لنسِر على نهجه في التزام الوحدة والدفاع عن الحقّ

لنسِر على نهجه في التزام الوحدة والدفاع عن الحقّ

في ذكرى استشهاد فارس الإسلام علي(ع):
لنسِر على نهجه في التزام الوحدة والدفاع عن الحقّ



على الرغم من الوعكة الصحية التي ألّمت به، واستوجبت بقاءه في المستشفي منذ أسبوع، أصرّ سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله (دام ظله)، على حضور صلاة الجمعة، فغادر المستشفى لساعة واحدة ألقى خلالها خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين، ثم عاد بعدها إلى غرفته في مستشفى بهمن حيث يتلقى العلاج... ومما جاء في خطبته الأولى:

الذوبان في الله

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد} (البقرة:207). إنه هذا الإنسان الذي باع نفسه لله؛ كان عقله لله، وكان قلبه لله، وكانت كل طاقته لله، منذ أن فتح عينيه في بيت الله وأغلقهما في بيت الله. إنه سرّه، سرّ شخصيته، سرّ إمامته، سرّ جهاده، إنه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع)، الذي نعيش في هذه الأيام ذكرى استشهاده عندما كان في صلاة الفجر في مسجد الكوفة، وضربه الشقي ابن ملجم على رأسه، وكانت كلمته: "بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله، فزت وربّ الكعبة"، لأن عليّاً(ع) كان يفكر في أن يعيش حياته كلّها للإسلام، وأن يموت وهو في خط الإسلام، وهذا ما عبّر عنه لرسول الله(ص) عندما قال له الرسول(ص): "أبكي لما يستحلّ منك في هذا الشهر"، قال(ع): "يا رسول الله، وذلك في سلامة من ديني؟" فقال(ص): "في سلامةٍ من دينك". وكان هذا همّ علي(ع)؛ أن يقتل وهو على دين الإسلام الحقّ، وهذا ما عبّر عنه ابنه الحسين(ع) عندما قال:

ولست أبالي حين أُقتل مسلماً على                     أيّ جنب كان في الله مصرعي

فارس الإسلام

إننا عندما نتذكر عليّاً(ع) في شهر رمضان، نتذكر فارس "بدر"، لأنه(ع) كان هو الفارس المميّز القويّ الصلب في هذه المعركة التي حدثت في شهر رمضان، والتي أراد الله تعالى لها أن تمنح الانطباع للعرب آنذاك، بأن هناك قوة أخرى غير قوة قريش، وأنّ عليهم أن لا يخافوا من قريش عندما يريدون الدخول في الإسلام. وكانت معركة "بدر" التي قتل فيها عليّ(ع) نصف القتلى من المشركين، ولم يكن قد تدرّب على القتال في الحروب من قبل، أي أنّه لم يكن محارباً بالمعنى الفني للحرب، ولكن كانت قوته في الحرب نابعة من قوّة إيمانه ومن إخلاصه لله تعالى. ويذكر المؤرخون أن جبرائيل(ع) عندما رأى هذه القوة من عليّ(ع) هتف: "لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا عليّ".

وهكذا، كان عليّ(ع) حاضراً في معركة فتح مكة التي حدثت في مثل هذا الشهر، والتي كان النبي(ص) يخطط لفتحها سلماً، ويعمل على أن لا تراق فيها نقطة دم، وكانت الراية بيد شخص دخل مكة وهو يقول: "اليوم يوم الملحمة، اليوم تسبى الحرمة"، وسمعها عليّ(ع) ولم يتفاعل معها، فجاء إلى النبي(ص) الذي أمره بأن يأخذ الراية، وأن يدخل بها مكة وهو يقول: "اليوم يوم المرحمة، اليوم تصان الحرمة". وبذلك نعرف أن عليّاً(ع) كان يقاتل حيث كانت مصلحة الإسلام تقتضي أن يقاتل، وكان يسالم ويصون الحرمات ويرحم الناس عندما تكون مصلحة الإسلام أن يفعل ذلك. وهذا ما استوحاه من رسول الله(ص)، الذي جمع قريشاً التي عطّلت مسيرته وأربكت دعوته، وسألهم بعد أن دخل مكة فاتحاً: "ما ترون أني فاعلٌ بكم؟" قالوا، وهم يعرفون أخلاقه وروحيته: أخ كريم وابن أخ كريم، فقال(ص): "اذهبوا فأنتم الطلقاء".

وهكذا كان عليّ(ع) فارس الإسلام، ومعلّم الإسلام، وهو الذي قال عنه رسول الله(ص): "أنا مدينة العلم وعليّ بابها"، وكان(ع) يقول: "علّمني رسول الله ألف باب من العلم، يُفتح لي من كل باب ألف باب". وكان(ع) إمام الحق، وقد ورد عن رسول الله(ص) قوله: "عليّ مع الحق والحق مع عليّ، يدور معه حيثما دار". ويصف(ع) معاناته من أجل الحق فيقول: "ما ترك لي الحق من صديق"، لأن الأصدقاء كانوا يريدونه لأنفسهم وكان يريدهم لله. وكان(ع) مع الإسلام حتى بعد وفاة النبي(ص)، وعلى الرغم من إبعاده عن حقه الشرعي في الخلافة التي عقدها رسول الله(ص) له يوم الغدير، والتي عبّر عنها(ص) بقوله: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي"، وهو القائل: "لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلا عليَّ خاصة". فعليٌّ(ع) لم يُرِدْ للإسلام أن يُظلم، ولم يُرِدْ للمسلمين أن يضعفوا، حتى لو كان ذلك على حساب ظلامته هو.

السير على نهجه وخطاه

إننا عندما نقف أمام ذكرى عليّ(ع)، فإن علينا أن نتعلّم منه كيف نكون مع الحق، وكيف نكون مع الصدق، وكيف ندافع عن الإسلام، وكيف نحافظ على وحدة الإسلام والمسلمين، ولاسيما في هذه الظروف الصعبة التي وقف فيها العالم المستكبر والكافر من أجل إسقاط قوة الإسلام والمسلمين.

سنبقى مع عليّ، نبقى مع بطولته، مع جهاده، نبقى مع إخلاصه للإسلام، نبقى مع علمه وزهده وروحانيته، لأننا عندما نكون مع عليّ، فإننا نكون مع رسول الله، ونكون في خط الله، لأن عليّاً كان يحبّ الله ورسوله، وكان يحبُّه الله ورسوله. علينا أن نعيش مع ولايته، هذه الولاية الخالصة المخلصة التي تعبّر عن نفسها بالسير على خط عليّ(ع) ونهجه وكل تعاليمه. وسلام عليه يوم وُلد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله... اتقوا الله وواجهوا المرحلة بكل قوة في مواجهة الاستكبار والمستكبرين، فماذا هناك؟

مصادرة مصالح الشعوب

لا يزال العالم ـ وفي مقدَّمه العالم الإسلامي ـ يضجّ بالمشاكل المحلية والإقليمية والدولية في أكثر من بلد، جرّاء التخطيط الخبيث للإدارة الأمريكية التي تعتمد أسلوب الإثارة لتحريك حالة المصادرة للمصالح المتنوعة لشعوب المنطقة لحساب المصالح الأمريكية والإسرائيلية. وقد تابعنا ذلك في رحلة وزيرة خارجية أمريكا التي استدعت وزراء خارجية أكثر من دولة عربية وصفتها بالاعتدال، من أجل إيجاد محور سياسي ضد جهات وصفتها بـ"التطرف"، لإرباك العلاقات بين هذه الدول وبين إيران وسوريا وحركة المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين، ملوّحةً لهم بأنها سوف تحقق بعض النتائج الإيجابية في المسألة الفلسطينية، ولكنها لم تستطع أن تحصل على أي مكسب من إسرائيل للشعب الفلسطيني، لأنها لا تملك الضغط على العدو، بل كان دورها هو الحصول على مكاسب لإسرائيل في إثارة السلطة الرسمية ضد حكومة حماس، من أجل إسقاطها لحساب العدو ولحساب أمريكا... وهكذا رأينا كيف أن الواقع الفلسطيني لا يزال في حالة شدّ وجذب قد تنتهي به إلى مستوى الكارثة في الحرب الأهلية.

وفي الجانب العراقي، لا تزال المأساة تتمثّل يومياً بالمجازر الوحشية التي يتحرّك بها الاحتلال وأعداء الشعب العراقي من حلفاء الاحتلال بشكل مباشر أو غير مباشر، هذا إضافةً إلى دوّامة الأوضاع المذهبية الطائفية في حالة الفعل وردّ الفعل في القتل والاختطاف والتهجير، من أجل إيجاد واقع تقسيمي مدعوم من قِبَل الاحتلال.

إيران في مواجهة المشروع الاستكباري

وفي الملف النووي الإيراني السلمي، لا تزال الاتهامات غير الواقعية بأن إيران تخطّط لصنع سلاح نووي، ولكن الواقع هو أن أمريكا ـ ومعها حلفاؤها الأوروبيون ـ لا تسمح بحصول إيران على تقنيات الخبرة العلمية النووية التي تمكّنها من التقدم الاقتصادي لخدمة شعبها في قضاياه الحيوية العامة، لأن أمريكا تريد لدول المنطقة، ولاسيما الدول الإسلامية، أن تبقى في حاجة إلى الغرب في أمورها العلمية والاقتصادية والأمنية. ويدور الحديث عن العقوبات التي سوف تفرض على إيران التي ستقف ضد كل هذه التهديدات، لأن القضية هي قضية الحرية والقوة والكرامة وحركة المواجهة في موقع التحدي.

تجربة كوريا النووية تهزّ الواقع الاستكباري

وكانت الصدمة القوية للسياسة الأمريكية في التجربة النووية لكوريا الشمالية، التي هزّت الواقع الاستكباري الذي انصبّت كل ضغوطه على هذه الدولة قبل حدوث تجربة التفجير، وخصوصاً أن أمريكا، والدول الكبرى، كانت تريد أن تستأثر بامتلاك السلاح النووي. فأمريكا تمتلك أقوى الترسانات النووية، كما أن إسرائيل التي يُتحدث عن امتلاكها 200 رأس نووي بعد مساعدة بعض الدول الأوروبية لها في تجاربها النووية، حظيت بغطاء سياسي أمريكي بحجة أنها مستهدفة، وهذا مما يضحك الثكلى، لأن هذه الدولة اليهودية الغاصبة، تمثل تهديداً لدول المنطقة، مستفيدةً من الدعم الأمريكي المطلق اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، بل إنها تمثل تهديداً للسلم العالمي في تحالفها الاستراتيجي مع أمريكا... إلا أنّ مسألة السلاح النووي امتدّت إلى الهند وباكستان، ما أدى إلى خضوع أمريكا لهما بعد رفضها لذلك في البداية... وهكذا انتهى الدور إلى كوريا الشمالية التي لم تمنحها أمريكا ما طلبته من التعهد بعدم الاعتداء عليها، بل رفضت ذلك، هذا فضلاً عن الضغوط المتعددة من خلال حلفاء أمريكا في المنطقة...

تحدٍّ ومواجهة للسياسة الأمريكية

لقد بدأ التحدي للولايات المتحدة الأمريكية بالجرأة المتنوعة التي تنطلق من الدول ومن الحركات التحررية، وصولاً إلى الحركات التي تسميها أصولية، ما جعل الإمبراطورية الأمريكية تتخبط في سياستها في مناطق احتلالها المباشر، كما في العراق وأفغانستان، وفي احتلالها ـ بواسطة إسرائيل ـ كما في فلسطين...

إننا نعتقد أن هذه الدولة الظالمة العاتية المستكبرة (الولايات المتحدة) سوف تحاصرها الشعوب بالرفض لسياستها، وبإرباك مصالحها ـ مهما امتدت سيطرتها ـ وقد أصبحت المشاكل تحاصر رئيس هذه الإدارة في داخل بلده، من خلال الفضائح الكثيرة المثارة ضد حركة هذه الإدارة.

إن الله يريدنا أن نرفض الاستكبار وأهله، وأن نقف ضد الظالمين ونواجه كل الضغوط العدوانية، لأن الله يريد لنا الحرية والعزة والكرامة، لأن ذلك من عناصر عقيدة التوحيد التي ترفض كل الذين يريدون فرض العبودية على الناس.

لبنان في قلب الدوّامة السياسية

أما لبنان، فلا يزال يعيش الدوامة السياسية في السجالات التي تهدأ تارةً وتثور أخرى، ولاسيما في الاتهامات التي تتراشق بها المعارضة والموالاة، وتنطلق من جديد الدعوة إلى الحوار التي قد لا نجد الظروف التي تصل به إلى نتيجة، لأن الساحة السياسية لا تملك أمرها، ولأن القوى الخارجية تضغط على القرارات في كهوف السفارات والمندوبين الدوليين... ويبقى الشعب الذي يعيش الكثيرون منه ـ ولاسيما بعد العدوان الإسرائيلي ـ تحت خط الفقر، لأنه لن يشبع من خطابات موائد الإفطار التي لا تمنحه إلا الكلمات التي تربك فكره ولا تشبع معدته. ساعد الله المستضعفين في لبنان، حيث لا يزال البلد في عهدة المترفين الذين أُثروا على حساب الشعب ومن سرقة ميزانيته، في نظام الفساد الذي لا يزال ينخر جسم الدولة اللادولة.

في ذكرى استشهاد فارس الإسلام علي(ع):
لنسِر على نهجه في التزام الوحدة والدفاع عن الحقّ



على الرغم من الوعكة الصحية التي ألّمت به، واستوجبت بقاءه في المستشفي منذ أسبوع، أصرّ سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله (دام ظله)، على حضور صلاة الجمعة، فغادر المستشفى لساعة واحدة ألقى خلالها خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين، ثم عاد بعدها إلى غرفته في مستشفى بهمن حيث يتلقى العلاج... ومما جاء في خطبته الأولى:

الذوبان في الله

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد} (البقرة:207). إنه هذا الإنسان الذي باع نفسه لله؛ كان عقله لله، وكان قلبه لله، وكانت كل طاقته لله، منذ أن فتح عينيه في بيت الله وأغلقهما في بيت الله. إنه سرّه، سرّ شخصيته، سرّ إمامته، سرّ جهاده، إنه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع)، الذي نعيش في هذه الأيام ذكرى استشهاده عندما كان في صلاة الفجر في مسجد الكوفة، وضربه الشقي ابن ملجم على رأسه، وكانت كلمته: "بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله، فزت وربّ الكعبة"، لأن عليّاً(ع) كان يفكر في أن يعيش حياته كلّها للإسلام، وأن يموت وهو في خط الإسلام، وهذا ما عبّر عنه لرسول الله(ص) عندما قال له الرسول(ص): "أبكي لما يستحلّ منك في هذا الشهر"، قال(ع): "يا رسول الله، وذلك في سلامة من ديني؟" فقال(ص): "في سلامةٍ من دينك". وكان هذا همّ علي(ع)؛ أن يقتل وهو على دين الإسلام الحقّ، وهذا ما عبّر عنه ابنه الحسين(ع) عندما قال:

ولست أبالي حين أُقتل مسلماً على                     أيّ جنب كان في الله مصرعي

فارس الإسلام

إننا عندما نتذكر عليّاً(ع) في شهر رمضان، نتذكر فارس "بدر"، لأنه(ع) كان هو الفارس المميّز القويّ الصلب في هذه المعركة التي حدثت في شهر رمضان، والتي أراد الله تعالى لها أن تمنح الانطباع للعرب آنذاك، بأن هناك قوة أخرى غير قوة قريش، وأنّ عليهم أن لا يخافوا من قريش عندما يريدون الدخول في الإسلام. وكانت معركة "بدر" التي قتل فيها عليّ(ع) نصف القتلى من المشركين، ولم يكن قد تدرّب على القتال في الحروب من قبل، أي أنّه لم يكن محارباً بالمعنى الفني للحرب، ولكن كانت قوته في الحرب نابعة من قوّة إيمانه ومن إخلاصه لله تعالى. ويذكر المؤرخون أن جبرائيل(ع) عندما رأى هذه القوة من عليّ(ع) هتف: "لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا عليّ".

وهكذا، كان عليّ(ع) حاضراً في معركة فتح مكة التي حدثت في مثل هذا الشهر، والتي كان النبي(ص) يخطط لفتحها سلماً، ويعمل على أن لا تراق فيها نقطة دم، وكانت الراية بيد شخص دخل مكة وهو يقول: "اليوم يوم الملحمة، اليوم تسبى الحرمة"، وسمعها عليّ(ع) ولم يتفاعل معها، فجاء إلى النبي(ص) الذي أمره بأن يأخذ الراية، وأن يدخل بها مكة وهو يقول: "اليوم يوم المرحمة، اليوم تصان الحرمة". وبذلك نعرف أن عليّاً(ع) كان يقاتل حيث كانت مصلحة الإسلام تقتضي أن يقاتل، وكان يسالم ويصون الحرمات ويرحم الناس عندما تكون مصلحة الإسلام أن يفعل ذلك. وهذا ما استوحاه من رسول الله(ص)، الذي جمع قريشاً التي عطّلت مسيرته وأربكت دعوته، وسألهم بعد أن دخل مكة فاتحاً: "ما ترون أني فاعلٌ بكم؟" قالوا، وهم يعرفون أخلاقه وروحيته: أخ كريم وابن أخ كريم، فقال(ص): "اذهبوا فأنتم الطلقاء".

وهكذا كان عليّ(ع) فارس الإسلام، ومعلّم الإسلام، وهو الذي قال عنه رسول الله(ص): "أنا مدينة العلم وعليّ بابها"، وكان(ع) يقول: "علّمني رسول الله ألف باب من العلم، يُفتح لي من كل باب ألف باب". وكان(ع) إمام الحق، وقد ورد عن رسول الله(ص) قوله: "عليّ مع الحق والحق مع عليّ، يدور معه حيثما دار". ويصف(ع) معاناته من أجل الحق فيقول: "ما ترك لي الحق من صديق"، لأن الأصدقاء كانوا يريدونه لأنفسهم وكان يريدهم لله. وكان(ع) مع الإسلام حتى بعد وفاة النبي(ص)، وعلى الرغم من إبعاده عن حقه الشرعي في الخلافة التي عقدها رسول الله(ص) له يوم الغدير، والتي عبّر عنها(ص) بقوله: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي"، وهو القائل: "لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلا عليَّ خاصة". فعليٌّ(ع) لم يُرِدْ للإسلام أن يُظلم، ولم يُرِدْ للمسلمين أن يضعفوا، حتى لو كان ذلك على حساب ظلامته هو.

السير على نهجه وخطاه

إننا عندما نقف أمام ذكرى عليّ(ع)، فإن علينا أن نتعلّم منه كيف نكون مع الحق، وكيف نكون مع الصدق، وكيف ندافع عن الإسلام، وكيف نحافظ على وحدة الإسلام والمسلمين، ولاسيما في هذه الظروف الصعبة التي وقف فيها العالم المستكبر والكافر من أجل إسقاط قوة الإسلام والمسلمين.

سنبقى مع عليّ، نبقى مع بطولته، مع جهاده، نبقى مع إخلاصه للإسلام، نبقى مع علمه وزهده وروحانيته، لأننا عندما نكون مع عليّ، فإننا نكون مع رسول الله، ونكون في خط الله، لأن عليّاً كان يحبّ الله ورسوله، وكان يحبُّه الله ورسوله. علينا أن نعيش مع ولايته، هذه الولاية الخالصة المخلصة التي تعبّر عن نفسها بالسير على خط عليّ(ع) ونهجه وكل تعاليمه. وسلام عليه يوم وُلد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله... اتقوا الله وواجهوا المرحلة بكل قوة في مواجهة الاستكبار والمستكبرين، فماذا هناك؟

مصادرة مصالح الشعوب

لا يزال العالم ـ وفي مقدَّمه العالم الإسلامي ـ يضجّ بالمشاكل المحلية والإقليمية والدولية في أكثر من بلد، جرّاء التخطيط الخبيث للإدارة الأمريكية التي تعتمد أسلوب الإثارة لتحريك حالة المصادرة للمصالح المتنوعة لشعوب المنطقة لحساب المصالح الأمريكية والإسرائيلية. وقد تابعنا ذلك في رحلة وزيرة خارجية أمريكا التي استدعت وزراء خارجية أكثر من دولة عربية وصفتها بالاعتدال، من أجل إيجاد محور سياسي ضد جهات وصفتها بـ"التطرف"، لإرباك العلاقات بين هذه الدول وبين إيران وسوريا وحركة المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين، ملوّحةً لهم بأنها سوف تحقق بعض النتائج الإيجابية في المسألة الفلسطينية، ولكنها لم تستطع أن تحصل على أي مكسب من إسرائيل للشعب الفلسطيني، لأنها لا تملك الضغط على العدو، بل كان دورها هو الحصول على مكاسب لإسرائيل في إثارة السلطة الرسمية ضد حكومة حماس، من أجل إسقاطها لحساب العدو ولحساب أمريكا... وهكذا رأينا كيف أن الواقع الفلسطيني لا يزال في حالة شدّ وجذب قد تنتهي به إلى مستوى الكارثة في الحرب الأهلية.

وفي الجانب العراقي، لا تزال المأساة تتمثّل يومياً بالمجازر الوحشية التي يتحرّك بها الاحتلال وأعداء الشعب العراقي من حلفاء الاحتلال بشكل مباشر أو غير مباشر، هذا إضافةً إلى دوّامة الأوضاع المذهبية الطائفية في حالة الفعل وردّ الفعل في القتل والاختطاف والتهجير، من أجل إيجاد واقع تقسيمي مدعوم من قِبَل الاحتلال.

إيران في مواجهة المشروع الاستكباري

وفي الملف النووي الإيراني السلمي، لا تزال الاتهامات غير الواقعية بأن إيران تخطّط لصنع سلاح نووي، ولكن الواقع هو أن أمريكا ـ ومعها حلفاؤها الأوروبيون ـ لا تسمح بحصول إيران على تقنيات الخبرة العلمية النووية التي تمكّنها من التقدم الاقتصادي لخدمة شعبها في قضاياه الحيوية العامة، لأن أمريكا تريد لدول المنطقة، ولاسيما الدول الإسلامية، أن تبقى في حاجة إلى الغرب في أمورها العلمية والاقتصادية والأمنية. ويدور الحديث عن العقوبات التي سوف تفرض على إيران التي ستقف ضد كل هذه التهديدات، لأن القضية هي قضية الحرية والقوة والكرامة وحركة المواجهة في موقع التحدي.

تجربة كوريا النووية تهزّ الواقع الاستكباري

وكانت الصدمة القوية للسياسة الأمريكية في التجربة النووية لكوريا الشمالية، التي هزّت الواقع الاستكباري الذي انصبّت كل ضغوطه على هذه الدولة قبل حدوث تجربة التفجير، وخصوصاً أن أمريكا، والدول الكبرى، كانت تريد أن تستأثر بامتلاك السلاح النووي. فأمريكا تمتلك أقوى الترسانات النووية، كما أن إسرائيل التي يُتحدث عن امتلاكها 200 رأس نووي بعد مساعدة بعض الدول الأوروبية لها في تجاربها النووية، حظيت بغطاء سياسي أمريكي بحجة أنها مستهدفة، وهذا مما يضحك الثكلى، لأن هذه الدولة اليهودية الغاصبة، تمثل تهديداً لدول المنطقة، مستفيدةً من الدعم الأمريكي المطلق اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، بل إنها تمثل تهديداً للسلم العالمي في تحالفها الاستراتيجي مع أمريكا... إلا أنّ مسألة السلاح النووي امتدّت إلى الهند وباكستان، ما أدى إلى خضوع أمريكا لهما بعد رفضها لذلك في البداية... وهكذا انتهى الدور إلى كوريا الشمالية التي لم تمنحها أمريكا ما طلبته من التعهد بعدم الاعتداء عليها، بل رفضت ذلك، هذا فضلاً عن الضغوط المتعددة من خلال حلفاء أمريكا في المنطقة...

تحدٍّ ومواجهة للسياسة الأمريكية

لقد بدأ التحدي للولايات المتحدة الأمريكية بالجرأة المتنوعة التي تنطلق من الدول ومن الحركات التحررية، وصولاً إلى الحركات التي تسميها أصولية، ما جعل الإمبراطورية الأمريكية تتخبط في سياستها في مناطق احتلالها المباشر، كما في العراق وأفغانستان، وفي احتلالها ـ بواسطة إسرائيل ـ كما في فلسطين...

إننا نعتقد أن هذه الدولة الظالمة العاتية المستكبرة (الولايات المتحدة) سوف تحاصرها الشعوب بالرفض لسياستها، وبإرباك مصالحها ـ مهما امتدت سيطرتها ـ وقد أصبحت المشاكل تحاصر رئيس هذه الإدارة في داخل بلده، من خلال الفضائح الكثيرة المثارة ضد حركة هذه الإدارة.

إن الله يريدنا أن نرفض الاستكبار وأهله، وأن نقف ضد الظالمين ونواجه كل الضغوط العدوانية، لأن الله يريد لنا الحرية والعزة والكرامة، لأن ذلك من عناصر عقيدة التوحيد التي ترفض كل الذين يريدون فرض العبودية على الناس.

لبنان في قلب الدوّامة السياسية

أما لبنان، فلا يزال يعيش الدوامة السياسية في السجالات التي تهدأ تارةً وتثور أخرى، ولاسيما في الاتهامات التي تتراشق بها المعارضة والموالاة، وتنطلق من جديد الدعوة إلى الحوار التي قد لا نجد الظروف التي تصل به إلى نتيجة، لأن الساحة السياسية لا تملك أمرها، ولأن القوى الخارجية تضغط على القرارات في كهوف السفارات والمندوبين الدوليين... ويبقى الشعب الذي يعيش الكثيرون منه ـ ولاسيما بعد العدوان الإسرائيلي ـ تحت خط الفقر، لأنه لن يشبع من خطابات موائد الإفطار التي لا تمنحه إلا الكلمات التي تربك فكره ولا تشبع معدته. ساعد الله المستضعفين في لبنان، حيث لا يزال البلد في عهدة المترفين الذين أُثروا على حساب الشعب ومن سرقة ميزانيته، في نظام الفساد الذي لا يزال ينخر جسم الدولة اللادولة.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية