الدعاء منهج تربوي وأخلاقي يحقق الإنفتاح الروحي
ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين، ومما جاء في خطبته الأولى:
الدعاء منهج تربوي
من بين مناهج التربية الأخلاقية الاجتماعية الإسلامية في توثيق علاقة المؤمن بالمؤمن، فرداً كان أو جماعةً، أن يدعو الإنسان المؤمن لأخيه المؤمن بظهر الغيب، بحيث عندما يعيش الإنسان الحالة الروحية الابتهالية بين يدي الله، ويتفرغ لعبادة الله، وينفصل عما حوله من العالم المادي، يتذكّر المشاكل المتنوّعة التي يعاني منها أخوانه المؤمنون، والآلام التي تحدث لهم والتعقيدات التي تحيط بحياتهم، فيهتم لذلك وهو بين يدي الله تعالى، ويدعو الله سبحانه أن يحل مشكلة هذا ويقضي حاجة ذاك، ويخفف آلام هذا ويزيل الضغوط عن ذاك، بحيث يُشهد الله على أنه يعيش الاهتمام بأخيه المؤمن، انطلاقاً من إحساسه بالرابطة الأخوية من خلال الإيمان، تماماً كما يحس بنفسه وبأخيه في النسب.
إن هذا المنهج التربوي يحقِّق في الإنسان المؤمن الروح التي تنفتح على الآخرين، فلا تعيش الأنانية الذاتية، وبذلك ينفتح أمام الإنسان المؤمن عالم كبير من الاهتمام والتفكير بشؤون إخوانه وقضاياهم ومشاكلهم، بحيث يشعر بأنه لا ينفصل عن ذلك حتى في أوقات الدعاء لله، فيطلب من الله لهم ما يطلبه لنفسه، وفي ذلك السموّ الروحي كل السمو، والأصالة الأخلاقية كل الأصالة.
الثقافة الدُعائية: انفتاح على الآخر
وقد درجت الثقافة الدُعائية على ذلك كله، حيث إننا نجد دائماً الأدعية القرآنية والنبوية وأدعية الأئمة من أهل البيت (ع)، تتضمن الكثير من الدعاء للمؤمنين والمؤمنات، ونجد مثلاً أن الأنبياء يدعون للمؤمنين: {ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب}، ونقرأ في الدعاء المعروف في شهر رمضان الذي يُقرأ عادة بعد كل صلاة: "اللهم أدخل على أهل القبور السرور، اللهم اغن كل فقير، اللهم اشبع كل جائع، اللهم اكسُ كل عريان، اللهم اقض دين كل مدين، اللهم فرّج عن كل مكروب، اللهم ردّ كل غريب، اللهم فك كل أسير، اللهم أصلح كل فاسد من أمور المسلمين، اللهم اشفِ كل مريض، اللهم سد فقرنا بغناك، اللهم غيّر سوء حالنا بحسن حالك".
من الملاحظ أن هذا الدعاء يعلّم المسلمين بأن عليهم بعد أن ينتهوا من الصلاة أن يفكّروا حتى بأهل القبور كيف يسرّهم الله بمغفرته وبرضوانه، ويفكروا وهم في أجواء الصوم والصلاة، بالجياع والعراة والغارمين الذين تضغط عليهم الديون، ويفكروا بالمرضى والمكروبين المتألمين والأسرى الذين يأسرهم الظالمون، كما يفكرون في كل واقع المسلمين الذي يعيش الفساد من خلال عوامل خارجية وداخلية، وبذلك يوحي هذا المنهج الإسلامي الأخلاقي في الدعاء، أن الجانب الروحي في مسؤولية الإنسان المؤمن العبادية لا ينفصل عن الجانب الاجتماعي، فأنت لا يمكن أن تكون حيادياً أمام كل المآسي والآلام والأوضاع الصعبة التي يعيشها المسلمون لتكتفي بالصلاة والصيام، لأن قيمة صلاتك هي أن تعظم مسؤوليتك في ما كلفك الله من المسؤوليات التي لا تقف عند ذاتك، ولكنها تتحرك إلى كل الناس الذين تستطيع إعانتهم.
وإذا كنت تدعو الله للمؤمنين والمؤمنات في ظهر الغيب، فإنك لا بد أن تتحسّس بطريقة شعورية أو لا شعورية كيف يمكن لك أن تساهم في حل مشاكلهم بما تستطيعه من وسائل تملكها، وبذلك تشارك العبادات ـ ولا سيما الدعاء ـ في ربط الإنسان المسلم بالمسلم، كما تعمّق ذلك في حركة العلاقات بين الناس.
الاستجابة لدعاء المؤمن
ونقرأ بعض النصوص الواردة عن أهل البيت(ع)، وقد قلنا أكثر من مرة، انطلاقاً من أحاديث الأئمة(ع)، أن أحاديثهم تنطق عن أحاديث رسول الله (ص)، نقولها لبعض الناس الذين يقولون لماذا تتحدثون عن الأئمة ولا تتحدثون عن رسول الله؟ أولاً الحديث عن رسول الله(ص)، كما الحديث عن كتاب الله، هو الأساس، ولكن أحاديث الأئمة (ع) تنطق عن رسول الله (ص)، وذلك هو حديث الإمام الصادق (ع) عندما كان يقول: "حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث عليّ وهو حديث رسول الله". وقد قال بعض الشعراء:
ووالِ أناساً قولهم وحديثهم روى جدنا عن جبرائيل عن الباري
عن الإمام الباقر (ع) في قول الله عزّ وجلّ: {ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله}، مَن هؤلاء؟ قال (ع): "هو المؤمن يدعو لأخيه بظهر الغيب، فيقول له الملك: آمين، ويقول الله العزيز الجبار: "ولك مثل ـ ضعف ـ ما سألت، وقد أُعطيت ما سألت بحبِّك إياه"، لأن دعاءك لأخيك بظهر الغيب يوحي بحبك إياه، فماذا يقول الذين يزرعون الحقد بين المؤمنين وينتجونه لعصبيةٍ هنا أو هناك، كيف سيعاملهم الله وهو الذي يحب الإنسان ويرضى عنه ويجزيه ويثيبه ويقرّبه لأنه يحب أخاه المؤمن؟!
وفي الحديث عن الإمام الباقر (ع): "أوشك دعوة ـ أقرب ـ وأسرع إجابة دعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب". وفي الحديث عن ولده الإمام الصادق (ع) قال: "دعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب يدرّ الرزق ويدفع المكروه". وفي الحديث عن الإمام الصادق (ع) قال: "قال رسول الله (ص): ما من مؤمن دعا للمؤمنين والمؤمنات إلا ردّ الله عزّ وجلّ عليه مثل الذي دعا لهم به، من كل مؤمن ومؤمنة مضى من أول الدهر وما هو آتٍ الى يوم القيامة". وفي الحديث: "إن العبد ليؤمر به إلى النار يوم القيامة، فيُسحب فيقول المؤمنون والمؤمنات: يا ربّ، هذا الذي كان يدعو لنا فشفّعنا فيه واعفُ عنه، فيشفّعهم الله عزّ وجلّ فيه فينجو".
وقد ورد في الحديث عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم بن هاشم، قال: "رأيت عبد الله ابن جندب ـ من أصحاب الإمام الصادق (ع) ـ في الموقف ـ في عرفة ـ فلم أرَ موقفاً كان أحسن من موقفه، ما زال مادّاً يديه إلى السماء ودموعه تسيل على خديه حتى تبلغ الأرض، فلما صدر الناس قلت له: يا أبا محمد، ما رأيت موقفاً قطّ أحسن من موقفك، قال: والله ما دعوت إلا لأخواني، وذلك أن أبا الحسن موسى (ع) أخبرني أن من دعا لأخيه بظهر الغيب نودي من العرش: ولك مائة ألف ضعف"، فكرهت أن أدََع مائة ألف مضمونة لواحدة لا أدري تستجاب أم لا..".
لنتعلم إنتاج الحب
إنّ هذا المنهج الروحي الأخلاقي التربوي هو المنهج الذي يوحي بالقاعدة العامة، وهي أن على المؤمنين أن يهتموا بأمور بعضهم البعض، وأن ينفتحوا على مشاكلهم وقضاياهم، حتى يمكن للوحدة الإسلامية التحرك في عملية تكامل وتعاون واهتمام مشترك، وعلينا أن نتذكر قول النبي(ص) الذي يؤكّد اهتمام الإنسان المسلم بأمور المسلمين في الجانب الإيجابي وإلا خرج عن الإسلام بمعناه العميق: "من أصبح لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم".
أمام كلِّ هذه العداوة والكراهية والحرب الإعلامية والسياسية والثقافية، التي يثيرها المستكبرون والكافرون بين المؤمنين، انطلاقاً من عصبيةٍ هنا وعصبيةٍ هناك، وحزبيةٍ هنا وحزبيةٍ هناك، من أجل تمزيق وحدتهم وتأكيد الفصل فيما بينهم، علينا ـ إذا كان مستقبلنا الإسلامي موضع اهتمام بالنسبة لنا ـ أن نتعلّم كيف نحب بعضنا بعضاً، بدلاً من أن نتعلّم كيف نحقد على بعضنا البعض، لأن معنى أن تحبّ الله أن تحب كل من يحبّ الله، وأن تنفتح على كل الذين تلتقي معهم في الإيمان بالإسلام والإيمان بالله.
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله.. اتقوا الله وانفتحوا على المحبة ولا تنفتحوا على الحقد، لأن الله تعالى يحب الذين يحبون بعضهم البعض في الله، ويتواصلون مع بعضهم البعض في الله، ويتوحّدون فيما بينهم على أساس كلمة الله، ويتحركون ليقاتلوا كل من يقاتلهم، ليكونوا صفاً واحداً كأنهم بنيان مرصوص، لأن ذلك هو سبيل القوة والعزة التي يريدها الله للمؤمنين، وسبيل الانتصار في كل مواقع التحديات.
إنّ المرحلة التي يعيشها الإسلام في كلِّ العالم الإسلامي، على مستوى الفكر والواقع، تمثل مرحلة من أقسى المراحل في كلِّ تاريخنا الإسلامي، لأن الاستكبار العالمي ـ وفي مقدّمته الأمريكي ـ جرّد كل أسلحته السياسية والأمنية والاقتصادية، من أجل أن لا يكون للمسلمين قوة في أيّ موقع من مواقع حياتهم. قد يخدعنا هنا وهناك عندما يتدخّل في واقعنا ليبرز أمامنا من خلال السذاجة الفكرية والسياسية بأنه المحور الذي يحرر الشعوب ويحفظ حقوقها، ويريد للناس أن يعيشوا على أساس المساواة، وهو الذي يعمل في الواقع على استغلال هذه الخديعة السياسية والاجتماعية من أجل أن ينفذ إلى كل مفاصلنا وكل الثغرات الموجودة في واقعنا، ومشكلتنا هي هذه السذاجة السياسية والإعلامية التي تجعلنا نحدّق بالإعلام أو ببعض ألوان اللعبة السياسية ليخيّل لنا أن العدو صديق والصديق عدو، وتلك هي المأساة.
ونحن نعرف أن علياّ (ع) قسّم الأعداء والأصدقاء، فقال: "أصدقاؤك ثلاثة؛ صديقك، وصديق صديقك، وعدوّ عدوّك، وأعداؤك ثلاثة؛ عدوّك، وصديق عدوّك، وعدوّ صديقك"، ونحن نعرف أن أمريكا ليست مجرد صديق لإسرائيل وكل الذين يظلمون شعوبهم، ولكنها تتحرك من أجل أن تتكامل معهم في ذلك كله. هذا منهج يمكن أن نتعامل به في المسائل الشخصية والاجتماعية والسياسية، وقد قلت لكم سابقاً: إننا بحاجة إلى الوعي الإسلامي في ما هو الإسلام في قواعده وتشريعاته ومفاهيمه، وإلى الوعي السياسي في كيف يخطط الآخرون وكيف يحفرون لنا بئراً هنا وهناك لنقع فيها، فتعالوا لنتعرّف تطورات قضايانا، لا سيما القضية الأم، وهي القضية الفلسطينية، فماذا هناك؟
القضية الفلسطينية داخل الدوّامة
وتبقى القضية الفلسطينية في داخل الدوّامة، من دون أن تبرز في الظلام السياسي أيّ إشارة للخروج منها، وأيّ نقطة ضوء لاكتشاف الحلّ.. ويبقى العرب يراهنون على أمريكا التي بدأت تلعب لعبة الاتهامات الإرهابية على أقرب أصدقائها، وهي السعودية، من خلال توزّع الأدوار الضاغطة بين مجلس النواب والإدارة في أمريكا، بالرغم من أنها الدولة الأقدم في استثمار بترولها ـ إلى جانب بترول الخليج ـ لحساب شركاتها الاحتكارية..
وهكذا نجد أن أمريكا تستغل العجز العربي في الضعف السياسي والأمني، بعد أن ضغطت عليه بالضربة القاضية لتوظّفه ضد المطالب الفلسطينية المصيرية، لتلعب اللعبة المخابراتية لإرباك الشعب الفلسطيني في انتفاضته، وحتى في سلطته، باسم السعي إلى السلام، وفي إعادة السفيرين المصري والأردني إلى "تل أبيب" قبل حدوث أيّ تطور لافت..
وهكذا، رأينا كيف أن هذا الشعب يقف وحده في الساحة العربية المتكاملة رسمياً مع الساحتين الأمريكية والإسرائيلية، لأن العرب قد تعبوا من هذه القضية، ولذلك بدأوا بتطويقها بالاعتراف بإسرائيل سياسياً، والتعامل معها اقتصادياً، حتى إنها بدأت تدخل إلى العراق المحتل من الباب الواسع الذي فتحته أمريكا، ولم يحتجّ على ذلك أكثر العرب..
المشكلة في الاحتلال
وكان "الحج" إلى البيت الأبيض من قِبَل رئيس حكومة السلطة الفلسطينية، على أمل أن يجد لدى الرئيس الأمريكي "بوش" وإدارته الحل الأمثل للمشكلة والطريق المعبَّد للتحرير!! وسمع كلمات وكلمات تلهج بمدحه ومدح بعض معاونيه من وزرائه، وإعلان الثقة به وبأنه يتفق معه في محاربة الانتفاضة الإرهابية ـ حسب تعبيره ـ ونزع سلاحها، مع اللعب على الألفاظ في قضية الجدار العنصري الفاصل الذي قد يتحوّل إلى حدود للدولتين، في الوقت الذي يصادر فيه آلاف الدونمات من الأرض الفلسطينية، وقال عنه إنه "مشكلة يصعب إقامة الدولة معها"، ولكنه ـ كعادته ـ يبلع كل كلماته ليستبدل كلمة "الجدار" بكلمة "السياج الأمني"، وكلمة "حساس" بدلاً من "مشكلة"، لأنه لا يملك أن يعترض على "شارون" أو يصيبه بخيبة أمل..
وهكذا، أعطى الرئيس الأمريكي إسرائيل انتصاراً على السلطة الفلسطينية، ليؤكد أن المشكلة ـ عنده ـ هي مقاومة المحتل التي يعتبرها إرهاباً، وليست المشكلة في الاحتلال الذي هو الاحتلال التاريخي الوحشي الذي لا يزال يفرض نفسه على الشعب الفلسطيني والذي يعتبره استيطاناً.. كما تمنى على "شارون" أن يسهّل حياة الفلسطينيين، من دون أن يحتجّ عليه في تدمير حياتهم، وتحدث عمّا أسماهم "القتلة الإرهابيين" في الانتفاضة، ولم يتحدث عن القتلة الوحوش في الجانب اليهودي، وتباكى على المدنيين في إسرائيل ولم يشر إلى المدنيين على مستوى الآلام في فلسطين المحتلة؟!
ثم بدأت الخدعة في تصريح منافق أن الرئيس "بوش" لم يغيّر موقفه من قضية الجدار، ليحفظ ماء وجه "أبي مازن"، لأنه يعرف أن العرب ـ ومنهم السلطة الفلسطينية العاجزة ـ يتخدّرون بالكلمات، بينما إسرائيل تتحدى إدارته بالمواقف.. وهذا ما تمثّل في تصريح "شارون" بأنه سيواصل بناء الجدار بالرغم من كل المواقف الأمريكية ـ لو كان هناك اعتراض جدّي منها عليه ـ ولكنه سيقوم ببعض التعديلات التي لن يكون لها أيّ تأثير في المسألة..
إن أمن إسرائيل لدى الإدارة الأمريكية ـ ومعها الكونغرس ـ هو فوق الأمن العربي والإسلامي، بل فوق أمن العالم كله، ما يوحي بأن هذه الإدارة قد حوّلت أمريكا إلى دولة تابعة لإسرائيل في سياستها وحربها وسلمها.. وهذا ما لاحظناه في التصريحات العدائية ضد سوريا وإيران بأسلوب الأكاذيب التي بررت بها حربها على العراق، وما زالت تحاول تطويق الحملة المضادّة بها..
إن خلاصة زيارة "شارون" و"أبي مازن" لأمريكا هي إعادة الحديث عما يسمّونه الإرهاب إلى صدارة الخطة، وسحب أيّ إشارة إلى أن الاحتلال هو المشكلة.. ونتساءل مع الشعب الفلسطيني عن حقد بعض المسؤولين الأمريكيين في دعوة إسرائيل إلى قتل الفلسطينيين "حتى آخر إرهابي في الانتفاضة" ـ على حدّ تعبيرهم ـ وإلغاء الهدنة.. هل إن الإعلام الأمريكي الذي تدير الإدارة الأمريكية سياسته، هو الذي يخطط لتعقيد الذهنية الشعبية ضد العرب والمسلمين والفلسطينيين المجاهدين بشكل خاص، لتبرز أمريكا بإدارتها الحالية كعدوّ للجميع؛ في داخل أمريكا، في ضغطها على الجالية العربية والإسلامية، أو في خارجها في الضغوط القاسية على الصعيد السياسي والأمني والاقتصادي، باسم الحرية والديمقراطية، ليرتفع النداء: أيتها الحرية كم من الجرائم ترتكب باسمك؟؟
إننا ندعو الفلسطينيين والشعوب العربية والإسلامية إلى المزيد من الحذر والتخطيط والحوار، ونحذّر السلطة الفلسطينية التي تلهث وراء خارطة الطريق أن لا تلدغ من الجحر الأمريكي ـ الإسرائيلي أكثر من مرة.. وسؤالنا الأخير لأعضاء اللجنة الرباعية، من الاتحاد الأوروبي والروسي والأمم المتحدة: لماذا تقبلون بدور الهامش للحركة الأمريكية؟ وهل التقى العجز السياسي لديكم بالعجز العربي والإسلامي أمام الطاغوت الأمريكي؟!
النهوض بعراق حضاري إسلامي
أما العراق، فلا يزال يمثل الهمّ الكبير للمنطقة كلها، وربما للعالم بما يتجاوزها، لأن إسقاط نظام الطاغية من جهة، والاحتلال الأمريكي ـ البريطاني من جهة أخرى، قد أحدثا أكثر من زلزال سياسي أو أمني لأكثر من موقع في أكثر من بلد، على صعيد الخطة الأمريكية في إدارتها الحالية، للقيام بتغيير المنطقة سياسياً، وللضغط على أوضاعها الثقافية والاقتصادية والأمنية..
وإذا كان الشعب العراقي الجريح المظلوم قد تنفّس الصعداء، وشعر بالحياة الحرة من جديد على الصعيد الداخلي، فإنه لا يزال يعيش الحرمان القاسي في الخدمات العامة وفي الأمن وفي مفاعيل الاحتلال الصعبة التي قد تترك تأثيراً سلبياً، بما قد يحوّل الوضع بطريقة وأخرى الى ما يشبه الفوضى العامة..
إننا في الوقت الذي نواجه فيه الحذر الكبير من النتائج السلبية في الواقع المعاش، نتمنى على الشعب العراقي المتعدد الطاقات الفاعلة أن يملك الظروف التي يصنعها بوعيه وجهده ووحدته، لتحقيق التكامل بين فئاته الدينية والعرقية والسياسية، من أجل عراق حضاري إسلامي جديد، وأن يواجه التحديات بالإرادة القوية، والعزيمة الصلبة، والخبرات المبدعة، والمحبة الشاملة للمواطنين جميعاً.
فقدان التخطيط: أزمات متلاحقة
أما في لبنان، فإننا نلاحظ أن اللعبة السياسية التقليدية تصغّر القضايا الكبيرة، وتكبّر القضايا الصغيرة لحسابات خاصة هنا وهناك، مما قد يرتبط بالجانب الطائفي أو المذهبي أو الشخصي، بالطريقة التي يعيش فيها المواطنون الإرباك السياسي والمعيشي والاجتماعي، لأن المشكلة لديهم أنهم لا يملكون الصعود إلى الأبراج العاجية العالية ليقدّموا شكواهم المزمنة لها، باعتبار أنها تملك القرار الحاسم، وإذا ساعدتهم الظروف للّقاء بالقائمين عليها، فإنهم سوف يسمعون كلاماً معسولاً يخدّر المشكلة ولا يحلّها..
وإذا كانت ضرائب الكهرباء قد جُمّدت ريثما يجد القائمون عليها الإخراج القانوني للعودة إليها، فإن المشكلة الجديدة ـ القديمة هي مشكلة الضمان الاجتماعي الذي يرتبط بالحاجات الحيّة للفقراء من جميع الأصناف، الذين يخافون أن تكون الخطة المستقبلة أن يصل إلى درجة الإفلاس والتجميد، في الوقت الذي نعرف فيه أن الكثير من دوائر الدولة ومن أصحاب النفوذ من الأثرياء الكبار لا يدفعون ما عليهم، لأن القانون يُفرض على الفقراء لا على الأغنياء!!
إن المشكلة هي أننا في دولة ليس فيها وزارة تخطيط، لأنّ التخطيط قد يعطّل مشاريع الكثير من الذين يتعاملون بالهدر والفساد واستغلال الفرص للإثراء غير المشروع.