ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين، ومما جاء في خطبته الأولى:
في الأسبوع الماضي، احتفل العالم بيوم الطفل والأم، لما لهذين العنصرين الإنسانيين من دور كبير في حركة الإنسان وإخراجه إلى الحياة من خلال الأم، وفي نموّه وتطوّره وحركته نحو المستقبل الذي يصنع قواعده من خلال الطفل، فالطفل اليوم يعيش الطفولة في لهوه ولعبه، وغداً يصنع للحياة قوتها وتطوّرها في فكره وحركته.
الأمومة: مكانة مميزة في الإسلام
والإسلام منذ انطلق كرسالة إلهية في القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة، أعطى للأم مكانة تتميّز عن مكانة الأب في معنى البرّ والعاطفة والإحسان، لأن الأم هي التي تبذل في صناعة الحياة للولد كلَّ الجهد، وتتحمّل كل الثقل والتعب وكل الرعاية، فهناك فرق بين الأبوّة والأمومة، فالأبوّة لا تثقل جسد الرجل، ولكن الأمومة تثقل الأم وتعرّضها للخطر، فهي التي تحمل الولد وتغذيه من كل جسدها، فيربك الحمل كل صحتها، ويثقل حركتها، ما قد يترك تأثيراً في صحتها بالمرض، أو بما يزيد من مرضها عندما تكون مريضة قبل الحمل، وهي التي تواجه الخطر على حياتها عند الوضع، ويأتي الدور الثاني، وهو دور الرضاعة والحضانة، حيث يقيّد الطفل حرية الأم في الحركة ويضيّق عليها الكثير من المساحة التي تتحرك فيها.
ولذلك، تحدّث الله تعالى عن معاناة الأم بما لم يتحدث به عن معاناة الأب، بقوله تعالى: {حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً}، هذه كلها من خصوصيات الأم. ومن جهة ثانية، فهناك الأب صاحب الفضل في الرعاية والعمل والجهد والتربية، عندما يقضي نهاره أو ليله ليبذل كل جهده في كسب الرزق وإعطاء العائلة كل فرص العيش الكريم، ولذلك فإن الله تعالى ساوى بين الأب والأم في مسؤولية الولد في الإحسان، وقد كرر الله تعالى كلمة الوالدين في أكثر من آية كريمة، ولكن يبقى للأم فضلها، لأنها هي التي تتحمّل المشقة في الحمل والوضع.
ولذلك جاء الحديث النبوي الشريف الذي يقول: "الجنّة تحت أقدام الأمهات"، بمعنى أن الله قد جعل الجنة لها لأنها هي التي تبذل الجهد كله في صناعة الحياة للإنسان، وقد ورد في بعض الأحاديث، أن المرأة الحامل إذا ماتت أثناء نفاسها كان لها أجر الشهداء، فلها الثواب كما هو ثواب الشهيد، لأن الشهيد يحفظ بدمه للأمة عزتها وكرامتها، ويحمي أرضها وإنسانها، أما الأم، فهي التي تلد الشهداء والمجاهدين والعلماء والقادة والمصلحين، تحملهم أجنّة وتضعهم أطفالاً وترعاهم شباباً، وتحضنهم حتى لو بلغوا الخمسين والستين.
وقد ورد في الحديث للإمام زين العابدين (ع) في رسالة الحقوق عن حق الأم، وهو يخاطب كل واحد منا، يقول(ع) فيه: "وأما حق أمك، فأن تعلم أنها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحداً ـ من الذي يتحمّل في داخل جسده شخصاً فيغذيه ويمدّه بكل مقومات الحياة من خلال حياته. تصوّر أن تحمل تسعة أشهر كيلواً واحداً أو أكثر، وليس في داخل جسدك، فمن يتحمّل ذلك؟ ـ وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحد أحداً ـ لأن الولد يشارك الأم في غذائها ـ ووَقَتْك بجميع جوارحها، ولم تبالي أن تجوع هي وتطعمك، وتعطش وتسقيك، وتعرى وتكسوك، وتضحى وتظللك، وتهجر النوم لأجلك، ووقتك الحر والبرد لتكون لها، فإنك لا تطيق شكرها إلا بعون الله وتوفيقه". فهذا النوع من الإحسان الذي تحسنه الأم للمولود، لا يحسنه أحد إلى أحد بكل هذه العناصر.
تقدير عطاءات الأمومة
ويقال إن شخصاً جاء إلى رسول الله (ص) وقال له: أنا أُطعم والدّي وأحملهما على ظهري وأنظفهما، فهل أدّيت حقهما؟ قال (ص): "لا"، قال: وكيف؟ فقال(ص): "لأنك تخدمهما وأنت تنتظر موتهما، وهما خدماك ويتمنيان حياتك". وعن الإمام الباقر(ع) قال: قال موسى بن عمران: "يا ربِّ، أوصني.. فقال: أوصيك بي، فقال: يا رب أوصني، قال: أوصيك بي (ثلاثاً)، قال يا رب أوصني، قال: أوصيك بأمك، قال يا ربّ أوصني، قال: أوصيك بأمك، ثم قال: يا ربِّ أوصني، قال: أوصيك بأبيك". وعن الإمام الصادق (ع) قال: "جاء شخص إلى رسول الله يسأله: من أبرّ يا رسول الله؟ فقال (ص): "أمك" (ثلاث مرات)، ثم قال: ثم مَن؟ قال (ص): "ثم أباك".
وعن شخص يسمّى إبراهيم بن مهزَّم، يقول: خرجت من عند أبي عبد الله الإمام الصادق (ع) ليلة ممسية، فأتيت منزلي في المدينة وكانت أمي معي، فوقع بيني وبينها كلام، فأغلظت لها، فلما أن كان من الغد، صلّيت الصباح وأتيت أبا عبد الله الصادق (ع)، فقال لي: "يا أبا مهزَّم، ما لك وللوالدة، أغلظت في كلامها البارحة، أما علمت أن بطنها منزل قد سكنته، وأن حجرها مهد قد غمزته، وثديها وعاء قد شربته"، قلت: بلى، فقال(ع): "فلا تغلظ لها". وقد أشار القرآن الكريم إلى عدم الإساءة إلى الوالدين حتى بأصغر كلمة، بقوله تعالى: {إما يبلغنّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً* واخفض لهما جناح الذلّ من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيراً}، وهذا الذل لا يُسقط الإنسان بل يرفعه لأنه ذل الرحمة.
وهناك شخص دخل في الإسلام، وأمه بقيت على دينها، جاء إلى الإمام الصادق (ع)، وكان قد أسلم على يديه، فقال له: "قد أسلمت وأمي لا تزال على دينها، فماذا أفعل؟ فقال (ع): "انظر كيف كنت ترعاها وتخدمها عندما كنت على دينها وضاعف خدمتك لها"، فبدأ يضاعف رعايتها، فقالت الأم: يا بني، أراك قد تبدّلت وضاعفت في خدمتي؟ فقال: قد دخلت في دين الإسلام وأمرني راعي هذا الدين أن أفعل ذلك، فقالت: يا بني، هل هو نبي؟ قال: لا هو ابن نبي، فقالت: يا بني، إعرض عليّ دينك، فعرض عليها الإسلام فأسلمت معه.
لذلك، فمسألة الأم هي مسألة أساسية بالنسبة للبرنامج الإسلامي في الأسرة، وما تكلمنا به يحمّلنا مسؤوليتين: مسؤولية الولد ـ ذكراً كان أو أنثى ـ بالنسبة إلى الأهل، ومسؤولية الزوج، ومشكلة بعض الأزواج أنهم يستهينون بالأمومة، فلا يحترمون جهد الأم وعطاءها، فيدخل إلى البيت ويخرج وكأنه "عنتر"، من دون أن يكون له حسّ عاطفي تجاه هذه الإنسانة التي تحمل أولاده، لا سيما عندما يهددها بالطلاق عند كل مشكلة أو سوء تفاهم، صحيح أن الله جعل الطلاق بيد الزوج، ولكنه ربطه بعقله لا بغريزته وعصبيته، وفي القرآن الكريم ـ وما أقل من يفهم القرآن ـ يتحدث الله تعالى عن بعض الحالات النفسية السلبية للرجال ضد الزوجات: {فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً}. فلا تخضع للكراهة الشعورية، بل ادرس المسألة من ناحية المصلحة والمفسدة، لأن التهديد بالطلاق يخرّب العلاقة بينك وبينها، أما إذا أصرّيت على الطلاق فلا تحرمها من حقها، وقد استنكر الله ذلك بقوله تعالى: {وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً}؟.
والنقطة الثانية هي أن على الرجل أن يكون واعياً عندما يختار أماً لأولاده، بأن يختار من لديها الوعي والأخلاق والتربية الحسنة، ولا يعتمد على الحب من النظرة الأولى، وقد ورد في الحديث: "من تزوّج امرأة لمالها أو جمالها سلبه الله مالها وجمالها"، لأنه عندما يعيش الحياة الزوجية فإنه لا يعيش مع دفتر الشيكات أو مع اللوحة الفنية، بل يعيش معها من خلال عقلها وإنسانيتها وأخلاقها، وقد سأل شخص النبي (ص) قال: يا رسول الله من أتزوّج؟ فقال(ص): "عليك بذات الدين"، وليست المتديّنة بالشكل، بل أن تكون متديّنة بالعقل والقلب وكل حياتها.
وإذا اختارها فعليه أن يرعى أمومتها ويفي لها ما قامت به من جهد، وعلى الأم أن تقدّر الأبوّة، باعتبار أنها وإن عانت في عملية الحمل والولادة والرضاع، فإن الأب يعاني في سهر الليل وتعب النهار، لتكون الحياة الأسروية تكاملاً بين الرجل والمرأة في كل الأمور، وبذلك يتقرّب الجميع إلى الله، وإذا كانا صالحَين مع أولادهما، فإن الله تعالى يجمعهم في دار رحمته بقوله تعالى: {جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب* سلام عليكم بما صبرتم ـ وذلك عندما تصبر الزوجة على زوجها، وعندما يصبر الزوج على زوجته، والأولاد يصبرون على أبويهم ـ فنعم عقبى الدار}، وأيضاً: {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون}.
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله.. اتقوا الله وواجهوا مسؤولياتكم في كل ما حمّلكم من مسؤوليات، وانفتحوا على أمور المسلمين في شرق الأرض وغربها، لأن الله تعالى يريد للمسلمين أن يكونوا كالبنيان المرصوص، والمسلمون الآن في شدّة من خلال كل تحديات المستكبرين في الأرض، الذين يريدون أن يسيطروا على جميع مقدّرات المسلمين في أوضاعهم الأمنية والسياسية والاقتصادية والثقافية، فعلى المسلمين أن يقفوا من خلال وحدة إسلامية ليعملوا على الأخذ بأسباب العزة، فإن الله تعالى قال: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين}..
ونحن نواجه الاستكبار كله، ولا سيما الأمريكي والصهيوني في كل وسائله وحلفائه وعملائه وجواسيسه في أوضاعنا الداخلية، لذلك لا بد ـ حتى لا نُخدع بالكلمات المعسولة والعناوين البرّاقة ـ أن يكون لدينا الوعي السياسي والثقافي والاقتصادي والأمني الذي نواجه فيه كل هذه التحديات، فتعالوا لنتطلّع إلى العالم الإسلامي لنرى ماذا هناك:
إدانة عالمية لاغتيال الشيخ ياسين
الجريمة الوحشية في اغتيال الشهيد المجاهد القائد الشيخ أحمد ياسين لا تزال تتفاعل على مستوى العالم في أكثر من عملية إدانة، لا سيما من الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر حركة "حماس" منظمة إرهابية بفعل الضغط الأمريكي الهائل، ولكنه يرى في عملية الاغتيال مخالفة للقانون الدولي، في الوقت الذي نرى بعض الدول ـ كبريطانيا ـ تجمّد حسابات بعض قادة الحركة والتي تزعم وجودها في مصارفها..
وهكذا، تنبري دول أخرى ـ كروسيا وغيرها ـ واللجنة الدولية لحقوق الإنسان للتعبير عن الإدانة، كما الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي.. ولكن السؤال: هل تحركت كل هذه المواقف للضغط السياسي على الدولة المجرمة إسرائيل؟ وهل وقفت في مجلس الأمن لتطالب بقرار قويّ للإدانة؟؟
إن الجميع يراقبون الموقف الأمريكي الذي عبّر بصوت الرئيس "بوش" وإدارته بأن هذا العمل يمثل حالة "دفاع إسرائيل عن النفس"، حتى بهذه الطريقة التي تتنافى مع القانون الدولي الذي لا ترى إسرائيل نفسها ملزمة به، كما لا ترى أمريكا نفسها ملزمة باحترامه، بفعل الذهنية الإمبراطورية الدكتاتورية المفروضة على العالم على الطريقة الأمريكية.. ثم، تطالب واشنطن الجميع بضبط النفس، والخطاب موجَّه للفلسطينيين في العمق، لأن أمريكا لا ترى إسرائيل معنية بالامتناع عن حربها الوحشية بالطائرات والصواريخ الأمريكية، في قصفها للمدنيين في المدن والقرى والمخيمات، باعتبارها "حرباً على الإرهاب"، كما تدّعي..
إن السياسة الأمريكية في ذهنية الإدارة، ترى في الشعب الفلسطيني الذي وقف موحَّداً خلف الانتفاضة، شعباً إرهابياً لا بد أن تقوم إسرائيل المدعومة منها اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً بإبادته.. فلإسرائيل الحق ـ أمريكياً ـ أن تغتال القيادات ومَن حولها من المدنيين في شوارع غزة والضفة ومخيماتهما، ومن غير المسموح للفلسطينيين أن يردّوا، لأنه لا حق عندها لمن تصفه بـ"الإرهابي" أن يواجه "الحَمَل" اليهودي الوديع حتى لو تحوّل إلى ذئب!!
إن جريمة اغتيال الشيخ أحمد ياسين أمريكية بامتياز، وإسرائيلية بفعلها، ومن غير المسموح أمريكياً لأيّ دولة أو أيّ هيئة دولية كمجلس الأمن معاقبة إسرائيل، لأن الفيتو الأمريكي بانتظارها، وهو ما أقدمت عليه أمريكا في جلسة مجلس الأمن أمام قرار الإدانة لإسرائيل على جريمتها..
لقد سبق لأمريكا أن أطلقت التحدي أمام العالم في رفضها لمحاكمة جنودها على جرائم الحرب الصادرة منهم، وهددت كل دولة تقوم بالتوقيع على قرار المحاكمة.. ومن المعروف لدى العالم، أن حكم الجيش الإسرائيلي عند أمريكا هو حكم الجيش الأمريكي في ذلك؟!
الجامعة العربية: التعلُّم من الشعب الفلسطيني
وفي هذا الجو، نوجِّه السؤال إلى الجامعة العربية بكل دولها: كيف يتحول الغضب العربي إلى سياسة ولا يبقى مجرد تعبير عاطفي عن المشاعر؟ وكيف يمكن للعرب أن يدرسوا في قمتهم وسيلة الضغط على أمريكا وعلى إسرائيل ولو لمرة واحدة، في مواجهة قمة التحدي الصهيوني ـ الأمريكي للعرب والعالم كله؟ إنهم عاجزون عن ذلك كله، لأنهم طرحوا كل الأوراق على الطاولة الأمريكية ـ الإسرائيلية ليلعباها معاً.. ولا يزالون يتحدثون عن السلام وعن قرارات قمة بيروت التنازلية التي لم تحترمها إسرائيل ولا أمريكا!!
لقد كانت "غولدا مائير" تقول: "ليس هناك شعب فلسطيني"، و"شارون" يقول الآن: "ليس هناك شريك فلسطيني، وإن المفاوضات مع الفلسطينيين مستحيلة"، وهو يدعو العرب والفلسطينيين إلى الاقتداء بمصر على أساس شروطه الاستسلامية، لأنه يفهم السلام بمعنى الاستسلام.. ولكننا نعرف أن الشعب الفلسطيني قد توحَّد بفضل دماء الشهيد الشيخ أحمد ياسين الذي أعطى كل عمره للقضية، ولن يضعف هذا الشعب، ولن يسقط أمام التهديدات الصهيونية، وإذا كانت الطائرات الأمريكية تغتال في كل يوم قائداً، فإن القضية سوف تصنع قائداً جديداً، وتتحرك في خطة جديدة، ولعل في الموقف الجهادي للفتى الفلسطيني أكثر من دليل على حيوية هذا الشعب الصامد الحر المجاهد حتى النصر..
وعلى القمة العربية القادمة أن تتعلّم من الشعب الفلسطيني كيف تقف الموقف الاستراتيجي بالمقاومة وبالدبلوماسية، من أجل إحراج السياسة الأمريكية ـ الإسرائيلية التي تواجه العزلة أمام العالم في تنكّرها للقانون الدولي، لتعرف أن القوة لا تصنع السلام ولا تصل بأصحابها إلى النصر..
وعلى الشعوب العربية والإسلامية أن تعرف كيف تمارس الضغط على دولها بالوسائل الحكيمة التي تحرج كل حالة العجز والفشل المهيمنة عليها.. وعلى الجميع الاقتداء بالشعب الفلسطيني الذي سوف يلقّن العدو درساً لن ينساه، ولن يسمح له أن يكسر إرادته وأن يخفض سقفه العالي في الحصول على حريته والإمساك بقراره المستقل في صنع مصيره، ولن يمكّنه من صياغة مستقبله كما يشاء..
إن فلسطين تختصر العالم العربي والإسلامي، فعلى كل هذا العالم أن يعرف كيف يحمي نفسه من التحديات الموجَّهة إليه عبر التحديات الموجَّهة إلى فلسطين.. وعلى العرب والمسلمين أن يفهموا جيداً ما هو معنى أمريكا في كل مشاريعها الاستكبارية، وأن يفتشوا عنها في كل الجرائم الإسرائيلية التي تهددهم وفي كل خططها في مشروع الشرق الأوسط الكبير، لتتوحَّد الكراهة الشاملة لكل سياستها الدكتاتورية ضد الشعوب..
العراق: الاحتلال وراء الكواليس
أما في العراق، فإن الوضع لا يزال خطيراً جداً على صعيد الأمن، وقلقاً بشكل كبير على مستوى الأوضاع العامة، وفي حالة اهتزاز وارتباك من خلال انتظار المستقبل، بفعل هيمنة الاحتلال المطلقة المعلنة في هذه المرحلة على أساس أنه يملك الرفض لكل قرار أو قانون يصدر عن العراقيين، ويضيّق عليهم الإمكانات الفاعلة لإدارة البلد من جهة الأمن والخدمات العامة..
أما في المرحلة القادمة التي يلوّح فيها بمنح السيادة، فإن الاحتلال يبقى وراء الكواليس، ويتحرك بما يحقق مصالح الشركات الأمريكية الاحتكارية في قضايا الإعمار، تحت عنوان المعاهدة بينهم وبين الحكومة العراقية الجديدة، لحاجة إليهم في حفظ الأمن والنظام، تماماً كما هي المعاهدة بين القويّ الذي يملك كل شيء والضعيف الذي لا يملك شيئاً، لتشريع الهيمنة بشكل قانوني..
إننا نناشد الشعب العراقي الذي يمتد في تاريخه إلى مواقع الحضارات، لا سيما الحضارة الإسلامية التي صنعت له مفاهيمه وشرائعه واتجاهاته ومناهجه، أن يكون واعياً لأصول اللعبة الدولية، وأن لا يُلدغ من ألف جحر وجحر مما يصنعه المستكبرون، وأن يحافظ على الوحدة بكل دوائرها، ليكون العراق واحداً لشعب واحد في مستقبل موحَّد.
لبنان: تجاذبات داخلية وخارجية
أما لبنان، فلا يزال يعيش التجاذبات الداخلية التي تقف حاجزاً بين الشعب والوفاق الوطني على صعيد السياسات العليا، ولا تزال التوافقات تتحرك في المواقع العليا، وتبقى الحساسيات والتعقيدات في الواقع الشعبي، ما قد يثير أكثر من مشكلة، ويعمّق أكثر من عصبية حزبية وسياسية وطائفية من خلال التنافس على جبنة الوطن وخبز المواطنين، في الوقت الذي تعصف في أجوائه الرياح من كل جانب، لا سيما الرياح الصهيونية في التهديدات التي تتراوح بين التهويل في موقع والقصف في موقع آخر، والإشارات الأمريكية التي تعنف تارة وتلين أخرى حسب الظروف الداخلية والخارجية، بالإضافة إلى رياح الشرق الأوسط والمناخ القادم من القمة العربية التي لا يعرف العرب نتائجها الحائرة بين سلب وإيجاب..
إن على الشعب اللبناني أن يقلّع شوكه بيديه، لأن العابثين به محلياً وإقليمياً ودولياً يزرعون في أرضه السياسية والاقتصادية والأمنية المزيد من الأشواك، ليستقبل الجميع ربيع الأشواك لا ربيع الورود، حتى بين الأشواك. |