ما بين المباهلة والوفاء بالنذر: أهل البيت (ع) المثال والقدوة في الحب والطاعة والعبادة

ما بين المباهلة والوفاء بالنذر: أهل البيت (ع) المثال والقدوة في الحب والطاعة والعبادة

ما بين المباهلة والوفاء بالنذر: أهل البيت (ع) المثال والقدوة في الحب والطاعة والعبادة


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين، ومما جاء في خطبته الأولى:

المباهـلة

{إنما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً}. في أواخر هذا الشهر ـ ذو الحجة ـ مرّت مناسبتان تتصلان بأهل البيت(ع)، الأولى، وهي مناسبة المباهلة، وقد تحدّث الله عنها في القرآن الكريم في قصة نصارى نجران الذين جاؤوا إلى رسول الله(ص) من أجل أن يحاجّوه في دعوته إلى الإسلام، على حسب ما أنزله الله عليه من القرآن.

فاستقبلهم رسول الله(ص) استقبالاً حارّاً، واستضافهم في مسجده، وعندما حان وقت صلاتهم، صلّوا في المسجد وضربوا الناقوس، واستنكر المسلمون ذلك، وقالوا لرسول الله كما تقول الرواية: "أهذا في مسجدك؟"، وهم على ما هم عليه من الدين الذي يخالف الإسلام، فقال(ص): "دعوهم يصلون كما يشاؤون".

وعندما بدأ الجدال بينهم وبين رسول الله(ص)، قالوا: "إلى من تدعو؟ قال(ص): "إني أدعو إلى الله الواحد الأحد، وأن عيسى(ع) عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم...".

قالوا: كيف يكون مخلوقاً، كيف يكون بشراً وهو لا أب له، لأنهم يعتقدون أن عيسى(ع) قد تجسّد الله فيه، أي أنّ فيه جانباً لاهوتياً وجانباً ناسوتياً، وهذا ما نسمعه من المسيحيين عندما يقولون ربنا يسوع المسيح، فحدثهم الرسول(ص) عن آدم، وقال لهم إن الله يقول: {إذ قال ربّك للملائكة إني خالقٌ بشراً من طين* فإذا سوّيته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين}، ثم قرأ عليهم هذه الآية: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كُن فيكون}. عندها عجزوا عن الجواب، لأنهم كانوا يعتقدون بأن جانب الألوهية بالسيد المسيح يتحقق من كونه لا أب له، فأجابهم بأن آدم بشر، ومع ذلك لا أب له ولا أم، لأن كل ذلك يخضع لقدرة الله، والله قادر على أن يخلق بشراً من أب وأم، وأن يخلق بشراً من دون أب وأم كما هو قادر على أن يخلق بشراً من أم دون أب، فالله لا يحكمه قانون، بل إرادته هي القانون، {إنما أمره إذا أرد شيئاً أن يقول له كن فيكون}.

حبّ الرسول لأهل البيت(ع)

وبدأ الجدال، ولكنهم لم يقتنعوا ووصلوا إلى الطريق المسدود، فعرض الرسول(ص) عليهم أن يتباهلوا، وكان من المعروف عند الأديان الأخرى، أنه عندما يتعقّد الجدال، يقف الطرفان أمام الله ويبتهلان إليه أن يلعن الكاذب منهما وأن يعاقبه بطريقة أو بأخرى. فوافقوا على المباهلة، واتّفقوا على أن يأتوا بجماعة أحبّاء لهم، وأن يأتي النبيّ بأحبّاء له. وعندما افترقوا، قال لهم رئيسهم انظروا الأشخاص الذين سيأتي بهم محمَّد، فإن كانوا من أقرب الناس إليه فلا تباهلوه، ولكن إذا كانوا أناساً عاديين من الصحابة فباهلوهم، فجاء النبي(ص) ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين، فعندما رآهم نصارى نجران قالوا من هؤلاء؟ قالوا هذه ابنته، وهذا ابن عمه وصهره، وهذان ابنا ابنته، فقال لهم لا تباهلوهم، وعقدوا مع النبي(ص) معاهدة، وقد أنزل الله هذه الآية: {فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندعُ أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين}، واعتبر ذلك مكرمة لأهل البيت(ع)، باعتبار أن النبي(ص) جاء بأحبّ الناس إليه، لأنّه أراد أن يثبت لهؤلاء صدقه، فالمباهلة تؤدي إلى نتيجة حاسمة، وهي أن الله يعاقب الإنسان الكاذب، فيرسل عليه ناراً تكون عقاباً أو ما إلى ذلك.

وكذلك نستفيد من هذه الآية، أن علياً(ع) هو نفس النبي عقله عقله، وروحه روحه، وعلمه علمه، وروحانيته روحانيته، لأنه قال {وأنفسنا وأنفسكم} معتبراً عليّاً(ع) نفسه. وقد أثبت الرسول(ص)، من خلال هذه الآية أنّ هؤلاء الأشخاص هم أقرب الناس إلى عقله وروحه وأحبّ الناس إليه، لأن رسول الله عندما يحب ـ وإن كان يحب بعاطفته ـ فإنما يحب من خلال ما يمتلكه هؤلاء من عناصر الحب، والنبي لا يحبّ إلا من أحبّه الله، ولا يبغض إلا من أبغضه الله.

ونستفيد من هذه الآية أيضاً، أن المباهلة خط عام، يمكن أن يلجأ إليها الناس في كل مناسبة تشبه هذه المناسبة، وهي تدل على أن النبي(ص) كان منفتحاً على الحوار الإسلامي المسيحي، ولذلك عندما طلبوا منه أن يحاجّوه وأن يجادلوه وأن يحاوروه، استجاب لهم وأكرمهم غاية الإكرام، وجعلهم يصلّون صلاتهم في مسجده، مع أن الصلاة الإسلامية تختلف عن الصلاة النصرانية، وهذا يدل على سماحة الإسلام، وعلى انفتاحه على الأديان الأخرى وعدم تعقّده من الحوار والجدال معهم، وقد أكد القرآن ذلك {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون}، وهكذا في قوله تعالى: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله}.

الوفاء بالنذر

والمناسبة الثانية التي تعرَّض لها القرآن، والتي تمثل فضائل أهل البيت(ع) في تجسيد الخط العام، في الأخلاقية الإسلامية، هي أن الحسن والحسين(ع) كما ورد في الرواية، مرضا، فعادهما رسول الله(ص)، وقال لعلي وفاطمة انذرا أن تتصدّقا بشيء أو تصوما إذا شفاهما الله، ونذر علي وفاطمة ذلك، واستجاب الله نذرهما، وصاما ثلاثة أيام، ولأن الإمام عليّاً(ع) كان لا يملك شيئاً، استقرض من شخص يهودي في المدينة مالاً اشترى به ثلاث أصواع من شعير، فخبزتهما فاطمة(ع) وجلسا ومعهما خادمتهما فضة للإفطار، وعندما همَّا بالإفطار، دقّ الباب عليهما، وإذ بمسكين يسألهما أن يعطيانه مما أعطاهما الله، فأعطاه علي(ع) ثلث الخبز، وما إن ذهب المسكين حتى جاء يتيم، فأعطاه الثلث الثاني، وما إن ذهب اليتيم حتى جاءهم أسير، فأعطاه الثلث الثالث، وأفطرا على الماء وبقيا طاويين. وفي رواية أنه في كل يوم كان يأتي واحد من هؤلاء ويعطيانه، فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية {يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شرّه مستطيراً* ويطعمون الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً* إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً* إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً* فوقاهم الله شرّ ذلك اليوم ولقّاهم نضرةً وسروراً}.

ونزلت هذه الآية تكريماً لأهل البيت(ع)، وتأكيداً للخط الذي انطلقوا به، من الوفاء بالنذر، خوفاً من الله ووفاءً بما التزموا به، لأن الإنسان إذا خالف نذره فإن ذلك يعني تمرداً على التزامه أمام الله سبحانه وتعالى.

لِنَعِشِ العطاء

ثم إن الأمر الثاني الذي ذكرته الآية، هو أنهم يطعمون الطعام على حاجتهم إليه وحبّهم له، لأن الله تعالى يقول: {لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا مما تحبون} {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة}، {ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً}، وعندما يطعمون لا يطلبون من أحد شكراً أو عوضاً أو جاهاً أو ما إلى ذلك، وإنما يطعمون وينفقون ويعطون قربةً إلى الله تعالى، كما يصلّون قربةً إلى الله. وهذا أيضاً يعطينا فكرة: أن على الإنسان أن يعيش العطاء، أن يفكر بالمساكين، باليتامى، بالأسرى، وأن يعطيهم مما أعطاه الله سبحانه وتعالى ومما رزقه. أن يعطيهم قربةً إلى الله تعالى، لأنه سبحانه يعوّض الإنسان الذي يعطي قربةً إليه، بالثواب العظيم الذي لا حساب له.

التفكّر بيوم القيامة

ثم إن على الإنسان من خلال هذه الآيات، أن يستحضر موقفه يوم القيامة {إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً}، لأن الإنسان عندما يعيش في هذه الدنيا، فإن عليه أن يعمل على أساس الحصول على رضا الله، وأن يتفادى غضبه، وأن لا يفكر في تفاصيل حياته هذه، وإنما عليه أن يفكر في يوم القيامة، وكيف سيكون موقفه، وكيف يكون جزاؤه {يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون* إلا من أتى الله بقلبٍ سليم}.

إن علينا أن نفكر بيوم القيامة عندما نعيش مع أنفسنا ومع عيالنا ومع الناس من حولنا، حتى نعرف أن الله سبحانه وتعالى يرضى عنا بما قدمناه من أنفسنا {المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خيرٌ عند ربّك ثواباً وخيرٌ أملاً}. وهؤلاء ـ أيها الأحبة ـ هم أهل البيت(ع)، الذين أكرمهم الله بكرامته، لأنهم أحبوه كما ينبغي أن يُحَبّ، وأطاعوه كما يجب أن يُطاع، وعبدوه كما تكون العبادة، وعلينا أن نسير بسيرتهم، وأن نلتزم هداهم. وقصة ولاية أهل البيت هي قصة العمل وقصة السير في خطهم الذي هو خط الإسلام الأصيل. 

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم 

عاشوراء رسالة

عباد الله اتقوا الله، وواجهوا مسؤولياتكم بالوحدة في سبيل الله، والعمل من أجل أن يكون الإسلام الذي هو دين الله، قوةً في أنفسنا، وقوةً في كل مواقفنا، وقوةً في العالم كله، وأن نعمل من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الشيطان هي السفلى، الشيطان الذي يتمثل في المستكبرين وفي الظالمين، وعلينا أن نسير بسيرة النبي(ص) الذي أراده الله أن يكون لنا أسوةً، وأن نسير بسيرة أهل البيت(ع)، لا سيما ونحن نستقبل عاشوراء الإسلام، هذه الملحمة الإسلامية الإنسانية التي تمثَّل بها الموقف الإسلامي في التضحية في سبيل الله بأبهى صورة، وتمثّلت فيه وحشية الظالمين بأبشع صورها.

لذلك علينا أن نأخذ من عاشوراء درساً نغتني به، ليكون الحسين(ع) رمزاً وقدوةً وإماماً لنا في كل حركته وشعاراته، وفي كل امتدادات إمامته، ولتكون السيدة زينب(ع) قدوةً لنا في شجاعة المرأة المسلمة، وفي الإرادة الصلبة، وفي الصبر على الأذى، وفي مواجهة الظالمين والمستكبرين بتلك القوة. فهي مثل المرأة القوية الصامدة، الصابرة، العالِمة، التي استطاعت أن تسكت ابن زياد وتسكت يزيد وتسكت أهل الكوفة بمنطقها الرائع، كما كان الحسين(ع) مثال الشجاعة في الله، ومثال الروحانية بين يدي الله، ومثال الصبر على كل المآسي.

أن ندخل عاشوراء دخولاً فاعلاً واعياً، ولا نشغل أنفسنا بأن نجعل عاشوراء مجرد دمعة. إن عاشوراء رسالة، إن عاشوراء قدوة، إن عاشوراء حركة، إن عاشوراء تمثل التمرد والتحدي لكل الظالمين والمستكبرين. الحسين هو دمعة، ولكن ليس هدف كربلاء الدمعة، الدمعة هي عاطفة إنسانية يعيشها الإنسان في إنسانيته، ولكن عاشوراء هي التي أرادها أهل البيت(ع) إحياءً لأمرهم، وذلك بأن نعيش الإسلام في عاشوراء، وأن نعيش الجهاد في عاشوراء، وأن نعيش العزة والكرامة في عاشوراء، أن نعيش ذلك، أن نفهم واقعنا، أن نقف بكل صلابة لحماية مواقعنا وحماية عزتنا وكرامتنا.

ولذلك، فإننا نستقبل عاشوراء في هذه الأيام، ونحن نعيش التحدي الكبير الذي يواجهه المسلمون جميعاً، سواء كانوا من أتباع الأئمة من أهل البيت(ع) في مذهبهم، أو لم يكونوا كذلك. إننا نواجه التحدي الكبير من كل العالم المستكبر، ولا بد لنا أن نعرف كيف نواجه هذا التحدي، ونعرف ماذا يخطِّط الآخرون، وهذا ما ينبغي لنا أن نعيشه الآن.

ماذا يخطط للعالم العربي والإسلامي في هذه المرحلة وما بعدها؟

الشرق الأوسط: تطويع أمريكي لدوله

1 - هناك مشروع الشرق الأوسط الموسع، الذي يضمّ العالم العربي وباكستان وإيران وتركيا وأفغانستان، الذي تحاول أمريكا التدخل لتغييره تحت عنوان الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، متذرّعةً بالمشاكل التي تتحرك في كلِّ الواقع الذي يعيشه ويحيط به، والناتج عن بعض الأوضاع التاريخية والثقافية والسياسية. ولكن واشنطن تتغاضى عن الإشارة إلى الصراع العربي الإسرائيلي، ودور إسرائيل في إرباك هذا العالم، وفرض الحروب عليه من خلال السيطرة على الشعب الفلسطيني، واحتلال أكثر من أرض عربية، وتشريد الملايين من الفلسطينيين، الأمر الذي أنتج أكثر من دكتاتورية، وأكثر من حالة عنف، وأكثر من إرباك بفعل التدخلات الأجنبية، ولا سيما الغربية، وفي مقدمها الأمريكية.

وقد حاولت أمريكا أن تضمّ إلى هذا المشروع الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي، وذلك على طريقة التحالف في بدايات القرن الماضي ضد السلطنة العثمانية الذي غيّر وجه المنطقة.

إن المطلوب أمريكياً منع المنطقة من تحرير مصالحها الحيوية وأوضاعها المصيرية من السيطرة الأمريكية وغيرها من القوى الاستكبارية، وإبقاؤها في خدمة المصالح الأمريكية، حتى لو أدى ذلك إلى إغراق المنطقة بالحروب الاستباقية والقيام بأكثر من حصار اقتصادي وسياسي وأمني وحرب إعلامية، من أجل تطويع كل الدول التي تخرج عن الخط المرسوم لها...

ونلاحظ أن هذا المشروع الذي يُراد التخطيط لتفاصيله وعرضه على الدول الكبرى الثماني، لم يُبحث مع دول المنطقة الشرق أوسطية، لأنهم لا يسمحون لها بأن تعترض أو تمانع أو تسجل علامة استفهام، والسؤال للقمّة العربية القادمة التي أعلنت أنها ستدرس هذا المشروع: هل تقرر الاعتراض عليه في ذهنية استقلالية؟ وهل تملك تنفيذ معارضتها له، أم يكون القرار كقرار قمة بيروت التي قدمت التنازلات المجانية من دون أن يحفل بها أحد بما في ذلك الإدارة الأمريكية، ما جعله يبقى حبراً على ورق كأكثر القرارات العربية، لأنها وصلت إلى الحد الذي لا تملك فيه أن تريد أو لا تريد، الأمر الذي يؤدي إلى أن يصدر القرار العربي تأييداً وخضوعاً لهذا المشروع، وإقراراً بالمرض السياسي والاقتصادي والثقافي، من أجل الدخول في المستشفى الأمريكي أو الأطلسي، لتلقي العلاج حسب الوصفة الأمريكية.

إن على الشرق الأوسط أن يعرف أن هناك في داخله الكثير من القضايا التي تحتاج إلى الإصلاح، ولكن لماذا نستسلم للآخرين في برامج التغيير التي تريد لنا البقاء في نطاق الهيمنة الاستكبارية، في الوقت الذي نملك الكثير من العبقريات والمشاريع التي تمكّننا، بالإيمان والإرادة والحرية والواقعية، من تغيير الواقع كله بأفضل ممّا يخططون لنا من مشاريع.

الخطة الشارونية: تحقيق أهداف إسرائيل

2 - لقد أرسلت أمريكا موفدين إلى فلسطين من أجل البحث في الخطة الشارونية في الانسحاب من مستوطنات غزة وتغيير مسار الجدار العنصري للتخفيف من مصادرته للأراضي الفلسطينية ومن آلام الشعب الفلسطيني الذي يمتد الجدار في أرضه، ولكننا تعوَّدنا على أن الرئيس الأمريكي وإدارته لا يتحركون بالضغط على الصهاينة، بل يتحدثون معهم بالطريقة التي لا تثير العرب أو العالم الذي بدأ يعارض أمريكا على تأييدها المطلق لإسرائيل.

لقد سمع الناس بعض الكلام المعسول من الناطق الرسمي الأمريكي... ولكن إسرائيل تنتظر زيارة شارون لتقنع الرئيس الأمريكي بكلِّ مشاريعها، وتطلب منه المزيد من المساعدات المالية في مقابل الانسحاب من غزة ومواصلة الضغط على السلطة الفلسطينية لمحاربة الانتفاضة بحيث تؤدي إلى فتنة فلسطينية وحرب أهلية تحقّق لإسرائيل ما عجزت عن بلوغه بالحرب.

ديمقراطية العراق: فيتّو أمريكي

3 - أما في العراق، فإن الأمين العام للأمم المتحدة، أعلن صعوبة إجراء الانتخابات، بل واستحالة ذلك قبل نهاية حزيران، وبدأ الحديث عن البديل من قِبَل المطالبين بالانتخابات، ولا يزال الجدل يدور حول الفدرالية وعن صورتها في عناوينها العرقية والجغرافية والمذهبية، وعن الدستور وقاعدته ومصدره الأساس، وهل يمثل الإسلام، الذي هو الدين الغالب للعراقيين، المصدر الأساس للتشريع أم هو مصدر الإلهام؟ وعن إعلان الحاكم الأمريكي بريمر أنه يرفض اعتبار الإسلام مصدراً للقانون، ويؤكد أن رفضه يبطل أي قانون يقرره العراقيون. والسؤال: عن أية ديمقراطية يتحدث الأمريكيون؟ وأية سلطة عراقية قادمة يبنون؟ وهل يبقى الفيتو الأمريكي، لأن السلطة لا تملك قوة فاعلة، لا سيما أن أمريكا تعلن أنها سوف تبقى عدة سنوات في العراق، وتحذّر في تصريح بعض مسؤوليها من حرب أهلية بين السنة والشيعة، ويتحرك الإعلام بمثل ذلك...

إننا نحذر العراقيين من هذه المخطّطات، وندعوهم إلى الوحدة الإسلامية في الدائرة الإسلامية، وإلى الوحدة العراقية في الدائرة الوطنية، لأن أي حرب سوف تحرق الجميع وتصادر المستقبل.

إيران: الإسلام حرية مسؤولة

4 - إننا نتابع الوضع في إيران بقلق بفعل التعقيدات التي يوجهها المستكبرون إليها، لا سيما أمريكا التي أصبحت على حدود إيران من جهة العراق وأفغانستان والدول التي تضم القواعد الأمريكية، الأمر الذي يجعلها تتحرك للعبث بالأمن الإيراني في الداخل والخارج، ونريد لهم المحافظة على النظام الإسلامي بكل فئاتهم، لأنه النظام الذي يوحّد الشعب في انتمائه الديني وفي نظامه القانوني، وهو الذي يقرّبهم إلى الله. وعلى الجميع أن يعرفوا أن الإسلام لا يخاف من الحرية التي ترتكز على قاعدة المسؤولية، لأنه يملك القدرة على مواجهة التحديات الفكرية والسياسية، وأن الضغط على الحريات لا يحمي أي نظام، لا سيما أن أي بلد لا يملك حماية نفسه بالمطلق من الرياح القادمة من كل مكان في تأثيرها على الواقع، بالسلبيات التي تتحرك في داخله. وأخيراً، إننا نرجو أن يكون الشعب واعياً في اختياره للأشخاص المخلصين للإسلام وللأمة وللبلد كله.

لبنان محاصر بالمحسوبيات والحزبيات

5 - أما في لبنان، فإنه يواجه أكثر من استحقاق داخلي على صعيد مشاريع الاتصالات والكهرباء والبلديات والحريات التي تحاصرها المحسوبيات والحزبيات، بالمستوى الذي يشعر فيه الشعب أنه لا يملك القدرة على الاختيار، ليسقط في ساحة اللامبالاة بفعل اليأس، التي تقابلها اللامبالاة من قِبَل السلطة بالمطالب الشعبية. ويحدثونك في ليالي السمر وفي الجلسات الشعبية وفي الاجتماعات النيابية والوزارية عن الوفاق الوطني والعيش المشترك والحوار الإسلامي المسيحي، ويأتي الصباح ليسمع الجميع الكلمة المشهورة: "كلام الليل يمحوه النهار"..

ويبقى الجوع والعطش والظلام والرياح العاصفة والثلوج، وتبقى الآلام ومصدر الصحف، لتدفع الجميع إلى متاهات التصريحات والتسريبات.. وكل لبنان وأنتم بألف شر وشرّ.

ما بين المباهلة والوفاء بالنذر: أهل البيت (ع) المثال والقدوة في الحب والطاعة والعبادة


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين، ومما جاء في خطبته الأولى:

المباهـلة

{إنما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً}. في أواخر هذا الشهر ـ ذو الحجة ـ مرّت مناسبتان تتصلان بأهل البيت(ع)، الأولى، وهي مناسبة المباهلة، وقد تحدّث الله عنها في القرآن الكريم في قصة نصارى نجران الذين جاؤوا إلى رسول الله(ص) من أجل أن يحاجّوه في دعوته إلى الإسلام، على حسب ما أنزله الله عليه من القرآن.

فاستقبلهم رسول الله(ص) استقبالاً حارّاً، واستضافهم في مسجده، وعندما حان وقت صلاتهم، صلّوا في المسجد وضربوا الناقوس، واستنكر المسلمون ذلك، وقالوا لرسول الله كما تقول الرواية: "أهذا في مسجدك؟"، وهم على ما هم عليه من الدين الذي يخالف الإسلام، فقال(ص): "دعوهم يصلون كما يشاؤون".

وعندما بدأ الجدال بينهم وبين رسول الله(ص)، قالوا: "إلى من تدعو؟ قال(ص): "إني أدعو إلى الله الواحد الأحد، وأن عيسى(ع) عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم...".

قالوا: كيف يكون مخلوقاً، كيف يكون بشراً وهو لا أب له، لأنهم يعتقدون أن عيسى(ع) قد تجسّد الله فيه، أي أنّ فيه جانباً لاهوتياً وجانباً ناسوتياً، وهذا ما نسمعه من المسيحيين عندما يقولون ربنا يسوع المسيح، فحدثهم الرسول(ص) عن آدم، وقال لهم إن الله يقول: {إذ قال ربّك للملائكة إني خالقٌ بشراً من طين* فإذا سوّيته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين}، ثم قرأ عليهم هذه الآية: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كُن فيكون}. عندها عجزوا عن الجواب، لأنهم كانوا يعتقدون بأن جانب الألوهية بالسيد المسيح يتحقق من كونه لا أب له، فأجابهم بأن آدم بشر، ومع ذلك لا أب له ولا أم، لأن كل ذلك يخضع لقدرة الله، والله قادر على أن يخلق بشراً من أب وأم، وأن يخلق بشراً من دون أب وأم كما هو قادر على أن يخلق بشراً من أم دون أب، فالله لا يحكمه قانون، بل إرادته هي القانون، {إنما أمره إذا أرد شيئاً أن يقول له كن فيكون}.

حبّ الرسول لأهل البيت(ع)

وبدأ الجدال، ولكنهم لم يقتنعوا ووصلوا إلى الطريق المسدود، فعرض الرسول(ص) عليهم أن يتباهلوا، وكان من المعروف عند الأديان الأخرى، أنه عندما يتعقّد الجدال، يقف الطرفان أمام الله ويبتهلان إليه أن يلعن الكاذب منهما وأن يعاقبه بطريقة أو بأخرى. فوافقوا على المباهلة، واتّفقوا على أن يأتوا بجماعة أحبّاء لهم، وأن يأتي النبيّ بأحبّاء له. وعندما افترقوا، قال لهم رئيسهم انظروا الأشخاص الذين سيأتي بهم محمَّد، فإن كانوا من أقرب الناس إليه فلا تباهلوه، ولكن إذا كانوا أناساً عاديين من الصحابة فباهلوهم، فجاء النبي(ص) ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين، فعندما رآهم نصارى نجران قالوا من هؤلاء؟ قالوا هذه ابنته، وهذا ابن عمه وصهره، وهذان ابنا ابنته، فقال لهم لا تباهلوهم، وعقدوا مع النبي(ص) معاهدة، وقد أنزل الله هذه الآية: {فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندعُ أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين}، واعتبر ذلك مكرمة لأهل البيت(ع)، باعتبار أن النبي(ص) جاء بأحبّ الناس إليه، لأنّه أراد أن يثبت لهؤلاء صدقه، فالمباهلة تؤدي إلى نتيجة حاسمة، وهي أن الله يعاقب الإنسان الكاذب، فيرسل عليه ناراً تكون عقاباً أو ما إلى ذلك.

وكذلك نستفيد من هذه الآية، أن علياً(ع) هو نفس النبي عقله عقله، وروحه روحه، وعلمه علمه، وروحانيته روحانيته، لأنه قال {وأنفسنا وأنفسكم} معتبراً عليّاً(ع) نفسه. وقد أثبت الرسول(ص)، من خلال هذه الآية أنّ هؤلاء الأشخاص هم أقرب الناس إلى عقله وروحه وأحبّ الناس إليه، لأن رسول الله عندما يحب ـ وإن كان يحب بعاطفته ـ فإنما يحب من خلال ما يمتلكه هؤلاء من عناصر الحب، والنبي لا يحبّ إلا من أحبّه الله، ولا يبغض إلا من أبغضه الله.

ونستفيد من هذه الآية أيضاً، أن المباهلة خط عام، يمكن أن يلجأ إليها الناس في كل مناسبة تشبه هذه المناسبة، وهي تدل على أن النبي(ص) كان منفتحاً على الحوار الإسلامي المسيحي، ولذلك عندما طلبوا منه أن يحاجّوه وأن يجادلوه وأن يحاوروه، استجاب لهم وأكرمهم غاية الإكرام، وجعلهم يصلّون صلاتهم في مسجده، مع أن الصلاة الإسلامية تختلف عن الصلاة النصرانية، وهذا يدل على سماحة الإسلام، وعلى انفتاحه على الأديان الأخرى وعدم تعقّده من الحوار والجدال معهم، وقد أكد القرآن ذلك {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون}، وهكذا في قوله تعالى: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله}.

الوفاء بالنذر

والمناسبة الثانية التي تعرَّض لها القرآن، والتي تمثل فضائل أهل البيت(ع) في تجسيد الخط العام، في الأخلاقية الإسلامية، هي أن الحسن والحسين(ع) كما ورد في الرواية، مرضا، فعادهما رسول الله(ص)، وقال لعلي وفاطمة انذرا أن تتصدّقا بشيء أو تصوما إذا شفاهما الله، ونذر علي وفاطمة ذلك، واستجاب الله نذرهما، وصاما ثلاثة أيام، ولأن الإمام عليّاً(ع) كان لا يملك شيئاً، استقرض من شخص يهودي في المدينة مالاً اشترى به ثلاث أصواع من شعير، فخبزتهما فاطمة(ع) وجلسا ومعهما خادمتهما فضة للإفطار، وعندما همَّا بالإفطار، دقّ الباب عليهما، وإذ بمسكين يسألهما أن يعطيانه مما أعطاهما الله، فأعطاه علي(ع) ثلث الخبز، وما إن ذهب المسكين حتى جاء يتيم، فأعطاه الثلث الثاني، وما إن ذهب اليتيم حتى جاءهم أسير، فأعطاه الثلث الثالث، وأفطرا على الماء وبقيا طاويين. وفي رواية أنه في كل يوم كان يأتي واحد من هؤلاء ويعطيانه، فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية {يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شرّه مستطيراً* ويطعمون الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً* إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً* إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً* فوقاهم الله شرّ ذلك اليوم ولقّاهم نضرةً وسروراً}.

ونزلت هذه الآية تكريماً لأهل البيت(ع)، وتأكيداً للخط الذي انطلقوا به، من الوفاء بالنذر، خوفاً من الله ووفاءً بما التزموا به، لأن الإنسان إذا خالف نذره فإن ذلك يعني تمرداً على التزامه أمام الله سبحانه وتعالى.

لِنَعِشِ العطاء

ثم إن الأمر الثاني الذي ذكرته الآية، هو أنهم يطعمون الطعام على حاجتهم إليه وحبّهم له، لأن الله تعالى يقول: {لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا مما تحبون} {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة}، {ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً}، وعندما يطعمون لا يطلبون من أحد شكراً أو عوضاً أو جاهاً أو ما إلى ذلك، وإنما يطعمون وينفقون ويعطون قربةً إلى الله تعالى، كما يصلّون قربةً إلى الله. وهذا أيضاً يعطينا فكرة: أن على الإنسان أن يعيش العطاء، أن يفكر بالمساكين، باليتامى، بالأسرى، وأن يعطيهم مما أعطاه الله سبحانه وتعالى ومما رزقه. أن يعطيهم قربةً إلى الله تعالى، لأنه سبحانه يعوّض الإنسان الذي يعطي قربةً إليه، بالثواب العظيم الذي لا حساب له.

التفكّر بيوم القيامة

ثم إن على الإنسان من خلال هذه الآيات، أن يستحضر موقفه يوم القيامة {إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً}، لأن الإنسان عندما يعيش في هذه الدنيا، فإن عليه أن يعمل على أساس الحصول على رضا الله، وأن يتفادى غضبه، وأن لا يفكر في تفاصيل حياته هذه، وإنما عليه أن يفكر في يوم القيامة، وكيف سيكون موقفه، وكيف يكون جزاؤه {يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون* إلا من أتى الله بقلبٍ سليم}.

إن علينا أن نفكر بيوم القيامة عندما نعيش مع أنفسنا ومع عيالنا ومع الناس من حولنا، حتى نعرف أن الله سبحانه وتعالى يرضى عنا بما قدمناه من أنفسنا {المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خيرٌ عند ربّك ثواباً وخيرٌ أملاً}. وهؤلاء ـ أيها الأحبة ـ هم أهل البيت(ع)، الذين أكرمهم الله بكرامته، لأنهم أحبوه كما ينبغي أن يُحَبّ، وأطاعوه كما يجب أن يُطاع، وعبدوه كما تكون العبادة، وعلينا أن نسير بسيرتهم، وأن نلتزم هداهم. وقصة ولاية أهل البيت هي قصة العمل وقصة السير في خطهم الذي هو خط الإسلام الأصيل. 

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم 

عاشوراء رسالة

عباد الله اتقوا الله، وواجهوا مسؤولياتكم بالوحدة في سبيل الله، والعمل من أجل أن يكون الإسلام الذي هو دين الله، قوةً في أنفسنا، وقوةً في كل مواقفنا، وقوةً في العالم كله، وأن نعمل من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الشيطان هي السفلى، الشيطان الذي يتمثل في المستكبرين وفي الظالمين، وعلينا أن نسير بسيرة النبي(ص) الذي أراده الله أن يكون لنا أسوةً، وأن نسير بسيرة أهل البيت(ع)، لا سيما ونحن نستقبل عاشوراء الإسلام، هذه الملحمة الإسلامية الإنسانية التي تمثَّل بها الموقف الإسلامي في التضحية في سبيل الله بأبهى صورة، وتمثّلت فيه وحشية الظالمين بأبشع صورها.

لذلك علينا أن نأخذ من عاشوراء درساً نغتني به، ليكون الحسين(ع) رمزاً وقدوةً وإماماً لنا في كل حركته وشعاراته، وفي كل امتدادات إمامته، ولتكون السيدة زينب(ع) قدوةً لنا في شجاعة المرأة المسلمة، وفي الإرادة الصلبة، وفي الصبر على الأذى، وفي مواجهة الظالمين والمستكبرين بتلك القوة. فهي مثل المرأة القوية الصامدة، الصابرة، العالِمة، التي استطاعت أن تسكت ابن زياد وتسكت يزيد وتسكت أهل الكوفة بمنطقها الرائع، كما كان الحسين(ع) مثال الشجاعة في الله، ومثال الروحانية بين يدي الله، ومثال الصبر على كل المآسي.

أن ندخل عاشوراء دخولاً فاعلاً واعياً، ولا نشغل أنفسنا بأن نجعل عاشوراء مجرد دمعة. إن عاشوراء رسالة، إن عاشوراء قدوة، إن عاشوراء حركة، إن عاشوراء تمثل التمرد والتحدي لكل الظالمين والمستكبرين. الحسين هو دمعة، ولكن ليس هدف كربلاء الدمعة، الدمعة هي عاطفة إنسانية يعيشها الإنسان في إنسانيته، ولكن عاشوراء هي التي أرادها أهل البيت(ع) إحياءً لأمرهم، وذلك بأن نعيش الإسلام في عاشوراء، وأن نعيش الجهاد في عاشوراء، وأن نعيش العزة والكرامة في عاشوراء، أن نعيش ذلك، أن نفهم واقعنا، أن نقف بكل صلابة لحماية مواقعنا وحماية عزتنا وكرامتنا.

ولذلك، فإننا نستقبل عاشوراء في هذه الأيام، ونحن نعيش التحدي الكبير الذي يواجهه المسلمون جميعاً، سواء كانوا من أتباع الأئمة من أهل البيت(ع) في مذهبهم، أو لم يكونوا كذلك. إننا نواجه التحدي الكبير من كل العالم المستكبر، ولا بد لنا أن نعرف كيف نواجه هذا التحدي، ونعرف ماذا يخطِّط الآخرون، وهذا ما ينبغي لنا أن نعيشه الآن.

ماذا يخطط للعالم العربي والإسلامي في هذه المرحلة وما بعدها؟

الشرق الأوسط: تطويع أمريكي لدوله

1 - هناك مشروع الشرق الأوسط الموسع، الذي يضمّ العالم العربي وباكستان وإيران وتركيا وأفغانستان، الذي تحاول أمريكا التدخل لتغييره تحت عنوان الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، متذرّعةً بالمشاكل التي تتحرك في كلِّ الواقع الذي يعيشه ويحيط به، والناتج عن بعض الأوضاع التاريخية والثقافية والسياسية. ولكن واشنطن تتغاضى عن الإشارة إلى الصراع العربي الإسرائيلي، ودور إسرائيل في إرباك هذا العالم، وفرض الحروب عليه من خلال السيطرة على الشعب الفلسطيني، واحتلال أكثر من أرض عربية، وتشريد الملايين من الفلسطينيين، الأمر الذي أنتج أكثر من دكتاتورية، وأكثر من حالة عنف، وأكثر من إرباك بفعل التدخلات الأجنبية، ولا سيما الغربية، وفي مقدمها الأمريكية.

وقد حاولت أمريكا أن تضمّ إلى هذا المشروع الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي، وذلك على طريقة التحالف في بدايات القرن الماضي ضد السلطنة العثمانية الذي غيّر وجه المنطقة.

إن المطلوب أمريكياً منع المنطقة من تحرير مصالحها الحيوية وأوضاعها المصيرية من السيطرة الأمريكية وغيرها من القوى الاستكبارية، وإبقاؤها في خدمة المصالح الأمريكية، حتى لو أدى ذلك إلى إغراق المنطقة بالحروب الاستباقية والقيام بأكثر من حصار اقتصادي وسياسي وأمني وحرب إعلامية، من أجل تطويع كل الدول التي تخرج عن الخط المرسوم لها...

ونلاحظ أن هذا المشروع الذي يُراد التخطيط لتفاصيله وعرضه على الدول الكبرى الثماني، لم يُبحث مع دول المنطقة الشرق أوسطية، لأنهم لا يسمحون لها بأن تعترض أو تمانع أو تسجل علامة استفهام، والسؤال للقمّة العربية القادمة التي أعلنت أنها ستدرس هذا المشروع: هل تقرر الاعتراض عليه في ذهنية استقلالية؟ وهل تملك تنفيذ معارضتها له، أم يكون القرار كقرار قمة بيروت التي قدمت التنازلات المجانية من دون أن يحفل بها أحد بما في ذلك الإدارة الأمريكية، ما جعله يبقى حبراً على ورق كأكثر القرارات العربية، لأنها وصلت إلى الحد الذي لا تملك فيه أن تريد أو لا تريد، الأمر الذي يؤدي إلى أن يصدر القرار العربي تأييداً وخضوعاً لهذا المشروع، وإقراراً بالمرض السياسي والاقتصادي والثقافي، من أجل الدخول في المستشفى الأمريكي أو الأطلسي، لتلقي العلاج حسب الوصفة الأمريكية.

إن على الشرق الأوسط أن يعرف أن هناك في داخله الكثير من القضايا التي تحتاج إلى الإصلاح، ولكن لماذا نستسلم للآخرين في برامج التغيير التي تريد لنا البقاء في نطاق الهيمنة الاستكبارية، في الوقت الذي نملك الكثير من العبقريات والمشاريع التي تمكّننا، بالإيمان والإرادة والحرية والواقعية، من تغيير الواقع كله بأفضل ممّا يخططون لنا من مشاريع.

الخطة الشارونية: تحقيق أهداف إسرائيل

2 - لقد أرسلت أمريكا موفدين إلى فلسطين من أجل البحث في الخطة الشارونية في الانسحاب من مستوطنات غزة وتغيير مسار الجدار العنصري للتخفيف من مصادرته للأراضي الفلسطينية ومن آلام الشعب الفلسطيني الذي يمتد الجدار في أرضه، ولكننا تعوَّدنا على أن الرئيس الأمريكي وإدارته لا يتحركون بالضغط على الصهاينة، بل يتحدثون معهم بالطريقة التي لا تثير العرب أو العالم الذي بدأ يعارض أمريكا على تأييدها المطلق لإسرائيل.

لقد سمع الناس بعض الكلام المعسول من الناطق الرسمي الأمريكي... ولكن إسرائيل تنتظر زيارة شارون لتقنع الرئيس الأمريكي بكلِّ مشاريعها، وتطلب منه المزيد من المساعدات المالية في مقابل الانسحاب من غزة ومواصلة الضغط على السلطة الفلسطينية لمحاربة الانتفاضة بحيث تؤدي إلى فتنة فلسطينية وحرب أهلية تحقّق لإسرائيل ما عجزت عن بلوغه بالحرب.

ديمقراطية العراق: فيتّو أمريكي

3 - أما في العراق، فإن الأمين العام للأمم المتحدة، أعلن صعوبة إجراء الانتخابات، بل واستحالة ذلك قبل نهاية حزيران، وبدأ الحديث عن البديل من قِبَل المطالبين بالانتخابات، ولا يزال الجدل يدور حول الفدرالية وعن صورتها في عناوينها العرقية والجغرافية والمذهبية، وعن الدستور وقاعدته ومصدره الأساس، وهل يمثل الإسلام، الذي هو الدين الغالب للعراقيين، المصدر الأساس للتشريع أم هو مصدر الإلهام؟ وعن إعلان الحاكم الأمريكي بريمر أنه يرفض اعتبار الإسلام مصدراً للقانون، ويؤكد أن رفضه يبطل أي قانون يقرره العراقيون. والسؤال: عن أية ديمقراطية يتحدث الأمريكيون؟ وأية سلطة عراقية قادمة يبنون؟ وهل يبقى الفيتو الأمريكي، لأن السلطة لا تملك قوة فاعلة، لا سيما أن أمريكا تعلن أنها سوف تبقى عدة سنوات في العراق، وتحذّر في تصريح بعض مسؤوليها من حرب أهلية بين السنة والشيعة، ويتحرك الإعلام بمثل ذلك...

إننا نحذر العراقيين من هذه المخطّطات، وندعوهم إلى الوحدة الإسلامية في الدائرة الإسلامية، وإلى الوحدة العراقية في الدائرة الوطنية، لأن أي حرب سوف تحرق الجميع وتصادر المستقبل.

إيران: الإسلام حرية مسؤولة

4 - إننا نتابع الوضع في إيران بقلق بفعل التعقيدات التي يوجهها المستكبرون إليها، لا سيما أمريكا التي أصبحت على حدود إيران من جهة العراق وأفغانستان والدول التي تضم القواعد الأمريكية، الأمر الذي يجعلها تتحرك للعبث بالأمن الإيراني في الداخل والخارج، ونريد لهم المحافظة على النظام الإسلامي بكل فئاتهم، لأنه النظام الذي يوحّد الشعب في انتمائه الديني وفي نظامه القانوني، وهو الذي يقرّبهم إلى الله. وعلى الجميع أن يعرفوا أن الإسلام لا يخاف من الحرية التي ترتكز على قاعدة المسؤولية، لأنه يملك القدرة على مواجهة التحديات الفكرية والسياسية، وأن الضغط على الحريات لا يحمي أي نظام، لا سيما أن أي بلد لا يملك حماية نفسه بالمطلق من الرياح القادمة من كل مكان في تأثيرها على الواقع، بالسلبيات التي تتحرك في داخله. وأخيراً، إننا نرجو أن يكون الشعب واعياً في اختياره للأشخاص المخلصين للإسلام وللأمة وللبلد كله.

لبنان محاصر بالمحسوبيات والحزبيات

5 - أما في لبنان، فإنه يواجه أكثر من استحقاق داخلي على صعيد مشاريع الاتصالات والكهرباء والبلديات والحريات التي تحاصرها المحسوبيات والحزبيات، بالمستوى الذي يشعر فيه الشعب أنه لا يملك القدرة على الاختيار، ليسقط في ساحة اللامبالاة بفعل اليأس، التي تقابلها اللامبالاة من قِبَل السلطة بالمطالب الشعبية. ويحدثونك في ليالي السمر وفي الجلسات الشعبية وفي الاجتماعات النيابية والوزارية عن الوفاق الوطني والعيش المشترك والحوار الإسلامي المسيحي، ويأتي الصباح ليسمع الجميع الكلمة المشهورة: "كلام الليل يمحوه النهار"..

ويبقى الجوع والعطش والظلام والرياح العاصفة والثلوج، وتبقى الآلام ومصدر الصحف، لتدفع الجميع إلى متاهات التصريحات والتسريبات.. وكل لبنان وأنتم بألف شر وشرّ.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية