ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين، ومما جاء في خطبته الأولى:
الاهتمام بقضايا المسلمين
في منهج التربية الإسلامية، أن الله تعالى يريد للإنسان المؤمن أن يعيش الاندماج العقلي والروحي والعملي بالمسلمين في كل ما يصلح أمرهم، وما يحمي قضاياهم، وما يؤكد عزّتهم وكرامتهم وحريتهم، وما يقوّي وحدتهم، لأن الله تعالى أراد أن يصنع من خلال الإسلام أمةً تقوم على الترابط جديدةً بين الأفراد الذين يؤمنون بهذا الدين، ارتباط الفكر بالفكر، وانفتاح القلب على القلب، وتكامل الطاقة مع الطاقة، ومواجهة التحديات الكبرى في كل القضايا الكبيرة التي تتصل بالأخطار العامة التي يوجّهها الكافرون والمستكبرون إلى الإسلام والمسلمين.
إن الله تعالى يريد للمسلم أن يكون الإنسان الذي يستوعب قضايا المسلمين كلها، بحيث تكون له ثقافة الواقع الإسلامي في كل أبعاده السياسية في ما يواجه المسلمين من التحديات السياسية أو الاقتصادية، وما يثقلهم في الأزمات الاقتصادية أو الأمنية، ممّا يمثّل الخطر على حياة الأمة وحرياتها وكرامتها. إن الله تعالى يريد للإنسان المسلم أن يكون الإنسان الذي يعيش الاهتمام بذلك كله، بحيث يكون المسلمون في عقله وقلبه وكل امتدادات حياته، فالمسلمون همّه كما هي عائلته همّه، وهذا ما أكّده رسول الله (ص) في الكلمة المشهورة عنه: "من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم".
إن هذه الكلمة تقول للإنسان المسلم: عليك في كل صباح أن تدرس كل التطورات والمتغيّرات الحادثة في الواقع الإسلامي كله، لتفكّر في ما يمكنك أن تقدّم لذلك من فكرٍ تملكه يساعد على حلّ مشكلة هنا وهناك، أو جهد تبذله ربما يقوّي موقعاً هنا وهناك، أو حركة تنطلق بها على مستوى العلاقات والمواجهات.
ولعل الإمام علي بن الحسين زين العابدين(ع) يشير إلى هذه المسألة بشكل موجز في دعائه في الصباح والمساء، حيث يطلب من الله تعالى أن يوفّقه في يومه الذي يبدأه، أو ليلته التي يبدأها، لحياطة الإسلام، بأن يكون ممن يحوط الإسلام ويحضنه ويرعاه وينصره ويساعده، وأن يكون ممّن ينصر الحق ويعزّه، ويضعف الباطل ويذلّه، باعتبار أن ذلك هو مسؤولياته، لأن الإنسان عندما يصبح عليه الصباح فهناك شخصيتان في وجوده: الشخصية الخاصة، وهي التي يهتم فيها الإنسان بأموره الشخصية والعائلية، مما ينمّي حياته ويحفظ له كرامته ويحقق له حاجاته.. وهناك شخصية عامة، وهي كونه جزءاً من الأمة، ما يفرض عليه أن يفكر بالأمة في هذا المجال.
والنبي(ص) يؤكِّد في هذا المجال أن مسألة أن تكون مسلماً هي أن تشعر أنك ترتبط ارتباطاً عضوياً بالجسد الإسلامي كله الذي هو الأمة، فكما أن العضو الذي لا يتفاعل مع هموم الجسد وآلامه هو عضو مشلول لا علاقة له بالجسد، فأنت عندما لا تتفاعل مع أمور المسلمين وقضاياهم فإنك لست جزءاً منهم، ولذلك فإن هذه الكلمة من النبي(ص) تمثل خطورةً في معنى إسلام الإنسان المسلم، وفي معنى التزامه: "من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم".
وحدة الأمة تجاه قضاياها
وهكذا نلاحظ في الحديث عن رسول الله (ص) في مسألة التفاضل، من هو أنسك الناس، والنسك يعني العبادة، فالنبي (ص) في كلمته يقول: "أنسك الناس نسكاً أنصحهم جيباً ـ وهو الشخص الذي يحمل في قلبه النصح للمسلمين كأفضل ما يكون النصح في الموقف والرأي والنصرة ـ وأسلمهم قلباً لجميع المسلمين"، فعليك أن تقدّم كل هذه المشاعر الإسلامية للأمة كلها، فلا تقتصر على جماعة دون جماعة وقومية دون قومية وطائفة دون طائفة، لأن قضية الإسلام هي قضية المسلمين، وإذا كانت هناك اختلافات تفصيلية بين المسلمين فإن الله تعالى يقول: {فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول}.
ونجد في حديث الإمام الصادق(ع) ـ وحديثه هو حديث رسول الله(ص) ـ يقول: "عليك بالنصح لله في خلقه فلن تلقاه بعمل أفضل منه"، فإذا كنت الإنسان الذي ينصح لله في خلقه، فيكون عقلك مفتوحاً لما يحقِّق خير الناس، وقلبك مفتوحاً لما يحقق المحبة فيهم، فهذا هو أفضل الأعمال، لأنّ عمق الإسلام هو في ما تحمله في داخل شخصيتك من انفتاح على كل ما يحبه الله. وفي عالم النصرة هناك الحديث المروي عن رسول الله (ص): "من سمع رجلاً ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم"، وهذا ما يؤكد موقع السياسة الإسلامية التي يُراد للأمة من خلالها أن تتوحّد في وجه كل مستكبر وظالم أو محتل يعمل على أساس ظلم المسلمين في كل قضاياهم.
وفي الحديث عن رسول الله (ص): "الخلق عيال الله فأحبّ الخلق إلى الله من نفع عيال الله وأدخل على أهل بيت سروراً"، الذي يدخل الفرح على الناس بما يملك من أدوات الفرح، والذي يقدّم للناس ما ينفعهم في حياتهم.. والناس على قسمين: هناك أناس كالبِرْكة، فإن الماء الذي يبقى فيها يتعفّن، وهناك أناس كالنبع الذي يعطي ويعطي ويعطي، وكلما أخذت منه كلما أعطاك، وهو مصداق الكلمة الرائعة التي وردت على لسان الإمام الرضا (ع) عندما سأله شخص: من أحسن الناس معاشاً؟ فقال (ع): "من حَسُن معاش غيره في معاشه"، الذي إذا عاش تحسّن معاش الناس بمعاشه لأنه يعطي ولا يجمّد طاقته ولا يبخل بها، وإنما يشعر أن ما أعطاه الله من طاقات داخلية أو خارجية هي أمانة الله عنده للناس.. ثم سأله: ومن أسوأ الناس معاشاً؟ فقال (ع): "من لم يعش غيره في معاشه".
التربية على مكارم الأخلاق
وفي الحديث عن الإمام الصادق (ع): "سئل رسول الله (ص): من أحب الناس إلى الله؟ قال(ص): أنفع الناس للناس". وهناك بعض الأعمال التي تزيل الأذى عن المسلمين ـ كمثل أعمال رجال الإطفاء والدفاع المدني ـ تقول الرواية عن رسول الله (ص): "من ردّ عن قوم من المسلمين عادية ماء أو ناراً وجبت له الجنة"، لأنك قدّمت جهدك وأنقذت الناس والبلد كله من الهلاك. ونقرأ في الحديث عن السيد المسيح(ع) أنه مرّ على قبر فكشف الله تعالى عن بصره فرأى صاحبه يُعذّب، ثم مرّ عليه في العام القادم فرآه وقد رُفع عنه العذاب، فناجى الله عن سبب ذلك، فأوحى الله تعالى إليه بأنه "نشأ له ولد صالح فآوى يتيماً وأصلح طريقاً، فغفرت له من أجل ولده"، وهذه هي أهمية أن يربّي الإنسان ابنه على مكارم الأخلاق. وفي الحديث عن الإمام الصادق (ع) في قول الله عزّ وجلّ عن لسان عيسى (ع) في المهد: {وجعلني مباركاً أينما كنت}، سئل: "ما معنى (مبارك)؟ فقال(ع): أي نفّاعاً للناس".
وعلى هذا الأساس، لا بد لنا أن نأخذ بهذا الأفق الإنساني الروحي الذي يجب على الإنسان أن يعيشه، ليكون خيراً في قلبه وعقله وحياته، وقد ورد عن النبي (ص) أنه قال: "الدين النصيحة"، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامة المسلمين"، ونحن نعرف أن الأنبياء كانت رسالتهم النصح، وهو ما ورد على لسان أكثر من نبي: {أبلّغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون}.
هذا هو الإسلام في كل فضائله وأخلاقه، وعلينا أن نعمل بكل جهد وقوة لأن نعيش النصح للمسلمين، وأن ننشر المحبة لهم، وأن نؤكد الوحدة بينهم، لأن أمواج الفتن قد أقبلت كقطع الليل المظلم، ولن نستطيع أن ندفعها إلا بالأخذ بهذه الخطوط الأخلاقية.
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله.. اتقوا الله وواجهوا الموقف الذي يحيط بالإسلام والمسلمين بكل المسؤولية في النصح لكل موقع إسلامي، بالسير على الخط المستقيم، وبالأخذ بأسباب القوة، والمواجهة لكل من يريد أن يسقط قوة المسلمين وحريتهم، وأن يصادر سياستهم واقتصادهم، لأن مسؤوليتنا عن الإسلام والمسلمين مسؤولية مفروضة علينا من الله تعالى، وعلينا أن نكون في مستوى المسؤولية.
ونحن نواجه في هذه المرحلة من تاريخنا الكثير الكثير من التحديات والأخطار، لأن هناك خطةً استكباريةً عالميةً تعمل على إسقاط كل عناصر القوة للمسلمين، حتى يكونوا غثاء كغثاء السيل، ليس لهم أي قوة أو موقع من مواقع المواجهة للتحديات. ونحن نعيش أكثر من قضية، فلنلاحظ ماذا هناك:
أمريكا عاجزة تجاه إسرائيل
لا يزال الرئيس الأمريكي "بوش" يصرّ على تفكيك البنية التحتية للفصائل الفلسطينية المجاهدة ونزع سلاحها بحجة محاربته لما يسمّيه الإرهاب، بالرغم من أن هذه الفصائل قد أعلنت الهدنة، في الوقت الذي لا يزال فيه الاحتلال مطبقاً على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وحيث لم يمنح الأمريكيون الفلسطينيين أيّ ضمانة للانسحاب الإسرائيلي الكامل، لأن "خارطة الطريق" السيئة الذكر تخضع لموازين القوة التي لا يملك الفلسطينيون شيئاً منها، ولا يُراد لهم أن يمارسوا أيّ جزء منها حتى لو كان صغيراً، بل كل القوة لإسرائيل التي تؤكد فرض شروطها في إيقاف الانتفاضة، والتصدّق على الفلسطينيين ببعض الأرض المحاطة بالمستوطنات والجدار الفاصل الذي صادر الكثير من أراضيهم، وتطويق أوضاعهم بما قد تسمّيه دولة تابعة لها..
إن أمريكا "بوش" وإدارته عاجزة عن فرض أيّ ضغط على إسرائيل، وقد انتقدت مستشارة الأمن القومي الجدار الفاصل، ولكن الصهاينة رفضوا ذلك ولم تعلّق بشيء، ولم تضغط بأي كلمة قوية، لأن "شارون" قال لها بأن المسألة "ترتبط بالأمن الإسرائيلي ولن نخضع لأمريكا بما ينافي هذا الأمن".. ولم يصدر من الرئيس "بوش" أيّ تعليق خوفاً من نتائج إغضاب إسرائيل!!
ولذلك، فإننا نلاحظ أن وزير الخارجية الأمريكي يتحدث بين وقت وآخر عن ضرورة انضباط الفلسطينيين وعزل المعارضين للخارطة، ولكنه لم يتحدث عن كبير حاخامات اليهود الذي رفض الخارطة جملة وتفصيلاً لمخالفتها للتوراة ـ على حدّ زعمه ـ ولم يتحدث عن أعضاء "الليكود" الذين أقنعهم "شارون" بالموافقة على أساس التحفّظات الأربعة عشر التي فرّغت الخارطة من مضمونها، بل أعلن الوزير "باول" تفهّمه لحاجة إسرائيل لذلك.. وخدع العرب والفلسطينيين بأنه لن يغيّر شيئاً منها ـ كذباً وزوراً ـ على أساس متغيّرات المستقبل في المفاوضات القادمة ومتاهاتها الأمنية والسياسية..
العرب: التحرر من القضية الفلسطينية
ولعل من المضحك المبكي أن يصرّح رئيس حكومة السلطة الفلسطينية، الذي لا يملك ـ حتى الآن ـ أرضاً ولا سلطةً، بأن الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي "هو مجرد خلاف سياسي عارض وليس فيه أيّ بُعد قومي أو عمق عقائدي، ولا صله له بالأرض وحقوق أهلها فيها، وهويتهم من المقيمين والمهجَّرين"!!
إننا نعرف أن العرب ـ مَن صالح العدوّ منهم بالعلن أو بالسرّ ـ قد تخلّوا عن عروبة فلسطين، ليحاصروها في دائرة الضغوط الأمريكية ـ الإسرائيلية بالإضافة إلى ضغوطهم، لتكون المسألة بينهم وبين العدوّ خلافاً على التفاصيل لا على المبادئ، لأن الخطة العربية الغالبة في تطوراتها التخاذلية هي التحرر من القضية الفلسطينية لا تحرير فلسطين.. كما نعرف لماذا عملوا ـ ويعملون ـ على إخراج فلسطين من السياسة العربية القومية، لتبقى في الدائرة الإقليمية الفلسطينية، ليقلّع الفلسطينيون أشواك الاحتلال بأظافرهم، لأن الحكّام العرب اتفقوا في السرّ على إلغاء العالم العربي.. ولكننا لا نفهم تخلّي الفلسطينيين عن فلسطين الأرض والإنسان والحاضر والمستقبل، بإخراجها من البُعد العربي والإسلامي والعقائدي، اعترافاً ـ في النهاية ـ منهم أن فلسطين هي إسرائيل اليهودية، وأن الشعب الفلسطيني هو الشعب اللاجئ، فيما يبقى في أرضه تحت عنوان الدولة وليس الشعب المستقل الحرّ الأصيل؟!
إننا لا نثق بالمشروع الأمريكي ـ الإسرائيلي الذي يعمل على حشر الفلسطينيين في الزاوية الإسرائيلية، ولا نثق بالمساعي العربية لاستكمال هذا المشروع.. وتبقى الكارثة الكبرى هي أن تنطلق حكومة السلطة الفلسطينية لإلغاء الأصالة للقضية الفلسطينية في جذورها التاريخية، وامتداداتها المستقبلية..
حذار من تحوّل الهدنة إلى سيف مسلّط
وإننا نحذّر المجاهدين في الانتفاضة الذين وقّعوا على الهدنة حفاظاً على الوحدة الفلسطينية، من أن يتحوّل هذا الشعار إلى سيف مسلّط على رؤوسهم ليمنعهم من الاستمرار في مقاومة الاحتلال ويدفعهم إلى إيقاف الانتفاضة.. إن الهدنة بحاجة إلى مضمون سياسي يتفاعل مع الخطة التي تعمل على إزالة الاحتلال، وتحقيق المطالب الشرعية للشعب الفلسطيني، وهذا هو التحدي الكبير الذي نرجو أن يكونوا في مستواه، مع تقديرنا لكل ظروفهم الصعبة.
وتبقى أمريكا تطوف في العالم من أجل استكمال الاعتراف بإسرائيل من الدول العربية والإسلامية، حتى قبل تحرير الشعب الفلسطيني من الاحتلال، وهذا ما تابعناه في الضغط على باكستان، الدولة الإسلامية التي رفض شعبها المسلم تصريحات رئيسها في إمكانية الاعتراف بإسرائيل.. ولعل ضغط أمريكا الشديد المتواصل على إيران في اتهامها بالتخطيط لإنتاج السلاح النووي، ناشئ من رفض الجمهورية الإسلامية الاعتراف بالكيان الصهيوني، وإصرارها على تأييد قوى الحرية في فلسطين من أجل الاستقلال.. وما زالت بعض الدول العربية والإسلامية تتساقط الواحدة بعد الأخرى سراً وعلناً، خضوعاً للضغط الأمريكي.
العراق: التخطيط لمقاومة الاحتلال
أما العراق، فلا يزال في حالة التخبط السياسي، فلا سياسة ذات برنامج مدروس شامل لتأسيس الجمهورية الجديدة، فلم نسمع أيّ اجتماع للخبراء في تنوعاتهم السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية لتدارس المستقبل، وللتخطيط الدقيق لحركة إخراج المحتل الذي يخطط لسنين غير محددة من أجل تنفيذ المشروع الأمريكي لتحويل العراق إلى قاعدة واسعة، للسيطرة على مقدّراته وللاستفادة من موقعه الاستراتيجي، ولإدخال إسرائيل إلى مفاصله الاقتصادية والجغرافية والأمنية، بفعل التحالف الاستراتيجي الأمريكي ـ الإسرائيلي الذي كان من بين أهدافه في الحرب على العراق هو إبعاده عن أن يكون قوة في مواجهة إسرائيل ـ ولو مستقبلاً ـ ولذلك فإنه يؤسس لجيش عراقي ضعيف لا يملك الدفاع عن نفسه ضد أيّ عدوان..
إننا ندعو أهلنا في العراق إلى الحذر العميق من الخطط الأمريكية المعلنة الآن، من إنشاء مجلس سياسي لاختيار حكومة ولوضع الدستور، والقيام بتأسيس الجيش على الطريقة الأمريكية، وإفساح المجال لإدخال الاقتصاد الإسرائيلي في مفاصل الاقتصاد العراقي للسيطرة على موارده ومصادره في هذه المرحلة من الضعف..
إننا نقول لكل أحبائنا في العراق: إننا نفهم المقاومة للاحتلال قاعدة إنسانية حضارية إسلامية، ولكنها ليست شعاراً بل هي خطة، والمطلوب الآن الوحدة والتكامل في الرأي وفي الموقف وفي الحركة، لأن المرحلة صعبة على مستوى الخطر وعلى الجميع الارتفاع إلى مستوى المسؤولية، لأن القضية ليست تسجيل النقاط بل تجميعها لمصلحة البلد كله، والأمة كلها.
لبنان: رفض المحاصصة
أما في لبنان، فلا تزال تطرح في التداول ـ في كل يوم ـ قضية للنقاش على طريقة الاستهلاك السياسي الذي قد يتحوّل إلى ملهاة للتجاذب والتنازع.. إننا لا نمانع من تحريك الخطوط السياسية لتحديد المصلحة العامة للناس، ولكننا نقول للجميع ـ لا سيما من المسؤولين ـ إن قضية المشاريع الإدارية أو القانونية أو التعيينات الدبلوماسية الخارجية والوظائف العامة لا يجوز أن تخضع للمحاصصة الرئاسية والطائفية، بل لا بدّ من دراسة الأمور في مصلحة الناس كلهم، لأن أيّ موقع مهما كانت درجته لا يملك البلد بل هو خادم الناس كلهم لا سيدهم..
لقد انتهى دور المسؤول السيد، ليبدأ دور المسؤول الخادم للأمة كلها، وهذا هو الشرف كل الشرف، وهذا هو مضمون الكلمة المأثورة: "كبير القوم خادمهم". |