ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين، ومما جاء في خطبته الأولى:
يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً}. من أئمة أهل البيت(ع) الإمام الثامن علي بن موسى الرضا(ع)، الذي تصادف ذكرى وفاته على أغلب الروايات في اليوم السابع عشر من شهر صفر الذي يصادف غداً.
شرعية الإمامة في مواقع العصمة
والإمام الرضا(ع) هو الإمام الذي عاش إمامته الممتدة في الواقع الإسلامي من موقع أنه يمثّل شرعية الإمامة في مواقع العصمة، ويمثل امتداد الرسالة في حركة الدعوة، ويمثل الحركة المنفتحة على كل حاجات المسلمين الروحية والثقافية والعملية. هذا الإمام الذي كان موضع ثقة العالم الإسلامي آنذاك، وموقع تقديسه له، وقد عايش أحداثاً مميزة لم تحدث لأحد من آبائه ولا أبنائه، وتتمثل بالصراع الذي حصل بين الأمين العباسي وأخيه المأمون، ووقف بنو العباس إلى جانب الأمين، ولكن النصر تحقق للمأمون، فقرّر أن يخرج الخلافة من بني العباس ويجعلها في بني عليّ(ع)، فطلب من الإمام الرضا(ع) أن يقبل بولاية عهد الخلافة من بعده، وامتنع الإمام(ع) من قبول ذلك، مع أنه هو الذي يمثّل الشرعية وهو يأخذ شرعيته من ولاية العهد، لأنه الإمام المنصوب من خلال نصب الإمامة في عليّ(ع) وولده، وهو الذي كان يعرف أن هذه المسألة ربما كانت تخضع للخلافات السياسية بين المأمون وبين أقربائه، ولكن الظروف والضغوط وما رآه من المصلحة للمسلمين في ذلك، جعله يقبل بهذا الموقع، لأنه قد يجعله أكثر قدرةً على القيام بخدمة الإسلام والمسلمين، وبحفظ البقية الباقية من أتباع أهل البيت(ع) الذين يلتزمون الإمامة والولاية، فقبل ذلك ولكن ضمن شروط.
التوحيد هو الأساس
وأراد له المأمون أن يأتي حيث كان يقيم في "طوس"، وهي المنطقة التي يوجد فيها قبر الإمام الرضا(ع). وعندما كان في طريقه إلى بغداد، استقبله الناس في كل البلدان استقبالاً منقطع النظير أثار تساؤلات مجتمع الخلافة، وربما شعروا بالخطر، وكان من مشاهد ذلك الاستقبال أن اجتمع إليه هؤلاء الذين امتهنوا رواية الأحاديث ـ كالصحفيين في هذه الأيام ـ وقالوا له: حدّثنا يابن رسول الله، وبدأ حديثه الذي سُمّي بـ"سلسلة الذهب"، فقال: حدّثني أبي موسى بن جعفر، قال: حدثني أبي جعفر بن محمد، قال: حدثني أبي محمد بن علي، قال: حدثني أبي علي بن الحسين، قال: حدثني أبي الحسين بن علي، قال: حدثني أبي علي بن أبي طالب، قال: حدثني حبيبي رسول الله عن جبرائيل عن الله أنه قال: كلمة لا إله إلا الله حصني، فمن دخل حصني أمن من عذابي".
وكأن الإمام الرضا(ع) أراد أن يؤكد لهؤلاء الناس في اختياره لهذا الحديث أن التوحيد هو الأساس، بمعنى أن لا يعبد الإنسان غير الله ولا يطيع غيره ولا يخضع لغيره، ولا يخاف إلا الله ولا يتطلع إلا إليه، وإذا أراد أن يرتبط بأي شخصية مقدّسة فلا يرتبط بها بشكل مستقل، وإنما يرتبط بها من خلال علاقتها بالله، فالارتباط بالأنبياء والأئمة(ع) هو ارتباط بهم من خلال أنهم عباد الله المخلصون والقائمون على الرسالة، وليس الارتباط بهم بشكل مستقل إلى جانب الله، لأنهم مخلوقون لله كما أن الناس مخلوقون له، وليس بين الله وبين أحد قرابة، ولكنهم عظموا عند الله بإخلاصهم له ومعرفتهم وحبهم له، ودعوتهم إلى دينه، وحملهم لرسالته، وبجهادهم في سبيله.
ولذلك، فإن ما درج عليه بعض الناس من التوجّه إلى الأنبياء أو الأولياء أو الأئمة بطلب الحاجات منهم بشكل مباشر ومستقل عن الله، كما يحدث في حركة الغلوّ، هو شرك. نعم، نتوسّل إلى الله ببركتهم، مثلاً: "اجعل توسّلي به شافعاً يوم القيامة نافعاً"، فالله جعل الشفاعة لمن ارتضى من عباده، لأنه لا تنفع الشفاعة إلا بإذنه، والله هو الرزّاق وهو الخالق والمدبّر، هو كل شيء ولا شيء معه، بل إن كل الذين يمثلون مواقع القرب إلى الله إنما قربوا إليه بطاعتهم وعملهم، وكما قال الإمام الباقر(ع): "من كان ولياً لله فهو لنا وليّ، ومن كان عدواً لله فهو لنا عدو". هذه النقطة ينبغي أن يُفكّر فيها، لأنه درج عندنا في الفترة الأخيرة نوع من الغلو الذي يبتعد عن العقيدة الإسلامية والتوحيد.
فالإمام الرضا(ع) أراد أن يؤكد هذه الفكرة، ثم قال بعد ذلك: "بشرطها وشروطها". وسار الإمام(ع) حتى وصل إلى "طوس" واستقبل استقبالاً كبيراً، إلى الحدّ الذي هدّد فيه موقع الخلافة، لأنهم لم يتعوّدوا أن يكون لشخصٍ في هذا الموقع ـ ولاية العهد ـ هذه الروحية والسموّ الأخلاقي والعلمي، وعندما برز الإمام الرضا(ع) بهذا الامتداد العلمي والأصالة الروحية والأخلاق العظيمة، عند ذلك شعر الناس بأنهم يلتقون بمن يمثّل لهم رسول الله(ص).
ويروى أن المأمون طلب منه أن يصلي صلاة العيد، فخرج(ع) بالهيئة التي كان يخرج بها رسول الله(ص) للصلاة، حافياً، حاسر الرأس تواضعاً لله، والناس تمشي معه وتركض وراءه وهي تكبّر وتهلّل، حتى شعروا أن الأرض والفضاء يكبّر معهم، فأرسل إليه من يعيده إلى البيت وقال: لقد أتعبناك يابن رسول الله.
هذه هي المأساة التي عاشها أهل البيت(ع)، وهي أنهم بالرغم من الظروف التي أحاطت بهم ـ لم يكونوا يملكون مواقع تنفيذية في مجالات المسؤولية، وإن كانت الإمامة حقاً لهم، ولكن الخلفاء بالرغم من ذلك، كانوا يخافون من هذه الثقة العميقة الأصيلة التي كانت لأهل البيت(ع) عند الناس.
وتوفي الإمام الرضا(ع) في "طوس"، حيث مشهده الآن، واختلف المؤرخون حول ما إذا كان المأمون هو الذي دسّ إليه السم، أم أنه توفي بشكل طبيعي، الكثير من المؤرخين لا يوافقون على ذلك، وبعضهم ـ كالشيخ المفيد ـ يقول: "وفي النفس من أمر الرضا شيء"، وهناك من يقول غير ذلك، ولكن المأمون أظهر الفجيعة والبكاء واحتجب عن الناس عند وفاة الإمام الرضا(ع)، حتى إنه دفنه إلى جانب أبيه الرشيد، وإن كان لا أثر له، قائلاً: "لعلّ الله ينفع أبي ببركة الإمام الرضا"، وبعض الشعراء وهو "دعبل الخزاعي" نظم بيتين يقول فيهما:
قبران في طوس خير الناس كـلهم وقبـر شــرّهم هذا مـن العـبر
ما ينفع الرجس في قرب الزكي وما على الزكي بقرب الرجس من ضرر
الانتماء الرسالي لأهل البيت(ع)
هذا هو الإمام الرضا(ع) الذي ملأ مرحلته علماً ورسالةً وتقوى، وقد عرف الناس منه ما يملأ عقولهم بالفكر، وما يملأ قلوبهم بالروحانية، وما يملأ حياتهم بالخير والعدل، ونحن عندما نستذكر هذا الإمام(ع) إلى جانب الأئمة من أهل البيت(ع)، فإن علينا أن نعمل على استحضار علومهم ووصاياهم ونصائحهم، لأن إمامتهم هي إمامة الإسلام كله، وليست إمامة الزمن الذي عاشوا فيه فحسب، وقد ورد في حديث الإمام الرضا(ع) وهو يخاطب شيعته، فيقول: "أحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا"، قالوا: كيف نحيي أمركم؟ قال: "يتعلّم علومنا ويحملها إلى الناس ويحدّثهم بها، فإذا عرف الناس محاسن كلامنا أحبونا واتبعونا".
فأئمة أهل البيت(ع) يريدون لنا أن نبرز للناس بالفكر، ويريدون من الناس الذين ينتمون إليهم أن يحملوا فكرهم وأن لا يكتفوا بأن يضربوا صدورهم ورؤوسهم، لأنهم(ع) كانوا رسالةً وفكراً وإصلاحاً.. خط أهل البيت(ع) وخط التشيّع هو أن نحمل العدل كله للناس كلهم، والحق كله للرسالة كلها، أن نكون الدعاة إلى الله، والأدلاء عليه والسائرين في سبيله، ونحن نحجّم أهل البيت(ع)، فالمهم ـ عند البعض ـ أن نبكي في مجلس العزاء، أما أن يكبر عقلك في المجلس فهذا ما لا يلتفت إليه البعض، المهم عند البعض أن يكون المقرىء صاحب صوت جميل، أما الذي لا يبكينا حتى لو قدّم إلينا أفضل الأفكار فإننا نتهمه بأنه غير ناجح، المهم أن يبكينا مقرىء العزاء حتى لو استعان بالخرافات، لأنه يريد أن يثير غرائزنا ولا يحرك عقولنا.
فالإمام الرضا(ع) يريد أن يقول لنا: إن إحياء أمرنا هو إحياء للإسلام، لأننا لا ننطق إلا بالإسلام: "رضا الله رضانا أهل البيت"، فنحن نرضى بما يرضي الله، وقد قال الإمام الباقر(ع): "والله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه وكانوا يعرفون بالتواضع والتخشّع وأداء الأمانة إلى البرّ والفاجر".
وهكذا، عليكم أن تفهموا معنى الزيارة، والزيارة ليس معناها أن تمسك الكتاب وتقرأها، بل أن تستحضر كل حياة الإمام الرضا(ع)، كل القداسة التي تميّز بها، وكل الرسالية التي عاشها، لا أن تقرأ بعض الزيارات التي لا تفهم معناها أو تقبّل الضريح، عندما تزوره عليك أن تستحضره في وجدانك وقلبك وحياتك، لتشعر بحضوره في حياتك، بهذا تكون الزيارة عنصر توعية وحركة واقتداء بالأئمة(ع)، وهذا ما يجب أن نواجهه ونحن على أعتاب زيارة أربعين الإمام الحسين(ع)، فحاولوا أن تكون زيارتكم زيارة وعي وتدبّر وتأمل واقتداء.
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله.. اتقوا الله وواجهوا المستقبل بكل ما حمّلكم الله من مسؤولية في أمر الإسلام والمسلمين، في كل ما يحفظهما، في الجانب الثقافي والسياسي والاجتماعي والأمني، وعليكم أن تكونوا عيوناً مفتوحة أمام كل من يريدون الشر بهما، وهم يطلقون الشعارات البرّاقة التي يخدعون بها المسلمين، وقد جاء في الحديث: "المؤمن لا يُلدغ من جحرٍ مرتين"، وقد لدغنا من جحور المستكبرين آلاف المرات، ولكن بعضنا لا يزال يضع إصبعه وكل حياته في كل جحورهم التي تأتي منها اللسعات، فتعالوا لنواكب الأحداث ونستوحي منها الموقف:
سقوط الطاغية
لقد سقط النظام العراقي، نظام الطاغية الذي ضحّى بشعبه واستقرار أمته في أكثر من حرب في الداخل والخارج، والتي كان آخرها الحرب الأمريكية ـ البريطانية... ولم يضحِ بنفسه لحساب شعبه وأمته، لأن القضية عنده هو أن يبقى الأوحد، فلا يسمح لأحدٍ من أهل السياسة أو الثقافة أو الدين أن يناقشه أو يعترض عليه، لأن الإعدام ينتظر كل من يقول "لا"..
إنه فصل جديد من فصول تاريخ المنطقة التي فرضت عليها الأنظمة المصنوعة في أجهزة المخابرات الدولية أن تُدمن عبادة الأشخاص، وتقترب بهم من صفات الآلهة، وتقدّم لهم كل فروض العبادة، ما أدى بهم إلى أن يصادروا شعوبهم، ويحولوا أوطانهم إلى سجن كبير، ويمتدوا في قوانين الطوارىء التي تلغي القانون المدني لتبرر للنظام هنا وهناك وللطاغية الذي يحكمه أن يطلق أوهام المؤامرة، ومحاولة تغيير النظام، ليكون الإعدام هنا والسجن والمؤبّد هناك، والتعذيب بأكثر الوسائل الوحشية في موقع آخر.
إن المشكلة في هذا الواقع هي أن هذه الوسائل الوحشية والتدميرية للشعب وللأمة، جعلت الناس تشعر بالعجز عن مقاومة الأنظمة التي تصنع قوانين الإعدام كلما دعت الحاجة، حتى إنها تعتقل النساء والأطفال والشيوخ للضغط على المعارضين الأحرار ليستسلموا لها؟؟
إنّ المأساة الكبرى هي أن الأنظمة تمارس على الناس احتلالاً داخلياً قد يكون أكثر بشاعة ووحشية من الاحتلال الخارجي بأساليبه الوحشية، ما جعل الكثيرين يفكّرون أن الاحتلال الخارجي هو خشبة الإنقاذ من واقعهم المستحيل، فيخضعون للخديعة التي يطلقها المستكبرون الطامعون في مقدرات الأمة بأنهم جاؤوا محررين لا محتلين؟!
إن جريمة الأنظمة الدكتاتورية أنها استعانت بالأجنبي للضغط على شعوبها، على اساس أن تكون حرّاساً لمصالحه ضد مصالح الشعوب، وهذا ما لاحظناه في النظام الطاغي العراقي البائد الذي عقد الكثير من الصفقات مع أكثر من دولة أجنبية، وقدّم التنازلات من ثروات الأمة، ودفع الرشاوى لأكثر من مسؤول أمريكي من مدراء الشركات البترولية الاحتكارية، للحصول على ضمانة لنظامه.. ولكن الدول الاستكبارية والشركات الاحتكارية تبتز الطغاة لتنهي دورهم عندما تنتهي وظيفتهم، من أجل استبدالهم بطغاة آخرين يجتذبون ثقة الناس بالشعارات البرّاقة والوعود المعسولة.. لقد عطّلوا بذلك إرادة الشعب في مواجهة الاستكبار العالمي، ومنعوهم حتى من التعبير عن رفض مخططاته..
دروس للأمة في عملية الاستنهاض
إننا ـ في هذا الموقف ـ ندعو الأمة إلى أن تأخذ الدرس من هذه الهزيمة السياسية والعسكرية، والتي قد تتحوّل إلى سقوط اقتصادي وثقافي مما فرضه النظام الوحشي الاستبدادي للطاغية العراقي، وأن تنطلق من أربع نقاط:
أولاً: أن تفكر في عملية التغيير الاستراتيجي في تبديل الذهنية الثقافية والسياسية التي تتحرك من موقع السطح لا من موقع العمق، ومن حالة الانفعال لا من حالة العقل، لأن ذلك هو الذي يمكّنها من دراسة الأمور بطريقة عقلانية موضوعية، لتكتشف نقاط ضعفها هنا ونقاط قوتها هناك في عملية تعامل مع الواقع..
ثانياً: أن لا تخضع للدعاية الخادعة التي تصوّر العبودية حرية، والقبح حسناً، والهزيمة نصراً، بل تدرس الإعلام في مضمونه وأسلوبه وفي الجهات التي تطلقه ليجتذب غرائز الناس ومشاعرهم السطحية، ليشغلهم ذلك عن التفكير الجدّي في واقع الأمر..
ثالثاً: أن ترتفع الأمة إلى مستوى المراحل الخطرة الصعبة، فتأخذ بأسباب الوحدة، وتنطلق في مواجهة الأمور بالأفق الواسع، وأن لا تنكمش في الزوايا الصغيرة، بل تمتد في الأفق الرحب، باعتبارنا جزءاً من عالم كبير في بُعده العربي والإسلامي وفي واقع المستضعفين، لأن الهزيمة في موقع هنا قد تؤدي إلى هزيمة في موقع هناك، كما أن الانتصار في هذه المعركة قد يمنح القوة لمعركة أخرى..
وفي ضوء ذلك، فإننا نوجِّه نداءنا إلى أهلنا المظلومين الطيبين في العراق، الذين عانوا الكثير من القتل والتدمير والتعذيب والسجون المظلمة والتشريد، أن يواجهوا هذه المرحلة بالوحدة الإسلامية والعربية والوطنية، ليمنعوا ولادة طاغية جديد من الداخل والخارج، وليفتحوا عيونهم على أساليب المحتل الذي كانت التجربة الأولى له بعد الحرب هي رعايته للفوضى التي حدثت في أكثر من بلد، وإشرافه على أكثر من موقع فيها، ليثبت للعالم أن هذا الشعب لا يملك أن يحكم نفسه وأن يحافظ على نظام حياته بما يحقق للأمة استقرارها الأمني والغذائي والسياسي.
رابعاً: إن على كل مواطن أن يكون خفيراً، ليراقب كل الذين يصطادون في الماء العكر، ليسلبوا الأموال العامة والخاصة، وليُدخلوا البلد في أجواء الفتنة العمياء التي تُسفك فيها الدماء، وتُهتك فيها الأعراض، وتُسلب فيها الأموال..
العراق بلد الحرية والمقاومة
إننا نعرف أن الشرفاء والعقلاء في العراق ـ وهم الأغلبية ـ لا يوافقون على الاندفاع في التصفيات الجسدية كما حدث في النجف الأشرف، ولا سيما ما تعرض له السيد عبد مجيد الخوئي ابن المرجع الراحل السيد أبي القاسم الخوئي، لأنه ليس من حقّ الناس أن يصدروا الأحكام وينفّذوها، باعتبار أن ذلك يُدخل البلد في متاهات الفوضى، بالإضافة إلى أنه قد يؤدي إلى مزيد من الظلامات..
أيها الأحبة في عراقنا الحبيب، تذكروا أن بلدكم كان بلد الحرية ومقاومة الاحتلال في كل تاريخه، فلا تسمحوا لأحد أن يمنح الاحتلال أية شرعية بشكل مباشر أو غير مباشر، وتذكّروا أن مجتمعكم هو مجتمع الإسلام الحضاري المنفتح على مختلف الأديان والمذاهب والأقليات القومية، فلا تسمحوا لأية جهة أن تصادر الإسلام، وتغيّر أصالته، وتشوّه مفاهيمه، وتبعده عن حياة الناس..
إننا نثق بأصالتكم، لا سيما العلماء الكبار والمفكّرين الأحرار، بأن تجتمعوا من دون إشراف أمريكي أو بريطاني لتصنعوا عراقاً جديداً يحترم الإنسان ويكفل له حقوقه، ويمد يده إلى الأمة، ويعمل من أجل استرجاع عناصر القوة، ويلتقي مع الأمة في كل قضاياها المصيرية، ولا سيما قضية فلسطين.
خريطة الطريق.. ألوان خداع
وتبقى المسألة الفلسطينية موضع التجاذب السياسي في الدائرة الأمريكية والإسرائيلية، حول موضوع "خريطة الطريق" التي تعيد للمسألة عملية توزيع الأدوار التي تحاول فيها أمريكا ـ ومعها إسرائيل ـ أن توحي بأن هناك خلافاً بينهما.. ولكننا نلاحظ أن هناك لوناً من ألوان الخداع للعرب بالإيحاء لهم بأن المرحلة هي مرحلة الحلّ، ولكن السؤال: أيّ حل؟ وهل تجرؤ الإدارة الأمريكية على معارضة إسرائيل، لا سيما في السنة التي تسبق الانتخابات الرئاسية؟؟
لقد قيل إن "خريطة الطريق" مطروحة للتنفيذ، ولكننا نسمع أكثر من صوت يقول بأنها منطلق للمفاوضات التي تُدخل القضية في متاهات جديدة في هذا المشروع الذي لا يلبي طموحات الشعب الفلسطيني، كما هو الحال في اتفاق "أوسلو"!! من هنا، فإننا نؤكد بأن القرار هو للشعب الفلسطيني في وحدته الداخلية، وفي صموده في خط المواجهة، وفي إصراره على التحرير أولاً وثانياً إلى نهاية المطاف.
لبنان: تغيير الذهنية
ويبقى لبنان الذي يعيش في مرحلة صعبة غارقة في الضباب أمام الاهتزازات السياسية التي تحرّكها أمريكا حول سوريا ـ ومعها لبنان ـ وإيران.. والسؤال: هل ارتفع لبنان إلى مستوى المرحلة، وهل إن هذا التغيير الحكومي هو الحل، أم أن القضية ليست في تغيير الأسماء، بل في تغيير الذهنية التي تدار بها شؤون البلد، وفي دراسة كل التعقيدات التي يعيشها الناس مما قد يهدد التوازن الداخلي؟
ولا يزال الوطن يتعثّر بين العلاقات الشخصانية سلباً أو إيجاباً، واللعبة السياسية التي تتحرك في ملعب الكرة التي تتقاذفها الأرجل.. لقد قيل إن العالم قد تغيّر بعد حرب العراق فلا بد أن تتغيروا تحت تأثيره، فهل نخضع لما يريدون أم نقرر نحن ماذا نريد وكيف نتغيّر لحسابنا لا لحسابهم؟؟ |