ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :
الإيمان تجسيدٌ لرضا الله
يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {إنما المؤمنون الذين إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكّلون}. أن تكون مؤمناً بالله تعالى ورسوله(ص) وبرسالاته، أن تكون الإنسان الذي ليس في قلبه إلا الله، وليس في عقله إلا الله، وليس في حياته إلا الله، لأن الإيمان بالله يعني أن تعقد عقلك وقلبك وتحرّك حياتك على أساس أن كل شيء هو لله، فالله هو المهيمن على الأمر كله، لأنه الخالق للخلق كله، ولأنه الذي أنعم على خلقه بكل ما عندهم، ليس للعبد ـ أي عبد مهما كبر ومهما صغر ـ شيء إلا من الله: {وما بكم من نعمة فمن الله} أنت لا تملك لنفسك ضراً ولا نفعاً.
لذلك، لا بد أن تكون أفكارك التي تحركها في عقلك، وتلتزمها في فكرك، أفكاراً يرضاها الله، ولا بد أن تكون مشاعرك وأحاسيسك وعواطفك مما يحبها الله، وأن تكون خطواتك في الحياة مما تأتمر بأمر الله وتنتهي بنواهيه، كما ورد في بعض الأحاديث: "أن لا تقدّم رجلاً ولا تؤخّر أخرى حتى تعلم أن لله في ذلك رضى"، فمعنى أن تكون مؤمناً أن لا تراقب رضى زيد أو عمرو، أو هذه الجهة أو تلك الجهة، بل أن تراقب رضى الله في كل شيء، كما قال الشاعر:
فليتك تحلو والحيـاة مريـرة وليتك ترضى والأنام غضابُ
وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالميـن خرابُ
وأصدق القول قول رسول الله (ص) عندما لاحقه أهل الطائف بالحجارة، وأخرجوه من مدينتهم، فقال: "إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي". لذلك، لا بد أن نربي أنفسنا على أساس أن نستكمل عناصر الإيمان في وجودنا وحياتنا، أن تكون تربيتنا لكل أوضاعنا في الحياة تجسيداً لما يرضاه الله تعالى، في كل ما نفعل ونترك، لأننا سوف نترك كل الناس الذين يحبوننا ونحبهم، أو يبغضوننا ونبغضهم، أو ينفعوننا وننفعهم، سوف نتركهم خلفنا، وسوف يدخل كل واحد منا قبره، وسوف يعيش كل واحد منا حشره، وسوف نقف بين يدي الله تعالى: "أنظر مرةً عن يميني وأخرى عن شمالي، إذ الخلائق في شأن غير شأني، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه"..
لذلك، عندما تفكر في أيّ شأن من شؤون الدنيا، فكّر في الله قبل أن تفكر في الناس، وعندما تفكر في الله وترى أنه يرضى بذلك، تقدّم حتى لو لم يرضَ الناس أو غضبوا، وإذا رأيت أن الله لا يرضى بذلك قف مكانك حتى لو وقف كل الناس ضدك.
تعالوا لنرى كيف نستكمل عناصر إيماننا من خلال رسول الإيمان رسول الله(ص)، ومن خلال أهل بيته(ع) في بعض كلماتهم، فعنه(ص): "ثلاث خصال من كنّ فيه استكمل خصال الإيمان ـ كان إيمانه كاملاً غير ناقص ـ الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل ـ إذا رضي عن شخص أو أحبّه فإنه لا يعطيه أكثر مما يستحقه، لأنك إذا أعطيته ما لا يستحق فإنك تكذب بذلك. ولهذا يجب علينا أن نتوازن في مدائحنا، لا أن نرفع فلاناً إلى السماء لأننا نحبه ـ وإذا غضب لم يخرجه الغضب من قول الحق ـ إذا غضب من شخص أو كان لا يحبه، فعليه أن لا ينقصه حقه، فيعطيه حقه غير منقوص، ولا يحاول أن ينسب إليه ما ليس فيه، وهذه الفكرة ركّز عليها القرآن الكريم: {وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى}، {ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألاّ تعدلوا}. ومشكلتنا هي في المجتمع القائم على العصبيات، لأن البعض مستعد لأن يكذب لمصلحة من يحب، وليس مستعداً لأن يذكر من لا يحبّ بخير حتى لو كان عنده بعض الخير، نحن مثلاً نبغض بعض الناس في التاريخ، ونغضب من أوضاعهم التاريخية، ولكن لا يملك أحد أن يذكرهم بخير ولو كان قليلاً ـ وإذا قدر لم يتعاطَ ما ليس له"، بعض الناس قد لا يستطيع أن يؤذي، ولكنه بمجرد أن يحصل على منصب وظيفي أو مالي فإنه يستغل قدراته في التصرف مع الناس بما لا يجوز أن يتصرف فيه، والله تعالى حدّثنا عن بعض هؤلاء الناس: {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألدّ الخصام* وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد}.
خصال المؤمن
وعن النبي(ص): "ثلاث من كنّ فيه يستكمل إيمانه؛ رجل لا يخاف في الله لومة لائم ـ يقول كلمة الحق وإن لم يقبلها كل الناس أو عارضوها، ما دام الله يرضى بذلك، سواء في الجانب الديني أو السياسي أو الاجتماعي أو الأمني، كثير من الناس يخاف أن يقول كلمة الحق بحجة أن الناس لا يرضون، وكثير من الشخصيات الدينية والاجتماعية والثقافية الكبيرة لا تقول كلمة الحق التي فيها صلاح أمر الناس بحجة أن الناس لا يقبلون، وقد رأينا الكثير من هذه الشخصيات لا تقف في وجه العادات السيئة والأفكار الخرافية لأنها تخاف من الناس، ودور المرجعية الدينية أو الثقافية أو السياسية هو توجيه الناس، وعليك أن تتحمّل كل شتائمهم، وقدوتنا وهدانا في هذا الخط هو رسول الله(ص) الذي تحمّل كل الكلمات ـ ولا يرائي بشيء من عمله ـ فإنه يعمل لله لا ليمدحه الناس ـ وإذا عُرض عليه أمران أحدهما للدنيا والآخر للآخرة، اختار أمر الآخرة على الدنيا".
كمال الإسلام
وعن الإمام زين العابدين (ع): "أربع من كنّ فيه كمل إسلامه، ومُحّصت عنه ذنوبه، ولقي ربه عزّ وجل وهو عنه راضٍ؛ من وفى لله عزّ وجلّ بما يجعل على نفسه للناس ـ إذا التزمت أي التزام للناس بعقد أو وعد، أو بأي أمر من أمورهم الحياتية، فإن التزامك لأي شخص هو التزام لله، لأنك تُشهد الله على ذلك، فعليك أن تفي به ـ وصدق لسانه مع الناس، واستحيا من كل قبيح عند الله وعند الناس، وحسّن خلقه مع أهله"، أن تكون أخلاقك أخلاقاً حسنة مع زوجتك وأولادك ومع أبيك وأمك، لأن حسن الخلق هو الذي يذيب الخطيئة كما تذيب الشمس الجليد، وقد ورد عن رسول الله (ص): "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي".
وعن رسول الله (ص) في جواب رجل سأله: أحبّ أن يكمل إيماني، قال(ص): "حسّن خلقك يكمل إيمانك"، حسّن خلقك مع أهلك ومع الناس. وعن عليّ(ع) في التفضيل: "أكملكم إيماناً أحسنكم خلقاً"، وعن الإمام زين العابدين(ع): "إنّ المعرفة بكمال دين المسلم تركه الكلام في ما لا يعنيه ـ وهو الشيء الذي لا يدخل في الجانب العقيدي والشرعي والحياتي ولا يدخل في أية مسؤولية من مسؤولياته الفكرية والعملية ـ وقلة المراء ـ وهو الجدال ـ وحلمه وصبره وحسن خلقه".
حقيقة الإيمان
وهناك شيء حياتي في قضية الإيمان، مما يدل على أن مسألة الإيمان كما تتصل بالجانب العقيدي والعبادي، فإنها تتصل بالجانب الحياتي، لأن المؤمن ليس إنساناً بسيطاً يمكن أن يُضحك عليه. ورد عن الإمام الصادق(ع): "لا يستكمل عبدٌ حقيقة الإيمان حتى يكون فيه خصال ثلاث: الفقه في الدين ـ بحيث يعرف الحرام والحلال في كل ما يقول ويعمل وينشئ من علاقات ويتخذه من مواقف ـ وحسن التقدير في المعيشة ـ أن يعرف كيف يخطِّط لحياته المعيشية بحيث يقدّر ويوازن بين إمكاناته وحاجاته ـ والصبر في الرزايا". وقد ورد في حديث الإمام الصادق(ع): "المؤمن حسن المعونة، خفيف المؤونة، جيد التدبير لأمر معيشته، لا يُلدغ من جُحرٍ مرتين". وعن رسول الله(ص): "لا يستكمل العبد الإيمان حتى يكون فيه ثلاث خصال: الإنفاق في الإقتار، والإنصاف من نفسه، وبذل السلام"، وعنه (ص): "لا يستكمل العبد الإيمان حتى يحسّن خلقه، ولا يشفي غيظه، وأن يود للناس ما يود لنفسه، فلقد دخل رجال الجنة بغير أعمال، ولكن بالنصيحة لأهل الإسلام". وعن الإمام الجواد(ع): "لن يستكمل العبد حقيقة الإيمان حتى يؤثر دينه على شهوته، ولن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه".
إننا نعيش مع رسول الله (ص) وأهل بيته(ع)، لنتعلّم كيف نرتفع بإيماننا إلى الدرجة التي نستطيع فيها أن ننفتح على الله في روح الإيمان، وأن ننفتح على الناس في حركة الإيمان، وأن نبني الحياة على أساس الإيمان في كل ما تحتاجه الحياة. إن الإنسان المؤمن هو الإنسان الذي لا يعيش لذاته ليحبس نفسه في سجن ذاته، بل يعيش لله وللحياة وللناس، إرضاءً لله تعالى، وعملاً لذلك اليوم، {يوم لا ينفع مال ولا بنون* إلا من أتى الله بقلب سليم}.
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله.. اتقوا الله وواجهوا كل مسؤولياتكم التي حمّلكم الله إياها في مواجهة الكفر كله والاستكبار كله، بالإيمان كله والاستضعاف كله، لنعرف كيف نؤكد وحدتنا ونحافظ على عزتنا بالوقوف صفاً واحداً كالبنيان المرصوص، وبالإخاء بين المؤمنين والرحمة فيما بينهم والشدة على المستكبرين والكفار.. ولا بد لنا أن نكون الواعين لكل ما يحيط بنا وما يخطَّط لنا من خطط المستكبرين، فتعالوا لنعرف ماذا هناك مما يدبَّر للمسلمين والمستضعفين من مكائد ومؤامرات:
أمريكا: دعم مطلق لإسرائيل
الوحش الصهيوني يفترس "رفح"، بأطفالها ونسائها وشيوخها وكل مدنييها، ويهدم بيوتها، ويجرف مزارعها، في مجازر وحشية أثارت العالم وأحرجت أمريكا، فامتنعت عن التصويت في مجلس الأمن على قرار يدين إسرائيل على مجازرها، بعد أن أدخلت عليه فقرة محاكمة "الإرهابيين من الفلسطينيين" ـ كما تقول ـ وتقصد المجاهدين ضد الاحتلال، لأن أمريكا ليست مع المدافعين عن الحرية بل مع المحتلين.. ولكن إسرائيل ـ بالدعم الأمريكي المطلق، ومع العجز الدولي والعربي المطلق ـ لا تحترم كل قرارات الأمم المتحدة، تحت حجة "الدفاع عن النفس"، في تحدٍّ صارخ للعالم كله..
ويقف الرئيس الأمريكي في المؤتمر اليهودي ـ الأمريكي ليعبّر عن صداقته ودعمه لإسرائيل، واعتبارها أساساً لأمن أمريكا، ولأن "أمتنا أكثر قوةً وأمناً لأن إسرائيل حليفة قوية ويمكن الاعتماد عليها" ـ كما قال ـ ما يؤكد الارتباط العضوي بينهما بالدرجة التي تتوافق فيها المصالح الاستراتيجية من دون أيّ تمايز أو اختلاف، بحيث إن كل ما تقوم به إسرائيل في فلسطين من مجازر يتفق مع الأمن السياسي الأمريكي، وكل ما تقوم به أمريكا في العراق من خطوات احتلالية ومشاريع أمنية واقتصادية ينسجم مع مصالح إسرائيل، لأنهما يعملان معاً، ويخططان معاً..
التحالف الأمريكي الإسرائيلي: إسقاط القمم العربية
وبذلك، فقد أصبحت إسرائيل على حدود إيران ودول الخليج، وفي الجانب الآخر من حدود سوريا، من خلال الاحتلال الأمريكي للعراق، وبذلك انطلق الحلف الأمني الاستخباري بين "الموساد" والـ"سي. أي. إيه" في خطواتهما التخريبية من تفجير واغتيال وقصف، لاستكمال السيطرة على المقدّرات العراقية وما حولها، الأمر الذي جعل إسرائيل اليد الطويلة لأمريكا في تحقيق المشاريع المشتركة ضد العالم العربي والإسلامي، في عملية ضغط سياسي وأمني أسقط القمة العربية في تونس بالتأجيل، وحدد لها مسارها في قراراتها البيانية الاستهلاكية، وجعلها في انعقادها الجديد في مستوى ضعيف، في ظل غياب أكثر المسؤولين العرب، ليصبح العالم العربي كله مجرد لعبة شطرنج إسرائيلية ـ أمريكية في خطة مشروع الشرق الأوسط الكبير..
إنه الخطر الأمريكي الذي يهدد المستقبل العربي بكل مواقعه السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية، فلا تعود التسوية التي طرحتها القمم العربية هي المشروع، بل المشروع هو إعادة هيكلة الشرق الأوسط على صورة المصالح الأمريكية ـ الإسرائيلية.
انتهاكات أمريكية للإنسان والمقدّسات
وفي الجانب الآخر من الصورة، يتمثل الوحش الأمريكي في مجزرة قرية القائم في العراق، التي حصد فيها 45 شخصاً من الأطفال والنساء والشيوخ في حفل زفاف، بناءً على معلومات استخبارية خاطئة، تماماً كما هي الحرب المجنونة المدمِّرة على العراق، والتي شُنّت بناءً على معلومات استخبارية خاطئة للـ"سي. أي. إيه"، كما هو اعتراف وزير خارجية أمريكا..
والسؤال الكبير، هو: مَن يتحمل المسؤوليات الإنسانية والاقتصادية والأمنية عن هذه الجرائم التي ارتكبتها المخابرات المركزية الأمريكية في حروب أمريكا ومجازرها؟ إن أمريكا في قانون الجريمة والعقاب لا تسمح للعالم كله أن يحاكمها أو يحاكم جنودها على كل جرائم الحرب، لأنها تعتقد أنها ـ وإسرائيل ـ فوق القانون، فهما ـ بنظرها ـ الدولتان اللتان تحاكمان الآخرين ولا يحاكمهما أحد!!
ثم نلتفت في جانب آخر لنجد انتهاك أمريكا لحرمة المدينتين المقدّستين، النجف وكربلاء، ومجازرها ضد المدنيين فيهما، وإثارة الجدل حول المدافعين عنهما إلى مستوى الفتنة التي تريد إثارتها بين أبناء الصف الواحد، في استغراق في الخصوصية المحلية بعيداً عن الجريمة الكبرى في احتلال العراق كله، وفي حديث مثير عن المساواة بين السلاح الشعبي وسلاح الاحتلال..
لمقاومة الاحتلال
إننا في موقفنا هذا ـ ومن موقعنا الشرعي ـ ندعو العالم الإسلامي، وخصوصاً الشعب العراقي والمرجعيات الإسلامية، إلى الوقوف بقوة ضد الاحتلال كله، ولا سيما احتلال المدينتين المقدّستين، لأن تدنيس الأرض يمثل انتهاكاً لحرمة الإسلام كله والمسلمين كلهم، ليفهم الاحتلال أن الشعب العراقي والعالم الإسلامي لا يخضع لهذه الإساءة المجرمة الوقحة، ونؤكد من جديد، بأن على الجميع أن يعضوا على الجراح الداخلية من أجل الجرح الخارجي النازف وهو الاحتلال، لئلا يقعوا في محرقة الفتنة العمياء..
لقد قال أحد المحللين في البنتاغون: "إن أمريكا تستطيع أن تصنع ثلاث حروب مثل حرب العراق في سنة واحدة، ولكنها لا تستطيع صنع احتلال واحد"، وقال رئيس أركان القوات الأمريكية المشتركة: "إنه لا مجال لأن نخسر عسكرياً في العراق كما لا مجال لأن نربح عسكرياً".. لقد قتل المحتلون من العراقيين منذ بداية الحرب أكثر من اثني عشر ألف شخص، وغالبهم من المدنيين، بينما قُتل منهم ما يقارب التسعمائة، وستبقى المجازر بهدف استمرار تواجد أمريكا في العراق لخدمة مصالحها الاستراتيجية، وسوف تبقى المقاومة للمحتل، وسيبقى المصطادون في الماء العكر من المجرمين الذين يقتلون الأبرياء لحسابات مذهبية أو فئوية.. وليساعد الله العراق على هذا البلاء المبين، ولكن لا بد لهذا الليل من آخر، ولا بد للشعب أن يؤكد إرادته للحرية والحياة.
لبنان: معاناة وأوضاع معقّدة
أما في لبنان، فلا يزال الشعب يعاني من الأوضاع المعقّدة، ومن الملهاة في الجدل الرئاسي بين موقع وآخر، والصراع الحزبي بين فريق وآخر، في إحصائيات للأصوات لهذا الجانب أو ذاك، على طريقة "ألهاكم التكاثر"، في استعراض للقوة العددية والامتداد السياسي، وإنتاج للعصبيات العائلية، واستثارة للأحقاد التاريخية، وخلط للأوراق في تناقضات المبادئ التي تغيب فيها الحدود بين الخطوط الحمراء لدى هذا وذاك، في لقاءات الإيمان والإلحاد، والعمالة والحرية، والخيانة والإخلاص، والشخصانية والطائفية والوطنية..
إننا نقول للناس كلهم: إن الله تعالى منحكم وطناً جميلاً فلا تقبّحوه، وشعباً واعداً فلا تسقطوه، وجيلاً مثقفاً فلا تجهّلوه، وقيماً أخلاقية فلا تذهبوا بها.. كونوا مع الصادقين لا الكاذبين، ومع الأمناء لا الخائنين، ومع البرامج لا الأشخاص، ومع الوطن لا الدوائر الضيّقة.. ارتفعوا إلى مستوى المستقبل ولا تغرقوا في زنازين الحاضر، وتحمّلوا المسؤولية أمام الله وأمام الناس وأمام التاريخ، فإن الصوت مسؤولية لا لعبة، وإن الله سوف يسألكم عن النتائج التي شاركتم في صنعها، جماعاتٍ وأفراداً، فاعرفوا كيف تواجهون الموقف أمامه، {يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها}، {يوم لا تملك نفسٌ لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله}. |