لا تركنوا إلى الذين ظلموا... وكونوا قوامين بالقسط...

لا تركنوا إلى الذين ظلموا... وكونوا قوامين بالقسط...
 

لأن العدل في الحياة رسالة الأنبياء:

لا تركنوا إلى الذين ظلموا... وكونوا قوامين بالقسط...


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

العدل رسالة الأنبياء

من بين الأمور التي تحدَّث الله تعالى عنها، وأراد للناس أن يبتعدوا عنها ويتركوها، مسألة الظلم، ولم يفرّق الله سبحانه في حرمة الظلم والعقاب عليه، بين ظلم المؤمن وظلم الكافر، فكما لا يجوز ظلم المؤمن في حقه إذا كان له حق، كذلك لا يجوز ظلم الكافر في حقه، لأن الله تعالى أراد أن تكون العلاقات الإنسانية مبنية على أساس العدل، بأن يُعطى صاحب الحق حقه.

لا يجوز لنا أن نظلم أي إنسان مسلماً كان أو كافراً، وكما يجب علينا أن نعدل مع المسلم، يجب علينا أن نعدل مع الكافر، لأن الله تعالى لا يريد لأحد أن يُظلم حقه..

وهذا ما أكده الله تعالى في ما أوحى به إلى أنبيائه، وقد ورد في بعض أحاديث الأئمة من أهل البيت(ع)، أن "الله أوحى إلى نبيّ في ملكه جبّار من الجبّارين، أن إئتِ هذا الجبار، وقل له إني إنما استعملتك لتكفّ عني أصوات المظلومين، فإني لن أدع ظلامتهم ولو كانوا كفاراً" . فكما أن الظلم لا دين له، كذلك العدل لا دين له. لذلك لا يجوز لنا أن نظلم أي إنسان، مسلماً كان أو كافراً، وكما يجب علينا أن نعدل مع المسلم، يجب علينا أيضاً أن نعدل مع الكافر، لأنّ الله تعالى لا يريد لأحد أن يُظلم في حقه..

في أنواع الظلم

وقد ورد عن عليّ(ع) وهو يقسّم الظلم: "الظلم ثلاثة؛ ظلم لا يُغفر، وظلم يُغفر، وظلم مطلوب لا يُترك، أما الظلم الذي لا يُغفر فهو الشرك بالله ـ لأن الشرك بالله هو ظلم لله فمن حق الله على عباده أن يوحّدوه، وهو ما ورد في وصية لقمان لولده: {يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم}، وقال الله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} ـ وأما الظلم الذي يُغفر فهو ظلم العبد نفسه عند بعض الهنات ـ لأن الله تعالى أراد للإنسان أن لا يظلم نفسه بأن يورطها في المعاصي الكبيرة، ولكنه سبحانه يغفر المعاصي الصغيرة التي تصدر عن الإنسان، والتي عبّر عنها بـ"اللمم" ـ وأما الظلم المطلوب الذي لا يُترك فهو ظلم العباد بعضهم بعضاً"، بأن يظلم الإنسان الإنسان الآخر في مال أو في إحداث ضرر أو جرح أو ما إلى ذلك، فإن هذا الظلم لا يتركه الله، بل إنه تعالى يحاسب عليه ولا يغفره حتى يغفره صاحبه.

وقد ورد في بعض الأحاديث أن الإنسان يؤتى به يوم القيامة وأعماله مثل الجبال، حتى أن الناس ينبهرون بهذا الحجم من الأعمال الخيرية، ويأتي أصحاب الحقوق ليطالبوا بحقوقهم وينادون: "يا عدل يا حكيم، احكم بيننا وبين فلان فقد ظلمنا"، فيقول الله: "خذوا حقوقكم من حسناته"، فيبدأ الملائكة يأخذون من حسناته العظيمة ويعطونها لأصحاب الحقوق، ثم يقول الملائكة: "يا ربنا، لقد فنيت حسناته وطالبوه كثير"، فيقول الله تعالى: "أضيفوا من سيئاتهم على سيئاته"، ومعنى ذلك أن الله تعالى لا يترك حقّ أحد.

الله خصم للظالم

وورد في الحديث عن الإمام علي(ع): "من ظلم عباد الله ـ ظلم زوجته في حقها أو العكس، ظلم الأب لأولاده والعكس، ظلم الناس الذين يتعاملون فيما بينهم بأن يأكلوا أموال بعضهم بعضاً بالباطل أو ظلمهم في الاعتداء على أجسادهم، أو في ظلم المسؤولين لشعوبهم ـ كان الله خصمه دون عباده"، ومن كان الله خصمه فكيف يمكن أن يكون مصيره؟ وفي حديث الإمام علي(ع): "بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد"، فالله يأمرنا بالتزوّد من خير الزاد وهو التقوى، فكيف حال الإنسان الذي يحمل زاده إلى معاده يوم القيامة من خلال ظلم الناس؟ ويقول(ع) وهو إمام العدالة: "والله، لئن أبيت على حسك السعدان مسهداً، أو أُجرّ في الأغلال مصفداً، أحبّ إليّ من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد وغاصباً لشيء من الحطام، وكيف أظلم أحداً لنفس يُسرع إلى البِلى قفولها، ويطول في الثرى حلولها".

ويقول الإمام عليّ(ع): "والله لو أُعطيت الأقاليم السبع ـ السموات ـ بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت"، فكيف ممن يأكلون أموال الناس بالباطل ويصادرون أموال الأمة ويسرقونها، ليصبحوا من أصحاب الملايين وقد كانوا من الفقراء؟ ويقول(ع): "إياك والظلم فإنه أكبر المعاصي"، ويقول(ع): "ليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة الله ـ بحيث أن الله يعاقبه بإزالة نعمته ـ وتعجيل نقمته من إقامة على الظلم، فإن الله يسمع دعوة المظلومين وهو للظالمين بالمرصاد".

ويرد الحديث في هذا المجال عن النبي(ص) وهو يتحدث عن ظلم الضعفاء، كالإنسان الذي يظلم زوجته التي لا سند لها يدافع عنها، أو يظلم ولده الصغير الذي لا يملك أن يدافع عن نفسه، أو يظلم الضعيف في المجتمع، يقول(ص): "اشتد غضب الله على من ظلم من لا يجد ناصراً إلا الله"، وقد ورد عن علي(ع): "ظلم الضعيف أفحش الظلم". والإمام(ع) يثير مسألة أنك قد تشعر بالقوة، قوة المال أو السلطة أو العشيرة أو الحزب، لأنك تملك وسائل القوة والآخرون من المستضعفين لا يملكونها، فكيف تمنع نفسك إذا دعتك إلى أن تظلم هذا الضعيف بين يديك، يقول(ع): "إذا دعتك القدرة على ظلم الناس فاذكر قدرة الله سبحانه على عقوبتك وذهاب ما أتيت إليهم وبقاءه عليك". وكما قال الشاعر:

وما من يد إلا ويد الله فوقها وما ظالم إلا سيُبلى بأظلـم

الظلم إلى زوال

وقد رأينا الكثير من الظلمة الذين سرقوا أموال الناس أو قتلوهم أو جرحوهم كيف انقلبت الأمور عليهم، {وتلك الأيام نداولها بين الناس}، فيوم علينا ويوم لنا، ويوم نُسَاءْ ويوم نُسَّر. وفي الحديث عن الإمام الصادق(ع): "العامل في الظلم والمعين له والراضي بالظلم شركاء ثلاثتهم". وقد ورد: "من عذر ظالماً بظلمه سلّط الله عليه من يظلمه، فإن دعا لم يستجب له ولم يأجره على ظلامته"، وقد ورد عن رسول الله(ص)، وهي موجّهة إلى "أزلام" الظالمين والمتحزبين لهم والمتعصبين لهم: "من أعان ظالماً على ظلمه جاء يوم القيامة مكتوب على جبهته: آيس من رحمة الله". وورد في القرآن الكريم: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار وما لكم من دون الله أولياء يوم القيامة ثم لا تُنصرون}.

 ولا بد لنا أن نقف ضد الظالمين والمستكبرين في كل أوضاعهم وخطوطهم ومواقعهم، هذا هو خط الإسلام الذي لا بد للإنسان أن يربي نفسه للسير فيه

إن الله تعالى أراد للعدل أن يشمل العالم كله، وأراد للناس أن يعيشوا العدل، وقد أكد الله تعالى في القرآن أن كل الرسالات جاءت من أجل تحقيق العدل في الحياة: {لقد أرسلنا رسلنا بالقسط وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط}، ولذلك فإن معنى أن تكون مسلماً أن تكون عادلاً، عادلاً مع نفسك فلا تظلمها بالمعصية، وعادلاً مع ربك فلا تظلمه بالشرك، وعادلاً مع غيرك، وهكذا. ولا بد لنا أن نقف ضد الظالمين والمستكبرين في كل أوضاعهم وخطوطهم ومواقعهم، هذا هو خط الإسلام الذي لا بد للإنسان أن يربي نفسه للسير فيه، وعليك عندما تريد أن تنام وقد ظلمت أهلك وجيرانك وظلمت الناس أن تفكر في ما قاله الشاعر:

تنام عينك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنمِ

الخطبة الثانية

بسم الله الرَّحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله وواجهوا الحياة بالتأكيد على خط العدل للناس، ورفض الظلم لهم، وبناء المجتمع على أساس مواجهة الظالمين والمستكبرين، من أجل أن يسود العدل في العالم كله، ومن أجل أن ننتظر إمام العدل(عج) الذي يبعثه الله تعالى ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجورا، ونحن نواجه حركة الواقع في ساحات المستضعفين والمظلومين لنعرف كيف نتخذ الموقف!!

المقاومة خيار الشعب الفلسطيني

  أن الشعب الفلسطيني قد اختار المقاومة الإسلامية في موقع المسؤولية السياسية، لأنها الفصيل الجهادي الذي أثبت إخلاصه لتحرير الأرض والإنسان من خلال الشهداء على مستوى القيادة والقاعدة، وأعلن بأنه لا يطلق شعاراته في الهواء

في المشهد الفلسطيني انفتحت الانتخابات على مفاجأة سياسية، وهي نجاح حركة حماس بالأغلبية المطلقة في المجلس التشريعي الفلسطيني، ما يدل على أن الشعب الفلسطيني قد اختار المقاومة الإسلامية في موقع المسؤولية السياسية، لأنها الفصيل الجهادي الذي أثبت إخلاصه لتحرير الأرض والإنسان من خلال الشهداء على مستوى القيادة والقاعدة، وأعلن بأنه لا يطلق شعاراته في الهواء، بل يعمل على أساس الواقعية السياسية بأن حماس وحلفاءها من الفصائل المجاهدة لن تطلق رصاصة واحدة ضد العدو إذا انسحب من الأراضي المحتلة في نطاق المرحلة، وبالتالي فإنها سوف تمارس المفاوضات بشكل غير مباشر مع العدو بما يحقق التحرير، لأنه من غير الطبيعي أن تتحرك المفاوضات في الفراغ في الوقت الذي تتحرك فيه إسرائيل بكل أسلحتها التدميرية ضد الشعب الفلسطيني، واعتقال مجاهديه وقتل أطفاله ونسائه وشبابه في مجازر متحركة.

وإذا كان المسؤولون الأمريكيون ـ ومعهم مسؤولو الاتحاد الأوروبي ـ يتحدثون عن ضرورة إسقاط حماس المقاوِمة التي يعتبرونها حركة إرهابية، ويشترطون عليها أن تأخذ بأسباب الديمقراطية ليصار إلى الاعتراف بها من قِبَل المجتمع الدولي ـ حسب تعبيرهم ـ فإننا نتصور أن الكرة أصبحت في ملعبهم، لأنهم لم يطلبوا من إسرائيل الكف عن تحريك سلاحها الأمريكي ضد الشعب الفلسطيني، بما في ذلك المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ، الأمر الذي يمثّل إرهاب الدولة بأبشع صوره، بالإضافة إلى رفضها الالتزام بالهدنة التي عرضتها والتزمت بها فصائل الانتفاضة، فوقفت (أمريكا) مع إسرائيل في إرهابها المسلّح بكل وحشية ما أدى إلى ردود فعل دفاعية من قِبَل المجاهدين.

ثم، إن المشكلة في الموقف الأمريكي الذي اعتبر المسألة في الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي أمنية، بينما يعرف الجميع أنها مسألة سياسية، لأن الأمن كان رد فعل للعنف السياسي المتمثل بالاحتلال...

 إننا نرى أن رفض النتائج الانتخابية من قِبَل أمريكا وأوروبا هو رفض للديمقراطية ولاختيارات الشعب الفلسطيني، ما يوحي بأن مسألة الديمقراطية لا تمثل أيّ موقف جدّي

إننا نرى أن رفض النتائج الانتخابية من قِبَل أمريكا وأوروبا هو رفض للديمقراطية ولاختيارات الشعب الفلسطيني، ما يوحي بأن مسألة الديمقراطية لا تمثل أيّ موقف جدّي، وهذا ما يفضح شعارات هذين المحورين الغربيين، ونحن ندعو الشعب الفلسطيني إلى أن يقف مع خياراته الشعبية، وينطلق مع طرح حماس في حكومة الوحدة الوطنية التي تؤكد الوحدة الفلسطينية من أجل استكمال عملية التحرير، ليعرف العالم أن الفلسطينيين مهما اختلفت أطيافهم فإنهم في مستوى المرحلة وخطورتها السياسية والأمنية للوصول إلى الأهداف الكبرى في التحرير والاستقرار، ولمنع إسرائيل من استغلال بعض الفجوات الحزبية لإسقاط الموقف السياسي الفلسطيني كلّه.

نحذر من الاستهداف الأمريكي للعراق

أما العراق، فإننا في الوقت الذي نقدّر فيه للشعب العراقي اختياراته الحرة بالرغم من بعض السلبيات التي أُثيرت في الساحة على صعيد النتائج التي تَحَرَك الجدل حولها على صعيد طائفي أو مذهبي أو حزبي، ندعو إلى الاتفاق على حكومة وحدة وطنية تمنح كل فريق حقوقه السياسية من أجل العمل على تحرير العراق من الاحتلال الأمريكي ـ البريطاني، ورفض حركية قواته إلى خارج المدن لتبقى السيطرة الاستعمارية على الوطن كله تحت غطاء استعماري تختفي في داخله حركة المخابرات الأمريكية والإسرائيلية، في اعتبار العراق ساحة للضغط على دول الجوار من أجل تأكيد المصالح الأمريكية المتحالفة مع المصالح البريطانية والإسرائيلية، وجسراً تعبر عليه أمريكا إلى المنطقة..

إننا نحذّر من الاستهداف الأمريكي للعراق على مستوى العمل لتحريك الثغرات والانقسامات الداخلية، وتهيئة الأجواء لحرب داخلية، وهو جزء من الخطة الأمريكية الساعية لإبقاء الاحتلال للعراق باسم الحاجة الداخلية، ومن ثمّ للضغط على القوى السياسية التي أفرزتها الانتخابات العراقية الأخيرة.

نرفض اتهام إيران بالإرهاب

ونبقى مع استهداف إيران والإلحاح الأمريكي على الدول الأوروبية لإدانتها ونقل ملفها إلى مجلس الأمن، ما قد يسيء إلى المصالح الأوروبية الاقتصادية في إيران، ولاسيما أن ذلك يقود لمجرّد الشك في إمكانية تخطيط إيران لصنع السلاح النووي مع أنها صرّحت بأنها ترفض ذلك، في الوقت الذي لم يحرّك الغرب ساكناً حول الترسانة النووية الإسرائيلية الضخمة بحجة أنها "محاطة بالأخطار" من دول الجوار، ما يُضحك الثكلى، لأن إسرائيل هي الخطر على جوارها من خلال قوتها العسكرية وليس العكس.

إننا نقف مع إيران الإسلامية ونرفض اتهامها بالإرهاب أو بدعمه، بل إنها تواجه أكثر من موقع للإرهاب ولاسيما الإرهاب الأمريكي والإسرائيلي، وليست المسألة إلا أن الغرب يرفض أن تملك إيران الخبرة العلمية النووية حتى للأغراض السلمية.

حذار من المبادرات الأمريكية

 نريد للشعب اللبناني أن لا يستمع إلى الذين يثيرون العصبيات الحاقدة على الصعيد الطائفي ويؤكدون الانقسامات، لأن قيمة كل المحاور

أما لبنان، فإن الموفدين الأمريكيين الذين يتحركون لإثارة أكثر من مشكلة في علاقة اللبنانيين ببعضهم، وللدعوة إلى طرد فريق من اللبنانيين ـ وخصوصاً فريق المقاومة ـ من الساحة السياسية، لأن هذا المسؤول الأمريكي الذي يختفي وراءه مسؤول أمريكي يهودي كان له الدور الكبير في تعقيد السياسة الأمريكية في المنطقة لخدمة إسرائيل في مواجهة الواقع العربي والإسلامي، إضافة إلى إصرار أمريكا على محاورة فريق لبناني وتوجيه الاتهامات إلى فريق لبناني آخر وما إلى ذلك، وتقريبها للبعض وتهديدها للبعض الآخر، الأمر الذي يخفي حالة عدوانية سياسية، وضغوطاً على لبنان وسوريا بالمستوى الذي يتحرك ليمنع أيّ لقاء سياسي أو اقتصادي أو أمني لمصلحة البلدين على صعيد العلاقات المميّزة القائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة لكلا البلدين.

وفي الختام، لا بد للجميع القيام بحركة إيجابية للمبادرة العربية، من خلال دراستها بما يحقق المصلحة للبلد وللمنطقة كلها، حذراً من المبادرات الأمريكية التي تخطط من أجل اهتزاز البلد سياسياً، والذي يخاف الناس أن يؤدي إلى الاهتزاز الأمني الذي نبقى مستبعدين له، ونريد للشعب اللبناني أن لا يستمع إلى الذين يثيرون العصبيات الحاقدة على الصعيد الطائفي ويؤكدون الانقسامات، لأن قيمة كل المحاور السياسية سواء أكانت في نطاق الأقلية أو الأكثرية إنما يكون في حركتها من أجل تعميق الوحدة الوطنية والمحبة الشعبية، وتحريك الخطط لمحاسبة الفاسدين والسارقين، والعمل على حل مشاكل المواطنين الاقتصادية وحماية الثروات العامة، وتأكيد الكفاءات المتوازنة في الوظائف، خلافاً لما نسمعه مما يتحرك في الإعلام من خضوعها لاعتبارات طائفية وحزبية، ما يخلق للمواطنين أكثر من مشكلة، ويحرم الطاقات أكثر من فرصة. إن المسألة هي كيف يمكن أن نصنع المستقبل الجديد للبنان.

 

لأن العدل في الحياة رسالة الأنبياء:

لا تركنوا إلى الذين ظلموا... وكونوا قوامين بالقسط...


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

العدل رسالة الأنبياء

من بين الأمور التي تحدَّث الله تعالى عنها، وأراد للناس أن يبتعدوا عنها ويتركوها، مسألة الظلم، ولم يفرّق الله سبحانه في حرمة الظلم والعقاب عليه، بين ظلم المؤمن وظلم الكافر، فكما لا يجوز ظلم المؤمن في حقه إذا كان له حق، كذلك لا يجوز ظلم الكافر في حقه، لأن الله تعالى أراد أن تكون العلاقات الإنسانية مبنية على أساس العدل، بأن يُعطى صاحب الحق حقه.

لا يجوز لنا أن نظلم أي إنسان مسلماً كان أو كافراً، وكما يجب علينا أن نعدل مع المسلم، يجب علينا أن نعدل مع الكافر، لأن الله تعالى لا يريد لأحد أن يُظلم حقه..

وهذا ما أكده الله تعالى في ما أوحى به إلى أنبيائه، وقد ورد في بعض أحاديث الأئمة من أهل البيت(ع)، أن "الله أوحى إلى نبيّ في ملكه جبّار من الجبّارين، أن إئتِ هذا الجبار، وقل له إني إنما استعملتك لتكفّ عني أصوات المظلومين، فإني لن أدع ظلامتهم ولو كانوا كفاراً" . فكما أن الظلم لا دين له، كذلك العدل لا دين له. لذلك لا يجوز لنا أن نظلم أي إنسان، مسلماً كان أو كافراً، وكما يجب علينا أن نعدل مع المسلم، يجب علينا أيضاً أن نعدل مع الكافر، لأنّ الله تعالى لا يريد لأحد أن يُظلم في حقه..

في أنواع الظلم

وقد ورد عن عليّ(ع) وهو يقسّم الظلم: "الظلم ثلاثة؛ ظلم لا يُغفر، وظلم يُغفر، وظلم مطلوب لا يُترك، أما الظلم الذي لا يُغفر فهو الشرك بالله ـ لأن الشرك بالله هو ظلم لله فمن حق الله على عباده أن يوحّدوه، وهو ما ورد في وصية لقمان لولده: {يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم}، وقال الله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} ـ وأما الظلم الذي يُغفر فهو ظلم العبد نفسه عند بعض الهنات ـ لأن الله تعالى أراد للإنسان أن لا يظلم نفسه بأن يورطها في المعاصي الكبيرة، ولكنه سبحانه يغفر المعاصي الصغيرة التي تصدر عن الإنسان، والتي عبّر عنها بـ"اللمم" ـ وأما الظلم المطلوب الذي لا يُترك فهو ظلم العباد بعضهم بعضاً"، بأن يظلم الإنسان الإنسان الآخر في مال أو في إحداث ضرر أو جرح أو ما إلى ذلك، فإن هذا الظلم لا يتركه الله، بل إنه تعالى يحاسب عليه ولا يغفره حتى يغفره صاحبه.

وقد ورد في بعض الأحاديث أن الإنسان يؤتى به يوم القيامة وأعماله مثل الجبال، حتى أن الناس ينبهرون بهذا الحجم من الأعمال الخيرية، ويأتي أصحاب الحقوق ليطالبوا بحقوقهم وينادون: "يا عدل يا حكيم، احكم بيننا وبين فلان فقد ظلمنا"، فيقول الله: "خذوا حقوقكم من حسناته"، فيبدأ الملائكة يأخذون من حسناته العظيمة ويعطونها لأصحاب الحقوق، ثم يقول الملائكة: "يا ربنا، لقد فنيت حسناته وطالبوه كثير"، فيقول الله تعالى: "أضيفوا من سيئاتهم على سيئاته"، ومعنى ذلك أن الله تعالى لا يترك حقّ أحد.

الله خصم للظالم

وورد في الحديث عن الإمام علي(ع): "من ظلم عباد الله ـ ظلم زوجته في حقها أو العكس، ظلم الأب لأولاده والعكس، ظلم الناس الذين يتعاملون فيما بينهم بأن يأكلوا أموال بعضهم بعضاً بالباطل أو ظلمهم في الاعتداء على أجسادهم، أو في ظلم المسؤولين لشعوبهم ـ كان الله خصمه دون عباده"، ومن كان الله خصمه فكيف يمكن أن يكون مصيره؟ وفي حديث الإمام علي(ع): "بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد"، فالله يأمرنا بالتزوّد من خير الزاد وهو التقوى، فكيف حال الإنسان الذي يحمل زاده إلى معاده يوم القيامة من خلال ظلم الناس؟ ويقول(ع) وهو إمام العدالة: "والله، لئن أبيت على حسك السعدان مسهداً، أو أُجرّ في الأغلال مصفداً، أحبّ إليّ من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد وغاصباً لشيء من الحطام، وكيف أظلم أحداً لنفس يُسرع إلى البِلى قفولها، ويطول في الثرى حلولها".

ويقول الإمام عليّ(ع): "والله لو أُعطيت الأقاليم السبع ـ السموات ـ بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت"، فكيف ممن يأكلون أموال الناس بالباطل ويصادرون أموال الأمة ويسرقونها، ليصبحوا من أصحاب الملايين وقد كانوا من الفقراء؟ ويقول(ع): "إياك والظلم فإنه أكبر المعاصي"، ويقول(ع): "ليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة الله ـ بحيث أن الله يعاقبه بإزالة نعمته ـ وتعجيل نقمته من إقامة على الظلم، فإن الله يسمع دعوة المظلومين وهو للظالمين بالمرصاد".

ويرد الحديث في هذا المجال عن النبي(ص) وهو يتحدث عن ظلم الضعفاء، كالإنسان الذي يظلم زوجته التي لا سند لها يدافع عنها، أو يظلم ولده الصغير الذي لا يملك أن يدافع عن نفسه، أو يظلم الضعيف في المجتمع، يقول(ص): "اشتد غضب الله على من ظلم من لا يجد ناصراً إلا الله"، وقد ورد عن علي(ع): "ظلم الضعيف أفحش الظلم". والإمام(ع) يثير مسألة أنك قد تشعر بالقوة، قوة المال أو السلطة أو العشيرة أو الحزب، لأنك تملك وسائل القوة والآخرون من المستضعفين لا يملكونها، فكيف تمنع نفسك إذا دعتك إلى أن تظلم هذا الضعيف بين يديك، يقول(ع): "إذا دعتك القدرة على ظلم الناس فاذكر قدرة الله سبحانه على عقوبتك وذهاب ما أتيت إليهم وبقاءه عليك". وكما قال الشاعر:

وما من يد إلا ويد الله فوقها وما ظالم إلا سيُبلى بأظلـم

الظلم إلى زوال

وقد رأينا الكثير من الظلمة الذين سرقوا أموال الناس أو قتلوهم أو جرحوهم كيف انقلبت الأمور عليهم، {وتلك الأيام نداولها بين الناس}، فيوم علينا ويوم لنا، ويوم نُسَاءْ ويوم نُسَّر. وفي الحديث عن الإمام الصادق(ع): "العامل في الظلم والمعين له والراضي بالظلم شركاء ثلاثتهم". وقد ورد: "من عذر ظالماً بظلمه سلّط الله عليه من يظلمه، فإن دعا لم يستجب له ولم يأجره على ظلامته"، وقد ورد عن رسول الله(ص)، وهي موجّهة إلى "أزلام" الظالمين والمتحزبين لهم والمتعصبين لهم: "من أعان ظالماً على ظلمه جاء يوم القيامة مكتوب على جبهته: آيس من رحمة الله". وورد في القرآن الكريم: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار وما لكم من دون الله أولياء يوم القيامة ثم لا تُنصرون}.

 ولا بد لنا أن نقف ضد الظالمين والمستكبرين في كل أوضاعهم وخطوطهم ومواقعهم، هذا هو خط الإسلام الذي لا بد للإنسان أن يربي نفسه للسير فيه

إن الله تعالى أراد للعدل أن يشمل العالم كله، وأراد للناس أن يعيشوا العدل، وقد أكد الله تعالى في القرآن أن كل الرسالات جاءت من أجل تحقيق العدل في الحياة: {لقد أرسلنا رسلنا بالقسط وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط}، ولذلك فإن معنى أن تكون مسلماً أن تكون عادلاً، عادلاً مع نفسك فلا تظلمها بالمعصية، وعادلاً مع ربك فلا تظلمه بالشرك، وعادلاً مع غيرك، وهكذا. ولا بد لنا أن نقف ضد الظالمين والمستكبرين في كل أوضاعهم وخطوطهم ومواقعهم، هذا هو خط الإسلام الذي لا بد للإنسان أن يربي نفسه للسير فيه، وعليك عندما تريد أن تنام وقد ظلمت أهلك وجيرانك وظلمت الناس أن تفكر في ما قاله الشاعر:

تنام عينك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنمِ

الخطبة الثانية

بسم الله الرَّحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله وواجهوا الحياة بالتأكيد على خط العدل للناس، ورفض الظلم لهم، وبناء المجتمع على أساس مواجهة الظالمين والمستكبرين، من أجل أن يسود العدل في العالم كله، ومن أجل أن ننتظر إمام العدل(عج) الذي يبعثه الله تعالى ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجورا، ونحن نواجه حركة الواقع في ساحات المستضعفين والمظلومين لنعرف كيف نتخذ الموقف!!

المقاومة خيار الشعب الفلسطيني

  أن الشعب الفلسطيني قد اختار المقاومة الإسلامية في موقع المسؤولية السياسية، لأنها الفصيل الجهادي الذي أثبت إخلاصه لتحرير الأرض والإنسان من خلال الشهداء على مستوى القيادة والقاعدة، وأعلن بأنه لا يطلق شعاراته في الهواء

في المشهد الفلسطيني انفتحت الانتخابات على مفاجأة سياسية، وهي نجاح حركة حماس بالأغلبية المطلقة في المجلس التشريعي الفلسطيني، ما يدل على أن الشعب الفلسطيني قد اختار المقاومة الإسلامية في موقع المسؤولية السياسية، لأنها الفصيل الجهادي الذي أثبت إخلاصه لتحرير الأرض والإنسان من خلال الشهداء على مستوى القيادة والقاعدة، وأعلن بأنه لا يطلق شعاراته في الهواء، بل يعمل على أساس الواقعية السياسية بأن حماس وحلفاءها من الفصائل المجاهدة لن تطلق رصاصة واحدة ضد العدو إذا انسحب من الأراضي المحتلة في نطاق المرحلة، وبالتالي فإنها سوف تمارس المفاوضات بشكل غير مباشر مع العدو بما يحقق التحرير، لأنه من غير الطبيعي أن تتحرك المفاوضات في الفراغ في الوقت الذي تتحرك فيه إسرائيل بكل أسلحتها التدميرية ضد الشعب الفلسطيني، واعتقال مجاهديه وقتل أطفاله ونسائه وشبابه في مجازر متحركة.

وإذا كان المسؤولون الأمريكيون ـ ومعهم مسؤولو الاتحاد الأوروبي ـ يتحدثون عن ضرورة إسقاط حماس المقاوِمة التي يعتبرونها حركة إرهابية، ويشترطون عليها أن تأخذ بأسباب الديمقراطية ليصار إلى الاعتراف بها من قِبَل المجتمع الدولي ـ حسب تعبيرهم ـ فإننا نتصور أن الكرة أصبحت في ملعبهم، لأنهم لم يطلبوا من إسرائيل الكف عن تحريك سلاحها الأمريكي ضد الشعب الفلسطيني، بما في ذلك المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ، الأمر الذي يمثّل إرهاب الدولة بأبشع صوره، بالإضافة إلى رفضها الالتزام بالهدنة التي عرضتها والتزمت بها فصائل الانتفاضة، فوقفت (أمريكا) مع إسرائيل في إرهابها المسلّح بكل وحشية ما أدى إلى ردود فعل دفاعية من قِبَل المجاهدين.

ثم، إن المشكلة في الموقف الأمريكي الذي اعتبر المسألة في الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي أمنية، بينما يعرف الجميع أنها مسألة سياسية، لأن الأمن كان رد فعل للعنف السياسي المتمثل بالاحتلال...

 إننا نرى أن رفض النتائج الانتخابية من قِبَل أمريكا وأوروبا هو رفض للديمقراطية ولاختيارات الشعب الفلسطيني، ما يوحي بأن مسألة الديمقراطية لا تمثل أيّ موقف جدّي

إننا نرى أن رفض النتائج الانتخابية من قِبَل أمريكا وأوروبا هو رفض للديمقراطية ولاختيارات الشعب الفلسطيني، ما يوحي بأن مسألة الديمقراطية لا تمثل أيّ موقف جدّي، وهذا ما يفضح شعارات هذين المحورين الغربيين، ونحن ندعو الشعب الفلسطيني إلى أن يقف مع خياراته الشعبية، وينطلق مع طرح حماس في حكومة الوحدة الوطنية التي تؤكد الوحدة الفلسطينية من أجل استكمال عملية التحرير، ليعرف العالم أن الفلسطينيين مهما اختلفت أطيافهم فإنهم في مستوى المرحلة وخطورتها السياسية والأمنية للوصول إلى الأهداف الكبرى في التحرير والاستقرار، ولمنع إسرائيل من استغلال بعض الفجوات الحزبية لإسقاط الموقف السياسي الفلسطيني كلّه.

نحذر من الاستهداف الأمريكي للعراق

أما العراق، فإننا في الوقت الذي نقدّر فيه للشعب العراقي اختياراته الحرة بالرغم من بعض السلبيات التي أُثيرت في الساحة على صعيد النتائج التي تَحَرَك الجدل حولها على صعيد طائفي أو مذهبي أو حزبي، ندعو إلى الاتفاق على حكومة وحدة وطنية تمنح كل فريق حقوقه السياسية من أجل العمل على تحرير العراق من الاحتلال الأمريكي ـ البريطاني، ورفض حركية قواته إلى خارج المدن لتبقى السيطرة الاستعمارية على الوطن كله تحت غطاء استعماري تختفي في داخله حركة المخابرات الأمريكية والإسرائيلية، في اعتبار العراق ساحة للضغط على دول الجوار من أجل تأكيد المصالح الأمريكية المتحالفة مع المصالح البريطانية والإسرائيلية، وجسراً تعبر عليه أمريكا إلى المنطقة..

إننا نحذّر من الاستهداف الأمريكي للعراق على مستوى العمل لتحريك الثغرات والانقسامات الداخلية، وتهيئة الأجواء لحرب داخلية، وهو جزء من الخطة الأمريكية الساعية لإبقاء الاحتلال للعراق باسم الحاجة الداخلية، ومن ثمّ للضغط على القوى السياسية التي أفرزتها الانتخابات العراقية الأخيرة.

نرفض اتهام إيران بالإرهاب

ونبقى مع استهداف إيران والإلحاح الأمريكي على الدول الأوروبية لإدانتها ونقل ملفها إلى مجلس الأمن، ما قد يسيء إلى المصالح الأوروبية الاقتصادية في إيران، ولاسيما أن ذلك يقود لمجرّد الشك في إمكانية تخطيط إيران لصنع السلاح النووي مع أنها صرّحت بأنها ترفض ذلك، في الوقت الذي لم يحرّك الغرب ساكناً حول الترسانة النووية الإسرائيلية الضخمة بحجة أنها "محاطة بالأخطار" من دول الجوار، ما يُضحك الثكلى، لأن إسرائيل هي الخطر على جوارها من خلال قوتها العسكرية وليس العكس.

إننا نقف مع إيران الإسلامية ونرفض اتهامها بالإرهاب أو بدعمه، بل إنها تواجه أكثر من موقع للإرهاب ولاسيما الإرهاب الأمريكي والإسرائيلي، وليست المسألة إلا أن الغرب يرفض أن تملك إيران الخبرة العلمية النووية حتى للأغراض السلمية.

حذار من المبادرات الأمريكية

 نريد للشعب اللبناني أن لا يستمع إلى الذين يثيرون العصبيات الحاقدة على الصعيد الطائفي ويؤكدون الانقسامات، لأن قيمة كل المحاور

أما لبنان، فإن الموفدين الأمريكيين الذين يتحركون لإثارة أكثر من مشكلة في علاقة اللبنانيين ببعضهم، وللدعوة إلى طرد فريق من اللبنانيين ـ وخصوصاً فريق المقاومة ـ من الساحة السياسية، لأن هذا المسؤول الأمريكي الذي يختفي وراءه مسؤول أمريكي يهودي كان له الدور الكبير في تعقيد السياسة الأمريكية في المنطقة لخدمة إسرائيل في مواجهة الواقع العربي والإسلامي، إضافة إلى إصرار أمريكا على محاورة فريق لبناني وتوجيه الاتهامات إلى فريق لبناني آخر وما إلى ذلك، وتقريبها للبعض وتهديدها للبعض الآخر، الأمر الذي يخفي حالة عدوانية سياسية، وضغوطاً على لبنان وسوريا بالمستوى الذي يتحرك ليمنع أيّ لقاء سياسي أو اقتصادي أو أمني لمصلحة البلدين على صعيد العلاقات المميّزة القائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة لكلا البلدين.

وفي الختام، لا بد للجميع القيام بحركة إيجابية للمبادرة العربية، من خلال دراستها بما يحقق المصلحة للبلد وللمنطقة كلها، حذراً من المبادرات الأمريكية التي تخطط من أجل اهتزاز البلد سياسياً، والذي يخاف الناس أن يؤدي إلى الاهتزاز الأمني الذي نبقى مستبعدين له، ونريد للشعب اللبناني أن لا يستمع إلى الذين يثيرون العصبيات الحاقدة على الصعيد الطائفي ويؤكدون الانقسامات، لأن قيمة كل المحاور السياسية سواء أكانت في نطاق الأقلية أو الأكثرية إنما يكون في حركتها من أجل تعميق الوحدة الوطنية والمحبة الشعبية، وتحريك الخطط لمحاسبة الفاسدين والسارقين، والعمل على حل مشاكل المواطنين الاقتصادية وحماية الثروات العامة، وتأكيد الكفاءات المتوازنة في الوظائف، خلافاً لما نسمعه مما يتحرك في الإعلام من خضوعها لاعتبارات طائفية وحزبية، ما يخلق للمواطنين أكثر من مشكلة، ويحرم الطاقات أكثر من فرصة. إن المسألة هي كيف يمكن أن نصنع المستقبل الجديد للبنان.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية