ليكن العقل هو السيّد والحاكم والمخطّط

ليكن العقل هو السيّد والحاكم والمخطّط

لأنّ الغضب جمرة من الشيطان: ليكن العقل هو السيّد والحاكم والمخطّط


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

هـدوء العقـل

من الأمور التي ركّز عليها الإسلام في أخلاقيات الإنسان المؤمن في علاقته بالآخرين، لا سيّما الذين هم أضعف منه، مسألة هدوء العقل في ما يواجهه الإنسان من إساءات ومشاكل وتحديات، وسعة الصدر في امتصاص المشاعر السلبية التي قد تحدث للإنسان في حالات الانفعال، ليواجه الأمور كلها بالطريقة العقلانية الهادئة التي تضع المشكلة في حجمها الطبيعي، وتعالجها بما يحلّها ويزيل كل آثارها السلبية.

أن تتحرَّك في حياتك بعيداً عن انفعالاتك الغريزية، بحيث يدرس عقلك كل ما يعرض لك ممّا يمكن أن يواجهك من نتائج الأمور وعواقبها، بحيث إنك إذا أردت أن تتصرف، فإنك تتصرف بدراية وتخطيط، لتعرف من أين تبدأ والى أين تنتهي. هذه هي المسألة التي عالجها الإسلام في أكثر من نص قرآني ونص نبوي شريف.

فنحن نعرف أن الله تعالى تحدث عن خُلق الكافرين عندما تواجههم القضايا السلبية، وعبّر عن ذلك بـ"حميّة الجاهلية": {إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحميّة حميّة الجاهلية}، هذه العصبية التي تجعل الإنسان يضيق صدره بما لا يرتاح إليه من الآخرين، فينفعل ويتصرّف بطريقة الغضب الذي يعمي عقل الإنسان، ويغلق قلبه، ويربك كل تصرفاته. أما المؤمنون، فإن الله جعلهم في مقابل ذلك يأخذون بكلمة التقوى التي ألزمهم بها، وذلك بأن يراقبوا الله في كل ما يتصرفون به وفي كل ردود الفعل التي تنشأ في الأزمات والمشاكل.

ومن الطبيعي أن التقوى تمثل التخطيط لما يتصرف به الإنسان من كلام أو فعل، من خلال دراسته لنتائج ذلك كله. وقد ورد أن شخصاً جاء إلى رسول الله(ص) وطلب منه أن يوصيه، فاقتصر النبي (ص) على كلمة: "لا تغضب"، لأنّ الغضب يجمع الشرّ كلّه، ولأنه يجعل العقل في إجازة، الأمر الذي يدفع بالإنسان إلى أن يمارس ما يشبه الجنون في ذاته، وقد ورد في بعض الأحاديث عن النبي(ص): "الغضب جمرة من الشيطان"، ويعالج الإمام محمد الباقر (ع) ذلك فيقول: "إن هذا الغضب جمرة من الشيطان تتوقد في قلب ابن آدم، وإن أحدكم إذا غضب احمرّت عيناه وانتفخت أوداجه ودخل الشيطان فيه"، ويقول الإمام عليّ(ع): "إياك والغضب، فأوله جنون ـ لأنه يغيّب العقل ـ وآخره ندم"، لأن التصرفات التي تنطلق من الإنسان في حال الغضب هي تصرفات غير محكومة بالعقل، وتفتقر إلى الخطة التي تدرس العواقب، ويقول(ع) في كلمة أخرى: "الحدّة ـ وهي تعبير عن الغضب ـ ضرب من الجنون، لأن صاحبها يندم، فإن لم يندم فجنونه مستحكم". وقد ورد عن الإمام الصادق(ع): "من لم يملك غضبه لم يملك عقله"، وهذا ما نعرفه من خلال بعض الناس عندما يغضب ويحمق ويتصرف، فإنه يعتذر بعد ذلك ويقول: "عقلي ما كان معي".. وقد ورد في حديث الإمام الباقر(ع): "أيّ شيء أشدّ من الغضب، إن المرء ليغضب فيقتل النفس المحترمة". ولو درستم كثيراً من هؤلاء القتلة، فإنكم ترون أن ما صدر منهم ناشئ من حالة الغضب والحدّة، لأنهم لم يدرسوا النتائج التي تنتج عن تصرفاتهم في ذلك كله. ونلاحظ في قضية ما يحدث في البيوت من تصرفات الزوج أو الزوجة، عندما ينتهي الأمر بهما إلى الطلاق، فالغالب في هذا التصرف يكون ناشئاً من حالة انفعالية حادّة، بحيث يشعر الإنسان مع هذه الحالة بضيق صدر تجعله لا يفكّر بما يحدث بعد ذلك، ولدينا مثل نستعمله دائماً في كثير من الحالات: "راحت السكرة وجاءت الفكرة"، لأن حالة الانفعال هي حالة سكرة يسكر فيها توازن الإنسان وعقله.

ذكر الله حال الغضب

ولذلك، هناك الوصايا الشرعية للإنسان، أنه إذا غضب فإن عليه أن يذكر ربه، لأنه يذكر عند ذلك غضب الله عليه، وقد ورد في بعض الأحاديث: "يابن آدم، اذكرني في غضبك أذكرك في غضبي"، الله تعالى يغضب علينا إذا عصيناه، فعندما نغضب على إنسان هنا وهناك ممن أساء إلينا، فإن علينا أن نذكر غضب الله علينا فنقدّم هدوءنا وعقلنتنا في غضبنا حتى لا يغضب الله علينا، وقد أوحى الله تعالى إلى نبيّه داود: "إذا ذكرني عبدي حين يغضب ذكرته يوم القيامة في جميع خلقي، ولا أمحقه في من أمحق"، وقد ورد في الدعاء المنسوب إلى الإمام زين العابدين(ع)، والذي رواه "أبو حمزة الثمالي": "اللهم إنك أنزلت في كتابك العفو وأمرتنا أن نعفو عمّن ظلمنا، وقد ظلمنا أنفسنا فأعفُ عنا فإنك أولى بذلك منا"، ويقال إن السيد المسيح(ع) لما سأله الحواريون: أيّ الأشياء أشد؟ قال(ع): "غضب الله"، قالوا: فبمَ يُتقى غضب الله؟ قال(ع): "بأن لا تغضبوا".

القـوّة في الـتوازن

وقد ورد في الحديث عن ميزان القوة، ومن المتعارف عليه أن الأقوى هو الذي يملك مواقع القوة في بدنه بأن يصرع الآخرين أو يحمل الأشياء الثقيلة، هنا يُنقل أن النبي(ص) مرّ على قوم من أصحابه يرفعون حجراً، فقال(ص): "ما هذا"؟ قالوا: نعرف بذلك أشدنا وأقوانا، قال(ص): "ألا أخبركم بأشدكم وأقواكم"؟ ـ القوة ليست هي قوة الجسد، لأنه يمكن للإنسان أن يتدرب تدرباً مادياً على رفع الأثقال، ولكن القوة إنما تكون في التوازن في تصرفات الإنسان في الحياة، بحيث يستطيع أن يضغط على مشاعره وحبّه وبغضه أمام الحالات العاطفية والنفسية، فيتوازن، في الوقت الذي قد تدفعه مشاعره إلى فقدان التوازن ـ قالوا: بلى يا رسول الله، قال(ص): "أشدكم وأقواكم الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل، وإذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحق، وإذا قَدِر لم يتعاطَ ما ليس لـه بحق"، القوة الروحية والنفسية، قوة العدل في ذاتك، قوة الحق في تصرفاتك، قوة التوازن في علاقتك بالآخرين، بحيث لا يقدّم رجلاً ولا يؤخّر أخرى حتى يعلم أن في ذلك لله رضى، وقد ورد في الحديث عن النبي(ص) وقد سأل بعض أصحابه: "ما الصُرعة فيكم"؟ قالوا: الشديد القوي الذي لا يوضع جنبه، فقال(ص): "بل الصرعة حقّ الصرعة رجل وكز الشيطان في قلبه واشتد غضبه وظهر دمه، ثم ذكر الله فصرع بحلمه ـ سعة صدره ـ وهدوء عقله ـ غضبه"، هذا هو الإنسان القوي، الإنسان الذي لا يمكن أن يهزّه أحد أو يخرجه عن توازنه.

تدبر عواقب الأمور

على الإنسان أن يكون جبلاً في عقله ومشاعره وإرادته، فلا يقدم على أي تصرف حتى يعرف كل النتائج قبل البداية، وقد ذكرت لكم قصة ذلك الشاب الذي جاء إلى النبي(ص) وقال له: أوصني يا رسول الله، فقال(ص): "هل أنت مستوصٍ إذا أنا أوصيتك"، قال: بلى ـ وكررها ثلاث مرات ـ فقال (ص): "إن أنت هممت بأمر فتدبّر عاقبته، فإن يك رشداً فأمضه، وإن يك غيّاً فانتهِ عنه"، وهذا ما أمر به النبي(ص) شخصاً يعيش في منطقة عشائرية تكثر فيها المشاكل ـ والآن لدينا عشائر الأحزاب والطوائف والمذاهب التي قد تثار فيما بينها المشاكل من خلال فتنة أو شائعة ولا سيما أيام الانتخابات الصغيرة والكبيرة، بحيث تستيقظ الغرائز وتنام العقول، وقد قلت لبعض السياسيين الكبار من غير المسلمين أيام بعض الانتخابات، قلت له: إن الشباب كانوا يريدون منكم أن تحركوا عقولهم فحرّكتم غرائزهم" ـ فأوصاه النبي(ص): "انطلق ولا تغضب"، وكرر الوصية نفسها ثلاث مرات، وذهب، فإذا التجربة أمامه، فوجد عشيرته والعشيرة الثانية يقفون في جبهتين، فثار هذا الرجل ووقف مع عشيرته، ولكنه انتبه إلى وصية رسول الله(ص) بأن لا يغضب، ففكّر وجاء إلى العشيرة الأخرى، فقال لهم: ما كان عندكم من جراحة أو قتل فهو في مالي، بحيث أفسح المجال للتفاهم على الصلح، فهزّتهم هذه الأريحية، فقالوا: لن تكون أكرم منـّا ونحن مستعدون أن نعوّض عن القتلى عندنا وعندكم، فنامت الغريزة واستيقظ العقل.

الجنـة للمتقيـن...

فالله تعالى جعل الجنة للذين يملكون غضبهم: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنّة عرضها السموات والأرض أُعدّت للمتقين* الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، والله يحب المحسنين}، فالله تعالى جعل ثمن حبس الغيظ، وعدم تحرك الإنسان على أساس حركته في نفسه الجنة، فأي تجارة أربح من هذه التجارة؟

ولذلك ونحن نعيش في مجتمع العصبيات، وفي مرحلة تتحرك فيها كل المخابرات الدولية والإقليمية والمحلية من أجل أن تثير انفعالاتنا، مستغلة الخلافات الدينية بين الشعوب، والخلافات المذهبية لدى أصحاب الدين الواحد، والخلافات السياسية والقبلية، لتحركها من أجل تمزيق المجتمع الواحد وإسقاط قضاياه الكبرى، علينا أن نربي أنفسنا على أساس أن يكون العقل هو السيد والحاكم والمخطط، وأن تحكم عقولنا غرائزنا بدلاً من أن تحكم غرائزنا عقولنا، ولنتطلع إلى الله عندما نغضب، لنطلب رضاه عندما نرضى، ولنتفادى غضبه عندما نغضب، {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحبّ المحسنين}.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله، وواجهوا الموقف بعقول منفتحة على كل قضايانا المصيرية، وعلى كل التحديات التي يتحدّانا بها الاستكبار العالمي من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا، فأعداء الله من المستكبرين الكبار والصغار يخططون من أجل إسقاطنا ومصادرة كل أمورنا، وقتل أطفالنا ونسائنا وشيوخنا، لذلك علينا أن نرتفع إلى مستوى هذه التحديات لنواجهها صفاً واحداً كالبنيان المرصوص، لأن الكفر كله والاستكبار كله قد برز للإسلام كله وللاستضعاف كله، فتعالوا لنرى ماذا يحدث في منطقتنا وفي العالم مما يحركه المستكبرون:

إذعان أمريكي ودولي لإسرائيل

إسرائيل تقوم بعملية تدريب لجنودها على الرماية المباشرة بالقذائف والصواريخ، على أجساد الفلسطينيين المدنيين، ولا سيما الأطفال منهم، وتدريب طيّاريها العسكريين على قصف السيارات والبيوت والشوارع، لتحصد في كل يوم أكثر من شهيد، هذا فضلاً عن قيام الجرافات بهدم البيوت وجرف المزارع.

والعالم ينظر إلى هذه المجازر اليومية الوحشية بعيون جامدة وضمائر لا حرارة فيها، ثم يحدثونك عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ويحدثك الرئيس الأمريكي "بوش" عن "شارون" بصفته "رجل سلام" على طريقة الفهم الأمريكي للسلام الذي يفرض الاحتلال على الشعوب، ويصادر إنسانيتها، ويقصف بيوتها وسكانها على أساس الشبهة والمعلومات الاستخبارية التي لا ترتكز على أساس، كما هي الحال في معلومات المخابرات المركزية الأمريكية التي بررت الحرب على العراق، لتعود وتتحدث عن عدم التدقيق فيها وعدم تقديمها للإدارة، في عملية توزيع للأدوار بين الأجهزة المخابراتية والإدارة السياسية والعسكرية..

أما اللجنة الرباعية الدولية، فإنها مشغولة بتقديم المواعظ للفلسطينيين بضرورة إجراء الإصلاحات كشرط لتقديم الأموال للسلطة، وبتأييد الخطة الإسرائيلية المشبوهة في الانسحاب من غزة، مع رفض خجول للموقف الإسرائيلي في الامتناع عن قبول أيّ تدخّل دولي في قضية السلام ـ كما يقولون ـ إلا إذا كان أمريكياً، ما يعني أن أعضاء اللجنة لا يمثّلون أيّ دور فاعل في الحلّ حتى على مستوى خارطة الطريق.. وقد عبَّر دبلوماسي أوروبي عن شعورهم بما وصفه بـ"العداء المفرط من جانب ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية، لأن رئيسها لا يوافق على الاجتماع بنا"، على حدّ قوله..

ومن المضحك المبكي أن مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي يزور إسرائيل، يصرّح بأنه "يدرك أكثر من السابق قلق إسرائيل ومواقفها الأمنية"، في الوقت الذي لم تقدّم له أيّ شيء ولم تمكّنه من زيارة مفاعل ديمونا... ولكن هذا الكيان العبري الذي يملك أكبر ترسانة نووية وكيميائية وبيولوجية في المنطقة، يحاول ـ ومعه أمريكا ـ الضغط على إيران بحجة أنها تمثّل خطراً على العالم، في الوقت الذي وقّعت فيه إيران على معاهدة حظر السلاح النووي، وأعلنت أكثر من مرة بأنها لا تفكر في صنع سلاح نووي بالرغم من الخطر المحدق بها والتهديدات الأمريكية ـ الإسرائيلية ضدها..

ومن الطريف أن الاتحاد الأوروبي ينضم إلى أمريكا وإسرائيل في عملية الضغط، لأن السياسة الدولية تقوم الآن ـ بشكل وبآخر ـ على الخضوع للضغط الأمريكي في إعطاء إسرائيل كل الحرية في تهديد المنطقة بكل الأسلحة المتطوّرة، بما في ذلك السلاح النووي، من دون أن يكون لدول المنطقة الحق في الدفاع عن نفسها!!

وهذا ما يفرض على شعوب المنطقة، ولا سيما الشعب الفلسطيني، أن تمارس عملية الصمود والاستعداد لتطوير قوتها وتأكيد صمودها، وملاحقة كل عناصر الهيمنة الاستكبارية على مقدّراتها... وإننا ننصح الاتحاد الأوروبي ـ ومعه الاتحاد الروسي والأمم المتحدة ـ بأن لا يرضخوا للضغوط الأمريكية في السياسة المضادة لمصالح الشعوب، لأن ذلك لن يكون في مصلحتهم السياسية والاقتصادية.

أما الجدار العنصري الفاصل الذي يشكّل واحدة من الجرائم العنصرية الكبرى في التاريخ المعاصر، فإن كيان العدو يواصل العمل به غير عابئ بكل الأصوات والمواقف الرافضة، وحتى بما سيصدر عن محكمة العدل الدولية من موقف في هذا الشأن.. إن مشكلة المنطقة كلها هي أن أمريكا رفضت صدور أيّ موقف لا يروق لإسرائيل، لأنها تعتبر نفسها ـ كما أمريكا ـ فوق القانون الدولي.

العراق: وحدة داخلية لإخراج المحتل

أما العراق، فإن الاهتزاز الأمني الذي يعيشه شعبه تحت تأثير زلزاله اليومي، في المجازر الوحشية التي تطال المدنيين، لا يزال يفرض نفسه على الواقع كله، من دون أن تقوم كل القوات الأمريكية وحلفائها بأي عمل فاعل يحمي الناس، ومن دون أن تملك الحكومة العراقية المؤقتة أيّ قوة تؤكد النتائج الإيجابية للأمن الداخلي...

إننا نعتقد أن العراقيين بحاجة إلى نوع من المصالحة الداخلية التي لا تشمل المجرمين الذين تلطّخت أيديهم بدماء الأبرياء، والى توافق على إخراج المحتل وعدم الاستقواء به، لأنه لا يملك أن يحمي نفسه فكيف يملك حماية الشعب العراقي، كما أن العراق بحاجة إلى تكامل وتواصل وتفاهم مع الدول المجاورة التي لا تريد بالشعب العراقي سوءاً، بدلاً من التلويح لهذه الدول بالعصا الأمريكية التي نعرف أنها لا تريد الخير لهذا الشعب، بل إنها تحاول بث المعلومات الكاذبة المثيرة للانشقاق بين العراق ودول الجوار..

إن بقاء المحتل سوف يدفع الكثيرين من الداخل والخارج إلى اعتماد أساليب ووسائل المواجهة المشروعة وغير المشروعة، كما أن هذه الإثارة لبعض الهوامش الطائفية والمذهبية التي أنتجت واقعاً وحشياً ودامياً، قد تمهّد السبيل لإثارة أكثر من فتنة لا يستفيد منها إلا المحتل، في الوقت الذي يحتاج العراق إلى وحدة داخلية متراصة على جميع المستويات، وعلى الذين يفكّرون مذهبياً أو طائفياً أن يعرفوا أن هذه الخطوات سوف تسقط الهيكل على رؤوس الجميع.

لبنان: تفاقم الأزمات

أما لبنان الذي هو في المرتبة الـ78 من الدول الأكثر فساداً، فإنه بحاجة إلى الاهتمام من قِبَل القائمين على شؤونه لدراسة الأمور من الداخل، في التعرّف على حاجات المواطنين الحيوية، والتحديق بقضاياهم المصيرية، بعيداً عن أيّ وحي خارجي قريب أو بعيد لا يستهدف مصالح اللبنانيين، سواء في ذلك قضايا الغذاء الذي يستورده البعض من دون شروط صحية، أو الدواء الذي يدخل إلى البلد بطريقة التزوير والفاسد في عناصره بما يهدد حياة الناس، أو قضايا العمّال الذين سقطوا تحت خط الفقر، أو قضايا البطالة التي شرّدت الكثير من أصحاب الكفاءات، أو الأوضاع المعيشية في المشاريع الإنتاجية وفي التخطيط الزراعي والصناعي..

إن المال العام هو للشعب كله، ولكن البعض ممن يملك الحَول والطَوْل يحقق الثروات في هذا المجال من خلال وسائل الفساد والإفساد من دون رقيب أو حسيب.. ويبقى الحديث عن الاستحقاق القريب والبعيد، والسؤال: هل يعيد التاريخ نفسه، أم أننا نأمل بتاريخ جديد، لمستقبل جديد، لشعب جديد؟!

لأنّ الغضب جمرة من الشيطان: ليكن العقل هو السيّد والحاكم والمخطّط


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

هـدوء العقـل

من الأمور التي ركّز عليها الإسلام في أخلاقيات الإنسان المؤمن في علاقته بالآخرين، لا سيّما الذين هم أضعف منه، مسألة هدوء العقل في ما يواجهه الإنسان من إساءات ومشاكل وتحديات، وسعة الصدر في امتصاص المشاعر السلبية التي قد تحدث للإنسان في حالات الانفعال، ليواجه الأمور كلها بالطريقة العقلانية الهادئة التي تضع المشكلة في حجمها الطبيعي، وتعالجها بما يحلّها ويزيل كل آثارها السلبية.

أن تتحرَّك في حياتك بعيداً عن انفعالاتك الغريزية، بحيث يدرس عقلك كل ما يعرض لك ممّا يمكن أن يواجهك من نتائج الأمور وعواقبها، بحيث إنك إذا أردت أن تتصرف، فإنك تتصرف بدراية وتخطيط، لتعرف من أين تبدأ والى أين تنتهي. هذه هي المسألة التي عالجها الإسلام في أكثر من نص قرآني ونص نبوي شريف.

فنحن نعرف أن الله تعالى تحدث عن خُلق الكافرين عندما تواجههم القضايا السلبية، وعبّر عن ذلك بـ"حميّة الجاهلية": {إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحميّة حميّة الجاهلية}، هذه العصبية التي تجعل الإنسان يضيق صدره بما لا يرتاح إليه من الآخرين، فينفعل ويتصرّف بطريقة الغضب الذي يعمي عقل الإنسان، ويغلق قلبه، ويربك كل تصرفاته. أما المؤمنون، فإن الله جعلهم في مقابل ذلك يأخذون بكلمة التقوى التي ألزمهم بها، وذلك بأن يراقبوا الله في كل ما يتصرفون به وفي كل ردود الفعل التي تنشأ في الأزمات والمشاكل.

ومن الطبيعي أن التقوى تمثل التخطيط لما يتصرف به الإنسان من كلام أو فعل، من خلال دراسته لنتائج ذلك كله. وقد ورد أن شخصاً جاء إلى رسول الله(ص) وطلب منه أن يوصيه، فاقتصر النبي (ص) على كلمة: "لا تغضب"، لأنّ الغضب يجمع الشرّ كلّه، ولأنه يجعل العقل في إجازة، الأمر الذي يدفع بالإنسان إلى أن يمارس ما يشبه الجنون في ذاته، وقد ورد في بعض الأحاديث عن النبي(ص): "الغضب جمرة من الشيطان"، ويعالج الإمام محمد الباقر (ع) ذلك فيقول: "إن هذا الغضب جمرة من الشيطان تتوقد في قلب ابن آدم، وإن أحدكم إذا غضب احمرّت عيناه وانتفخت أوداجه ودخل الشيطان فيه"، ويقول الإمام عليّ(ع): "إياك والغضب، فأوله جنون ـ لأنه يغيّب العقل ـ وآخره ندم"، لأن التصرفات التي تنطلق من الإنسان في حال الغضب هي تصرفات غير محكومة بالعقل، وتفتقر إلى الخطة التي تدرس العواقب، ويقول(ع) في كلمة أخرى: "الحدّة ـ وهي تعبير عن الغضب ـ ضرب من الجنون، لأن صاحبها يندم، فإن لم يندم فجنونه مستحكم". وقد ورد عن الإمام الصادق(ع): "من لم يملك غضبه لم يملك عقله"، وهذا ما نعرفه من خلال بعض الناس عندما يغضب ويحمق ويتصرف، فإنه يعتذر بعد ذلك ويقول: "عقلي ما كان معي".. وقد ورد في حديث الإمام الباقر(ع): "أيّ شيء أشدّ من الغضب، إن المرء ليغضب فيقتل النفس المحترمة". ولو درستم كثيراً من هؤلاء القتلة، فإنكم ترون أن ما صدر منهم ناشئ من حالة الغضب والحدّة، لأنهم لم يدرسوا النتائج التي تنتج عن تصرفاتهم في ذلك كله. ونلاحظ في قضية ما يحدث في البيوت من تصرفات الزوج أو الزوجة، عندما ينتهي الأمر بهما إلى الطلاق، فالغالب في هذا التصرف يكون ناشئاً من حالة انفعالية حادّة، بحيث يشعر الإنسان مع هذه الحالة بضيق صدر تجعله لا يفكّر بما يحدث بعد ذلك، ولدينا مثل نستعمله دائماً في كثير من الحالات: "راحت السكرة وجاءت الفكرة"، لأن حالة الانفعال هي حالة سكرة يسكر فيها توازن الإنسان وعقله.

ذكر الله حال الغضب

ولذلك، هناك الوصايا الشرعية للإنسان، أنه إذا غضب فإن عليه أن يذكر ربه، لأنه يذكر عند ذلك غضب الله عليه، وقد ورد في بعض الأحاديث: "يابن آدم، اذكرني في غضبك أذكرك في غضبي"، الله تعالى يغضب علينا إذا عصيناه، فعندما نغضب على إنسان هنا وهناك ممن أساء إلينا، فإن علينا أن نذكر غضب الله علينا فنقدّم هدوءنا وعقلنتنا في غضبنا حتى لا يغضب الله علينا، وقد أوحى الله تعالى إلى نبيّه داود: "إذا ذكرني عبدي حين يغضب ذكرته يوم القيامة في جميع خلقي، ولا أمحقه في من أمحق"، وقد ورد في الدعاء المنسوب إلى الإمام زين العابدين(ع)، والذي رواه "أبو حمزة الثمالي": "اللهم إنك أنزلت في كتابك العفو وأمرتنا أن نعفو عمّن ظلمنا، وقد ظلمنا أنفسنا فأعفُ عنا فإنك أولى بذلك منا"، ويقال إن السيد المسيح(ع) لما سأله الحواريون: أيّ الأشياء أشد؟ قال(ع): "غضب الله"، قالوا: فبمَ يُتقى غضب الله؟ قال(ع): "بأن لا تغضبوا".

القـوّة في الـتوازن

وقد ورد في الحديث عن ميزان القوة، ومن المتعارف عليه أن الأقوى هو الذي يملك مواقع القوة في بدنه بأن يصرع الآخرين أو يحمل الأشياء الثقيلة، هنا يُنقل أن النبي(ص) مرّ على قوم من أصحابه يرفعون حجراً، فقال(ص): "ما هذا"؟ قالوا: نعرف بذلك أشدنا وأقوانا، قال(ص): "ألا أخبركم بأشدكم وأقواكم"؟ ـ القوة ليست هي قوة الجسد، لأنه يمكن للإنسان أن يتدرب تدرباً مادياً على رفع الأثقال، ولكن القوة إنما تكون في التوازن في تصرفات الإنسان في الحياة، بحيث يستطيع أن يضغط على مشاعره وحبّه وبغضه أمام الحالات العاطفية والنفسية، فيتوازن، في الوقت الذي قد تدفعه مشاعره إلى فقدان التوازن ـ قالوا: بلى يا رسول الله، قال(ص): "أشدكم وأقواكم الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل، وإذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحق، وإذا قَدِر لم يتعاطَ ما ليس لـه بحق"، القوة الروحية والنفسية، قوة العدل في ذاتك، قوة الحق في تصرفاتك، قوة التوازن في علاقتك بالآخرين، بحيث لا يقدّم رجلاً ولا يؤخّر أخرى حتى يعلم أن في ذلك لله رضى، وقد ورد في الحديث عن النبي(ص) وقد سأل بعض أصحابه: "ما الصُرعة فيكم"؟ قالوا: الشديد القوي الذي لا يوضع جنبه، فقال(ص): "بل الصرعة حقّ الصرعة رجل وكز الشيطان في قلبه واشتد غضبه وظهر دمه، ثم ذكر الله فصرع بحلمه ـ سعة صدره ـ وهدوء عقله ـ غضبه"، هذا هو الإنسان القوي، الإنسان الذي لا يمكن أن يهزّه أحد أو يخرجه عن توازنه.

تدبر عواقب الأمور

على الإنسان أن يكون جبلاً في عقله ومشاعره وإرادته، فلا يقدم على أي تصرف حتى يعرف كل النتائج قبل البداية، وقد ذكرت لكم قصة ذلك الشاب الذي جاء إلى النبي(ص) وقال له: أوصني يا رسول الله، فقال(ص): "هل أنت مستوصٍ إذا أنا أوصيتك"، قال: بلى ـ وكررها ثلاث مرات ـ فقال (ص): "إن أنت هممت بأمر فتدبّر عاقبته، فإن يك رشداً فأمضه، وإن يك غيّاً فانتهِ عنه"، وهذا ما أمر به النبي(ص) شخصاً يعيش في منطقة عشائرية تكثر فيها المشاكل ـ والآن لدينا عشائر الأحزاب والطوائف والمذاهب التي قد تثار فيما بينها المشاكل من خلال فتنة أو شائعة ولا سيما أيام الانتخابات الصغيرة والكبيرة، بحيث تستيقظ الغرائز وتنام العقول، وقد قلت لبعض السياسيين الكبار من غير المسلمين أيام بعض الانتخابات، قلت له: إن الشباب كانوا يريدون منكم أن تحركوا عقولهم فحرّكتم غرائزهم" ـ فأوصاه النبي(ص): "انطلق ولا تغضب"، وكرر الوصية نفسها ثلاث مرات، وذهب، فإذا التجربة أمامه، فوجد عشيرته والعشيرة الثانية يقفون في جبهتين، فثار هذا الرجل ووقف مع عشيرته، ولكنه انتبه إلى وصية رسول الله(ص) بأن لا يغضب، ففكّر وجاء إلى العشيرة الأخرى، فقال لهم: ما كان عندكم من جراحة أو قتل فهو في مالي، بحيث أفسح المجال للتفاهم على الصلح، فهزّتهم هذه الأريحية، فقالوا: لن تكون أكرم منـّا ونحن مستعدون أن نعوّض عن القتلى عندنا وعندكم، فنامت الغريزة واستيقظ العقل.

الجنـة للمتقيـن...

فالله تعالى جعل الجنة للذين يملكون غضبهم: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنّة عرضها السموات والأرض أُعدّت للمتقين* الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، والله يحب المحسنين}، فالله تعالى جعل ثمن حبس الغيظ، وعدم تحرك الإنسان على أساس حركته في نفسه الجنة، فأي تجارة أربح من هذه التجارة؟

ولذلك ونحن نعيش في مجتمع العصبيات، وفي مرحلة تتحرك فيها كل المخابرات الدولية والإقليمية والمحلية من أجل أن تثير انفعالاتنا، مستغلة الخلافات الدينية بين الشعوب، والخلافات المذهبية لدى أصحاب الدين الواحد، والخلافات السياسية والقبلية، لتحركها من أجل تمزيق المجتمع الواحد وإسقاط قضاياه الكبرى، علينا أن نربي أنفسنا على أساس أن يكون العقل هو السيد والحاكم والمخطط، وأن تحكم عقولنا غرائزنا بدلاً من أن تحكم غرائزنا عقولنا، ولنتطلع إلى الله عندما نغضب، لنطلب رضاه عندما نرضى، ولنتفادى غضبه عندما نغضب، {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحبّ المحسنين}.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله، وواجهوا الموقف بعقول منفتحة على كل قضايانا المصيرية، وعلى كل التحديات التي يتحدّانا بها الاستكبار العالمي من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا، فأعداء الله من المستكبرين الكبار والصغار يخططون من أجل إسقاطنا ومصادرة كل أمورنا، وقتل أطفالنا ونسائنا وشيوخنا، لذلك علينا أن نرتفع إلى مستوى هذه التحديات لنواجهها صفاً واحداً كالبنيان المرصوص، لأن الكفر كله والاستكبار كله قد برز للإسلام كله وللاستضعاف كله، فتعالوا لنرى ماذا يحدث في منطقتنا وفي العالم مما يحركه المستكبرون:

إذعان أمريكي ودولي لإسرائيل

إسرائيل تقوم بعملية تدريب لجنودها على الرماية المباشرة بالقذائف والصواريخ، على أجساد الفلسطينيين المدنيين، ولا سيما الأطفال منهم، وتدريب طيّاريها العسكريين على قصف السيارات والبيوت والشوارع، لتحصد في كل يوم أكثر من شهيد، هذا فضلاً عن قيام الجرافات بهدم البيوت وجرف المزارع.

والعالم ينظر إلى هذه المجازر اليومية الوحشية بعيون جامدة وضمائر لا حرارة فيها، ثم يحدثونك عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ويحدثك الرئيس الأمريكي "بوش" عن "شارون" بصفته "رجل سلام" على طريقة الفهم الأمريكي للسلام الذي يفرض الاحتلال على الشعوب، ويصادر إنسانيتها، ويقصف بيوتها وسكانها على أساس الشبهة والمعلومات الاستخبارية التي لا ترتكز على أساس، كما هي الحال في معلومات المخابرات المركزية الأمريكية التي بررت الحرب على العراق، لتعود وتتحدث عن عدم التدقيق فيها وعدم تقديمها للإدارة، في عملية توزيع للأدوار بين الأجهزة المخابراتية والإدارة السياسية والعسكرية..

أما اللجنة الرباعية الدولية، فإنها مشغولة بتقديم المواعظ للفلسطينيين بضرورة إجراء الإصلاحات كشرط لتقديم الأموال للسلطة، وبتأييد الخطة الإسرائيلية المشبوهة في الانسحاب من غزة، مع رفض خجول للموقف الإسرائيلي في الامتناع عن قبول أيّ تدخّل دولي في قضية السلام ـ كما يقولون ـ إلا إذا كان أمريكياً، ما يعني أن أعضاء اللجنة لا يمثّلون أيّ دور فاعل في الحلّ حتى على مستوى خارطة الطريق.. وقد عبَّر دبلوماسي أوروبي عن شعورهم بما وصفه بـ"العداء المفرط من جانب ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية، لأن رئيسها لا يوافق على الاجتماع بنا"، على حدّ قوله..

ومن المضحك المبكي أن مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي يزور إسرائيل، يصرّح بأنه "يدرك أكثر من السابق قلق إسرائيل ومواقفها الأمنية"، في الوقت الذي لم تقدّم له أيّ شيء ولم تمكّنه من زيارة مفاعل ديمونا... ولكن هذا الكيان العبري الذي يملك أكبر ترسانة نووية وكيميائية وبيولوجية في المنطقة، يحاول ـ ومعه أمريكا ـ الضغط على إيران بحجة أنها تمثّل خطراً على العالم، في الوقت الذي وقّعت فيه إيران على معاهدة حظر السلاح النووي، وأعلنت أكثر من مرة بأنها لا تفكر في صنع سلاح نووي بالرغم من الخطر المحدق بها والتهديدات الأمريكية ـ الإسرائيلية ضدها..

ومن الطريف أن الاتحاد الأوروبي ينضم إلى أمريكا وإسرائيل في عملية الضغط، لأن السياسة الدولية تقوم الآن ـ بشكل وبآخر ـ على الخضوع للضغط الأمريكي في إعطاء إسرائيل كل الحرية في تهديد المنطقة بكل الأسلحة المتطوّرة، بما في ذلك السلاح النووي، من دون أن يكون لدول المنطقة الحق في الدفاع عن نفسها!!

وهذا ما يفرض على شعوب المنطقة، ولا سيما الشعب الفلسطيني، أن تمارس عملية الصمود والاستعداد لتطوير قوتها وتأكيد صمودها، وملاحقة كل عناصر الهيمنة الاستكبارية على مقدّراتها... وإننا ننصح الاتحاد الأوروبي ـ ومعه الاتحاد الروسي والأمم المتحدة ـ بأن لا يرضخوا للضغوط الأمريكية في السياسة المضادة لمصالح الشعوب، لأن ذلك لن يكون في مصلحتهم السياسية والاقتصادية.

أما الجدار العنصري الفاصل الذي يشكّل واحدة من الجرائم العنصرية الكبرى في التاريخ المعاصر، فإن كيان العدو يواصل العمل به غير عابئ بكل الأصوات والمواقف الرافضة، وحتى بما سيصدر عن محكمة العدل الدولية من موقف في هذا الشأن.. إن مشكلة المنطقة كلها هي أن أمريكا رفضت صدور أيّ موقف لا يروق لإسرائيل، لأنها تعتبر نفسها ـ كما أمريكا ـ فوق القانون الدولي.

العراق: وحدة داخلية لإخراج المحتل

أما العراق، فإن الاهتزاز الأمني الذي يعيشه شعبه تحت تأثير زلزاله اليومي، في المجازر الوحشية التي تطال المدنيين، لا يزال يفرض نفسه على الواقع كله، من دون أن تقوم كل القوات الأمريكية وحلفائها بأي عمل فاعل يحمي الناس، ومن دون أن تملك الحكومة العراقية المؤقتة أيّ قوة تؤكد النتائج الإيجابية للأمن الداخلي...

إننا نعتقد أن العراقيين بحاجة إلى نوع من المصالحة الداخلية التي لا تشمل المجرمين الذين تلطّخت أيديهم بدماء الأبرياء، والى توافق على إخراج المحتل وعدم الاستقواء به، لأنه لا يملك أن يحمي نفسه فكيف يملك حماية الشعب العراقي، كما أن العراق بحاجة إلى تكامل وتواصل وتفاهم مع الدول المجاورة التي لا تريد بالشعب العراقي سوءاً، بدلاً من التلويح لهذه الدول بالعصا الأمريكية التي نعرف أنها لا تريد الخير لهذا الشعب، بل إنها تحاول بث المعلومات الكاذبة المثيرة للانشقاق بين العراق ودول الجوار..

إن بقاء المحتل سوف يدفع الكثيرين من الداخل والخارج إلى اعتماد أساليب ووسائل المواجهة المشروعة وغير المشروعة، كما أن هذه الإثارة لبعض الهوامش الطائفية والمذهبية التي أنتجت واقعاً وحشياً ودامياً، قد تمهّد السبيل لإثارة أكثر من فتنة لا يستفيد منها إلا المحتل، في الوقت الذي يحتاج العراق إلى وحدة داخلية متراصة على جميع المستويات، وعلى الذين يفكّرون مذهبياً أو طائفياً أن يعرفوا أن هذه الخطوات سوف تسقط الهيكل على رؤوس الجميع.

لبنان: تفاقم الأزمات

أما لبنان الذي هو في المرتبة الـ78 من الدول الأكثر فساداً، فإنه بحاجة إلى الاهتمام من قِبَل القائمين على شؤونه لدراسة الأمور من الداخل، في التعرّف على حاجات المواطنين الحيوية، والتحديق بقضاياهم المصيرية، بعيداً عن أيّ وحي خارجي قريب أو بعيد لا يستهدف مصالح اللبنانيين، سواء في ذلك قضايا الغذاء الذي يستورده البعض من دون شروط صحية، أو الدواء الذي يدخل إلى البلد بطريقة التزوير والفاسد في عناصره بما يهدد حياة الناس، أو قضايا العمّال الذين سقطوا تحت خط الفقر، أو قضايا البطالة التي شرّدت الكثير من أصحاب الكفاءات، أو الأوضاع المعيشية في المشاريع الإنتاجية وفي التخطيط الزراعي والصناعي..

إن المال العام هو للشعب كله، ولكن البعض ممن يملك الحَول والطَوْل يحقق الثروات في هذا المجال من خلال وسائل الفساد والإفساد من دون رقيب أو حسيب.. ويبقى الحديث عن الاستحقاق القريب والبعيد، والسؤال: هل يعيد التاريخ نفسه، أم أننا نأمل بتاريخ جديد، لمستقبل جديد، لشعب جديد؟!

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية