علم واخلاص واقدام وتضحية

علم واخلاص واقدام وتضحية

الحسين (ع) في ذكراه و أهل بيته:
علم واخلاص واقدام وتضحية

ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {إنما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً}. في بداية هذا الشهر ـ شعبان ـ هناك مناسبات ثلاث لأهل البيت(ع): ففي اليوم الثالث من شعبان، كانت ولادة الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام)، وفي اليوم الرابع منه، كانت ولادة أبي الفضل العباس(ع)، وفي اليوم الخامس منه ـ وهو هذا اليوم ـ كانت ولادة الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليهما السلام).

الحسين(ع): تجسيد الرسالة

ونحن أمام هذه المناسبات، لا بد لنا من أن ننفتح على هذه الشخصيات المقدّسة التي أخلصت لله تعالى، حتى ضحّت بأنفسها في سبيله، والتي انفتحت على الإسلام كله، وأخلصت له في الدعوة والثقافة والحركة. ونلتقي في البداية بذكرى الإمام الحسين(ع) الذي ملأ الدنيا بشخصيته المميّزة، لأنه كان منذ ولادته حبيب رسول الله(ص)، وكان النبي(ص)، يريد من المسلمين أن يمحضوه الحبّ، هو والإمام الحسن(ع)، باعتبار أنهما في كل عناصر شخصيتهما، بلغا القمة في المعرفة لله، والإخلاص له، والجهاد في سبيله، وحياطة الإسلام، وقد روى المسلمون جميعاً عن النبي(ص): "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة". وهذه القيمة الروحية، تؤكِّد المستوى الذي بلغاه في قربهما من الله تعالى.

ونقرأ في ما يخصّ الإمام الحسين(ع) عن النبي(ص): "حسين مني وأنا من حسين، أحبَّ الله من أحبَّ حسيناً". ونفهم من هذه الكلمة، هذا اللون من الاندماج بين الحسين وبين رسول الله، لا اندماج القرابة، ولكنه اندماج الرسالة، فقد تجسّدت الرسالة في النبي(ص)، وتجسّدت في الحسين(ع)، ولذلك أصبح هناك تفاعل وتكامل بين الجدّ والسبط.

وقد تربّى الحسين(ع) على يد رسول الله مع أبيه علي(ع) وأمه الزهراء(ع)، وعاش مع أخيه الإمام الحسن(ع)، وامتدَّ بعده ليكون الإمام الذي يتحمّل مسؤولية الإسلام كله، وليواجه الواقع الإسلامي بكل وعي وقوة وصلابة وجهاد وتضحية، وهذا ما عبّر عنه(ع): "إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي ـ لأن دور الإمام هو دور القيادة في كل مواقع الأمة، لتتحرك الأمة على أساس الخط المستقيم في العقيدة والشريعة، وفي حركة الحياة، وفي مواجهة الواقع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى يتحوّل واقع المسلمين كله إلى واقع يتجسّد فيه الإسلام، في حياة كل مسلم ومسلمة، ومؤمن ومؤمنة. وقد خرج الحسين(ع) لإصلاح الحكم والحاكم، وإصلاح الناس في سلوكهم ليواجهوا الباطل كله ـ أريد أن آمر بالمعروف ـ والمعروف هو كل ما يرفع مستوى الأمة في مواقع رضى الله ـ وأنهى عن المنكر ـ والمنكر هو كل ما يسقط الأمة في مواقعها ومواقفها في ما لا يرضي الله ـ فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ـ لأن الحق لله، وليس حالة شخصية لي ـ ومن ردّ عليّ أصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين".

ثورة الحقيقة والإصلاح

وواجه الحسين(ع) أولئك الذين استعبدهم يزيد بماله، واستعبدهم ابن زياد بطغيانه، وهم يعرضون عليه أن يذلّ نفسه ويبابع يزيد: "لا والله، لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقرّ لكم إقرار العبيد". وقال(ع): "ألا وإن الدّعي ابن الدّعي قد ركز بين اثنتين، بين السلّة والذلّة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون". وقدّم(ع) نفسه وصفوة آل بيته وأصحابه من أجل الإسلام ومن أجل الله تعالى.

ونحن في ذكرى الحسين(ع)، لا بد لنا من أن نحمل شعاراته ومبادئه، ولا بد من أن نواجه الباطل كما واجهه، وأن ننصر الحق كما نصره، لأن ثورة الإمام الحسين(ع) لم تكن ثورة مأساة، وإن كانت المأساة تقرح القلب، ولكنها ثورة الحقيقة والإصلاح والتغيير والإسلام في كل مجالاته، فإذا كنا نريد الإخلاص للحسين(ع) في كل مواقع ذكراه؛ في مولده وفي شهادته، فإن علينا أن نحمل ثورته في عقولنا وقلوبنا، أن لا نضرب رؤوسنا بالسيف حزناً عليه، بل نضرب رؤوس الأعداء بكل أسلحتنا، من أجل إسقاطهم ومنعهم من أن يظلموا.

لا يجوز أن تتوجه سيوفنا إلى رؤوسنا، بل ينبغي أن تتوجه إلى رؤوس من يكيد للإسلام. وعلينا أن نحمل راية الإصلاح للواقع كله، لأن الإخلاص للإمام الحسين(ع)، هو أن نصلح حيث أصلح، وأن نأمر بالمعروف حيث أمر، وأن ننهى عن المنكر حيث نهى، وأن نكون الأعزاء في مواجهة المستكبرين، ولا نكون الأذلاء في مواجهة الظالمين، لأن الله تعالى يريد العزة للمؤمنين كما يريدها لنفسه ولرسوله: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين}، وهذا هو شعار الإمام الحسين(ع) في ثورته.

العباس(ع): صلابة الموقف

ومع الحسين(ع) كان العباس(ع)، هذه الشخصية الإسلامية البطولية العظيمة، التي أعطت كل حياتها للإسلام، وضحّت بنفسها في سبيل إمام الإسلام، وهذا ما يروى عن لسانه عندما قطعت يمينه:

والله إن قطعتم يمينـي       إني أحامي أبداً عن ديني

وعن إمام صادق اليقين       نجل النبي الطاهر الأمين

كان هم العباس(ع) هو حماية الإسلام، وكان يعي أن حركة الإمام الحسين هي حركة من أجل الإسلام، ومن أجل أن تركز قواعد الدين في وجدان الأمة كلها وفي سلوكها، ولذلك كان العباس(ع) يفكر في أنه يتحرك في خط الجهاد من أجل الإسلام وحمايته، وأنه يتحرك من أجل حماية الإمام الحسين، لا بصفته أخاً له، ولكن بصفة أنه إمام الإسلام.

وقد قال الإمام زين العابدين(ع) وهو يتحدث عن العباس(ع): "رحم الله العباس، فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه". ويقول الإمام الصادق(ع) وهو يتحدث عنه: "كان عمنا العباس بن علي نافذ البصيرة ـ كان يملك الوعي العميق الذي ينفذ إلى عمق الأشياء وحقائقها، ما يوحي بأنه كان يملك العلم الغزير الذي يستطيع من خلاله أن ينفذ ببصيرته إلى حقائق الإسلام وعمق الأمور التي يحملها الإسلام عقيدةً وشريعةً ـ صلب الإيمان". كانت لا تأخذه في الله لومة لائم، وقد ناداه شمر بن ذي الجوشن، لأنه كانت هناك قرابة بينه وبين العباس من جهة أمه: "أين بنو أختنا؟ أين العباس وأخوته"؟ ولم يستجب العباس وأخوته له، ولكن الحسين(ع) قال: "أجيبوه، وإن كان فاسقاً، فإنه بعض أخوالكم"، وسألوه عمّا يريد، فأعطاهم الأمان، ولكنهم رفضوا أمانه رفضاً عنيفاً. وعندما أحلّ الحسين البيعة لأهل بيته وأصحابه، وقف العباس وقال: "أنبقى بعدك يابن رسول الله، لا والله، حتى نجاهد بين يديك". وجاهد مع أبي عبد الله(ع)، وأبلى بلاءً حسناً، ومضى شهيداً.

وكان العباس(ع) يمثِّل بطولة الإسلام بوعيه وإخلاصه، وكان يمثل في عاشوراء القائد الذي كان يقود جيش الإمام الحسين(ع). ولذلك، فإن علينا أن لا نتحدث عن بطولة العباس القتالية، ولكن أن نتحدّث عن بطولته الروحية والعلمية، إضافة إلى بطولته الجهادية، ليكون العباس قدوة لشبابنا في مواجهة الباطل والاستكبار والظلم.

زين العابدين(ع): انفتاحٌ على العقيدة والأخلاق

أمّا الإمام زين العابدين(ع)، فقد كانت أمه بنت أحد ملوك فارس، وعاش مع أبيه الحسين(ع) في كربلاء، وواجه كل المآسي وتابعها، ولم يسمح الحسين له أن يقاتل معه، لأنّه كان مريضاً، ولأنه أراد للإمامة أن تمتد معه. وقد عاش الإمام زين العابدين(ع)، واستطاع من خلال علمه أن يفتح أبواب الثقافة الإسلامية على الواقع الإسلامي كله، حتى إن الكثيرين ممن يمثلون أساتذة الثقافة الإسلامية في عصره، كانوا من تلامذته. وقد عاش الإمام(ع) في خطوط متنوّعة، فانفتح على العقيدة كلها، والفقه كله، وعلى الحكمة كلها، وعلى الأخلاق كلها، وقد ترك لنا ثروة روحية ثقافية في الأدعية، ينفتح المؤمن عند قراءتها على الكثير من الآفاق الروحية والاجتماعية والسياسية.

ولذلك، فإننا كنا ولا نزال نقول، إن على المؤمنين أن لا يتركوا قراءة الصحيفة السجادية التي تموّنهم بالقيم الروحية وبالثقافة الإسلامية والاجتماعية، ونحن نقرأ في أدعية الإمام زين العابدين(ع) في أدعية الصباح والمساء، البرنامج اليومي للمؤمن: "اللهم ووفقنا في يومنا هذا، وليلتنا هذه، وفي جميع أيّامنا لاستعمال الخير، وهجران الشر، وشكر النعم، واتباع السنن، ومجانبة البدع، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وحياطة الإسلام، وانتقاص الباطل وإذلاله، ونصرة الحق وإعزازه، وإرشاد الضال، ومعاونة الضعيف، وإدراك اللهيف". هذه المبادئ والقيم التي تجعل من الإنسان المسلم إنساناً متحركاً في كل ما يرفع روحية الإنسان، وما يؤكد مسؤوليته في الحياة كلها، ليكون إنسان الإسلام في كل مواقعه.

إنّ هذه الذكريات، لا بد من أن تعطينا انفتاحاً ووعياً وحركةً وجهاداً، لأن ذلك هو ما ينبغي لنا أن نلتزمه عندما نتذكر هذه الشخصيات الإسلامية القيادية العظيمة، وذلك هو معنى الولاية لأهل البيت(ع)؛ أن نواليهم، أن نعمل عملهم، وأن نقتدي بهم، وأن نلتزم خطهم، لأنهم حجج الله على خلقه، وأمناء الله في خلقه.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله... اتقوا الله، وواجهوا الموقف صفاً واحداً كالبنيان المرصوص، وانفتحوا على كل مسؤولياتكم في كل قضاياكم، وهي قضايا الأمة، في مواجهة كل المستكبرين الذين يعملون على مصادرة مواقفنا ومواقعنا وإسقاط واقعنا. وهذه هي المسؤولية التي حمّلنا الله ورسوله وأولياؤه إياها، من أجل أن نسقط الباطل، وأن نحيي الحق في كل مجالات الحياة، فماذا هناك:

خضوع عربي وإسلامي لإسرائيل

إسرائيل تخطط لتوسيع الاستيطان، وبعض الدول العربية تستعد على أكثر من مستوى، لاستقبال مسؤوليها بكل احترام وترحاب، وتركيا تقوم بدور التوسّط لبناء علاقات بين إسرائيل والدول الإسلامية، على الرغم من أن القائمين على السلطة فيها، يعرفون الدور الإرهابي الاغتصابي لإسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يرسم علامة استفهام للعنوان الإسلامي الذي يمثّله الحزب الذي ينتمون إليه، ما قد يوحي بأن الدور التركي خاضع للدور الأمريكي لاعتبارات سياسية ضاغطة.

وإلى جانب ذلك، فإن دولاً عربية أخرى تقيم علاقات سريّة غير رسمية مع الدولة العبرية، ما يؤكد رفضها لعروبتها وإسلامها لحساب "أمركتها" في الخضوع السياسي لإدارة أمريكا، وقد تحدَّثت وسائل إعلام العدو، عن استقبال هذه الدول لرجال الأعمال اليهود بهويتهم الإسرائيلية، لتسويق المنتجات الإسرائيلية في مجال التكنولوجيا العالية.

ومن المضحك المبكي، ما أدلى به الرئيس الباكستاني، من أن المحادثات التي أجرتها حكومته مع إسرائيل، "تتفق مع تعاليم الإسلام، لأنه يسمح لأتباعه بالحوار مع أتباع الأديان الأخرى"، كما لو كانت القضية قضية اليهود والمسلمين من ناحية دينية، وليست قضية غاصب مع مغتَصَب، وقضية صهيونية عنصرية محتلة لشعب فلسطيني مستضعف.. ويقول: "إن الإسلام دين سلام، وقد تعايش قروناً في سلام ووفاق مع الأديان الأخرى، ويستطيع ذلك في المستقبل"، ولكن غاب عنه، أن هذا السلام الذي عاشه الإسلام مع اليهود، قابله الصهاينة بالتحالف مع الغرب، وباحتلال أرض العرب والمسلمين، والقيام بالمجازر الوحشية التي لم يُعهد مثلها، حتى من النازي الذي يتاجر اليهود باضطهاده لهم بالمحرقة وغيرها.

لقد دافع المسلمون عن اليهود، واستضافوهم وكرّموهم في بلادهم، في الوقت الذي اضطهدهم العالم الغربي، فقابلوا ذلك بطرد المسلمين ـ ومعهم المسيحيون ـ من بلادهم فلسطين، وما زالوا يمارسون الاحتلال الهمجي على الشعب الفلسطيني، حتى إن انسحابهم من غزة لا يزال يعيش في دائرة الإرباك والاهتزاز واللعب على أكثر من مسألة، في نطاق التشديد لإبقاء السيطرة العسكرية على أكثر من موقع في المعابر، من خلال وصية وزير حرب العدو بالعنف ضد الفلسطينيين الذين يمرون على المعابر الإسرائيلية.

العالم العربي: الأمركة بديل العروبة

إن المشكلة التي يواجهها العالم العربي والإسلامي هي، أن "الأمركة" أصبحت بديلاً لديهم عن العروبة والإسلام، وأن الصهينة تحوّلت إلى حالة من الصداقة بدلاً من العداوة، من دون أن تحصل العروبة على أيّ مكسب سياسي وأمني، أو يحصل الإسلام على أيّ موقع متقدّم على جميع المستويات، بل إنهم قدّموا التنازلات الحيوية المصيرية مجاناً من دون مقابل، لأن القائمين على شؤون الإسلام والعروبة، لا يحترمون تاريخهم ومستقبلهم ولا شعوبهم، تماماً كما قال الشاعر:

من يَهُنْ يسهل الهوان عليه       ما لجرح بميّت إيلام

إن كل القضية لدى الأكثرين منهم، أنهم وُظّفوا من قِبَل المخابرات المركزية، من أجل إدخال شعوبهم في السجن الكبير، بإشراف قوانين الطوارئ وأجهزة المخابرات، وتنفيذ المخططات الأمريكية في مشاريعها للشرق الأوسط الكبير وغيرها، ما يحوّل المنطقة كلها إلى منطقة خاضعة للاستكبار الأمريكي، بتجميد حركة التطور الصناعي والزراعي والعلمي والأمني، حتى تبقى مشدودة إلى ما يريده المستكبرون في حاجاتها الحيوية.

ومن ناحية أخرى، فإننا نلاحظ أنّ الشعب الفلسطيني، بدأ يعيش حركة الاهتزاز الأمني الداخلي، الذي نخشى أن يتحوّل إلى حرب أهلية، ما يبرر للعدو أن يستفيد من ذلك في الحديث عن ضرورة نزع سلاح المقاومة، ومنع المجاهدين من الدخول في الانتخابات البرلمانية المقبلة، تحت شعار الدفاع عن السلطة.

لذلك ندعو الفلسطينيين جميعاً، إلى الأخذ بأسباب الوحدة الوطنية، ومنع استخدام أساليب الاغتيال السياسي والأمني، لأن ذلك يجعل العدو ينتصر عليهم في السلم بما لم يستطع أن يحققه في الحرب.

العراق: العمق الإسلامي لا يزال حياً

أما في العراق، الذي تجاوز الكارثة المأساوية في جسر الأئمة، فإنه لا يزال خاضعاً للعبة الاحتلال الأمريكي، وللمجازر اليومية التي تطال المدنيين الأبرياء، وللجدل الدائر حول مسودة الدستور في الخلافات القانونية، أو في هوية العراق ووحدته، حيث نريد له أن يستقر على قاعدة الإجماع الوطني، من خلال الحوار الموضوعي الواقعي الذي يدرس مستقبل العراق ودوره الفاعل في المنطقة، باعتباره عنصراً تاريخياً قوياً منفتحاً على القضايا العربية والإسلامية الكبرى، ولا سيما القضية الفلسطينية، والانفتاح على المشاكل المتداخلة في الأوضاع المعقّدة من خلال ضغوط الاستكبار العالمي، الذي قد يخطط في المستقبل للتقسيم القانوني على أساس ديني أو عرقي أو ما إلى ذلك.

إننا نريد للعراقيين أن يرتفعوا إلى مستوى الوعي في هذه المرحلة، ليحافظوا على وحدتهم الإسلامية، التي تمثّلت في التكاتف بين السنّة والشيعة في كارثة جسر الأئمة، حتى إن أحد الشباب من المسلمين السنّة، وهو عثمان العبيدي، ضحى بنفسه من خلال إنقاذه ستة من المسلمين الشيعة من الغرق عند الجسر... إنه الشاهد على أن العمق الإسلامي الإنساني الوطني لا يزال حيّاً في وجدان الشباب العراقي المسلم، الذي نأمل أن يلتقي الجميع عنده، من أجل مستقبل الوحدة للوطن كله.

لبنان: المشكلة في النظام السياسي والإداري

أما لبنان، فإننا نريد لـه أن يلتقي بجميع طوائفه، في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي ودعم المقاومة، والانفتاح على العروبة الحضارية الحرّة المواجِهة للاستكبار العالمي، والتحرر من أية وصاية أمريكية أو أوروبية، ليحقق الحرية والاستقلال للشعب كله، بعيداً عن الألاعيب الخارجية الدولية التي تديرها كهوف السفارات التي بدأت تتدخّل في الصغير والكبير... إن على المؤمن أن لا يُلدغ من جحر مرتين، فكيف وقد لُدغنا من التحالف الأمريكي ـ الإسرائيلي آلاف المرات؟؟

ومن ناحية أخرى، فإن موسم المدارس في تحدياته لاقتصاد المواطنين المنهار، قد بدأ يضغط على الفقراء الذين يعيشون الحيرة في الوسائل التي يمكنهم من خلالها إدخال أولادهم إلى المدارس، هذا إضافة إلى الشباب الذين يواجهون البطالة القاتلة التي تدفعهم إلى الهجرة ليحصلوا على فرص العيش الكريم خارج وطنهم، وفضلاً عما يعانونه من أزمات معيشية تضغط على حياة المحرومين.

ثم، ماذا تعمل الدولة في مواجهة الذين أحاطت بهم مشاكل الهدر والفساد، ممن يتحدثون عن التغيير والإصلاح، ولكن من دون أن يقدّموا للشعب حسابهم عندما كانوا مسؤولين، وكانت الاتهامات تواجه أوضاعهم؟ إننا لا نريد إصدار الحكم عليهم، ولكن إذا كانت الشبهة تفرض على القضاء التحقيق في المشتبه بهم، فهل المشكلة هي مشكلة النظام الأمني فقط باعتباره مسؤولاً عن جرائم الأمن، أم هي مشكلة النظام السياسي والإداري الذي ركب القائمون عليه أكثر من موجة، ليقدّموا أنفسهم في صورة الملائكة التي ترجم الشياطين؟ والسؤال هو: أي لبنان هذا اللبنان الذي تتحوّل فيه الشياطين إلى ملائكة، بفعل النظام الطائفي في حمايته لأكثر من شيطان؟!

الحسين (ع) في ذكراه و أهل بيته:
علم واخلاص واقدام وتضحية

ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {إنما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً}. في بداية هذا الشهر ـ شعبان ـ هناك مناسبات ثلاث لأهل البيت(ع): ففي اليوم الثالث من شعبان، كانت ولادة الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام)، وفي اليوم الرابع منه، كانت ولادة أبي الفضل العباس(ع)، وفي اليوم الخامس منه ـ وهو هذا اليوم ـ كانت ولادة الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليهما السلام).

الحسين(ع): تجسيد الرسالة

ونحن أمام هذه المناسبات، لا بد لنا من أن ننفتح على هذه الشخصيات المقدّسة التي أخلصت لله تعالى، حتى ضحّت بأنفسها في سبيله، والتي انفتحت على الإسلام كله، وأخلصت له في الدعوة والثقافة والحركة. ونلتقي في البداية بذكرى الإمام الحسين(ع) الذي ملأ الدنيا بشخصيته المميّزة، لأنه كان منذ ولادته حبيب رسول الله(ص)، وكان النبي(ص)، يريد من المسلمين أن يمحضوه الحبّ، هو والإمام الحسن(ع)، باعتبار أنهما في كل عناصر شخصيتهما، بلغا القمة في المعرفة لله، والإخلاص له، والجهاد في سبيله، وحياطة الإسلام، وقد روى المسلمون جميعاً عن النبي(ص): "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة". وهذه القيمة الروحية، تؤكِّد المستوى الذي بلغاه في قربهما من الله تعالى.

ونقرأ في ما يخصّ الإمام الحسين(ع) عن النبي(ص): "حسين مني وأنا من حسين، أحبَّ الله من أحبَّ حسيناً". ونفهم من هذه الكلمة، هذا اللون من الاندماج بين الحسين وبين رسول الله، لا اندماج القرابة، ولكنه اندماج الرسالة، فقد تجسّدت الرسالة في النبي(ص)، وتجسّدت في الحسين(ع)، ولذلك أصبح هناك تفاعل وتكامل بين الجدّ والسبط.

وقد تربّى الحسين(ع) على يد رسول الله مع أبيه علي(ع) وأمه الزهراء(ع)، وعاش مع أخيه الإمام الحسن(ع)، وامتدَّ بعده ليكون الإمام الذي يتحمّل مسؤولية الإسلام كله، وليواجه الواقع الإسلامي بكل وعي وقوة وصلابة وجهاد وتضحية، وهذا ما عبّر عنه(ع): "إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي ـ لأن دور الإمام هو دور القيادة في كل مواقع الأمة، لتتحرك الأمة على أساس الخط المستقيم في العقيدة والشريعة، وفي حركة الحياة، وفي مواجهة الواقع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى يتحوّل واقع المسلمين كله إلى واقع يتجسّد فيه الإسلام، في حياة كل مسلم ومسلمة، ومؤمن ومؤمنة. وقد خرج الحسين(ع) لإصلاح الحكم والحاكم، وإصلاح الناس في سلوكهم ليواجهوا الباطل كله ـ أريد أن آمر بالمعروف ـ والمعروف هو كل ما يرفع مستوى الأمة في مواقع رضى الله ـ وأنهى عن المنكر ـ والمنكر هو كل ما يسقط الأمة في مواقعها ومواقفها في ما لا يرضي الله ـ فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ـ لأن الحق لله، وليس حالة شخصية لي ـ ومن ردّ عليّ أصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين".

ثورة الحقيقة والإصلاح

وواجه الحسين(ع) أولئك الذين استعبدهم يزيد بماله، واستعبدهم ابن زياد بطغيانه، وهم يعرضون عليه أن يذلّ نفسه ويبابع يزيد: "لا والله، لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقرّ لكم إقرار العبيد". وقال(ع): "ألا وإن الدّعي ابن الدّعي قد ركز بين اثنتين، بين السلّة والذلّة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون". وقدّم(ع) نفسه وصفوة آل بيته وأصحابه من أجل الإسلام ومن أجل الله تعالى.

ونحن في ذكرى الحسين(ع)، لا بد لنا من أن نحمل شعاراته ومبادئه، ولا بد من أن نواجه الباطل كما واجهه، وأن ننصر الحق كما نصره، لأن ثورة الإمام الحسين(ع) لم تكن ثورة مأساة، وإن كانت المأساة تقرح القلب، ولكنها ثورة الحقيقة والإصلاح والتغيير والإسلام في كل مجالاته، فإذا كنا نريد الإخلاص للحسين(ع) في كل مواقع ذكراه؛ في مولده وفي شهادته، فإن علينا أن نحمل ثورته في عقولنا وقلوبنا، أن لا نضرب رؤوسنا بالسيف حزناً عليه، بل نضرب رؤوس الأعداء بكل أسلحتنا، من أجل إسقاطهم ومنعهم من أن يظلموا.

لا يجوز أن تتوجه سيوفنا إلى رؤوسنا، بل ينبغي أن تتوجه إلى رؤوس من يكيد للإسلام. وعلينا أن نحمل راية الإصلاح للواقع كله، لأن الإخلاص للإمام الحسين(ع)، هو أن نصلح حيث أصلح، وأن نأمر بالمعروف حيث أمر، وأن ننهى عن المنكر حيث نهى، وأن نكون الأعزاء في مواجهة المستكبرين، ولا نكون الأذلاء في مواجهة الظالمين، لأن الله تعالى يريد العزة للمؤمنين كما يريدها لنفسه ولرسوله: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين}، وهذا هو شعار الإمام الحسين(ع) في ثورته.

العباس(ع): صلابة الموقف

ومع الحسين(ع) كان العباس(ع)، هذه الشخصية الإسلامية البطولية العظيمة، التي أعطت كل حياتها للإسلام، وضحّت بنفسها في سبيل إمام الإسلام، وهذا ما يروى عن لسانه عندما قطعت يمينه:

والله إن قطعتم يمينـي       إني أحامي أبداً عن ديني

وعن إمام صادق اليقين       نجل النبي الطاهر الأمين

كان هم العباس(ع) هو حماية الإسلام، وكان يعي أن حركة الإمام الحسين هي حركة من أجل الإسلام، ومن أجل أن تركز قواعد الدين في وجدان الأمة كلها وفي سلوكها، ولذلك كان العباس(ع) يفكر في أنه يتحرك في خط الجهاد من أجل الإسلام وحمايته، وأنه يتحرك من أجل حماية الإمام الحسين، لا بصفته أخاً له، ولكن بصفة أنه إمام الإسلام.

وقد قال الإمام زين العابدين(ع) وهو يتحدث عن العباس(ع): "رحم الله العباس، فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه". ويقول الإمام الصادق(ع) وهو يتحدث عنه: "كان عمنا العباس بن علي نافذ البصيرة ـ كان يملك الوعي العميق الذي ينفذ إلى عمق الأشياء وحقائقها، ما يوحي بأنه كان يملك العلم الغزير الذي يستطيع من خلاله أن ينفذ ببصيرته إلى حقائق الإسلام وعمق الأمور التي يحملها الإسلام عقيدةً وشريعةً ـ صلب الإيمان". كانت لا تأخذه في الله لومة لائم، وقد ناداه شمر بن ذي الجوشن، لأنه كانت هناك قرابة بينه وبين العباس من جهة أمه: "أين بنو أختنا؟ أين العباس وأخوته"؟ ولم يستجب العباس وأخوته له، ولكن الحسين(ع) قال: "أجيبوه، وإن كان فاسقاً، فإنه بعض أخوالكم"، وسألوه عمّا يريد، فأعطاهم الأمان، ولكنهم رفضوا أمانه رفضاً عنيفاً. وعندما أحلّ الحسين البيعة لأهل بيته وأصحابه، وقف العباس وقال: "أنبقى بعدك يابن رسول الله، لا والله، حتى نجاهد بين يديك". وجاهد مع أبي عبد الله(ع)، وأبلى بلاءً حسناً، ومضى شهيداً.

وكان العباس(ع) يمثِّل بطولة الإسلام بوعيه وإخلاصه، وكان يمثل في عاشوراء القائد الذي كان يقود جيش الإمام الحسين(ع). ولذلك، فإن علينا أن لا نتحدث عن بطولة العباس القتالية، ولكن أن نتحدّث عن بطولته الروحية والعلمية، إضافة إلى بطولته الجهادية، ليكون العباس قدوة لشبابنا في مواجهة الباطل والاستكبار والظلم.

زين العابدين(ع): انفتاحٌ على العقيدة والأخلاق

أمّا الإمام زين العابدين(ع)، فقد كانت أمه بنت أحد ملوك فارس، وعاش مع أبيه الحسين(ع) في كربلاء، وواجه كل المآسي وتابعها، ولم يسمح الحسين له أن يقاتل معه، لأنّه كان مريضاً، ولأنه أراد للإمامة أن تمتد معه. وقد عاش الإمام زين العابدين(ع)، واستطاع من خلال علمه أن يفتح أبواب الثقافة الإسلامية على الواقع الإسلامي كله، حتى إن الكثيرين ممن يمثلون أساتذة الثقافة الإسلامية في عصره، كانوا من تلامذته. وقد عاش الإمام(ع) في خطوط متنوّعة، فانفتح على العقيدة كلها، والفقه كله، وعلى الحكمة كلها، وعلى الأخلاق كلها، وقد ترك لنا ثروة روحية ثقافية في الأدعية، ينفتح المؤمن عند قراءتها على الكثير من الآفاق الروحية والاجتماعية والسياسية.

ولذلك، فإننا كنا ولا نزال نقول، إن على المؤمنين أن لا يتركوا قراءة الصحيفة السجادية التي تموّنهم بالقيم الروحية وبالثقافة الإسلامية والاجتماعية، ونحن نقرأ في أدعية الإمام زين العابدين(ع) في أدعية الصباح والمساء، البرنامج اليومي للمؤمن: "اللهم ووفقنا في يومنا هذا، وليلتنا هذه، وفي جميع أيّامنا لاستعمال الخير، وهجران الشر، وشكر النعم، واتباع السنن، ومجانبة البدع، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وحياطة الإسلام، وانتقاص الباطل وإذلاله، ونصرة الحق وإعزازه، وإرشاد الضال، ومعاونة الضعيف، وإدراك اللهيف". هذه المبادئ والقيم التي تجعل من الإنسان المسلم إنساناً متحركاً في كل ما يرفع روحية الإنسان، وما يؤكد مسؤوليته في الحياة كلها، ليكون إنسان الإسلام في كل مواقعه.

إنّ هذه الذكريات، لا بد من أن تعطينا انفتاحاً ووعياً وحركةً وجهاداً، لأن ذلك هو ما ينبغي لنا أن نلتزمه عندما نتذكر هذه الشخصيات الإسلامية القيادية العظيمة، وذلك هو معنى الولاية لأهل البيت(ع)؛ أن نواليهم، أن نعمل عملهم، وأن نقتدي بهم، وأن نلتزم خطهم، لأنهم حجج الله على خلقه، وأمناء الله في خلقه.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله... اتقوا الله، وواجهوا الموقف صفاً واحداً كالبنيان المرصوص، وانفتحوا على كل مسؤولياتكم في كل قضاياكم، وهي قضايا الأمة، في مواجهة كل المستكبرين الذين يعملون على مصادرة مواقفنا ومواقعنا وإسقاط واقعنا. وهذه هي المسؤولية التي حمّلنا الله ورسوله وأولياؤه إياها، من أجل أن نسقط الباطل، وأن نحيي الحق في كل مجالات الحياة، فماذا هناك:

خضوع عربي وإسلامي لإسرائيل

إسرائيل تخطط لتوسيع الاستيطان، وبعض الدول العربية تستعد على أكثر من مستوى، لاستقبال مسؤوليها بكل احترام وترحاب، وتركيا تقوم بدور التوسّط لبناء علاقات بين إسرائيل والدول الإسلامية، على الرغم من أن القائمين على السلطة فيها، يعرفون الدور الإرهابي الاغتصابي لإسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يرسم علامة استفهام للعنوان الإسلامي الذي يمثّله الحزب الذي ينتمون إليه، ما قد يوحي بأن الدور التركي خاضع للدور الأمريكي لاعتبارات سياسية ضاغطة.

وإلى جانب ذلك، فإن دولاً عربية أخرى تقيم علاقات سريّة غير رسمية مع الدولة العبرية، ما يؤكد رفضها لعروبتها وإسلامها لحساب "أمركتها" في الخضوع السياسي لإدارة أمريكا، وقد تحدَّثت وسائل إعلام العدو، عن استقبال هذه الدول لرجال الأعمال اليهود بهويتهم الإسرائيلية، لتسويق المنتجات الإسرائيلية في مجال التكنولوجيا العالية.

ومن المضحك المبكي، ما أدلى به الرئيس الباكستاني، من أن المحادثات التي أجرتها حكومته مع إسرائيل، "تتفق مع تعاليم الإسلام، لأنه يسمح لأتباعه بالحوار مع أتباع الأديان الأخرى"، كما لو كانت القضية قضية اليهود والمسلمين من ناحية دينية، وليست قضية غاصب مع مغتَصَب، وقضية صهيونية عنصرية محتلة لشعب فلسطيني مستضعف.. ويقول: "إن الإسلام دين سلام، وقد تعايش قروناً في سلام ووفاق مع الأديان الأخرى، ويستطيع ذلك في المستقبل"، ولكن غاب عنه، أن هذا السلام الذي عاشه الإسلام مع اليهود، قابله الصهاينة بالتحالف مع الغرب، وباحتلال أرض العرب والمسلمين، والقيام بالمجازر الوحشية التي لم يُعهد مثلها، حتى من النازي الذي يتاجر اليهود باضطهاده لهم بالمحرقة وغيرها.

لقد دافع المسلمون عن اليهود، واستضافوهم وكرّموهم في بلادهم، في الوقت الذي اضطهدهم العالم الغربي، فقابلوا ذلك بطرد المسلمين ـ ومعهم المسيحيون ـ من بلادهم فلسطين، وما زالوا يمارسون الاحتلال الهمجي على الشعب الفلسطيني، حتى إن انسحابهم من غزة لا يزال يعيش في دائرة الإرباك والاهتزاز واللعب على أكثر من مسألة، في نطاق التشديد لإبقاء السيطرة العسكرية على أكثر من موقع في المعابر، من خلال وصية وزير حرب العدو بالعنف ضد الفلسطينيين الذين يمرون على المعابر الإسرائيلية.

العالم العربي: الأمركة بديل العروبة

إن المشكلة التي يواجهها العالم العربي والإسلامي هي، أن "الأمركة" أصبحت بديلاً لديهم عن العروبة والإسلام، وأن الصهينة تحوّلت إلى حالة من الصداقة بدلاً من العداوة، من دون أن تحصل العروبة على أيّ مكسب سياسي وأمني، أو يحصل الإسلام على أيّ موقع متقدّم على جميع المستويات، بل إنهم قدّموا التنازلات الحيوية المصيرية مجاناً من دون مقابل، لأن القائمين على شؤون الإسلام والعروبة، لا يحترمون تاريخهم ومستقبلهم ولا شعوبهم، تماماً كما قال الشاعر:

من يَهُنْ يسهل الهوان عليه       ما لجرح بميّت إيلام

إن كل القضية لدى الأكثرين منهم، أنهم وُظّفوا من قِبَل المخابرات المركزية، من أجل إدخال شعوبهم في السجن الكبير، بإشراف قوانين الطوارئ وأجهزة المخابرات، وتنفيذ المخططات الأمريكية في مشاريعها للشرق الأوسط الكبير وغيرها، ما يحوّل المنطقة كلها إلى منطقة خاضعة للاستكبار الأمريكي، بتجميد حركة التطور الصناعي والزراعي والعلمي والأمني، حتى تبقى مشدودة إلى ما يريده المستكبرون في حاجاتها الحيوية.

ومن ناحية أخرى، فإننا نلاحظ أنّ الشعب الفلسطيني، بدأ يعيش حركة الاهتزاز الأمني الداخلي، الذي نخشى أن يتحوّل إلى حرب أهلية، ما يبرر للعدو أن يستفيد من ذلك في الحديث عن ضرورة نزع سلاح المقاومة، ومنع المجاهدين من الدخول في الانتخابات البرلمانية المقبلة، تحت شعار الدفاع عن السلطة.

لذلك ندعو الفلسطينيين جميعاً، إلى الأخذ بأسباب الوحدة الوطنية، ومنع استخدام أساليب الاغتيال السياسي والأمني، لأن ذلك يجعل العدو ينتصر عليهم في السلم بما لم يستطع أن يحققه في الحرب.

العراق: العمق الإسلامي لا يزال حياً

أما في العراق، الذي تجاوز الكارثة المأساوية في جسر الأئمة، فإنه لا يزال خاضعاً للعبة الاحتلال الأمريكي، وللمجازر اليومية التي تطال المدنيين الأبرياء، وللجدل الدائر حول مسودة الدستور في الخلافات القانونية، أو في هوية العراق ووحدته، حيث نريد له أن يستقر على قاعدة الإجماع الوطني، من خلال الحوار الموضوعي الواقعي الذي يدرس مستقبل العراق ودوره الفاعل في المنطقة، باعتباره عنصراً تاريخياً قوياً منفتحاً على القضايا العربية والإسلامية الكبرى، ولا سيما القضية الفلسطينية، والانفتاح على المشاكل المتداخلة في الأوضاع المعقّدة من خلال ضغوط الاستكبار العالمي، الذي قد يخطط في المستقبل للتقسيم القانوني على أساس ديني أو عرقي أو ما إلى ذلك.

إننا نريد للعراقيين أن يرتفعوا إلى مستوى الوعي في هذه المرحلة، ليحافظوا على وحدتهم الإسلامية، التي تمثّلت في التكاتف بين السنّة والشيعة في كارثة جسر الأئمة، حتى إن أحد الشباب من المسلمين السنّة، وهو عثمان العبيدي، ضحى بنفسه من خلال إنقاذه ستة من المسلمين الشيعة من الغرق عند الجسر... إنه الشاهد على أن العمق الإسلامي الإنساني الوطني لا يزال حيّاً في وجدان الشباب العراقي المسلم، الذي نأمل أن يلتقي الجميع عنده، من أجل مستقبل الوحدة للوطن كله.

لبنان: المشكلة في النظام السياسي والإداري

أما لبنان، فإننا نريد لـه أن يلتقي بجميع طوائفه، في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي ودعم المقاومة، والانفتاح على العروبة الحضارية الحرّة المواجِهة للاستكبار العالمي، والتحرر من أية وصاية أمريكية أو أوروبية، ليحقق الحرية والاستقلال للشعب كله، بعيداً عن الألاعيب الخارجية الدولية التي تديرها كهوف السفارات التي بدأت تتدخّل في الصغير والكبير... إن على المؤمن أن لا يُلدغ من جحر مرتين، فكيف وقد لُدغنا من التحالف الأمريكي ـ الإسرائيلي آلاف المرات؟؟

ومن ناحية أخرى، فإن موسم المدارس في تحدياته لاقتصاد المواطنين المنهار، قد بدأ يضغط على الفقراء الذين يعيشون الحيرة في الوسائل التي يمكنهم من خلالها إدخال أولادهم إلى المدارس، هذا إضافة إلى الشباب الذين يواجهون البطالة القاتلة التي تدفعهم إلى الهجرة ليحصلوا على فرص العيش الكريم خارج وطنهم، وفضلاً عما يعانونه من أزمات معيشية تضغط على حياة المحرومين.

ثم، ماذا تعمل الدولة في مواجهة الذين أحاطت بهم مشاكل الهدر والفساد، ممن يتحدثون عن التغيير والإصلاح، ولكن من دون أن يقدّموا للشعب حسابهم عندما كانوا مسؤولين، وكانت الاتهامات تواجه أوضاعهم؟ إننا لا نريد إصدار الحكم عليهم، ولكن إذا كانت الشبهة تفرض على القضاء التحقيق في المشتبه بهم، فهل المشكلة هي مشكلة النظام الأمني فقط باعتباره مسؤولاً عن جرائم الأمن، أم هي مشكلة النظام السياسي والإداري الذي ركب القائمون عليه أكثر من موجة، ليقدّموا أنفسهم في صورة الملائكة التي ترجم الشياطين؟ والسؤال هو: أي لبنان هذا اللبنان الذي تتحوّل فيه الشياطين إلى ملائكة، بفعل النظام الطائفي في حمايته لأكثر من شيطان؟!

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية