ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين، ومما جاء في خطبته الأولى:
المنهج الروحي والحركي
يقول تعالى في كتابه المجيد: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حقّ تقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون * واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرةٍ من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلّكم تهتدون* ولتكن منكم أمةٌ يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون * ولا تكونوا كالذين تفرّقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم}.
هذه الآيات تمثِّل المنهج الروحي والحركي والاجتماعي للإنسان المسلم عندما يستكمل عناصر شخصيته الاجتماعية، ولذلك نجد أنه سبحانه وتعالى قد أشار في بداية الآيات إلى أن الإيمان بالله لا بد أن يشمل كل كيان الإنسان، بحيث يكون الله حاضراً في عقله، وفي قلبه، وفي حبّه وبغضه، بحيث يشعر بحضور الله في كل حياته، فلا يحرك عضواً من أعضائه إلا بما يرضي الله تعالى، ولا يتحرك في أي موقع في العلاقات الخاصة إلا بما يحبه الله ويرضاه.
التقوى: الإسلام لربّ العالمين
فلتنطلق حياتكم ـ أيها المؤمنون ـ في تقوى الله كما يحب أن يُتقى، فأنتم تحسبون حساب الناس بنسبة معينة، ولكن عليكم أن تحسبوا حساب الله في كل شيء، وأن تعملوا على نيل رضاه، وقد جاء في الحديث المأثور عمّن يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظلّ إلا ظلّه، أن لا يقدم الإنسان رجلاً ولا يؤخر أخرى حتى يعلم أن ذلك لله رضىً، بحيث تكون كلُّ حياته في خط طاعة الله، وهذا معنى "اتقوا الله حق تقاته".
اتقوا الله في موقع ربوبيته المطلقة وفي موقع ألوهيته المهيمنة، فالله سر وجودكم وسر حياتكم في كل شيء. ولذلك فالإنسان المؤمن عندما يعيش إيمانه بعمق فإن عليه أن لا يرى إلا الله، وأن لا يجعل أحداً معه، فالكل عبيد الله، حتى من الأنبياء والأولياء، فنحن نكرمهم ونعظمهم، لأنهم {عبادٌ مكرمون* لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون}، ليس فيهم شيء من الألوهية، كلهم في موقع العبودية المطلقة التي لا حدود لها، في مقابل الألوهية المطلقة التي لا حدود لها.
التقوى طريق إلى الوحدة
ولذلك يجب أن نستمر في هذا الخط؛ خط تقوى الله حق تقاته؛ كل في نفسه وبيته وعمله ومواقفه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية وغير ذلك، ليلقى الله على ذلك {ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون}، كما ورد عن النبي إبراهيم(ع): {إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين} {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين}. ومن خلال هذه التقوى والاندماج الكلي في الإسلام، يتوجب على المسلمين أن يتفقوا ليعتصموا بحبل الله في وحدة إسلامية إيمانية، لأن حبل الله هو القرآن كما ورد، وحبل الله هو الإسلام كما جاء في بعض التفاسير.
ولذلك فإنّ المسألة، هي أنك عندما تكون مسلماً تتقي الله، يعني أن يتوحَّد المسلمون في عقلك وقلبك، فتعيش نبض الإسلام، لأنك تتفق مع المسلمين الآخرين في الإيمان بأصول العقيدة، ةفي الإيمان بالله ورسله وباليوم الآخر وكتبه وملائكته، ولأن الآخرين يؤمنون بذلك أيضاً. فعليك أن تعيش وحدوية الإسلام مع المسلمين الآخرين، وإذا اختلفنا في الاجتهاد من خلال فهم الكتاب والسنة، فيجب علينا أن تردّه إلى الله والرسول، كما قال القرآن: {فإن تنازعتم في شيء فردُّوه إلى الله والرسول}، عندما تختلفون فلا تدخلوا المتاهات، ولكن اعتصموا بحبل الله.
قولوا إننا مسلمون، وعلينا أن نجعل الإسلام في مصادره الأصيلة ـ الكتاب والسنة ـ هو الأساس في حلّ خلافاتنا وفي التفاهم فيما بيننا: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا}.
حتى لو اختلفتم في بعض الخطوط، لا تتفرقوا، لأن التفرقة تؤدي بكم إلى السقوط والانهيار والضعف، {واذكروا نعمة الله عليكم ـ وأنتم مجتمعون بين يدي ربكم في أكثر من صلاة وأنتم تتحركون في مواجهة أعداء الله ورسوله في كل جهاد، وأنتم تلتقون في كل أموركم التي هي شورى بينكم في كل قضية ـ إذ كنتم أعداءً ـ لأنكم كنتم تأخذون بأسباب الكفر والشرك، ولأن كلاً منكم كان يفكر بطريقة تختلف عن الطريقة الأخرى ـ فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته أخواناً ـ {إنما المؤمنون أخوة} ـ فقد عقد الله الأخوّة العامة الإسلامية بين كل مسلم ومسلم ـ وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ـ لأنكم لو انطلقتم في خط العداوة والبغضاء، كما كنتم في الجاهلية، فإنكم سوف تسقطون.
رسالة الإسلام
ـ كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ـ ثم يؤكد الله في هذه الآيات أن مسؤولية كل مسلم هو أن يحمل الإسلام كرسالة في حياته، كلٌ بحسب ما يملك من طاقة فكر ومن حركة، ـ ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ـ لأن الإسلام كله دعوة إلى الخير، سواء على صعيد الفرد أو المجتمع ـ ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ـ لأنهم أفلحوا في حمل رسالة الله والدعوة إليه ـ ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البيّنات وأولئك لهم عذاب عظيم}.
هذه هي كلمات الله في تأصيل الشخصية الروحية والعملية والاجتماعية للإنسان المسلم، وهذا هو الذي يؤكد الوحدة الإسلامية التي يحاول الكثيرون في هذا الزمن، ومن قبله، أن يسقطوها، وأن يركزوا على الفواصل ليكفِّر المسلمون بعضهم بعضاً، بسبب بعض الخلافات في الخطوط التفصيلية، وقد يمتد هذا الواقع من التكفير والتضليل إلى أن يقتل المسلمُ المسلمَ، وهذا ما عاشه المسلمون في تاريخهم.
وبذلك ضعف المسلمون أمام التحدّيات الأخرى، لأنهم شغلوا بأنفسهم وبخلافاتهم التفصيلية وتركوا الاهتمام بالقضايا الأساسية التي تشكل قواعد الإسلام، ويسوقهم إلى ذلك التخلّف، فأصبحت فتاوى التكفير تتحرك في كل المواقع، فنحن نسمع البعض من المفتين السنة يكفِّرون الشيعة ويتهمونهم بالشرك، ونرى أيضاً أن بعض الناس من الشيعة يكفّرون أهل السنة ويتهمونهم بالشرك وما إلى ذلك، وربما قتل بعضهم بعضاً. وبذلك شغلنا عن الكافرين بتكفير المسلمين، وهذا ما نجده عند اليهود الذين سألوا المشركين: هل ديننا أفضل أم دين محمد؟ قالوا: أنتم على الحق، {ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً}. وهذا هو الواقع الموجود، الذي يجب علينا إزالته، لأنه كالدمل الذي يتأزم ويتحول إلى سرطان إن لم تعمل على إزالته.
العمل بوصية رسول الله(ص)
وقد أشار النبي(ص) ـ وهو الذي ينظر بعين الله ـ إلى هذا الموضوع، حيث وقف في حجة الوداع ليقول: "أيها الناس، اسمعوا ما أقول لكم واعقلوه، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم في هذا الموقف بعد عامي هذا... أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقونه فيسألكم عن أعمالكم، ألا هل بلّغت، اللهم اشهد. ألا من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، فإنه لا يحلّ دم امرىءٍ مسلم ولا ماله إلا عن طيب نفسه، ولا تظلموا أنفسكم ولا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم أعناق بعض، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي،كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ألا هل بلّغت، اللهم اشهد. أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم من آدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي على أعجمي فضل إلا بالتقوى، ألا هل بلّغت، قالوا نعم، قال فليبلغ الشاهد منكم الغائب".
وفي موقف آخر، قال(ص): "نضر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلّغها من لم يسمعها، فرُبّ حامل فقه غير فقيه، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يُغل عليها قلب مسلم: إخلاص العمل لله، والنصيحة لأئمة المسلمين، واللزم لجماعتهم، فإن دعوتهم محيطة من ورائهم. المسلمون أخوة تتكافأ دماؤهم وهم في وحدتهم يد على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم".
هذا هو كلام رسول الله(ص) في وصيته، فهل حفظنا وصيته، ونحن نشاهد في كل مرحلة من المراحل أن المسلمين يشغلون ببعضهم البعض، ويعتدون على بعضهم البعض، ويكفون عن نصرة بعضهم البعض، بل إنهم يقتلون بعضهم بعضاً، حتى في بيت الله، وهذا ما حدث أخيراً بعد أحداث سابقة في باكستان، عندما هجم بعض الناس من المتعصبين ومن أتباع دعاة التكفير والتضليل على مسجد من مساجد المسلمين الشيعة في "كويتا" في باكستان، وقتلوا ما يقارب الخمسين من المصلين وجرحوا الكثيرين تعصباً وتخلفاً بفعل هذه الفتاوى، ولذلك فإن المسألة هي أن يعي المسلمون التحديات الكبرى التي تواجههم، خاصة ما يثيره الإعلام الاستكباري الذي يحاول أن يركِّز دائماً في كل حادثة وفي كل خلاف على المسألة الشيعية والسنية.
وقد أصدرنا بياناً قلنا فيه إن الشيعة ليست مشكلتهم السنة، ولا السنة مشكلتهم الشيعة، إنما مشكلتنا جميعاً هي أمريكا، مشكلة الاستكبار العالمي، الذي يحاول أن يسيطر على كل مقدّراتنا ويعمل على تمزيقنا من الداخل على طريقة فرّق تسد، كما عمل في الماضي.
ولكن العصبية العمياء وعناصر التخلف هي التي تؤكد هذا الأسلوب وهذا الواقع، ولذلك لا بد أن نرجع إلى كتاب الله وسنة رسوله، لنؤكد الوحدة التي تجعلنا نردُّ كل خلاف إلى الله والرسول، ونعمل على أساس الحوار في كل ما اختلفنا فيه، وأن نمتنع عن الأساليب الانفعالية في أن نسبّ مقدسات هذه الجهة أو تلك الجهة، وأن نبتعد عن أساليب اللعن والسب وما إلى ذلك، لأن ذلك لن يحلّ مشكلة بل سيعقدها.
لذلك فإن الله يقول: {إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون} أو {وأنا ربكم فاتقون} ألا نستجيب لكلام الله، والله يقول إنه إذا أردتم أن تكونوا أقوياء فلا تسمحوا للنـزاعات العصبية أن تسيطر عليكم {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}.
أيها الأحبة، إن على كل مسلم أن يتحمل مسؤولية الإسلام في رسالته، ومسؤولية الإسلام في المسلمين، ومسؤولية الإسلام في الأخذ بأسباب القوة.
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله اتقوا الله، وانطلقوا في خط الأخوُّة وفي خط الوحدة وفي خط القوة وفي خط المواجهة، لنكون كما قال الله سبحانه وتعالى: {إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيانٌ مرصوص} يشدّ بعضه بعضاً ويقوي بعضه بعضاً، سواء كان القتال سياسياً أو ثقافياً أو اجتماعياً أو أمنياً أو ما إلى ذلك.
إن على المسلمين أن يواجهوا التحديات الكبرى، بعد أن انطلق الاستكبار العالمي ومعه الكفر العالمي من أجل أن يعبث بكل واقع الإسلام والمسلمين، وليهيمن على بلادهم من أجل أن يكون هو الولي الذي يلي أمورهم، وأن يكون هو القائد لمسيرتهم، وهو المقنّن لدستورهم، وهو المرتّب والمنظّم لأمورهم، حتى يكونوا مجرد هامش للاستكبار العالمي هنا وهناك، ولا تكون لهم أية أصالة أو قوة في هذا المجال.
إننا لا نزال نواجه التحديات من خلال المستكبرين الكبار والمستكبرين الصغار، وما زالت قضايانا تنـزف دماً في فلسطين والعراق وأفغانستان وفي كل أنحاء العالم الإسلامي، حيث يعيش كل المشاكل المفروضة عليه من الداخل والخارج، فكيف نعمل على حماية دماء المسلمين في كل قضاياهم العامة والخاصة، كيف يمكن أن يكون لنا الوعي السياسي الذي يجعلنا نفهم كل خلفيات اللعبة الدولية واللعبة الإقليمية وكل التحالفات التي يتحرك فيها المستكبرون، وكل الذين يعملون على أن يكونوا موظفين بصفة ملوك وبصفة رؤساء أو وزراء أو ما أشبه ذلك للمستكبرين، لتعالوا لنعرف ماذا هناك:
أمريكا: تقوية الكيان الصهيوني
إسرائيل تتمدد في الأراضي الفلسطينية من خلال توسعة مشروع الجدار الفاصل وبناء مستوطنات عسكرية جديدة، ومنع الفلسطينيين من حرية الحركة لزراعة أراضيهم التي لا يملكون الوصول إليها بفعل الأسلاك المحيطة بها... أمّا أمريكا، فإنها قد تلوِّح بالضغط على شارون ولكن من دون واقعية، بل إن ممثلها هناك يؤكد لحاخامات اليهود أن أمريكا لا تريد تقوية "أبو مازن" ولكنها تعمل على إضعاف عرفات، لأن استراتيجيتها تتلخص في تقوية الكيان الصهيوني وإخضاع الفلسطينيين بالوسائل التخديرية السياسية وبالكلمات المعسولة وبالمساعدات الإنسانية.. وهي تتحرك للضغط على أوروبا لمنع المساعدات لفصائل الانتفاضة.. إن مشكلة أمريكا الإسرائيلية أنها تكذب لتبرير سياستها في الاحتلال والضغط على الشعوب لحساب مصالحها ومصالح إسرائيل، وهذا ما لاحظناه في شعار تدمير أسلحة الدمار الشامل الذي تجرده سيفاً مسلطاً على دول المنطقة، وهي تعلم أنه لا واقع لما تدعيه، كما انكشف ذلك بعد احتلال العراق وفشلها في اكتشاف تلك الأسلحة... كما أن إسرائيل الأمريكية تجد في الإدارة الأمريكية قوّة تهدد بها العالم، وخصوصاً المنطقة العربية الإسلامية، وتستفيد من الدعم الأمريكي المطلق لإعلان انتصارها المطلق على الشعب الفلسطيني في انتفاضته المباركة...
الارتفاع إلى مستوى الأمة الموحدة
وتبقى المشكلة الكبرى المشكلة العربية الإسلامية، فنحن لم نجد هناك أية خطة فاعلة دقيقة شاملة للضغط على الإدارة الأمريكية من خلال التلويح بما يهدد مصالحها في العالم العربي والإسلامي أو لمواجهة إسرائيل بأكثر من طريقة وطريقة.
إننا نراقب الواقع الصعب الذي تتمثل فيه الخطورة على المستقبل بأقسى ما يكون في أكثر من موقع في المنطقة: في احتلال العراق الذي لا يزال يعيش في الدوامة الأمنية والسياسية والاقتصادية والحياتية بشكل عام من دون أي أفق قريب للحل، لأن أمريكا هي التي تصوغ للعراق حياته وسياسته وانتخاباته ودستوره، وتؤسس جيشه بالدرجة التي لا يمثل معها أية قوة رادعة أو ضاربة ضد العدوان، ولكن من خلال واجهة عراقية في مجلس سياسي أو حكومة مؤقتة تحت إشراف الحاكم المدني الأعلى الأمريكي الذي يملك حق الرفض لأي قرار عراقي لا يرضى عنه. وتتنوع الخطة لتثير الغبار حول إيران وسوريا ولبنان من أجل إيجاد مناخ عالمي مضاد ضد هذه الدول بحجة أنها تمثل الخطر على المنطقة والعالم.
إننا بحاجة إلى استعادة العالم العربي في البلاد العربية، وتوحيد العالم الإسلامي وإنتاج قوته في البلاد الإسلامية، لترتفع إلى مستوى الأمة الموحدة التي تعرف كيف تدافع عن حريتها وعزتها وكرامتها، فذلك هو الخيار الوحيد للدخول إلى المستقبل الكبير، الذي لا يملك القدرة على تهديد شعوب الأمة في أمنها واقتصادها وسياستها، لأنها تستطيع الانطلاق في مواقع القوة بكل ثبات وصلابة وعنفوان.
الفساد يتحول إلى سرطان
أما في لبنان، فإن الفساد الإداري تحوّل إلى ما يشبه السرطان في جسم الشعب كله، لأنه يصادر كل ثرواته، ويربك كل سياساته، ويحطِّم كل أمنه، ويهز كل اقتصاده، ويصادر كل حاجاته. وهناك أكثر من صوت صارخ وأكثر من موقع ـ تفتيش مركزي أو مجلس خدمة مدنية ـ يؤكد ذلك بالأرقام، ويوحي بأن الفساد السياسي هو الحاضن والمحرك والحامي للفساد الإداري، وأن هناك مواقع متقدمة في البلد لا يملك أحد محاسبتها، وأن هناك ثراءً غير مشروع في مواقع الخدمات والمقاولات لا يستطيع أحد السؤال عن مصادره.
إن القانون يمثل سيفاً مسلّطاً على حياة الفقراء، أما أصحاب الثروة والنفوذ فهم فوق القانون، لأنهم يعرفون كيف يبتعدون بالقانون عن مواقعهم، وهذا هو الذي يؤدي إلى سقوط الحضارة وتدمير المجتمع وضياع الإنسان، لأن ذلك هو سنة التاريخ مما جعله الله من السنن التاريخية، كما جاء عن النبي محمد (ص): «إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد...».
وهل نعيد الكلمة المأثورة: "كما تكونون يولّى عليكم"... التي تؤكد أن القمة نتاج القاعدة، فكيف نصلح القاعدة التي تبرر للقمة فسادها لتتغير إلى محاسبتها على ذلك كله لتصلح القمة.. |