ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين، ومما جاء في خطبته الأولى:
الحق حياةٌ ونور
قبل أيام، مرت علينا ذكرى الإمام الحسين (ع) في يوم أربعينه، والحسين(ع) ليس شخصية تغيب عن العقل والوجدان والشعور لنتذكره في مناسبة هنا أو هناك، ولكنه (ع) حاضر في عقولنا وقلوبنا، ويبقى في حركة دائمة في كلِّ تطورات حياتنا، عندما ينطلق الحق ليواجه التحديات التي تحاول أن تضعفه أو تسقطه أو تبعده عن حياة الناس، أو عندما ينطلق الباطل ليتركّز في واقع الناس في جميع أوضاعهم.
إننا نسمع صوت الإمام الحسين (ع) بكل مرارة وهو يقول: "ألا ترون إلى الحق لا يُعمل به، والى الباطل لا يُتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقاً، فإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما". إنه يؤكد لنا في هذا النداء الذي يتجه به إلى كل معنى انتمائنا إلى الإسلام، ليقول للمسلمين جميعاً في كل مرحلة: إن الحق مسؤوليتكم أن تعملوا به، وان تتحركوا من أجل أن يعمل الناس به، وإن إبعاد الباطل عن الحياة هو مسؤوليتكم أن تتناهوا عنه، وأن تنهوا الناس عنه..
ثم يقول (ع) للمسلمين في هذا النداء: إن قيمة الحياة هي أن ترتبط بالله تعالى، من خلال ارتباطها بالحق، لأن الحق هو سرّ البركة في الحياة، وهو الذي يربط الأرض بالسماء، والذي يقرب به الإنسان إلى ربه. ولذلك، فإن الحياة عندما تفتقد الحق فإنها تفتقد سرّ القوة والاستقامة والنموّ فيها. وهكذا يشير إلى الظالمين الذين يحكمون الناس من دون حق، ليعتبر أن الحياة معهم هي حياة تدعو إلى أن التبرّم ويعيش الإنسان فيها الألم. إن الحسين (ع) لا يتحدث عن تمني الموت، ولكنه يقول: إن الحياة بدون الحق موت، وإن الحياة مع الباطل موت، وإن الحق عندما يتركّز هو الحياة والنور.
التغيير مسؤولية كل إنسان
وعندما ننطلق مع الإمام الحسين (ع)، فلكي يخطّ لنا الخط الذي يحمّل كل الناس مسؤولية التغيير الحركي للواقع الفاسد، كلٌ بحسب طاقته وظروفه وإمكاناته، لأن الوسائل إلى التغيير تتنوّع وتتطوّر بحسب الظروف التي يعيشها الإنسان في الواقع، إنه يقول للناس: إن عليكم إذا رأيتم المنكر أن تغيّروه، وإذا رأيتم الانحراف أن تقوّموه، وإذا رأيتم الظلم أن تثوروا عليه، وهذا ما قاله في خطبته التي بدأ بها حركته: "أيها الناس، إن رسول الله (ص) قال: من رأى منكم سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرم الله، ناكثاً بعهده، مخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر ما عليه ـ أو "فلم يغر عليه" ـ بقول ولا بفعل كان حقاً على الله أن يدخله مدخله"، لأن الإنسان الذي يستطيع التغيير ـ فرداً كان أو جماعةً أو أمة، ولا يتحرك من أجل ذلك فإنه يعبّر عن رضاه، إما الرضى الإيجابي أو السلبي، ليدخل مدخل هذا الذي يأخذ بالجور والانحراف.. ثم قال بعد ذلك: "ألا وإن هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله، واستأثروا بالفيء وعطّلوا الحدود، وأنا أحق من غيّر".
لا حياد بين الظالم والمظلوم
إن الحسين (ع) ينادينا في كل زمان ومكان، وفي كل جيل يتحرك فيه الظلم والباطل والانحراف والاستكبار، من أجل أن نخطط للتغيير، وإلا سقطنا تحت تأثير هذا الواقع، لأن الله تعالى يقول: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم}. لذلك، فإن رسالة الإمام الحسين (ع) ـ إذا أردنا أن نحمل رسالته ـ هي تغيير الواقع الفاسد إلى واقع صالح، وتغيير الواقع الظالم إلى واقع عادل، لأن ذلك هو هدف الرسالات عندما بعث الله تعالى الرسل لهداية الناس إلى الحق.
وعلى ضوء هذا، فإن الحسين (ع) في إيحاءات كلمته، يؤكد أنه لا مجال للحياد، أن تكون محايداً عندما تكون هناك معركة الخير والحق ضد الشر والباطل، أن لا تعيش ذاتيتك لتبتعد عن ساحة الصراع، بل أن تعيش انتماءك ورسالتك وعبوديتك لربك، لتقف حيث يكون الحق، ولتبتعد حيث يكون الباطل، فلا حياد بين الظالم والمظلوم. وتلك هي وصية عليّ (ع) لولديه الإمامين الحسنين(ع): "كونا للظالم خصماً وللمظلوم عونا"، أياً كان الظالم، سواء كان دولةً أو محوراً دولياً أو كان شخصاً أو جماعة بأية صفة اتصفت.
استعادة الرسالة والقيم
ولذلك، فإن الأئمة من أهل البيت (ع)، أرادوا لنا أن نأخذ بزيارة الإمام الحسين(ع)، بالإضافة إلى مجالس العزاء، من أجل أن نستعيد كل رسالة الإمام الحسين (ع) وكل القيم التي ضحى من أجلها، لا لنقوم بالزيارة بشكل تقليدي يجمّد قضية الحسين (ع). قد تتجدد هذه الطقوس والتقاليد في كل زمان، لأن هناك من تعجبه هذه الطريقة أو تلك، ولكن المسألة ليست هذه الطقوس، وإن كان البعض يقول إنها تعبّر عن الحب، ولكن التعبير عن الحزن والحب والإخلاص له وسائل وأساليب تنسجم مع الطبيعة التعبيرية لهذا الشيء أو ذاك.
ولذلك كنا نقول إن الأساليب تتطوّر حسب تطوّر الزمن، والوسائل التعبيرية تتغيّر حسب تغير الأوضاع، ولهذا أنكرنا ما كان يحدث ـ ولا يزال ـ من ضرب الرؤوس بالسيوف، أو ضرب الظهور بالسلاسل، أو ما رأيناه من أناس قد لا يعوزهم الإخلاص والمحبة للحسين (ع) ولكنهم أخطأوا في الوسائل، ومن هؤلاء، الذين يزحفون على بطونهم أو يدبون على الأربع تدليلاً على المحبة، لأن ذلك عندما يُعرض للعالم فإنه لا يشرّف المسيرة الحسينية.. أنكرناه لتبقى هذه المسيرات في أيّ مناسبة وهي تهتف بالمحبة والولاء، ليتطوّر الحب في صفائه ونقائه، ليبقى هذا الشعار الذي سمعناه في كربلاء: "أبد والله لا ننسى حسيناً"، لأننا لن ننسى الرسالة ولن ننسى هذا الإمام العظيم الذي يبرز أمام الكون كله من عليائه، لنتصوّره في عنفوان الرسالة وصلابة الإنسانية، يقف مطلاً على العالم وجراحه تشخب دماً، وآلامه تنخر بكل عصب من أعصابه، وهو يقول: "لا والله، لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقر لكم إقرار العبيد "، لنتمثل الحسين(ع) بهذه الصورة الرائعة التي لم تقترب إليها صورة أيّ إنسان بعد جده وأبيه، ليكن كل واحد حسيناً ـ ولو بنسبة واحد بالمئة ـ لأن الحسين (ع) انطلق لنعتبر به ونقتدي به ونسير على هديه ورشده وخلقه ورسالته، فحذار من أن نجمّد ذكرى الحسين (ع) في طقوس وعادات وتقاليد تبعدنا عن الحيوية التي تمثلها هذه الثورة.
تجديد الأساليب في وعي ذكرى الحسين(ع)
إننا نجد في هذه الذكرى وفي غيرها من الذكريات، أن الحسين (ع) يتجدد فينا، إننا لا نشعر أنه غائب عنا أو ميت في من ماتوا، ولكننا نواجه حضوره كأقوى ما يكون الحضور، إنه معنا في قلوبنا وعقولنا وكل حياتنا، وفي كل مواقع الصراع فينا، إنه معنا عندما ننحرف عن الله والحق، ليصرخ فينا: عودوا إلى الله، أحبوا الله فإنني أحببت الله ولذا أعطيته كل شيء، "هوّن ما نزل بي أنه بعين الله"، أحبوا الله في عبادتكم ومعاملتكم وفي كل أموركم، وأحبوا الله كما لم تحبوا أحداً معه، وأحبوا رسل الله وأولياءه والصالحين من عباده، لأنهم عباد مكرمون {لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون}.
عندما نزوره(ع)، علينا أن نتذكره ونحن نقول: "أشهد أنك قد أقمت الصلاة ـ لنتذكر كل الصلاة التي ربما قد يتركها بعض الناس الذين يقولون إنهم يحبون الحسين (ع) ـ وأتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، وعبدت الله مخلصاً حتى أتاك اليقين". هل تريدون أن تكونوا مع الحسين (ع)؟ كونوا مع إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ومع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كونوا مع جدّه (ص) وأبيه (ع) والتسعة المعصومين من بنيه، كونوا مع الرسالة التي أراد الله لها أن تنطلق من خلال رسل الله، ليرث كل رسول من قبله، وكان الحسين (ع) وارث الأنبياء ووارث أبيه (ع)، لتمتد الرسالة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
أيّها الأحبة: جددوا أساليبكم ووعيكم في ذكرى الحسين (ع)، ليكن الحسين رسالة لا مجرد دمعة، الدمعة شيء جيد عندما يعيش الإنسان الألم، ولكن الدمعة الحارة هي الوسيلة للتألّم عندما نجد مظلوماً وضعيفاً. تعالوا لنعيش مع الحسين(ع)، مع جده(ص) وأبيه (ع) والتسعة المعصومين من بنيه (ع)، ومع أمه الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء (ع) التي هي العصمة كلها والطهارة كلها والرسالة كلها والخير كله.
السلام على الحسين، وعلى أبناء الحسين، وعلى أصحاب الحسين، السلام عليكم يا أهل بيت النبوّة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي والتنزيل، عليكم مني سلام الله ما بقيت وبقي الليل والنهار.
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله.. اتّقوا الله في ما حمّلكم من مسؤوليات في إقامة الحق وإزهاق الباطل والسير في خط العدل، وواجهوا كل مرحلة من مراحل الواقع بوعي منفتح على كلِّ الأوضاع التي تحيط بكم، مما قد يثير فيكم الفتنة أو يسقط فيكم الموقف، أو مما يهزم فيكم الإرادة وما إلى ذلك، لا تواجهوا بطريقة اللامبالاة أو الغفلة، لأن أعداء الله في العالم لا يغفلون ولا يعيشون في أجواء اللامبالاة، بل إنهم يخطِّطون لإسقاط قوة الأمة فينا، ويحوّلونا إلى مزق متناثرة هنا وهناك، فتعالوا لنرى ماذا هناك لنفكّر كيف نخرج من هذه الكهوف التي حبسونا فيها، ولنفكر في أفق واسع ننطلق فيه:
العدو لا يزال داخل المأزق
اللعبة الأمريكية ـ الإسرائيلية تخطط لإدخال القضية الفلسطينية في نفق جديد يسمى "خريطة الطريق"، التي دفعت في البداية إلى حكومة جديدة خاضعة للضغط الدولي والعربي، لتقوم بمهمة إنهاء الانتفاضة المسلّحة التي أعجزت إسرائيل بالرغم من كل الضغوط الهائلة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، بالإضافة إلى المجازر الوحشية على الصعيدين الأمني والعسكري، وبقيت الانتفاضة صامدة قوية، تقدّم الشهداء تلو الشهداء..
وقد بدأ العدو يضغط على الحكومة الفلسطينية الجديدة لاستعمال القوة ضد الانتفاضة، بدلاً من الدخول في مفاوضات معها.. وما العملية الاستشهادية الأخيرة في عمق الكيان الصهيوني إلا تأكيد جديد على عدم السماح لأية جهة فلسطينية أو غير فلسطينية لتصفية الانتفاضة قبل زوال الاحتلال، وحصول الشعب على حقه في تقرير مصيره، لأنه لا مجال لمنح إسرائيل انتصاراً عسكرياً وسياسياً تحت مظلة فلسطينية، مما تخطِّط له أمريكا التي يديرها يهود الإدارة المهيمنين على السياسة الأمريكية في المنطقة والعالم..
إننا نعتقد أن العدو لا يزال في داخل المأزق، فما دام الشعب الفلسطيني يقود ثورته ويقدّم التضحيات، فهناك هزيمة إسرائيلية سياسية تلتقي بفشل أمريكي سياسي، لأن المجازر مهما تعاظمت لا يمكن أن تُسقط إرادة شعب قرر أن ينتصر في مدى حركة الأجيال التي تربي شهداء المستقبل، كلما تساقط شهداء الماضي والحاضر..
خطط الاحتلال تتكشّف
إن هناك أكثر من حديث في السياسة الدولية والعربية يوحي بأن الأمة قد هُزمت في حرب العراق، وعليها أن تتصرف بذهنية المهزوم في حلّ القضية الفلسطينية.. ولكننا نعتقد أن الهزيمة قد أصابت الأنظمة التي صنعها الاستكبار العالمي ـ ولا سيما الأمريكي ـ ولم تصب الشعوب التي بدأت تتظاهر وتهتف برفض الاحتلال وكل مفاعيله، من خلال الأصوات التي ترفض أية حكومة أو إدارة يشرف عليها الاحتلال أو يختفي خلفها، لأن الشعب العراقي يؤكد أنه هو الذي يقرر مصيره، وهو الذي يصنع مستقبله ويختار حكومته، لا المحتل..
وقد بدأت خطة الاحتلال تتكشّف أنه لم يأتِ محرراً ومنقذاً في خطته الاستراتيجية، بالرغم من أن الحرب أنقذت الشعب العراقي من نظام الطاغوت الصدامي، بل إنه جاء ليحوّل العراق إلى قاعدة عسكرية كمنطقة نفوذ أمني يمتد في المنطقة كلها، ويخطط لصنع قواعد جديدة في خطوطه المستقبلية التي يهدد فيها هذه الدولة أو تلك، من أجل تقديم التنازلات والحصول على المكاسب السياسية والاقتصادية والأمنية من دون حرب..
الأربعون دلالة على صنع التاريخ
إنّ ما حصل في ذكرى الأربعين التي اجتمع فيها المؤمنون في كربلاء لزيارة الإمام الحسين(ع)، أعطت الدليل على أن المسلمين لا يستغرقون في التاريخ في عملية غيبوبة في داخله، بل إنهم يعملون على أخذ العبرة منه لصنع تاريخ جديد، وأن الإسلام ـ في معناه التغييري للواقع الظالم ـ لا يفصل بين معناه السياسي والديني، لأنهما معاً يمثلان القيمة الإنسانية الكبرى، وهي إقامة العدل بين الناس..
وإذا كانت هذه الانتفاضة الكربلائية قد تحركت في إرادة ثورية حماسية، فإنها قد تتحوّل إلى مقاومة متنوّعة الوسائل والأبعاد في المستقبل كلما كشف الاحتلال عن وجهه البشع، لأن الشعوب تعرف جيداً من خلال تجاربها أنه ليس هناك احتلال للتحرير واحتلال للهيمنة، بل هو لونٌ واحد لإسقاط مصالح الشعوب تحت سيطرة القوة للمستكبرين لحساب مصالحهم..
إنّنا ندعو الشعب العراقي ـ ومعه الشعب الفلسطيني ـ إلى الأخذ بأسباب الوحدة الواعية المرتكزة على إرادة الحرية والتغيير، ومواجهة كل أسباب الفتنة التي تخطط لها الأجهزة الاستكبارية في الداخل والخارج، من خلال سياسة "فرّق تسد" على الصعيد الديني والسياسي والأمني، من أجل أن يسقط الناس في الهزيمة قبل دخولهم في المعركة..
الحرب خطّطت لإضعاف مصادر القوة
إننا نعتقد أن هذه الحرب الأمريكية ـ الإسرائيلية خططت لإضعاف كل مصادر القوة في المنطقة، وهذا ما أعلنه الأمريكيون والإسرائيليون، أن حرب العراق قد حققت حماية الأمن الإسرائيلي من أخطار قوة كبيرة، هي قوة العراق الذي يختزن في داخله الكثير من عناصر القوة للمستقبل.. وربما يخطط هؤلاء إلى تحريك الحرب دبلوماسياً وسياسياً واقتصادياً من أجل تحقيق الهدف الإسرائيلي والخطة الأمريكية، للإمساك بالمنطقة وثرواتها بشكل مباشر بعيداً عن الوكالات..
إن على الشعوب أن ترتفع إلى مستوى الوعي الشامل للتحديات، وتتحرك من أجل التكامل في ساحة المواجهة، وهذا ما نلاحظه في التهديدات الأمريكية والإسرائيلية لسوريا وإيران والمقاومة في لبنان، لأنها لا تزال تمثل إرادة القوة وساحة الممانعة، الأمر الذي يفرض علينا المزيد من التخطيط والاستعداد ودراسة كل الظروف والوسائل لتحديد الموقف من كل هذه التطورات بعيداً عن الارتجال والانفعال..
متى نرتفع إلى مستوى الذهنية الحضارية؟!
وعلى اللبنانيين بالذات أن يثبتوا ـ ولو لمرة واحدة ـ بأنهم في مستوى تأكيد الوحدة في مواجهة الأخطار الضاغطة على المنطقة، وأنهم في الموقع الذي يلتقون فيه على حكومة فاعلة لا تخضع للاعتبارات الشخصية القائمة على توزيع الحصص بين المواقع الفاعلة، ليكون الوزير هنا أو هناك وزيراً للشخص المميّز لا وزيراً للدولة.. ويبقى السؤال: متى يرتفع لبنان إلى مستوى الذهنية الحضارية الفاعلة التي تحلّق في الأعالي، بدلاً من البقاء في وهدة الوحول السياسية في الحضيض؟؟
كما أن على اللبنانيين ـ إلى جانب ذلك ـ أن لا يراهنوا في حلّ مشاكلهم على تطورات الخارج، الذي قد يستغل لمصلحته خلافاً هنا وفتنة هناك، بل إن الرهان كل الرهان على الحوار الشعبي الشامل، والوفاق الوطني على أساس المصير المشترك، والتكامل في عملية إنتاج الوطن من جديد، والمواجهة للأخطار الإسرائيلية المحدقة بالبلد، والتأكيد على الخيار الوحيد في وحدة المسارين اللبناني والسوري، لأنه يمثل قاعدة القوة، وينفتح على الاحترام المتبادل في تأكيد حرية البلد واستقلاله وحقه في تقرير المصير. |