من صور الإسلام المشرقة: الالتزام بالعقود والعهود

من صور الإسلام المشرقة: الالتزام بالعقود والعهود

من صور الإسلام المشرقة: الالتزام بالعقود والعهود


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود}، ويقول سبحانه: {وأوفوا بالعهد إنَّ العهد كان مسؤولاً}، ويتحدث تعالى عن الذين هم في رضوان الله ومواقع القرب منه: {والموفون بعهدهم إذا عاهدوا}، ويقول تعالى: {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً إن الله يعلم ما تفعلون* ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً}.

الالتزام بالعقود والعهود

في هذه الآيات الكريمة، يتحدث الله تعالى عن الرابطة التي تربط الناس ببعضهم البعض في قضاياهم المالية والسياسية والعائلية والاجتماعية. إنّ كل إنسان حرّ في ما يفعل، لأن الله تعالى خلقه حراً ولم يسلّط عليه أحداً في اختياراته التي يختارها في أعماله وأقواله ومعاملاته، فما الذي يقيّد إنساناً بإنسان في الحياة العامة على مستوى العلاقات الإلزامية بين الناس؟ إن الذي يربط الناس بعضهم ببعض هي التزاماتهم وعقودهم وعهودهم، فأنت حر في ما تقوم به حتى تدخل في عقد مع الإنسان الآخر، أو في معاهدة مع الشخص الآخر أو الفريق الآخر أو الدولة الأخرى.

فمثلاً في الحياة الزوجية، المرأة حرة في حياتها والرجل كذلك قبل أن يحدث عقد الزواج، باعتبار أنه ليس هناك أي علاقة بينهما تلزم أحدهما بالآخر، ولكن إذا حدث عقد الزواج ارتبط كل واحد منهما بالآخر، فأصبح للرجل حق على المرأة في ما جعله الله من حق أو في ما فرضه على نفسه بالعقد من حق، وهكذا بالنسبة إلى المرأة. وقد عبّر الله تعالى عن عقد الزواج بأنه "ميثاق غليظ"، وهو من أشد المواثيق، ولذلك على الرجل أن يفي بكل التزاماته التي يفرضها عقد الزواج، والمرأة كذلك.

وهكذا بالنسبة إلى كل الالتزامات العقدية التي يلتزمها الناس بعضهم مع بعض، في المعاملات في عمليات البيع والشراء فالإنسان عندما يبيع ماله لشخص ما أو يشتري مالاً منه، فإن عليه أن يلتزم بكل حرف في عقد البيع وعقد الشراء، مهما كانت الظروف، وعند الفقهاء أن البيع يوجب الالتزام بالكلمة، فعندما يقول لك: بعتك بكذا وكذا، وقلت أنت: قبلت، من دون أن تكتبوا وثيقةً، فلا يجوز لك أن تتراجع شرعاً إلا إذا كان هناك عيب أو غبن يوجب فسخ المعاملة، أما أن يدفع لك شخص آخر أكثر من السعر الذي بعت به، فلا يجوز لك أن تنقض هذا البيع الذي تمّ ولو بالكلمة، أما التسجيل والتوقيع فإنه ليس إنشاءً للبيع بل هو توثيق له، وإذا ما تصرّفت بما بعته فإنك تكون غاصباً، لذلك عليك أن تفي بالعقد فتلتزم بكل التزاماته.

المؤمنون عند شروطهم

وفي حديث عن النبي(ص): "المؤمنون عند شروطهم"، ويقول(ص): "المسلمون عند شروطهم، إلا شرطاً أحلّ حراماً أو حرّم حلالاً".. فإذا اشترطت على نفسك شرطاً فإن عليك أن تلتزم به، وهكذا في قضايا الإيجار والمضاربة وغيرها. وبعبارة أخرى، فإن كلامك يقيّدك، وعن عليّ (ع) أنه قال: "الكلام في وثاقك ما لم تتكلّم به، فإذا تكلمت به صرت في وثاقه"، فعند العقد أو العهد، فإن الكلام يقيّدك ويحاصرك، والذي يحترم دينه لا بد أن يحترم كلمته، وقد مثّل الله تعالى هؤلاء الذين ينقضون عهودهم بالتي {نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً}، وهو مثل عن امرأة في الجاهلية كانت مخبولة، فكانت تغزل الشعر حتى تكمله ويشتدّ، ثم بعد ذلك ـ وبلا مناسبة ـ تنقض غزلها، وهو مثل للذين يلتزمون بعقودهم مع الآخرين ثم ينقضونها، فمثلهم كمثل تلك المرأة التي لا عقل لها، فكل من نقض عقده أو عهده، ففيه خبل بالمعنى العملي.

تصوّروا مجتمعاً لا يلتزم بعقوده والتزاماته، مثلاً في عقود الزواج، قد يعقد الإنسان عقداً من دون أن يسجّله، وهذا ما قد يحصل، ولا سيما في العقود المؤقتة التي قد يخدع فيها الشاب الفتاة، لأنه لا يلتزم بتبعات العقد، خاصة إذا أنتج هذا العقد ولداً. صحيح أن النبي(ص) شرّع العقد المؤقَّت واستمر هذا الزواج بحسب مذهب أهل البيت(ع)، ولكنّ لهذا الزواج التزامات ونظاماً، وهذا ما كنت أحذّر منه، لأن هناك خديعة ومشاكل تحصل نتيجة أن الكثير من الشباب لا يلتزمون بتفاصيله، وهذه المسألة تخلق لنا سلبيات كثيرة، فأنت عندما تتزوّج امرأة ـ دائماً أو منقطعاً ـ فإن من بين التزامات عقد الزواج أن تعترف بالولد الناتج عن هذا العقد، لا أن تذهب بزوجتك إلى الطبيب لإجهاضها، وهو محرّم شرعاً بمجرد انعقاد النطفة، لأن البعض يستسهل هذه المسألة، فهو بمثابة القتل حتى لو كان الجنين مشوّهاً. نعم، إذا وصل الحمل إلى حد الضرر فوق العادة من ناحية صحية ـ قبل نفخ الروح ـ أو إلى حد الخطر على الحياة، فرأي بعض العلماء أنه "يُنتظر أمر الله"، أما رأي البعض الآخر ـ وهو ما نراه ـ أنه يجوز الإجهاض قبل نفخ الروح في هذه الحالة فقط.

الوفاء بالعهد للبر والفاجر

وعن عليّ (ع) يقول: "إن العهود قلائد في الأعناق إلى يوم القيامة، فمن وصلها ـ التزم بها ـ وصله الله، ومن نقضها خذله الله، ومن استخفّ بها خاصمته إلى الذي أكدها وأخذ خلقه بحفظها"، وفي كلمة له (ع): "ثلاث لم يجعل الله عزّ وجلّ لأحد فيهن رخصة ـ من بينها ـ الوفاء بالعهد للبر والفاجر". وكان من وصيته لمالك الأشتر (رضوان الله عليه) عندما ولاّه على مصر قوله(ع): "وإن عقدت بينك وبين عدوّك عقدة أو ألبسته منك ذمة ـ جعلته في ذمتك وأعطيته الأمان ـ فحط عهدك بالوفاء، وارعَ ذمتك بالأمانة، واجعل نفسك جنّة دون ما أعطيت، فإنه ليس من فرائض الله سبحانه وتعالى شيء الناس أشد عليه اجتماعاً مع تفرّق أهوائهم وتشتت آرائهم من تعظيم الوفاء بالعقود".

وعن النبي(ص): "ألا من ظلم معاهداً ـ وهو الذي يدخل في عهد المسلمين ـ أو انتقصه، أو كلّفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس منه، فأنا حجيجه يوم القيامة". وهذه نوجهها لكل الناس الذين يبيحون مال غير المسلم، ويقول(ص) لكل الذين يصومون ويصلّون ويحجّون ولا يفون بعهودهم: "لا دين لمن لا عهد له".

هذا هو الإسلام الذي يربِّي الإنسان على الإيمان بالله ورسوله ورسالاته، والذي يفرض عليك أن تلتزم بكل عهد تعاهده، وبكل عقد تعقده. هذا هو الإسلام في بعده الإنساني الحضاري. فلنكن صورة مشرقة للإسلام، لنكون كما قال الإمام الصادق(ع): "كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم ليروا منكم الصدق والخير والورع".

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله وواجهوا مسؤولياتكم في مجتمعاتكم كلها، في الوفاء بالعقد والعهد، والوفاء لله تعالى بكل ما كلّفنا به في كل أوضاعنا العامة والخاصة، وانطلقوا في الحياة على أساس أن تكونوا الأمة الواحدة التي تعتصم بحبل الله وتبتعد عن الفرقة وتعيش فيما بينها على أساس الأخوة الإيمانية، ولا بد لهذه الأخوّة التي عقدها الله أن تكون ثابتة يفي فيها المؤمن للمؤمن في كل أموره وقضاياه ومواجهة التحديات الكبرى، حتى يكون المسلمون، كما أرادهم الله، أمةً واحدةً وجسداً واحداً. وها نحن نعيش في عالم ملتهب يتحرك فيه الناس ـ سواء في الواقع الإسلامي أو في غيره ـ بما لا يجوز لهم من كل العمليات التي يقتل فيها الناس بعضهم بعضاً، ويعتدي فيها بعضهم على بعض، فلنفهم ماذا هناك ونقرر ماذا نفعل:

أمريكا تخلق مناخ الإرهاب

أيّ عالم هو هذا العالم الذي فجّره المستكبرون ضد المستضعفين، ولا سيما الإدارة الأمريكية التي أعلنت أنها تعمل على تغيير الشرق الأوسط لتجعله على صورة مصالحها في المنطقة، في حروب استباقية ـ بحسب تعبير الرئيس الأمريكي ـ تحوّلت إلى حروب عدوانية لتدمير مصالح المنطقة لحساب مصالحها، الأمر الذي جعلها تغرق في الرمال المتحرّكة العراقية والأفغانية، لتخلق فيها مناخ الإرهاب الذي تمارسه في قتل النساء والشيوخ والأطفال، وفي تدمير البيوت تحت عنوان الحرب ضد ما تسمّيه الإرهاب، وفي القصف العشوائي المجنون الذي تمارسه لحماية جنودها الذين أصبحوا هدفاً لأكثر من مقاومة..

وقد أدّى هذا الوضع إلى ما يشبه الفوضى الأمنية المتمثّلة في خطف الأبرياء ـ حتى الأطفال ـ للابتزاز المالي أو لبعض العناوين السياسية، مما استخدم فيه الخاطفون عنوان الإسلام الذي هو بريء من ذلك كله، لأنه يرفض ـ في شريعته ـ كل هذه الأساليب التي تشوّه صورته وتثير الحقد ضده، كما في قتل النيباليين الاثني عشر الذين قتلهم الخاطفون في العراق دون أيّ ذنب، ليكون ردّ الفعل الهجوم على المسجد الكبير وعلى القرآن وعلى المسلمين وعلى مؤسسات الدول الإسلامية... وهكذا، تتوالى عمليات الخطف للأطفال العراقيين لمقايضتهم بالمال الذي يُفرض على أهلهم.. ثم في خطف الصحفيين واغتيال بعض الشخصيات لدواعٍ مذهبية لإثارة الفتنة.

وإذا ابتعدنا عن العراق، فإننا نلتقي في جنوب روسيا باحتجاز الأطفال في مدرستهم للوصول إلى بعض الشروط في إطلاق بعض المعتقلين، والتهديد بقتل الرهائن... إننا نرفض هذا الوضع الوحشي الذي يُختطف فيه الإنسان البريء أو يُحتجز أو يُقتل في بعض المواقع الإسلامية، ونؤكد بأن هذه الأعمال محرّمة شكلاً ومضموناً، وأنها في مستوى الجريمة الكبيرة، وندعو الأمة كلها إلى الضغط على القائمين بها بكل قوة على أساس المسؤولية الشرعية.

العدو: إخفاق في مواجهة المجاهدين

ومن جانب آخر، فإن العنف الصهيوني اليومي في الاجتياحات والاغتيالات والاعتقالات من قِبَل حكومة العدو في فلسطين، لا تزال تجتذب عنفاً فلسطينياً، مع الفارق بين العنف الصهيوني العدواني والعنف الفلسطيني التحريري، من منطق الفعل من أجل الضغط على المحتل لينسحب من الأرض، وردّ الفعل من أجل الثأر السياسي والجهادي للمجاهدين الذين اغتالهم العدو...

وإذا كان الاستكبار العالمي ـ وفي مقدّمته أمريكا وأوروبا ـ يستنكر العمليتين الاستشهاديتين في بئر السبع، فإنه لم يستنكر ما تقوم به قوات الجيش الصهيوني من تدمير الإنسان والشجر والحجر، ما يدفع بكل فلسطيني إلى ما يشبه اليأس من أيّ حل لمشكلته إلا بالقنبلة البشرية التي تستهدف المدنيين في مقابل استهداف العدو للمدنيين الفلسطينيين...

إن البعض يتحدث عن "العمل اللاأخلاقي" في العمليات الاستشهادية التي تطال المدنيين لدى العدو، ولكنهم لا يدرسون المسألة في نطاق الطريق المسدود الذي أغلقه العدو عن كل أمل في المستقبل في حربه المفروضة على الشعب الفلسطيني.. ومن الطريف أن العدو ـ في ردّ فعله ـ يهدّد سوريا بالعدوان، لأن قيادات "حماس" فيها هي التي كانت وراء العمليتين، بحسب زعمه. إن ذلك يدلّ على فشله في مواجهة المجاهدين في داخل فلسطين، الذين يخوضون معه منذ سنين حرباً شرسة أدخلته في أكثر من مأزق... إنه الهروب إلى الأمام في تحريكه المشكلة خارج الحدود لعجزه عن حلها في الداخل..

أما أمريكا، فإنها تريد خلق فتنة فلسطينية ـ فلسطينية بدعوتها السلطة الفلسطينية إلى قتال المجاهدين لتحقيق الانتصار الشاروني على الانتفاضة، وهي خطة لا يمكن القبول بها من الشعب الفلسطيني الذي نريده قوياً في وحدته الوطنية أمام التحديات الكبرى، وفي الانتفاضة في حركة الأسرى، وفي مواجهة المجاهدين للعدو.

أما العراق، فإننا نريد له بفعل الطليعة المخلصة التي لم تخضع للاحتلال، أن يعمل على أساس إيجاد قاعدة شعبية واسعة موحَّدة بعيداً عن الطائفية والمذهبية والعرقية، وتأكيد المقاومة للمحتل، حتى لا تبقى له فرصة في البقاء طويلاً هناك، ليكون المستقبل عراقياً حراً لا أمريكياً، لأن ذلك هو طريق الخلاص للشعب... وعلى العراقيين أن يقفوا وقفة مسؤولة ضد كل الذين يشوّهون صورة العراق بعمليات الخطف والقتل بكل ألوانها وأوضاعها، لأن ذلك سوف يطيل أمد الاحتلال.

لبنان: غيرة أمريكية ـ فرنسية مفاجئة!!

أما لبنان، فلا ندري سبب هذه الغيرة الأمريكية ـ الفرنسية عليه؟ هل لأنهما تؤمنان بالحرية ليطلبا من مجلس الأمن إصدار قرار يطالب بانسحاب القوات السورية دون تأخير، وبنزع سلاح المقاومة الإسلامية، ودعمه لإجراء الانتخابات الرئاسية من دون ضغط خارجي؟؟

وإننا ـ أمام ذلك ـ نتساءل: لماذا لا يطلبان من مجلس الأمن إصدار قرار بانسحاب إسرائيل من الجولان ومزارع شبعا وأراضي الضفة الغربية وغزة من دون تأخير؟ ولماذا لا يُسمح للشرعية الدولية في قرارات مجلس الأمن أن تطبّق على إسرائيل؟ ولماذا تعتبر أمريكا أن أيّ قرار يتعلق بإدانة إسرائيل على احتلالها معطِّلاً للتسوية، ولا تعتبر القرارات المتعلقة بمحاسبة سوريا والضغط عليها معطِّلة للتسوية أيضاً، أم أن ما يجوز لإسرائيل لا يجوز لغيرها؟ ثم، لماذا لا يدعو مجلس الأمن لبنان الرسمي إلى تقديم وجهة نظره حول موضوع حيوي يتصل بطبيعة العلاقات السورية ـ اللبنانية، ولا سيما أن هناك اتفاقاً بينهما حول أكثر الموضوعات، أم أن أمريكا وفرنسا لا تعترفان بالدولة اللبنانية؟؟

ثم، إن هناك سؤالاً يتصل بما قد يصدره مجلس النواب، وما أصدره مجلس الوزراء، ويوجَّه إلى الداخل والخارج: هل إن الموافقين على القرار خائنون لوطنهم وخاضعون للخارج ولا رأي لهم، ليبقى المعارضون هم المخلصين؟ وماذا لو كان الاستحقاق أمريكياً أو فرنسياً، فهل تثور الضجة كما هي الآن؟ ولماذا يُعتبر التدخّل الأمريكي في أمر لبنان مطلوباً ومنسجماً مع الحرية والاستقلال؟!

نريد للبنان الاستقلال

إننا نريد للبنان الاستقلال ولا نريد له التطلّع دائماً إلى الخارج، ولكن المشكلة هي أن التربية السياسية تتحرك في مرحلة إلى اليمين وفي مرحلة إلى اليسار، تحت شعارات فضفاضة تتصل بالدوائر المغلقة لا بالأفق الواسع، حتى إننا جعلنا الشعب يدمن الأشخاص والطائفية أكثر مما ينفتح على القضايا الكبرى، وجعلنا الانتخابات لعبة أكثر منها مسؤولية للناخب والمرشح، بحيث تضمن للبلد استقلاله وحريته، وأثرنا الجدل في قانون الانتخاب بالرغم من أن الأكثرية أو الجميع لا توافق على القانون الحالي.. ثم، لماذا هذه اللغة التي لا زال البعض يدمنها بالتخوين والاستزلام، وعلينا أن نتذكّر الكلمة الرائدة: "من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر"...

إننا لا نريد التحدث عن سلبية مطلقة أو إيجابية مطلقة، لأن الأمور نسبية في عالم المحدود، ولكن علينا أن ننظر إلى الرياح الهوجاء القادمة إلينا في أفق المنطقة من الخارج الدولي الذي يريد مصادرة الواقع السياسي والاقتصادي والأمني لحساب مصالحه، ويتركنا نتجادل في أكثر الوسائل بعداً عن الواقع...

إن الحوار الموضوعي العقلاني والاعتراف بالآخر هما اللذان يحدّدان للبلد خياره في الاستقلال وصناعة المستقبل، هذا بالإضافة إلى أن على اللبنانيين أن يعرفوا أن الحرية لا تأتي من الخارج بل من الداخل، فلنكن أحراراً في الفكرة والحركة والموقف، ولكن في دائرة الواقعية التي لا تبتعد عن الثوابت، ولا تهدِّم الهيكل على رؤوس الجميع..

إن المشكلة هي أن المسألة تتمثّل في موقف أمريكا من سوريا في عملية ضغط متحرك، ومحاولة الإدارة الأمريكية استخدام لبنان كورقة في يدها لتحقيق أكثر من عنصر يفصل المسار اللبناني ـ السوري. فلنحاور سوريا في قضية الحرية ولنحدد الموقف: هل نحن مع لبنان الورقة الأمريكية، أم نحن مع لبنان الكيان الذي يركّز علاقاته العربية على أساس قضايا المصير المشترك؟

من صور الإسلام المشرقة: الالتزام بالعقود والعهود


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود}، ويقول سبحانه: {وأوفوا بالعهد إنَّ العهد كان مسؤولاً}، ويتحدث تعالى عن الذين هم في رضوان الله ومواقع القرب منه: {والموفون بعهدهم إذا عاهدوا}، ويقول تعالى: {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً إن الله يعلم ما تفعلون* ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً}.

الالتزام بالعقود والعهود

في هذه الآيات الكريمة، يتحدث الله تعالى عن الرابطة التي تربط الناس ببعضهم البعض في قضاياهم المالية والسياسية والعائلية والاجتماعية. إنّ كل إنسان حرّ في ما يفعل، لأن الله تعالى خلقه حراً ولم يسلّط عليه أحداً في اختياراته التي يختارها في أعماله وأقواله ومعاملاته، فما الذي يقيّد إنساناً بإنسان في الحياة العامة على مستوى العلاقات الإلزامية بين الناس؟ إن الذي يربط الناس بعضهم ببعض هي التزاماتهم وعقودهم وعهودهم، فأنت حر في ما تقوم به حتى تدخل في عقد مع الإنسان الآخر، أو في معاهدة مع الشخص الآخر أو الفريق الآخر أو الدولة الأخرى.

فمثلاً في الحياة الزوجية، المرأة حرة في حياتها والرجل كذلك قبل أن يحدث عقد الزواج، باعتبار أنه ليس هناك أي علاقة بينهما تلزم أحدهما بالآخر، ولكن إذا حدث عقد الزواج ارتبط كل واحد منهما بالآخر، فأصبح للرجل حق على المرأة في ما جعله الله من حق أو في ما فرضه على نفسه بالعقد من حق، وهكذا بالنسبة إلى المرأة. وقد عبّر الله تعالى عن عقد الزواج بأنه "ميثاق غليظ"، وهو من أشد المواثيق، ولذلك على الرجل أن يفي بكل التزاماته التي يفرضها عقد الزواج، والمرأة كذلك.

وهكذا بالنسبة إلى كل الالتزامات العقدية التي يلتزمها الناس بعضهم مع بعض، في المعاملات في عمليات البيع والشراء فالإنسان عندما يبيع ماله لشخص ما أو يشتري مالاً منه، فإن عليه أن يلتزم بكل حرف في عقد البيع وعقد الشراء، مهما كانت الظروف، وعند الفقهاء أن البيع يوجب الالتزام بالكلمة، فعندما يقول لك: بعتك بكذا وكذا، وقلت أنت: قبلت، من دون أن تكتبوا وثيقةً، فلا يجوز لك أن تتراجع شرعاً إلا إذا كان هناك عيب أو غبن يوجب فسخ المعاملة، أما أن يدفع لك شخص آخر أكثر من السعر الذي بعت به، فلا يجوز لك أن تنقض هذا البيع الذي تمّ ولو بالكلمة، أما التسجيل والتوقيع فإنه ليس إنشاءً للبيع بل هو توثيق له، وإذا ما تصرّفت بما بعته فإنك تكون غاصباً، لذلك عليك أن تفي بالعقد فتلتزم بكل التزاماته.

المؤمنون عند شروطهم

وفي حديث عن النبي(ص): "المؤمنون عند شروطهم"، ويقول(ص): "المسلمون عند شروطهم، إلا شرطاً أحلّ حراماً أو حرّم حلالاً".. فإذا اشترطت على نفسك شرطاً فإن عليك أن تلتزم به، وهكذا في قضايا الإيجار والمضاربة وغيرها. وبعبارة أخرى، فإن كلامك يقيّدك، وعن عليّ (ع) أنه قال: "الكلام في وثاقك ما لم تتكلّم به، فإذا تكلمت به صرت في وثاقه"، فعند العقد أو العهد، فإن الكلام يقيّدك ويحاصرك، والذي يحترم دينه لا بد أن يحترم كلمته، وقد مثّل الله تعالى هؤلاء الذين ينقضون عهودهم بالتي {نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً}، وهو مثل عن امرأة في الجاهلية كانت مخبولة، فكانت تغزل الشعر حتى تكمله ويشتدّ، ثم بعد ذلك ـ وبلا مناسبة ـ تنقض غزلها، وهو مثل للذين يلتزمون بعقودهم مع الآخرين ثم ينقضونها، فمثلهم كمثل تلك المرأة التي لا عقل لها، فكل من نقض عقده أو عهده، ففيه خبل بالمعنى العملي.

تصوّروا مجتمعاً لا يلتزم بعقوده والتزاماته، مثلاً في عقود الزواج، قد يعقد الإنسان عقداً من دون أن يسجّله، وهذا ما قد يحصل، ولا سيما في العقود المؤقتة التي قد يخدع فيها الشاب الفتاة، لأنه لا يلتزم بتبعات العقد، خاصة إذا أنتج هذا العقد ولداً. صحيح أن النبي(ص) شرّع العقد المؤقَّت واستمر هذا الزواج بحسب مذهب أهل البيت(ع)، ولكنّ لهذا الزواج التزامات ونظاماً، وهذا ما كنت أحذّر منه، لأن هناك خديعة ومشاكل تحصل نتيجة أن الكثير من الشباب لا يلتزمون بتفاصيله، وهذه المسألة تخلق لنا سلبيات كثيرة، فأنت عندما تتزوّج امرأة ـ دائماً أو منقطعاً ـ فإن من بين التزامات عقد الزواج أن تعترف بالولد الناتج عن هذا العقد، لا أن تذهب بزوجتك إلى الطبيب لإجهاضها، وهو محرّم شرعاً بمجرد انعقاد النطفة، لأن البعض يستسهل هذه المسألة، فهو بمثابة القتل حتى لو كان الجنين مشوّهاً. نعم، إذا وصل الحمل إلى حد الضرر فوق العادة من ناحية صحية ـ قبل نفخ الروح ـ أو إلى حد الخطر على الحياة، فرأي بعض العلماء أنه "يُنتظر أمر الله"، أما رأي البعض الآخر ـ وهو ما نراه ـ أنه يجوز الإجهاض قبل نفخ الروح في هذه الحالة فقط.

الوفاء بالعهد للبر والفاجر

وعن عليّ (ع) يقول: "إن العهود قلائد في الأعناق إلى يوم القيامة، فمن وصلها ـ التزم بها ـ وصله الله، ومن نقضها خذله الله، ومن استخفّ بها خاصمته إلى الذي أكدها وأخذ خلقه بحفظها"، وفي كلمة له (ع): "ثلاث لم يجعل الله عزّ وجلّ لأحد فيهن رخصة ـ من بينها ـ الوفاء بالعهد للبر والفاجر". وكان من وصيته لمالك الأشتر (رضوان الله عليه) عندما ولاّه على مصر قوله(ع): "وإن عقدت بينك وبين عدوّك عقدة أو ألبسته منك ذمة ـ جعلته في ذمتك وأعطيته الأمان ـ فحط عهدك بالوفاء، وارعَ ذمتك بالأمانة، واجعل نفسك جنّة دون ما أعطيت، فإنه ليس من فرائض الله سبحانه وتعالى شيء الناس أشد عليه اجتماعاً مع تفرّق أهوائهم وتشتت آرائهم من تعظيم الوفاء بالعقود".

وعن النبي(ص): "ألا من ظلم معاهداً ـ وهو الذي يدخل في عهد المسلمين ـ أو انتقصه، أو كلّفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس منه، فأنا حجيجه يوم القيامة". وهذه نوجهها لكل الناس الذين يبيحون مال غير المسلم، ويقول(ص) لكل الذين يصومون ويصلّون ويحجّون ولا يفون بعهودهم: "لا دين لمن لا عهد له".

هذا هو الإسلام الذي يربِّي الإنسان على الإيمان بالله ورسوله ورسالاته، والذي يفرض عليك أن تلتزم بكل عهد تعاهده، وبكل عقد تعقده. هذا هو الإسلام في بعده الإنساني الحضاري. فلنكن صورة مشرقة للإسلام، لنكون كما قال الإمام الصادق(ع): "كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم ليروا منكم الصدق والخير والورع".

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله وواجهوا مسؤولياتكم في مجتمعاتكم كلها، في الوفاء بالعقد والعهد، والوفاء لله تعالى بكل ما كلّفنا به في كل أوضاعنا العامة والخاصة، وانطلقوا في الحياة على أساس أن تكونوا الأمة الواحدة التي تعتصم بحبل الله وتبتعد عن الفرقة وتعيش فيما بينها على أساس الأخوة الإيمانية، ولا بد لهذه الأخوّة التي عقدها الله أن تكون ثابتة يفي فيها المؤمن للمؤمن في كل أموره وقضاياه ومواجهة التحديات الكبرى، حتى يكون المسلمون، كما أرادهم الله، أمةً واحدةً وجسداً واحداً. وها نحن نعيش في عالم ملتهب يتحرك فيه الناس ـ سواء في الواقع الإسلامي أو في غيره ـ بما لا يجوز لهم من كل العمليات التي يقتل فيها الناس بعضهم بعضاً، ويعتدي فيها بعضهم على بعض، فلنفهم ماذا هناك ونقرر ماذا نفعل:

أمريكا تخلق مناخ الإرهاب

أيّ عالم هو هذا العالم الذي فجّره المستكبرون ضد المستضعفين، ولا سيما الإدارة الأمريكية التي أعلنت أنها تعمل على تغيير الشرق الأوسط لتجعله على صورة مصالحها في المنطقة، في حروب استباقية ـ بحسب تعبير الرئيس الأمريكي ـ تحوّلت إلى حروب عدوانية لتدمير مصالح المنطقة لحساب مصالحها، الأمر الذي جعلها تغرق في الرمال المتحرّكة العراقية والأفغانية، لتخلق فيها مناخ الإرهاب الذي تمارسه في قتل النساء والشيوخ والأطفال، وفي تدمير البيوت تحت عنوان الحرب ضد ما تسمّيه الإرهاب، وفي القصف العشوائي المجنون الذي تمارسه لحماية جنودها الذين أصبحوا هدفاً لأكثر من مقاومة..

وقد أدّى هذا الوضع إلى ما يشبه الفوضى الأمنية المتمثّلة في خطف الأبرياء ـ حتى الأطفال ـ للابتزاز المالي أو لبعض العناوين السياسية، مما استخدم فيه الخاطفون عنوان الإسلام الذي هو بريء من ذلك كله، لأنه يرفض ـ في شريعته ـ كل هذه الأساليب التي تشوّه صورته وتثير الحقد ضده، كما في قتل النيباليين الاثني عشر الذين قتلهم الخاطفون في العراق دون أيّ ذنب، ليكون ردّ الفعل الهجوم على المسجد الكبير وعلى القرآن وعلى المسلمين وعلى مؤسسات الدول الإسلامية... وهكذا، تتوالى عمليات الخطف للأطفال العراقيين لمقايضتهم بالمال الذي يُفرض على أهلهم.. ثم في خطف الصحفيين واغتيال بعض الشخصيات لدواعٍ مذهبية لإثارة الفتنة.

وإذا ابتعدنا عن العراق، فإننا نلتقي في جنوب روسيا باحتجاز الأطفال في مدرستهم للوصول إلى بعض الشروط في إطلاق بعض المعتقلين، والتهديد بقتل الرهائن... إننا نرفض هذا الوضع الوحشي الذي يُختطف فيه الإنسان البريء أو يُحتجز أو يُقتل في بعض المواقع الإسلامية، ونؤكد بأن هذه الأعمال محرّمة شكلاً ومضموناً، وأنها في مستوى الجريمة الكبيرة، وندعو الأمة كلها إلى الضغط على القائمين بها بكل قوة على أساس المسؤولية الشرعية.

العدو: إخفاق في مواجهة المجاهدين

ومن جانب آخر، فإن العنف الصهيوني اليومي في الاجتياحات والاغتيالات والاعتقالات من قِبَل حكومة العدو في فلسطين، لا تزال تجتذب عنفاً فلسطينياً، مع الفارق بين العنف الصهيوني العدواني والعنف الفلسطيني التحريري، من منطق الفعل من أجل الضغط على المحتل لينسحب من الأرض، وردّ الفعل من أجل الثأر السياسي والجهادي للمجاهدين الذين اغتالهم العدو...

وإذا كان الاستكبار العالمي ـ وفي مقدّمته أمريكا وأوروبا ـ يستنكر العمليتين الاستشهاديتين في بئر السبع، فإنه لم يستنكر ما تقوم به قوات الجيش الصهيوني من تدمير الإنسان والشجر والحجر، ما يدفع بكل فلسطيني إلى ما يشبه اليأس من أيّ حل لمشكلته إلا بالقنبلة البشرية التي تستهدف المدنيين في مقابل استهداف العدو للمدنيين الفلسطينيين...

إن البعض يتحدث عن "العمل اللاأخلاقي" في العمليات الاستشهادية التي تطال المدنيين لدى العدو، ولكنهم لا يدرسون المسألة في نطاق الطريق المسدود الذي أغلقه العدو عن كل أمل في المستقبل في حربه المفروضة على الشعب الفلسطيني.. ومن الطريف أن العدو ـ في ردّ فعله ـ يهدّد سوريا بالعدوان، لأن قيادات "حماس" فيها هي التي كانت وراء العمليتين، بحسب زعمه. إن ذلك يدلّ على فشله في مواجهة المجاهدين في داخل فلسطين، الذين يخوضون معه منذ سنين حرباً شرسة أدخلته في أكثر من مأزق... إنه الهروب إلى الأمام في تحريكه المشكلة خارج الحدود لعجزه عن حلها في الداخل..

أما أمريكا، فإنها تريد خلق فتنة فلسطينية ـ فلسطينية بدعوتها السلطة الفلسطينية إلى قتال المجاهدين لتحقيق الانتصار الشاروني على الانتفاضة، وهي خطة لا يمكن القبول بها من الشعب الفلسطيني الذي نريده قوياً في وحدته الوطنية أمام التحديات الكبرى، وفي الانتفاضة في حركة الأسرى، وفي مواجهة المجاهدين للعدو.

أما العراق، فإننا نريد له بفعل الطليعة المخلصة التي لم تخضع للاحتلال، أن يعمل على أساس إيجاد قاعدة شعبية واسعة موحَّدة بعيداً عن الطائفية والمذهبية والعرقية، وتأكيد المقاومة للمحتل، حتى لا تبقى له فرصة في البقاء طويلاً هناك، ليكون المستقبل عراقياً حراً لا أمريكياً، لأن ذلك هو طريق الخلاص للشعب... وعلى العراقيين أن يقفوا وقفة مسؤولة ضد كل الذين يشوّهون صورة العراق بعمليات الخطف والقتل بكل ألوانها وأوضاعها، لأن ذلك سوف يطيل أمد الاحتلال.

لبنان: غيرة أمريكية ـ فرنسية مفاجئة!!

أما لبنان، فلا ندري سبب هذه الغيرة الأمريكية ـ الفرنسية عليه؟ هل لأنهما تؤمنان بالحرية ليطلبا من مجلس الأمن إصدار قرار يطالب بانسحاب القوات السورية دون تأخير، وبنزع سلاح المقاومة الإسلامية، ودعمه لإجراء الانتخابات الرئاسية من دون ضغط خارجي؟؟

وإننا ـ أمام ذلك ـ نتساءل: لماذا لا يطلبان من مجلس الأمن إصدار قرار بانسحاب إسرائيل من الجولان ومزارع شبعا وأراضي الضفة الغربية وغزة من دون تأخير؟ ولماذا لا يُسمح للشرعية الدولية في قرارات مجلس الأمن أن تطبّق على إسرائيل؟ ولماذا تعتبر أمريكا أن أيّ قرار يتعلق بإدانة إسرائيل على احتلالها معطِّلاً للتسوية، ولا تعتبر القرارات المتعلقة بمحاسبة سوريا والضغط عليها معطِّلة للتسوية أيضاً، أم أن ما يجوز لإسرائيل لا يجوز لغيرها؟ ثم، لماذا لا يدعو مجلس الأمن لبنان الرسمي إلى تقديم وجهة نظره حول موضوع حيوي يتصل بطبيعة العلاقات السورية ـ اللبنانية، ولا سيما أن هناك اتفاقاً بينهما حول أكثر الموضوعات، أم أن أمريكا وفرنسا لا تعترفان بالدولة اللبنانية؟؟

ثم، إن هناك سؤالاً يتصل بما قد يصدره مجلس النواب، وما أصدره مجلس الوزراء، ويوجَّه إلى الداخل والخارج: هل إن الموافقين على القرار خائنون لوطنهم وخاضعون للخارج ولا رأي لهم، ليبقى المعارضون هم المخلصين؟ وماذا لو كان الاستحقاق أمريكياً أو فرنسياً، فهل تثور الضجة كما هي الآن؟ ولماذا يُعتبر التدخّل الأمريكي في أمر لبنان مطلوباً ومنسجماً مع الحرية والاستقلال؟!

نريد للبنان الاستقلال

إننا نريد للبنان الاستقلال ولا نريد له التطلّع دائماً إلى الخارج، ولكن المشكلة هي أن التربية السياسية تتحرك في مرحلة إلى اليمين وفي مرحلة إلى اليسار، تحت شعارات فضفاضة تتصل بالدوائر المغلقة لا بالأفق الواسع، حتى إننا جعلنا الشعب يدمن الأشخاص والطائفية أكثر مما ينفتح على القضايا الكبرى، وجعلنا الانتخابات لعبة أكثر منها مسؤولية للناخب والمرشح، بحيث تضمن للبلد استقلاله وحريته، وأثرنا الجدل في قانون الانتخاب بالرغم من أن الأكثرية أو الجميع لا توافق على القانون الحالي.. ثم، لماذا هذه اللغة التي لا زال البعض يدمنها بالتخوين والاستزلام، وعلينا أن نتذكّر الكلمة الرائدة: "من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر"...

إننا لا نريد التحدث عن سلبية مطلقة أو إيجابية مطلقة، لأن الأمور نسبية في عالم المحدود، ولكن علينا أن ننظر إلى الرياح الهوجاء القادمة إلينا في أفق المنطقة من الخارج الدولي الذي يريد مصادرة الواقع السياسي والاقتصادي والأمني لحساب مصالحه، ويتركنا نتجادل في أكثر الوسائل بعداً عن الواقع...

إن الحوار الموضوعي العقلاني والاعتراف بالآخر هما اللذان يحدّدان للبلد خياره في الاستقلال وصناعة المستقبل، هذا بالإضافة إلى أن على اللبنانيين أن يعرفوا أن الحرية لا تأتي من الخارج بل من الداخل، فلنكن أحراراً في الفكرة والحركة والموقف، ولكن في دائرة الواقعية التي لا تبتعد عن الثوابت، ولا تهدِّم الهيكل على رؤوس الجميع..

إن المشكلة هي أن المسألة تتمثّل في موقف أمريكا من سوريا في عملية ضغط متحرك، ومحاولة الإدارة الأمريكية استخدام لبنان كورقة في يدها لتحقيق أكثر من عنصر يفصل المسار اللبناني ـ السوري. فلنحاور سوريا في قضية الحرية ولنحدد الموقف: هل نحن مع لبنان الورقة الأمريكية، أم نحن مع لبنان الكيان الذي يركّز علاقاته العربية على أساس قضايا المصير المشترك؟

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية