في استقبال شهر الإسلام وشهر الطهور:لنطهر قلوبنا من العداوة والبغضاء

في استقبال شهر الإسلام وشهر الطهور:لنطهر قلوبنا من العداوة والبغضاء

في استقبال شهر الإسلام وشهر الطهور:لنطهر قلوبنا من العداوة والبغضاء


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

هذه الجمعة هي آخر جمعة من شهر شعبان، لأننا سنبدأ شهر رمضان ـ بحسب الثبوث الشرعي وفق رأينا الفقهي ـ في يوم الجمعة القادم الذي هو أول أيام شهر رمضان.

شهر الإسلام والطَّهور:

ونحن في هذه الجمعة الشعبانية، نلتقي بما روي عن رسول الله(ص) في الخطبة التي أراد أن يعظ الناس من خلالها ويبيّن لهم كيف يستقبلون شهر رمضان، وكيف يعدّون أنفسهم إعداداً إسلامياً روحياً اجتماعياً، بحيث يدخل الإنسان شهر رمضان وهو يعيش الإسلام كله في عقله وروحه وحركته، لأنَّ هذا الشهر الكريم ـ كما عبّر عنه الإمام علي بن الحسين زين العابدين(ع) في دعائه إذا دخل شهر رمضان _ هو «شهر الإسلام وشهر الطهور»، فأنت في هذا الشهر تغتسل وتتطهّر من كل عناصر الخطيئة في ذاتك، ومن كل قذارة الأخلاق الرديئة في شخصيتك، وفي كل علاقتك ومعاملاتك مع الناس، لتكون إنسان الإسلام الطاهر.

كيف تحدَّث رسول الله(ص)؟ بحسب الرواية، هناك عدة مقاطع للخطبة؛ المقطع الأول يصوّر فيه عظمة هذا الشهر في ما يريد الله أن يفيضه على عباده من البركة في أرزاقهم وأعمارهم، ومن الرحمة في كلِّ أوضاعهم، ومن المغفرة لكل ذنوبهم، ثم يريد الله تعالى أن ينصب للناس مائدة على مدى وجودهم عندما يكونون مؤمنين به، ليتغذَّوا أفضل الغذاء، وليشربوا أفضل الشراب، فهم في ضيافته وأية ضيافة أعظم من ضيافة الله؟! فهو سبحانه الذي خلق النعم الروحية والمادية، وليّ كل نعمة وصاحب كل حسنة ومنتهى كل نعمة، هو وليّ النعمة ولا وليّ غيره لها، لأن كل نعمة نحصل عليها من الناس فإنها مستمدَّة من نعمه وعطائه للنَّاس الآخرين.

شهر البركة والخير:

يقول(ص): «أيها الناس، قد أقبل إليكم شهر رمضان بالبركة ـ التي يبارك الله لكم فيها أعمالكم وأعماركم وأرزاقكم وأوضاعكم، في ما اختزنه هذا الشهر من البركة ـ والرحمة ـ ونحن نعيش رحمة الله من خلال وجودنا، فوجودنا هو رحمة من الله، وكل ما أعطانا إيّاه الله هو رحمة منه. ـ والمغفرة ـ فالله تعالى يغفر في هذا الشهر ما لا يغفره في السنة كلها. ـ شهره هو عند الله أفضل الشهور ـ ففي كلِّ الشهور بركة ينزلها الله على عباده، ولكن البركة في شهر رمضان تتضاعف حتى تغلب كل الشهور ـ وأيامه أفضل الأيّام ـ لأنَّها الأيام التي يعيش فيها الإنسان في رحابة الله؛ في عبادته، وفي صومه وصلاته وورعه عن الحرام ـ ولياليه أفضل الليالي ـ لأنها ليالي المناجاة، حيث يناجي الإنسان ربَّه بالمحبة والعبودية ويسأله كلَّ حاجاته، ليشعر الإنسان في هدأة الليل بالسكينة النازلة عليه من الله ـ وساعاته أفضل الساعات ـ فكل ساعة من ساعات شهر رمضان تعدل شهوراً وأياماً، لأنها تمتلئ برحمة الله وبركته ولطفه وعفوه ـ هو شهرٌ دُعيتم فيه إلى ضيافة الله ـ الله تعالى يبعث لكل واحد منكم بطاقة دعوة، ليست كبقية البطاقات، هي بطاقة قرآنية: {شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدى للناس وبيّنات من الهدى والفرقان}، {يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلَّكم تتّقون}. هذه هي بطاقة الدعوة: تعالوا إليّ يا ضيوفي، وهي ليست من قبيل الأكل والشرب ولكنها ضيافة الرحمة والبركة والمغفرة.

ـ وجُعلتم فيه من أهل كرامته ـ فالله تعالى يسبغ عليكم بالكرامة، وأيّ كرامة أعظم من كرامة الله لك؟ فإذا أكرمك الناس كلهم ولكن الله يحقّرك، فما قيمة ذلك كله؟ أما إذا أكرمك الله وحقّرك كلُّ الناس، فأنت من أهل الكرامة، لأن القضيَّة هي أن الله خالق الكون كله يقول لك تعال إليّ، فأنت في موضع الكرامة عندي، وكرامة الله رضوانه والقرب منه، {يوم لا ينفع مال ولا بنون* إلاّ من أتى الله بقلب سليم}.

التسبيح والعبادة:

ـ أنفاسكم فيه تسبيح ـ تتنفّس لأن التنفَّس هو سرّ حياتك، ولكن الله يحسب لك كل نفس يصعد أو يهبط تسبيحاً، حتى لو لم ينطق بذلك لسانك، لأنك عندما تعيش الإيمان والقرب من الله فإن روحك تسبّح، ولذلك تتحرك كل أعضائك في الداخل والخارج بالتسبيح لله، لأن التسبيح ينطلق من إحساس الإنسان بربّه وخضوعه له بالربوبية، فبعض الناس يسبّحون بلسانهم ولكنَّهم لا يعيشون معناه في أنفسهم ـ ونومكم فيه عبادة ـ تنام ليستريح جسمك، لتستطيع من خلال ذلك أن تستعدَّ للعبادة والقيام بمسؤولياتك في ما حمّلك الله من المسؤوليات في نفسك وأهلك ـ وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب ـ فإذا كان الجوّ كذلك، فما هي الطلبات التي نطلبها من ربنا ـ فاسألوا ربَّكم بنيّات صادقة ـ فلا تكن نيّات سوء وحقد وخبث ـ وقلوب طاهرة ـ طهّروا قلوبكم من العداوة والبغضاء حتى لا تصيبه الذبحة الإيمانية ـ أن يوفقكم لصيامه ـ إذا لم تكن لكم أعذار في ترك الصيام ـ وتلاوة كتابه ـ لأن القرآن هو النور، وعلينا أن نتلو كتابه سبحانه في كلِّ وقت وفي شهر رمضان بالذات، لأنه دستور العقيدة والشريعة والمنهج والعلاقات والمعاملات، ودستور الحرب والسلم، فعلينا أن نقرأه قراءة تدبّر ـ فإنّ الشقيَّ من حُرم غفران الله في هذا الشهر العظيم»، لأن ما يفوته في موسم شهر رمضان، لا يعوضه في خارج هذا الموسم، وشهر رمضان موسم البركة والرحمة.

شهر التواصل والعطاء:

وكذلك فإن هناك الكثير من النَّاس يجوعون ويعطشون، ولا يعتبرون شهر رمضان شهر التُّخمة، فماذا علينا أن نتذكّر؟ يقول(ص): «فاذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه ـ تذكّر في بهذا الجوع جوع يوم القيامة، حتى إذا أخلصت لله فلا تجوع ولا تعطش في ذلك اليوم. ـ وتصدّقوا على فقرائكم ومساكينكم ـ لأن الصدقة تدفع البلاء وتطيل العمر وتداوي المرضى، والله تعالى فرض علينا في أموالنا حقاً معلوماً للسائل والمحروم، وهي غير الخمس والزكاة الذي فرضه الله.

ـ واحفظوا ألسنتكم، ووقّروا كباركم، وارحموا صغاركم ـ لأنه يريد أن تقوم العلاقة بين الجيل القديم والجيل الجديد على أساس الاحترام والوقار، فعلى الجيل الجديد أن يوقّر الجيل القديم الذي سبقه بالإيمان وملك التجربة الأوسع، وعلى الجيل القديم أن يرحم الجيل الجديد، فيتعامل معه برحمة، وبذلك يتبادل الجيلان التجربة المشتركة.

ـ وصلوا أرحامكم ـ شهر رمضان هو شهر التواصل، وهو ما أوصى به الإمام عليّ(ع) عند شهادته، يقول(ع): «وعليكم بالتواصل والتباذل، وإياكم والتدابر والتقاطع»، فصلة الرحم تطيل الأعمار وتعمّر الديار، بينما قطيعة الرحم تقصّر العمر وتجعل الديار بلاقع وخراباً ـ وغضّوا عما لا يحلُّ النظر إليه أبصاركم ـ الله تعالى حرّم على الإنسان أن يمدّ بصره إلى بعض الأشياء: {قل للمؤمنين يغضّوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم... وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنّ ويحفظن فروجهن}.

ـ وعمّا لا يحلُّ الاستماع إليه أسماعكم ـ مما حرّمه الله من غناء اللّغو والميوعة والمجون ـ وتحنّنوا على أيتام الناس يُتحنَّن على أيتامكم ـ ومن الذي سيخلد في الدنيا؟ فإذا تحمّلت مسؤولية الأيتام في حياتك، فإنَّ الله يقدّر لأيتامك من يتحنَّن عليهم ـ وتوبوا إلى الله من ذنوبكم ـ هو شهر التوبة ـ وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلواتكم، فإنها أفضل الساعات، ينظر الله عزّ وجلّ فيها بالرحمة إلى عباده ـ ولا سيّما إذا كانت الصلاة جماعة، لأنّه إذا زادت الجماعة على العشرة، لا يحصي ثوابها إلا الله. ـ يجيبهم إذا ناجوه، ويلبّيهم إذا نادوه، ويستجيب لهم إذا دعوه... فإن الله أقسم بعزته أن لا يعذّب المصلّين والساجدين يوم يقوم الناس لربّ العالمين».

هذا بعض ما جاء في هذه الخطبة الكريمة التي تلخّص مسؤولية الإنسان بين يدي الله، عندما يقف ليستقبل شهر رمضان، حتى يدخل هذا الشهر ويرحّب الله به في ضيافته وكرامته.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله... اتّقوا الله وواجهوا مسؤوليّاتكم عن أنفسكم في ما كلّفكم الله من تكاليف شخصية، وفي عيالكم ممّا أراده الله منكم من مسؤوليات عائلية، وفي أمّتكم ممّا أراده الله منكم من مسؤوليات تتَّصل بالمسلمين جميعاًَ: {إنّ هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربّكم فاعبدون}، لأنّنا لا بد أن نستشعر في أنفسنا أننا جزء من هذه الأمة، لنعيش التحديات التي توجَّه إليها من قبل المستكبرين، فتعالوا لنعرف ماذا هناك:

محاولات إسقاط الإرادة الفلسطينيّة:

ما هو جديد إسرائيل في مشروع وحشية الإبادة للشعب الفلسطيني، في هجومها على شمالي غزة، وفي العمليات المتقطّعة في الضفة الغربية التي أدّت إلى سقوط ما يقارب المائة شهيد ـ بينهم 28 طفلاً ـ وإصابة 400 بجروح... وما زالت تقتل وتجرح وتدمِّر البيوت، وتجرف المزارع، ولكنها لم تستطع حلّ مشكلة صواريخ القسّام بالرغم من ذلك كله...

أما المندوب الأمريكي في مجلس الأمن، فقد استخدم حق النقض "الفيتو" ضد قرار المجلس المطالِب بوقف العمليات الإسرائيلية في القطاع، تأكيداً من أمريكا بأنها لن تسمح للقانون الدولي أن يأخذ مجراه عندما تقترب المسألة من إدانة إسرائيل، بحجة أنها "تدافع عن نفسها" ضدَّ ما يسمّونه الإرهاب الفلسطيني... ولكن المسألة هي أن أمريكا ترى أن إدانة إسرائيل هي إدانة لها، لأنها شريكة إسرائيل في قرار الإبادة، فهما تعملان معاً وتخططان لإسقاط الإرادة الفلسطينية في مسألة التحرير...

وهذا ما أعلنه كبير مستشاري شارون عن اتفاق إسرائيلي ـ أمريكي على شطب إقامة الدولة الفلسطينية عن جدول الأعمال نهائياً، وإبقاء غالبية المستوطنات اليهودية المقامة في أراضي الضفة الغربية المحتلة، بمباركة رئاسية أمريكية، "عندما تجمّد المسيرة السياسية، فإنك تمنع إقامة دولة فلسطينية، وتمنع البحث في قضايا القدس والحدود واللاجئين"، بحسب ما جاء في تصريحه...

وفي هذا الاتجاه للسياسة الإسرائيلية المدعومة أمريكياً، نعرف جميعاً أنه لا أمل للفلسطينيين ـ من وجهتي النظر الأمريكية والإسرائيلية ـ في تقرير المصير في بناء دولتهم، وأن الرئيس الأمريكي وإدارته يتّبعون أسلوب الخداع والنفاق في تصريحاتهم حول الدولة الفلسطينية، ما يفرض على العالمين العربي والإسلامي ـ إذا بقيت فيهما مشاعر الكرامة والإحساس بالوجود السياسي ـ أن يتحركا لمواجهة هذه الصراحة الجديدة للأهداف الصهيونية، وهذا التأييد المطلق للجيش الصهيوني لإبادة الشعب الفلسطيني، ولينظرا إلى الانتفاضة المجاهدة على أنها هي الوسيلة الوحيدة للضغط على العدوّ بتوسيع مأزقه، في حرب متحركة ضاغطة لا تنتهي إلا بالاستقلال...

الفيتّو: دليل العزلة الأمريكيّة:

وإذا أردنا العودة إلى "الفيتو" الأمريكي، فإنه يدلُّ على العزلة السياسية الأمريكية، لأنها لم تحصل على صوت واحد يؤيِّد موقفها، بل إن القرار حصل على 11 صوتاً في مجلس الأمن، وامتناع ثلاثة أصوات أوروبية خضعت للضغط الأمريكي... وإذا كان المندوب الأمريكي يتحدث في تبريره للفيتو بأن القرار يعطّل خارطة السلام، فإننا نرى أن الموقف الأمريكي هو الذي عطّل "عملية السلام" في المنطقة، وأدخلها في حالة حرب متحركة تنتج في كل مرحلة حرباً جديدة، لأن الرئيس بوش هو الشخص الذي يعيش ـ في عنفوانه الذاتي المَرَضي ـ هاجس الحرب المقدّسة التي قد تحرق العالم بشرط أن يبقى رئيساً للولايات المتّحدة الأمريكية...

إنَّ أمريكا تبادر إلى الفيتو عندما يتَّصل الأمر بإسرائيل، ولكنها تبادر إلى إصدار قرار عدواني بشكل سريع عندما يتصل الأمر بسوريا ولبنان، كما في القرار 1559، لأن المطلوب ـ أمريكياً ـ هو إخضاع سوريا ولبنان لمصالح أمريكا السياسية.

ضغوطات أمريكيّة على إيران:

ومن جانبٍ آخر، فإن جديد أمريكا هو التنديد بإيران حول قيامها بتطوير تكنولوجيات صاروخية، ولذلك فإنَّها أسرعت باتّخاذ تدابير لمواجهة ما تسمّيه خطر الصواريخ الإيرانية على الولايات المتّحدة، وذلك من أجل تخويف الرأي العام من إيران، على الطريقة التي خوّفته فيها من أسلحة الدمار الشامل في العراق، مع ظهور كذبها في تقاريرها الاستخبارية...

إن أمريكا التي تهدد إيران، وتدفع حليفتها إسرائيل إلى تهديدها بقصف المفاعل النووي، لا تريد لإيران أن تحصل على أية قوة صاروخية للدفاع عن نفسها، ولا تسمح لها بالحصول على خبرة نووية حتى لو كانت للأغراض السلمية، لأنها تريد أن تكون الأقوى في العالم، وأن تكون إسرائيل الأقوى في المنطقة، وهذا ما لا يقبل به المستضعفون في كلِّ مكان.

العراق: الفوضى الأمنيّة:

أمَّا العراق، فإنَّه لا يزال غارقاً في بحورٍ من الدماء التي يسقط فيها العراقيون بفعل الفوضى الأمنيَّة، من خلال خطَّة الاحتلال الذي يعبث بالواقع العراقي تحت عناوين متنوّعة، الأمر الذي قد يربك الأوضاع العامة فيه، ويفسح في المجال لخلط الأوراق التي تتحرك فيها التعقيدات المذهبيّة والعرقية، في اغتيالات منظّمة من قِبَل قوى حاقدة لا تستحقُّ اسم المقاومة، بالإضافة إلى بروز المسألة الكردية في الدعوة إلى الانفصال وتأسيس دولة كردية مستقلة، الأمر الذي يؤدي إلى خلق أزمة ممتدة من العراق مروراً بتركيا ووصولاً إلى إيران وسوريا، وقد يخلق فتنة في الواقع العراقي من خلال المطالبة بكركوك كبلدٍ كردي، ما يثير نزاعاً بين مواطنيها المتعددي الأعراق...

إننا نخشى على العراق من امتداد الفوضى إلى الجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي، من خلال استمرار الإرباك الأمني، وهذا ما نريد تحذير أهلنا في العراق منه، وندعوهم إلى مواجهته بالحكمة والوحدة والوعي والحذر مما تخطط لـه المخابرات الدولية والإقليمية من هنا وهناك.

باكستان: لمواجهة مشاريع الفتنة:

وفي جانب آخر، نطلُّ على الوضع الدامي في باكستان، من خلال المتفجّرات التي تطاول موقعاً عبادياً إسلامياً شيعياً، هنا وموقعاً عبادياً إسلامياً سنيّاً هناك...

إننا في الوقت الذي نشعر بأن ثمة أيدٍ مخابراتية دولية تعمل على إثارة الفتنة بين السنّة والشيعة في هذا البلد، نعلن استنكارنا وشجبنا الشديد للمجزرة المروّعة التي أودت بحياة أربعين مسلماً في مدينة "مولتان" الباكستانية، بالقوة نفسها التي استنكرنا فيها المجزرة التي استهدفت المصلّين الشيعة قبل حوالي أسبوع... ونريد للسلطات الباكستانية أن تتحمل مسؤولياتها في حماية مواطنيها والقبض على الجناة، كما نريد لعلماء المسلمين ـ من السنّة والشيعة ـ أن يندفعوا سريعاً لمواجهة مشاريع الفتنة التي يُراد لها أن تأكل الأخضر واليابس لحساب القوى المستكبرة التي تريد أن تخرج من مأزقها من خلال هذه الأساليب والجرائم.

لبنان: الظلام الشامل:

أما في لبنان، فإنَّ هناك أكثر من ظلام يلفّه من خلال العتمة الشاملة التي انتشرت فيه بفعل أزمة شركة الكهرباء في أكثر من حالة هدر وفساد متعاقبة مع أكثر من عهد، ما أدى إلى خسارات كبيرة لدى المواطنين على جميع المستويات، كما أدى إلى انقطاع المياه، هذا بالإضافة إلى الأزمات الاقتصادية والمعيشية والتربوية، ولا سيّما مع بداية موسم المدارس...

كل ذلك والساسة يتنازعون في شكل الحكومة بين مقاطعة من هنا، وتجاذبات سياسية معقّدة من هناك، وانتظار لبيان مجلس الأمن ثالثاً، في ضجيج يحجب العقل عن الانفتاح، ويمنع البلد من الاستقرار، ويدفع بالذين يصطادون في الماء العكر إلى إثارة مناخ الفتنة بطريقة وبأخرى...

هذا في الوقت الذي تهتزُّ فيه المنطقة، فأمريكا وإسرائيل تتبادلان إدارة اللعبة في إيجاد وضع يوزّع الاتهامات، ويثير الحساسيات، ويدفع بالبلد إلى الاهتزاز، ويعمل على تعقيد حركة الذين ينطلقون في خط الدعوة للتخطيط للبلد على مستوى المواطنية لا الطائفية...

أيُّها الناس... أيُّها المسؤولون: إن لبنان يهتزُّ في خلافاتكم، والمطلوب كيف ندير هذه الخلافات بالطريقة التي نعرف فيها كيف نحفظ الوطن من مفاعيلها السلبية.

في استقبال شهر الإسلام وشهر الطهور:لنطهر قلوبنا من العداوة والبغضاء


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

هذه الجمعة هي آخر جمعة من شهر شعبان، لأننا سنبدأ شهر رمضان ـ بحسب الثبوث الشرعي وفق رأينا الفقهي ـ في يوم الجمعة القادم الذي هو أول أيام شهر رمضان.

شهر الإسلام والطَّهور:

ونحن في هذه الجمعة الشعبانية، نلتقي بما روي عن رسول الله(ص) في الخطبة التي أراد أن يعظ الناس من خلالها ويبيّن لهم كيف يستقبلون شهر رمضان، وكيف يعدّون أنفسهم إعداداً إسلامياً روحياً اجتماعياً، بحيث يدخل الإنسان شهر رمضان وهو يعيش الإسلام كله في عقله وروحه وحركته، لأنَّ هذا الشهر الكريم ـ كما عبّر عنه الإمام علي بن الحسين زين العابدين(ع) في دعائه إذا دخل شهر رمضان _ هو «شهر الإسلام وشهر الطهور»، فأنت في هذا الشهر تغتسل وتتطهّر من كل عناصر الخطيئة في ذاتك، ومن كل قذارة الأخلاق الرديئة في شخصيتك، وفي كل علاقتك ومعاملاتك مع الناس، لتكون إنسان الإسلام الطاهر.

كيف تحدَّث رسول الله(ص)؟ بحسب الرواية، هناك عدة مقاطع للخطبة؛ المقطع الأول يصوّر فيه عظمة هذا الشهر في ما يريد الله أن يفيضه على عباده من البركة في أرزاقهم وأعمارهم، ومن الرحمة في كلِّ أوضاعهم، ومن المغفرة لكل ذنوبهم، ثم يريد الله تعالى أن ينصب للناس مائدة على مدى وجودهم عندما يكونون مؤمنين به، ليتغذَّوا أفضل الغذاء، وليشربوا أفضل الشراب، فهم في ضيافته وأية ضيافة أعظم من ضيافة الله؟! فهو سبحانه الذي خلق النعم الروحية والمادية، وليّ كل نعمة وصاحب كل حسنة ومنتهى كل نعمة، هو وليّ النعمة ولا وليّ غيره لها، لأن كل نعمة نحصل عليها من الناس فإنها مستمدَّة من نعمه وعطائه للنَّاس الآخرين.

شهر البركة والخير:

يقول(ص): «أيها الناس، قد أقبل إليكم شهر رمضان بالبركة ـ التي يبارك الله لكم فيها أعمالكم وأعماركم وأرزاقكم وأوضاعكم، في ما اختزنه هذا الشهر من البركة ـ والرحمة ـ ونحن نعيش رحمة الله من خلال وجودنا، فوجودنا هو رحمة من الله، وكل ما أعطانا إيّاه الله هو رحمة منه. ـ والمغفرة ـ فالله تعالى يغفر في هذا الشهر ما لا يغفره في السنة كلها. ـ شهره هو عند الله أفضل الشهور ـ ففي كلِّ الشهور بركة ينزلها الله على عباده، ولكن البركة في شهر رمضان تتضاعف حتى تغلب كل الشهور ـ وأيامه أفضل الأيّام ـ لأنَّها الأيام التي يعيش فيها الإنسان في رحابة الله؛ في عبادته، وفي صومه وصلاته وورعه عن الحرام ـ ولياليه أفضل الليالي ـ لأنها ليالي المناجاة، حيث يناجي الإنسان ربَّه بالمحبة والعبودية ويسأله كلَّ حاجاته، ليشعر الإنسان في هدأة الليل بالسكينة النازلة عليه من الله ـ وساعاته أفضل الساعات ـ فكل ساعة من ساعات شهر رمضان تعدل شهوراً وأياماً، لأنها تمتلئ برحمة الله وبركته ولطفه وعفوه ـ هو شهرٌ دُعيتم فيه إلى ضيافة الله ـ الله تعالى يبعث لكل واحد منكم بطاقة دعوة، ليست كبقية البطاقات، هي بطاقة قرآنية: {شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدى للناس وبيّنات من الهدى والفرقان}، {يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلَّكم تتّقون}. هذه هي بطاقة الدعوة: تعالوا إليّ يا ضيوفي، وهي ليست من قبيل الأكل والشرب ولكنها ضيافة الرحمة والبركة والمغفرة.

ـ وجُعلتم فيه من أهل كرامته ـ فالله تعالى يسبغ عليكم بالكرامة، وأيّ كرامة أعظم من كرامة الله لك؟ فإذا أكرمك الناس كلهم ولكن الله يحقّرك، فما قيمة ذلك كله؟ أما إذا أكرمك الله وحقّرك كلُّ الناس، فأنت من أهل الكرامة، لأن القضيَّة هي أن الله خالق الكون كله يقول لك تعال إليّ، فأنت في موضع الكرامة عندي، وكرامة الله رضوانه والقرب منه، {يوم لا ينفع مال ولا بنون* إلاّ من أتى الله بقلب سليم}.

التسبيح والعبادة:

ـ أنفاسكم فيه تسبيح ـ تتنفّس لأن التنفَّس هو سرّ حياتك، ولكن الله يحسب لك كل نفس يصعد أو يهبط تسبيحاً، حتى لو لم ينطق بذلك لسانك، لأنك عندما تعيش الإيمان والقرب من الله فإن روحك تسبّح، ولذلك تتحرك كل أعضائك في الداخل والخارج بالتسبيح لله، لأن التسبيح ينطلق من إحساس الإنسان بربّه وخضوعه له بالربوبية، فبعض الناس يسبّحون بلسانهم ولكنَّهم لا يعيشون معناه في أنفسهم ـ ونومكم فيه عبادة ـ تنام ليستريح جسمك، لتستطيع من خلال ذلك أن تستعدَّ للعبادة والقيام بمسؤولياتك في ما حمّلك الله من المسؤوليات في نفسك وأهلك ـ وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب ـ فإذا كان الجوّ كذلك، فما هي الطلبات التي نطلبها من ربنا ـ فاسألوا ربَّكم بنيّات صادقة ـ فلا تكن نيّات سوء وحقد وخبث ـ وقلوب طاهرة ـ طهّروا قلوبكم من العداوة والبغضاء حتى لا تصيبه الذبحة الإيمانية ـ أن يوفقكم لصيامه ـ إذا لم تكن لكم أعذار في ترك الصيام ـ وتلاوة كتابه ـ لأن القرآن هو النور، وعلينا أن نتلو كتابه سبحانه في كلِّ وقت وفي شهر رمضان بالذات، لأنه دستور العقيدة والشريعة والمنهج والعلاقات والمعاملات، ودستور الحرب والسلم، فعلينا أن نقرأه قراءة تدبّر ـ فإنّ الشقيَّ من حُرم غفران الله في هذا الشهر العظيم»، لأن ما يفوته في موسم شهر رمضان، لا يعوضه في خارج هذا الموسم، وشهر رمضان موسم البركة والرحمة.

شهر التواصل والعطاء:

وكذلك فإن هناك الكثير من النَّاس يجوعون ويعطشون، ولا يعتبرون شهر رمضان شهر التُّخمة، فماذا علينا أن نتذكّر؟ يقول(ص): «فاذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه ـ تذكّر في بهذا الجوع جوع يوم القيامة، حتى إذا أخلصت لله فلا تجوع ولا تعطش في ذلك اليوم. ـ وتصدّقوا على فقرائكم ومساكينكم ـ لأن الصدقة تدفع البلاء وتطيل العمر وتداوي المرضى، والله تعالى فرض علينا في أموالنا حقاً معلوماً للسائل والمحروم، وهي غير الخمس والزكاة الذي فرضه الله.

ـ واحفظوا ألسنتكم، ووقّروا كباركم، وارحموا صغاركم ـ لأنه يريد أن تقوم العلاقة بين الجيل القديم والجيل الجديد على أساس الاحترام والوقار، فعلى الجيل الجديد أن يوقّر الجيل القديم الذي سبقه بالإيمان وملك التجربة الأوسع، وعلى الجيل القديم أن يرحم الجيل الجديد، فيتعامل معه برحمة، وبذلك يتبادل الجيلان التجربة المشتركة.

ـ وصلوا أرحامكم ـ شهر رمضان هو شهر التواصل، وهو ما أوصى به الإمام عليّ(ع) عند شهادته، يقول(ع): «وعليكم بالتواصل والتباذل، وإياكم والتدابر والتقاطع»، فصلة الرحم تطيل الأعمار وتعمّر الديار، بينما قطيعة الرحم تقصّر العمر وتجعل الديار بلاقع وخراباً ـ وغضّوا عما لا يحلُّ النظر إليه أبصاركم ـ الله تعالى حرّم على الإنسان أن يمدّ بصره إلى بعض الأشياء: {قل للمؤمنين يغضّوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم... وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنّ ويحفظن فروجهن}.

ـ وعمّا لا يحلُّ الاستماع إليه أسماعكم ـ مما حرّمه الله من غناء اللّغو والميوعة والمجون ـ وتحنّنوا على أيتام الناس يُتحنَّن على أيتامكم ـ ومن الذي سيخلد في الدنيا؟ فإذا تحمّلت مسؤولية الأيتام في حياتك، فإنَّ الله يقدّر لأيتامك من يتحنَّن عليهم ـ وتوبوا إلى الله من ذنوبكم ـ هو شهر التوبة ـ وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلواتكم، فإنها أفضل الساعات، ينظر الله عزّ وجلّ فيها بالرحمة إلى عباده ـ ولا سيّما إذا كانت الصلاة جماعة، لأنّه إذا زادت الجماعة على العشرة، لا يحصي ثوابها إلا الله. ـ يجيبهم إذا ناجوه، ويلبّيهم إذا نادوه، ويستجيب لهم إذا دعوه... فإن الله أقسم بعزته أن لا يعذّب المصلّين والساجدين يوم يقوم الناس لربّ العالمين».

هذا بعض ما جاء في هذه الخطبة الكريمة التي تلخّص مسؤولية الإنسان بين يدي الله، عندما يقف ليستقبل شهر رمضان، حتى يدخل هذا الشهر ويرحّب الله به في ضيافته وكرامته.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله... اتّقوا الله وواجهوا مسؤوليّاتكم عن أنفسكم في ما كلّفكم الله من تكاليف شخصية، وفي عيالكم ممّا أراده الله منكم من مسؤوليات عائلية، وفي أمّتكم ممّا أراده الله منكم من مسؤوليات تتَّصل بالمسلمين جميعاًَ: {إنّ هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربّكم فاعبدون}، لأنّنا لا بد أن نستشعر في أنفسنا أننا جزء من هذه الأمة، لنعيش التحديات التي توجَّه إليها من قبل المستكبرين، فتعالوا لنعرف ماذا هناك:

محاولات إسقاط الإرادة الفلسطينيّة:

ما هو جديد إسرائيل في مشروع وحشية الإبادة للشعب الفلسطيني، في هجومها على شمالي غزة، وفي العمليات المتقطّعة في الضفة الغربية التي أدّت إلى سقوط ما يقارب المائة شهيد ـ بينهم 28 طفلاً ـ وإصابة 400 بجروح... وما زالت تقتل وتجرح وتدمِّر البيوت، وتجرف المزارع، ولكنها لم تستطع حلّ مشكلة صواريخ القسّام بالرغم من ذلك كله...

أما المندوب الأمريكي في مجلس الأمن، فقد استخدم حق النقض "الفيتو" ضد قرار المجلس المطالِب بوقف العمليات الإسرائيلية في القطاع، تأكيداً من أمريكا بأنها لن تسمح للقانون الدولي أن يأخذ مجراه عندما تقترب المسألة من إدانة إسرائيل، بحجة أنها "تدافع عن نفسها" ضدَّ ما يسمّونه الإرهاب الفلسطيني... ولكن المسألة هي أن أمريكا ترى أن إدانة إسرائيل هي إدانة لها، لأنها شريكة إسرائيل في قرار الإبادة، فهما تعملان معاً وتخططان لإسقاط الإرادة الفلسطينية في مسألة التحرير...

وهذا ما أعلنه كبير مستشاري شارون عن اتفاق إسرائيلي ـ أمريكي على شطب إقامة الدولة الفلسطينية عن جدول الأعمال نهائياً، وإبقاء غالبية المستوطنات اليهودية المقامة في أراضي الضفة الغربية المحتلة، بمباركة رئاسية أمريكية، "عندما تجمّد المسيرة السياسية، فإنك تمنع إقامة دولة فلسطينية، وتمنع البحث في قضايا القدس والحدود واللاجئين"، بحسب ما جاء في تصريحه...

وفي هذا الاتجاه للسياسة الإسرائيلية المدعومة أمريكياً، نعرف جميعاً أنه لا أمل للفلسطينيين ـ من وجهتي النظر الأمريكية والإسرائيلية ـ في تقرير المصير في بناء دولتهم، وأن الرئيس الأمريكي وإدارته يتّبعون أسلوب الخداع والنفاق في تصريحاتهم حول الدولة الفلسطينية، ما يفرض على العالمين العربي والإسلامي ـ إذا بقيت فيهما مشاعر الكرامة والإحساس بالوجود السياسي ـ أن يتحركا لمواجهة هذه الصراحة الجديدة للأهداف الصهيونية، وهذا التأييد المطلق للجيش الصهيوني لإبادة الشعب الفلسطيني، ولينظرا إلى الانتفاضة المجاهدة على أنها هي الوسيلة الوحيدة للضغط على العدوّ بتوسيع مأزقه، في حرب متحركة ضاغطة لا تنتهي إلا بالاستقلال...

الفيتّو: دليل العزلة الأمريكيّة:

وإذا أردنا العودة إلى "الفيتو" الأمريكي، فإنه يدلُّ على العزلة السياسية الأمريكية، لأنها لم تحصل على صوت واحد يؤيِّد موقفها، بل إن القرار حصل على 11 صوتاً في مجلس الأمن، وامتناع ثلاثة أصوات أوروبية خضعت للضغط الأمريكي... وإذا كان المندوب الأمريكي يتحدث في تبريره للفيتو بأن القرار يعطّل خارطة السلام، فإننا نرى أن الموقف الأمريكي هو الذي عطّل "عملية السلام" في المنطقة، وأدخلها في حالة حرب متحركة تنتج في كل مرحلة حرباً جديدة، لأن الرئيس بوش هو الشخص الذي يعيش ـ في عنفوانه الذاتي المَرَضي ـ هاجس الحرب المقدّسة التي قد تحرق العالم بشرط أن يبقى رئيساً للولايات المتّحدة الأمريكية...

إنَّ أمريكا تبادر إلى الفيتو عندما يتَّصل الأمر بإسرائيل، ولكنها تبادر إلى إصدار قرار عدواني بشكل سريع عندما يتصل الأمر بسوريا ولبنان، كما في القرار 1559، لأن المطلوب ـ أمريكياً ـ هو إخضاع سوريا ولبنان لمصالح أمريكا السياسية.

ضغوطات أمريكيّة على إيران:

ومن جانبٍ آخر، فإن جديد أمريكا هو التنديد بإيران حول قيامها بتطوير تكنولوجيات صاروخية، ولذلك فإنَّها أسرعت باتّخاذ تدابير لمواجهة ما تسمّيه خطر الصواريخ الإيرانية على الولايات المتّحدة، وذلك من أجل تخويف الرأي العام من إيران، على الطريقة التي خوّفته فيها من أسلحة الدمار الشامل في العراق، مع ظهور كذبها في تقاريرها الاستخبارية...

إن أمريكا التي تهدد إيران، وتدفع حليفتها إسرائيل إلى تهديدها بقصف المفاعل النووي، لا تريد لإيران أن تحصل على أية قوة صاروخية للدفاع عن نفسها، ولا تسمح لها بالحصول على خبرة نووية حتى لو كانت للأغراض السلمية، لأنها تريد أن تكون الأقوى في العالم، وأن تكون إسرائيل الأقوى في المنطقة، وهذا ما لا يقبل به المستضعفون في كلِّ مكان.

العراق: الفوضى الأمنيّة:

أمَّا العراق، فإنَّه لا يزال غارقاً في بحورٍ من الدماء التي يسقط فيها العراقيون بفعل الفوضى الأمنيَّة، من خلال خطَّة الاحتلال الذي يعبث بالواقع العراقي تحت عناوين متنوّعة، الأمر الذي قد يربك الأوضاع العامة فيه، ويفسح في المجال لخلط الأوراق التي تتحرك فيها التعقيدات المذهبيّة والعرقية، في اغتيالات منظّمة من قِبَل قوى حاقدة لا تستحقُّ اسم المقاومة، بالإضافة إلى بروز المسألة الكردية في الدعوة إلى الانفصال وتأسيس دولة كردية مستقلة، الأمر الذي يؤدي إلى خلق أزمة ممتدة من العراق مروراً بتركيا ووصولاً إلى إيران وسوريا، وقد يخلق فتنة في الواقع العراقي من خلال المطالبة بكركوك كبلدٍ كردي، ما يثير نزاعاً بين مواطنيها المتعددي الأعراق...

إننا نخشى على العراق من امتداد الفوضى إلى الجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي، من خلال استمرار الإرباك الأمني، وهذا ما نريد تحذير أهلنا في العراق منه، وندعوهم إلى مواجهته بالحكمة والوحدة والوعي والحذر مما تخطط لـه المخابرات الدولية والإقليمية من هنا وهناك.

باكستان: لمواجهة مشاريع الفتنة:

وفي جانب آخر، نطلُّ على الوضع الدامي في باكستان، من خلال المتفجّرات التي تطاول موقعاً عبادياً إسلامياً شيعياً، هنا وموقعاً عبادياً إسلامياً سنيّاً هناك...

إننا في الوقت الذي نشعر بأن ثمة أيدٍ مخابراتية دولية تعمل على إثارة الفتنة بين السنّة والشيعة في هذا البلد، نعلن استنكارنا وشجبنا الشديد للمجزرة المروّعة التي أودت بحياة أربعين مسلماً في مدينة "مولتان" الباكستانية، بالقوة نفسها التي استنكرنا فيها المجزرة التي استهدفت المصلّين الشيعة قبل حوالي أسبوع... ونريد للسلطات الباكستانية أن تتحمل مسؤولياتها في حماية مواطنيها والقبض على الجناة، كما نريد لعلماء المسلمين ـ من السنّة والشيعة ـ أن يندفعوا سريعاً لمواجهة مشاريع الفتنة التي يُراد لها أن تأكل الأخضر واليابس لحساب القوى المستكبرة التي تريد أن تخرج من مأزقها من خلال هذه الأساليب والجرائم.

لبنان: الظلام الشامل:

أما في لبنان، فإنَّ هناك أكثر من ظلام يلفّه من خلال العتمة الشاملة التي انتشرت فيه بفعل أزمة شركة الكهرباء في أكثر من حالة هدر وفساد متعاقبة مع أكثر من عهد، ما أدى إلى خسارات كبيرة لدى المواطنين على جميع المستويات، كما أدى إلى انقطاع المياه، هذا بالإضافة إلى الأزمات الاقتصادية والمعيشية والتربوية، ولا سيّما مع بداية موسم المدارس...

كل ذلك والساسة يتنازعون في شكل الحكومة بين مقاطعة من هنا، وتجاذبات سياسية معقّدة من هناك، وانتظار لبيان مجلس الأمن ثالثاً، في ضجيج يحجب العقل عن الانفتاح، ويمنع البلد من الاستقرار، ويدفع بالذين يصطادون في الماء العكر إلى إثارة مناخ الفتنة بطريقة وبأخرى...

هذا في الوقت الذي تهتزُّ فيه المنطقة، فأمريكا وإسرائيل تتبادلان إدارة اللعبة في إيجاد وضع يوزّع الاتهامات، ويثير الحساسيات، ويدفع بالبلد إلى الاهتزاز، ويعمل على تعقيد حركة الذين ينطلقون في خط الدعوة للتخطيط للبلد على مستوى المواطنية لا الطائفية...

أيُّها الناس... أيُّها المسؤولون: إن لبنان يهتزُّ في خلافاتكم، والمطلوب كيف ندير هذه الخلافات بالطريقة التي نعرف فيها كيف نحفظ الوطن من مفاعيلها السلبية.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية