في ذكرى ولادة القائم بالعدل(عج): ليعملْ كل مؤمن ومسلم على أن يكون مشروع قائد

في ذكرى ولادة القائم بالعدل(عج): ليعملْ كل مؤمن ومسلم على أن يكون مشروع قائد

في ذكرى ولادة القائم بالعدل(عج): ليعملْ كل مؤمن ومسلم على أن يكون مشروع قائد


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

"اللهم اجعله الداعي إلى كتابك، والقائم بدينك، استخلفه في الأرض كما استخلفت الذين من قبله، مكّن له دينك الذي ارتضيته له، أبدله من بعد خوفه أمناً، يعبدك لا يشرك بك شيئاً. اللهم أعزّه وأعزز به، وانصره وانتصر به، وانصره نصراً عزيزاً، وافتح له فتحاً يسيراً، واجعل له من لدنك سلطاناً نصيراً".

المهدي: حركة العدل الشامل

بالأمس كانت ذكرى ولادة الحجة القائم(عج) الذي أعدّه الله تعالى ليكون المنقذ والمخلّص والمجدِّد للإسلام في حركته وشريعته ومفاهيمه، والذي يؤسس للعدل الشامل في الأرض كلها، فلا يكون هناك ظلم في أيّ موقع من المواقع الخاصة والعامة، وهو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت(ع)، الذي أدخله الله تعالى في عالم الغيب، فكانت غيبته معجزة إلهية في غيب الله الذي لا يعرف سرّه إلا هو سبحانه، لينفتح بظهوره في هذا الامتداد الكوني الشامل، وفي هذه النتائج الكبرى على الغيب كله أيضاً، في ما يظهره الله من غيبه، فهو الذي أعدّه الله ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً.

ومن الطبيعي أن الإمام الحجة(عج) لن يأتي بدين جديد ولا بقرآن جديد ولا بشريعة جديدة، ولكنه يجدِّد للدين حركته وإشراقه في عقول الناس، ليعرفوا أصالة هذا الدين وروحيته بما يؤصّله في دعوته وحركته، ولن يأتي بقرآن جديد، فالقرآن هو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو الذي يتجدَّد في المعنى الرسالي ـ حيث هو وحي الله ـ مهما تقادمت السنون، ولكنه(عج) يقدّم للناس تفسيراً للقرآن في كلِّ ما يحتاجونه في عقائدهم وشرائعهم ومناهجهم وكل خصوصياتهم في الحياة.

وهكذا، فإنه عندما يقدّم العدل للناس، فإنه يقدّم عدل الإسلام، لأنه لا عدل إلا في الإسلام، فالله تعالى أكد العدل في حركة كل الرسالات والرسل، وجاء الإسلام ليجمع كل الرسالات في رسالته، وليجمع كل خطوط العدل في شريعته، فإذا أخذ الناس بالإسلام فإنهم يأخذون بالعدل، وإذا ترك الناس العدل في أمورهم الخاصة والعامة فإنهم يتركون الإسلام بذلك، لأن الإسلام والعدل متطابقان وليس أحدهما بعيداً عن الآخر.

ولذلك، فإن الإمام(عج) يقدّم لنا العدل من حيث يقدّم الإسلام في هذا المجال، وقد ورد في الأحاديث المأثورة في قضية ظهوره، أن الله تعالى يُنزل السيد المسيح(ع) ليكون معه، وليصلي خلفه، لينطلق العالم من خلال رسالة الإسلام التي يبلّغها السيد المسيح(ع) مع الإمام(عج) للناس كافة، لأن رسالة النبي(ص) هي رسالة السيد المسيح(ع)، ولأنّ كل الرسالات تتمثّل في الإسلام لله في كل الأمور: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين}.

وعلى ضوء هذا، فلنا ـ ونحن في ذكرى مولده ـ أن نتساءل بقدر ما يتصل الأمر بنا: هل نحن جمهوره؟ هل نحن صادقون عندما نقول: اللهم أرنا الطلعة الرشيدة والغرّة الحميدة، واجعلنا من أنصاره وأتباعه وجنوده؟ إن جمهوره ـ نقولها في تحليل الجواب ـ هو جمهور الإسلام، لأنه ليس لديه أيّ طرح إلا طرح الإسلام؛ الإسلام في عقيدته في توحيد الله، والإيمان برسالة الله في الرسل كلهم وخاتمهم محمد(ص)، والإيمان بالقرآن كله إيماناً يجعلنا نلتزم القرآن ونعمل به ليكون النور الذي يضيء لنا الطريق في عقولنا وقلوبنا وحياتنا، والإيمان بالشريعة كلها: {ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}. لذا لا بد أن نربي أنفسنا على الإسلام عقلاً ليكون عقلنا إسلامياً، وقلباً ليكون القلب إسلامياً، وحركة ومنهجاً وسلوكاً ليكون كل ذلك إسلامياً، لأنه لا معنى أن نكون من جمهوره ونحن نبتعد عن خطه ودينه، تلك هي المسألة التي لا بد لنا أن نفكر فيها.

الدعوة إلى طاعة الله

إن قضية الاحتفال بالإمام(عج) في ذكرى مولده ليست قضية عاطفة نقدّمها إليه، وليست مجرد تمنيات نتمناها، ولكنها الطريق المستقيم الذي نلتزمه استجابةً لله عندما نقول له: {إهدنا الصراط المستقيم}، ليقول لنا في آية أخرى: {وأن هذا صراطي مستقيماً فاتّبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله}. إن علينا أن نربي أنفسنا على أن نكون جمهوره وأتباعه وجنده، لنتحرك في ما تحرك فيه، ولعل أبلغ تعبير هو ما جاء في دعاء الافتتاح: "اللهم إنّا نرغب إليك في دولة كريمة، تعزّ بها الإسلام وأهله، وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك، والقادة إلى سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة"، أن ندعو الله أن يوفقنا لنكون في دولته ـ دولة الإسلام ـ هذه الدولة التي ينطلق فيها الإسلام ليكون في موقع العزة الكبرى، وليسقط فيها النفاق ـ كل نفاق ـ ليكون له الذلة، ويكون كل واحد منا في شخصيته وإحساسه وشعوره وحركته من الدعاة إلى الله، وأن نتحمّل مسؤولية هذه الدعوة؛ بأن نكون من الدعاة إلى الله في بيوتنا، لندعو أهلنا والناس من حولنا إلى طاعة الله، وأن نكون مشروع قائد، لأن الله يريد لكل مسلم ومؤمن أن يربي عقله وقلبه وطاقاته ليكون العقل القائد، والقلب القائد، والحركة القائدة، حتى إذا سقط قائد في الساحة كنت أنت القائد في غيابه.. أن تنطلق الأمة لتربي كل نسائها ورجالها على أن يكونوا مشاريع قيادة بديلة. لنعمل على أساس صنع القيادات الإسلامية على جميع المستويات، سواء كانت قيادات فقهية أو سياسية أو فكرية، لأن الله تعالى حمّلنا مسؤولية الإسلام في بعده الفقهي والجهادي والسياسي والاقتصادي، حتى نستطيع أن نكون في موقع قيادة العالم.

لماذا نفسح للآخرين أن يقودوا العالم في الغرب والشرق، ونكون نحن الأتباع لكل قيادة ظالمة أو كافرة؟ ثم، إن المسألة أن الإمام(عج) إذا كان الله تعالى قد أعدّه من أجل أن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، فعلينا أن نكون العادلين في أنفسنا فلا نظلمها، وأن نكون العادلين في بيوتنا فلا نظلم أهلنا، وأن نكون العادلين في كل مجتمعنا، ليكون كل واحد منا الإنسان العادل الذي يعدل مع المسلم والكافر، ومع القوي والضعيف.

الانتظار الإيجابي

إن الذكرى تحمّلنا المسؤولية أن نتطلّع إلى تلك المرحلة التي يظهر فيها الإمام(ع)، لنعرف أننا إذا بلغناها فما هو دورنا، هل نكون مع أعدائه أم نكون مع مواليه ومحبيه؟ إن الحب لا يكفي لأن نكون من أنصاره، فنحن نقرأ في سيرة الإمام الحسين(ع) في كربلاء، أنه سأل الفرزدق الشاعر عن خبر الناس بالكوفة، فقال له: "قلوبهم معك وسيوفهم عليك"، لأن سيوفهم ليست في خدمة دينهم وعقيدتهم، ولكنها في خدمة أطماعهم وأموالهم، ونقرأ في سيرته(ع) أن بعض جند بني أمية كانوا يسلبون الأطفال ما عليهم وهم يبكون، وكانت طفلة تسأل ذلك السالب: كيف تبكي وأنت تسلبنا؟ فقال: أخاف أن يسلبك غيري.. وقد قال الإمام الحسين(ع): "الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معايشهم، فإذا مُحّصوا بالبلاء قلّ الديّانون".

لذلك، علينا أن نستعد لنكون من المنتظرين الإيجابيين، أن تجلس مع نفسك وتسألها: هل أنا مع رسالته وخطه ومع العدل كله أم لا؟ فإذا رأيت في نفسك ضعفاً في الرسالة الإسلامية وفي الالتزام والأخذ بأسباب العدل، فحاول أن تقوّي نفسك، حتى إذا جاء(عج) وجدت نفسك جندياً من جنوده.

ذكرى مولده(عج) هي مناسبة للتأمل والتفكير ومحاسبة النفس: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا". اللهم اجعلنا من أنصاره وأعوانه والمستشهدين بين يديه.


الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله وواجهوا المرحلة التي نعيش فيها، والتي ينطلق فيها المستكبرون والظالمون ضد المستضعفين والمظلومين من أجل أن يذلوهم ويعبثوا بكل أوضاعهم، ويصادروا كل أمنهم وسياستهم واقتصادهم، إن علينا أن نكون مع الحق كله والعدل كله ضد الباطل كله والظلم كله، وفي هذه الأيام نعيش الكثير من أوضاعنا التي يتحدّانا فيها مستكبرو العالم في تحالفاتهم وكل مواقع القوة عندهم، فماذا هناك:

الانتفاضة تأكيد على إرادة الحرية

تدخل الانتفاضة عامها الخامس، وقد قدّمت آلاف الشهداء وعشرات الألوف من الجرحى والمعتقلين، ومن الدور المدمَّرة، ومن المزارع المجروفة، بفعل الاعتداءات الصهيونية على الشعب الفلسطيني، باستخدام أسلحة الحروب الكبرى التي زوّدتها بها أمريكا، وبالغطاء الأمريكي للدعم السياسي الذي قدّمته للعدو، ولا سيما بإدخال القضية الفلسطينية في نطاق الحرب ضد الإرهاب التي حوّلت المجرم ـ وهو إسرائيل ـ إلى ضحية يدافع عن نفسه، وحوّلت الضحية ـ وهي الشعب الفلسطيني ـ إلى إرهابي في جهاده ضد الاحتلال، ما جعل أمريكا في دور الدولة التي تدعم الاحتلال وتساند عملية الإبادة لهذا الشعب في جميع مواقعه، وتتنكّر للسلطة المنتَخَبة، في الوقت الذي تتحدث عن الديمقراطية والشرعية وحقوق الإنسان!!

لقد دعا وزير الخارجية الأمريكي "باول" إلى إنهاء الانتفاضة، وتساءل: "ماذا حققت الانتفاضة للشعب الفلسطيني؟ هل حققت تقدّماً باتجاه دولة فلسطينية...؟ هل هزمت إسرائيل في ساحة المعركة...؟ لقد حان الوقت لوضع حدّ لهذه العملية"، بحسب ما جاء في تصريحه.. وإننا نسأله: ماذا حققت أمريكا ـ ومعها اللجنة الرباعية الدولية ـ للشعب الفلسطيني ودولة فلسطين؟ هل قدّمت الدعم لهذا الشعب بالطريقة التي قدّمته فيها لإسرائيل؟ لماذا لم تقدّم الفرصة للمفاوضات ولإعطاء الفلسطينيين حقوقهم الشرعية؟ ولماذا اعتبرت المسألة مسألة أمنية في الوقت الذي يعرف الجميع أنها مسألة سياسية، وأن الانتفاضة كانت رد فعل على الاحتلال، وأن المجاهدين الذين تتهمهم أمريكا بالإرهاب صرّحوا بأنهم لن يطلقوا رصاصة إذا انسحبت إسرائيل من أرضهم؟؟

إن الرئيس بوش يكذب عندما يتحدث عن الدولة الفلسطينية، وهو الذي لم يضغط على إسرائيل في إزالة المستوطنات والجدار العنصري الذي اعترف بأنه يمنع من إقامة دولة فلسطينية، بل إن تصريحات الناطق باسمه تجد للعدو العذر في ذلك كله...

إن الانتفاضة لم تستطع أن تهزم إسرائيل ولم تصنع دولة فلسطينية، ولكنها في الوقت نفسه أكدت إرادة الحرية في صمود الشعب كله، وأدخلت إسرائيل ـ ومعها أمريكا ـ في أكثر من مأزق سياسي، وأربكت العدو في أكثر من مسألة أمنية واقتصادية، تماماً ككل الشعوب التي تجاهد في سبيل الحرية...

لقد كشفت هذه الانتفاضة الوجه الأمريكي البشع، وأظهرت زيف الدعوات الأمريكية إلى الحرية وحقوق الإنسان، لأنها تدمّر ذلك كله بقدر ما يتصل الأمر بالشعب الفلسطيني، الأمر الذي أدّى إلى الجواب الإنساني الحازم من قِبَل الشعوب العربية والإسلامية للتساؤل الأمريكي: "لماذا يكرهوننا"؟؟ إننا نكره إدارتكم وحلفاءها، لأنهم يذبحون الحرية كما يذبح الخاطفون ضحاياهم، ويدمّرون الشعوب في قضاياها الحيوية.

وفي هذا الجو، فإننا نتساءل عن هذه الهجمة الأمريكية على إيران في مشروعها النووي السلمي، وهذا الضغط الأوروبي من خلال وكالة الطاقة النووية، من دون أن نسمع أيّ صوت احتجاجي ضد التهديد الإسرائيلي لإيران في ضرب مفاعلها النووي؟ وهل من حق إسرائيل أن يكون لها سلاح نووي باسم الدفاع عن نفسها ولا يكون لإيران هذا الحق؟!

إن المشكلة هي أن الدول الكبرى تحصّن إسرائيل ضد شعوب المنطقة مهما ارتكبت من مجازر، ولذلك فإننا لا نصدِّق رئيس وزراء بريطانيا في عزمه على التدخّل لحل المشكلة الفلسطينية، لأن إسرائيل ـ ومعها أمريكا ـ لا يسمحان لـه بذلك...

ولذلك، فإننا نؤكد صمود الشعب الفلسطيني الذي يواجه حرب الإبادة الإسرائيلية ـ الأمريكية تحت غطاء دولي، لأنه لا يملك إلا الإرادة الحرة من أجل التحرير، ونريد للشعوب الحرّة أن تقف معه، حتى لا يحدث لها ما حدث لـه من قِبَل الاستكبار العالمي الذي أعطى إسرائيل الحرية في العدوان على المجاهدين حتى خارج فلسطين، كما في الاغتيال الأخير لمجاهد من حركة حماس في دمشق، من دون أن نسمع أيّ احتجاج أمريكي وأوروبي وعربي!!

العراق: مستقبل غامض

أما العراق، فإن مستقبله لا يزال يلفّه الغموض من خلال المجازر المتحركة المتنقلة في عاصمته وفي أطرافه، والتي يسقط فيها المدنيون برصاص الجيش الأمريكي باسم محاربة الإرهاب، في الوقت الذي يعرف الجميع أن هذا الجيش يجتاح المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ، ويدمّر بيوتهم من خلال أكثر من كذبة لاستخباراته، كما يتحدث بذلك شهود العيان... فضلاً عن الاغتيالات المشبوهة التي تطال الأبرياء، وتثير الأحاسيس المذهبية المعقّدة، ما قد يؤدي إلى الفتنة التي تتحرك من فعل هنا ورد فعل هناك بالدرجة التي يشتعل فيها أكثر من حريق نفسي أو أمني..

وهناك حديث عن مؤتمر دولي حول العراق تؤيّده أمريكا، وتتحرك معه أوروبا، ويقدّمه بعض العرب مما لا نعرف لـه خطةً أو برنامجاً سوى إخراج أمريكا من مأزقها العراقي، لأن المشكلة في هذا البلد الجريح هي الاحتلال الذي حوّل البلد من خلال إدخاله في دائرة الحرب ضدّ الإرهاب إلى فوضى أمنية وسياسية، من دون أن تحصل الحكومة المؤقتة التي عيّنها لخدمة أهدافه على أية قوة مدنية تحقق للبلد أهدافه وحاجاته وأمانه...

إن المطلوب هو مؤتمر دولي تشرف عليه الأمم المتحدة لسحب قوات الاحتلال، ومنح العراق سيادته الكاملة، وإجراء انتخابات حرّة لا يملك فيها الاحتلال وعملاؤه أية سلطة للعبث فيه، ليشعر العراقيون أنهم يملكون مصيرهم من أجل عراق حرّ موحَّد ينفتح على المستقبل الكبير.

لبنان: الحاجة إلى حكومة إنقاذ

أما في لبنان، فهناك أكثر من أزمة من حيث الاتهامات التي يثور الجدل فيها في واقعيتها وفي خدمتها للأجنبي الأمريكي وتقديم أوراق مجانية له، ومن حيث اقتراح لجنة رباعية لمراقبة تنفيذ قرار مجلس الأمن في الانسحاب السوري، وفي نزع سلاح المقاومة، مما لا واقعية لـه ولا مصلحة للبنان فيه مع بقاء الاحتلال الإسرائيلي والعدوان المتحرّك اليومي لقواته، ومن حيث صراخ الناس في قطع الكهرباء والماء بشكل عشوائي، من خلال ما يتحدث به المسؤولون عن إفلاس الشركة من خلال أكثر من موقع للهدر والفساد، ومن حيث الجدل الدائر حول الحكومة التي تتنازعها المعارضة والموالاة، والموازنة التي يتحدث فيها البعض عن الصدمة لمعاقبة النادي السياسي الذي أمعن في قهر الناس في هدر الأموال العامة...

ومن جانب آخر، فإننا نحذّر المواطنين في لبنان الذين يعيشون الاهتزاز بكل أوضاعه، من خفافيش الليل الذين يعملون من خلال اللغة المتشنّجة والكلام الحاد والزوايا المغلقة، لإيجاد حالة من الاهتزاز الأمني الذي قد يستغله أعداء الوطن لإيجاد فتنة طائفية أو غير طائفية...

وعلى اللبنانيين أن يكون كل واحد منهم حارساً وخفيراً من أجل أمن البلد، لأن البلد الغارق في أزماته الاقتصادية، والمواطن الذي يعيش تحت خط الفقر ولا يملك أيّ حل لمشكلته، لا يستطيع أن يتحمّل كل هذه المغاور والكهوف السياسية والأمنية التي يصنعها المغامرون في لبنان...

إن البلد بحاجة إلى حكومة إنقاذ، وحكم تخطيط، ومسؤولين لا يتناتشون البلد من خلال تعقيداتهم النفسية والمصلحية. إن البلد تحوّل إلى سفينة تحيط بها الأمواج الهائلة، وعلى الجميع أن ينقذها لتصل إلى شاطئ الأمان قبل أن تُغرقها التجاذبات والحزبيات والشخصانيات بعيداً عن الحوار الذي ينبغي أن يلتقي فيه الجميع على أن يبقى لبنان سيداً حراً مستقلاً، يحمي بنيه ويحقق لهم الأمن والرخاء، ويحميه بنوه من أنفسهم ومن الآخرين.

في ذكرى ولادة القائم بالعدل(عج): ليعملْ كل مؤمن ومسلم على أن يكون مشروع قائد


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

"اللهم اجعله الداعي إلى كتابك، والقائم بدينك، استخلفه في الأرض كما استخلفت الذين من قبله، مكّن له دينك الذي ارتضيته له، أبدله من بعد خوفه أمناً، يعبدك لا يشرك بك شيئاً. اللهم أعزّه وأعزز به، وانصره وانتصر به، وانصره نصراً عزيزاً، وافتح له فتحاً يسيراً، واجعل له من لدنك سلطاناً نصيراً".

المهدي: حركة العدل الشامل

بالأمس كانت ذكرى ولادة الحجة القائم(عج) الذي أعدّه الله تعالى ليكون المنقذ والمخلّص والمجدِّد للإسلام في حركته وشريعته ومفاهيمه، والذي يؤسس للعدل الشامل في الأرض كلها، فلا يكون هناك ظلم في أيّ موقع من المواقع الخاصة والعامة، وهو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت(ع)، الذي أدخله الله تعالى في عالم الغيب، فكانت غيبته معجزة إلهية في غيب الله الذي لا يعرف سرّه إلا هو سبحانه، لينفتح بظهوره في هذا الامتداد الكوني الشامل، وفي هذه النتائج الكبرى على الغيب كله أيضاً، في ما يظهره الله من غيبه، فهو الذي أعدّه الله ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً.

ومن الطبيعي أن الإمام الحجة(عج) لن يأتي بدين جديد ولا بقرآن جديد ولا بشريعة جديدة، ولكنه يجدِّد للدين حركته وإشراقه في عقول الناس، ليعرفوا أصالة هذا الدين وروحيته بما يؤصّله في دعوته وحركته، ولن يأتي بقرآن جديد، فالقرآن هو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو الذي يتجدَّد في المعنى الرسالي ـ حيث هو وحي الله ـ مهما تقادمت السنون، ولكنه(عج) يقدّم للناس تفسيراً للقرآن في كلِّ ما يحتاجونه في عقائدهم وشرائعهم ومناهجهم وكل خصوصياتهم في الحياة.

وهكذا، فإنه عندما يقدّم العدل للناس، فإنه يقدّم عدل الإسلام، لأنه لا عدل إلا في الإسلام، فالله تعالى أكد العدل في حركة كل الرسالات والرسل، وجاء الإسلام ليجمع كل الرسالات في رسالته، وليجمع كل خطوط العدل في شريعته، فإذا أخذ الناس بالإسلام فإنهم يأخذون بالعدل، وإذا ترك الناس العدل في أمورهم الخاصة والعامة فإنهم يتركون الإسلام بذلك، لأن الإسلام والعدل متطابقان وليس أحدهما بعيداً عن الآخر.

ولذلك، فإن الإمام(عج) يقدّم لنا العدل من حيث يقدّم الإسلام في هذا المجال، وقد ورد في الأحاديث المأثورة في قضية ظهوره، أن الله تعالى يُنزل السيد المسيح(ع) ليكون معه، وليصلي خلفه، لينطلق العالم من خلال رسالة الإسلام التي يبلّغها السيد المسيح(ع) مع الإمام(عج) للناس كافة، لأن رسالة النبي(ص) هي رسالة السيد المسيح(ع)، ولأنّ كل الرسالات تتمثّل في الإسلام لله في كل الأمور: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين}.

وعلى ضوء هذا، فلنا ـ ونحن في ذكرى مولده ـ أن نتساءل بقدر ما يتصل الأمر بنا: هل نحن جمهوره؟ هل نحن صادقون عندما نقول: اللهم أرنا الطلعة الرشيدة والغرّة الحميدة، واجعلنا من أنصاره وأتباعه وجنوده؟ إن جمهوره ـ نقولها في تحليل الجواب ـ هو جمهور الإسلام، لأنه ليس لديه أيّ طرح إلا طرح الإسلام؛ الإسلام في عقيدته في توحيد الله، والإيمان برسالة الله في الرسل كلهم وخاتمهم محمد(ص)، والإيمان بالقرآن كله إيماناً يجعلنا نلتزم القرآن ونعمل به ليكون النور الذي يضيء لنا الطريق في عقولنا وقلوبنا وحياتنا، والإيمان بالشريعة كلها: {ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}. لذا لا بد أن نربي أنفسنا على الإسلام عقلاً ليكون عقلنا إسلامياً، وقلباً ليكون القلب إسلامياً، وحركة ومنهجاً وسلوكاً ليكون كل ذلك إسلامياً، لأنه لا معنى أن نكون من جمهوره ونحن نبتعد عن خطه ودينه، تلك هي المسألة التي لا بد لنا أن نفكر فيها.

الدعوة إلى طاعة الله

إن قضية الاحتفال بالإمام(عج) في ذكرى مولده ليست قضية عاطفة نقدّمها إليه، وليست مجرد تمنيات نتمناها، ولكنها الطريق المستقيم الذي نلتزمه استجابةً لله عندما نقول له: {إهدنا الصراط المستقيم}، ليقول لنا في آية أخرى: {وأن هذا صراطي مستقيماً فاتّبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله}. إن علينا أن نربي أنفسنا على أن نكون جمهوره وأتباعه وجنده، لنتحرك في ما تحرك فيه، ولعل أبلغ تعبير هو ما جاء في دعاء الافتتاح: "اللهم إنّا نرغب إليك في دولة كريمة، تعزّ بها الإسلام وأهله، وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك، والقادة إلى سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة"، أن ندعو الله أن يوفقنا لنكون في دولته ـ دولة الإسلام ـ هذه الدولة التي ينطلق فيها الإسلام ليكون في موقع العزة الكبرى، وليسقط فيها النفاق ـ كل نفاق ـ ليكون له الذلة، ويكون كل واحد منا في شخصيته وإحساسه وشعوره وحركته من الدعاة إلى الله، وأن نتحمّل مسؤولية هذه الدعوة؛ بأن نكون من الدعاة إلى الله في بيوتنا، لندعو أهلنا والناس من حولنا إلى طاعة الله، وأن نكون مشروع قائد، لأن الله يريد لكل مسلم ومؤمن أن يربي عقله وقلبه وطاقاته ليكون العقل القائد، والقلب القائد، والحركة القائدة، حتى إذا سقط قائد في الساحة كنت أنت القائد في غيابه.. أن تنطلق الأمة لتربي كل نسائها ورجالها على أن يكونوا مشاريع قيادة بديلة. لنعمل على أساس صنع القيادات الإسلامية على جميع المستويات، سواء كانت قيادات فقهية أو سياسية أو فكرية، لأن الله تعالى حمّلنا مسؤولية الإسلام في بعده الفقهي والجهادي والسياسي والاقتصادي، حتى نستطيع أن نكون في موقع قيادة العالم.

لماذا نفسح للآخرين أن يقودوا العالم في الغرب والشرق، ونكون نحن الأتباع لكل قيادة ظالمة أو كافرة؟ ثم، إن المسألة أن الإمام(عج) إذا كان الله تعالى قد أعدّه من أجل أن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، فعلينا أن نكون العادلين في أنفسنا فلا نظلمها، وأن نكون العادلين في بيوتنا فلا نظلم أهلنا، وأن نكون العادلين في كل مجتمعنا، ليكون كل واحد منا الإنسان العادل الذي يعدل مع المسلم والكافر، ومع القوي والضعيف.

الانتظار الإيجابي

إن الذكرى تحمّلنا المسؤولية أن نتطلّع إلى تلك المرحلة التي يظهر فيها الإمام(ع)، لنعرف أننا إذا بلغناها فما هو دورنا، هل نكون مع أعدائه أم نكون مع مواليه ومحبيه؟ إن الحب لا يكفي لأن نكون من أنصاره، فنحن نقرأ في سيرة الإمام الحسين(ع) في كربلاء، أنه سأل الفرزدق الشاعر عن خبر الناس بالكوفة، فقال له: "قلوبهم معك وسيوفهم عليك"، لأن سيوفهم ليست في خدمة دينهم وعقيدتهم، ولكنها في خدمة أطماعهم وأموالهم، ونقرأ في سيرته(ع) أن بعض جند بني أمية كانوا يسلبون الأطفال ما عليهم وهم يبكون، وكانت طفلة تسأل ذلك السالب: كيف تبكي وأنت تسلبنا؟ فقال: أخاف أن يسلبك غيري.. وقد قال الإمام الحسين(ع): "الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معايشهم، فإذا مُحّصوا بالبلاء قلّ الديّانون".

لذلك، علينا أن نستعد لنكون من المنتظرين الإيجابيين، أن تجلس مع نفسك وتسألها: هل أنا مع رسالته وخطه ومع العدل كله أم لا؟ فإذا رأيت في نفسك ضعفاً في الرسالة الإسلامية وفي الالتزام والأخذ بأسباب العدل، فحاول أن تقوّي نفسك، حتى إذا جاء(عج) وجدت نفسك جندياً من جنوده.

ذكرى مولده(عج) هي مناسبة للتأمل والتفكير ومحاسبة النفس: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا". اللهم اجعلنا من أنصاره وأعوانه والمستشهدين بين يديه.


الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله وواجهوا المرحلة التي نعيش فيها، والتي ينطلق فيها المستكبرون والظالمون ضد المستضعفين والمظلومين من أجل أن يذلوهم ويعبثوا بكل أوضاعهم، ويصادروا كل أمنهم وسياستهم واقتصادهم، إن علينا أن نكون مع الحق كله والعدل كله ضد الباطل كله والظلم كله، وفي هذه الأيام نعيش الكثير من أوضاعنا التي يتحدّانا فيها مستكبرو العالم في تحالفاتهم وكل مواقع القوة عندهم، فماذا هناك:

الانتفاضة تأكيد على إرادة الحرية

تدخل الانتفاضة عامها الخامس، وقد قدّمت آلاف الشهداء وعشرات الألوف من الجرحى والمعتقلين، ومن الدور المدمَّرة، ومن المزارع المجروفة، بفعل الاعتداءات الصهيونية على الشعب الفلسطيني، باستخدام أسلحة الحروب الكبرى التي زوّدتها بها أمريكا، وبالغطاء الأمريكي للدعم السياسي الذي قدّمته للعدو، ولا سيما بإدخال القضية الفلسطينية في نطاق الحرب ضد الإرهاب التي حوّلت المجرم ـ وهو إسرائيل ـ إلى ضحية يدافع عن نفسه، وحوّلت الضحية ـ وهي الشعب الفلسطيني ـ إلى إرهابي في جهاده ضد الاحتلال، ما جعل أمريكا في دور الدولة التي تدعم الاحتلال وتساند عملية الإبادة لهذا الشعب في جميع مواقعه، وتتنكّر للسلطة المنتَخَبة، في الوقت الذي تتحدث عن الديمقراطية والشرعية وحقوق الإنسان!!

لقد دعا وزير الخارجية الأمريكي "باول" إلى إنهاء الانتفاضة، وتساءل: "ماذا حققت الانتفاضة للشعب الفلسطيني؟ هل حققت تقدّماً باتجاه دولة فلسطينية...؟ هل هزمت إسرائيل في ساحة المعركة...؟ لقد حان الوقت لوضع حدّ لهذه العملية"، بحسب ما جاء في تصريحه.. وإننا نسأله: ماذا حققت أمريكا ـ ومعها اللجنة الرباعية الدولية ـ للشعب الفلسطيني ودولة فلسطين؟ هل قدّمت الدعم لهذا الشعب بالطريقة التي قدّمته فيها لإسرائيل؟ لماذا لم تقدّم الفرصة للمفاوضات ولإعطاء الفلسطينيين حقوقهم الشرعية؟ ولماذا اعتبرت المسألة مسألة أمنية في الوقت الذي يعرف الجميع أنها مسألة سياسية، وأن الانتفاضة كانت رد فعل على الاحتلال، وأن المجاهدين الذين تتهمهم أمريكا بالإرهاب صرّحوا بأنهم لن يطلقوا رصاصة إذا انسحبت إسرائيل من أرضهم؟؟

إن الرئيس بوش يكذب عندما يتحدث عن الدولة الفلسطينية، وهو الذي لم يضغط على إسرائيل في إزالة المستوطنات والجدار العنصري الذي اعترف بأنه يمنع من إقامة دولة فلسطينية، بل إن تصريحات الناطق باسمه تجد للعدو العذر في ذلك كله...

إن الانتفاضة لم تستطع أن تهزم إسرائيل ولم تصنع دولة فلسطينية، ولكنها في الوقت نفسه أكدت إرادة الحرية في صمود الشعب كله، وأدخلت إسرائيل ـ ومعها أمريكا ـ في أكثر من مأزق سياسي، وأربكت العدو في أكثر من مسألة أمنية واقتصادية، تماماً ككل الشعوب التي تجاهد في سبيل الحرية...

لقد كشفت هذه الانتفاضة الوجه الأمريكي البشع، وأظهرت زيف الدعوات الأمريكية إلى الحرية وحقوق الإنسان، لأنها تدمّر ذلك كله بقدر ما يتصل الأمر بالشعب الفلسطيني، الأمر الذي أدّى إلى الجواب الإنساني الحازم من قِبَل الشعوب العربية والإسلامية للتساؤل الأمريكي: "لماذا يكرهوننا"؟؟ إننا نكره إدارتكم وحلفاءها، لأنهم يذبحون الحرية كما يذبح الخاطفون ضحاياهم، ويدمّرون الشعوب في قضاياها الحيوية.

وفي هذا الجو، فإننا نتساءل عن هذه الهجمة الأمريكية على إيران في مشروعها النووي السلمي، وهذا الضغط الأوروبي من خلال وكالة الطاقة النووية، من دون أن نسمع أيّ صوت احتجاجي ضد التهديد الإسرائيلي لإيران في ضرب مفاعلها النووي؟ وهل من حق إسرائيل أن يكون لها سلاح نووي باسم الدفاع عن نفسها ولا يكون لإيران هذا الحق؟!

إن المشكلة هي أن الدول الكبرى تحصّن إسرائيل ضد شعوب المنطقة مهما ارتكبت من مجازر، ولذلك فإننا لا نصدِّق رئيس وزراء بريطانيا في عزمه على التدخّل لحل المشكلة الفلسطينية، لأن إسرائيل ـ ومعها أمريكا ـ لا يسمحان لـه بذلك...

ولذلك، فإننا نؤكد صمود الشعب الفلسطيني الذي يواجه حرب الإبادة الإسرائيلية ـ الأمريكية تحت غطاء دولي، لأنه لا يملك إلا الإرادة الحرة من أجل التحرير، ونريد للشعوب الحرّة أن تقف معه، حتى لا يحدث لها ما حدث لـه من قِبَل الاستكبار العالمي الذي أعطى إسرائيل الحرية في العدوان على المجاهدين حتى خارج فلسطين، كما في الاغتيال الأخير لمجاهد من حركة حماس في دمشق، من دون أن نسمع أيّ احتجاج أمريكي وأوروبي وعربي!!

العراق: مستقبل غامض

أما العراق، فإن مستقبله لا يزال يلفّه الغموض من خلال المجازر المتحركة المتنقلة في عاصمته وفي أطرافه، والتي يسقط فيها المدنيون برصاص الجيش الأمريكي باسم محاربة الإرهاب، في الوقت الذي يعرف الجميع أن هذا الجيش يجتاح المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ، ويدمّر بيوتهم من خلال أكثر من كذبة لاستخباراته، كما يتحدث بذلك شهود العيان... فضلاً عن الاغتيالات المشبوهة التي تطال الأبرياء، وتثير الأحاسيس المذهبية المعقّدة، ما قد يؤدي إلى الفتنة التي تتحرك من فعل هنا ورد فعل هناك بالدرجة التي يشتعل فيها أكثر من حريق نفسي أو أمني..

وهناك حديث عن مؤتمر دولي حول العراق تؤيّده أمريكا، وتتحرك معه أوروبا، ويقدّمه بعض العرب مما لا نعرف لـه خطةً أو برنامجاً سوى إخراج أمريكا من مأزقها العراقي، لأن المشكلة في هذا البلد الجريح هي الاحتلال الذي حوّل البلد من خلال إدخاله في دائرة الحرب ضدّ الإرهاب إلى فوضى أمنية وسياسية، من دون أن تحصل الحكومة المؤقتة التي عيّنها لخدمة أهدافه على أية قوة مدنية تحقق للبلد أهدافه وحاجاته وأمانه...

إن المطلوب هو مؤتمر دولي تشرف عليه الأمم المتحدة لسحب قوات الاحتلال، ومنح العراق سيادته الكاملة، وإجراء انتخابات حرّة لا يملك فيها الاحتلال وعملاؤه أية سلطة للعبث فيه، ليشعر العراقيون أنهم يملكون مصيرهم من أجل عراق حرّ موحَّد ينفتح على المستقبل الكبير.

لبنان: الحاجة إلى حكومة إنقاذ

أما في لبنان، فهناك أكثر من أزمة من حيث الاتهامات التي يثور الجدل فيها في واقعيتها وفي خدمتها للأجنبي الأمريكي وتقديم أوراق مجانية له، ومن حيث اقتراح لجنة رباعية لمراقبة تنفيذ قرار مجلس الأمن في الانسحاب السوري، وفي نزع سلاح المقاومة، مما لا واقعية لـه ولا مصلحة للبنان فيه مع بقاء الاحتلال الإسرائيلي والعدوان المتحرّك اليومي لقواته، ومن حيث صراخ الناس في قطع الكهرباء والماء بشكل عشوائي، من خلال ما يتحدث به المسؤولون عن إفلاس الشركة من خلال أكثر من موقع للهدر والفساد، ومن حيث الجدل الدائر حول الحكومة التي تتنازعها المعارضة والموالاة، والموازنة التي يتحدث فيها البعض عن الصدمة لمعاقبة النادي السياسي الذي أمعن في قهر الناس في هدر الأموال العامة...

ومن جانب آخر، فإننا نحذّر المواطنين في لبنان الذين يعيشون الاهتزاز بكل أوضاعه، من خفافيش الليل الذين يعملون من خلال اللغة المتشنّجة والكلام الحاد والزوايا المغلقة، لإيجاد حالة من الاهتزاز الأمني الذي قد يستغله أعداء الوطن لإيجاد فتنة طائفية أو غير طائفية...

وعلى اللبنانيين أن يكون كل واحد منهم حارساً وخفيراً من أجل أمن البلد، لأن البلد الغارق في أزماته الاقتصادية، والمواطن الذي يعيش تحت خط الفقر ولا يملك أيّ حل لمشكلته، لا يستطيع أن يتحمّل كل هذه المغاور والكهوف السياسية والأمنية التي يصنعها المغامرون في لبنان...

إن البلد بحاجة إلى حكومة إنقاذ، وحكم تخطيط، ومسؤولين لا يتناتشون البلد من خلال تعقيداتهم النفسية والمصلحية. إن البلد تحوّل إلى سفينة تحيط بها الأمواج الهائلة، وعلى الجميع أن ينقذها لتصل إلى شاطئ الأمان قبل أن تُغرقها التجاذبات والحزبيات والشخصانيات بعيداً عن الحوار الذي ينبغي أن يلتقي فيه الجميع على أن يبقى لبنان سيداً حراً مستقلاً، يحمي بنيه ويحقق لهم الأمن والرخاء، ويحميه بنوه من أنفسهم ومن الآخرين.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية