الصمود في وجه ال حرب الاستكبارية ضد لبنان ألقى سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، حيث تطرق الى الحرب الأمريكية ـ الإسرائيلية التي تُشنّ على لبنان، فاعتبر سماحته أن الرئيس الأمريكي وإدارته يستمتعون برؤية أشلاء الأجساد المقطّعة بالقذائف الأمريكية، ولا سيما أجساد الأطفال الذين يخشى "بوش" أن يتحوّلوا الى مجاهدين في المستقبل، ودعا الأنظمة العربية ـ إذا كانت لا تزال تحترم عنوان العروبة والإسلام ـ إلى القيام بالضغط الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي على الإدارة الأمريكية لإيقاف حمام الدم في لبنان، مؤكداً على الحكومة اللبنانية أن لا تكون فريقاً محايداً في المعركة التي تحوّلت الى الحرب ضد لبنان كله، ومما جاء في الخطبة الثانية:
إنها الحرب، حرب أمريكا ضد الشعب اللبناني، استكمالاً لحروبها على العراق وافغانستان، وتخطيطاً لحرب استباقية مستقبلة على سوريا وايران، وذلك بشكل مباشر من خلال آلتها العسكرية الهائلة، أو من خلال الآلة العسكرية الاسرائيلية التي هي يدها الضاربة، لتأديب من تريد تأديبه، ومعاقبة من تريد معاقبته، وتخويف من يراد تخويفه، ولا سيما الدول العربية التي يخوّف بعضها بعضاً من الضغط الامريكي ـ الاسرائيلي فلا تملك من أمرها شيئاً، حتى أنها قدّمت التنازلات الحيوية من مواقفها، من دون أن يستجب لها المتحالفان استراتيجياً.. وهذا ما لاحظناه في قرارات قمة بيروت العربية التي سخرت منها اسرائيل وأمريكا، واجتماع وزراء الخارجية العرب مؤخراً، والذي أُعلنت بعده وفاة قضية السلام العربي ـ الاسرائيلي بعد تسليمها إلى إسرائيل، ومحاولة الذهاب إلى مجلس الأمن الذي بات حائط المبكى العربي .
إنها الحرب الأمريكية ـ بيد إسرائيل ـ ضد المدنيين اللبنانيين من أطفال ونساء وشيوخ وشباب، الذين تهدم الوحشية الصهيونية بيوتهم الآمنة على رؤوس أهلها، وملاحقتهم بسياراتهم الهاربة بهم من القصف الاسرائيلي، لأن الرئيس بوش وإدارته يستمتعون برؤية أشلاء الأجساد المقطعة بالقذائف الأمريكية التي تزوّد بها بلاده إسرائيل، ولا سيما أجساد الأطفال الذين يخشى أن يتحوّلوا إلى مجاهدين في المستقبل ... إنها الوحشية الأمريكية التي تجرّب أسلحتها بالمدنيين اللبنانيين والفلسطينيين، بحجة أنها تريد محاربة حزب الله وذلك بإعلان الحرب على اللبنانيين عقاباً لهم على تأييد المقاومة .
لقد تحدث الرئيس الأمريكي وإدارته عن لبنان الديمقراطي الحر السيد المستقل، ولكنه بدأ يدمر هذا البلد بكل مواقعه ومفاصله لأنه لم يستطع إخضاع لبنان كله بسياسته الإستئصالية الإستكبارية، لأنه لا يحترم أي بلد وأية ديمقراطية وأي حقوق للإنسان إذا تعارض ذلك مع مصلحة إسرائيل، إنه يتحدث عن الحرب ضد الإرهاب ولكنها في الواقع حرباً ضد الحرية التي ترفض العبودية للإستكبار العالمي ـ ولا سيما الأمريكي ـ ولذلك رفضته الشعوب المستضعفة في العالم ولا سيّما في المنطقة العربية والإسلامية، مما جعله يتخبّط في وحول العراق وأفغانستان عسكرياً وسياسياً، ومما جعله يستغيث في نداءاته وأحاديثه عن الرغبة في الإنتصار الذي لن يأتي لأن الشعوب تريد أن تحقق إنتصاراتها لمصلحة الحرية لا إنتصاراً لأمريكا في خططها الإستراتيجية...
وسوف ينتصر لبنان الحرية التي انطلقت المقاومة لتحقق التحرير في هذه المرحلة ضد إسرائيل الإمريكية بعد تحقيقها التحرير في عام 2000 ... وها هي المقاومة تتصدى للجيش الذي قيل أنه لا يقهر بإنزال الضربات القاهرة في مستوطناته ومدنه التي دفعت الناس هناك إلى الملاجئ، وعطّلت الحركة الإقتصادية والسياسية مما جعل التجربة في الصراع في الموقع المتقدّم الذي يبادل القصف بالقصف والتحدي بالتحدي، في أول تجربة عربية إسلامية ضد العدو .
إنها الحرب التي حاول العرب نسيانها ليستبدلوها بالسلام الذليل الذي لم يحقق لهم أي موقع للقوة أو أي احترام للأمة، وهذا ما لاحظناه في الموقف العربي الرسمي الذي أطلق الحرب ضد المقاومة التي اعادت حركة الصراع ضد العدو إلى بداياتها، وحيث يراد للأجيال الجديدة أن تبدأ الأخذ بروحية المواجهة من جديد... إنهم لا يهاجمون العدو في عدوانه على لبنان وفلسطين، ولكنهم يهاجمون الذين يقاتلونه ويتصدون له لأنهم يخافون من حركة المقاومة في تطلعها إلى مستقبل القوة والعزة والكرامة... إننا لا نطلب من العرب أن يخوضوا الحرب ضد العدو، لأن جيوشهم لا تتثقف بثقافة الحرب ضد إسرائيل، حتى أن الأسلحة التي تستوردها من الغرب مشروطة بعدم استخدامها ضد العدو، بل إن ثقافتها هي مقاتلة شعوبها والدول العربية والإسلامية لحساب خطط أمريكية لإثارة الحروب في دول المنطقة من خلال بعض التعقيدات الإقليمية والدولية.. إننا لا نطالبهم بالدخول في حرب دفاعاً عن لبنان وفلسطين، ولكنهم إذا كانوا لا يزالون يحترمون عنوان العروبة أو الإسلام، أن يقوموا بالضغط على إسرائيل أو أمريكا من ناحية إقتصادية وسياسية وديبلوماسية لأنهم يملكون الكثير من هذه الوسائل التي لو حركوها لرأوا أكثر من نتيجة إيجابية لمصلحة الموقف العربي المستقل القوي.. ولكن هل نستعيد قول الشاعر:
من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام
إننا نتوجه إلى الشعوب العربية والإسلامية أن تنزل إلى الشارع، في صرخة احتجاجية قوية ضد التحالف الإسرائيلي – الغربي، وتنطلق في مقاطعة إقتصادية يشعر فيها الغرب كله بالخطر على مصالحه، لأن ذلك هو الذي يملك أن يحرك مواقع القرار في الشركات المتنوعة هناك.. إن الحرب هي حرب الأمة في مستقبلها الذي هو مستقبل الحرية والكرامة للاجيال القادمة .
وفي هذا الجو، فإننا نجدد دعوتنا للحكومة اللبنانية أن لا تكون فريقاً محايداً في المعركة، لأن القضية قد تحوّلت إلى الحرب ضد لبنان كله من دون فرق بين جنوب وشمال وبقاع وعاصمة، ولأن المدنيين يتساقطون بالقصف الإسرائيلي الحاقد المجنون..
وإننا في الوقت الذي نحيي فيه الجيش اللبناني على وقفته المشرّفة الى جانب المقاومة، نسأل الحكومة اللبنانية: لماذا لا يصدر القرار للجيش اللبناني الذي هو القوة للبنان أن يدافع عن الوطن، لأن من العار أن يقتل ضباطه وجنوده في ثكناتهم بالقصف الإسرائيلي عقاباً له على مواقفه الوطنية من دون قرار سياسي يستطيع من خلاله أن يخوض الحرب التي هي حرب لبنان؟! ونقول للسياسيين في لبنان: إن المرحلة ليست مرحلة إثارة الحديث حول الخلافات السياسية مع المقاومة، لأن العدو ـ كما صرح مسؤولوه ـ استعان لأخذ الشرعية لحربه ضد اللبنانيين من هذا الجو من التصريحات التي تحاول تسجيل النقاط ضد هذا الفريق أو ذاك..
إن بعض المواقف التي أطلقها ويطلقها البعض أسقطت كل شعارات السيادة والحرية والاستقلال، لأننا لا نفهم معنى الحرية عندما يتحرك العدو ليأخذ حريته في إبادة الشعب كله ليدافع عنها، وأيّ استقلال يتحدث العدو أنه سيقوم بالنيابة عن لبنان في تحرير شعبه من المقاومة التي تدافع عن حريته، حتى مع الجدل الدائر حول ما يسمّونه بـ"الخطأ في الحسابات"، مما قد لا يمثل الحقيقة؟!
أيها المسؤولون، أيها اللبنانيون: تعالوا إلى لبنان العنفوان والقوة والحرية والعزة والكرامة، لأن المعركة لن تنتهي في هذه المرحلة ـ بقطع النظر عن النتائج ـ لأن لبنان في موقعه ودوره وامتداده العربي وخبرته الإقتصادية سوف يبقى النقيض لإسرائيل التي تريد أن تأخذ دوره في المنطقة سياسياً وإقتصادياً.. وسوف يبقى الصراع في المستقبل القريب والبعيد، فلينطلق التفكير في المستقبل بعيداً عن زوايا الحاضر المختنقة في ظلام الحزبية والطائفية وبقية العصـبيات.
ونتوجه إلى الشعب اللبناني الثاكل الجريح الصابر الصامد أن ينطلق في ساحة الوحدة الوطنية، ولا يسقط أمام هذا التحدي الإسرائيلي الأمريكي، لأنه الشعب الذي عاش تاريخه في مواقع العزة والكرامة، وعليه أن يتضامن في عملية تكافل إجتماعي يدعم بعضه بعضاً، ويحمي بعضه بعضاً، ولا سيّما في رعاية المنكوبين والمهجرين والنازحين.
|