يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {ولتكن منكم أمَّة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} (آل عمران:104)، ويقول سبحانه وهو يخاطب المسلمين: {كنتم خير أمة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون} (آل عمران:110)، ويقول تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} (التوبة:71) .
في هذه الآيات وغيرها، يؤكّد الله سبحانه وتعالى المبدأ الذي جعله عنواناً للقيمة التي ترتفع بالأمة وتجعلها خير أمة أُخرجت للناس، باعتبار أنها الأمة التي تتحمّل المسؤولية في تحقيق النتائج الكبرى التي تسمو بمستواها في الجوانب الروحية والأخلاقية والاجتماعية والشرعية وما إلى ذلك.
ومسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هي من الأمور التي يتحمّل مسؤوليتها كل شخص بحسب ظروفه الاجتماعية، وعلاقاته الإنسانية، وهي تنفتح على القضايا الكبرى للأمة، كما تنفتح على قضاياها الصغرى. فالله تعالى أراد للناس أن يأمروا أهلهم بالمعروف وأن ينهوهم عن المنكر، ولذلك جاء في قول الله تعالى عن وصية لقمان لولده: {يا بنيَّ أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانهَ عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور} (لقمان:17)، وقال تعالى مخاطباً رسوله والأمة من خلاله: {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها} (طه:132)، وقال سبحانه مخاطباً نبيّه في بداية الدعوة: {وأنذر عشيرتك الأقربين}، أنذرهم بما يواجهونه من النتائج السلبية إذا لم يلتزموا بالإسلام وينفتحوا على الله ويتقوه، ويقول تعالى مخاطباً كل إنسان منا: {يا أيها الذين آمنوا قو أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} (التحريم:6) .
أفضل أعمال الخلق
وعن الإمام الباقر(ع): "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلقان من خلق الله، فمن نصرهما أعزّه الله، ومن خذلهما خذله الله"، ويقول الإمام الباقر أو الصادق(ع): "ويل لمن لا يدين الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، ويقول رسول الله(ص): "من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة الله في الأرض وخليفة رسوله". ويقول الإمام عليّ(ع): "قوام الشريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود"، ويقول(ع) أيضاً: "وما أعمال البر كلها والجهاد في سبيل الله عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا كنفثة في بحر لجيّ"، وذلك لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الذي يقيم خط الاستقامة، ويرتفع بالناس إلى أن يعيشوا الحياة المتكاملة المنفتحة على الله.
ويوجِّهنا الله تعالى في مصاديق الأمر بالمعروف ومظاهره، فيقول تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ـ لأن أداء الأمانة من المعروف الذي يرضاه الله ـ وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ـ لأنَّ الحكم بالعدل هو ما يريده الله للحياة، وما يريد للناس أن يأخذوا به ـ إن الله نعِمّا يعظكم به}.
ويقول الإمام عليّ(ع): "الأمر بالمعروف أفضل أعمال الخلق"، ويقول(ع): "من أمر بالمعروف شدّ ظهور المؤمنين". ويقول رسول الله(ص): "إن الله تبارك وتعالى ليبغض المؤمن الضعيف الذي لا زير له. وقال(ص): هو الذي لا ينهى عن المنكر"، وعنه(ص): "إن الله عزّ وجلّ ليبغض المؤمن الضعيف الذي لا دين له"، فقيل له: وما المؤمن الذي لا دين له؟ قال(ص): "الذي لا ينهى عن المنكر"، يمر على المنكر ولا يعترض عليه. وعنه(ص): "لا ينبغي لنفس مؤمنة ترى من يعصي الله فلا تنكر عليه". وعن الإمام الحسين(ع): "لا تحلّ لعين مؤمنة ترى الله يُعصى فتطرف حتى يغيّره"، ويقول الإمام الصادق(ع): "إذا رأى المنكر فلم ينكره وهو يقدر عليه، فقد أحبّ أن يُعصى الله، ومَن أحبّ أن يُعصى الله فقد بارز الله بالعداوة".
سبيل الأنبياء ومنهاج الصَّالحين
ويتحدث الله تعالى عن سبب لعن الذين كفروا، فيقول: {لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون* كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه ـ لا ينهون بعضهم بعضاً عن المنكر ـ لبئس ما كانوا يفعلون} (المائدة:78-79). ويقول الإمام عليّ(ع): "إنما أهلك من كان قبلكم ما عملوا من المعاصي، ولم ينههم الربانيون والأحبار عن ذلك، فإنهم لما تمادوا في المعاصي نزلت بهم العقوبات". ويقول(ع) أيضاً: "إن الله سبحانه وتعالى لم يلعن القرون الماضية بين أيديكم إلا لتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". ويقول الإمام الحسين(ع): "اعتبروا أيها الناس بما وعظ الله به أولياءه من سوء ثنائه على الأحبار، إذ يقول: {لولا ينهاهم الربانيون والأحبار} (المائدة:63)، وقال: {لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل}، وإنما عاب الله عليهم ذلك لأنهم كانوا يرون من الظلمة ـ من الحاكمين والمتكبرين ـ الذين بين أظهرهم المنكر والفساد، فلا ينهونهم عن ذلك، رغبةً فيما كانوا ينالونه منهم، ورهبة مما يحذرون، والله يقول: {فلا تخشوا الناس واخشوني} (المائدة:44)".
وقد جاء عن الإمام الصادق(ع): "لمّا نزلت الآية: {يا أيها الذين آمنوا قو أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة}، جلس رجل من المؤمنين يبكي وهو يقول: "أنا عجزت عن نفسي، وكُلّفت بأهلي، فقال له رسول الله(ص): "حسبك أن تأمرهم بما تأمر به نفسك، وتنهاهم عما تنهى به نفسك"، فلا تسكت على عمل فيه منكر تقوم به عائلتك، ولا تواجه المسألة باللامبالاة.
ويقول الإمام الباقر(ع): "إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء، ومنهاج الصلحاء، فريضة عظيمة تقام بها الفرائض، وتأمن المذاهب، وتحلّ المكاسب ـ فلا تكون هناك مكاسب وتجارات محرّمة ـ وتردُّ المظالم ـ عندما يُنتصف للمظلوم من ظالمه ـ وتعمر الأرض ـ أمام الذين يريدون أن يهدِّموا كل أوضاعها ـ وينتصف من الأعداء ـ عندما يُواجهون بالموقف الحاسم ـ ويستقيم الأمر"، ليشمل كل قضايا الحياة التي يواجهها الناس في التزاماتهم الشرعية.
ويقول الإمام الحسين(ع): "اعتبروا أيُّها الناس بما وعظ الله به أولياءه...، وقال: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} (التوبة:71)، فبدأ الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضةً منه، لعلمه بأنها إذا أُديت وأُقيمت استقامت الفرائض كلها، هيّنها وصعبها، وذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء إلى الإسلام مع ردّ المظالم ومخالفة الظالم، وقسمة الفيء والغنائم، وأخذ الصدقات من مواضعها، ووضعها في حقها".
وهكذا نواجه هذه الفريضة المهمة في كلِّ أمورنا. بعض الناس يعتقدون أنها فريضة تنحصر في جانب معين، ولكن "المعروف" هو كل ما أراد الله للإنسان أن يفعله، و"المنكر" هو كلُّ ما أراد الله للإنسان أن يتركه، سواء في أفعاله بالنسبة إلى نفسه، بأنّ يصلي ويصوم ويحج عند الاستطاعة، ويؤدي حقوق الله تعالى من الخمس والزكاة والكفارات، وينفتح على كل الفرائض التي أمر الله بها، أو في أفعاله بالنسبة إلى إهله، بأن يقوم بمسؤولياته تجاههم، فلا يتركهم جياعاً أو عراة، ولا يبتعد عمّا يصلحهم، وأن يبتعد عمّا حرّمه الله عليه من شرب الخمر ولعب القمار والزنا وأكل أموال الناس بالباطل، وما إلى ذلك. فإذا رأينا أناساً يتركون الواجبات ويفعلون المحرّمات، فعلينا أن نأمرهم بالإتيان بما أوجبه الله عليهم، وننهاهم عمّا حرّمه عليهم.
ورد عن الإمام عليّ(ع): "إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقرّبان من أجل، ولا ينقصان من رزق". وقد جاء في الحديث نقلاً عن إحدى زوجات النبي(ص): "دخل عليّ النبي(ص)، فعرفت في وجهه أن قد حضره شيء، فتوضَّأ وما كلّم أحداً، فلصقت بالحجرة أستمع ما يقول، فقعد على المنبر، فحمد الله، وقال: أيها الناس، إنَّ الله يقول لكم: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، قبل أن تدعوا فلا أجيب لكم، وتسألوني فلا أعطيكم، وتستنصروني فلا أنصركم". ومن وصية الإمام عليّ(ع) للحسنين(ع): "لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولّى عليكم شراركم، ثم تدعون فلا يُستجاب لكم".
إن علينا أن نتحمّل مسؤوليّة ما حمّلنا الله مسؤوليته: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته"، فالله يريد للناس أن يتحمّلوا مسؤوليّة ما في واقعهم من سلبيات ليعملوا على إزالتها، وأن يعزّزوا الإيجابيات فيه، لأن ذلك هو الذي يجعل من المجتمع مجتمعاً قوياً عزيزاً كريماً تقياً منفتحاً على الله تعالى، لأن الإنسان ليس مسؤولاً عن نفسه فقط، وإنما هو مسؤول عن أهله وعن المجتمع كله في القضايا العامة وعلى كل المستويات. هذا ما يريده الله لنا أن ننفتح عليه، وأن نطيعه فيه {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون} (المطفّفون:26) .
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله... اتقوا الله، وواجهوا الموقف في المسؤولية الكبرى عن كل ما حمّلكم الله مسؤوليته، وعن كل ما كلّفكم في أموركم العامة والخاصة، لأنّه سبحانه يريد المجتمع المسلم مجتمعاً يتعاون على البر والتقوى، ولا يتعاون على الإثم والعدوان، ويقف كالبنيان المرصوص في مواجهة كل الكافرين والمستكبرين الذين يريدون إسقاط الأمة في كل قضاياها. فماذا هناك ممّا يثيره هؤلاء المستكبرون في عالمنا الإسلامي والمستضعف.
الرئيس الأمريكي: موت الشعور الإنساني
تحاول إسرائيل التنصّل من مجزرة شاطئ غزَّة بمختلف الأساليب، من خلال الحديث عن حصولها من طريق الخطأ وغيره، في الوقت الذي تتحدث صحافتها عن وحشية المجزرة ومسؤولية الجيش الصهيوني عنها، ولكنّ الرئيس الأمريكي برّر المجزرة بأنها "دفاع عن النفس"، لأنه يرى أن لإسرائيل ـ وحدها ـ الحق فيه، دون أن تتحرك مشاعره لمشهد الطفلة البريئة التي تركض أمام أجساد عائلتها، لأنّه لا يملك أيّ شعور إنساني أمام مأساة الطفولة، إلا إذا كانت المسألة ترتبط بأطفال اليهود، أما أطفال الفلسطينيين والعراق، فإنهم بمثابة الحشرات التي لا مانع من ذبحها بدم بارد!!
إن مشكلة هذا الرئيس أنه لا يجد أن من حق الفلسطينيين الدفاع عن أنفسهم أمام العدوان الصهيوني، في اغتيالاته وقصف دباباته وصواريخه للمدنيين في غزة. ومن المضحك المبكي، أنه يتحدث عن حقوق الإنسان التي تنتهكها أمريكا ـ ومعها إسرائيل ـ في كلِّ ممارساتها، سواء في احتلالها وسجونها، من خلال وسائل التعذيب الوحشية، أو في قصفها للمنازل المدنية. ومن الملفت أن الدول الغربية تؤيدها في ذلك، في صمت رهيب عن كلِّ الوحشية اليهودية والأمريكية؟!
وهذا ما ينبغي للعالم المستضعف أن يفهمه عن أمريكا وعن الغرب الذي يتحدث عن الحضارة الإنسانية. وتستمر إسرائيل في القصف، ويستمر العالم المستكبر ـ ومعه بعض الدول العربية ـ في الصمت واللامبالاة، في مناخ الهزيمة السياسية والنفسية.
فلسطين: مرحلة استمرار المقاومة
ولعلَّ المشكلة الكبرى تتمثّل في الصراع الفلسطيني ـ الفلسطيني، الذي يمهّد للفتنة، ويثير الجدل حول استمرار المقاومة، مع تحرّك البعض في مواقعه المسؤولة للضغط من أجل الاعتراف بإسرائيل من دون قيد أو شرط، في الوقت الذي لم يصدر منها أيّ وعد بالحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني، بل إنّ كلّ ما يمكن أن تقدّمه إسرائيل، هو قبولها بالمفاوضات التي تتحدث عن رفض القضايا الحيوية للفلسطينيين، كحقِّ العودة، وإعادة القدس، وتهديم الجدار والمستوطنات، ما يجعل المطلوب هو الاستسلام المطلق.
إننا نعتقد أن المرحلة هي مرحلة استمرار المقاومة وليست مرحلة الدولة، لأن العالم المستكبر لا يزال يرعى دولة إسرائيل، أما دولة فلسطين، فإنه يحيطها بأكثر من قيد من الناحيتين الأمنية والسياسية، مما لا احترام فيه لحقوق الشعب الفلسطيني. إن الغرب يخادع في حديثه عن الحرية السياسية للشعوب، وهو الذي ساعد اليهود في احتلال فلسطين، ما يعني أنه يرى شرعية احتلال شعب لشعب آخر، أو احتلال دولة لدولة أخرى. ولذلك، فإننا نعتقد أن على الجميع في فلسطين العودة إلى المقاومة، فهي التي تربك كل الخطوط الإسرائيلية والدولية ـ وحتى العربية الانهزامية ـ و"ما ضاع حق وراءه مطالِب"، لأنهم لن يربحوا أيّ حق من حقوقهم من خلال اللجنة الرباعية الدولية أو القرارات العربية.
العراق بين الاحتلال ومأساة التكفيريين
أما العراق، فلا يزال في الدوّامة من الناحية الأمنية، حتى إن الرئيس الأمريكي زاره بطريقة سريّة خوفاً من أية عملية أمنية تستهدفه، في الوقت الذي لا يزال يستهلك الكلام حول الانتصار الأمريكي، من دون أن يفكر في العمل على إنقاذ الشعب العراقي من احتلاله الذي جرّ عليه الويلات من جميع النواحي، إضافة إلى نهب ثرواته من خلال شركاته الوهمية، والعبث بكل أوضاعه من خلال مخابراته المتحالفة مع الموساد، ولاسيما في إثارة الفتنة الطائفية. ولا يزال يتخبّط في مآزقه المتنوّعة التي أسقطت كل مشاريعه في المنطقة، من الحرب على ما يسمّى الإرهاب أو مشروع الشرق الأوسط الكبير، والسقوط في مناخات الكراهية من قِبَل الشعوب للسياسة الأمريكية، على الرغم من كل إمكانات القوة التي تملكها.
إننا نهيب بالشعب العراقي الجريح الذي لا يزال ينتقل ـ بفعل الاحتلال ـ من مشكلة إلى أخرى، ويواجه المأساة من خلال التكفيريين الذي يهددون المسلمين بالقتل والتفجير، ولاسيما الشيعة، إضافةً إلى تهديد السنّة الذين يوافقون على الدخول في المسألة السياسية. لقد أضاع هؤلاء البوصلة التي تجمع المسلمين على مواجهة الاحتلال، بقتلهم الآلاف من المسلمين، حتى الأطفال والنساء والمدنيين الأبرياء، تحت اجتهادات جاهلة متخلّفة. إننا ندعو الشعب العراقي من كل الأطياف والمذاهب، إلى الارتفاع إلى مستوى المشكلة المعقّدة، وإلى وعي المرحلة السياسية في المنطقة، ليحصلوا على الحرية والسيادة والاستقلال إلى جانب الشعوب العربية والإسلامية، للخلاص من الأخطبوط الأمريكي قبل فوات الأوان.
لبنان: استباحة أمنية وسياسية
أما لبنان، الذي تبيّن أنه مستباح من الناحية الأمنية للاستخبارات الإسرائيلية، كما هو مستباح من الناحيتين السياسية والأمنية لدول الوصاية الأجنبية، وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية، فهو في حاجة إلى إعادة النظر في كثير من الأمور والخطط، لمنع الاختراق الإسرائيلي الذي يمثل الخطر المستمر على لبنان بكل أطيافه وتنوّعاته.
إن اكتشاف الشبكة العميلة التي تعمل لحساب الموساد في لبنان، والمسؤولة عن العديد من العمليات الإرهابية وعمليات الاغتيال، يطرح السؤال مجدداً حول الموقف الذي ينبغي للدول التي تدّعي الحرص على سيادة لبنان أن تتخذه، وخصوصاً دول الاتحاد الأوروبي، التي لم نسمع منها ـ حتى الآن ـ أيّ تعليق أو موقف يدين هذه الاستباحة الأمنية الإسرائيلية، وهذا التدخّل الإسرائيلي في لبنان!! أما الولايات المتحدة الأمريكية، التي لا تنفك تطالب سوريا بسحب استخباراتها من لبنان، وعدم التدخّل في الشؤون اللبنانية الداخلية، فلم نسمع منها كلمة واحدة تطالب إسرائيل بكفّ يدها عن لبنان، ووقف عمل استخباراتها واستباحتها للواقع اللبناني!!
المقاومة والجيش: العين الساهرة
إن استبعاد العامل الإسرائيلي عن زعزعة الاستقرار الداخلي في لبنان، يمثل سذاجةً سياسيةً غير مسبوقة، إن لم نقل إنّه يمثل نوعاً من أنواع التواطؤ، وإن الكشف عن هذه الشبكة، بقدر ما يعبّر عن الارتياح لوجود عين ساهرة على البلد، تتمثل بالمقاومة والجيش معاً، يؤكد وجوب تعزيز عناصر الحماية الداخلية للبلد، بالاعتماد على قدرة المقاومة، والتعاون مع السلطات الرسمية التي تشعر بأهمية منع إسرائيل من التسلل إلى الداخل اللبناني عبر مخابراتها.
إن ما كُشف النقاب عنه من اغتيالات قامت بها هذه الشبكة، يستدعي التقدّم إلى الأمم المتحدة لإجراء تحقيق مفصّل حول الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في لبنان، وعبثها بالأمن الداخلي فيه، وبالتالي إمكانية أن تكون مسؤولةً عن كثير من عمليات الاغتيال التي حصلت في السنوات الماضية.