لأن الله سر وجودنا وأساس تكويننا لنعش الحب له والانفتاح عليه

لأن الله سر وجودنا وأساس تكويننا لنعش الحب له والانفتاح عليه

 لأن الله سر وجودنا وأساس تكويننا
لنعش الحب له والانفتاح عليه


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم}، ويقول تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله}.

عقلنة حب الله

إن الله تعالى يريد لنا أن نحبه حبّ العقل، فلا يكون في عقلنا إلا هذا الحب العقلي الفكري الثقافي الذي يلتقي بعظمة الله تعالى، وحبّ القلب في كل هذه المشاعر والأحاسيس التي تجعل القلب ينبض بحبّ الله وحبّ الحياة، بحيث تجعل حركتنا في الحياة ـ على مستوى أوضاعنا الفردية وعلاقاتنا الاجتماعية وحركتنا مع الإنسان والحياة ـ في مواقع رضى الله تعالى.

أما لماذا يريدنا الله تعالى أن نحبه أكثر مما نحبّ أحداً؟ فلأن الله تعالى هو سرّ وجودنا: {وما بكم من نعمة فمن الله}، تصوّروا كل الذين تحبونهم، فمنكم من يحب إنساناً لجماله أو لعلمه أو لقوّته أو لبعض الصفات الإيجابية في حياته، إننا نحبُّ كلَّ إنسانٍ بلحاظ صفةٍ فيه، ولكن لو درسنا كلَّ من نحب في العناصر التي نحبه فيها، لوجدنا أن الله تعالى هو الذي أعطى من نحبهم كل هذه الصفات والعناصر؛ مَن الذي أعطى الجميل جماله، ومن الذي وهب للإنسان عقله، أو أفاض عليه علمه، أو هيأ له أسباب الانتصار؟ من الذي هيأ لكل الناس الوسائل التي تجتذب حب الناس إليهم، سواء كانت هذه الوسائل كامنة في شخصية الإنسان أو محيطة بما حوله؟

لهذا، فعندما نريد أن نعقلن الحبَّ، فإننا نجد أن الله تعالى هو الذي يجمع كلَّ عناصر الحبّ، فإذا كنا نحب الذي يعطينا، فإن الله أعطانا وجودنا وكل ما نكبر به في تكويننا، وكل ما نستمتع به مما خلقه لنا: {وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها}. فليتصوّر كل إنسان وهو يفكر ـ ولا بأس أن يجلس الإنسان مع نفسه ليخلو إليها بعيداً عن كل الضجيج ـ هل هناك شيء عندنا لا دخل لله فيه؟ ولذا، الإمام عليّ (ع) يقول: "لا تستعينوا بنعم الله على معصيته"، فإذا كنا نحب بعض الناس لبعض صفاتهم، فإن الله هو الذي أعطى ذلك كله.

قيمة الحب لله

ثمّ إننا نعيش مع الناس كلّهم فترةً من الزمن، ولكن في النهاية سوف نفارقهم ويفارقوننا، ويبقى المصير إلى الله تعالى، فمنه البداية وإليه النهاية، ولذلك لا بد لنا أن نعيش الحبَّ لله، وقيمة الحب لله أنه يفتح عقلك وقلبك وحياتك على صديق لا صديق مثله، في أنه قادر على أن يعطيك كل شيء، ويخفّف عنك كل مشكلة، وينقذك من كل بلية، لأنه "هو المهيمن على الأمر كله".

في كثيرٍ من الحالات، قد تجد نفسك في حالة نفسية تريد فيها أن "تفضفض" لشخص، ولا سيما عند وجود حالة نفسية أو سرّ يضغط عليك، بحيث إنك تريد أحداً تتكلَّم معه، وقد تخاف من البوح بالسر أو المشكلة أو العقدة لإنسان آخر، لأنه قد تتدنى قيمتك عنده، ولكن الأمر يختلف بالنسبة لله عزَّ وجل، لأنّك تستطيع أن تعترف له بكلِّ شيء، وهذه الأدعية التي بين أيدينا هي اعترافات له سبحانه، وعندما تعترف لله، فإنك تفضفض عما في نفسك، ولا تفضحها لأنك مكشوف عنده سبحانه: {يعلم السرّ وأخفى}، {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور}، تستطيع أن تجلس مع الله تعالى من دون مقدّمات ورسميات، دون أن تفتح كتاباً للدعاء، وفي جميع أحوالك، لأنه هو الذي لا يغيب عنك في كل الحالات؛ هل هناك من تستطيع أن تعترف له بكل شيء، وتطلب منه كل شيء، وهو يفتح آفاقه لك: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون}، {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم}، ففي عقيدتنا أنه ليس هناك واسطة؛ بيننا وبين الله، فلا حجاب ولا وسيط، نحن نتوسل بالأنبياء والأئمة ونستشفع بهم لأن الله أعطاهم الشفاعة، ولكنّ الله تعالى لم يجعل بينه وبين عباده أي وسيط أو حاجب..

الذين يحبهم الله

لذلك، لا بدَّ لنا من أن نربِّي حبَّ الله وصداقة الله في نفوسنا، ومن شروط حبّ الله أننا نحبُّ من يحبّه الله، فالإنسان عندما يحب شخصاً، فمن الطبيعي أن حبّه لهذا الشخص يقتضي ثقته به وقد تحدَّث الله تعالى في القرآن الكريم عمّن يحبه الإنسان وعمّن لا يحبّه، فهو _ سبحانه _ يريد أن يجعل لنا منهجاً في أن نحبّ من يحبّه وأن لا نحب من لا يحبه: {وأحسنوا إن الله يحب المحسنين}، فالناس الذين يحسنون للناس، سواء كان الإحسان مالياً أو علمياً أو خدماتياً، فالله يحبهم وعلينا أن نحبهم، والله {يحب التوّابين ويحبّ المتطهّرين} الذين يعيشون طهارة الروح والقلب واليد والجسد في حياتهم، وعلينا أن نحبهم والله {يحب المتقين} الذين يخافون الله ويطيعونه ليأمنوا عذابه ويحصلوا على ثوابه، فعلينا أن نحبَّ المتقين، والله يحبَّ الصابرين، لأن الصبر هو من القيم التي يحبها الله، وقد جعلها تعالى أعلى قيمة: {وبشّر الصابرين* الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون* أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}، والله {يحب المتوكلين} و{يحب المقسطين} الذين يأخذون بالعدل، فعلينا أن نأخذ بالعدل، ونحبّ من يتعامل مع الناس بالعدل، والله {يحبّ الذين يقاتلون في سبيله صفاً}، وهم الأمة التي تتوحد وتضم طاقات بعضها إلى بعض، وتقف في حالات الصراع السياسي والعسكري والثقافي والاقتصادي صفاً واحداً.

ويقول الإمام زين العابدين (ع): "إن الله يحبُّ كل قلب حزين ـ يعيش الحزن في نفسه خوفاً مما يقدم عليه ـ ويحب كلَّ عبد شكور"، الذي يشكر المخلوق ويشكر الخالق. وعن الإمام الباقر (ع): "إن الله يحب الحيي ـ الذي يعيش الحياء في أخلاقه ـ الحليم".

من لا يحبهم الله

أما الذين لا يحبهم الله، فإنه سبحانه {لا يحبُّ المعتدين} الذين يعتدون على الناس، وعلينا أن لا نحبهم ولا نساندهم ولا نؤيدهم، لأن الله يريد للإنسان أن يكون سلماً للناس، والله {لا يحبّ كل كفّار أثيم} من الذين يكفرون بالله وبنعمه ويعصونه سبحانه، والله {لا يحب الظالمين} الذين يظلمون الناس في الصغير والكبير، والله {لا يحب من كان مختالاً فخوراً}، وهو الشخص المتكبّر الذي تأخذه الخيلاء، والله {لا يحب من كان خوّاناً أثيما}، وعليكم أن لا تحبوا الخونة إذا كنتم تحبون الله تعالى، والله {لا يحب المفسدين}، وهم الذين يمارسون الإفساد في العقيدة أو الشريعة أو السياسة أو الاقتصاد أو الأمن، والله {لا يحب المسرفين} الذين يعيشون الإسراف في أعمالهم وأموالهم، الله {لا يحب المستكبرين} الذين يتكبرون على الناس بغير الحق، والله {لا يحب الفرحين} وهم الذين يبطرون، والله {لا يحب الكافرين} و{لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظُلم}، فليس للإنسان أن يتحدث عن الناس بالسوء إلا إذا كان مظلوماً.

أحب الناس إلى الله

مَن هو أحبّ الناس إلى الله؟ عن الإمام الصادق (ع): "ألا وإن أحبّ المؤمنين إلى الله من أعان المؤمن الفقير من الفقر في دنياه ومعاشه، ومن أعان ونفع ودفع المكروه عن المؤمنين"، وعن النبي (ص): "أحبّ عباد الله إلى الله أنفعهم لعباده وأقومهم بحقه، الذين يُحبّب إليهم المعروف وفعاله"، وعنه (ص): يقول الله تبارك وتعالى: "إن أحبّ العباد إليّ المتحابّون من أجلي، المتعلقة قلوبهم بالمساجد، والمستغفرون بالأسحار، أولئك إذا أردت بأهل الأرض عقوبةً ذكرتهم فصرفت العقوبة عنهم". وعن الإمام الصادق (ع): "أحبّ العباد إلى الله رجل صدوق في حديثه، محافظ على صلاته وما افترض الله عليه مع أداء الأمانة"، "إن أحبكم إلى الله جلّ ثناؤه أكثركم ذكراً لله وأكرمكم عند الله"، وقد ورد في الحديث: "الخلق عيال الله، فأحب الخلق إلى الله من نفع عيال الله وأدخل على أهل بيت سروراً"، ولما سئل رسول الله (ص) عن أحبَّ الناس للناس قال (ص): "أنفع الناس للناس".

وهكذا، تتابع الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة لتؤكد لنا أن علينا أن نحب الله تعالى حباً لا نحب أحداً مثله، وعلينا أن نحب من يحبه الله، ولا نحب من لا يحبه الله، وأن تتحرك كل حياتنا من أجل أن نحصل على حبّ الله لنا عندما نأخذ بما يحبه الله في كل أعمالنا وأقوالنا وعلاقاتنا، {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون}.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله وواجهوا الموقف بوحدتكم في مقابل الذين يريدون أن يفرقوكم ويمزقوا وحدتكم، وأن يعبثوا بأمنكم وقضاياكم السياسية والأمنية، وحافظوا على أخوّتكم الإيمانية التي تجعلكم تنفتحون على خط الإيمان من أجل رضى الله تعالى، ومن أجل أن يكون الإسلام والمسلمون قوة في مواجهة قوى الاستكبار والكفر، لأن الله تعالى لا يعذر أمة لا يؤخذ فيها الحق من القويّ للضعيف، ولا سيما وأن بلاد الإسلام والمستضعفين تتعرض في هذه المرحلة من حياتنا لأقسى هجمة من أجل إذلالنا ومصادرة كل قوة عندنا في كل جوانب الحياة، فتعالوا من أجل أن نتعرّف ماذا يفعلون، وكيف يمكن أن ننظم أمورنا ونبتعد عن كلِّ من يريد أن يثير الفتنة فينا:

العراق: سيادة منقوصة

أمريكا مشغولة ـ ومعها مجلس الأمن ـ بالحديث عن نقل السيادة إلى العراقيين في أوائل تموز القادم، ولكن الرئيس الأمريكي لا يزال يكرر نفسه ولم يعترف بإخفاقاته السياسية التي زادت من حدّة العنف في العراق، وخففت من صدقية واشنطن لدى الشعب العراقي والمجتمع الدولي، ما أفقده الحصول على ثقة الشعب العراقي في تغيير الأوضاع على الأرض، كما أن مشاعر القلق التي تنتج مشاعر الرعب من المستقبل بدأت تثير حتى الشعب الأمريكي الذي أخذ يشعر بأنه قد خسر الموقف على صعيد النتائج..

لقد قدّمت أمريكا وبريطانيا مشروع قرار حول العراق إلى مجلس الأمن الدولي، لكنهما اقترحا أن تبقى القوات الأمريكية هناك بحجة اتخاذ الإجراءات لضمان إقرار النظام من دون تحديد موعد لسحبها، في الوقت الذي أكد فيه وزير خارجية أمريكا أن هذا البقاء محدد يتوقف على المهمة الأمريكية لتحقيق مصالحها في العراق والمنطقة، من دون تحديد لطبيعة هذه المصالح الاستراتيجية..

ولا يزال الجدل دائراً حول حدود السيادة العراقية المنتظرة من قِبَل أكثر من دولة من الدول الكبرى، وأنّ من المفروض أن تمارس الحكومة العراقية الجديدة السيادة الكاملة في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والقضائية والدبلوماسية، والسيطرة والتصرف بكل الموارد الطبيعية والاقتصادية، وأن تكون لها سلطة إدارة السجون في العراق.. ولكن أمريكا تتحفّظ حول أكثر من جانب، لأنها تريد البقاء خلف الحكم الجديد، لتكون السيادة للعراقيين في الشكل لا في المضمون، لأنها لا تريد عراقاً حرّاً سيّداً يملك تقرير مصيره بما في ذلك قراره بانسحاب القوات الأمريكية.. وإذا كانت أمريكا تتحدث عن دور للأمم المتحدة، فإنها تريده تحت المظلة الأمريكية القيادية، ليشكل بذلك غطاءً للدور الأمريكي الممتد في مصالحها في المنطقة من خلال العراق..

إنّنا ـ كشعوبٍ تطلب الحرية وتعمل للإصلاح ـ لا نثق بالإدارة الأمريكية من خلال سياستها الظالمة الخادعة التي تديرها في المسألة الفلسطينية، في التزامها المطلق بأمن إسرائيل على حساب أمن فلسطين وتبريرها لكلِّ جرائمها ومجازرها، واللعب على حركة الزمن من أجل تمكين الصهيونية من استكمال خططها الاستراتيجية في الامتداد العدواني الذي يجرف الأرض، ويشرّد البشر، ويقتل حياة الناس كلهم، في عملية إبادة، كما في سياسة الإدارة الحالية في احتلالها للعراق..

إننا نريد لأهلنا المنكوبين في العراق الجريح أن يحدّقوا بالسلوك الأمريكي في هذا الزمن الاحتلالي، ليعرفوا أن أمريكا لن تمنحهم الحرية في العمق، ولكنها تمنحهم حرية في الشكل، وعليهم أن يؤكدوا حريتهم القوية الأصيلة الواسعة في التحرك على مستوى قدراتهم الذاتية، وامتداداتهم الإقليمية والدولية، من أجل عراق حرّ بإرادتهم، مزدهر بجهدهم، موحَّد بوحدتهم.. ونريد لهم أمام الجريمة المروّعة في عدوان الاحتلال على المقدّسات في النجف وكربلاء والكوفة، وفي المواقع العبادية في بغداد وغيرها، أن يبادروا إلى حلّ المشكلة المعقّدة على أساس الوحدة والتفاهم والتعاون، وإطلاق الصوت الواحد ضد الاحتلال الذي يتحمّل مسؤولية كل الضحايا والجرحى والتدمير للمقامات المشرّفة، فهو أساس كل شر، وعليهم أن لا يسمحوا للذين يصنعون الفتنة أن يحركوها بين أبناء الصف الواحد.

فلسطين: صناعة المستقبل

أما فلسطين، فإنها لا تزال الجرح الأعمق في جسد الأمة، والقضية الكبرى في وجدانها، وحركة الحرية في مسيرتها.. ولم يزل اللاعبون الدوليون والإقليميون يعبثون بالمصير الفلسطيني بحجة البحث عن حلّ في خط الإدارة الإسرائيلية المتحالفة مع الإدارة الأمريكية، فالمسألة ـ لدى الجميع ـ ما هو قرار الليكود والحكومة الصهيونية، وما هي وسائل الضغط الأمريكي على الحكومة الفلسطينية وعلى الحكومات العربية!! أما ما هي مصلحة الشعب الفلسطيني، وما هو موقف المقاومة، فإن القرار الأمريكي هو إبادة كل المطالبين بالحرية وبزوال الاحتلال تحت عنوان "الحرب على الإرهاب"..

إننا نعرف جيداً عمق جراحات هذا الشعب الصامد المجاهد الذي يُراد إسقاطه تحت تأثير سياسة التعب والتجويع والتدمير والقتل والاعتقال، ولكننا نعتقد أنه يعرف بأن المستقبل لا يصنعه الذين تتساقط إرادتهم في المعركة، بل الذين تتصلّب مواقفهم أمام كلِّ تحديات الأعداء.

لبنان: من المسؤول عن المجزرة؟

وعندما نأتي إلى لبنان، فإننا نستنكر بقوة أحداث الأمس التي أدّت إلى سقوط الضحايا من القتلى والجرحى تحت تأثير الفوضى، فنحن لا نريد للناس أن تستذكر الدور السابق للقوى الأمنية، لأن الناس تعرّفت إلى الجيش الذي تحمّل المسؤولية إلى جانب المقاومة في تحرير الأرض والخلاص من الاحتلال.. ولا نريد لأحد من خلال جملة من الممارسات الخاطئة أن يستذكر الأيام السابقة التي كان يُزجّ فيها بالجيش في مواجهة الشعب..

إن من حق الجميع أن يعرفوا مَن المسؤول عمّا حدث، ولماذا يُصار إلى استخدام الأسلحة والرصاص من دون اللجوء إلى الأساليب الأخرى، ولماذا لا تكون قوى الأمن الداخلي هي التي تتحمّل مسؤولية الأمن في مثل هذه الحالات؟؟

إنَّ السلم الأهلي والاستقرار الأمني مسؤولية الجميع، ولا بد أن يتم التعاطي مع هذه المسألة على أساس أنَّها خطٌّ أحمر ينبغي احترامه في ظل التحديات الكبرى التي تواجهنا في المنطقة، والتحديات الداخلية على المستوى الاقتصادي التي أفرزت هذه النتائج..

وإننا في الوقت الذي نؤكد فيه ضرورة تحقيق المطالب المحقة للطبقات المحرومة والفقيرة وللعمّال، نريد أن يكون التعبير عن هذه المطالب حضارياً، لأن عمليات التخريب وإشعال الدواليب وتكسير الهواتف العمومية وحرق الأشجار أمور غير جائزة.. وينبغي على القوى السياسية والشعبية أن تتحمّل مسؤوليتها وأن تأخذ دورها في منع المظاهر التعبيرية التي تسيء إلى روح أيّ تحرك شعبي ومضمونه، والذي قد يكون انطلق من أشخاص أو جهات لا تريد خيراً بالحركة الشعبية الاحتجاجية.

لذلك، ينبغي أن يُحدَّد المسؤول عمّا حدث سريعاً، لأننا لا نريد للناس أن تكون فريسة الإهمال الاقتصادي والأمني، أو أن توضع بين نارين: الموت جوعاً أو الموت عقاباً.

وأخيراً، إننا نريد للقيادات التي خاضت الاستحقاق الانتخابي البلدي، أن تتحمّل المسؤولية في كلِّ الأعمال السلبية التي يقوم بها محازبوها أو السائرون في ركابها، مما يثير الفتنة، ويحرّك الأحقاد، ويسيء إلى الأمن في المجتمع الأهلي، لأننا نخشى أن تكون نتائج الاستحقاق أكثر خطورةً من خطورة الاستحقاق نفسه.. فإذا كانوا يتحدثون عن التحرر من العدو، فإن للمقاومة معنى في تحرير الإنسان من الحقد والعصبية العمياء والعداوة السوداء..

 لأن الله سر وجودنا وأساس تكويننا
لنعش الحب له والانفتاح عليه


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم}، ويقول تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله}.

عقلنة حب الله

إن الله تعالى يريد لنا أن نحبه حبّ العقل، فلا يكون في عقلنا إلا هذا الحب العقلي الفكري الثقافي الذي يلتقي بعظمة الله تعالى، وحبّ القلب في كل هذه المشاعر والأحاسيس التي تجعل القلب ينبض بحبّ الله وحبّ الحياة، بحيث تجعل حركتنا في الحياة ـ على مستوى أوضاعنا الفردية وعلاقاتنا الاجتماعية وحركتنا مع الإنسان والحياة ـ في مواقع رضى الله تعالى.

أما لماذا يريدنا الله تعالى أن نحبه أكثر مما نحبّ أحداً؟ فلأن الله تعالى هو سرّ وجودنا: {وما بكم من نعمة فمن الله}، تصوّروا كل الذين تحبونهم، فمنكم من يحب إنساناً لجماله أو لعلمه أو لقوّته أو لبعض الصفات الإيجابية في حياته، إننا نحبُّ كلَّ إنسانٍ بلحاظ صفةٍ فيه، ولكن لو درسنا كلَّ من نحب في العناصر التي نحبه فيها، لوجدنا أن الله تعالى هو الذي أعطى من نحبهم كل هذه الصفات والعناصر؛ مَن الذي أعطى الجميل جماله، ومن الذي وهب للإنسان عقله، أو أفاض عليه علمه، أو هيأ له أسباب الانتصار؟ من الذي هيأ لكل الناس الوسائل التي تجتذب حب الناس إليهم، سواء كانت هذه الوسائل كامنة في شخصية الإنسان أو محيطة بما حوله؟

لهذا، فعندما نريد أن نعقلن الحبَّ، فإننا نجد أن الله تعالى هو الذي يجمع كلَّ عناصر الحبّ، فإذا كنا نحب الذي يعطينا، فإن الله أعطانا وجودنا وكل ما نكبر به في تكويننا، وكل ما نستمتع به مما خلقه لنا: {وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها}. فليتصوّر كل إنسان وهو يفكر ـ ولا بأس أن يجلس الإنسان مع نفسه ليخلو إليها بعيداً عن كل الضجيج ـ هل هناك شيء عندنا لا دخل لله فيه؟ ولذا، الإمام عليّ (ع) يقول: "لا تستعينوا بنعم الله على معصيته"، فإذا كنا نحب بعض الناس لبعض صفاتهم، فإن الله هو الذي أعطى ذلك كله.

قيمة الحب لله

ثمّ إننا نعيش مع الناس كلّهم فترةً من الزمن، ولكن في النهاية سوف نفارقهم ويفارقوننا، ويبقى المصير إلى الله تعالى، فمنه البداية وإليه النهاية، ولذلك لا بد لنا أن نعيش الحبَّ لله، وقيمة الحب لله أنه يفتح عقلك وقلبك وحياتك على صديق لا صديق مثله، في أنه قادر على أن يعطيك كل شيء، ويخفّف عنك كل مشكلة، وينقذك من كل بلية، لأنه "هو المهيمن على الأمر كله".

في كثيرٍ من الحالات، قد تجد نفسك في حالة نفسية تريد فيها أن "تفضفض" لشخص، ولا سيما عند وجود حالة نفسية أو سرّ يضغط عليك، بحيث إنك تريد أحداً تتكلَّم معه، وقد تخاف من البوح بالسر أو المشكلة أو العقدة لإنسان آخر، لأنه قد تتدنى قيمتك عنده، ولكن الأمر يختلف بالنسبة لله عزَّ وجل، لأنّك تستطيع أن تعترف له بكلِّ شيء، وهذه الأدعية التي بين أيدينا هي اعترافات له سبحانه، وعندما تعترف لله، فإنك تفضفض عما في نفسك، ولا تفضحها لأنك مكشوف عنده سبحانه: {يعلم السرّ وأخفى}، {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور}، تستطيع أن تجلس مع الله تعالى من دون مقدّمات ورسميات، دون أن تفتح كتاباً للدعاء، وفي جميع أحوالك، لأنه هو الذي لا يغيب عنك في كل الحالات؛ هل هناك من تستطيع أن تعترف له بكل شيء، وتطلب منه كل شيء، وهو يفتح آفاقه لك: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون}، {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم}، ففي عقيدتنا أنه ليس هناك واسطة؛ بيننا وبين الله، فلا حجاب ولا وسيط، نحن نتوسل بالأنبياء والأئمة ونستشفع بهم لأن الله أعطاهم الشفاعة، ولكنّ الله تعالى لم يجعل بينه وبين عباده أي وسيط أو حاجب..

الذين يحبهم الله

لذلك، لا بدَّ لنا من أن نربِّي حبَّ الله وصداقة الله في نفوسنا، ومن شروط حبّ الله أننا نحبُّ من يحبّه الله، فالإنسان عندما يحب شخصاً، فمن الطبيعي أن حبّه لهذا الشخص يقتضي ثقته به وقد تحدَّث الله تعالى في القرآن الكريم عمّن يحبه الإنسان وعمّن لا يحبّه، فهو _ سبحانه _ يريد أن يجعل لنا منهجاً في أن نحبّ من يحبّه وأن لا نحب من لا يحبه: {وأحسنوا إن الله يحب المحسنين}، فالناس الذين يحسنون للناس، سواء كان الإحسان مالياً أو علمياً أو خدماتياً، فالله يحبهم وعلينا أن نحبهم، والله {يحب التوّابين ويحبّ المتطهّرين} الذين يعيشون طهارة الروح والقلب واليد والجسد في حياتهم، وعلينا أن نحبهم والله {يحب المتقين} الذين يخافون الله ويطيعونه ليأمنوا عذابه ويحصلوا على ثوابه، فعلينا أن نحبَّ المتقين، والله يحبَّ الصابرين، لأن الصبر هو من القيم التي يحبها الله، وقد جعلها تعالى أعلى قيمة: {وبشّر الصابرين* الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون* أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}، والله {يحب المتوكلين} و{يحب المقسطين} الذين يأخذون بالعدل، فعلينا أن نأخذ بالعدل، ونحبّ من يتعامل مع الناس بالعدل، والله {يحبّ الذين يقاتلون في سبيله صفاً}، وهم الأمة التي تتوحد وتضم طاقات بعضها إلى بعض، وتقف في حالات الصراع السياسي والعسكري والثقافي والاقتصادي صفاً واحداً.

ويقول الإمام زين العابدين (ع): "إن الله يحبُّ كل قلب حزين ـ يعيش الحزن في نفسه خوفاً مما يقدم عليه ـ ويحب كلَّ عبد شكور"، الذي يشكر المخلوق ويشكر الخالق. وعن الإمام الباقر (ع): "إن الله يحب الحيي ـ الذي يعيش الحياء في أخلاقه ـ الحليم".

من لا يحبهم الله

أما الذين لا يحبهم الله، فإنه سبحانه {لا يحبُّ المعتدين} الذين يعتدون على الناس، وعلينا أن لا نحبهم ولا نساندهم ولا نؤيدهم، لأن الله يريد للإنسان أن يكون سلماً للناس، والله {لا يحبّ كل كفّار أثيم} من الذين يكفرون بالله وبنعمه ويعصونه سبحانه، والله {لا يحب الظالمين} الذين يظلمون الناس في الصغير والكبير، والله {لا يحب من كان مختالاً فخوراً}، وهو الشخص المتكبّر الذي تأخذه الخيلاء، والله {لا يحب من كان خوّاناً أثيما}، وعليكم أن لا تحبوا الخونة إذا كنتم تحبون الله تعالى، والله {لا يحب المفسدين}، وهم الذين يمارسون الإفساد في العقيدة أو الشريعة أو السياسة أو الاقتصاد أو الأمن، والله {لا يحب المسرفين} الذين يعيشون الإسراف في أعمالهم وأموالهم، الله {لا يحب المستكبرين} الذين يتكبرون على الناس بغير الحق، والله {لا يحب الفرحين} وهم الذين يبطرون، والله {لا يحب الكافرين} و{لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظُلم}، فليس للإنسان أن يتحدث عن الناس بالسوء إلا إذا كان مظلوماً.

أحب الناس إلى الله

مَن هو أحبّ الناس إلى الله؟ عن الإمام الصادق (ع): "ألا وإن أحبّ المؤمنين إلى الله من أعان المؤمن الفقير من الفقر في دنياه ومعاشه، ومن أعان ونفع ودفع المكروه عن المؤمنين"، وعن النبي (ص): "أحبّ عباد الله إلى الله أنفعهم لعباده وأقومهم بحقه، الذين يُحبّب إليهم المعروف وفعاله"، وعنه (ص): يقول الله تبارك وتعالى: "إن أحبّ العباد إليّ المتحابّون من أجلي، المتعلقة قلوبهم بالمساجد، والمستغفرون بالأسحار، أولئك إذا أردت بأهل الأرض عقوبةً ذكرتهم فصرفت العقوبة عنهم". وعن الإمام الصادق (ع): "أحبّ العباد إلى الله رجل صدوق في حديثه، محافظ على صلاته وما افترض الله عليه مع أداء الأمانة"، "إن أحبكم إلى الله جلّ ثناؤه أكثركم ذكراً لله وأكرمكم عند الله"، وقد ورد في الحديث: "الخلق عيال الله، فأحب الخلق إلى الله من نفع عيال الله وأدخل على أهل بيت سروراً"، ولما سئل رسول الله (ص) عن أحبَّ الناس للناس قال (ص): "أنفع الناس للناس".

وهكذا، تتابع الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة لتؤكد لنا أن علينا أن نحب الله تعالى حباً لا نحب أحداً مثله، وعلينا أن نحب من يحبه الله، ولا نحب من لا يحبه الله، وأن تتحرك كل حياتنا من أجل أن نحصل على حبّ الله لنا عندما نأخذ بما يحبه الله في كل أعمالنا وأقوالنا وعلاقاتنا، {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون}.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله وواجهوا الموقف بوحدتكم في مقابل الذين يريدون أن يفرقوكم ويمزقوا وحدتكم، وأن يعبثوا بأمنكم وقضاياكم السياسية والأمنية، وحافظوا على أخوّتكم الإيمانية التي تجعلكم تنفتحون على خط الإيمان من أجل رضى الله تعالى، ومن أجل أن يكون الإسلام والمسلمون قوة في مواجهة قوى الاستكبار والكفر، لأن الله تعالى لا يعذر أمة لا يؤخذ فيها الحق من القويّ للضعيف، ولا سيما وأن بلاد الإسلام والمستضعفين تتعرض في هذه المرحلة من حياتنا لأقسى هجمة من أجل إذلالنا ومصادرة كل قوة عندنا في كل جوانب الحياة، فتعالوا من أجل أن نتعرّف ماذا يفعلون، وكيف يمكن أن ننظم أمورنا ونبتعد عن كلِّ من يريد أن يثير الفتنة فينا:

العراق: سيادة منقوصة

أمريكا مشغولة ـ ومعها مجلس الأمن ـ بالحديث عن نقل السيادة إلى العراقيين في أوائل تموز القادم، ولكن الرئيس الأمريكي لا يزال يكرر نفسه ولم يعترف بإخفاقاته السياسية التي زادت من حدّة العنف في العراق، وخففت من صدقية واشنطن لدى الشعب العراقي والمجتمع الدولي، ما أفقده الحصول على ثقة الشعب العراقي في تغيير الأوضاع على الأرض، كما أن مشاعر القلق التي تنتج مشاعر الرعب من المستقبل بدأت تثير حتى الشعب الأمريكي الذي أخذ يشعر بأنه قد خسر الموقف على صعيد النتائج..

لقد قدّمت أمريكا وبريطانيا مشروع قرار حول العراق إلى مجلس الأمن الدولي، لكنهما اقترحا أن تبقى القوات الأمريكية هناك بحجة اتخاذ الإجراءات لضمان إقرار النظام من دون تحديد موعد لسحبها، في الوقت الذي أكد فيه وزير خارجية أمريكا أن هذا البقاء محدد يتوقف على المهمة الأمريكية لتحقيق مصالحها في العراق والمنطقة، من دون تحديد لطبيعة هذه المصالح الاستراتيجية..

ولا يزال الجدل دائراً حول حدود السيادة العراقية المنتظرة من قِبَل أكثر من دولة من الدول الكبرى، وأنّ من المفروض أن تمارس الحكومة العراقية الجديدة السيادة الكاملة في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والقضائية والدبلوماسية، والسيطرة والتصرف بكل الموارد الطبيعية والاقتصادية، وأن تكون لها سلطة إدارة السجون في العراق.. ولكن أمريكا تتحفّظ حول أكثر من جانب، لأنها تريد البقاء خلف الحكم الجديد، لتكون السيادة للعراقيين في الشكل لا في المضمون، لأنها لا تريد عراقاً حرّاً سيّداً يملك تقرير مصيره بما في ذلك قراره بانسحاب القوات الأمريكية.. وإذا كانت أمريكا تتحدث عن دور للأمم المتحدة، فإنها تريده تحت المظلة الأمريكية القيادية، ليشكل بذلك غطاءً للدور الأمريكي الممتد في مصالحها في المنطقة من خلال العراق..

إنّنا ـ كشعوبٍ تطلب الحرية وتعمل للإصلاح ـ لا نثق بالإدارة الأمريكية من خلال سياستها الظالمة الخادعة التي تديرها في المسألة الفلسطينية، في التزامها المطلق بأمن إسرائيل على حساب أمن فلسطين وتبريرها لكلِّ جرائمها ومجازرها، واللعب على حركة الزمن من أجل تمكين الصهيونية من استكمال خططها الاستراتيجية في الامتداد العدواني الذي يجرف الأرض، ويشرّد البشر، ويقتل حياة الناس كلهم، في عملية إبادة، كما في سياسة الإدارة الحالية في احتلالها للعراق..

إننا نريد لأهلنا المنكوبين في العراق الجريح أن يحدّقوا بالسلوك الأمريكي في هذا الزمن الاحتلالي، ليعرفوا أن أمريكا لن تمنحهم الحرية في العمق، ولكنها تمنحهم حرية في الشكل، وعليهم أن يؤكدوا حريتهم القوية الأصيلة الواسعة في التحرك على مستوى قدراتهم الذاتية، وامتداداتهم الإقليمية والدولية، من أجل عراق حرّ بإرادتهم، مزدهر بجهدهم، موحَّد بوحدتهم.. ونريد لهم أمام الجريمة المروّعة في عدوان الاحتلال على المقدّسات في النجف وكربلاء والكوفة، وفي المواقع العبادية في بغداد وغيرها، أن يبادروا إلى حلّ المشكلة المعقّدة على أساس الوحدة والتفاهم والتعاون، وإطلاق الصوت الواحد ضد الاحتلال الذي يتحمّل مسؤولية كل الضحايا والجرحى والتدمير للمقامات المشرّفة، فهو أساس كل شر، وعليهم أن لا يسمحوا للذين يصنعون الفتنة أن يحركوها بين أبناء الصف الواحد.

فلسطين: صناعة المستقبل

أما فلسطين، فإنها لا تزال الجرح الأعمق في جسد الأمة، والقضية الكبرى في وجدانها، وحركة الحرية في مسيرتها.. ولم يزل اللاعبون الدوليون والإقليميون يعبثون بالمصير الفلسطيني بحجة البحث عن حلّ في خط الإدارة الإسرائيلية المتحالفة مع الإدارة الأمريكية، فالمسألة ـ لدى الجميع ـ ما هو قرار الليكود والحكومة الصهيونية، وما هي وسائل الضغط الأمريكي على الحكومة الفلسطينية وعلى الحكومات العربية!! أما ما هي مصلحة الشعب الفلسطيني، وما هو موقف المقاومة، فإن القرار الأمريكي هو إبادة كل المطالبين بالحرية وبزوال الاحتلال تحت عنوان "الحرب على الإرهاب"..

إننا نعرف جيداً عمق جراحات هذا الشعب الصامد المجاهد الذي يُراد إسقاطه تحت تأثير سياسة التعب والتجويع والتدمير والقتل والاعتقال، ولكننا نعتقد أنه يعرف بأن المستقبل لا يصنعه الذين تتساقط إرادتهم في المعركة، بل الذين تتصلّب مواقفهم أمام كلِّ تحديات الأعداء.

لبنان: من المسؤول عن المجزرة؟

وعندما نأتي إلى لبنان، فإننا نستنكر بقوة أحداث الأمس التي أدّت إلى سقوط الضحايا من القتلى والجرحى تحت تأثير الفوضى، فنحن لا نريد للناس أن تستذكر الدور السابق للقوى الأمنية، لأن الناس تعرّفت إلى الجيش الذي تحمّل المسؤولية إلى جانب المقاومة في تحرير الأرض والخلاص من الاحتلال.. ولا نريد لأحد من خلال جملة من الممارسات الخاطئة أن يستذكر الأيام السابقة التي كان يُزجّ فيها بالجيش في مواجهة الشعب..

إن من حق الجميع أن يعرفوا مَن المسؤول عمّا حدث، ولماذا يُصار إلى استخدام الأسلحة والرصاص من دون اللجوء إلى الأساليب الأخرى، ولماذا لا تكون قوى الأمن الداخلي هي التي تتحمّل مسؤولية الأمن في مثل هذه الحالات؟؟

إنَّ السلم الأهلي والاستقرار الأمني مسؤولية الجميع، ولا بد أن يتم التعاطي مع هذه المسألة على أساس أنَّها خطٌّ أحمر ينبغي احترامه في ظل التحديات الكبرى التي تواجهنا في المنطقة، والتحديات الداخلية على المستوى الاقتصادي التي أفرزت هذه النتائج..

وإننا في الوقت الذي نؤكد فيه ضرورة تحقيق المطالب المحقة للطبقات المحرومة والفقيرة وللعمّال، نريد أن يكون التعبير عن هذه المطالب حضارياً، لأن عمليات التخريب وإشعال الدواليب وتكسير الهواتف العمومية وحرق الأشجار أمور غير جائزة.. وينبغي على القوى السياسية والشعبية أن تتحمّل مسؤوليتها وأن تأخذ دورها في منع المظاهر التعبيرية التي تسيء إلى روح أيّ تحرك شعبي ومضمونه، والذي قد يكون انطلق من أشخاص أو جهات لا تريد خيراً بالحركة الشعبية الاحتجاجية.

لذلك، ينبغي أن يُحدَّد المسؤول عمّا حدث سريعاً، لأننا لا نريد للناس أن تكون فريسة الإهمال الاقتصادي والأمني، أو أن توضع بين نارين: الموت جوعاً أو الموت عقاباً.

وأخيراً، إننا نريد للقيادات التي خاضت الاستحقاق الانتخابي البلدي، أن تتحمّل المسؤولية في كلِّ الأعمال السلبية التي يقوم بها محازبوها أو السائرون في ركابها، مما يثير الفتنة، ويحرّك الأحقاد، ويسيء إلى الأمن في المجتمع الأهلي، لأننا نخشى أن تكون نتائج الاستحقاق أكثر خطورةً من خطورة الاستحقاق نفسه.. فإذا كانوا يتحدثون عن التحرر من العدو، فإن للمقاومة معنى في تحرير الإنسان من الحقد والعصبية العمياء والعداوة السوداء..

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية