ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين، ومما جاء في خطبته الأولى:
الزهراء(ع) أم أبيها
يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {إنما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً}. من أهل هذا البيت السيدة الطاهرة المعصومة، سيدة نساء أهل الجنة وسيدة نساء العالمين وسيدة نساء المؤمنين ـ كما جاء عن رسول الله(ص) في كتب الصحاح من أهل السنّة والشيعة معاً ـ السيدة فاطمة الزهراء(ع).
هذه الإنسانة التي عاشت مع هؤلاء الذين يمثّلون المستوى الأعلى في البشرية، في كلِّ معاني الطهر والعصمة والإنسانية والرسالية والانفتاح على كل المحرومين والمستضعفين والمظلومين، والمواجهة لكل الظالمين والمستكبرين.. هذه الإنسانة العظيمة التي لم تقتصر عظمتها على أنها ابنة رسول الله (ص)، والتي عاشت في عقله وقلبه وروحه، وامتزجت به منذ طفولتها إلى شبابها الذي لم يكتمل فذهبت إلى ربها في عمر الورود، كانت مع رسول الله (ص) روحاً وقلباً وعقلاً، حتى اندمجت به اندماجاً جعلها تعيش كل مشاعره وأحاسيسه، وتعرف من نظرات عينيه ماذا يريد، وتعرف من خطواته في بيتها ماذا يقصد. لم تكن العلاقة بينها وبين رسول الله (ص) علاقة بنت وأب، وإن كان ذلك في عمق القرابة، ولكنها كانت علاقةً تمتزج فيها المحبة بالرسالة.
وهكذا، كانت طفولتها تلاحق آلام رسول الله(ص)، فإذا اعتدى عليه المشركون بطريقة وبأخرى كانت تواسيه بدموعها وعمرها لا يكاد يطفو فوق الخمس سنوات. كانت تعيش معه في بيته، فأعطته عندما فقد أمها كل ما كان بحاجة إليه في موقع بشريته الإنسانية، أعطته كل حنان الأم، وكل العاطفة التي كان يتلمسها في أمها، ولذلك قال عنها إنها "أم أبيها".. كان يشعر أنها أعادت له أمه بما تمثل الأمومة من عاطفة وحنان.
الإنسانة العالمية
وكانت الزهراء (ع) الإنسانة العالمية، ومن المؤسف أننا حبسناها في دائرة المأساة، وهي التي كانت أكبر من المأساة، لم تذكر مأساتها ولم تتحدّث عنها يوماً، وإنما ذكرت الحق في حق عليّ (ع)، كان كل همها في كل ما تحدثت به وكل مواقفها مع المسلمين جميعاً ـ نساءً ورجالاً ـ كيف تؤكد لهم أصالة الحق في ما يملكه عليّ (ع) من الشرعية. كانت الإنسانة التي عاشت معنى رسول الله في الرسالة، ومعنى عليّ في الإمامة، ولذلك كان صوتها صوت عليّ عندما تحدث عن الحق الذي لم يترك له من صديق، وكذلك لم يترك الحق لها من صديق. كانت الإنسانة التي تقف بكل صلابة في مواجهة الباطل، ولم تأخذها في الله لومة لائم.
ولذلك، لا بد لنا من أن ندخل شخصية الزهراء في الواقع الإنساني كله، لا أن نحبسها في دائرة مصيبة في وفاة هنا أو في دائرة فرح في مولد هناك. إن العالم بحاجة إلى سيدة عظيمة طاهرة كفاطمة الزهراء (ع)، هذا العالم يتحدث عن أكثر من سيدة في ما تنتجه النساء من جهود أو مواقع، ولكننا لا نجد في كل ما تحدثوا عنه من تضحيات وأخلاق وإنسانية كما نجده في الزهراء (ع). هذه الإنسانة التي تفكر بالناس أكثر مما تفكر بنفسها. نحن نعتبر أن القيمة الكبرى للإنسان المؤمن هو أن يساوي الآخرين بنفسه، "لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه ويكره له ما يكره لها"، أما فاطمة الزهراء (ع) فقد كانت تحب للناس أكثر مما تحب لنفسها، وهذا ما يرويه ولدها الإمام الحسن (ع) عندما كانت تقوم الليل حتى تتورم قدماها، وكان يسمعها تدعو للمؤمنين والمؤمنات ولا تدعو لنفسها، وكان يسألها: "يا أماه، لم لا تدعين لنفسك"؟ فتقول: "يا بني، الجار ثم الدار". لقد كانت تفكر بالآخرين قبل أن نفكّر بنفسها، وتتحسس آلامهم والظلم الذي يقع عليهم أكثر مما تتحسسه في نفسها.
كانت إنسانيتها كإنسانية زوجها وابن عمها أمير المؤمنين (ع) في مسألة الإيثار، {ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً* إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً}، كانا يطويان يومهما جائعين ويعطيان إفطارهما للمسكين واليتيم والأسير. كانوا يقدّمون التضحية كلها ويفعلون الخير كله، ويجسّدون الإيثار كله لوجه الله، وذلك يمثل أعلى معاني الإنسانية.
وكانت الزهراء (ع) إلى جانب ذلك ربّة بيت أخلصت لزوجها، حتى كان يجد في بيتها كل مناخ الروح وحيوية الرسالة، وكل الجهد الذي كانت تعيشه، وكان يقول: "ولقد طحنت بالرحى حتى أثّر في صدرها، وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها، ومجلت يداها"، وكانت لا تتأفف، حتى إن علياً (ع) طلب منها أن تطلب من رسول الله (ص) خادماً يعينها في البيت، وذهب إلى رسول الله وحدّثه عن آلام الزهراء ومتاعبها في البيت، فكان جواب رسول الله (ص): "ألا أعلّمكما شيئاً إذا أنتما فعلتماه كان خيراً لكما من الخادم، إذا أخذتما منامكما فكبّرا الله أربعاً وثلاثين مرة، واحمدا الله ثلاثاً وثلاثين مرة، وسبّحا الله ثلاثاً وثلاثين مرة، فهو خير لكما من الخادم"، فقالا: "رضينا بالله تعالى"، وخلّدت الزهراء في تسبيحها، فأصبح تسبيح الزهراء تعقيب المؤمنين في صلاتهم وعند منامهم.
وكانت ـ وهي الزوجة والأم والبنت لرسول الله(ص) ـ تجمع نساء المهاجرين والأنصار لتتلو عليهم ما تسمعه من حديث رسول الله (ص)، كانت المعلّمة في الوقت الذي كانت حياتها محاصرة بكل المتاعب والظلمات، كانت ترى أن على الإنسانة المؤمنة أن تملك الثقافة الإسلامية من أجل أن توجّه المؤمنات، لأن المرأة في وعي الزهراء(ع) الذي هو وعي الإسلام، ليست كمية مهملة، بل هي إنسان يتحمل مسؤولية المجتمع كما الرجل، {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}، لذلك كانت تشعر أن مشاكلها وتعبها لا يمنعانها من القيام بمسؤولياتها في توعية المؤمنات.
وكانت الإنسانة المجاهدة التي وقفت أمام المهاجرين والأنصار في المسجد الذي كان يخطب فيه أبوها ويعظ الناس، وقد قيل بأن من يسمعها فكأنه يسمع رسول الله (ص)، لأنها كانت تشبهه هدياً وسمتاً ومنطقاً، وقفت أمام المهاجرين والأنصار لتدافع عن الحق، ولتجادل في ما أثير من أمر "فدك"، وقد استطاعت أن تلقي محاضرة ثقافية يتمثل فيها كل تعاليم الإسلام في خطوطه العامة والخاصة، فتحدثت في مواجهة الكلمات التي أُريد لها أن تبعدها عن إرث أبيها، وتحدثت عن القرآن والنبي بهدوءٍ ورويّة، لأنها كانت ـ كأبيها وزوجها ـ في خط الإسلام، كانت القضية عندهم ليست هي أن يهينوا الآخرين الذين يختلفون معهم، بل يريدون أن يفتحوا عقولهم على الحق، وقلوبهم على المحبة، وهكذا كانت الزهراء (ع) إنسان الحوار، وكانت تتنقل من موقع إلى موقع في المسلمين لتحدثهم عن عليّ (ع) وحقه، لأنها كانت تشعر أن رسالتها تتجاوز ذاتها، وأن قضيتها تتجاوز آلامها، لأن الإنسان الرسالي هو الذي يعيش مسؤولية الرسالة قبل أن يعيش مسؤولية الذات.
الصابرة المحتسبة
وعاشت الزهراء(ع) حياةً صعبة عندما أسيء إليها بالهجوم على بيتها، وأسيء إليها بأكثر من جانب، ولكنها كانت الصابرة المحتسبة، وكانت الإنسان الذي يعيش رسالته والذي يعرف كيف يحتج، وكان آخر احتجاجها أنها أوصت علياً (ع) بأن يدفنها ليلاً حتى تؤكد الحق في ذلك، في احتجاج صامت بالموت كما هو الاحتجاج الناطق بالحياة. وهكذا استطاعت الزهراء (ع) ـ مع عليّ (ع) ـ أن تنشئ لنا حسناً وحسيناً، هذان العظيمان الإمامان إن قاما وإن قعدا، وهما سيدا شباب أهل الجنة. كانت روحانية الزهراء ونبضات قلبها بالحنان هي التي غذت هذين الإمامين، وغرست فيهما محبة الله وعمق الإسلام وصفاءه ونقاءه.
وكانت خليفة الزهراء(ع) في قوّتها وصلابتها وجهادها ووعيها ابنتها زينب(ع)، هذه السيدة المجاهدة العظيمة التي استطاعت أن تكون مع الحسين (ع) جنباً إلى جنب، تعاونه وتساعده وتفتح قلبه وتعيش آلامه في كربلاء، حتى إذا كانت المأساة انطلقت لتقود الرسالة وخط الإمامة حتى لا يضيع في المأساة، فوقفت أمام ابن زياد وقرّعته، وأمام أهل الكوفة وأنّبتهم، وأمام يزيد وهاجمته وقالت: "فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فإنك لن تميت ذكرنا".
الأسوة والقدوة
ونلتقي بالسيدة الزهراء (ع)، هذه الإنسانة التي أذهب الله عنها الرجس، فليس هناك رجس في فكرها وعاطفتها وفي كل حياتها، هي العصمة كلها من خلال آية التطهير، والعصمة من خلال أنها سيدة نساء أهل الجنة، والعصمة في كل حياتها، لأنها كانت تمثل الطهارة كلها. لذلك، نحن نريد أن ننطلق من جديد في كل موقع من المواقع التي نتذكر فيها الزهراء(ع)، أن نخطط لتكون(ع) السيدة المسلمة العالمية الذي ينطق العالم باسمها ليكتشف إنسانيتها، وليكتشف هذه الأبعاد المتنوعة التي تصلح لأن تكون نموذجاً للمرأة في كل مكان في العالم.
إن علينا أن نبعد الزهراء (ع) عن جوِّ المصيبة وإن كانت المصيبة عظيمة، لأننا نريد لها (ع) أن تعيش في وجداننا، في قلوبنا، في ثقافتنا، في أخلاقنا، في روحيتنا، لتكون قدوةً للرجال والنساء، وقديماً قال أمير الشعراء أحمد شوقي وهو يتحدث عنها وعن أبيها:
ما تمنى غيرها نسلاً ومن يلد الزهراء يزهد في سواها
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله.. اتقوا الله وواجهوا مسؤولياتكم الكبرى عن الإسلام كله وعن المسلمين كلهم، وعن المستضعفين كلهم، واجهوا ذلك في وحدة إسلامية يعيش فيها المسلمون صفاً واحداً كالبنيان المرصوص، لأن الحرب التي يشنها الاستكبار كله والكفر كله ضد الإسلام والمسلمين هي حرب شاملة لا تترك أيّ موقع إسلامي إلا وتعمل على إضعافه وتهديده وإثارة المشاكل فيه.
لذلك لا مجال للحياد بين الظالم والمظلوم، وبين الحق والباطل، بل علينا أن نستنفر كل طاقاتنا من أجل أن نكون قوةً في مواجهة هذه القوى، لا أن يضعف بعضنا بعضنا ويمزّق بعضنا بعضاً.. إن المشاكل التي لا تزال تواجهنا، وإن الخطط الاستكبارية التي يخطط لها المستكبرون، تعمل على أن لا يستقر بلد إسلامي أو يعيش الخطوط التي تركّز قوته وتنفتح على مستقبله، لأن الآخرين لا يريدون لنا أن نكون أقوياء وأعزاء.. فماذا هناك؟
التحالف الأمريكي ـ الإسرائيلي يهدد المنطقة
المنطقة كلها في حالة اهتزاز سياسي، وتهديد أمني، وخلل اقتصادي، من خلال تحالف استراتيجي أمريكي ـ إسرائيلي يخطط من أجل تحويلها إلى موقع متقدّم لخدمة مصالحه على جميع المستويات.. وهذا ما نلاحظه في التطابق الكامل بين الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية في أكثر من قضية عربية وإسلامية..
فالقضية الفلسطينية يُراد أن تطبق عليها الكمّاشة، في عملية اختناق سياسي وأمني واقتصادي، يحشر الفلسطينيين ـ سلطةً وفصائل وشعباً ـ في الزاوية، من أجل إعلان الاستسلام لليهود، ليسجّل "شارون" ـ الليكود انتصاره على الانتفاضة وما حولها..
إن أمريكا التي تقود "خارطة الطريق" لا تضغط على الطرف القوي لينفّذ التزاماته في الخارطة، بل تضغط على الطرف الضعيف لتحقيق الشروط الإسرائيلية، وإن تحدّثت ببعض الكلمات الضبابية التي قد توحي بالحياد، فإنها تهمس في أذن اليهود: "لا تحفلوا بكلماتنا لأننا مضطرون للتحرّك على طريقة إدارة اللعبة الخادعة"..
إنها وضعت خارطة لا تمثّل طموح الشعب الفلسطيني باسم السلام للمنطقة، غير أنها ـ مع ذلك ـ لم تضع أيّ آلية واقعية للتنفيذ، وتركت الأمر للمفاوضات، حتى إنها أشارت إلى أن الطرفين إذا اتفقا على تغيير الشروط ـ والمقصود في العمق التحفّظات الصهيونية ـ فإنها توافق على ذلك، وهي تعلم أن تلك التحفّظات قد حصلت على الموافقة الأمريكية في قمة العقبة، في الوقت الذي لم يعترض عليها الوفد الفلسطيني، ولم يعلن موافقته عليها حفظاً لماء الوجه لحساب الاستهلاك الداخلي..
تأكيد أمريكي للأمن الإسرائيلي
وكانت اللعبة الإسرائيلية في القرار الذي اتخذه الكنيست الصهيوني، بأن الضفة الغربية وقطاع غزة ليستا أراضٍ محتلة، تأكيداً لما أعلنه "شارون" بأن "الاحتلال اليهودي لم يكن للأرض لأنها يهودية ـ على حدّ زعمه ـ أو متنازع عليها، بل الاحتلال هو للسكان فقط".. ولم يصدر عن أمريكا أيّ رد فعل لذلك، لأن الإدارة الأمريكية في سياستها المعلنة خالفت قرار الأمم المتحدة في اعتبارها أراضٍ محتلة، لتعلن أنها أراضٍ متنازع عليها؟!
وهكذا، تستمر اللعبة ـ المؤامرة في تأكيد الأمن الإسرائيلي على حساب الأمن الفلسطيني، بل إن المطلوب من الدول العربية ـ أمريكياً ـ أن تعمل على حماية إسرائيل، وأن تمارس الضغط الاقتصادي والسياسي والأمني على الانتفاضة.. ويبقى للشعب الفلسطيني، ولقيادته المجاهدة في خط الانتفاضة، أن يأخذ بأسباب الحذر مما يخطَّط له باسم فرض النظام في مواقع السلطة، في الوقت الذي لا تملك فيه هذه السلطة أيّ أرض على مستوى الدولة.. إن هناك أكثر من حقل للألغام السياسية والأمنية مما يزرعه المستكبرون والصهاينة والتابعون لهم، وعلى المجاهدين أن ينتبهوا لذلك جيداً، حتى يبتعدوا عن الخطة ـ المؤامرة الجديدة، تماماً كما ابتعدوا عن خطط العدو القديمة.
العراق في دائرة المتاهات
أمّا الوضع العراقي فلا يزال يواجه المتاهات السياسية والأمنية والاقتصادية، من خلال الاحتلال الذي يواجه الكثير من التعقيدات والتحرّكات المضادّة على الصعيدين الأمني والسياسي، في صوت قويّ ينادي بانسحاب الاحتلال من العراق، ودعوةٍ للأمم المتحدة لأن تكون هي الجهة الدولية الحيادية التي تتعاون مع العراقيين لإعادة العراق إلى موقعه في السياسة الإقليمية والدولية، وفي حركة الاقتصاد في المنطقة والعالم..
وقد اضطرت الإدارة الأمريكية تحت ضغط الواقع الصعب أن تستنجد بالأمم المتحدة لتكون وسيلة من وسائل حماية جنودها، ومن المعلوم أن الأمم المتحدة لا تملك قوة ذاتية خارج نطاق الدول الكبرى وفي مقدمتها أمريكا.. لذلك، فإننا ننصح الأمم المتحدة ـ إذا أرادت أن تبقى في وجدان شعوب العالم ـ أن تتخذ المواقف الحاسمة التي تعبّر عن رفضها للاحتلال، وللقرارات الضاغطة من قِبَل الإدارة الأمريكية التي انطلقت في كذبة كبيرة لا تزال تثير الجدل السياسي والمخابراتي في أمريكا وبريطانيا وغيرهما من الدول.. إن الشعوب بحاجة إلى منظمة دولية تحمي حقوقها، وليس إلى منظمة تبرر للمستكبرين والظالمين اضطهادها ومصادرة حقوقها الإنسانية والسياسية.. إن دور الأمم المتحدة هو إزالة الاحتلال لا شرعنته كما جاء في القرار الأخير..
أما مجلس الحكم الانتقالي، فإننا نخشى أن يسقط تحت تأثير الإدارة الأمريكية للحاكم الأعلى في العراق، الذي صرّح بأن القرار له، لأن هذا المجلس لا يملك ـ حتى الآن ـ أيّ قوة ذاتية سوى حاجة أمريكا إلى غطاء عراقي يحمي مصالحها من خلال شرعنة الاحتلال.. فإذا أراد هذا المجلس أن يحصل على ثقة الشعب، فإن عليه أن يطلق الصوت الواحد: اخرجوا أيها المحتلون، ودعونا نقرر مصيرنا بأنفسنا بما نملك من الطاقات، لأننا لسنا شعباً قاصراً ولكننا نملك حضارة لا تملكون مثلها في التاريخ.. إننا لا ندعو إلى الانفعال، بل إلى التعقّل من أجل الحصول على الحرية لا العبودية.
لماذا الضياع في المتاهات؟!
أما في لبنان، فلا يزال الجدل مستمراً حول شرعية قرار حكومي هنا أو هناك، وحول قدرة الحكومة على تطبيق هذا القرار أو ذاك، في إيحاءات خفيّة يتهم فيها مسؤول مسؤولاً بأنه يحمي نافذين في هذا الموقع أو ذاك.. وتبقى المسألة بعيدة عن الصراحة في الجهة التي تعطّل القرارات، وتجمّد القوانين، ويبقى الشعب حائراً أين المرجعية، وأين القاعدة التي ينطلق منها البلد؟!
والسؤال الذي يوجّهه الناس إلى الذين ينظّرون للبلد سياسته، ويعارضون هذا الموقع أو ذاك: لماذا يبقى لبنان ضائعاً في المتاهات.. ولماذا يستهلك الناس تعليقاتهم السلبية.. ولماذا تبقى هذه الدوّامة في فتح ملف اقتصادي تارة وسياسي أخرى، ليتم إغلاق هذا الملف أو ذاك على أساس التسويات الشخصانية أو الطائفية؟؟
إن المنطقة تهتز، والبلد يواجه التحديات الكبرى، والتحالف الأمريكي ـ الصهيوني يهدد هنا وهناك، ويتحدث الجميع عن الحوار ولا حوار، لأن الخطة أن نبقى في حالة اللااستقرار، حتى لا يُزعج أحدٌ سياسياً وإعلامياً.. ولذلك تبقى الأسئلة من دون جواب، لأن الأجوبة قد تخلق مشكلة طائفية، وقد تربك علاقات ومحاور سياسية نافذة.. ويبقى السؤال: إلى أين يسير لبنان، ولماذا يهاجر شبابه إلى شتى بقاع العالم؟؟ |