتقي بمناسبتين إسلاميتين كبيرتين، وهما المبعث النبويّ الشريف، وذكرى الإسراء والمعراج، فقد أرسل الله رسوله بالرسالة، وأراد له أن يبلِّغ ما أنزله عليه من وحيه: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}(المائدة/67)، {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا}(الأحزاب/45ـ46)، {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ}(الصَّف/9).

ونحن، في مثل هذه المناسبات، نستذكر السيرة المجيدة لرسول الله(ص) الذي أعدَّه الله طيلة الأربعين سنة ليكون الإنسان المتميّز بكلِّ الكمالات العلمية والروحية والأخلاقية، بعد أن صاغه الله على عينه كما صاغ رسله من قبل، ليكمل عقله، وليفتح قلبه، ولتكون حياته الحياة المعصومة، ولتكون مكانته الأعلى والأفضل والأقوى في طاعة الله وموقع القرب منه.

وقد كان النبي(ص) قبل أن يبعث بالرسالة، أمّياً لم يقرأ كتاباً ولم يكن يكتب أيضاً، كما قال الله سبحانه وتعالى عنه: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ المُبْطِلُونَ}(العنكبوت/48). وهنا تميَّز رسول الله عن كلِّ الناس، بأنه كان الأعلم من دون أن يقرأ ويكتب، لأن الله هو الَّذي علَّمه وألهمه وأعطاه عقلاً ينفتح به على حقائق الكون وأسرار غيبه، ولم تكن عدم ممارسته للقراءة والكتابة نقصاً فيه، وإنما كمالاً، لأنها لم تعبِّر عن جهل، وإنما عبّرت، بعناية الله له، عن شخصية متكاملة في كلِّ جوانب المعرفة والثقافة، وقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يرسل النبيّ الأميّ، ليقول للناس إنّ هذا النبيّ هو الذي سيملأ الحياة علماً، ويعطي الإنسان من علمه ما يغتني به، وهذا دليل على أنه رسول من الله، وإلا فمن أين جاء بهذا العلم. وفي هذا المجال، يخبرنا عليّ(ع) أن الله سبحانه وكل به عظيماً من ملائكته، يلقي إليه في كلِّ يوم علماً، وهكذا أنزل عليه القرآن ليثبت به فؤاده، وليفتح به عقله، وليحلّ له كلَّ المشاكل التي كانت تعترضه وتعترض المسلمين معه.

الهجرة تمهِّد لتأسيس الدولة:

ثم إنّ الرسول(ص) انطلق بالدعوة إلى الله في مجتمع يغلب عليه الشرك وعبادة الأوثان، فكان إنسان الحوار الذي لم يعنف مع قومه، ولم يتخذ الأسلوب القاسي معهم، بل كان يصبر على كلِّ سلبياتهم، وكان يحاورهم بالكلمة الطيبة والأسلوب الأحسن، ولكنّهم كانوا يزدادون غروراً وعداوةً، وما استطاعوا أن يناقشوه في ما كان يعرض عليهم من حقائق التوحيد وحقائق الحياة، في ما أراد الله للإنسان من تنظيم حياته، بل بادروا إلى العنف، فاضطهدوا أصحابه وعائلته وحاصروهم وقاطعوهم، وعملوا على التخلّص منه {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ}(الأنفال/30). ولكن الله أنقذه في ليلة الهجرة إلى المدينة، حيث غطّى انسحابه بمبيت علي(ع) في فراشه، حتى يوهم المشركين بأنّه لا يزال في مكّة، فيتوقّفوا عن ملاحقته، وقال له علي(ع): «أوتسلم يا رسول الله؟ قال بلى». فأنزل الله في علي(ع): {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالعِبَادِ}(البقرة/207)، فقد باع عليٌّ نفسه لله، لأنّه كان لله في حربه وسلمه وصبره وانفتاحه على كلِّ ما فيه مصلحة الإسلام والمسلمين.

وهكذا بدأ النبي(ص) تنظيم المجتمع عندما حلَّ بالمدينة، فبنى المسجد الذي أراد للمسلمين أن يلتقوا فيه بعيداً عن عصبياتهم وعائلياتهم، وعقد معاهدةً في مجتمع المدينة بين الأنصار أنفسهم والمهاجرين معه، وبين اليهود الذين كانوا يسكنون في المدينة، وهكذا أسَّس النبيّ(ص) الدولة الإسلامية الأولى، وملأ ما تحتاجه من مبادئ وتشريعات لبناء حياة إسلامية متكاملة.

وفي المقابل، وقف المشركون ليعطّلوا حركته، ففرضوا عليه الحروب في بدر وأحد والأحزاب وخيبر وحنين، ولكن الله سبحانه وتعالى نصر نبيّه، وامتدت دعوته، وأصبحت هناك قوة جديدة دخلت شبه الجزيرة العربية، وهي قوة الإسلام، وأنزل الله سبحانه بعد فتح مكة: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا *فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}(سورة النَّصر).

وصايا الرّسول(ص) للمسلمين:

وأدّى الرّسول(ص) رسالته، وعلَّم الناس ما يأخذون به وما يدعونه، ومن ثم وقف فيهم في منى في حجة الوداع وقال لهم: «أيّ يوم أعظم حرمة؟ قالوا: هذا اليوم، قال: فأيّ شهر أعظم حرمة؟ قالوا: هذا الشّهر، قال: فأيّ بلد أعظم حرمةً؟ قالوا: هذا البلد، قال: فإنّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا إلى يوم تلقونه... لا يحلّ دم امرىء مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفسه، ولا تظلموا أنفسكم ولا ترجعوا بعدي كفّاراً...». وقد ورد عنه أن المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه.

وبعد ذلك، ختم الرّسول(ص) مسيرته في يوم الغدير، عندما جمع الناس بعد رجوعه من حجّة الوداع، وكان الوقت وقت الظهيرة في حرٍّ شديد، ونصب له منبراً من أحداج الإبل، ودعا علياً وأخذ بيده ورفعه حتى بان بياض إبطيهما للناس، وقال: «ألست أولى بالمسلمين من أنفسهم؟ قالوا: اللهم بلى، قال: فمن كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه، اللهمَّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحقَّ معه حيثما دار»، وكان يوم الغدير يوم الولاية.

عليٌّ(ع) يتحمَّل المسؤوليَّة:

ورحل النبيّ(ص) للقاء ربه، وابتعد الناس عن الولاية، ولكنَّ علياً(ع) تحمَّل مسؤوليته في حماية الإسلام ورعايته، فحتى وهو خارج الخلافة، أعطى الذين تقدّموه الرأي والنصح والمشورة، وحافظ على وحدة المسلمين، لأنه رأى أن أعداء الإسلام آنذاك من الفرس والرومان، إلى جانب المنافقين، كانوا يخطّطون للقضاء على الإسلام كلّه، وكان ردُّ عليٍّ(ع) في كلمته الخالدة: «لأسلمنَّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلا عليَّ خاصة».

وهكذا انطلق الإسلام وامتدَّ ومرَّ بمشاكل كثيرة... ونحن في هذه المرحلة، وفي ذكرى المبعث النبوي، وهي ذكرى ولادة الإسلام، يجب علينا أن نشعر بأنَّ الله جعل الإسلام أمانة في أعناقنا وحمَّلنا مسؤوليّته {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ}(آل عمران/144).

الإسلام مسؤوليّتنا جميعاً:

وانطلاقاً من هذه الآيات، فإننا مسؤولون عن الرِّسالة الإسلامية لنلتزمها في عقولنا وقلوبنا، ونحركها في حياتنا، وأن نكون الدُّعاة إلى الله في العالم كلِّه. ومسؤولية كل المسلمين، من العلماء والمثقفين والمفكرين، وكلّ من يعرف آيةً أو حكماً شرعياً، أن يبلِّغ ذلك للناس {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللهَ}(الأحزاب/39)، فنحن مسؤولون عن نشر الإسلام في العالم، لأن الله أراد لنا ذلك: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا}(الفتح/28).

إنّنا مسؤولون جميعاً، في المغتربات، وفي بلداننا، مع عوائلنا ومع أصدقائنا، أن نبلِّغ جميع النّاس الإسلام، والله سبحانه قال لرسوله: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}(طه/132)، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}(التحريم/6).

مسؤوليّتنا أن نعطي للإسلام من قوّتنا قوّةً، ومن عزّتنا عزةً، وأن تكون إرادتنا قويةً وصلبةً حتى تكسر إرادة المستكبرين والظالمين... «كلُّكم راعٍ وكل راعٍ مسؤولٌ عن رعيّته». لا مجال للحياد، فليس العلماء والمثقفون وحدهم هم المسؤولين، بل إنّ كل واحد منّا مسؤول بحسب طاقته، {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}(البقرة/286).

حتى إن العلماء لا يجوز لهم أن يجلسوا في بيوتهم وينعزلوا عن حركة الدّعوة والصراع، فرسول الله(ص) يقول: «إذا ظهرت البدع في أمّتي، فليظهر العالم علمه، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله»، «إن الله ما أخذ على الجهَّال أن يتعلَّموا حتى أخذ على العلماء أن يعلِّموا».

إيحاءات الذكرى وآفاق المستقبل:

في هذه الذكرى، نستحضر تكريم الله لرسوله بالإسراء والمعراج {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا}(الإسراء/1)، وقيل إن الله جمعه بكل الأنبياء، وصلَّى بهم، وقيل في السيرة أيضاً إن لله عرج به إلى السماء ليعرِّفه ملكوتها، ولذلك أيها الأحبة، عندما نتذكَّر رسول الله والمبعث والإسراء والمعراج، ونتذكر كلَّ الامتداد الإسلامي في العالم، في كلِّ ما واجه المسلمين، فإنّ علينا أن نعتبر أنفسنا كأنصار رسول الله(ص) وصحابته: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ}{الفتح/29}.

هذه هي إيحاءات الذكرى التي نلتقي بها، فهي ليست قضية احتفالية، بل مسؤولية رسالية، بأن نقدِّم الإسلام خطوةً إلى الأمام، ولا سيما أن المسلمين بلغوا في العالم ما يقارب المليار والنصف، وأن نعمل بكل جهدنا الثقافي والسياسي والعسكري والاقتصادي لأن نملك قيادة العالم، لأن الله يريدنا أن نكون قادة العالم. {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمُؤْمِنُونَ}(التوبة/105).


 

الخطبة الثانية

بسم الله الرَّحمن الرحيم

عباد الله... اتقوا الله، وكونوا كما أراد سبحانه وتعالى أمةً واحدة كالبنيان المرصوص يشدُّ بعضه بعضاً، وأخوةً كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر، فماذا هناك؟

تأجيج الصراعات اللّبنانية:

في المشهد الأمريكيّ، صرَّح الرئيس الأميركي، جورج بوش، بأنَّ المسألة السياسية في لبنان تدخل في دائرة الأمن القومي الأمريكي، بحيث تمثل المعارضة خطراً على هذا الأمن لمجرد معارضتها للحكومة. ونحن لا نريد الدخول في مناقشة حول المفردات المختلف عليها بين السلطة والمعارضة، ولكن هذا التصريح يحمل سلبيتين خطرتين:

الأولى أنه يتناقض مع الديمقراطية السياسية التي تؤكد أن من حقِّ أيِّ شعب أن يعارض حكومته بالوسائل السلمية، حتّى لو أدّى ذلك إلى تهديد استقرارها أو إسقاطها، وهو يحدث في أكثر من بلد، بما في ذلك البلدان التي تؤيِّد فيها الإدارة الأمريكية المعارضة السياسية، كما في أمريكا اللاتينية وغيرها، وبذلك يسيء بوش إلى المنهج الديمقراطي الذي تؤمن به الولايات المتحدة وتدعو دول الشرق الأوسط إلى الأخذ به في مشروع الشرق الأوسط الجديد.

الثانية: إن هذا التصريح يجعل لبنان ساحةً من ساحات الصراع المتوتر بين أمريكا والدول المعارضة لسياستها في المنطقة وغيرها، تماماً كما هو الحال في التزامها المطلق بالأمن الإسرائيلي، واعتباره من الأمن القومي الأمريكي، الأمر الذي جعل أمريكا تشارك في كلِّ حروب إسرائيل العدوانية منذ تأسيسها ضد أكثر من دولة في المنطقة، ولا سيما لبنان ومصر وسوريا وغيرها، فهي شريكة في قصف المدنيين اللّبنانيين وتدمير البنية التحتية بالقنابل الذكية والقنابل العنقودية التي لا تزال تترك تأثيرها على حياة القرويين والفلاحين. ومن جهة أخرى، فإن هذا الأمر يؤدي إلى المزيد من التوتر بين اللّبنانيين، المنقسمين أصلاً بين الذين يؤيّدون سياسة أمريكا تحت عنوان تأييد المجتمع الدولي الذي تسيطر عليه في مجلس الأمن، والذين يعارضون هذه السياسة، إلى جانب التعقيدات التي تصنعها الإدارة الأمريكية من خلال موفديها ومسؤوليها في إثارة المشاكل السياسية التي تمنع أيّ حلٍّ واقعي أو حواري يجمع المواطنين على الوحدة الوطنية.

أمريكا تحرض على إيران:

ومن جهة أخرى، فقد حمل إلينا الإعلام في زيارة الرئيس الأفغاني، حميد قرضاي، إلى أمريكا، تأكيده للرئيس الأمريكي أن إيران دولة تقدم مساعدةً وحلولاً لأفغانستان أكثر مما تشكِّل تهديداً لها، موضحاً أن أفغانستان تقيم علاقات وثيقة جداً وجيّدة للغاية مع طهران. ولكن الرئيس بوش أعرب عن عدم موافقته على هذا الأمر، وقال سأكون حذراً جداً حول ما إذا كان التأثير الإيراني في أفغانستان إيجابياً أم لا، فالرئيس الأميركي لا يريد أن يسمع الحديث عن أية إيجابية للعلاقات الطبيعية لإيران مع جيرانها، حتى من الرئيس الحليف لأمريكا. ذلك أن أمريكا تعمل على تخويف المنطقة المجاورة لإيران مما تسميه "الخطر الإيراني"، والرئيس بوش غير معني بالخطر على تلك الدول من السياسة الأمريكية الضاغطة على شعوب الدول المستضعفة، كما في العراق وأفغانستان، ولذلك فقد جدَّد القول إن إيران مصدرٌ لزعزعة استقرار المنطقة، وإن عليها أن تتخلى عن طموحاتها المتعلّقة بالسلاح النووي الذي أعلنت إيران أنها لا تسعى للحصول عليه.

إن الجميع يعرف أن هناك استقراراً أمنياً لا مثيل له في علاقة إيران بدول الجوار، بما فيها دول الخليج، الّتي تحاول إيران تأكيد أسس الاستقرار الأمنية والاقتصادية والسياسية معها، حتى إنها طرحت معاهدة الحماية المشتركة للخليج، ولكن السياسة الأمريكية تحاول إيجاد المشاكل في منطقة الخليج ضد إيران، انطلاقاً من مصالحها الاستراتيجية لا من مصالح دول الخليج، وهذا أمر تعرفه تلك الدول وتخشى منه، ولكنَّ الضغط الأمريكي يأخذ مأخذه منها.

ومع ذلك، فإنَّ أمريكا اضطرَّت إلى الدُّخول في مفاوضات مع إيران حول مسألة الأمن في العراق، والمقصود به أمن الاحتلال الأمريكي الذي بدأ يتساقط بفعل مقاومة الشعب العراقي الذي دمَّر الاحتلال وعملاؤه كل أوضاعه السياسية والأمنية والاقتصادية، وحوّل الأمور في داخله إلى حال من الفوضى الدامية التي يستفيد منها التكفيريون الّذين تدعمهم أمريكا في شكل غير مباشر، بحيث بات العراقيون يستقبلون في كلِّ يوم المزيد من الضحايا من القتلى والجرحى من المدنيين. كما أن أمريكا تواصل أيضاً استثارة الفتن المذهبية التي تزيد النار اشتعالاً وتنتهي بالوضع إلى متاهات خطيرة.

شعارات التسوية وقضم الأرض:

وفي المشهد الفلسطيني، كانت زيارة رئيس الكيان الصهيوني إلى رئيس السلطة الفلسطينية تأخذ بعدها الإعلامي، والذي يستفيد منه أولمرت دولياً، ولا سيما لإعطاء الرئيس الأمريكي جرعةً سياسيةً بأنه استطاع إحداث تقدم في الوصول إلى الدولة الفلسطينية، في الوقت الذي يعرف الجميع، أن اللقاء كان بين رئيس دولة احتلال ورئيس كيان يخضع له، وليس بين طرفين متكافئين. وقد تحدث الإعلام أن أولمرت أراد أن يبلغ العالم عبر الرئيس الفلسطيني، أنه يأمل أن تبدأ قريباً المحادثات من أجل إقامة الدولة الفلسطينية، فكلَّما كانت الدولة هذه أبعد كلما صار في وسع أولمرت أن يتحدث عنها بصراحة، وقد تحدث بعض مسؤولي الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، أنّ سلطة عباس في الضفة تقوم على الإسناد الإسرائيلي.

ونلاحظ أن رئيس السلطة الفلسطينية لم يحصل على أيّ مطلب من مطالبه ولو الجزئية، والمتمثلة في إطلاق سراح عدد من الأسرى، وتوسيع الأذونات للتجار، والإفراج عن مبعدي كنيسة المهد، والجدول الزمني لإزالة الحواجز العسكرية التي تقطع أوصال الضفة وما شابه. وفي خفايا الحديث، جرى التأكيد على العودة إلى التنسيق الأمني وتبادل المعلومات بين الطرفين، ولا سيما بما يتعلق بحركة حماس وبالمقاومة، من أجل حماية الأمن الإسرائيلي. وفي ضوء ذلك، فإنه لا ثمار سياسية من وراء هذه الاجتماعات بين أولمرت وعباس التي تستهدف التغطية على السياسية الأمريكية التي تقوم على تحشيد المنطقة العربية وتهدئة الملف الفلسطيني، وذلك لصالح شن حروب أو معارك جديدة على دول إسلامية وعربية في المنطقة.

وهذا مما نريد للشعب الفلسطيني أن يفهم خلفياته بما يرتبط بقضيته الكبرى التي يراد العمل على تطويقها وتحجيمها دولياً وعربياً، ليقبل الفلسطينيون بأقل قدر ممكن من الأرض، وببقايا دولة لا امتداد لها في حركة الحياة والسيادة والاستقلال. وذلك عندما تتطاير الشعارات التي يطلقها البعض من المسؤولين، فلا يبقى للقدس معنى، وتخضع المستوطنات لعملية تبادل في أمكنة أخرى، وتحلّ مشكلة اللاجئين بما يمنعهم من العودة إلى بيوتهم وأراضيهم، أما القدس، فإن إسرائيل ـ ومعها أمريكا ـ لن تتخلى لهم عن شبر منها، وكل فلسطين وأنتم بخير.

إنّنا نهيب بالشعوب العربية والإسلامية التي ترتبط المسألة الفلسطينية بأصالتها الدينية والقومية، أن تبقى في الساحة في حركة سياسية دائمة، وفي دعم مستمر للشعب الفلسطيني، لتمنع المؤامرة الدولية والعربية على هذه القضية المقدَّسة.

زعامات تختزل الوطن:

أما لبنان، فقد جرت الانتخابات الفرعيَّة في مناخ سياسي وأسلوب انتخابي استطاع أن يدلِّل على الذهنية الطائفية التي تؤكِّد زعامة هذا الشخص أو ذاك الشخص لطائفته، وعلى الجدل الدائر الذي يؤكِّد هذا الفريق أن انتخاب ممثله كان بأصوات طائفته، بينما كان انتخاب الفريق الآخر بأصوات طائفة أخرى، مع هجوم على بعض الطوائف بطريقة مهينة تنكر على هذه الطائفة حقها في اتخاذ الموقف السياسي الذي يتناسب مع قناعاتها أو قناعات بعض أحزابها، كما لو كانوا مواطنين من الدرجة الثانية أمام الطائفة العليا التي لا بدَّ لبقية الطوائف من أن تخضع لها أو تراعي أوضاعها، ولا سيما أنَّ قضية الاستحقاق الرئاسي لا تنفتح على إرادة الشعب اللبناني بجميع طوائفه وفئاته، بل يراد لها أن تقتصر على إرادة الرئيس القادم.

وقد يكون الدرس الذي يأخذه اللبنانيون من هذه المعركة، أن لبنان بات من خلال هذه الذهنيات لا يمثل شعبه ومواطنيه، بل يمثل زعامةً هنا وزعامةً هناك، وعائلةً هنا وعائلةً هناك، بحيث يختصر عدة أشخاص أو بضعة عوائل الطوائف كلَّها التي أريد لها أن تتحرك عصبياتها لمصلحة زعاماتها لا لمصلحة وطنها... ويحدّثونك بعد ذلك عن قانون انتخاب عادل، ويتحدثون في خطوطه أنه لا بد لكلِّ نائب من أن تنتخبه طائفته، وأنّه لا يجوز أن تنتخبه طوائف أخرى، ولا بد لكل رئيس من أن تقبله طائفته أو زعماء هذه الطائفة، لا أن يقبله الشعب اللبناني كله... ثم يحدّثونك عن لبنان الواحد وعن لبنان السيد الحر المستقل الذي تتلاعب بمقدّراته وقراراته أكثر من دولة في المنطقة أو في العالم، وفي ظل ذلك كلّه، يستمر التوجيه الخطير لجعل الهتافات تنطلق من الحناجر الطائفية ومن التوجيهات الشخصانية والزعاماتية... ويقف الجميع لينشدوا النشيد الوطني الذي لا يُسمح له أن يتحرك في الواقع، بل يبقى في موسيقى الألحان، فلا يدخل الوجدان ولا العمق الإنساني في لبنان.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية