الإمام الصّادق(ع): تجسيد للقيم ومدرسةٌ في العلم والانفتاح

الإمام الصّادق(ع): تجسيد للقيم ومدرسةٌ في العلم والانفتاح

الإمام الصّادق(ع): تجسيد للقيم ومدرسةٌ في العلم والانفتاح

 
ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته:

التقاء حركة الإمامة بالنبوّة

مرت علينا في هذا الشهر ـ شهر ربيع الأول ـ مناسبتان، الأولى هي ولادة النبي محمد(ص) ـ على الرواية المشهورة عند المسلمين من أتباع أهل البيت(ع) ـ والثانية هي ولادة الإمام جعفر بن محمد الصادق(ع). وعندما نلتقي بهاتين الولادتين، فإننا نستوحي منهما هذا الامتداد الإسلامي الحركي من النبي(ص) إلى الإمام الصادق(ع)، حيث تلتقي حركة النبوة بحركة الإمامة. وإذا كان النبي(ص) قد أطلق الإسلام في العالم من خلال رسالته ودعوته وجهاده وسيرته، حتى دخل الناس في دين الله أفواجاً، وانطلق الإسلام نوراً يهدي به الله الناس إلى سبل السلام، ويُخرجهم من الظلمات إلى النور، فإن حركة الإسلام قد انفتحت على حركة الإمامة التي بدأها الإمام علي(ع)، الذي أعطى الإسلام من عقله وعلمه وجهاده وحركته ما فتح من خلاله آفاق الحضارة للناس كافة، وجعل العالم كله ـ حتى الآن ـ يتلمّذ عليه(ع) في نهج بلاغته، وفي كل رساليّته وجهاده الذي عاشه في مرحلة النبوة كما عاشه بعد هذه المرحلة.

 

أراد الإمام الصادق(ع) أن يربط بين الصبر والحرية، لأن الكثيرين من الظلمة يضغطون على الناس في طعامهم وشرابهم وأموالهم وأوضاعهم، حتى يتنازلوا عن مواقفهم ومبادئهم.
 

مدرسة الانفتاح

وامتدت الإمامة من عليّ(ع) إلى الحسنين(ع) والإمام زين العابدين والباقر (عليهما السلام)، ووصلت إلى الإمام الصادق(ع) الذي تميّزت مرحلته بأنها المرحلة التي انطلق فيها الواقع الإسلامي ليمتلئ علماً متنوّعاً في كل مواقع المعرفة، حتى إنه(ع) كان في مدرسته منفتحاً على كل المسلمين، فكان يأتي إليه من يلتزم إمامته من المسلمين، كما يأتي إليه من لا يلتزم إمامته، ولكن الجميع يرتشفون من معين علمه. ونحن نعرف أن بعض أئمة المذاهب الأربعة، كأبي حنيفة إمام المذهب الحنفي، ومالك إمام المذهب المالكي، تلمّذا عليه. وكان(ع) يتحدث بالفلسفة وبالكيمياء الذي أخذه عنه جابر بن حيان، ولم يترك الإمام الصادق(ع) أية قضية تتصل بالإسلام في العقيدة والشريعة والأخلاق والسياسة والاجتماع، إلا وكان له أكثر من حديث فيها، وهذا ما نقرأه في كل كتب الحديث، فما من مسألة أو قضية احتاج فيها علماء المسلمين الرأي الإسلامي، إلا ونجد أن الإمام الصادق(ع) قد تحدث عنها. وينقل كتّاب سيرته عن أحد الأشخاص الذي تحدث عنه، يقول: "دخلت مسجد الكوفة، فوجدت فيها تسعمائة شيخ ـ وتعني الأستاذ الذي يعطي الدروس لتلاميذه ـ كلٌ يقول: حدّثني جعفر بن محمد الصادق"، ما يوحي أن المدرسة الإسلامية في كل امتداداتها كانت تقرأ الإمام الصادق(ع) وتتلمّذ عليه.

ولم يكن الإمام الصادق(ع) منغلقاً على أحد، بل كان منفتحاً على كل الناس حتى من غير المسلمين، فكان يذهب خلال موسم الحج ليلتقي بأصحاب بعض الاتجاهات الفكرية كالزنادقة، فيجلس إليهم، ويستمع إلى كل أفكارهم وشبهاتهم وإشكالاتهم، وكان(ع) يجيبهم عنها، بحيث يُسكتهم فلا يحيرون جواباً، حتى قال بعضهم وهو يشير إلى كل الحجيج: "ما رأيت أحداً يستحق اسم الإنسانية إلا جعفر بن محمد".

 

إ ن الاستقلال في لبنان لم يتحقق على أيدي الأمريكيين الذي غطوا اجتياح الـ 82، إنما تحقق بفضل المقاومة الإسلامية والوطنية اللبنانية، التي بذلت دماء وأرواح شبابها المجاهد الحرّ من أجل سيادة لبنان الحرّة...
 

وصاياه(ع) إلى شيعته

ونحن في هذه الوقفة، نحاول أن نستمع إلى بعض وصاياه إلى شيعته، ونحن شيعته السائرون في خط الإسلام الأصيل في خط أهل البيت(ع). قال لبعض أصحابه: "اقرأ على من ترى أنّه يطيعني منهم ويأخذ بقولي السلام. وأوصيكم بتقوى الله والورع في دينكم ـ الورع عن الحرام ـ والاجتهاد لله ـ أن تبذلوا جهدكم في طاعة الله ـ وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وطول السجود، وحُسن الجوار، فبهذا جاء محمد(ص). أدّوا الأمانة إلى من ائتمنكم عليها براً كان أو فاجراً، فإن رسول الله(ص) كان يأمر بأداء الخيط والمخيط. صِلوا عشائركم ـ الذين تختلفون معهم في المذهب ـ واشهدوا جنائزهم، وعودوا مرضاهم، وأدوا حقوقهم، فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه، وصدق الحديث، وأدّى الأمانة، وحسن خلقه مع الناس، قيل: هذا جعفري، فيسرّني ذلك، ويدخل عليَّ منه السرور، وقيل: هذا أدب جعفر، وإذا كان على غير ذلك دخل عليّ بلاؤه وعاره".

وكان أحد أصحابه قد عاد من بلاد أخرى فسأله الإمام(ع): "كيف مَن خلّفت من إخوانك؟" فأجاب الرجل وأحسن الثناء، فسأله الإمام(ع): "كيف عيادة أغنيائهم على فقرائهم؟" فقال: قليلة، قال: "وكيف مشاهدة أغنيائهم لفقرائهم؟" قال: قليلة، قال: "فكيف صلة أغنيائهم لفقرائهم في ذات أيديهم؟" فقال الرجل: إنك لتذكر أخلاقاً قلّما هي فيمن عندنا، فقال(ع): "فكيف تزعم هؤلاء أنهم شيعة".

وورد في خطاب الإمام الصادق(ع)، وكان الناس يجتمعون في بيته، والبيت غاصٌ بأهله من جميع البلدان، فقال: "يا شيعة آل محمد، أنه ليس منا من لم يملك نفسه عند غضبه، ومن لم يُحسن صحبة من صحبه، ومخالقة من خالقه، ومرافقة من رافقه... يا شيعة آل محمد، اتقوا الله ما استطعتم، ولا حول ولا قوة إلا بالله". وكان(ع) يقول لأصحابه: "اجعلوا أمركم لله، ولا تجعلوه للناس، فإنه ما كان لله فهو لله، وما كان للناس فلا يصعد إلى الله". ويحدد(ع) شخصية المؤمن فيقول: "المؤمن حسن المعونة، خفيف المؤونة، جيد التدبير لأمر معيشته، لا يُلدغ من جُحر مرتين".

وكان الإمام الصادق(ع) يؤكد مسألة الحرية؛ أن تكون حراً في ذاتك، أن يكون عقلك حراً فلا يخضع لعقول الآخرين إلا إذا اقتنع بها، وأن يكون قلبك حراً وإرادتك حرة وحياتك حرة. والحرية لا تنطلق من الآخرين، بل إنها تنبع من ذاتك، حتى لو أُدخلت في الزنزانة وبقيت إرادتك حراً فأنت حر، بينما إذا لم تكن إرادتك حرة، فأنت عبد حتى لو انطلقت في الفضاء. القضية هي حرية الإرادة لا حرية الموقع. يقول(ع): "إن الحر حرٌ على جميع أحواله، إن نابته نائبة صبر لها، وإن تداكّت عليه المصائب لم تكسره وإن أُسر وقهر". لقد أراد الإمام(ع) أن يربط بين الصبر والحرية، لأن الكثيرين من الظلمة يضغطون على الناس في طعامهم وشرابهم وأموالهم وأوضاعهم، حتى يتنازلوا عن مواقفهم ومبادئهم، فإذا كنت حراً، فلا تسقط مهما واجهك الظالمون بالحرمان، بل اصبر وصلّب إرادتك وقف مع مبادئك، ولا تجعل الحرمان يضغط عليك لتقدّم التنازلات للظالمين، وهذا ما أكده الله تعالى في قوله: {واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور} (لقمان:17)، فالصبر لا يمثل ضعفاً، بل قوة.

وقد أكد الإمام الصادق(ع) في تفسيره قوله تعالى: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} (المنافقون:8)، قال: "إن الله فوّض إلى المؤمن أموره كلها، ولم يفوّض إليه أن يكون ذليلاً". كن عزيزاً في كل المواقع، كن عزيزاً أمام التحديات وأمام كل الظلمة. وفي حديث آخر عنه(ع) قال: "إن المؤمن أعز من الجبل. إنّ الجبل يُستقل منه بالمعاول، والمؤمن لا يُستقل من دينه شيء"، بل يبقى قوياً، ولا يستطيع أحد أن يهدّم دينه. وينطلق الإمام(ع) ليطلب من المؤمنين أن يعيشوا الخوف من الله في كل أمورهم، يقول(ع): "خف الله كأنك تراه، فإن كنت لا تراه فإنه يراك، وإن كنت ترى أنه لا يراك فقد كفرت، وإن كنت تعلم أنه يراك ثم برزت إليه بالمعصية، فقد جعلته من أهون الناظرين إليك".

 

إن الجميع يطلبون من حكومة حماس الاعتراف بإسرائيل، ولا يطلبون من العدو الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني والانسحاب من أرضه وتنفيذ ما اتّفق عليه في المفاوضات، ما يوحي بأن العالم العربي قد أسقط القضية الفلسطينية من حسابه، والتزم القضية الإسرائيلية.
 

وننطلق مع الإمام الصادق(ع) لنستضيء بنور علمه، ولنعيش معه، ولنغتني به، ولنتحرك من خلال كل خطوطه الإسلامية الحضارية في كل مجالات الحياة، وتلك قضية أئمتنا(ع)، الذين هم خلفاء النبي(ص) وأوصياؤه، وحملة علمه، والسائرون على هديه، وقد ورد عن الإمام الصادق(ع) قوله إن كل ما لديهم من علم هو من رسول الله، فالأئمة ليسوا مجتهدين، بل هم المعصومون الذين يتحركون من خلال انفتاحهم على كل ما جاء عن الله وعن رسوله، وقد ورد عن الإمام الصادق(ع): "حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث عليّ، وحديث عليّ حديث رسول الله عن جبرائيل عن الله"، وقد قال الشاعر في ذلك:

ووالِ أناساً قولهـم وحديثهـم روى جدنا عن جبرائيل عن الباري

نسأل الله تعالى أن يثبتنا على ولايتهم وإمامتهم، وأن يجعلنا من السائرين على خطهم ورسالتهم، وأن يرزقنا شفاعتهم {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم}.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله... اتقوا الله، وواجهوا الموقف بالقوة والعزة والكرامة، لأن المستكبرين في كل بقاع الأرض وقفوا من أجل القضاء على الإسلام والمسلمين في كل أمورهم ومواقعهم، لذلك لا بد من أن نقف وقفة رجل واحد، ولا نزال نواجه التحدي في كل مكان ومن كل الظالمين، فماذا هناك؟

تغطية أمريكية لمجزرة قانا

في المشهد الأمريكي ـ الإسرائيلي، يستعيد اللبنانيون ذكرى مجزرة قانا التي حصد فيها الطيران الإسرائيلي أكثر من مائة مدني، بين طفل وامرأة وشيخ وشاب، ممن لجأوا إلى خيمة من خيم السلام التابعة للأمم المتحدة، فضلاً عن مجازر أخرى ارتكبتها إسرائيل في أكثر من قرية لبنانية... وقد وقفت الولايات المتحدة الأمريكية في مجلس الأمن لتدافع عن حليفتها، ولتمنع الأمم المتحدة من إدانة إسرائيل، ولتعاقب الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك الذي أصرّ على تقديم تقريره الذي أدان المجزرة، لأن أمريكا تبرر كل المجازر الصهيونية ضد لبنان وفلسطين والعالم العربي.

الاستقلال في لبنان صنيعة المقاومة

ومن المضحك المبكي، أن الرئيس الأمريكي بوش الذي استقبل رئيس وزراء لبنان، يتغزل بلبنان الحرّ السيد المستقل، ويتمنى لبيروت استعادة دورها في المنطقة، تماماً كما لو كانت أمريكا هي التي ساعدت في هذا الاستقلال الذي أسقطته إسرائيل في اجتياح العام82 تحت غطاء أمريكي، والذي بقي قائماً حتى تمكّن اللبنانيون من استعادته بفضل المقاومة الإسلامية والوطنية اللبنانية، التي بذلت دماء وأرواح شبابها المجاهد الحرّ من أجل سيادة لبنان الحرّة...

لقد تحدث الرئيس بوش عن لبنان بأسلوب غزلي إنشائي، من دون أن يقدّم أية مساعدة للبنان في اقتصاده وفي أمنه، ولم يتحدث عن الاجتياح الإسرائيلي هي اليومي المتكرر لأجواء لبنان وأرضه وبحره، ولم يبادر إلى تقديم المساعدات المالية التي قد تقدّم حلاً للمشكلة الاقتصادية في لبنان، في الوقت الذي نراه يقدّم في كل سنة المليارات للعدو من أجل تعزيز قدراته العسكرية التي تمكّنه من الاعتداء على المنطقة، بما في ذلك القوة النووية المدمِّرة، تنفيذاً لخطته في أن تكون إسرائيل هي الأقوى أمام العالم العربي والإسلامي، فيما يستمر مع مساعديه بتوجيه التهديدات والتهاويل لإيران في مسألة ملفها النووي السلمي...

أمريكا لن تمنح لبنان الديمقراطية

إن أمريكا لم تمنح لبنان الديمقراطية، لأنه كان منذ الأربعينات البلد الديمقراطي الوحيد في المنطقة، وإذا كان قد أُصيب ببعض التعقيدات والأزمات، فإن أمريكا تتحرّك من أجل تحويله إلى ورقة ضغط لحساب مشروعها في الشرق الأوسط الكبير لمصادرة المنطقة كلها، على صورة احتلالها للعراق الذي حوّلته السياسة الأمريكية إلى ما يشبه الفوضى الأمنية، إضافة إلى الأزمات السياسية، والحرمان الخدماتي، والاستغلال الاقتصادي، وارتكاب المجازر الوحشية التي تتحرك تحت سمع الاحتلال وبصره، وبتسهيل مخابراتي بالتعاون مع الموساد، ولا تزال الأوضاع القلقة تسيطر على هذا البلد الجريح الذي كلما حاول التحرر، أُصيب بضربة قاصمة تعيده إلى المشكلة الصعبة المعقّدة.

إدانة المقاومة ومكافأة المحتل!!

ومن جانب آخر، هناك الخطة الأمريكية ـ الإسرائيلية ـ الأوروبية التي تعلن الحرب على الشعب الفلسطيني لمعاقبته اقتصادياً وسياسياً، وتشجّع العدو على معاقبته عسكرياً بالقصف الصاروخي، والقتل العشوائي، والاعتقال المتحرك، من دون أيّ استنكار دولي مما يسمّى زوراً وبهتاناً بالمجتمع الدولي، الذي يبرر للمحتل احتلاله، وينكر على الشعب مواجهته للاحتلال، بل إنه يعتبر المواجهة إرهاباً، كما حدث في العملية الاستشهادية في تل أبيب، التي انطلقت المواقف الدولية ـ وحتى العربية ـ لتحتجّ عليها، في الوقت الذي نعرف أن هذه العمليات تنطلق كردِّ فعل على مجازر العدو، حيث لا يملك الشهداء غير هذا الأسلوب الذي يتحوّل فيه المجاهد إلى قنبلة ضد المحتل...

 

تميّزت مرحلة الإمام الصادق(ع) بأنها المرحلة التي انطلق فيها الواقع الإسلامي ليمتلئ علماً متنوّعاً في كل مواقع المعرفة، حتى إنه(ع) كان في مدرسته منفتحاً على كل المسلمين وحتى غير المسلمين.
 

ثم، إننا نتابع الخطة الغربية في الضغط على الدول العربية لمنعها من مساعدة الحكومة الفلسطينية، حتى إن بعض العرب رفض استقبال وزير الخارجية الفلسطيني تحت حجج لا تثبت أمام منطق الواقع... إن الجميع يطلبون من هذه الحكومة الاعتراف بإسرائيل، ولا يطلبون من العدو الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني والانسحاب من أرضه وتنفيذ ما اتّفق عليه في المفاوضات، ما يوحي بأن العالم العربي قد أسقط القضية الفلسطينية من حسابه، والتزم القضية الإسرائيلية، خضوعاً للسيد الأمريكي الضاغط على الأنظمة بمختلف الوسائل التي يرتجف منها الكثير من الحكّام العرب، الذين أصبحوا حكّاماً على شعوبهم لحساب أمريكا.

إننا نريد للبنانيين أن يعرفوا جيداً، أن أمريكا التي أيّدت إسرائيل في انتهاكها لكل قواعد القانون الدولي في مجازرها في لبنان وفلسطين، ليست صادقة في المطالبة بالالتزام بقرارات الشرعية الدولية، إلا بما يؤكد مصالحها والمصالح الإسرائيلية، كما في بعض القرارات الإسرائيلية التي فرضتها على الأمم المتحدة، كالقرار 1559 الذي صفّق له الكثير من الساسة اللبنانيين، وغيره من القرارات، في الوقت الذي رفضت إسرائيل الالتزام بالقرارات الدولية، كالقرارات 194 و242 و338، وغيرها من القرارات التي منعت فيها أمريكا إدانة حليفتها في ذلك.

إننا نريد للبنانيين أن لا يصدقوا أمريكا في حديثها الغزلي عن لبنان، وأن يعملوا على تأكيد وحدتهم الوطنية، وأن يؤكدوا استقلالهم وسيادتهم بالاستعداد لصنع القوة في مواجهة العدو، والتركيز على دراسة مشاكلهم المعقّدة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، وأن يمتلكوا الوعي المنفتح على لعبة الأمم التي تريد إرباك العلاقات بين بلدان العالم العربي كنتيجة لبعض التعقيدات المفروضة عليه، وتحريك الفتنة المذهبية والطائفية بين شعوبه، ولذلك نريد للحوار أن ينطلق بعيداً عن تأكيد الذات الشخصانية والحزبية، بل بالطريقة العقلانية الموضوعية التي تراعي مصلحة الوطن كله والشعب كله...

محاولة إغراق لبنان بالخلافات

إن المسألة هي أن هناك حركة للعبث بالأمة كلها، في سياستها وأمنها واقتصادها، وإن الخطة هي أن يغرق لبنان بالخلافات التي تحاول أمريكا إثارتها في مواقعها المتحركة، لإشغال اللبنانيين بالكثير من الجدل العقيم، ليعتبروا أن سوريا وإيران هما المشكلة وليست إسرائيل، بالتهوين من الخطر الإسرائيلي، والتشديد على ما يسمّونه خطر المقاومة، لأن البعض يرفض القوة الواقعية التي تنطلق من الداخل، ويريد القوة المفروضة عليه من الخارج، تحت تأثير الشروط المتنوّعة التي لا تمنح البلد قوة واستقلالاً، بل تحاول نقله من وصاية إلى وصاية، تحت شعارات لا علاقة لها بالحرية والسيادة.

وعلينا أن نبقى مع شعبنا الطيّب، الذي دفع الكثير من جهده، وأعطى الكثير من حركته في سبيل وجوده الإنساني الفاعل الذي يأخذ موقعه الحضاري بين الشعوب، ليستمر في هذا الخط الأصيل.

الإمام الصّادق(ع): تجسيد للقيم ومدرسةٌ في العلم والانفتاح

 
ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته:

التقاء حركة الإمامة بالنبوّة

مرت علينا في هذا الشهر ـ شهر ربيع الأول ـ مناسبتان، الأولى هي ولادة النبي محمد(ص) ـ على الرواية المشهورة عند المسلمين من أتباع أهل البيت(ع) ـ والثانية هي ولادة الإمام جعفر بن محمد الصادق(ع). وعندما نلتقي بهاتين الولادتين، فإننا نستوحي منهما هذا الامتداد الإسلامي الحركي من النبي(ص) إلى الإمام الصادق(ع)، حيث تلتقي حركة النبوة بحركة الإمامة. وإذا كان النبي(ص) قد أطلق الإسلام في العالم من خلال رسالته ودعوته وجهاده وسيرته، حتى دخل الناس في دين الله أفواجاً، وانطلق الإسلام نوراً يهدي به الله الناس إلى سبل السلام، ويُخرجهم من الظلمات إلى النور، فإن حركة الإسلام قد انفتحت على حركة الإمامة التي بدأها الإمام علي(ع)، الذي أعطى الإسلام من عقله وعلمه وجهاده وحركته ما فتح من خلاله آفاق الحضارة للناس كافة، وجعل العالم كله ـ حتى الآن ـ يتلمّذ عليه(ع) في نهج بلاغته، وفي كل رساليّته وجهاده الذي عاشه في مرحلة النبوة كما عاشه بعد هذه المرحلة.

 

أراد الإمام الصادق(ع) أن يربط بين الصبر والحرية، لأن الكثيرين من الظلمة يضغطون على الناس في طعامهم وشرابهم وأموالهم وأوضاعهم، حتى يتنازلوا عن مواقفهم ومبادئهم.
 

مدرسة الانفتاح

وامتدت الإمامة من عليّ(ع) إلى الحسنين(ع) والإمام زين العابدين والباقر (عليهما السلام)، ووصلت إلى الإمام الصادق(ع) الذي تميّزت مرحلته بأنها المرحلة التي انطلق فيها الواقع الإسلامي ليمتلئ علماً متنوّعاً في كل مواقع المعرفة، حتى إنه(ع) كان في مدرسته منفتحاً على كل المسلمين، فكان يأتي إليه من يلتزم إمامته من المسلمين، كما يأتي إليه من لا يلتزم إمامته، ولكن الجميع يرتشفون من معين علمه. ونحن نعرف أن بعض أئمة المذاهب الأربعة، كأبي حنيفة إمام المذهب الحنفي، ومالك إمام المذهب المالكي، تلمّذا عليه. وكان(ع) يتحدث بالفلسفة وبالكيمياء الذي أخذه عنه جابر بن حيان، ولم يترك الإمام الصادق(ع) أية قضية تتصل بالإسلام في العقيدة والشريعة والأخلاق والسياسة والاجتماع، إلا وكان له أكثر من حديث فيها، وهذا ما نقرأه في كل كتب الحديث، فما من مسألة أو قضية احتاج فيها علماء المسلمين الرأي الإسلامي، إلا ونجد أن الإمام الصادق(ع) قد تحدث عنها. وينقل كتّاب سيرته عن أحد الأشخاص الذي تحدث عنه، يقول: "دخلت مسجد الكوفة، فوجدت فيها تسعمائة شيخ ـ وتعني الأستاذ الذي يعطي الدروس لتلاميذه ـ كلٌ يقول: حدّثني جعفر بن محمد الصادق"، ما يوحي أن المدرسة الإسلامية في كل امتداداتها كانت تقرأ الإمام الصادق(ع) وتتلمّذ عليه.

ولم يكن الإمام الصادق(ع) منغلقاً على أحد، بل كان منفتحاً على كل الناس حتى من غير المسلمين، فكان يذهب خلال موسم الحج ليلتقي بأصحاب بعض الاتجاهات الفكرية كالزنادقة، فيجلس إليهم، ويستمع إلى كل أفكارهم وشبهاتهم وإشكالاتهم، وكان(ع) يجيبهم عنها، بحيث يُسكتهم فلا يحيرون جواباً، حتى قال بعضهم وهو يشير إلى كل الحجيج: "ما رأيت أحداً يستحق اسم الإنسانية إلا جعفر بن محمد".

 

إ ن الاستقلال في لبنان لم يتحقق على أيدي الأمريكيين الذي غطوا اجتياح الـ 82، إنما تحقق بفضل المقاومة الإسلامية والوطنية اللبنانية، التي بذلت دماء وأرواح شبابها المجاهد الحرّ من أجل سيادة لبنان الحرّة...
 

وصاياه(ع) إلى شيعته

ونحن في هذه الوقفة، نحاول أن نستمع إلى بعض وصاياه إلى شيعته، ونحن شيعته السائرون في خط الإسلام الأصيل في خط أهل البيت(ع). قال لبعض أصحابه: "اقرأ على من ترى أنّه يطيعني منهم ويأخذ بقولي السلام. وأوصيكم بتقوى الله والورع في دينكم ـ الورع عن الحرام ـ والاجتهاد لله ـ أن تبذلوا جهدكم في طاعة الله ـ وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وطول السجود، وحُسن الجوار، فبهذا جاء محمد(ص). أدّوا الأمانة إلى من ائتمنكم عليها براً كان أو فاجراً، فإن رسول الله(ص) كان يأمر بأداء الخيط والمخيط. صِلوا عشائركم ـ الذين تختلفون معهم في المذهب ـ واشهدوا جنائزهم، وعودوا مرضاهم، وأدوا حقوقهم، فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه، وصدق الحديث، وأدّى الأمانة، وحسن خلقه مع الناس، قيل: هذا جعفري، فيسرّني ذلك، ويدخل عليَّ منه السرور، وقيل: هذا أدب جعفر، وإذا كان على غير ذلك دخل عليّ بلاؤه وعاره".

وكان أحد أصحابه قد عاد من بلاد أخرى فسأله الإمام(ع): "كيف مَن خلّفت من إخوانك؟" فأجاب الرجل وأحسن الثناء، فسأله الإمام(ع): "كيف عيادة أغنيائهم على فقرائهم؟" فقال: قليلة، قال: "وكيف مشاهدة أغنيائهم لفقرائهم؟" قال: قليلة، قال: "فكيف صلة أغنيائهم لفقرائهم في ذات أيديهم؟" فقال الرجل: إنك لتذكر أخلاقاً قلّما هي فيمن عندنا، فقال(ع): "فكيف تزعم هؤلاء أنهم شيعة".

وورد في خطاب الإمام الصادق(ع)، وكان الناس يجتمعون في بيته، والبيت غاصٌ بأهله من جميع البلدان، فقال: "يا شيعة آل محمد، أنه ليس منا من لم يملك نفسه عند غضبه، ومن لم يُحسن صحبة من صحبه، ومخالقة من خالقه، ومرافقة من رافقه... يا شيعة آل محمد، اتقوا الله ما استطعتم، ولا حول ولا قوة إلا بالله". وكان(ع) يقول لأصحابه: "اجعلوا أمركم لله، ولا تجعلوه للناس، فإنه ما كان لله فهو لله، وما كان للناس فلا يصعد إلى الله". ويحدد(ع) شخصية المؤمن فيقول: "المؤمن حسن المعونة، خفيف المؤونة، جيد التدبير لأمر معيشته، لا يُلدغ من جُحر مرتين".

وكان الإمام الصادق(ع) يؤكد مسألة الحرية؛ أن تكون حراً في ذاتك، أن يكون عقلك حراً فلا يخضع لعقول الآخرين إلا إذا اقتنع بها، وأن يكون قلبك حراً وإرادتك حرة وحياتك حرة. والحرية لا تنطلق من الآخرين، بل إنها تنبع من ذاتك، حتى لو أُدخلت في الزنزانة وبقيت إرادتك حراً فأنت حر، بينما إذا لم تكن إرادتك حرة، فأنت عبد حتى لو انطلقت في الفضاء. القضية هي حرية الإرادة لا حرية الموقع. يقول(ع): "إن الحر حرٌ على جميع أحواله، إن نابته نائبة صبر لها، وإن تداكّت عليه المصائب لم تكسره وإن أُسر وقهر". لقد أراد الإمام(ع) أن يربط بين الصبر والحرية، لأن الكثيرين من الظلمة يضغطون على الناس في طعامهم وشرابهم وأموالهم وأوضاعهم، حتى يتنازلوا عن مواقفهم ومبادئهم، فإذا كنت حراً، فلا تسقط مهما واجهك الظالمون بالحرمان، بل اصبر وصلّب إرادتك وقف مع مبادئك، ولا تجعل الحرمان يضغط عليك لتقدّم التنازلات للظالمين، وهذا ما أكده الله تعالى في قوله: {واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور} (لقمان:17)، فالصبر لا يمثل ضعفاً، بل قوة.

وقد أكد الإمام الصادق(ع) في تفسيره قوله تعالى: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} (المنافقون:8)، قال: "إن الله فوّض إلى المؤمن أموره كلها، ولم يفوّض إليه أن يكون ذليلاً". كن عزيزاً في كل المواقع، كن عزيزاً أمام التحديات وأمام كل الظلمة. وفي حديث آخر عنه(ع) قال: "إن المؤمن أعز من الجبل. إنّ الجبل يُستقل منه بالمعاول، والمؤمن لا يُستقل من دينه شيء"، بل يبقى قوياً، ولا يستطيع أحد أن يهدّم دينه. وينطلق الإمام(ع) ليطلب من المؤمنين أن يعيشوا الخوف من الله في كل أمورهم، يقول(ع): "خف الله كأنك تراه، فإن كنت لا تراه فإنه يراك، وإن كنت ترى أنه لا يراك فقد كفرت، وإن كنت تعلم أنه يراك ثم برزت إليه بالمعصية، فقد جعلته من أهون الناظرين إليك".

 

إن الجميع يطلبون من حكومة حماس الاعتراف بإسرائيل، ولا يطلبون من العدو الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني والانسحاب من أرضه وتنفيذ ما اتّفق عليه في المفاوضات، ما يوحي بأن العالم العربي قد أسقط القضية الفلسطينية من حسابه، والتزم القضية الإسرائيلية.
 

وننطلق مع الإمام الصادق(ع) لنستضيء بنور علمه، ولنعيش معه، ولنغتني به، ولنتحرك من خلال كل خطوطه الإسلامية الحضارية في كل مجالات الحياة، وتلك قضية أئمتنا(ع)، الذين هم خلفاء النبي(ص) وأوصياؤه، وحملة علمه، والسائرون على هديه، وقد ورد عن الإمام الصادق(ع) قوله إن كل ما لديهم من علم هو من رسول الله، فالأئمة ليسوا مجتهدين، بل هم المعصومون الذين يتحركون من خلال انفتاحهم على كل ما جاء عن الله وعن رسوله، وقد ورد عن الإمام الصادق(ع): "حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث عليّ، وحديث عليّ حديث رسول الله عن جبرائيل عن الله"، وقد قال الشاعر في ذلك:

ووالِ أناساً قولهـم وحديثهـم روى جدنا عن جبرائيل عن الباري

نسأل الله تعالى أن يثبتنا على ولايتهم وإمامتهم، وأن يجعلنا من السائرين على خطهم ورسالتهم، وأن يرزقنا شفاعتهم {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم}.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله... اتقوا الله، وواجهوا الموقف بالقوة والعزة والكرامة، لأن المستكبرين في كل بقاع الأرض وقفوا من أجل القضاء على الإسلام والمسلمين في كل أمورهم ومواقعهم، لذلك لا بد من أن نقف وقفة رجل واحد، ولا نزال نواجه التحدي في كل مكان ومن كل الظالمين، فماذا هناك؟

تغطية أمريكية لمجزرة قانا

في المشهد الأمريكي ـ الإسرائيلي، يستعيد اللبنانيون ذكرى مجزرة قانا التي حصد فيها الطيران الإسرائيلي أكثر من مائة مدني، بين طفل وامرأة وشيخ وشاب، ممن لجأوا إلى خيمة من خيم السلام التابعة للأمم المتحدة، فضلاً عن مجازر أخرى ارتكبتها إسرائيل في أكثر من قرية لبنانية... وقد وقفت الولايات المتحدة الأمريكية في مجلس الأمن لتدافع عن حليفتها، ولتمنع الأمم المتحدة من إدانة إسرائيل، ولتعاقب الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك الذي أصرّ على تقديم تقريره الذي أدان المجزرة، لأن أمريكا تبرر كل المجازر الصهيونية ضد لبنان وفلسطين والعالم العربي.

الاستقلال في لبنان صنيعة المقاومة

ومن المضحك المبكي، أن الرئيس الأمريكي بوش الذي استقبل رئيس وزراء لبنان، يتغزل بلبنان الحرّ السيد المستقل، ويتمنى لبيروت استعادة دورها في المنطقة، تماماً كما لو كانت أمريكا هي التي ساعدت في هذا الاستقلال الذي أسقطته إسرائيل في اجتياح العام82 تحت غطاء أمريكي، والذي بقي قائماً حتى تمكّن اللبنانيون من استعادته بفضل المقاومة الإسلامية والوطنية اللبنانية، التي بذلت دماء وأرواح شبابها المجاهد الحرّ من أجل سيادة لبنان الحرّة...

لقد تحدث الرئيس بوش عن لبنان بأسلوب غزلي إنشائي، من دون أن يقدّم أية مساعدة للبنان في اقتصاده وفي أمنه، ولم يتحدث عن الاجتياح الإسرائيلي هي اليومي المتكرر لأجواء لبنان وأرضه وبحره، ولم يبادر إلى تقديم المساعدات المالية التي قد تقدّم حلاً للمشكلة الاقتصادية في لبنان، في الوقت الذي نراه يقدّم في كل سنة المليارات للعدو من أجل تعزيز قدراته العسكرية التي تمكّنه من الاعتداء على المنطقة، بما في ذلك القوة النووية المدمِّرة، تنفيذاً لخطته في أن تكون إسرائيل هي الأقوى أمام العالم العربي والإسلامي، فيما يستمر مع مساعديه بتوجيه التهديدات والتهاويل لإيران في مسألة ملفها النووي السلمي...

أمريكا لن تمنح لبنان الديمقراطية

إن أمريكا لم تمنح لبنان الديمقراطية، لأنه كان منذ الأربعينات البلد الديمقراطي الوحيد في المنطقة، وإذا كان قد أُصيب ببعض التعقيدات والأزمات، فإن أمريكا تتحرّك من أجل تحويله إلى ورقة ضغط لحساب مشروعها في الشرق الأوسط الكبير لمصادرة المنطقة كلها، على صورة احتلالها للعراق الذي حوّلته السياسة الأمريكية إلى ما يشبه الفوضى الأمنية، إضافة إلى الأزمات السياسية، والحرمان الخدماتي، والاستغلال الاقتصادي، وارتكاب المجازر الوحشية التي تتحرك تحت سمع الاحتلال وبصره، وبتسهيل مخابراتي بالتعاون مع الموساد، ولا تزال الأوضاع القلقة تسيطر على هذا البلد الجريح الذي كلما حاول التحرر، أُصيب بضربة قاصمة تعيده إلى المشكلة الصعبة المعقّدة.

إدانة المقاومة ومكافأة المحتل!!

ومن جانب آخر، هناك الخطة الأمريكية ـ الإسرائيلية ـ الأوروبية التي تعلن الحرب على الشعب الفلسطيني لمعاقبته اقتصادياً وسياسياً، وتشجّع العدو على معاقبته عسكرياً بالقصف الصاروخي، والقتل العشوائي، والاعتقال المتحرك، من دون أيّ استنكار دولي مما يسمّى زوراً وبهتاناً بالمجتمع الدولي، الذي يبرر للمحتل احتلاله، وينكر على الشعب مواجهته للاحتلال، بل إنه يعتبر المواجهة إرهاباً، كما حدث في العملية الاستشهادية في تل أبيب، التي انطلقت المواقف الدولية ـ وحتى العربية ـ لتحتجّ عليها، في الوقت الذي نعرف أن هذه العمليات تنطلق كردِّ فعل على مجازر العدو، حيث لا يملك الشهداء غير هذا الأسلوب الذي يتحوّل فيه المجاهد إلى قنبلة ضد المحتل...

 

تميّزت مرحلة الإمام الصادق(ع) بأنها المرحلة التي انطلق فيها الواقع الإسلامي ليمتلئ علماً متنوّعاً في كل مواقع المعرفة، حتى إنه(ع) كان في مدرسته منفتحاً على كل المسلمين وحتى غير المسلمين.
 

ثم، إننا نتابع الخطة الغربية في الضغط على الدول العربية لمنعها من مساعدة الحكومة الفلسطينية، حتى إن بعض العرب رفض استقبال وزير الخارجية الفلسطيني تحت حجج لا تثبت أمام منطق الواقع... إن الجميع يطلبون من هذه الحكومة الاعتراف بإسرائيل، ولا يطلبون من العدو الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني والانسحاب من أرضه وتنفيذ ما اتّفق عليه في المفاوضات، ما يوحي بأن العالم العربي قد أسقط القضية الفلسطينية من حسابه، والتزم القضية الإسرائيلية، خضوعاً للسيد الأمريكي الضاغط على الأنظمة بمختلف الوسائل التي يرتجف منها الكثير من الحكّام العرب، الذين أصبحوا حكّاماً على شعوبهم لحساب أمريكا.

إننا نريد للبنانيين أن يعرفوا جيداً، أن أمريكا التي أيّدت إسرائيل في انتهاكها لكل قواعد القانون الدولي في مجازرها في لبنان وفلسطين، ليست صادقة في المطالبة بالالتزام بقرارات الشرعية الدولية، إلا بما يؤكد مصالحها والمصالح الإسرائيلية، كما في بعض القرارات الإسرائيلية التي فرضتها على الأمم المتحدة، كالقرار 1559 الذي صفّق له الكثير من الساسة اللبنانيين، وغيره من القرارات، في الوقت الذي رفضت إسرائيل الالتزام بالقرارات الدولية، كالقرارات 194 و242 و338، وغيرها من القرارات التي منعت فيها أمريكا إدانة حليفتها في ذلك.

إننا نريد للبنانيين أن لا يصدقوا أمريكا في حديثها الغزلي عن لبنان، وأن يعملوا على تأكيد وحدتهم الوطنية، وأن يؤكدوا استقلالهم وسيادتهم بالاستعداد لصنع القوة في مواجهة العدو، والتركيز على دراسة مشاكلهم المعقّدة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، وأن يمتلكوا الوعي المنفتح على لعبة الأمم التي تريد إرباك العلاقات بين بلدان العالم العربي كنتيجة لبعض التعقيدات المفروضة عليه، وتحريك الفتنة المذهبية والطائفية بين شعوبه، ولذلك نريد للحوار أن ينطلق بعيداً عن تأكيد الذات الشخصانية والحزبية، بل بالطريقة العقلانية الموضوعية التي تراعي مصلحة الوطن كله والشعب كله...

محاولة إغراق لبنان بالخلافات

إن المسألة هي أن هناك حركة للعبث بالأمة كلها، في سياستها وأمنها واقتصادها، وإن الخطة هي أن يغرق لبنان بالخلافات التي تحاول أمريكا إثارتها في مواقعها المتحركة، لإشغال اللبنانيين بالكثير من الجدل العقيم، ليعتبروا أن سوريا وإيران هما المشكلة وليست إسرائيل، بالتهوين من الخطر الإسرائيلي، والتشديد على ما يسمّونه خطر المقاومة، لأن البعض يرفض القوة الواقعية التي تنطلق من الداخل، ويريد القوة المفروضة عليه من الخارج، تحت تأثير الشروط المتنوّعة التي لا تمنح البلد قوة واستقلالاً، بل تحاول نقله من وصاية إلى وصاية، تحت شعارات لا علاقة لها بالحرية والسيادة.

وعلينا أن نبقى مع شعبنا الطيّب، الذي دفع الكثير من جهده، وأعطى الكثير من حركته في سبيل وجوده الإنساني الفاعل الذي يأخذ موقعه الحضاري بين الشعوب، ليستمر في هذا الخط الأصيل.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية