ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته:
يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}(الأنفال/1)، ويقول سبحانه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}(الحجرات/10)، ويقول تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}(الحجرات/9)، ويقول تعالى: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}(النساء/114)، ويقول سبحانه: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً}(النساء/85).
في المنازعات إضعاف للدين والأمة:
هذه الآيات الكريمة تؤكّد عنواناً كبيراً يتصل بحياة الناس العامة والخاصة، من خلال قاعدة إنسانية واجتماعية، وهو عنوان الإصلاح بين الناس، لأن فساد العلاقات، وتفشّي حركة المنازعات والخلافات، وانطلاق الأحقاد في حياة الناس، قد يسقط كثيراً من القضايا الحيوية في المجتمع، ويمزّق العلاقات الإنسانية بين الأقارب والأباعد، فقد تُسقِط المنازعات البيت العائلي بما يحدث بين الزوج والزوجة، أو بين الأب وأولاده، والأم وأولادها، وربما تتطوّر هذه المسألة إلى العشائر فتنشب حروب دامية تهلك فيها الأموال والأنفس وتُهتك فيها الأعراض. |
|
إننا نأمل من الشعب العراقي أن يكون واعياً للخطط الأمريكية، ليوحِّد كل أطيافه ومواقعه، وليعمل على تشكيل حكومة وحدة وطنية بعيداً عن تدخلات الموفدين الأمريكيين والسفارة الأمريكية في بغداد. |
وهكذا عندما يختلف المجتمع في انتماءاته، سواء كانت هذه الانتماءات انتماءات دينية، كالمشاكل التي تحدث بين المسلمين والنصارى، أو بين المسلمين واليهود، أو كما يحدث في بعض مناطق آسيا بين المسلمين والبوذيين، وربما تحدث المشاكل كما هي موجودة الآن، في داخل الأمة الإسلامية بين السنّة والشيعة، أو كانت بين فريق إقليمي هنا في بلد ضد فريق إقليمي هناك، وقد تتطوّر الأمور لتسقط المصالح ويسقط الاقتصاد والأمن، وربما تؤدي هذه المنازعات أو الحروب الناشئة منها، إلى تدخّل المستكبرين في شؤون المستضعفين، وهذا ما نلاحظه في تدخّل الدول الكبرى في أفريقيا التي مزّقتها الحروب ودخلها المستكبرون ـ ولا سيما الأمريكيون ـ بحجة أنهم يتوسّطون ليحلّوا المشكلة، وهكذا تمتد القضايا لتصل إلى مواقع أمريكا اللاتينية، ونحن نعاني الآن من ذلك كله في البلاد الإسلامية، فيما يحدث في أفغانستان أو باكستان أو الهند أو العراق، أو في بعض المواقع العربية بطريقة وبأخرى.
وقد تؤدِّي هذه المنازعات والخلافات إلى انحراف الناس عن الخطوط المستقيمة بفعل العصبيات، فيتخلّون عن مسؤوليَّاتهم الشرعية، وتضعف التزاماتهم الدينية، وتستحكم بينهم الخلافات والمنازعات، ما يؤدي إلى ضعف الدين وضعف العلاقات الأخوية الإيمانية.
الإصلاح مسؤوليَّة المؤمنين:
إنَّ الله تعالى أراد للعالم أن يعيش في عدل يحكم الناس كلهم، حتى مع اختلاف أديانهم، لأن الله يريد للعدل أن يشمل العالم كله، وأراد للناس أن يعيشوا السلام العادل، فلا يطغى أحد على أحد، ولا يعتدي أحد على أحد، وإذا كانت هناك خلافات في داخل المسلمين، فعليهم أن يردُّوا الأمر إلى الله والرسول، وإذا كانت هناك خلافات بين الناس، فعليهم أن يجادلوا بالتي هي أحسن، وأن يلتقوا عند مواقع اللقاء، ويتحاوروا عند مواقع الخلاف.
ولذلك، أراد الله تعالى لتحقيق ذلك بين الناس، أن ينطلق فريق من الناس في المواقع الخاصَّة والعامَّة، ليقوم بمهمَّة الصّلح بين الناس فيما يختلفون فيه. وقد ركّز سبحانه ذلك في الدَّائرة الإسلامية، فنادى المؤمنين جميعاً، وشدّد على أنَّ علاقة المؤمن بالمؤمن هي علاقة الأخ بالأخ، فكما على الإنسان أن يبادر بفعل الاهتمام العاطفي إلى أن يتدخل فيما يحدث بين إخوانه في النسب من منازعات ومقاطعة ليُصلح بينهم، فإنه تعالى أراد للمؤمنين جميعاً أن ينطلقوا ليصلحوا فيما بينهم إذا ما تنازعوا أو اختلفوا في مصالحهم وكل أمورهم، حتى إنه إذا حدث قتال بين المسلمين، سواء كان بفعل الخلافات المذهبية، أو بفعل الخلافات الحزبية والسياسية، فلا بدّ للمسلمين بشكل عام، مما يتحمّل مسؤوليته كل مؤمن ومؤمنة، أن ينطلقوا للإصلاح: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}(الحجرات/9). وهي مهمة تشمل كل من يستطيع أن يدخل في عملية الإصلاح.
الإصلاح من أفضل العبادات:
وأراد الله أن يبيّن للنَّاس القيمة كلَّ القيمة، والخير كلَّ الخير في القيام بالإصلاح بين النَّاس، فقال تعالى: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ}(النساء/114)، فعلى الإنسان في مبادراته وخطاباته، أن يواجه مشاكل الفقراء، فيشجّع الناس على الصدقة، وأن يواجه الفساد في المجتمع، فيأمر الناس بالمعروف، أو يمارس الإصلاح بينهم. ولذلك نلاحظ أن الله لم يتحدث عن الإصلاح بين المؤمنين، بل بين الناس جميعاً، لأن الفتنة إذا انطلقت في مجتمع، فإنها تشمل الكل، فهي كالنار عندما تنطلق في مكان وتمتد بفعل الرياح {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً ـ وهي كناية عن المساعي الحميدة ـ يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا ـ كما أن الذي ينشر الفتنة بين الناس له نصيب من السيئات ـ وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا}(النساء/85).
وورد عن النبي(ص) عن قيمة الإصلاح: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة». وفي حديث آخر، يبيّن أن الحالقة هي حالقة الدين. وورد عن الإمام الصَّادق(ع): «صدقة يحبُّها الله؛ إصلاحٌ بين الناس إذا تفاسدوا، وتقارب بينهم إذا تباعدوا»، فالإنسان الذي يقوم بالإصلاح بين الناس، يتصدّق على المجتمع كله. وقد كان الإمام الصادق(ع) يضع مالاً عند بعض أصحابه ويقول له: «إذا رأيت بين اثنين من شيعتنا منازعة، فافتدها من مالي». وفي الحديث عن رسول الله(ص): «يا أبا أيوب، ألا أخبرك وأدلّك على صدقة يحبها الله ورسوله؟ تُصلح بين الناس إذا تفاسدوا وتباعدوا»، وورد عن الإمام عليّ(ع): «من كمال السعادة، السعي في صلاح الجمهور». |
|
إننا ندعو المسلمين إلى صحوة إسلامية تحريرية ثقافية سياسية تنفتح على الوحدة الإسلامية المتحركة في خط العقلانية والموضوعية والوعي والحوار فيما يختلف فيه المسلمون، والاحترام لدماء بعضهم بعضاً، ولأموال بعضهم بعضاً. |
وقد حرَّم الله تعالى الكذب، وجعله منافياً للإيمان، حتى ورد: «لا يكذب الكاذب وهو مؤمن»، لكنَّ الله أجاز الكذب، بل جعله مستحباً وواجباً في بعض الحالات: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ}(البقرة/224). ويقول الإمام الصادق(ع) في تفسير هذه الآية: «إذا دُعيت لصلح بين اثنين، فلا تقل عليَّ يمين ألاّ أفعل»، فلا قيمة لهذا اليمين، لأن اليمين لا بد من أن يكون في طاعة، ومن يمنع الإصلاح فإنه في غير طاعة. وورد عنه(ع): «المصلح ليس بكاذب»، وعنه(ع): «الكلام ثلاثة: صدق، وكذب، وإصلاح بين الناس؛ تسمع من الرجل كلاماً يبلغه، فتخبث نفسه، فتلقاه فتقول: سمعت من فلان قال فيك من الخير كذا وكذا، خلاف ما سمعت منه» حتى تقرّب بينهما»، والله تعالى يعتبر ذلك حسنة يكتبها لك.
وننطلق في مسألة الصلح بين الناس فيما أحلّه الله وأراده من أجل أن ينشر السلام والمحبة والثقة بين الناس جميعاً، وهذا ما أوصى به عليّ(ع) في آخر حياته: «وعليكم بالتواصل والتباذل، وإياكم والتدابر والتقاطع»، وهذا ما يوصي به الله ورسوله والأئمة من أهل البيت(ع): {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا}(آل عمران/103).
الخطبة الثانية
بسم الله الرَّحمن الرحيم
عباد الله... اتقوا الله، وواجهوا الموقف الذي يعيشه المسلمون في العالم بوحدة إسلامية منفتحة على الحرية والعزة والكرامة، لأن الله يريد للمسلمين بوحدتهم أن يكونوا أقوياء وأحراراً في كل المواجهات والتحديات التي توجّه إليهم، فماذا هناك؟
عناوين السياسة الأمريكية
في الموقع السياسي الأمريكي الذي يجتذب أكثر من موقع دولي ـ وخصوصاً الاتحاد الأوروبي ـ أكثر من عنوان:
الفوضى البناءة:
الأول هو: الفوضى البنّاءة التي تملأ المنطقة، ولا سيما العالم الإسلامي، بالاهتزاز والإرباك والتعقيدات، عبر إثارة المنازعات والخلافات الحادَّة على الصعيدين المذهبي والطائفي، والتي قد تتحوّل إلى حالات عنف دامٍ، وحرب إرهابية، يستحلّ فيها المواطنون دماء بعضهم بعضاً، من خلال إثارة الفتنة التي يشجّعها الاحتلال الأمريكي والاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية...
الأول هو: الفوضى البنّاءة التي تملأ المنطقة، ولا سيما العالم الإسلامي، بالاهتزاز والإرباك والتعقيدات، عبر إثارة المنازعات والخلافات الحادَّة على الصعيدين المذهبي والطائفي، والتي قد تتحوّل إلى حالات عنف دامٍ، وحرب إرهابية، يستحلّ فيها المواطنون دماء بعضهم بعضاً، من خلال إثارة الفتنة التي يشجّعها الاحتلال الأمريكي والاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية... |
|
نريد للفلسطينيين أن يرحموا قضيتهم ويخففوا من معاناة شعبهم، فيكفّوا عن السجالات وعن كل أجواء الفوضى أو الإثارة الداخلية للأوضاع، بما يحفظ قضيتهم ويؤكد وحدتهم في مواجهة المحتل. |
الواقع السياسي على صورة المصالح الأمريكية:
والعنوان الثاني، هو التدخّل في الواقع السياسي ليكون على صورة المصالح الاستراتيجية لأمريكا، وهذا ما نلاحظه في طريقة تحرك السفير الأمريكي في بغداد، والتدخّل في تشكيل الحكومة، من خلال رفض رئيس الوزراء السابق، وإثارة المشاكل حوله في داخل القوائم العراقية المختلفة، بلحاظ بعض السلبيات التي لم يكن له أيّ دخل فيها، بل كانت بفعل الأسلوب الأمريكي في الإدارة العامة على المستويين الأمني والاقتصادي، وهكذا رأينا كيف تنطلق الزيارات المتتابعة لوزيري الخارجية والحرب الأمريكيين للإشراف على الحكومة العراقية الجديدة، لتكون على صورة السياسة الأمريكية ومصالحها.
الانحياز المطلق للحكومة الصهيونية:
والعنوان الثالث، هو التأييد الأمريكي المطلق للحكومة الصهيونية في كل مشاريعها، في الاستيطان، وبناء الجدار العنصري، وتحديد الحدود، ومصادرة الأراضي الفلسطينية، وفصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها، والاستمرار في المجازر اليومية والاعتقالات العشوائية، والحصار الخانق، وتجويع الشعب الفلسطيني، والضغط على الدول العربية للسير مع هذه السياسات في تعاملها مع الحكومة الفلسطينية من أجل إسقاطها لحساب المشروع الإسرائيلي، بحيث يلهث بعض هؤلاء الحكّام وراء المسؤولين الصهاينة، ويرفضون اللقاء بالمسؤولين الفلسطينيين، تحت مبررات لا يحترمها أيّ عاقل يحترم نفسه... ومن المؤسف أن الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة قد سقطا تحت تأثير الضغط الأمريكي... |
|
كما على الإنسان أن يبادر بفعل الاهتمام العاطفي إلى أن يتدخل فيما يحدث بين إخوانه في النسب من المنازعات والمقاطعة ليُصلح بينهم، فإنه تعالى أراد للمؤمنين جميعاً أن ينطلقوا ليصلحوا فيما بينهم إذا ما تنازعوا أو اختلفوا في مصالحهم وكل أمورهم. |
ونحن في هذا الجو، نريد للفلسطينيين أن يرحموا قضيتهم، وأن يخففوا من معاناة شعبهم، فيكفّوا عن السجالات، وعن كل أجواء الفوضى أو الإثارة الداخلية للأوضاع، بما يحفظ قضيتهم، ويؤكد وحدتهم في مواجهة المحتل.
الاتهام بالإرهاب لقوى الممانعة:
والعنوان الرابع، هو القاعدة القانونية التي تنتهجها إدارة الرئيس الأمريكي، والتي تقول بأن المتهم مدان حتى تثبت براءته، وهذا ما نلاحظه في العقوبات التي تصدر ضد بعض الأشخاص الذين تعتبر أن لهم علاقة ببعض الأحداث في المنطقة، والتي تتصل بالملف النووي الإيراني السلمي، الذي تحرّك أمريكا، على وقعه، الحرب على إيران، باتهامها ـ مجرد اتهام ـ بالسعي إلى صنع السلاح النووي ـ وهو ما تنكره الحكومة الإيرانية ـ بحيث تثير في وجهها أكثر من مشكلة في المجتمع الدولي، لإخضاعها لمصالحها، ولإرغامها على تقديم التنازلات من حريتها وعزتها وكرامة شعبها.
وفي هذا الإطار، فإن الإدارة الأمريكية توزّع الاتهامات بالإرهاب في أكثر من موقع عربي وإسلامي، ضد الذين يدافعون عن الحرية والسيادة والاستقلال في بلادهم، وتتهم الدول الداعمة لحركة الحرية بدعم الإرهاب، كسوريا وإيران، فيما تتهم المقاومة الإسلامية في لبنان والحكومة الفلسطينية وفصائل الانتفاضة بالإرهاب، في الوقت الذي تقوم هذه الإدارة بإرهاب الدولة مع حليفتها إسرائيل ضد العراق وأفغانستان وباكستان، وغيرها من الدول المستضعفة التي تعاني الفقر والحرمان.
إعلان الحرب على العالم الإسلامي:
إن أمريكا وحلفاءها قد أعلنوا الحرب بأكثر من خطة ضد العالم الإسلامي الذي يهتز الآن سياسياً واقتصادياً وأمنياً بفعل هذه السياسة الاستكبارية، لأن هناك عقدة ضد الإسلام الذي يريد الحرية للإنسان كله والعزة للمسلمين كلهم، حتى إنهم قاموا بتوظيف بعض المسؤولين من عملائهم للسيطرة على الواقع الإسلامي كله، الأمر الذي يفرض على العالم الإسلامي ـ ومعه العالم العربي ـ أن يخرج من هذا الطوق الأمريكي، ولا سيّما في العراق، الذي لا يزال ينزف في المجازر الإرهابية اليومية من قِبَل التكفيريين من جهة، وقوات الاحتلال المساندة للإرهاب في المواقع الخفية المغلقة، بفعل استخباراته المتحالفة مع الموساد، من جهة أخرى...
إننا نأمل من الشعب العراقي أن يكون واعياً للخطط الأمريكية، ليوحِّد كل أطيافه ومواقعه، وليعمل على تشكيل حكومة وحدة وطنية، بعيداً عن تدخلات الموفدين الأمريكيين والسفارة الأمريكية في بغداد، لأننا لا نريد لهم أن ينتقلوا من حكم الطاغية الوحشي إلى حكم الطاغية الأمريكي، وقد جاء في الحديث: "إن المؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين".
إننا ـ إضافةً إلى ذلك ـ ندعو المسلمين إلى صحوة إسلامية تحريرية ثقافية سياسية، تنفتح على الوحدة الإسلامية المتحركة في خطِّ العقلانية والموضوعية والوعي والحوار فيما يختلف فيه المسلمون، والاحترام لدماء بعضهم بعضاً، ولأموال بعضهم بعضاً، وأن لا يسمحوا للاستخبارات الدولية والإقليمية بإثارة الفتنة المذهبية ممّا قد تُستغلُّ فيه بعض الحالات السلبية المعقّدة هنا وهناك.
تعقيد الوضع في لبنان:
أما لبنان، فإننا نريد له ألاّ يسقط تحت تأثير الخداع الأمريكي في اهتمامه بسيادته واستقلاله، من أجل السيطرة عليه بوسائله الخادعة التي تعرفها المنطقة في وعود الاستكبار، كما كان يحدث في القرن الماضي، لأننا نلاحظ من خلال أسلوب السياسة الأمريكية، أنها لا تعمل لإنقاذ الاقتصاد اللبناني أو إيجاد قاعدة جيدة للعلاقات اللبنانية ـ السورية، بل تزيدها تعقيداً، لأنها تريد للبنان أن يبقى ورقة ضغط ضد سوريا في مواقفها في قضايا فلسطين والعراق وإيران، لتقديم التنازلات من قاعدة الممانعة ضد الصهيونية والاحتلال. |
|
عندما يختلف المجتمع في انتماءاته، سواء كانت هذه الانتماءات انتماءات دينية أو غير دينية، ربما تؤدي هذه المنازعات أو الحروب الناشئة منها إلى تدخّل المستكبرين في شؤون المستضعفين، بحجة أنهم يتوسّطون ليحلّوا المشكلة. |
المحافظة على سلاح المقاومة:
ومن جانب آخر، فإننا ندعو اللبنانيين أن يدرسوا التجارب الماضية، ولا سيما في عدوان عناقيد الغضب، وما رافقه من مجازر في قانا وغيرها، إضافةً إلى مجزرة صبرا وشاتيلا، ليعرفوا أن إسرائيل العدوانية تمثل خطراً على لبنان والمنطقة، وليكون لديهم وعي المحافظة على القوَّة في سلاح المقاومة، التي هي الجهة التي تملك مواجهة هذا العدوان، كما واجهته في الماضي وطردته من البلد، من دون أن يحصل على أيّ شرط من الشروط التي كان يتطلّع لفرضها على لبنان.
حفظ حقوق العمَّال:
وإننا في أجواء عيد العمّال، نريد للحكومة أن تتحمّل مسؤولياتها تجاه العمّال في جميع قطاعات العمل، ليكونوا على رأس أولويّاتها واهتماماتها، وإلا فما معنى استمراريتها إذا أخفقت في هذه المسؤولية وغيرها؟! كما ندعو الحكومة إلى تحمّل مسؤولياتها فيما هي الخطة الإصلاحية التي ينبغي أن تنطلق بشكل مدروس، وإدارة القضايا المتصلة بالاقتصاد والخدمات الحياتية، ومعالجة الفساد، وحلّ مشكلة المديونية، ومحاسبة الذين أثروا من خلال التعدي على مال الدولة، لأننا نريد لبنان بلداً يشعر أبناؤه بجدية السعي إلى حلّ مشكلاته وتعزيز مواقعه، والانفتاح على المواطنة بدلاً من الطائفية، وعلى الحرية بدلاً من العبودية، ليستطيع هذا البلد ـ بإنسانه ـ أن يأخذ دوره في تقوية مواطنيه، وفي إغناء المنطقة بالحكمة والمعرفة والإيمان. |