رمضان: شهر مكارم الأخلاق والسموّ الروحيّ

رمضان: شهر مكارم الأخلاق والسموّ الروحيّ

رمضان: شهر مكارم الأخلاق والسموّ الروحيّ


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

حسن الخلق: جواز على الصّراط:

في حديث النبي(ص) الذي استقبل به شهر رمضان، تحدث عن قضية مهمة في كل ما ينبغي للمسلم أن يلتزمه وأن يتصف به وأن يُخضع حياته له، ولا سيما في هذا الشهر الذي أراد الله تعالى له أن يكون منطلقاً لبقية شهور السنة، بحيث يركّز الإنسان فيه قيمة أخلاقية وروحية ليمتد إلى بقية شهور السنة، لأن الله جعل هذا الشهر انفتاحاً على ما يتلوه من الشهور، فقال(ص): «أيها الناس، من حسّن منكم في هذا الشهر خلقه، كان له جوازاً على الصراط يوم تزلّ فيه الأقدام».

نحن نعرف أنَّ هناك في يوم القيامة صراطاً يسير الناس عليه، فمن كان قريباً من الله تعالى، فسوف تثبت قدمه على هذا الصراط، ومن كان بعيداً عن الله، زلّت قدمه ووقع في النار. والنبي(ص) يريد أن يؤكد أن حسن الخلق يجعل الإنسان ثابت القدم، وذلك كناية عن أن الصراط يسير به إلى الجنة.

وقد تحدَّث النبي(ص) عن أنَّ الأساس في الشريعة الإسلامية هو تأكيد مكارم الأخلاق: «إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، فقد أرسل الله رسله بكل المنهج الأخلاقي الذي يتصل بسلوك الإنسان في نفسه ومع أهله ومع الناس جميعاً، وكانت الرسالات تنطلق في هذا الاتجاه، فكانت كلّ رسالةٍ تضيف جزءاً مهمّاً من المفردات إلى هذا المنهج، حتى اكتمل ذلك برسالة نبيّنا محمد(ص).

تربية النفس على مكارم الأخلاق:

وقد أراد النبي(ص) في بعض كلامه، أن يثير مسألةً في المنهج الأخلاقي في الإسلام، وهي أنَّ الأخلاق ليست منطلقة من عملية تبادل؛ أن أصلك لأنك وصلتني؛ أن أعطيك لأنك أعطيتني؛ أن أعفو عنك لأنك عفوت عني؛ فالأخلاق ليست عملية تبادلية، ولكنها تنطلق من عمق شخصيتك. وهذا ما جاء عن النبي(ص): «ألا أدلّكم على خير أخلاق الدّنيا والآخرة؟ أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمّن ظلمك»، بمعنى أن تنطلق الأخلاق من داخل شخصيتك بمبادرة من ذاتك، لتكون الإنسان المعطاء حتى لمن حرمك، والإنسان الوصول حتى لمن قطعك، والإنسان العفوّ حتى لمن ظلمك. وقد عُبِّر عن ذلك في دعاء مكارم الأخلاق، وهي من أدعية الصحيفة السجادية للإمام زين العابدين(ع)، يقول: «وسدِّدني لأن أعارض من غشّني بالنصح، وأجزي من هجرني بالبرّ، وأثيب من حرمني بالبذل، وأكافي من قطعني بالصلة، وأخالف من اغتابني إلى حسن الذكر، وأن أشكر الحسنة وأغضي عن السيئة».

وقد ورد في حسن الأخلاق، أنَّ الإنسان قد يكون له عمل بسيط، ولكن له خلق حسن، فيبلغ بخلقه الحسن درجة الصائم القائم. وورد عن الخلق الحسن، أنه يذيب الخطيئة كما تذيب الشمس الجليد. لذلك، لا بد من أن نربي أنفسنا على مكارم الأخلاق، ولا سيما في شهر رمضان، لا كما يفكّر بعض الناس، أن الصوم الّذي يُسبِّب له الجوع والعطش، يبرر له الغضب على زوجته وأولاده وعمّاله. فدور الصوم هو أن يقوّي لك إرادتك على أن تجاهد نفسك، وأن يجعلك إنساناً يلتزم الطاعة، ويبتعد عن المعصية، وينفتح على الناس بكل الخير. فعلى الإنسان أن يحسّن في هذا الشهر خلقه في أهله وفي مجالات عمله، ومع الناس الذين يعاشرهم ويعاشرونه، ويخالطهم ويخالطونه.

وهناك نقطة ثانية، وهي أنّه قد يكون هناك أناس ممّن يعيشون تحت سلطة شخص يحتاجون إليه ويعيشون الضعف أمامه. وما يتلاءم مع الخط الإسلامي الأخلاقي في هذا المجال، هو أن يخفِّف عنهم هذا الشّخص في شهر رمضان بعضاً من المسؤوليات التي يحمّلهم إيّاها، خصوصاً أن صومهم يجعلهم يواجهون بعض المشقات في تحمّل المسؤوليات. في هذا المجال، يقول النبي(ص): «ومن خفَّف في هذا الشهر عمّا ملكت يمينه ـ وهو كناية عمّن هم تحت سلطته ومسؤوليته ـ خفّف الله عليه حسابه، ومن كفّ فيه شرّه، كفّ الله عنه غضبه يوم يلقاه»، فإذا كنت لا تستطيع أن تعطي الناس من خيرك، فعلى الأقل كفَّ عنهم شرّك، ولا سيما في طريقتك في الكلام أو في التعامل، فلا يصدر منك تجاههم أيّ سوء مما يصدر من الأشرار في السبّ والضرب وما إلى ذلك.

حفظ كرامة اليتيم:

ويتابع النبيّ(ص): «ومن أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه»؛ باعتبار أن النظرة الإسلامية إلى اليتيم، هي أنه أمانة الله في المجتمع، فاليتيم الذي فقد أباه الذي يقوم بشؤونه، أو فقد والديه، سيعيش الضياع، لأنّه لا يجد أحداً يرعاه في طعامه وشرابه وكسوته وتعليمه ورعايته. لذلك فإن الله يريد من المجتمع كله أن يتحمّل مسؤولية اليتيم ليكرمه. وكلمة إكرام اليتيم لها معنى، وهو أنك عندما تريد أن تعين اليتيم، فإنك تعينه مع حفظ كرامته وعزته؛ أن لا يشعر أمامك بأنك تصله أو تقدّم إليه شيئاً يذلّه، بل لا بد من أن تشعره بالكرامة والإنسانية.

وفي ضوء هذا، علينا أن نعمل على رعاية الأيتام في بيوتهم، وفي المبرات التي تكفل لهم كل حياتهم، من غذاء وشراب وكسوة وتعليم، لأن ذلك هو الذي يرتفع باليتيم إلى مستوى الكرامة، ويحوّله إلى إنسان صالح يمكن أن يحقق ذاته في المجتمع، وأن يخدم مجتمعه بطريقة وبأخرى؛ أن نعمل على رعايتهم، خصوصاً في المرحلة الصعبة التي عشناها من خلال العدوان الإسرائيلي، والّذي خلّف الكثير من الأيتام. فلا بد لنا من أن نعمل على أساس الاهتمام بهم، لنحصل على الجائزة الكبرى، وهي أن يكرمنا الله يوم نلقاه. وإكرام الله هو الذي لا بد من أن يتنافس فيه المتنافسون، لأنه يمثل رحمته وعفوه.

ويكمل النبي(ص): «ومن وصل فيه رحمه ـ فالله أراد للناس أن يعيشوا هذا الجو الاجتماعي العائلي من خلال وصل الرحم، لأن الله أمرنا بذلك ـ وصله الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه». وصلة الرحم تختلف بحسب طبيعة الأساليب والوسائل ـ ومن تطوّع فيه بصلاة كتب الله له براءةً من النار، ومن أدّى فيه فرضاً كان له ثواب من أدّى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور، ومن أكثر فيه من الصلاة عليّ ثقّل الله ميزانه يوم تخفّ فيه الموازين، ومن تلا فيه آيةً من القرآن ـ تلاوة تدبّر ووعي ـ كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور. أيها الناس، إن أبواب الجنان في هذا الشهر مفتّحة، فاسألوا ربكم أن لا يغلقها عليكم ـ بمعاصيكم وسيئاتكم وشروركم ـ وأبواب النيران مغلقة، فاسألوا ربّكم أن لا يفتحها عليكم، والشياطين مغلولة، فاسألوا ربكم أن لا يسلّطها عليكم».

الورع عن محارم الله:

ويقول أمير المؤمنين(ع): «فقمت وقلت: يا رسول الله، ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟ فقال: أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله». يقول الإمام عليّ(ع): «ثم بكى، فقلت: يا رسول الله، ما يبكيك؟ فقال: "يا عليّ، أبكي لما يستحلّ منك في هذا الشهر... ـ وفي ذلك دلالة على العاطفة العميقة بين النبي(ص) وعليّ(ع)، لأن النبي كان يحبّ علياً حباً لا يدنو إليه حبّ. ولم يتأثّر عليّ بكلام الرّسول(ص) أو يحزن لأنه سوف يُقتل في هذا الشهر، ولكنه سأله عمّا يهمُّه ـ فقلت: يا رسول الله، وذلك في سلامة من ديني؟ ـ لقد عشت حياتي معك منذ طفولتي، وجاهدت معك، وانطلقت مع الإسلام حتى ألقى الله وهو عني راضٍ، فعندما أواجه منيّتي في هذا الشهر، هل أواجهها والله راضٍ عني ـ قال(ص): في سلامة في دينك». ولذلك قال عليّ(ع)، عندما ضربه الشقي ابن ملجم على رأسه وهو في مصلاّه: «بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله، فزت وربّ الكعبة»، لأنه كان ينظر إلى كل حياته مع رسول الله؛ كيف بدأت بجهاده، وكيف انتهت بشهادته بين يدي الله. والسلام عليه يوم وُلد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً.

الخطبة الثانية

بسم الله الرَّحمن الرحيم

عباد الله... اتقوا الله، وواجهوا المستكبرين بكل ما لديكم من عزيمة وقوة، لأن المستكبرين هم الذين يعملون بكل قوتهم في سبيل إسقاط الإسلام والمسلمين، فماذا هناك:

أمريكا تسقط اعترافها بالدّيقراطيّة المعارضة:

لا تزال أمريكا تتخبّط في مفرداتها السياسية التي تستخدمها في حربها ضد معارضيها في منطقة الشرق الأوسط، فقد دأبت على الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الشعوب في التعبير السياسي الحرّ، في عملية إدانة للأنظمة التي وصفتها بالشمولية غير الملتزمة بهذه المبادىء، كما دأبت على دعوة بعض دول المنطقة إلى الالتزام بها، وفي مقدّمها الدول الحليفة أو العميلة لها، مع استخدام بعض الأساليب المرِنة التي تتحدث بإيجابية عن بعض الشكليات الديمقراطية في هذه الدولة أو تلك.

ولكن الإدارة الأمريكية لم تركّز في المرحلة الحاضرة على تلك المبادىء، لأن هناك سياسة جديدة تخطّّط لها في حملتها على بعض المواقع المعارضة لها، التي أخذت شرعيّتها من خلال النهج الديمقراطي في حصولها على أصوات الأكثرية الشعبية المؤيّدة لها، كإيران التي حصلت حكومتها على الأغلبية الساحقة من أصوات الشعب الإيراني في انتخابات حرة، وكحزب الله في لبنان الذي حصل على مواقعه السياسية في البرلمان اللبناني بأكثرية كاسحة في الجنوب والبقاع وبيروت، وكحركة حماس التي نجحت بأصوات الأكثرية الفلسطينية في انتخابات ديمقراطية حرّة باعتراف العالم كله...

ولكن أمريكا أسقطت اعترافها بالدّيمقراطية واحترامها لها في هذه المواقع، لأنها لا تتوافق مع سياستها الاستكبارية، ولأنّها انطلقت في سياسة حرّة مستقلّة في التزاماتها بمصالح شعبها ضد السياسة الأمريكية والإسرائيلية التي تعمل على الهيمنة على مقدَّرات الشعوب المستضعفة في المنطقة وفي العالم، ولاسيما العالم الثالث، وعملت على اعتبار المقاومة الإسلامية في لبنان والانتفاضة الجهادية في فلسطين حركتين إرهابيتين، لأنهما تتحركان من أجل تحرير الأرض والإنسان في مواجهتهما للعدوان الإسرائيلي المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية، الملتزمة بالكيان الصهيوني التزاماً مطلقاً على حساب الشعبين الفلسطيني واللبناني.

أما إيران، فإن أمريكا وصفتها بالدولة المارقة، واعتبرتها محور الشر، واتهمتها بدعم الإرهاب، وذلك لأنّ إيران تؤيد حركة التحرر في لبنان وفلسطين والعراق، وترفض الاستكبار الأمريكي في سياسته واقتصاده وأمنه. وهكذا رأينا الإدارة الأمريكية تطلق بعض المفردات الجديدة في حركة وزيرة الخارجية الأمريكية في رحلتها في المنطقة، حيث تحدّثت عن الاعتدال والتطرّف، من أجل تحريك بعض الدول التي اعتبرتها دولاً معتدلةً ضد الدول الأخرى التي وصفتها بالمتطرفة، كإيران وسوريا، إضافة إلى بعض الحركات التحررية، كحزب الله وحماس والجهاد الإسلامي، وذلك من خلال إيجاد محور جديد من أصدقاء أمريكا للتحرّك السياسي بغية إرباك الواقع في المنطقة.

محاولات أمريكية ـ إسرائيلية لإسقاط حكومة حماس:

وهذا ما تحدّثت به الوزيرة الأمريكية التي أرادت من رئاسة السلطة الفلسطينية إسقاط حكومة حماس، لأنها لم تعترف بإسرائيل، ولأنها لم تستطع حلّ مشكلة الفلسطينيين، من دون أن تذكر أن السبب في ذلك هو الحصار الاقتصادي المفروض على الشعب الفلسطيني دولياً وإسرائيلياً وعربياً بضغط أمريكي. ولعلّ الأحداث الدامية التي حصلت في غزة بعد قدوم رئيس السلطة من رحلته إلى أمريكا، كانت بفعل الإيحاءات الأمريكية التي قدّمت له التشجيع للقيام بالأوضاع القلقة التي أدّت إلى النتائج الأليمة في نزف الدم الفلسطيني... ولا تزال الخطة الأمريكية ـ الإسرائيلية تتحرك من أجل استكمال عملية إسقاط حكومة حماس، أو تحريك الفتنة الداخلية في القتال الفلسطيني ـ الفلسطيني، في خطة تهدف إلى الإيحاء بفشل الحكومة الفلسطينية في تجربتها في حساب المسؤولية.

السّعي لتشكيل محور عربيّ ضدّ إيران:

وهكذا رأينا أن الوزيرة الأمريكية خطّطت مع أصدقائها في مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن لإيجاد محور عربي ضد إيران، للضغط على ملفها النووي السلمي، بالإيحاء بأنه يمثل الخطر على هذه الدول والمنطقة، بحجة أن إيران تعمل على إنتاج السلاح النووي، مع ملاحظة مهمة، وهي أنّ أي دولة من هذه الدول، لم تتحدّث مع هذه الوزيرة عن السلاح النووي الإسرائيلي الضخم الذي كانت مصر قد طالبت بنـزعه من المنطقة، لأنهم يعرفون أن الحديث عن إسرائيل بشكل سلبي هو من المحرَّمات الأمريكية التي يخاف هؤلاء المعتدلون من تحريكه...

وقد حاولت هذه الوزيرة أن تتحدث معهم عن الحل الحاسم للصراع العربي ـ الإسرائيلي، من خلال مطالبة الرئيس الأمريكي بدولتين مستقلتين هما إسرائيل وفلسطين. وصفّق المعتدلون لذلك، لأنهم ـ كعادة العرب ـ يلهثون مع الكلمات الأمريكية الإيجابية التي تتميّز بالخداع والإغراء واللعب على الألفاظ، لأن الاستراتيجية الأمريكية ـ الإسرائيلية ترتكز على تنفيذ كل مطامع إسرائيل في فلسطين، حتى لا يبقى للفلسطينيين أيّ موقع للدولة إلا بما يشبه الدولة المسخ التي لا تقبل الحياة.

ولم تنسَ هذه الوزيرة الحديث عن لبنان الذي استطاعت مقاومته البطلة التحريرية أن تسقط الخطة الأمريكية ـ الإسرائيلية في أهداف العدوان، وأن تصادر كل العنفوان الإسرائيلي للجيش الصهيوني الذي كان يقال عنه إنه الجيش الذي لا يقهر، فلم يحصل العدوّ على أي هدف من أهدافه المعلنة، ولم تستطع أمريكا أن تحقق من خلاله أيّ هدف من أهدافها في إسقاط المقاومة ونزع سلاحها...

ملاحظات على الزيارة الأمريكية للمنطقة:

إنّ هذا اللقاء الأمريكي ـ العربي عمل على التخطيط لمواجهة المقاومة الإسلامية بمختلف الخطوط الداخلية والخارجية، في نطاق اللعبة الدولية والتجاذبات السياسية المحلية. ولكننا في ملاحظاتنا لهذه الزيارة الأمريكية للمنطقة، نسجّل بعض النقاط:

أولاً: ما هو مضمون الاعتدال الأمريكي الذي تتصف به الدول العربية الثماني؛ هل هو الخضوع للسياسة الأمريكية بشكل مطلق لتنفيذ كل خطوطها في المنطقة وخدمة مصالحها الاقتصادية والسياسية والأمنية، وخوض حروبها ضد معارضيها؟ وهذا ما نلاحظه في بعض التصريحات لبعض هذه الدول في الحديث عن الخطر الإيراني، في الوقت الذي انفتحت إيران على كل دول الخليج وعلى مصر من الناحية الأمنية، وقدمت لهم المواثيق بأنها لم تخطط لصنع السلاح النووي، الأمر الذي يؤكد أنه لا مصلحة لكل هذه الدول في معاداة الجمهورية الإسلامية في إيران.

ثانياً: إن من السذاجة اعتقاد بعض العرب أن وزيرة الخارجية قادمة إلى المنطقة من أجل إيجاد الوسائل الواقعية الكفيلة بحل مشكلة الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وخصوصاً في الوضع الذي تعاني فيه حكومة العدو من الضعف بفعل الخسائر التي تكبّدتها نتيجة عدوانها على لبنان، ولاسيما أن المتطرفين في كيان العدو يرفضون أي حلّ يمنح الشعب الفلسطيني حريته في تقرير مصيره.

ثالثاً: إن أمريكا لا تزال تعاني الأزمات الخانقة في احتلالها للعراق وأفغانستان، وفي أكثر من بلد عربي وإسلامي من الرافضين للنفوذ الأمريكي. ولذلك فإن اندفاع هذه الدول في تأييد السياسة الأمريكية، قد يخلق لها الكثير من المشاكل مع شعوبها، لاسيما بعد الاهتزاز الشعبي ضد الأنظمة التي وقفت ضد المقاومة ولمصلحة العدوان الإسرائيلي الذي كانت تخطط معه لإسقاط المقاومة.

إننا ندعو كل الأحرار من شعوبنا العربية والإسلامية إلى التحرك من أجل إفشال الخطط الأمريكية ـ الإسرائيلية، بالوسائل المناسبة، لأن قضية الحرية وحقوق الإنسان لا تلتقي بكل تلك الخطط، كما ندعو الشعب الفلسطيني إلى الحذر من المؤامرة الجديدة التي يراد بها إسقاط القضية من خلال الذين ينفّذون الخطة الأمريكية ـ الإسرائيلية لتحصل إسرائيل على ما تريد من دون حرب، وندعو كل الفصائل المجاهدة إلى العودة إلى المقاومة، لأنها وحدها التي تقود إلى التحرير.

لبنان: الحذر من المخططات الخفية:

أما لبنان، فإننا ندعو الشَّعب اللبناني إلى المزيد من الحذر من المخططات الخفية التي ترسمها بعض الخطوط الدولية من أجل خلط الأوراق، وإثارة المشاكل الهامشية، وتحريك الحساسيات الطائفية والمذهبية، وإشغال الناس عن قضاياهم الحيوية والمصيرية، وإبقاء قضايا الهدر والفساد في دائرة النسيان، لأنه ليس هناك من يحاكم حتى لو قدّمت الحيثيات أمام القضاء، باعتبار أن هناك من يحاول العبث بنـزاهة القضاء وقدسيّته في أكثر من لعبة طائفية.

إن لبنان لا يزال يعيش في مهبّ الرياح الدولية والإقليمية والمحلية، ولا يزال بعض اللبنانيين مستغرقين في قضاياهم الحزبية والطائفية والمذهبية والشخصية، بعيداً عن الوطن كله وعن المواطنين، فكيف يعيش لبنان لدى الذين يقولون دائماً "عاش لبنان"، في الخط الذي يحفرون فيه القبر الكبير له ولمواطنيه؟

رمضان: شهر مكارم الأخلاق والسموّ الروحيّ


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

حسن الخلق: جواز على الصّراط:

في حديث النبي(ص) الذي استقبل به شهر رمضان، تحدث عن قضية مهمة في كل ما ينبغي للمسلم أن يلتزمه وأن يتصف به وأن يُخضع حياته له، ولا سيما في هذا الشهر الذي أراد الله تعالى له أن يكون منطلقاً لبقية شهور السنة، بحيث يركّز الإنسان فيه قيمة أخلاقية وروحية ليمتد إلى بقية شهور السنة، لأن الله جعل هذا الشهر انفتاحاً على ما يتلوه من الشهور، فقال(ص): «أيها الناس، من حسّن منكم في هذا الشهر خلقه، كان له جوازاً على الصراط يوم تزلّ فيه الأقدام».

نحن نعرف أنَّ هناك في يوم القيامة صراطاً يسير الناس عليه، فمن كان قريباً من الله تعالى، فسوف تثبت قدمه على هذا الصراط، ومن كان بعيداً عن الله، زلّت قدمه ووقع في النار. والنبي(ص) يريد أن يؤكد أن حسن الخلق يجعل الإنسان ثابت القدم، وذلك كناية عن أن الصراط يسير به إلى الجنة.

وقد تحدَّث النبي(ص) عن أنَّ الأساس في الشريعة الإسلامية هو تأكيد مكارم الأخلاق: «إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، فقد أرسل الله رسله بكل المنهج الأخلاقي الذي يتصل بسلوك الإنسان في نفسه ومع أهله ومع الناس جميعاً، وكانت الرسالات تنطلق في هذا الاتجاه، فكانت كلّ رسالةٍ تضيف جزءاً مهمّاً من المفردات إلى هذا المنهج، حتى اكتمل ذلك برسالة نبيّنا محمد(ص).

تربية النفس على مكارم الأخلاق:

وقد أراد النبي(ص) في بعض كلامه، أن يثير مسألةً في المنهج الأخلاقي في الإسلام، وهي أنَّ الأخلاق ليست منطلقة من عملية تبادل؛ أن أصلك لأنك وصلتني؛ أن أعطيك لأنك أعطيتني؛ أن أعفو عنك لأنك عفوت عني؛ فالأخلاق ليست عملية تبادلية، ولكنها تنطلق من عمق شخصيتك. وهذا ما جاء عن النبي(ص): «ألا أدلّكم على خير أخلاق الدّنيا والآخرة؟ أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمّن ظلمك»، بمعنى أن تنطلق الأخلاق من داخل شخصيتك بمبادرة من ذاتك، لتكون الإنسان المعطاء حتى لمن حرمك، والإنسان الوصول حتى لمن قطعك، والإنسان العفوّ حتى لمن ظلمك. وقد عُبِّر عن ذلك في دعاء مكارم الأخلاق، وهي من أدعية الصحيفة السجادية للإمام زين العابدين(ع)، يقول: «وسدِّدني لأن أعارض من غشّني بالنصح، وأجزي من هجرني بالبرّ، وأثيب من حرمني بالبذل، وأكافي من قطعني بالصلة، وأخالف من اغتابني إلى حسن الذكر، وأن أشكر الحسنة وأغضي عن السيئة».

وقد ورد في حسن الأخلاق، أنَّ الإنسان قد يكون له عمل بسيط، ولكن له خلق حسن، فيبلغ بخلقه الحسن درجة الصائم القائم. وورد عن الخلق الحسن، أنه يذيب الخطيئة كما تذيب الشمس الجليد. لذلك، لا بد من أن نربي أنفسنا على مكارم الأخلاق، ولا سيما في شهر رمضان، لا كما يفكّر بعض الناس، أن الصوم الّذي يُسبِّب له الجوع والعطش، يبرر له الغضب على زوجته وأولاده وعمّاله. فدور الصوم هو أن يقوّي لك إرادتك على أن تجاهد نفسك، وأن يجعلك إنساناً يلتزم الطاعة، ويبتعد عن المعصية، وينفتح على الناس بكل الخير. فعلى الإنسان أن يحسّن في هذا الشهر خلقه في أهله وفي مجالات عمله، ومع الناس الذين يعاشرهم ويعاشرونه، ويخالطهم ويخالطونه.

وهناك نقطة ثانية، وهي أنّه قد يكون هناك أناس ممّن يعيشون تحت سلطة شخص يحتاجون إليه ويعيشون الضعف أمامه. وما يتلاءم مع الخط الإسلامي الأخلاقي في هذا المجال، هو أن يخفِّف عنهم هذا الشّخص في شهر رمضان بعضاً من المسؤوليات التي يحمّلهم إيّاها، خصوصاً أن صومهم يجعلهم يواجهون بعض المشقات في تحمّل المسؤوليات. في هذا المجال، يقول النبي(ص): «ومن خفَّف في هذا الشهر عمّا ملكت يمينه ـ وهو كناية عمّن هم تحت سلطته ومسؤوليته ـ خفّف الله عليه حسابه، ومن كفّ فيه شرّه، كفّ الله عنه غضبه يوم يلقاه»، فإذا كنت لا تستطيع أن تعطي الناس من خيرك، فعلى الأقل كفَّ عنهم شرّك، ولا سيما في طريقتك في الكلام أو في التعامل، فلا يصدر منك تجاههم أيّ سوء مما يصدر من الأشرار في السبّ والضرب وما إلى ذلك.

حفظ كرامة اليتيم:

ويتابع النبيّ(ص): «ومن أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه»؛ باعتبار أن النظرة الإسلامية إلى اليتيم، هي أنه أمانة الله في المجتمع، فاليتيم الذي فقد أباه الذي يقوم بشؤونه، أو فقد والديه، سيعيش الضياع، لأنّه لا يجد أحداً يرعاه في طعامه وشرابه وكسوته وتعليمه ورعايته. لذلك فإن الله يريد من المجتمع كله أن يتحمّل مسؤولية اليتيم ليكرمه. وكلمة إكرام اليتيم لها معنى، وهو أنك عندما تريد أن تعين اليتيم، فإنك تعينه مع حفظ كرامته وعزته؛ أن لا يشعر أمامك بأنك تصله أو تقدّم إليه شيئاً يذلّه، بل لا بد من أن تشعره بالكرامة والإنسانية.

وفي ضوء هذا، علينا أن نعمل على رعاية الأيتام في بيوتهم، وفي المبرات التي تكفل لهم كل حياتهم، من غذاء وشراب وكسوة وتعليم، لأن ذلك هو الذي يرتفع باليتيم إلى مستوى الكرامة، ويحوّله إلى إنسان صالح يمكن أن يحقق ذاته في المجتمع، وأن يخدم مجتمعه بطريقة وبأخرى؛ أن نعمل على رعايتهم، خصوصاً في المرحلة الصعبة التي عشناها من خلال العدوان الإسرائيلي، والّذي خلّف الكثير من الأيتام. فلا بد لنا من أن نعمل على أساس الاهتمام بهم، لنحصل على الجائزة الكبرى، وهي أن يكرمنا الله يوم نلقاه. وإكرام الله هو الذي لا بد من أن يتنافس فيه المتنافسون، لأنه يمثل رحمته وعفوه.

ويكمل النبي(ص): «ومن وصل فيه رحمه ـ فالله أراد للناس أن يعيشوا هذا الجو الاجتماعي العائلي من خلال وصل الرحم، لأن الله أمرنا بذلك ـ وصله الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه». وصلة الرحم تختلف بحسب طبيعة الأساليب والوسائل ـ ومن تطوّع فيه بصلاة كتب الله له براءةً من النار، ومن أدّى فيه فرضاً كان له ثواب من أدّى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور، ومن أكثر فيه من الصلاة عليّ ثقّل الله ميزانه يوم تخفّ فيه الموازين، ومن تلا فيه آيةً من القرآن ـ تلاوة تدبّر ووعي ـ كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور. أيها الناس، إن أبواب الجنان في هذا الشهر مفتّحة، فاسألوا ربكم أن لا يغلقها عليكم ـ بمعاصيكم وسيئاتكم وشروركم ـ وأبواب النيران مغلقة، فاسألوا ربّكم أن لا يفتحها عليكم، والشياطين مغلولة، فاسألوا ربكم أن لا يسلّطها عليكم».

الورع عن محارم الله:

ويقول أمير المؤمنين(ع): «فقمت وقلت: يا رسول الله، ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟ فقال: أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله». يقول الإمام عليّ(ع): «ثم بكى، فقلت: يا رسول الله، ما يبكيك؟ فقال: "يا عليّ، أبكي لما يستحلّ منك في هذا الشهر... ـ وفي ذلك دلالة على العاطفة العميقة بين النبي(ص) وعليّ(ع)، لأن النبي كان يحبّ علياً حباً لا يدنو إليه حبّ. ولم يتأثّر عليّ بكلام الرّسول(ص) أو يحزن لأنه سوف يُقتل في هذا الشهر، ولكنه سأله عمّا يهمُّه ـ فقلت: يا رسول الله، وذلك في سلامة من ديني؟ ـ لقد عشت حياتي معك منذ طفولتي، وجاهدت معك، وانطلقت مع الإسلام حتى ألقى الله وهو عني راضٍ، فعندما أواجه منيّتي في هذا الشهر، هل أواجهها والله راضٍ عني ـ قال(ص): في سلامة في دينك». ولذلك قال عليّ(ع)، عندما ضربه الشقي ابن ملجم على رأسه وهو في مصلاّه: «بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله، فزت وربّ الكعبة»، لأنه كان ينظر إلى كل حياته مع رسول الله؛ كيف بدأت بجهاده، وكيف انتهت بشهادته بين يدي الله. والسلام عليه يوم وُلد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً.

الخطبة الثانية

بسم الله الرَّحمن الرحيم

عباد الله... اتقوا الله، وواجهوا المستكبرين بكل ما لديكم من عزيمة وقوة، لأن المستكبرين هم الذين يعملون بكل قوتهم في سبيل إسقاط الإسلام والمسلمين، فماذا هناك:

أمريكا تسقط اعترافها بالدّيقراطيّة المعارضة:

لا تزال أمريكا تتخبّط في مفرداتها السياسية التي تستخدمها في حربها ضد معارضيها في منطقة الشرق الأوسط، فقد دأبت على الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الشعوب في التعبير السياسي الحرّ، في عملية إدانة للأنظمة التي وصفتها بالشمولية غير الملتزمة بهذه المبادىء، كما دأبت على دعوة بعض دول المنطقة إلى الالتزام بها، وفي مقدّمها الدول الحليفة أو العميلة لها، مع استخدام بعض الأساليب المرِنة التي تتحدث بإيجابية عن بعض الشكليات الديمقراطية في هذه الدولة أو تلك.

ولكن الإدارة الأمريكية لم تركّز في المرحلة الحاضرة على تلك المبادىء، لأن هناك سياسة جديدة تخطّّط لها في حملتها على بعض المواقع المعارضة لها، التي أخذت شرعيّتها من خلال النهج الديمقراطي في حصولها على أصوات الأكثرية الشعبية المؤيّدة لها، كإيران التي حصلت حكومتها على الأغلبية الساحقة من أصوات الشعب الإيراني في انتخابات حرة، وكحزب الله في لبنان الذي حصل على مواقعه السياسية في البرلمان اللبناني بأكثرية كاسحة في الجنوب والبقاع وبيروت، وكحركة حماس التي نجحت بأصوات الأكثرية الفلسطينية في انتخابات ديمقراطية حرّة باعتراف العالم كله...

ولكن أمريكا أسقطت اعترافها بالدّيمقراطية واحترامها لها في هذه المواقع، لأنها لا تتوافق مع سياستها الاستكبارية، ولأنّها انطلقت في سياسة حرّة مستقلّة في التزاماتها بمصالح شعبها ضد السياسة الأمريكية والإسرائيلية التي تعمل على الهيمنة على مقدَّرات الشعوب المستضعفة في المنطقة وفي العالم، ولاسيما العالم الثالث، وعملت على اعتبار المقاومة الإسلامية في لبنان والانتفاضة الجهادية في فلسطين حركتين إرهابيتين، لأنهما تتحركان من أجل تحرير الأرض والإنسان في مواجهتهما للعدوان الإسرائيلي المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية، الملتزمة بالكيان الصهيوني التزاماً مطلقاً على حساب الشعبين الفلسطيني واللبناني.

أما إيران، فإن أمريكا وصفتها بالدولة المارقة، واعتبرتها محور الشر، واتهمتها بدعم الإرهاب، وذلك لأنّ إيران تؤيد حركة التحرر في لبنان وفلسطين والعراق، وترفض الاستكبار الأمريكي في سياسته واقتصاده وأمنه. وهكذا رأينا الإدارة الأمريكية تطلق بعض المفردات الجديدة في حركة وزيرة الخارجية الأمريكية في رحلتها في المنطقة، حيث تحدّثت عن الاعتدال والتطرّف، من أجل تحريك بعض الدول التي اعتبرتها دولاً معتدلةً ضد الدول الأخرى التي وصفتها بالمتطرفة، كإيران وسوريا، إضافة إلى بعض الحركات التحررية، كحزب الله وحماس والجهاد الإسلامي، وذلك من خلال إيجاد محور جديد من أصدقاء أمريكا للتحرّك السياسي بغية إرباك الواقع في المنطقة.

محاولات أمريكية ـ إسرائيلية لإسقاط حكومة حماس:

وهذا ما تحدّثت به الوزيرة الأمريكية التي أرادت من رئاسة السلطة الفلسطينية إسقاط حكومة حماس، لأنها لم تعترف بإسرائيل، ولأنها لم تستطع حلّ مشكلة الفلسطينيين، من دون أن تذكر أن السبب في ذلك هو الحصار الاقتصادي المفروض على الشعب الفلسطيني دولياً وإسرائيلياً وعربياً بضغط أمريكي. ولعلّ الأحداث الدامية التي حصلت في غزة بعد قدوم رئيس السلطة من رحلته إلى أمريكا، كانت بفعل الإيحاءات الأمريكية التي قدّمت له التشجيع للقيام بالأوضاع القلقة التي أدّت إلى النتائج الأليمة في نزف الدم الفلسطيني... ولا تزال الخطة الأمريكية ـ الإسرائيلية تتحرك من أجل استكمال عملية إسقاط حكومة حماس، أو تحريك الفتنة الداخلية في القتال الفلسطيني ـ الفلسطيني، في خطة تهدف إلى الإيحاء بفشل الحكومة الفلسطينية في تجربتها في حساب المسؤولية.

السّعي لتشكيل محور عربيّ ضدّ إيران:

وهكذا رأينا أن الوزيرة الأمريكية خطّطت مع أصدقائها في مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن لإيجاد محور عربي ضد إيران، للضغط على ملفها النووي السلمي، بالإيحاء بأنه يمثل الخطر على هذه الدول والمنطقة، بحجة أن إيران تعمل على إنتاج السلاح النووي، مع ملاحظة مهمة، وهي أنّ أي دولة من هذه الدول، لم تتحدّث مع هذه الوزيرة عن السلاح النووي الإسرائيلي الضخم الذي كانت مصر قد طالبت بنـزعه من المنطقة، لأنهم يعرفون أن الحديث عن إسرائيل بشكل سلبي هو من المحرَّمات الأمريكية التي يخاف هؤلاء المعتدلون من تحريكه...

وقد حاولت هذه الوزيرة أن تتحدث معهم عن الحل الحاسم للصراع العربي ـ الإسرائيلي، من خلال مطالبة الرئيس الأمريكي بدولتين مستقلتين هما إسرائيل وفلسطين. وصفّق المعتدلون لذلك، لأنهم ـ كعادة العرب ـ يلهثون مع الكلمات الأمريكية الإيجابية التي تتميّز بالخداع والإغراء واللعب على الألفاظ، لأن الاستراتيجية الأمريكية ـ الإسرائيلية ترتكز على تنفيذ كل مطامع إسرائيل في فلسطين، حتى لا يبقى للفلسطينيين أيّ موقع للدولة إلا بما يشبه الدولة المسخ التي لا تقبل الحياة.

ولم تنسَ هذه الوزيرة الحديث عن لبنان الذي استطاعت مقاومته البطلة التحريرية أن تسقط الخطة الأمريكية ـ الإسرائيلية في أهداف العدوان، وأن تصادر كل العنفوان الإسرائيلي للجيش الصهيوني الذي كان يقال عنه إنه الجيش الذي لا يقهر، فلم يحصل العدوّ على أي هدف من أهدافه المعلنة، ولم تستطع أمريكا أن تحقق من خلاله أيّ هدف من أهدافها في إسقاط المقاومة ونزع سلاحها...

ملاحظات على الزيارة الأمريكية للمنطقة:

إنّ هذا اللقاء الأمريكي ـ العربي عمل على التخطيط لمواجهة المقاومة الإسلامية بمختلف الخطوط الداخلية والخارجية، في نطاق اللعبة الدولية والتجاذبات السياسية المحلية. ولكننا في ملاحظاتنا لهذه الزيارة الأمريكية للمنطقة، نسجّل بعض النقاط:

أولاً: ما هو مضمون الاعتدال الأمريكي الذي تتصف به الدول العربية الثماني؛ هل هو الخضوع للسياسة الأمريكية بشكل مطلق لتنفيذ كل خطوطها في المنطقة وخدمة مصالحها الاقتصادية والسياسية والأمنية، وخوض حروبها ضد معارضيها؟ وهذا ما نلاحظه في بعض التصريحات لبعض هذه الدول في الحديث عن الخطر الإيراني، في الوقت الذي انفتحت إيران على كل دول الخليج وعلى مصر من الناحية الأمنية، وقدمت لهم المواثيق بأنها لم تخطط لصنع السلاح النووي، الأمر الذي يؤكد أنه لا مصلحة لكل هذه الدول في معاداة الجمهورية الإسلامية في إيران.

ثانياً: إن من السذاجة اعتقاد بعض العرب أن وزيرة الخارجية قادمة إلى المنطقة من أجل إيجاد الوسائل الواقعية الكفيلة بحل مشكلة الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وخصوصاً في الوضع الذي تعاني فيه حكومة العدو من الضعف بفعل الخسائر التي تكبّدتها نتيجة عدوانها على لبنان، ولاسيما أن المتطرفين في كيان العدو يرفضون أي حلّ يمنح الشعب الفلسطيني حريته في تقرير مصيره.

ثالثاً: إن أمريكا لا تزال تعاني الأزمات الخانقة في احتلالها للعراق وأفغانستان، وفي أكثر من بلد عربي وإسلامي من الرافضين للنفوذ الأمريكي. ولذلك فإن اندفاع هذه الدول في تأييد السياسة الأمريكية، قد يخلق لها الكثير من المشاكل مع شعوبها، لاسيما بعد الاهتزاز الشعبي ضد الأنظمة التي وقفت ضد المقاومة ولمصلحة العدوان الإسرائيلي الذي كانت تخطط معه لإسقاط المقاومة.

إننا ندعو كل الأحرار من شعوبنا العربية والإسلامية إلى التحرك من أجل إفشال الخطط الأمريكية ـ الإسرائيلية، بالوسائل المناسبة، لأن قضية الحرية وحقوق الإنسان لا تلتقي بكل تلك الخطط، كما ندعو الشعب الفلسطيني إلى الحذر من المؤامرة الجديدة التي يراد بها إسقاط القضية من خلال الذين ينفّذون الخطة الأمريكية ـ الإسرائيلية لتحصل إسرائيل على ما تريد من دون حرب، وندعو كل الفصائل المجاهدة إلى العودة إلى المقاومة، لأنها وحدها التي تقود إلى التحرير.

لبنان: الحذر من المخططات الخفية:

أما لبنان، فإننا ندعو الشَّعب اللبناني إلى المزيد من الحذر من المخططات الخفية التي ترسمها بعض الخطوط الدولية من أجل خلط الأوراق، وإثارة المشاكل الهامشية، وتحريك الحساسيات الطائفية والمذهبية، وإشغال الناس عن قضاياهم الحيوية والمصيرية، وإبقاء قضايا الهدر والفساد في دائرة النسيان، لأنه ليس هناك من يحاكم حتى لو قدّمت الحيثيات أمام القضاء، باعتبار أن هناك من يحاول العبث بنـزاهة القضاء وقدسيّته في أكثر من لعبة طائفية.

إن لبنان لا يزال يعيش في مهبّ الرياح الدولية والإقليمية والمحلية، ولا يزال بعض اللبنانيين مستغرقين في قضاياهم الحزبية والطائفية والمذهبية والشخصية، بعيداً عن الوطن كله وعن المواطنين، فكيف يعيش لبنان لدى الذين يقولون دائماً "عاش لبنان"، في الخط الذي يحفرون فيه القبر الكبير له ولمواطنيه؟

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية