ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :
الرسول(ص): تحذير من الفتن
يقول الله تعالى مخاطباً رسوله(ص): {إنك ميّت وإنهم ميّتون}، ويقول أيضاً: {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفئن مت فهم الخالدون}، ويقول سبحانه: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات أو قُتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرّ الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين}.
في هذا اليوم، الثامن والعشرين من شهر صفر، ارتفعت روح رسول الله(ص) إلى الرفيق الأعلى، بعد أن قام بأداء الرسالة، وجسّد كلمة الله تعالى، فكان قرآناً يتحرك ويتجسّد في سيرته، كما كان قرآناً ينفتح على الناس في قراءته وتبليغه وتلاوته.
وتحدِّثنا سيرته(ص)، أنه عندما اشتد به المرض قال لعليّ(ع) ولبعض أصحابه: "إني أُمرت أن استغفر لأهل البقيع"، والبقيع ـ كما نعرف ـ هو مقبرة المدينة آنذاك، فخرج النبي(ص) وأخذ بيد عليّ(ع) وتبعه جماعة، ووقف مخاطباً أهل القبور: "وليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه ـ وكأنه يقول لهم: لقد تركتم هذه الدنيا وارتفعتم إلى رحاب الله، وعشتم في نعمته ورضوانه، أما الناس، فهناك الكثير مما أخذوا فيه من بعدكم مما قد لا يرضي الله ـ أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع أولها آخرها"، وكأنه(ص) في كلمته هذه، ينذر بأن هناك فتناً في المجتمع الإسلامي سوف تحدث لتثير الظلام في الواقع الإسلامي من بعده، ثم استغفر لأهل البقيع طويلاً، وأقبل على عليّ(ع) فقال له: "إن جبرئيل كان يعرض عليَّ القرآن في كل سنة مرة، وقد عرضه عليَّ العام مرتين، ولا أراه إلا لحضور أجلي"، ثم قال له: "يا عليّ، إني خُيّرت بين خزائن الدنيا والخلود فيها أو الجنة، فاخترت لقاء ربي والجنة". ثم عاد إلى منزله موعوكاً ثلاثة أيام.
ثم خرج النبي(ص) إلى المسجد معصوب الرأس، معتمداً على أمير المؤمنين عليّ(ع) بيمنى يديه، وعلى الفضل بن عباس باليد الأخرى، حتى صعد المنبر، فجلس(ص) عليه ثم قال: "معاشر الناس، إنه قد حان مني خفوق من بين أظهركم، فمن كان له عندي عِدَه فليأتني أعطه إياها، ومن كان له عليَّ دَين فليخبرني به ـ لأنني لا أريد أن ألقى ربي وفي عنقي حق لإنسان، فأنا أريد أن أتخفف من كل حقوق الناس عندي قبل أن أموت، من وعد وعدته، أو من دَين استقرضته، أو غير ذلك من الأمور التي تمثل حقوق الناس عندي ـ معاشر الناس، ليس بين الله وبين أحد شيء يعطيه به خيراً أو يصرف عنه به شراً إلا العمل ـ إن علاقة الإنسان، أيّ إنسان، بالله لا ترتبط بأيّ شيء في الدنيا؛ لا بنسب كبير ينتمي إليه، ولا بمال يملكه ولا بجاه، ولكن المسألة هي العمل: {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يُجز به ولا يجد له من دون الله وليّاً ولا نصيراً} ـ أيها الناس، لا يدّعِي مدّعٍ، ولا يتمنَى متمنٍ، والذي بعثني بالحقّ نبياً، ألا لا ينجي إلا عمل مع رحمة، ولو عصيت لهويت"، وصلّى بالناس صلاة خفيفة ثم دخل بيته.
وصيّة النبيّ(ص) في حجّة الوداع
وفي آخر حياة النبي(ص)، كان يعطي وصاياه الأخيرة للناس، وكانت أول مواقفه في هذا الجانب في حجة الوداع، في مِنى، حيث قال(ص): "أيها الناس، اسمعوا مني ما أُبيّن لكم، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا. أيها الناس ـ وهذا الخطاب موجَّه إلى كل الناس في كل الأزمان ـ إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا ـ وهو يوم عيد الأضحى ـ في شهركم هذا ـ وهو شهر ذي الحجة ـ في بلدكم هذا ـ وهو البلد الحرام مِنى ـ ألا هل بلغت، اللهم اشهد..."، ثم قال بعد ذلك: "فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها. اتقوا الله في النساء، واستوصوا بهن خيراً. ـ أمهاتكم، أخواتكم، زوجاتكم، بناتكم ـ أيها الناس، المؤمنون أخوة، ولا يحلّ لامرئ مال أخيه إلا عن طيب نفسه، ألا هل بلغت، اللهم اشهد. لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم أعناق بعض، فإني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ألا هل بلغت، اللهم فاشهد. أيها الناس، إن ربكم واحد، وأباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى، ألا هل بلّغت"، قالوا: نعم، قال: "فليبلّغ الشاهد الغائب".
وانطلق النبي(ص) بعد أن حجّ حجة الوداع ليوصي وصيته الكبيرة، وصية الولاية والخلافة من بعده للإنسان الذي هو أولى الناس بالولاية والخلافة، للإنسان الذي قال له: "يا عليّ، أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي"، وقال: "عليّ مع الحق والحق مع عليّ، يدور معه حيثما دار". وصل إلى غدير خم، ودعا الناس إلى الاجتماع، وضُرب إليه منبر من أهداج الإبل، ورفع عليّاً حتى بان بياض إبطيهما للناس، وقال(ص): "أيها الناس، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم"؟ قالوا: اللهم بلى، فقال(ص): "اللهم فاشهد، من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيثما دار"، وأمر المسلمين أن يسلّموا عليه بإمرة المسلمين.
وانطلق النبي(ص) بعد ذلك ليؤكد هذه المسألة بطريقة الكتاب الذي أراد أن يكتبه للمسلمين، بحيث لا يشك فيه شاك، ولا يرتاب فيه مرتاب، وقد ذكر البخاري في صحيحه عن ابن عباس، أنه لما احتُضر رسول الله(ص) وفي البيت رجال منهم عمر بن الخطاب، قال النبي(ص): "هلموا أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده"، فقال عمر: إنّ النبي قد غلبه الوجع، وفي رواية: "إن النبي ليهجر" ـ لا يعرف ماذا يتكلم، والله تعالى يقول: {وما ينطق عن الهوى* إن هو إلا وحي يوحى} ـ فاختلف المسلمون، منهم من قال: "القول ما قال عمر"، ومنهم من قال: "حسبنا كتاب الله"، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي، قال رسول الله(ص): "قوموا"، وقال بعضهم: "يا رسول الله، هل نأتي لك بالدواة والكتف لتكتب عليه"؟ قال(ص): "أبعد الذي قلتم؟!". وكان ابن عباس يقول: "إن الرزية كل الرزية، ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم". وتلك كانت المأساة، لأن النبي(ص) عندما رأى ابتعادهم عمّا تحدث إليهم به، أراد أن يقطع لهم الشك باليقين.
درس النبيّ(ص) للمسلمين
وكان من كلام رسول الله(ص) للمسلمين آنذاك: "أيها الناس، إنكم لا تمسكون عليَّ بشيء ـ وفي رواية: "لا تعلّقون عليّ بشيء" ـ إني ما أحللت إلا ما أحلّ القرآن، وما حرّمت إلا ما حرّم القرآن"، ادرسوا كل ما أمرتكم به ونهيتكم عنه، ادرسوا كل ما بلّغتكم به من القرآن في حلاله وحرامه، وادرسوا كل سلوكي، فإنكم ستجدون أنني لم أحلّ لكم إلا ما أحلّه القرآن، ولم أحرِّم عليكم إلا ما حرّمه. وفي ذلك درس من النبي(ص) للمسلمين، أن عليهم أن يحاسبوا القادة، مع أن النبي(ص) لم يكن مسؤولاً أمام المسلمين، لأن الله تعالى هو الذي اصطفاه وكلّفه بالنبوة، ولم يكن نبياً لأن الناس اختاروه أو انتخبوه، ومع ذلك أراد أن يؤكد الثقة من خلال أن يدرس الناس سلوكه. وهذا ما علينا أن نتعلّمه، في أن لا نقدّس أحداً مهما علا شأنه، بل أن ندرس ما يقوم به من مسؤولية، سواء كانت قيادة دينية أو سياسية أو اجتماعية، لأن ذلك هو درس رسول الله(ص) للناس كافة.
...وتبقى الرّسالة
وفي آخر حياته(ص)، جلس عنده أقرب الناس إليه، عمّه العباس وعمته صفية بنت عبد المطلب وابنته فاطمة الزهراء(ع)، فالتفت إليهم وقال: "يا عباس بن عبد المطلب، يا عمّ رسول الله، إعمل لما عند الله فإني لا أُغني عنك من الله شيئاً. يا صفية بنت عبد المطلب، يا عمّة رسول الله، إعملي لما عند الله فإني لا أغني عنك من الله شيئاً. يا فاطمة بنت محمد، يا بنت رسول الله، إعملي لما عند الله فإني لا أغني عنك من الله شيئاً". وجاءته ابنته الزهراء لتودّعه، فضمها إلى صدره فبكت، ثم ضمّها إلى صدره مرة ثانية فضحكت، فقالوا لها: "ما الذي أبكاك أولاً وأضحكك ثانياً"؟ قالت(ع): "ما كنت لأكشف سرّ رسول الله في حياته"، وبعد أن انتقل إلى جوار ربه، فسّرت ذلك فقالت(ع): " في المرة الأولى أخبرني بوفاته فبكيت، وفي المرة الثانية أخبرني بأني أول أهل بيته لحوقاً به فضحكت"، وهذا دليل على عمق العلاقة الحميمة والعظيمة بين الزهراء(ع) وأبيها(ص)، التي كان يقول عنها إنها "أم أبيها"، وإنها "بضعة مني".
{وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات أو قُتل انقلبتم على أعقابكم}. يموت الرسول وتبقى الرسالة، يموت الرسول ويبقى الإسلام، أمانة الله في أعناقنا أن نطبقه على أنفسنا في حياتنا وندعو الناس إليه، لأن مسؤولية كل جيل أن يحمل الإسلام إلى الأجيال الأخرى حتى يرث الله الأرض ومن عليها. الإسلام مسؤوليتنا،وعلينا أن نعمل على أساس أن يكون الإسلام للعالم كله، لأن الله تعالى أرسل رسوله رحمة للعالمين في دينه وفي كتابه، ولذلك فإن علينا أن نعيش الوحدة الإسلامية التي تجعل من الإسلام قوة،ومن المسلمين أمة قوية: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبيّن الله لكم آياته لعلكم تهتدون}. وصلّى الله تعالى على رسوله، ورزقنا شفاعته في يوم القيامة.
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله... اتقوا الله، وواجهوا هذه المرحلة الصعبة من تاريخ الإسلام والمسلمين بالوحدة والقوة والإرادة الصلبة والمواجهة القوية الفاعلة لكل التحديات التي يفرضها علينا المستكبرون في شرق الأرض وغربها، لأن الله تعالى أراد لنا أن نكون الأقوياء، وأن نكون صفاً واحداً كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، وأن يكون المؤمن للمؤمن كالجسد الواحد، وأن يهتم المسلمون بكل أمورهم، فماذا هناك:
أمريكا: ديمقراطية الانحياز إلى إسرائيل
كنا نتحدث عن الانحياز المطلق للإدارات الأمريكية ـ ولا سيما الإدارة الحالية ـ لإسرائيل، بالدرجة التي تدعم فيها كل العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني بكل الوسائل، سواء في منع الأمم المتحدة من إدانتها، أو في تأييد خطواتها السياسية والأمنية والعسكرية، بما في ذلك مجازرها في صبرا وشاتيلا وقانا وجنين، وتدميرها المتواصل للبنية التحتية الفلسطينية في هدم البيوت، وجرف المزارع، ومحاصرة الاقتصاد، وقتل المدنيين بالأسلحة الأمريكية.
وقد كنا نتحدث بذلك كله، وكان البعض يتهمنا بالغلوّ في ذلك، على أساس أن ذلك ينشأ من العقدة التقليدية العربية من أمريكا، ولكننا نقرأ في تقرير التنمية البشرية التابع للأمم المتحدة، أنّه حمَّل أمريكا مسؤولية إعاقة تقدّم العرب وعدم وثوقهم بالنظام الدولي، وأن واشنطن "أسهمت في وجود بيئة دولية أعاقت التقدّم من خلال سياستها تجاه إسرائيل، وممارساتها في العراق"، وأن أمريكا "أضرّت بالنظام الدولي عندما استخدمت أو هددت مراراً باستخدام حق النقض (الفيتو)، ما مكّن إسرائيل من إقامة مستوطنات يهودية وبناء جدار الفصل"، وأوضح التقرير أن ذلك "دفع بالعديد من أبناء المنطقة إلى أن يفقدوا الأمل في عدالة الحكم على الصعيد العالمي، وفي قدرته على إنصافهم، وقد يؤدي ذلك كله إلى تغذية دوّامة من العنف والعنف المضاد".
إن هذا التقرير يعطي الفكرة الواضحة عن مفهوم الديمقراطية التي يبشّر بها الرئيس بوش في العالم. وإذا كان التقرير يتحدث عن صلاحيات أجهزة المخابرات في الدول العربية التي تفوق صلاحيات أيّ جهاز آخر، وأنها "تمتلك موارد هائلة وتتدخّل في قرارات الجهاز التنفيذي، حتى أصبح من الشائع إطلاق صفة دولة المخابرات على أية دولة عربية"، فإن الجميع يعرف بأن هذه المخابرات مرتبطة بالمخابرات المركزية وإداراتها الأمريكية، حسب اعتراف الرئيس بوش بأن بلاده "تحمي الديكتاتوريات منذ 60 عاماً في المنطقة".
وإلى جانب ذلك، فإن الرئيس بوش يستعد لاستقبال شارون قريباً، الذي قال عنه إنه يرغب "في شريك في السلام"، ويرغب في "إرساء الديمقراطية في الأراضي الفلسطينية"، في الوقت الذي يعرف الجميع ـ ومنهم بوش ـ أنه يعمل على إرباك حتى مشروع "خارطة الطريق" الذي انطلق كمشروع أمريكي منذ البداية، بتوسيع المستوطنات في القدس، ومصادرة آلاف الدونمات في الخليل من أجل الجدار العنصري.
إن المشكلة هي أن شارون وبوش يمثّلان فريقاً واحداً في عملية النفاق السياسي الذي يحاول إعطاء الحرب اسم السلام، وإعطاء الإرهاب صفة الديمقراطية، واستعباد المستضعفين تحت عنوان الحريات وحقوق الإنسان.
لقد كانت أمريكا تتحدث عن أراضي الضفة الغربية ـ بما فيها القدس الشرقية ـ وغزة أنها "أراضٍ محتلة"، ولكنها اليوم تتحدث عنها بفعل الضغط الصهيوني أنها "أراضٍ متنازَع عليها"، لتمنح العدو الفرصة في الاستيلاء عليها حسب خطته. وهكذا، تتراجع عن قراراتها في حق عودة الفلسطينيين، لتؤكد أنه لا واقعية لهذا الحق.
وهذا ما جعل أمريكا موضع رفض من قِبَل العرب والمسلمين، لأنها تمثل الانحياز المطلق لإسرائيل حتى في سياستها في المنطقة، ولا سيما في العراق وسوريا ولبنان وإيران والدول الأخرى، على أساس الاستراتيجية المشتركة بين مصالحها ومصالح إسرائيل، بحيث إنّ بعض القرارات التي تفرضها على مجلس الأمن ـ ومنها القرار1559 ـ هي قرارات إسرائيلية، حسب اعتراف وزير خارجية العدو. وهذا هو الجواب على التساؤلات الأمريكية: "لماذا يكرهوننا"؟
ومن جانب آخر، فإن هناك مؤامرة جديدة على المسجد الأقصى من خلال اليهود المتطرفين ـ وكلهم متطرفون ـ في اقتحامه والعبث بمقدّساته وتدنيس محرابه، وعلى المسلمين في العالم أجمع أن يرتفعوا إلى مستوى المسؤولية للدفاع عنه بكل قوة وإرادة حرّة في حماية مقدّساتهم.
العراق: التسويات لا تبني وطناً
وتبقى مأساة العراق الجريح مسؤولية أمريكية، في المشاكل الدامية، والفوضى الأمنية، والاهتزازات السياسية، والمداخلات الطائفية والعرقية. وتتحرك المحاولات في حل المشكلة هنا وهناك على أساس التسويات التي توزع الحصص على موقع هنا وهناك، ما يجعل الرهان على عراق موحَّد رهاناً خاسراً، ويجعل قضية الحرية والسيادة والاستقلال قضية غير ذات موضوع، ولا سيما في التعقيدات المتنوّعة في تأسيس جيش عراقي قويّ، وأمن داخلي متوازن، ما يعطي الاحتلال أكثر من مبرر لاستمراره في السيطرة على البلد باسم الأمن.
إننا نعتقد أن الشعب العراقي هو شعب الحرية في تاريخه الحضاري، وفي هويته الإسلامية، ولذلك لا بد أن يبقى الصوت واحداً: فلينسحب الاحتلال من كل أرض العراق، ليتدبّر العراقيون أمرهم بأنفسهم، وليقرروا مصيرهم بإرادتهم الحرة.
لبنان: حذار من الشعارات الفضفاضة
أما في لبنان، فلا تزال الإدارة الأمريكية تعبث بالواقع السياسي كله، في عملية ضغط على أكثر من موقع سياسي في البلد، من خلال خلفياتها المشبوهة في إنتاج لبنان خاضع لخططها في الضغط على المقاومة وعلى سوريا، من أجل إرباك النظام في داخلها، وإيجاد واقع معادٍ لها يعمل على تنفيذ المخطط الأمريكي في المنطقة لحساب المشروع الإسرائيلي، ولإسقاط كل نقاط القوة في لبنان وفي سوريا، حتى يخضع الجميع للمخطط الإسرائيلي ـ الأمريكي، بإسقاط الأوراق الرابحة في عملية خطوط القوة.
إننا نحذّر اللبنانيين من السياسة التي يخططها فريق أمريكا في الغرف السوداء المظلمة، وعليهم أن لا يُخدعوا بالشعارات الفضفاضة والكلمات المعسولة التي تخفي شيئاً وتظهر شيئاً آخر من خلال السياسة الباطنية.
إن الشعب يعيش في ملهاة حكومة يختلف الناس عليها، وانتخابات يتجاذبون قانونها ومواعيدها، وتهديدات بالنزول إلى الشارع، وإشغال الناس بالشعارات الانتخابية التي يُراد بها اجتذاب غرائز المواطنين هنا وهناك. أما المستقبل، فليس هناك حديث عنه هل هو مستقبل لبنان الأمريكي الذي يتحرك على هامشه لبنان الإسرائيلي أو الفرنسي، أو هو مستقبل لبنان العربي اللبناني؟
والسؤال: هل يملك الكثيرون ممن قد يتحدثون عن الحرية، أن يتحرروا من الضغط الذي تفرضه أمريكا الإسرائيلية من خلال مندوبيها في لقاءاتهم ومخططاتهم وتهديداتهم، أم أن هناك باطنية في ظاهرها الحرية وفي داخلها حركة الاستكبار؟! وهل هناك واقعية تاريخية في لبنان، في الانتقال من موقع نفوذ إلى موقع نفوذ آخر، لأن اللبنانيين ـ عموماً ـ يحدّقون دائماً في ما يريده الآخرون لا في ما يريدونه لأنفسهم؟. |