يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {إنما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً} (الأحزاب:33). هذا اليوم الخامس والعشرون من شهر محرّم الحرام، يصادف ذكرى وفاة الإمام علي بن الحسين زين العابدين(ع)، هذا الإمام الذي عاش في رعاية الله ولطفه، فبقي في عاشوراء على الرغم من أن كل أخوته وأهل بيته استشهدوا هناك، لأن الله تعالى أراد أن يبقي هذه الذرية الطيبة في خط الإمامة المعصومة، حيث منعه مرض شديد من المشاركة في القتال في معركة كربلاء إلى جانب أخيه علي الأكبر. |
|
لأن رسالة الأئمة من أهل البيت(ع) هي أن لا يخاطبوا الناس بالانفعال ولكنهم يخاطبونهم بالحكمة والموعظة الحسنة، ليغيّروا لهم تفكيرهم المنحرف الذي خضعوا فيه لإعلام الظالمين |
وهكذا، عاش الإمام زين العابدين(ع) كل مأساة كربلاء، ورأى كيف تساقط والده الإمام الحسين(ع) مع أهل بيته وأصحابه شهداء، في أبشع مجزرة إنسانية قام بها أولئك الذين ركبوا مع الشيطان، وجعلوا أطماعهم وشهواتهم وامتيازاتهم فوق دينهم ومبادئهم.
وعاش الإمام زين العابدين(ع) بعد ذلك الأسر والسبي مع عماته وأخواته ونساء أهل بيته وأصحابه، وأُدخل على ابن زياد، فوقف الإمام(ع) منه موقفاً صلباً قوياً، فهدّده ابن زياد بالقتل، لولا أن عمته السيدة زينب(ع) حالت دون ذلك، وقالت له: "اقتلني قبل أن تقتله"، فخجل ابن زياد وامتنع عن القيام بقتله.
وكانت الرحلة الثانية من الكوفة إلى الشام، حيث عاش الإمام زين العابدين(ع) أقسى الأوضاع والآلام، ولا سيما عندما دخلوا الشام، حيث وقف شيخ من أهل الشام يخاطب الإمام ويقول: "الحمد لله الذي خذلكم وفضحكم، ونصر أمير المؤمنين يزيد عليكم". وعرف الإمام(ع) أن هذا الرجل كان خاضعاً للدعاية الأموية اليزيدية التي صوّرت حركة الإمام الحسين(ع) حركة خروج على الشرعية، وأقنعت أهل الشام بذلك، وأراد الإمام زين العابدين(ع) أن يطلعه على الحقيقة، ويصحح له معلوماته، فقال له: "يا شيخ، هل قرأت هذه الآية: {قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى} (الشورى:23)، قال: "بلى، وما دخلكم بها؟"، قال(ع): "أسألك من هم هؤلاء القربى"؟ قال: "علي وفاطمة والحسن والحسين"، قال(ع): "هل قرأت هذه الآية: {إنما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً"، فمن هم أهل البيت"؟ فذكر له أنهم علي وفاطمة والحسن والحسين، فقال له: "يا شيخ، إن هذا الشهيد هو الحسين بن فاطمة الذي قتله يزيد"، فقال: "والله لأنتم هم"، قال: "نعم"، فتغيّر هذا الشيخ وبدأ يبكي ويلعن يزيد.
هذا هو أسلوب الإمام زين العابدين(ع) في مواجهة الصعوبات والتحديات، بعيداً عن الانفعال، وعن الجانب العاطفي المأساوي، لأن رسالة الأئمة من أهل البيت(ع)، هي أن لا يخاطبوا الناس بالانفعال، بل بالحكمة والموعظة الحسنة، ليغيّروا لهم تفكيرهم المنحرف الذي خضعوا فيه لإعلام الظالمين. وهكذا عند دخل الإمام زين العابدين(ع) مجلس يزيد، وخاطبه خطاباً أسكته، وجعله يشعر بالخزي والعار.
الحـزن الرسـالي
إن الصورة التي يحاول الكثيرون من الخطباء والمحدّثين أن يظهروها للإمام زين العابدين(ع)، أنه كان بكّاءً في الليل والنهار، وأنه ما وُضع بين يديه طعام أو شراب إلا ومزجه بدموعه، لكن الصورة الحقيقية ليست كذلك. إن الإمام زين العابدين(ع) الذي عاش كل هذه المأساة، كان يعيش الحزن، ولكن حزنه يختلف عن أيّ حزن آخر، كان حزنه حزناً إنسانياً يعيش الجانب العاطفي في معناه الإنساني، على طريقة النبي(ص) عندما فقد ولده إبراهيم فقال: "تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما لا يرضي الله، وإنّا لفقدك يا إبراهيم لمحزونون".
كان حزن الإمام زين العابدين(ع) على أبيه الإمام الحسين والصفوة الطيبة من أهل بيته وأصحابه حزناً رسالياً إيحائياً. كان يريد للناس أن يعيشوا هذه المأساة ويتذكروا كربلاء، وأن تتجذر في وجدانهم في كل عناوينها وشعاراتها ومبادئها وكل انطلاقاتها. كان يريد لهم أن لا ينسوا عاشوراء، وأن يعرفوا أن الحسين(ع) استشهد من أجل الرسالة، ومن أجل الإصلاح في أمة جده، من أجل تغيير الواقع الفاسد إلى واقع صالح. كان يريد للناس أن لا يعتبروا أن قضية الإمام الحسين وتضحيته كانت مسألة ملك يريد أن يحصل عليه في مواجهة بني يزيد، لم تكن القضية بين جمهور كربلاء وجمهور الأمويين قضية صراع بين بني هاشم وبني أمية، بل كانت قضية صراع الحق مع الباطل، وصراع العدل مع الظلم، وصراع الخط المستقيم مع الخط المنحرف.
تأكيد القيم الإنسانية والروحية
لقد أراد الإمام الحسين(ع) أن تكون تضحيته في هذا الاتجاه، وأراد الإمام زين العابدين(ع) أن يخطط لتبقى كربلاء في ضمير الأمة ووجدانها، ليعيش كل جيل من خلال المأساة والعاطفة، الرسالة والقضية، لأن المأساة كانت من أجل الرسالة ولم تكن من أجل الذات. وهكذا، لم ينطلق حزن الإمام زين العابدين(ع) من ناحية ذاتية تشغله عمّا حوله من قضايا الإسلام والمسلمين، بل انطلق بعيداً عن أحزانه وذاتياته ليمارس دور الإمامة، وليؤكد القيمة الإنسانية الروحية التي يمثلها أهل البيت(ع)، فعندما دارت الدائرة على الأمويين، جاء مروان بن الحكم إلى وجهاء المدينة ليترك عائلته عندهم، ولكنهم رفضوا ذلك، وعندما جاء إلى علي بن الحسين(ع) قال له: "ضمّ عائلتك إلى عائلتي"، ورعى(ع) عائلة مروان بن الحكم الذي هدد بقتل أبيه الحسين في المدينة، حتى قالت بعض بنات مروان: "لم نجد رعايةً في بيت أبينا كما وجدنا في بيت علي بن الحسين".
وهذا ما يمثِّل أعلى حالات السمو الروحي والأخلاقي الذي عاشه أهل البيت(ع) الذين يدرأون بالحسنة السيئة. وفي قضية أخرى مماثلة، كان هناك والٍ في المدينة من قبل الأمويين، وكان يؤذي الإمام وأهل بيته(ع)، ثم دارت الدائرة على هذا الوالي وعُزل، وأمر الخليفة الأموي آنذاك أن يُنصب للناس فيمروا عليه ويأخذوا حريتهم في شتمه وسبه، وكان هذا الرجل يفكر ماذا يحدث له عندما يمرّ عليه بنو هاشم، وكان الإمام(ع) قد جمع أهل بيته وقال لهم: "لا تحاولوا أن تنالوه بسوء"، ومروا عليه بكل كلمة طيبة، حتى نُقل أن الإمام(ع) أرسل إليه أنه إذا كانت عليك ديون فإننا مستعدون أن نفيها لك، وعندما رأى من أهل البيت(ع) هذا الخُلُق العظيم، لم يستطع إلا أن يقول: "الله أعلم حيث يجعل رسالته".
هكذا كان السمو الأخلاقي والروحي الذي يمثل النموذج الأكمل فيما يريد الإسلام من خلال سيرة أهل البيت(ع) أن يؤكده في حياة الناس.
وانطلق الإمام علي بن الحسين(ع) في تحريك إمامته في المسألة الثقافية، ففي المرحلة التي عاشها الإمام، كان أغلب أساتذتها من علماء ومثقفين ومحدّثين ومؤرِّخين، يتتلمذون على الإمام زين العابدين(ع)، فقد كان أستاذ المرحلة الإسلامية في ذلك الوقت، وكان(ع) يؤكد في عيشه مع الناس، كل القيم الأخلاقية والروحية. فمن كلماته في مسألة العصبية ـ والعصبية كانت في الجاهلية الطابع الذي يعيشه المجتمع الطبقي العشائري، وهو ما نزال نعيشه حتى في هذه الأيام على مستوى الطوائف والمذاهب والأحزاب والعائلات ـ فكان(ع) يقول: "إن العصبية التي يأثم عليها صاحبها، أن يرى الرجل منكم شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين، وليس من العصبية أن يحبّ الرجل قومه، بل أن يعين قومه على الظلم". من حقك أن تحب قومك من عشيرتك أو جماعتك أو طائفتك، لأن هذه حالة إنسانية، أما عندما تصل المسألة إلى المبادئ فإن عليك أن تغلّب المبادئ على ما سواها؛ أن تكون مع الإنسان الخيِّر، سواء كان قريباً أو بعيداً، وضد الإنسان الشرير، سواء كان الشرير قريباً أو بعيداً. وهذا ما نُقل عن النبي(ص)، وقد سئل عن الكلمة التي كانت معروفة في الجاهلية: "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً"، قالوا: قد عرفنا كيف ننصره مظلوماً، فكيف ننصره ظالماً؟ قال(ص): "تردّه عن ظلمه"، أن تنصره على شيطانه ونقاط الضعف في نفسه ليمتنع عن الظلم.
وكان الإمام زين العابدين(ع) يدعو ربه في قضية الظلم فيقول: "اللهم ولا أُظْلَمنّ وأنت مطيق للدفع عني ـ إذا أراد أحد أن يظلمني، فإني أطلب منك يا ربّ أن تتدخّل لتمنعه من ظلمي ـ ولا أَظلِمن وأنت القادر على القبض مني"، إنه يستعين بالله على نفسه عندما تدعوه نفسه إلى أن يظلم إنساناً آخر.
وكان(ع) يريد للناس في عملية تقويمهم للأشخاص وتقديرهم لهم، أن لا يحتقروا الفقير لفقره، ولا يعظّموا الغني لغناه، فنراه يقول في بعض أدعيته: "اللهم واعصمني من أن أظن بذي عدم خساسة، أو أظن بصاحب ثروة فضلاً، فإن الشريف من شرّفته طاعتك، والعزيز من أعزّته عبادتك"، إن الشرف والعزة لا تأتي من خلال المال، المال ليس هو الإنسان، الإنسان هو عقله وروحه والتزامه بالمسؤوليات التي حمّله الله إياها.
التواضـع سِمَتُه
وهناك نقطة مهمة لا بد من أن يعرفها كل الذين يتطلبون من الناس أن يعظّموهم لأنهم يملكون علماً ومالاً وسلطة، إن كثيراً من السياسيين ورجال الدين والشخصيات الاجتماعية يشعرون بأن لهم حقاً على الناس في أن يعظّموهم، ولكن الإمام(ع) ـ وهو القريب إلى الله، وهو ابن رسول الله، وهو الذي تتمثل فيه كل مواصفات الكمال ـ كان إذا أراد أن يسافر، سافر مع جماعة لا يعرفونه. يروى أنه ذات يوم سافر مع بعض القوافل التي عُهد إلى أفرادها القيام ببعض الخدمات، وأُعطي الإمام(ع) دور جمع الحطب، وتقبّل ذلك بكل طيبة خاطر، والقوم لا يعرفونه، حتى جاءت قافلة من طريق آخر وفيها من يعرفه، وفوجئ بهذا الذي يراه، فجاء إلى رؤساء القافلة وسألهم: "أتعرفون من هذا"، قالوا: "شخص من أهل المدينة"، فقال لهم: "هذا علي بن الحسين زين العابدين(ع)"، فأقبلوا عليه وسألوه: لماذا لم تعرّفنا عن نفسك، فقد تبدر منا إساءة إليك؟ فقال (ع): "لقد رافقت قوماً فأعطوني برسول الله ما لا استحق ـ وهو يستحق كل التقدير ـ وأنا لا أحب أن آخذ برسول الله ما لم أعطِ مثله".
لقد عاش الإمام(ع) في عبادته كأفضل ما يكون العابدون، عاش في علمه كأفضل ما يعطي العلماء، وعاش في أخلاقه كأفضل ما يمثل الأخلاق، وأنا أنصح كل مؤمن ومؤمنة أن يقبلوا على قراءة دعاء مكارم الأخلاق، لأنه يضم كل الأخلاق الإسلامية: "اللهم ولا ترفعني في الناس درجة إلا حططتني عند نفسي مثلها، ولا تُحدث لي عزاً ظاهراً إلا أحدثت لي ذلة باطنة عند نفسي بقدرها". وعندما يفكر الإمام(ع) بالحياة، فكيف كان يفكر في هذا العمر: "وعمّرني ما دام عمري بذلة في طاعتك، فإن كان عمري مرتعاً للشيطان فاقبضني إليك قبل أن يسبق مقتك إلي، أو يستحكم غضبك عليّ".
هؤلاء هم أئمتنا الذين يمثلون الهدى كل الهدى، والخير كل الخير، والروحانية كل الروحانية، وعلينا أن نعمل من أجل أن نتذكرهم ونقتدي بهم ونواليهم، لأنهم هم الذين يؤدون بنا إلى الطريق المستقيم.
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله... اتقوا الله وواجهوا المرحلة التي يعيشها المسلمون في مواجهة المستكبرين والظالمين على أساس المسؤولية في أن نقف صفاً واحداً كالبنيان المرصوص، وأن نواجه المسستكبرين بكل ما لدينا من قوة، حتى نضمن لأنفسنا النصر في كل قضايانا، لأن الأمة التي تنتصر لقضاياها وحريتها وعزتها، هي أمة لا يمكن لأحد أن يسقطها ويقهرها، أو أن ينال منها، فماذا هناك:
أمريكا: محاصرة الدولة الممانعة
في المشهد الأمريكي، تتحرك الولايات المتحدة الأمريكية في حربها السياسية والأمنية على المنطقة في مواقع العالم الإسلامي، في عملية حصارية للدول الخارجة عن طاعتها التي تؤكد حريتها في تقرير مصيرها على أساس مصالحها الحيوية وأوضاعها المصيرية، وفي مواجهتها للحركات الإسلامية، ولاسيما حركة حماس في فلسطين، التي اختارها الشعب الفلسطيني بأكثريته الساحقة لتحقق لـه الاستقلال والحرية، بطرد المحتل من أرضه المحتلة على مستوى الاستراتيجية التحريرية، وهي الحركة التي بذلت دماء شبابها وقياداتها مع الفصائل الفلسطينية المجاهدة للانتفاضة، والتي أثبتت تجربتها في الصدق والأمانة في مؤسساتها التربوية والاجتماعية، أنها تمثل النموذج المميّز للعمل السياسي في مضمونه المتنوّع.. |
|
إننا أمام الخطة الأمريكية التقسيمية، نحب أن نسجّل بتقدير واحترام للمرجعيات الإسلامية في النجف الأشرف وفي أكثر من بلد، وفي العراق كله، من الشخصيات السنّية والشيعية، دعواتهم لمواجهة الحدث الخطير في تفجير مقامي الإمامين الهادي والعسكري (عليهما السلام)، |
وهكذا، نلاحظ كيف تواجه واشنطن إيران الحرة في سياستها ضد الاستكبار، وفي استراتيجيتها في بناء قوتها العلمية والاقتصادية والسياسية والأمنية، في توجيهها الاتهامات لها بالإرهاب والمروق وأنها من ضمن محور الشرّ، وفي تعطيل مشروعها النووي السلمي تحت تأثير اتهامها بالتخطيط لصنع السلاح النووي، على الرغم من نفي قيادتها الشرعية والسياسية لذلك...
الفوضى البنّاءة: شعار الديموقراطية الأمريكية
وفي جانب آخر، فإن أمريكا لا تزال تنشر الفوضى في العراق، على طريقة المشروع الأمريكي في إنتاج "الفوضى البنّاءة" ـ حسب تعبير الرئيس بوش ـ بحجة نشر الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، في الوقت الذي يعلم الجميع أنها تحارب الديمقراطية إذا اختارت فريقاً حراً مجاهداً مختلفاً مع السياسة الأمريكية ومع المصالح الاحتكارية للشركات الأمريكية، التي تسعى إلى امتلاك بترول العالم الإسلامي وصولاً إلى السيطرة على كل الدول المفتقرة إليه... وهكذا في حركتها في أفغانستان من أجل ضمان سيطرتها على مواقعها الاستراتيجية للدول المحيطة بها...
ولا يزال الموفدون الأمريكيون في العراق يتابعون التحرك من أجل التدخّل في شؤونه السياسية، لترتيب أوضاعه على صورة مصالحهم الاستراتيجية، في مصادرة ثرواته في باطن الأرض وخارجها، ولإثارة الحساسيات الطائفية، وذلك من خلال تصريحات السفير الأمريكي في بغداد الذي يحاول أن يحرّك الغرائز الطائفية المذهبية التي قد تثير طائفة في مواجهة طائفة أخرى، على الرغم من سعي الشعب العراقي في انتخاب ممثليه من أجل حكومة وحدة وطنية تصنع قواعد وامتدادات العراق الجديد، لأن الأمريكيين يريدون لسفارتهم هناك، من خلال حشد آلاف الموظفين، أن تكون قاعدة سياسية دبلوماسية أمنية لإدارة الأوضاع في العراق من جميع جوانبه، وتعطيل نموّه الذاتي في اقتصاده وأمنه وسياسته وعلاقته بالدول المحيطة به وبالعالم كله، بشكل مستقل، وإيجاد قاعدة إسرائيلية مخابراتية واقتصادية لاستكمال خطة التحالف الإسرائيلي ـ الأمريكي، في محاولة للسيطرة على المنطقة كلها من خلال العراق.
أمريكا: إنتاج الفتنة المذهبية
إننا نلاحظ أن الاحتلال الأمريكي لم يمنح الجيش العراقي الأسلحة المتطوّرة التي تمكّنه من الدفاع عن البلد، ولم يعطِ قوى الأمن الداخلي الإمكانات التي يستطيعون من خلالها ملاحقة المجرمين ومنع الفلتان الأمني هناك، هذا إضافة إلى إعطاء الشركات الأمريكية التي يملكها رجال الإدارة ـ ولاسيما نائب الرئيس الأمريكي ـ الفرصة لنهب الثروات العراقية في مشاريع وهمية، ما يحوّل الإدارة الأمريكية إلى إدارة لصوصية في أوضاع العراق. ولعل من أخطر المشاريع الأمريكية، هو تشجيع ظروف الفتنة المذهبية، بإطلاق حرية التكفيريين في عبثهم بالأمن العراقي، وتفجيرهم المساجد والمواقع الدينية، واغتيالهم للمدنيين العراقيين، من دون أن يخططوا لمحاصرتهم وتطويقهم بطريقة وبأخرى، ما يجعل المسألة تتحرك في نطاق الفعل ورد الفعل، لتنطلق النار في كل هذا الهشيم التكفيري الأمني...
التقدير والاحترام للمرجعيات السياسية والدينية
إننا أمام الخطة الأمريكية التقسيمية، نحب أن نسجّل كل التقدير والاحترام، للمرجعيات الإسلامية في النجف الأشرف، وفي أكثر من بلد، وفي العراق كله، من الشخصيات السنّية والشيعية، في مواجهة الحدث الخطير في تفجير مقامي الإمامين الهادي والعسكري (عليهما السلام)، حيث انطلقت الفتاوى والمواقف لتحريم أيّ رد فعل سلبي على مستوى التنوّع المذهبي، فلا يجوز التعرّض لمساجد المسلمين السنّة ومقاماتهم وأئمتهم، لأن ذلك محرّم تحريماً مطلقاً، لأن المساجد لله، سواء كان يؤمّها السنّة أو الشيعة، ولا يجوز التعرّض لأيّ مسلم، سواء كان سنيّاً أو شيعياً، لأن المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه، ولذلك، فإن ما حصل من بعض ردود الفعل الانفعالية مرفوض ومدان ومحرّم شرعاً، وخيانة للإسلام والمسلمين...
تفجير المقامين مسؤولية أمريكا
إننا في موقفنا هذا، ندعو الشعب العراقي والمسلمين على امتداد الواقع الإسلامي في العالم إلى الأخذ بأسباب الوحدة الإسلامية، ولاسيما في هذه الظروف التي وقف فيها أعداء الإسلام للحرب على رسول الله(ص) بالصور المسيئة لذاته المقدّسة، وقد غاظ المستكبرون هذا الموقف الإسلامي الواحد في العالم الإسلامي كله للانتصار لقداسة الرسول الأعظم (ص)، فحاولوا أن يثيروا مشكلة جديدة في العراق، لتمزيق العالم الإسلامي، باعتبار خطورة هذا التفجير لمقام إمامين عظيمين من أئمة المسلمين الذين يقدّسونهم في إمامتهم وموقعهم الإسلامي في الدفاع عن الإسلام وأهله، وانعكاسه على المشاعر والأحاسيس الدينية من أجل الإثارة المذهبية، ليقاتل المسلمون بعضهم بعضاً. إننا نضع هذا الحدث الجريمة في دائرة الخطة الاستكبارية، لينسى المسلمون قداسة رسولهم العظيم، ولينشغلوا عن قضاياهم الحيوية المصيرية بالفعل وردّ الفعل...
إننا نلاحظ الخطة الأوروبية ـ الأمريكية لتطويق الموقف الإسلامي في وحدته الإسلامية الرافضة لكل مقولات الغرب في حرية التعبير، حتى في الحرب على المقدّسات الإسلامية، وذلك من خلال الموفدين الأوروبيين والأمريكيين الذين يعملون للضغط على الدول العربية، لمنعها من مساعدة الشعب الفلسطيني، الذي سوف تتحمّل حماس مسؤولية إدارة شؤونه، وهذا ما دفع وزيرة الخارجية الأمريكية للمجيء إلى المنطقة، لإرباك الواقع العربي، وتعقيد علاقاته بإيران وبالإسلاميين، وتخويفهم من الإرهاب، كما يسمّونه...
الوصاية الجديدة وإنتاج الخوف
وهكذا، تتحرك الوصاية الأمريكية والفرنسية، ومعهما مجلس الأمن الخاضع في قراراته لأمريكا وإسرائيل، لتتدخّل في كل الشؤون السياسية والإدارية والأمنية في لبنان، وليكون الواقع اللبناني من خلال مفاصله العامة ورقة للضغط على سوريا وعلى الخطة الأمريكية في العراق وفي مشروع الشرق الأوسط الكبير...
إن المشكلة هي أن لبنان لم يعد مالكاً لقراره، وأنه تحوّل إلى صدى للقرارات الأمريكية باسم قرارات المجتمع الدولي، على الرغم من الحديث عن لبنان الحر السيد المستقل... ثم، إن الطريقة التي تدار بها الأمور بالكلمات الحادة، والمشاريع الضبابية الغامضة، وباللعبة السياسية الخطرة، أصبحت تنتج الخوف للبنانيين من حرب جديدة لا نزال نستبعدها، ولكن الناس تعيش الذكريات الماضية خوفاً من التجارب التي صنعها المناخ السياسي الداخلي الذي كان خاضعاً للمناخ الدولي والإقليمي، والتي حصدت عشرات الألوف من اللبنانيين من دون الوصول إلى نتيجة سعيدة...
لبنان: التمييز بين العدو والصديق
إننا نريد للأمناء على الوطن كله، أن يعتبروا أن البلد وأهله أمانة الله في أيديهم، وأن السلم الأهلي والوحدة الوطنية والاستقرار الأمني هو مستقبل لبنان الجديد، وأن الوصاية الدولية الجديدة لن تساعد البلد في استقلاله وحريته، بل إنها ستدخله من جديد في دوّامة النفق المظلم في لعبة الأمم، فحذار حذار من عدم وعي واقع المرحلة، وخطورة الموقف، والخطة التي تحرّك البلد نحو الانهيار...