ليكن حبّ عليّ(ع) وموالاته في السّير على النهج المستقيم

ليكن حبّ عليّ(ع) وموالاته في السّير على النهج المستقيم

ليكن حبّ عليّ(ع) وموالاته في السّير على النهج المستقيم

 

ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته:

الدور الرسالي لعليّ(ع)

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد} (البقرة:207). يذكر كثير من المفسّرين، أن هذه الآية نزلت لتتحدث عن عليّ(ع) بأنه الشخص الذي باع نفسه لله ابتغاء مرضاته، فلم يكن لذاته شيء من نفسه، بل كان بكله؛ بعقله وقلبه ومشاعره وأحاسيسه وكل طاقته وحركته، لله تعالى، وكانت رسالته أن يرفع الناس ليقتربوا من الله، وليتقوه ويطيعوه، وتلك كانت كلمته عندما كان يخاطب الناس في خلافته: "ليس أمري وأمركم واحداً، إنّي أريدكم لله وأنتم تريدونني لأنفسكم"؛ إن دوري هو الدور الرسالي الذي ينفذ إلى عقول الناس ليجعلها عقولاً متحركة بالحقّ، وإلى قلوبهم ليجعلها قلوباً منفتحة على الخير، وإلى حياتهم ليجعلها حياةً متحرّكة في خط العدل. لقد كان(ع) يتحرك لتكون خلافته امتداداً للدور الرسالي الذي تحمّل مسؤوليته عندما أراد له النبي(ص) أن يكون خليفته وأميراً للمؤمنين، لأنَّ النبي(ص) عرف أن عليّاً(ع) منذ طفولته كان لله ولرسول الله، وكان للإسلام كله وللأمة كلها. ولذلك، فإنه(ع) قال: "لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلا عليَّ خاصة"، وقال: "ما ترك لي الحق من صديق"، وقال لابن عباس وهو يخصف نعله: "أترى هذه النعل؟"، قال: بلى، فقال(ع): "إنها أعظم من إمرتكم هذه، إلا أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً".

ولذلك، فإنَّ عليّاً(ع) عندما تسلّم الخلافة، وهي حقُّه، بعد أن أُبعد عنها مدة خمس وعشرين سنة، كان يقوم بها كما أراد الله ورسوله. كان يريد للناس أن يستوعبوا الرسالة كلها، وكان يريد للأمة أن تكون أمة مثقفة بكل قواعد الإسلام، ومنفتحةً على العلم والمعرفة، ولذلك كان يقف بين وقت وآخر ليوجّه الناس ويعلّمهم، وليكونوا في خط إسلامي واعٍ، يعرف كل منهم كيف ينطلق بإسلامه.

لذا علينا دائماً أن نقرأ كلماته ونفهمها، لأن عليّاً(ع) ليس إمام الفترة التي عاشها في خلافته فحسب، بل إنه يعيش معنا من خلال ما أنتج من فكر، وما قدّم من مواعظ ونصائح، ومن خلال ما وضع من خطط.

السير في الخطّ المستقيم

كان(ع) يقف بين الناس ويقول لهم: "العمل العمل، ثم النهاية النهاية ـ والنهاية هي عندما تقفون بين يدي الله غداً ليحاسبكم على كل أعمالكم فيما أسلفتموه في الدنيا من خير أو شر ـ والاستقامة الاستقامة ـ كونوا في خط الاستقامة، لتكون البداية منسجمة مع النهاية ـ ثم الصبر الصبر ـ لأن الالتزام بالإسلام يحمّل الإنسان مسؤوليات كبيرة، ويحرمه من شهوات كثيرة، ولذلك لا بدَّ له من أن يصبر حتى يستطيع أن يحرّك حياته بالإسلام كله ـ والورع الورع ـ عن محارم الله، ليكون الإنسان في خط التقوى ـ إن لكم نهاية ـ ستكون بالوقوف بين يدي الله ـ فانتهوا إلى نهايتكم، وإن لكم عَلَماً ـ وهو الإسلام ـ فاهتدوا بعَلَمكم، وإن للإسلام غاية ـ وهي أن يرفع مستوى الناس ليكونوا قريبين من الله، مؤمنين به ـ فانتهوا إلى غايته، واخرجوا إلى الله بما افترض عليكم من حقِّه، وبيّن لكم من وظائفه. أنا شاهد لكم وحجيج يوم القيامة عنكم ـ إذا انطلقتم معي وسرتم في الخط المستقيم الذي أقودكم إليه، فسأقف يوم القيامة وأقول: يا ربِّ، إن هؤلاء الناس أطاعوك وطبَّقوا أوامرك ونواهيك ـ ... وإني متكلمٌ بعِدَة الله وحجّته ـ أنا أدعوكم إلى ما أمركم الله به ـ قال الله تعالى: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزّل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون} ـ (فصِّلت:30) ـ وقد قلتم ربنا الله ـ وكلنا يقول ربنا الله عندما نشهد أن لا إله إلا الله ـ فاستقيموا على كتابه وعلى منهاج أمره وعلى الطريقة الصالحة من عبادته، ثم لا تمرقوا منها ـ لا تخرجوا من هذه الطريقة والمنهج ـ ولا تبتدعوا فيها ـ لا تتحدثوا بما لم يأذن الله به ـ ولا تخالفوا عنها ـ عن الطريقة المستقيمة ـ فإن أهل المروق منقَطعٌ بهم عند الله يوم القيامة ـ فمن يمرق ويخرج عن الخط المستقيم لينحرف يميناً أو يساراً، فإنه سيعيش الانقطاع عن الله يوم القيامة ـ ثمّ إياكم وتهزيع الأخلاق ـ تكسير الأخلاق ـ وتصريفها".

ثم يحمّل عليّ(ع) الناس مسؤولية ما رزقهم الله من هذا اللسان الذي يعبّرون من خلاله عمّا في عقولهم وقلوبهم وكل حاجاتهم وكل ما يربطهم بالناس الآخرين، فيقول(ع): "واجعلوا اللسان واحداً ـ لا يكن الرجل بلسانين؛ لسان للحق ولسان للباطل ـ وليخزن الرجل لسانه فإن هذا اللسان جموح بصاحبه ـ فاللسان كالفرس الجموح الذي يجمح بصاحبه ويلقيه أرضاً ـ والله، ما أرى عبداً يتقي تقوى تنفعه حتى يخزن لسانه ـ بعض الناس يصلي ويصوم ويحجّ، ولكنه يطلق العنان للسانه على حريته بالكذب واللعن والتأييد للباطل، فكلُّ هذه التقوى العملية لا تفيده إذا لم يخزن لسانه ـ وإن لسان المؤمن من وراء قلبه، وإن قلب المنافق من وراء لسانه، لأن المؤمن إذا أراد أن يتكلم بكلام تدبّره في نفسه ـ يتفكّر ويتساءل عن امتداداته وخلفياته ـ فإن كان خيراً أبداه، وإن كان شراً واراه، وإن المنافق يتكلم بما أتى على لسانه ـ فالمنافق يطلق الكلام من دون أن يفكر فيه وفي نتائجه وامتداداته ـ لا يدري ماذا له وماذا عليه، ولقد قال رسول الله(ص): لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه، فمن استطاع منكم أن يلقى الله تعالى وهو نقي الراحة من دماء المسلمين وأموالهم، سليم اللسان من أعراضهم، فليفعل".

الأحكام لا تتغيّر بمرور الزمن

ثم يعالج الإمام عليّ(ع) فكرة سائدة عند الكثير منّا، عندما يقول هؤلاء إنّ الدنيا تغيّرت، والزمن أصبح زمناً يختلف عن زمن أجدادنا، فما كان حراماً سابقاً، فإن تطوّر الزمن يجعله حلالاً... هكذا يفكر بعض الناس في موضوع الحجاب مثلاً، أو في موضوع الربا، وعندما تناقشهم في انحرافهم عن الخط الإسلامي، يتحجّجون بتطوّر الزمن. فكيف عالج الإمام هذه الفكرة؟ يقول(ع): "واعلموا عباد الله، أن المؤمن يستحل العام ما استحلّ عاماً أول، ويحرّم العام ما حرّم عاماً أول ـ لأن حلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة، فالزمن لا يغيّر الأحكام الشرعية ـ وإنّ ما أحدث الناس ـ كل تطور من أفعال الناس وكلّ علاقات بينهم ـ لا يحلّ لكم شيئاً مما حُرّم عليكم ـ فانغماس المجتمع في خط الحرام لا يجعل الحلال حراماً ـ ولكن الحلال ما أحلّ الله، والحرام ما حرّم الله، فقد جربتم الأمور وضرستموها، ووُعظتم بمن كان قبلكم من الناس، وضُربت الأمثال لكم، ودُعيتم إلى الأمر الواضح، فلا يصمّ عن ذلك إلا أصم، ولا يعمى عن ذلك إلا أعمى، ومن لم ينفعه الله بالبلاء والتجارب، لم ينتفع بشيء من العظة، وأتاه التقصير من أمامه، حتى يعرف ما أنكر، وينكر ما عرف، وإنما الناس رجلان: متبعٌ شرعة ـ السائر على خط الشريعة ـ ومبتدعٌ بدعة، ليس معه من الله برهان سنّة، ولا ضياء حجة، وإن الله سبحانه لم يعظ أحداً بمثل هذا القرآن، فإنه حبل الله المتين، وسببه الأمين، وفيه ربيع القلب، وينابيع العلم، وما للقلب جلاء غيره، مع أنه قد ذهب المتذكّرون، وبقي الناسون والمتناسون، فإذا رأيتم خيراً ـ في أيِّ مشروع أو دعوة ـ فأعينوا عليه، وإذا رأيتم شراً فاذهبوا عنه، فإن رسول الله(ص) كان يقول: يابن آدم، اعمل الخير ودع الشر، فإذا أنت جواد قاصد"، سائر على الخط المستقيم.

الوحدة على أساس الحقّ

ثم يقول الإمام عليّ(ع): "ألا وإن الظلم ثلاثة: فظلم لا يغفر، وظلم لا يُترك، وظلم مغفور لا يُطلب، فأما الظلم الذي لا يُغفر، فالشرك بالله، قال تعالى: {إنّ الله لا يغفر إن يُشرك به}، وأما الظلم الذي يغفر، فظلم العبد نفسه عند بعض الهنات ـ عند بعض الصغائر ـ وأما الظلم الذي لا يُترك، فظلم العباد بعضهم بعضاً. القصاص هناك شديد؛ ليس هو جرحاً بالمدى، ولا ضرباً بالسياط، ولكنه ما يُستصغر ذلك معه، فإياكم والتلوّن في دين الله ـ ابقوا على لون واحد وطريقة واحدة واتحدوا على الإسلام ـ فإن جماعة فيما تكرهون من الحق، خير من فرقة فيما تحبون من الباطل ـ لتكن قاعدة الوحدة هي الأساس في حياتكم ـ وإنّ الله لم يعطِ أحداً بفرقة خيراً ممن مضى ولا ممن بقي".

ثم ينهي الإمام عليّ(ع) الموعظة فيقول: "أيُّها الناس، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ـ لا تشغلوا تفكيركم بعيوب الناس من حولكم، لتحصوا عيوب هذا وعيوب ذاك، وتغفلوا عن عيوب أنفسكم، لأنكم مسؤولون عمّا أنتم فيه، ولستم مسؤولين عن عيوب الناس ـ وطوبى لمن لزم بيته، وأكل قوته، واشتغل بطاعة ربه، وبكى على خطيئته، فكان من نفسه في شغل ـ لأنه يوجّه نفسه ويصلحها ـ والناس منه في راحة".

هل تحبون عليّاً؟ هل توالون عليّاً؟ هل تعظّمون عليّاً؟ علي(ع) هو هذه الكلمات وهذا النهج؛ نهج بلاغته ونهج سيرته وحياته، عليّ الذي عاش للإسلام كله منذ طفولته الأولى، وتربى على يدي نبيّ الله، وجاهد في سبيل الله، وصبر على الأذى في جنب الله، وعندما دعاه الله إليه قال: "بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله، فزت وربّ الكعبة". فلنكن في خط عليّ؛ خط حبّ الله ورسوله والسير على الخط المستقيم.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله... اتقوا الله، وواجهوا الموقف بالاستقامة في خط الله تعالى، والانفتاح على كتاب الله وسنّة نبيّه، والقيام بمسؤولياتكم أمام الذين يكيدون للإسلام والمسلمين، والذين يعملون على أساس الاستكبار كله والكفر كله والشرك كله، فلا بد لنا من أن نواجه الموقف بمسؤولياتنا، فماذا هناك؟

العالم الغربي: موت الضمير الإنساني

في فلسطين المحتلة، تتوالى الغارات الإسرائيلية على المدنيين الفلسطينيين، وتتساقط القذائف الصهيونية على الأسر الفقيرة في منازلها الآمنة، ويتساقط الأطفال والأمهات الحوامل والشيوخ العاجزون تباعاً، من خلال "بطولات" الجيش اليهودي الحاقد على العرب والمسلمين، التي يصفق لها العالم الغربي، من أمريكا إلى آخر دولة في الاتحاد الأوروبي، ممن لا يملكون ضميراً إنسانياً، لأن الطفولة لدى هذا العالم لا قيمة لدمائها وأشلائها، بل هي مجرَّد مشهد للفرجة في اللعبة اليهودية التي يتسابق فيها المسؤولون الصهاينة لتسجيل الأهداف العسكرية في أجساد الأطفال، كما يتسابق لاعبو المونديال تحت انفعالات المشجّعين وحماستهم لتسجيل الأهداف، حيث يبرز الرئيس بوش وحلفاؤه من الاتحاد الأوروبي، في عملية تشجيع لحكومة العدوّ على جرائمها، والتهوين من مأساة الطفولة الفلسطينية، في الوقت الذي يخططون لتجويع الفلسطينيين عقوبةً لهم على انتخابهم حركة حماس...

المساعدات: محاولات إذلال للفلسطينيين

وإذا كان هؤلاء يتحدثون عن تقديم بعض المساعدات الإنسانية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، فإنهم قد يخضعون لتعليمات إسرائيل التي طلبت من الاتحاد الأوروبي أن لا يسلّم الفلسطينيين المساعدات، إلا بعد إجبار كل فلسطيني على توقيع وثيقة تنبذ ما يسمّونه الإرهاب، أي المقاومة... أما العالم العربي، فإنه ـ بحكم الضعف الذي يعيشه ـ يخضع لقرارات الاتحاد الأوروبي في توزيع المساعدات مما توافق عليه إسرائيل، ولا تزال قياداته بين مستسلم للاحتلال يحكم في ظله، وأحياناً باسمه، وبين مهادن يطلب التفاوض فلا تستجيب لـه إسرائيل، ومع ذلك، يزكّي رغبتها بالسلام، ويدين المقاومة، ويعتبر دفاعها ضد الاحتلال من قبيل جرائم الحرب!!

الرئيس الأمريكي يشرعن المذابح

ثم نتطلّع إلى المشهد في العراق، فنرى أنّ قتلى الغد يدفنون قتلى اليوم بالعشرات، بل بالمئات، ثم يواصلون حياتهم في انتظار المذابح التي تتوالد تحت الرعاية الأمريكية على مدار الساعة...

أما الرئيس الأمريكي الذي يعطي كل الشرعية للمذابح التي ترتكبها إسرائيل بحق الأطفال الفلسطينيين، فإنه يكرر الحديث عن الدولة الفلسطينية بطريقة ضبابية، وفق الحدود التي تتحدّث عنها إسرائيل، بما تبقّى من الأرض التي تُفرض على الشعب الفلسطيني بكل الضغوط الدولية والعربية...

ضغوطات لإخضاع إيران

ويتابع هذا الرئيس تهديداته لإيران، بأن رفضها للحوافز الدولية سيؤدي إلى فرض عقوبات سياسية واقتصادية مشددة ضدها، بزعمه أن سلاحها النووي خطر على العالم، متناسياً التهديد الإسرائيلي للشعوب، بما في ذلك الشعب الفلسطيني، هذا في الوقت الذي تضغط الإدارة الأمريكية على دول الاتحاد الأوروبي لتضييق نطاق التفاوض مع إيران، للوصول إلى الحائط المسدود، لأنها تريد الموقع الذي تفرض فيه الشروط على إيران لحساب سياستها الضاغطة على الجمهورية الإسلامية التي تتناسب مع مصالحها، بما في ذلك الطلب إلى إيران تقديم التنازلات لحساب الاحتلال الأمريكي في العراق، ليبقى الوضع منه في دائرة الاهتزاز الأمني، وليستمر هذا الاحتلال في تنفيذ الاستراتيجية الأمريكية ضد دول الجوار.

لبنان: خداع أمريكي في الحديث عن الاستقلال

أما لبنان، فقد صرّح الرئيس الأمريكي أنه لن يرتاح حتى يرى الشعب اللبناني "يتمتّع باستقلاله التام"، ويبدو أن علامة هذا الاستقلال، بحسب المفهوم الأمريكي، هو أن يكون البلد مسرحاً للشبكات الأمنية الإسرائيلية، وأن يستباح من الموساد كل يوم في الاغتيالات المتنوّعة، وفي إثارة الفتن بين مواطنيه...

ولذلك، فإن الرئيس الأمريكي لم يستنكر ـ لا هو، ولا وزيرة خارجيته أو سفيره في لبنان ـ على إسرائيل شبكة الموساد التي اكتشفتها مخابرات الجيش اللبناني، بل تعاطى معها تماماً كما لو كانت حدثاً طبيعياً منسجماً مع الخطة الأمريكية في لبنان، لأن المطلوب ـ عنده ـ هو إثارة موضوع الاستخبارات السورية التي يتحدث عن ضرورة انسحابها يومياً، أما الاستخبارات الإسرائيلية، فإن لها كل الحرية في العبث بالأمن اللبناني، لأن ذلك يتناسب مع السياسة الأمريكية التي تريد لبنان مستقراً وممراً لأمريكا ولإسرائيل، وعلى فريقها والتابعين لها أن يتقبّلوا ذلك تحت عناوين الحرية والسيادة والاستقلال، ولذلك لم نجده يواجه العدو الإسرائيلي بالهجوم السياسي بعد اكتشاف شبكة الموساد، لأن المطلوب ـ عنده ـ هو المواجهة لسوريا لا لإسرائيل!!

إننا نريد للبنانيين أن يعرفوا أن أمريكا ليست صادقة في حديثها عن الاستقلال اللبناني، لأن استراتيجيتها تتحرك من أجل أن يبقى لبنان مسرحاً للخطط الإسرائيلية، وموقعاً آمناً لإسرائيل، وورقة يمكن استخدامها ضد سوريا في لعبة التناقضات السياسية والأمنية في المنطقة.

ونريد لهم ـ بكل فئاتهم ـ أن لا يتحمّسوا للدفاع عن مسؤولي دول أخرى على حساب كرامة بلدهم، وأن يتوازنوا في تصريحاتهم ومتابعاتهم ومواقفهم، لأن القضية هي كيف يتفاهم اللبنانيون بعضهم مع بعض، وكيف يحترمون الحوار الذي ينطلق من دراسة المصلحة اللبنانية على أساس الوحدة الوطنية الموضوعية التي لا يفتش فيها فريق عن مصالحه الانتخابية أو الطائفية، لأن المشكلة هي أن لبنان لم يصل إلى مستوى الدولة التي يلتقي القائمون عليها على أساس المواطنة للجميع، التي يشعر فيها كل لبناني بأن مصالحه تتجاوز الحصص الطائفية، لتبقى الحصة للوطن وحده وللمواطنين جميعاً.

ليكن حبّ عليّ(ع) وموالاته في السّير على النهج المستقيم

 

ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته:

الدور الرسالي لعليّ(ع)

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد} (البقرة:207). يذكر كثير من المفسّرين، أن هذه الآية نزلت لتتحدث عن عليّ(ع) بأنه الشخص الذي باع نفسه لله ابتغاء مرضاته، فلم يكن لذاته شيء من نفسه، بل كان بكله؛ بعقله وقلبه ومشاعره وأحاسيسه وكل طاقته وحركته، لله تعالى، وكانت رسالته أن يرفع الناس ليقتربوا من الله، وليتقوه ويطيعوه، وتلك كانت كلمته عندما كان يخاطب الناس في خلافته: "ليس أمري وأمركم واحداً، إنّي أريدكم لله وأنتم تريدونني لأنفسكم"؛ إن دوري هو الدور الرسالي الذي ينفذ إلى عقول الناس ليجعلها عقولاً متحركة بالحقّ، وإلى قلوبهم ليجعلها قلوباً منفتحة على الخير، وإلى حياتهم ليجعلها حياةً متحرّكة في خط العدل. لقد كان(ع) يتحرك لتكون خلافته امتداداً للدور الرسالي الذي تحمّل مسؤوليته عندما أراد له النبي(ص) أن يكون خليفته وأميراً للمؤمنين، لأنَّ النبي(ص) عرف أن عليّاً(ع) منذ طفولته كان لله ولرسول الله، وكان للإسلام كله وللأمة كلها. ولذلك، فإنه(ع) قال: "لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلا عليَّ خاصة"، وقال: "ما ترك لي الحق من صديق"، وقال لابن عباس وهو يخصف نعله: "أترى هذه النعل؟"، قال: بلى، فقال(ع): "إنها أعظم من إمرتكم هذه، إلا أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً".

ولذلك، فإنَّ عليّاً(ع) عندما تسلّم الخلافة، وهي حقُّه، بعد أن أُبعد عنها مدة خمس وعشرين سنة، كان يقوم بها كما أراد الله ورسوله. كان يريد للناس أن يستوعبوا الرسالة كلها، وكان يريد للأمة أن تكون أمة مثقفة بكل قواعد الإسلام، ومنفتحةً على العلم والمعرفة، ولذلك كان يقف بين وقت وآخر ليوجّه الناس ويعلّمهم، وليكونوا في خط إسلامي واعٍ، يعرف كل منهم كيف ينطلق بإسلامه.

لذا علينا دائماً أن نقرأ كلماته ونفهمها، لأن عليّاً(ع) ليس إمام الفترة التي عاشها في خلافته فحسب، بل إنه يعيش معنا من خلال ما أنتج من فكر، وما قدّم من مواعظ ونصائح، ومن خلال ما وضع من خطط.

السير في الخطّ المستقيم

كان(ع) يقف بين الناس ويقول لهم: "العمل العمل، ثم النهاية النهاية ـ والنهاية هي عندما تقفون بين يدي الله غداً ليحاسبكم على كل أعمالكم فيما أسلفتموه في الدنيا من خير أو شر ـ والاستقامة الاستقامة ـ كونوا في خط الاستقامة، لتكون البداية منسجمة مع النهاية ـ ثم الصبر الصبر ـ لأن الالتزام بالإسلام يحمّل الإنسان مسؤوليات كبيرة، ويحرمه من شهوات كثيرة، ولذلك لا بدَّ له من أن يصبر حتى يستطيع أن يحرّك حياته بالإسلام كله ـ والورع الورع ـ عن محارم الله، ليكون الإنسان في خط التقوى ـ إن لكم نهاية ـ ستكون بالوقوف بين يدي الله ـ فانتهوا إلى نهايتكم، وإن لكم عَلَماً ـ وهو الإسلام ـ فاهتدوا بعَلَمكم، وإن للإسلام غاية ـ وهي أن يرفع مستوى الناس ليكونوا قريبين من الله، مؤمنين به ـ فانتهوا إلى غايته، واخرجوا إلى الله بما افترض عليكم من حقِّه، وبيّن لكم من وظائفه. أنا شاهد لكم وحجيج يوم القيامة عنكم ـ إذا انطلقتم معي وسرتم في الخط المستقيم الذي أقودكم إليه، فسأقف يوم القيامة وأقول: يا ربِّ، إن هؤلاء الناس أطاعوك وطبَّقوا أوامرك ونواهيك ـ ... وإني متكلمٌ بعِدَة الله وحجّته ـ أنا أدعوكم إلى ما أمركم الله به ـ قال الله تعالى: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزّل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون} ـ (فصِّلت:30) ـ وقد قلتم ربنا الله ـ وكلنا يقول ربنا الله عندما نشهد أن لا إله إلا الله ـ فاستقيموا على كتابه وعلى منهاج أمره وعلى الطريقة الصالحة من عبادته، ثم لا تمرقوا منها ـ لا تخرجوا من هذه الطريقة والمنهج ـ ولا تبتدعوا فيها ـ لا تتحدثوا بما لم يأذن الله به ـ ولا تخالفوا عنها ـ عن الطريقة المستقيمة ـ فإن أهل المروق منقَطعٌ بهم عند الله يوم القيامة ـ فمن يمرق ويخرج عن الخط المستقيم لينحرف يميناً أو يساراً، فإنه سيعيش الانقطاع عن الله يوم القيامة ـ ثمّ إياكم وتهزيع الأخلاق ـ تكسير الأخلاق ـ وتصريفها".

ثم يحمّل عليّ(ع) الناس مسؤولية ما رزقهم الله من هذا اللسان الذي يعبّرون من خلاله عمّا في عقولهم وقلوبهم وكل حاجاتهم وكل ما يربطهم بالناس الآخرين، فيقول(ع): "واجعلوا اللسان واحداً ـ لا يكن الرجل بلسانين؛ لسان للحق ولسان للباطل ـ وليخزن الرجل لسانه فإن هذا اللسان جموح بصاحبه ـ فاللسان كالفرس الجموح الذي يجمح بصاحبه ويلقيه أرضاً ـ والله، ما أرى عبداً يتقي تقوى تنفعه حتى يخزن لسانه ـ بعض الناس يصلي ويصوم ويحجّ، ولكنه يطلق العنان للسانه على حريته بالكذب واللعن والتأييد للباطل، فكلُّ هذه التقوى العملية لا تفيده إذا لم يخزن لسانه ـ وإن لسان المؤمن من وراء قلبه، وإن قلب المنافق من وراء لسانه، لأن المؤمن إذا أراد أن يتكلم بكلام تدبّره في نفسه ـ يتفكّر ويتساءل عن امتداداته وخلفياته ـ فإن كان خيراً أبداه، وإن كان شراً واراه، وإن المنافق يتكلم بما أتى على لسانه ـ فالمنافق يطلق الكلام من دون أن يفكر فيه وفي نتائجه وامتداداته ـ لا يدري ماذا له وماذا عليه، ولقد قال رسول الله(ص): لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه، فمن استطاع منكم أن يلقى الله تعالى وهو نقي الراحة من دماء المسلمين وأموالهم، سليم اللسان من أعراضهم، فليفعل".

الأحكام لا تتغيّر بمرور الزمن

ثم يعالج الإمام عليّ(ع) فكرة سائدة عند الكثير منّا، عندما يقول هؤلاء إنّ الدنيا تغيّرت، والزمن أصبح زمناً يختلف عن زمن أجدادنا، فما كان حراماً سابقاً، فإن تطوّر الزمن يجعله حلالاً... هكذا يفكر بعض الناس في موضوع الحجاب مثلاً، أو في موضوع الربا، وعندما تناقشهم في انحرافهم عن الخط الإسلامي، يتحجّجون بتطوّر الزمن. فكيف عالج الإمام هذه الفكرة؟ يقول(ع): "واعلموا عباد الله، أن المؤمن يستحل العام ما استحلّ عاماً أول، ويحرّم العام ما حرّم عاماً أول ـ لأن حلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة، فالزمن لا يغيّر الأحكام الشرعية ـ وإنّ ما أحدث الناس ـ كل تطور من أفعال الناس وكلّ علاقات بينهم ـ لا يحلّ لكم شيئاً مما حُرّم عليكم ـ فانغماس المجتمع في خط الحرام لا يجعل الحلال حراماً ـ ولكن الحلال ما أحلّ الله، والحرام ما حرّم الله، فقد جربتم الأمور وضرستموها، ووُعظتم بمن كان قبلكم من الناس، وضُربت الأمثال لكم، ودُعيتم إلى الأمر الواضح، فلا يصمّ عن ذلك إلا أصم، ولا يعمى عن ذلك إلا أعمى، ومن لم ينفعه الله بالبلاء والتجارب، لم ينتفع بشيء من العظة، وأتاه التقصير من أمامه، حتى يعرف ما أنكر، وينكر ما عرف، وإنما الناس رجلان: متبعٌ شرعة ـ السائر على خط الشريعة ـ ومبتدعٌ بدعة، ليس معه من الله برهان سنّة، ولا ضياء حجة، وإن الله سبحانه لم يعظ أحداً بمثل هذا القرآن، فإنه حبل الله المتين، وسببه الأمين، وفيه ربيع القلب، وينابيع العلم، وما للقلب جلاء غيره، مع أنه قد ذهب المتذكّرون، وبقي الناسون والمتناسون، فإذا رأيتم خيراً ـ في أيِّ مشروع أو دعوة ـ فأعينوا عليه، وإذا رأيتم شراً فاذهبوا عنه، فإن رسول الله(ص) كان يقول: يابن آدم، اعمل الخير ودع الشر، فإذا أنت جواد قاصد"، سائر على الخط المستقيم.

الوحدة على أساس الحقّ

ثم يقول الإمام عليّ(ع): "ألا وإن الظلم ثلاثة: فظلم لا يغفر، وظلم لا يُترك، وظلم مغفور لا يُطلب، فأما الظلم الذي لا يُغفر، فالشرك بالله، قال تعالى: {إنّ الله لا يغفر إن يُشرك به}، وأما الظلم الذي يغفر، فظلم العبد نفسه عند بعض الهنات ـ عند بعض الصغائر ـ وأما الظلم الذي لا يُترك، فظلم العباد بعضهم بعضاً. القصاص هناك شديد؛ ليس هو جرحاً بالمدى، ولا ضرباً بالسياط، ولكنه ما يُستصغر ذلك معه، فإياكم والتلوّن في دين الله ـ ابقوا على لون واحد وطريقة واحدة واتحدوا على الإسلام ـ فإن جماعة فيما تكرهون من الحق، خير من فرقة فيما تحبون من الباطل ـ لتكن قاعدة الوحدة هي الأساس في حياتكم ـ وإنّ الله لم يعطِ أحداً بفرقة خيراً ممن مضى ولا ممن بقي".

ثم ينهي الإمام عليّ(ع) الموعظة فيقول: "أيُّها الناس، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ـ لا تشغلوا تفكيركم بعيوب الناس من حولكم، لتحصوا عيوب هذا وعيوب ذاك، وتغفلوا عن عيوب أنفسكم، لأنكم مسؤولون عمّا أنتم فيه، ولستم مسؤولين عن عيوب الناس ـ وطوبى لمن لزم بيته، وأكل قوته، واشتغل بطاعة ربه، وبكى على خطيئته، فكان من نفسه في شغل ـ لأنه يوجّه نفسه ويصلحها ـ والناس منه في راحة".

هل تحبون عليّاً؟ هل توالون عليّاً؟ هل تعظّمون عليّاً؟ علي(ع) هو هذه الكلمات وهذا النهج؛ نهج بلاغته ونهج سيرته وحياته، عليّ الذي عاش للإسلام كله منذ طفولته الأولى، وتربى على يدي نبيّ الله، وجاهد في سبيل الله، وصبر على الأذى في جنب الله، وعندما دعاه الله إليه قال: "بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله، فزت وربّ الكعبة". فلنكن في خط عليّ؛ خط حبّ الله ورسوله والسير على الخط المستقيم.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله... اتقوا الله، وواجهوا الموقف بالاستقامة في خط الله تعالى، والانفتاح على كتاب الله وسنّة نبيّه، والقيام بمسؤولياتكم أمام الذين يكيدون للإسلام والمسلمين، والذين يعملون على أساس الاستكبار كله والكفر كله والشرك كله، فلا بد لنا من أن نواجه الموقف بمسؤولياتنا، فماذا هناك؟

العالم الغربي: موت الضمير الإنساني

في فلسطين المحتلة، تتوالى الغارات الإسرائيلية على المدنيين الفلسطينيين، وتتساقط القذائف الصهيونية على الأسر الفقيرة في منازلها الآمنة، ويتساقط الأطفال والأمهات الحوامل والشيوخ العاجزون تباعاً، من خلال "بطولات" الجيش اليهودي الحاقد على العرب والمسلمين، التي يصفق لها العالم الغربي، من أمريكا إلى آخر دولة في الاتحاد الأوروبي، ممن لا يملكون ضميراً إنسانياً، لأن الطفولة لدى هذا العالم لا قيمة لدمائها وأشلائها، بل هي مجرَّد مشهد للفرجة في اللعبة اليهودية التي يتسابق فيها المسؤولون الصهاينة لتسجيل الأهداف العسكرية في أجساد الأطفال، كما يتسابق لاعبو المونديال تحت انفعالات المشجّعين وحماستهم لتسجيل الأهداف، حيث يبرز الرئيس بوش وحلفاؤه من الاتحاد الأوروبي، في عملية تشجيع لحكومة العدوّ على جرائمها، والتهوين من مأساة الطفولة الفلسطينية، في الوقت الذي يخططون لتجويع الفلسطينيين عقوبةً لهم على انتخابهم حركة حماس...

المساعدات: محاولات إذلال للفلسطينيين

وإذا كان هؤلاء يتحدثون عن تقديم بعض المساعدات الإنسانية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، فإنهم قد يخضعون لتعليمات إسرائيل التي طلبت من الاتحاد الأوروبي أن لا يسلّم الفلسطينيين المساعدات، إلا بعد إجبار كل فلسطيني على توقيع وثيقة تنبذ ما يسمّونه الإرهاب، أي المقاومة... أما العالم العربي، فإنه ـ بحكم الضعف الذي يعيشه ـ يخضع لقرارات الاتحاد الأوروبي في توزيع المساعدات مما توافق عليه إسرائيل، ولا تزال قياداته بين مستسلم للاحتلال يحكم في ظله، وأحياناً باسمه، وبين مهادن يطلب التفاوض فلا تستجيب لـه إسرائيل، ومع ذلك، يزكّي رغبتها بالسلام، ويدين المقاومة، ويعتبر دفاعها ضد الاحتلال من قبيل جرائم الحرب!!

الرئيس الأمريكي يشرعن المذابح

ثم نتطلّع إلى المشهد في العراق، فنرى أنّ قتلى الغد يدفنون قتلى اليوم بالعشرات، بل بالمئات، ثم يواصلون حياتهم في انتظار المذابح التي تتوالد تحت الرعاية الأمريكية على مدار الساعة...

أما الرئيس الأمريكي الذي يعطي كل الشرعية للمذابح التي ترتكبها إسرائيل بحق الأطفال الفلسطينيين، فإنه يكرر الحديث عن الدولة الفلسطينية بطريقة ضبابية، وفق الحدود التي تتحدّث عنها إسرائيل، بما تبقّى من الأرض التي تُفرض على الشعب الفلسطيني بكل الضغوط الدولية والعربية...

ضغوطات لإخضاع إيران

ويتابع هذا الرئيس تهديداته لإيران، بأن رفضها للحوافز الدولية سيؤدي إلى فرض عقوبات سياسية واقتصادية مشددة ضدها، بزعمه أن سلاحها النووي خطر على العالم، متناسياً التهديد الإسرائيلي للشعوب، بما في ذلك الشعب الفلسطيني، هذا في الوقت الذي تضغط الإدارة الأمريكية على دول الاتحاد الأوروبي لتضييق نطاق التفاوض مع إيران، للوصول إلى الحائط المسدود، لأنها تريد الموقع الذي تفرض فيه الشروط على إيران لحساب سياستها الضاغطة على الجمهورية الإسلامية التي تتناسب مع مصالحها، بما في ذلك الطلب إلى إيران تقديم التنازلات لحساب الاحتلال الأمريكي في العراق، ليبقى الوضع منه في دائرة الاهتزاز الأمني، وليستمر هذا الاحتلال في تنفيذ الاستراتيجية الأمريكية ضد دول الجوار.

لبنان: خداع أمريكي في الحديث عن الاستقلال

أما لبنان، فقد صرّح الرئيس الأمريكي أنه لن يرتاح حتى يرى الشعب اللبناني "يتمتّع باستقلاله التام"، ويبدو أن علامة هذا الاستقلال، بحسب المفهوم الأمريكي، هو أن يكون البلد مسرحاً للشبكات الأمنية الإسرائيلية، وأن يستباح من الموساد كل يوم في الاغتيالات المتنوّعة، وفي إثارة الفتن بين مواطنيه...

ولذلك، فإن الرئيس الأمريكي لم يستنكر ـ لا هو، ولا وزيرة خارجيته أو سفيره في لبنان ـ على إسرائيل شبكة الموساد التي اكتشفتها مخابرات الجيش اللبناني، بل تعاطى معها تماماً كما لو كانت حدثاً طبيعياً منسجماً مع الخطة الأمريكية في لبنان، لأن المطلوب ـ عنده ـ هو إثارة موضوع الاستخبارات السورية التي يتحدث عن ضرورة انسحابها يومياً، أما الاستخبارات الإسرائيلية، فإن لها كل الحرية في العبث بالأمن اللبناني، لأن ذلك يتناسب مع السياسة الأمريكية التي تريد لبنان مستقراً وممراً لأمريكا ولإسرائيل، وعلى فريقها والتابعين لها أن يتقبّلوا ذلك تحت عناوين الحرية والسيادة والاستقلال، ولذلك لم نجده يواجه العدو الإسرائيلي بالهجوم السياسي بعد اكتشاف شبكة الموساد، لأن المطلوب ـ عنده ـ هو المواجهة لسوريا لا لإسرائيل!!

إننا نريد للبنانيين أن يعرفوا أن أمريكا ليست صادقة في حديثها عن الاستقلال اللبناني، لأن استراتيجيتها تتحرك من أجل أن يبقى لبنان مسرحاً للخطط الإسرائيلية، وموقعاً آمناً لإسرائيل، وورقة يمكن استخدامها ضد سوريا في لعبة التناقضات السياسية والأمنية في المنطقة.

ونريد لهم ـ بكل فئاتهم ـ أن لا يتحمّسوا للدفاع عن مسؤولي دول أخرى على حساب كرامة بلدهم، وأن يتوازنوا في تصريحاتهم ومتابعاتهم ومواقفهم، لأن القضية هي كيف يتفاهم اللبنانيون بعضهم مع بعض، وكيف يحترمون الحوار الذي ينطلق من دراسة المصلحة اللبنانية على أساس الوحدة الوطنية الموضوعية التي لا يفتش فيها فريق عن مصالحه الانتخابية أو الطائفية، لأن المشكلة هي أن لبنان لم يصل إلى مستوى الدولة التي يلتقي القائمون عليها على أساس المواطنة للجميع، التي يشعر فيها كل لبناني بأن مصالحه تتجاوز الحصص الطائفية، لتبقى الحصة للوطن وحده وللمواطنين جميعاً.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية