لنكن من السائرين على خطى علي(ع) ونهجه

لنكن من السائرين على خطى علي(ع) ونهجه

في رحاب يوم الغدير ومعانيه: لنكن من السائرين على خطى علي(ع) ونهجه


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين، ومما جاء في خطبته الأولى:

الولاية امتداد للرسالة

"ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم"، قالها رسول الله (ص)، ليقدّم من خلال هذه الكلمة عليّاً (ع) في موقع الولاية التي هي امتداد حركي للرسالة، قالوا: اللهم بلى، قال (ص): "اللهم اشهد"، ثم قال: "من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه"، وفي هذه الكلمة تنطلق مسألة الولاية، لتربط ربطاً رسالياً في عمق الشخصية وعمق الدعوة وامتداد الحركة، بين عليّ(ع) ورسول الله (ص)، فرسول الله هو مولى كل مؤمن ومؤمنة، لا من خلال شخصه في معنى النسب، ولكن من خلال موقعه في معنى الرسالة، وإذا كان رسول الله مولى كل مؤمن ومؤمنة؛ فعليّ (ع) من خلال هذه الكلمة الرسولية مولى كل مؤمن ومؤمنة، مولاه في كل ما ينطلق به عليّ(ع)، في عقله الذي كان عقل الرسالة، وفي قلبه الذي كان منفتحاً على كل معنى العاطفة الإنسانية في الرسالة، وفي كل سيرته التي كانت لله ولرسوله وليس فيها شيء له من قريب أو من بعيد، وإن كان عليّ (ع) لا ينطلق من ذاته، لأن ذاته عُجنت بماء الرسالة منذ الطفولة.

مسؤولية الحاكم أمام الله والناس

وهكذا، لو درسنا انطلاقة "الغدير" في أمر الله تعالى لرسوله بالتبليغ، وفي إكمال الدين بالولاية، لرأينا أن علياً (ع) اختاره الله واصطفاه، وركّزه رسول الله (ص) من خلال اصطفاء الله له، لأن علياً نفس رسول الله، وهذا ما عبّرت عنه آية المباهلة، فهو(ع) نفس رسول الله ومدينة علمه ومنطلق رسالته، وهو المجاهد في سبيل الإسلام كله، وهو الذي باع نفسه لله، وهو الذي كان حقاً كله... وعندما ندرس كل تراث عليّ (ع)، فإننا نجد أنه من خلال وعيه للرسالة الإسلامية في خطوطها العامة على كل المستويات الروحية والشرعية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، كان قد وضع البرنامج كله للحكم، ولو درسنا كل الذين تقدّموه، لما وجدنا هناك أيّ برنامج عند أيّ واحد منهم. كانت المسألة هي أن يبايَع بالخلافة، وحتى أن الذين اجتمعوا آنذاك في السقيفة وأطلقوا كلمة "منا أمير ومنكم أمير"، أو بعض الكلمات، فهل كان لديهم برنامج؟ إذا كانت المسألة كما يقولون شورى لأنهم كانوا ينكرون النص، فلماذا لم يقدّم من قال: "منا أمير ومنكم أمير" برنامجاً للولاية على المسلمين، هل من المعقول أن يقول شخص : من عشيرتنا أمير، ولكن من دون برنامج، أو أن يقول شخص: تعال لنبايعك، من دون أن يقدّم برنامجه للمسلمين؟ ولذلك ارتبكت الأمور في كثيرٍ من الأوضاع، لأنها لم تكن ناشئة من برنامج شامل يرصد قضايا المسلمين في المرحلة الجديدة التي غاب فيها رسول الله (ص)، ليعرف كلُّ مسلم ما هي الخطة والقضايا التي يمكن أن تُطرح حتى يحاسب المسلمون الخليفة على برنامجه.

وهكذا، تركت تلك المسألة تأثيراتها على كلِّ الواقع الإسلامي، وعلى كلِّ الخلفاء الذين تعاقبوا على الحكم، من أمويين وعباسيين وعثمانيين، حيث لم يكن هناك خلافة تقدّم برنامجها للمسلمين، لتقول لهم: حاسبوني على أساسها. ورسول الله (ص)، وهو الذي اصطفاه الله رسولاً للعالمين، ولم يأخذ شرعيته من انتخاب الناس، وقف أمام المسلمين ليقدّم حسابه، ويقول: "أيها الناس، إنكم لا تمسكون عليّ بشيء، إني ما أحللت إلا ما أحلّ القرآن، وما حرّمت إلا ما حرّم القرآن"، ومن الذي يقول ذلك؟ رسول الله (ص) الذي هو مسؤول أمام الله وليس مسؤولاً أمام المسلمين.

ولعلّ من أهمّ مشكلات العالم الإسلامي، هي أن المسؤول الأول في العالم الإسلامي لا يرى نفسه معنياً بأن يقدم برنامجه للأمة، وقد تربت الأمة على أن تؤيد المسؤول من دون أن تسأله عن برنامجه وتحاسبه عليه، وهذه المسألة انطلقت من التاريخ ولا تزال تفرض نفسها على حاضر المسلمين ومستقبلهم. ولعلّنا نلاحظ أن العالم الإسلامي هو عالم الديكتاتوريات، العالم الذي لا يملك أيّ فرد من الشعب فيه أن يحاسب الحاكم أو ينتقده، فقد أصبحنا نسبّح بحمد الحاكم حتى لو لم يكن في مستوى الحكم، ولا سيما أن الذين يعيّنون لنا الحكام هم الذين يسيطرون على مقدّرات العالم من غير المسلمين.

برنامج علي(ع) في الحكم

لنقرأ علياً (ع) وهو يتحدث عن برنامجه في حكمه، وعن طبيعة الحاكم للمسلمين، وذلك في أيام خلافته التي عانى فيها ما عاناه. استمعوا إليه كيف يخاطب الناس أولاً، وكيف يقدّم حسابه لله ثانياً: "أيتها النفوس المختلفة ـ فقد كان مجتمعه مجتمعاً تحركت فيه الفتن ـ والقلوب المتشتتة، الشاهدة أبدانهم والغائبة عنهم عقولهم ـ فقد أعطوا عقولهم إجازة ولم يستحضروها ليفكروا في الأمور بطريقة عقلانية موضوعية ـ أظأركم على الحق وأنتم تنفرون عنه نفور المعزى من وعوعة الأسد، هيهات ـ أنتم لستم المجتمع الذي أستطيع أن أحقق فيه برنامجي، لأنكم مجتمع صنعه الآخرون، ولا تزال بقايا الجاهلية فيه، ولأنكم مجتمع لا يزال يعيش على أساس العصبية ـ أن أُطلع بكم سرار العدل أو أقيم أعوجاج الحق"، إذ كيف نقيم العدل بالمعوجين، وكيف نقيم العدل بالظالمين...

ثم ينتقل عليّ (ع) من حديثه إليهم إلى حديثه لله، ليفضفض عمّا في نفسه، فعليّ (ع) كان يعيش الألم من خلال أنه كان يخطط من أجل أن يجعل الناس مسلمين كما هو الإسلام، لذلك كان يشكو إلى الله بين وقت وآخر، وكان يشهد الله على ما في قلبه، كالكثيرين ممن يعملون في طريق الإصلاح ولا يجدون إلا العقوق والإنكار، فيقول (ع): "اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان ـ لا أقيم وزناً للدنيا كلها، لا لمالها ولا لسلطانها، ولا لكل لذاتها وشهواتها، الدنيا عندي هي أنت يا ربّ، كل ما يرضيك وما تحبه لأنني أحبك يا ربّ ـ ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك ـ حتى نركّز معالم الدين ونقدمها للناس ونجعلها تعيش الوضوح في عقول الناس وقلوبهم وحياتهم ـ ونظهر الإصلاح في بلادك ـ لنقضي على الفساد الذي صنعه المفسدون ـ فيأمن المظلومون من عبادك ـ أن نقضي على الظلم والظالمين ـ وتقام المعطلة من حدودك، اللهم إني أول من أناب ـ أول من رجع إليك ـ وسمع ـ دعوتك ـ وأجاب ـ رسولك، لم يسبقني إلا رسول الله بالصلاة ـ فأنا كنت أول من صلى بعد رسول الله، لأنني عشت الصلاة معه قبل أن يُرسل، عندما كان يصلي إليك بتسابيحه وتهليله وتكبيره ـ وقد علمتم أنه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين البخيل، فتكون في أموالهم نهمته، ولا الجاهل فيضلهم بجهله، ولا الجافي ـ القاسي الذي لا يعيش الانفتاح على الناس بأخلاقيته ـ فيقطعهم بجفائه، ولا الحائف للدول ـ الذي يميّز الناس عن بعضهم البعض ـ فيتخذ قوماً دون قوم، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع، ولا المعطّل للسنّة فيهلك الأمة".

كان عليّ (ع) ينطلق على أساس البرنامج الذي وضعه أمامه، وقد قال في آخر خطبة الشقشقية: "لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم هذه أهون عندي من عفطة عنز".

هذا عليّ (ع) الذي يقول لابن عباس وهو يشير إلى نعله الذي كان يخسفه: "إنها أحبّ إليّ من إمرتكم هذه، إلا أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً"، كان عليّ (ع) من أكثر الناس الذين يفهمون السياسة ويعرفون ألاعيبها ويعرف كيف كان أعداؤه يغدرون ويلعبون على الحبال، ولكنه لم يكن سياسياً يطلب الحكم لنفسه، بل كان رسالياً، ولذلك كان يقول: "إن الوفاء توأم الصدق، ولا أعلم جنّة أوفى منه ـ فمن كان صادقاً لا بد وأن يكون وفياً للناس ولربه ـ وما يغدر من علم كيف المرجع ـ الذي يعرف كيف يقف أمام الله ليحاسبه ـ ولقد أصبحنا في زمان ـ فكيف هذا الزمان يا عليّ ـ اتخذ أكثر أهله الغدر كَيْساً، ونسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة، ما لهم قاتلهم الله، قد يرى الحوّل القلّب ـ البصير بتحوّل الأمور ـ وجه الحيلة ودونها مانع من أمر الله ونهيه، فيدعها رأي عين وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين".

استشراف المستقبل

ويتحدث الإمام عليّ (ع) عن بعض الأزمنة، وربما كان زماننا منها: "يأتي على الناس زمان لا يبقى فيهم من القرآن إلا رسمه، ومن الإسلام إلا اسمه، ومساجدهم يومئذ عامرة من البناء، خراب من الهدى، سكانها وعمّارها شرّ أهل الأرض، منهم تخرج الفتنة وإليهم تأوي الخطيئة، يردّون من شذّ عنها فيها، ويسوقون من تأخر عنها إليها، يقول الله تعالى: "فبي حلفت، لأبعثن على أولئك ـ الذين يأتون إلى المساجد ويفتنون بين الناس ويخربون المجتمع ـ فتنة تترك الحليم فيها حيران"، وقد فعل، ونحن نستقيل الله عثرة الغفلة، حتى نكون واعين لرسالة المسجد، ورسالة الصلاة، ورسالة الإسلام.

السير على خطى علي(ع) ونهجه

إن حبّ عليّ (ع) يكلّف، لأنه الإنسان الذي يعمل على أن لا يكون هناك باطل ولا ظلم ولا فتنة، فهل تحبون عليّاً(ع)؟ إن حبّه هو أن نسير في خطه، ونعمل من أجل أن نكون شيعته بالعمل لا بالكلمة، وقد قال حفيده الإمام الباقر (ع): "والله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه، وكانوا يعرفون بالتواضع والتخشّع وصدق الحديث وأداء الأمانة، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء، أفيكفي الرجل أن يقول أحبّ علياً وأتولاه ثم لا يكون فعّالاً، فرسول الله خير من عليّ، أفحسب الرجل أن يقول أحبّ رسول الله ثم لا يعمل بسنّته، والله ما معنا براءة من الله، من كان ولياً لله فهو لنا وليّ، ومن كان عدواً لله فهو لنا عدو، والله ما تنال ولايتنا إلا بالورع".

إن علياً (ع) يخاطب الناس في زمنه، وهو يخاطبنا في زماننا: "ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد، وعفة وسداد".

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله وتحركوا في خط الإسلام الذي أطلق العدل على أساس أن يكون القاعدة التي يرتكز عليها الإنسان في العالم، ولم يفرّق بين قوي وضعيف، وبين كبير وصغير، وبين مؤمن وكافر، فالعدل من كل الناس ولكل الناس، وقد كان عليّ (ع) إنسان العدل، وهو القائل: "الضعيف الذليل عندي قوي عزيز حتى آخذ له بحقه، والقوي العزيز عندي ضعيف ذليل حتى آخذ منه الحق"، وعندما نكون مجتمع العدل فلن نكون مع الظالمين ولا مع المستكبرين، لأن مشكلة عالمنا الإسلامي أننا نصلي ونصوم ونزكي ونحج، ولكننا نعاون المستكبرين على المستضعفين، والكافرين على المسلمين..

وهذا ما نلاحظه في أكثر مواقع الدول العربية التي أعطت أمريكا وبريطانيا كل التسهيلات من أجل أن تحارب المسلمين باسم أنها تحارب نظام الطاغية الذي صنعت منه طاغية على شعبه هنا وهناك، ونلاحظ أن كثيرين من الناس يعملون على أساس أن يتكاملوا مع المستكبرين في سياستهم وأوضاعهم، تماماً كما تتكامل الشاة مع الذئب، وهل يمكن أن تكون هناك معاهدة بين الشاة المعارضة والذئب المستكبر؟ فتعالوا لنرى ماذا هناك:

تبرير أمريكي للمجازر الإسرائيلية

إسرائيل ماضيةٌ في عمليّة إبادة الشعب الفلسطيني، ولا سيما في المواقع المدنية التي يسقط فيها الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيون الآخرون، بحجة ملاحقة المطلوبين.. وأمريكا تبرر لها ذلك بحجة الدفاع عن نفسها، من دون أن تطلب منها الانسحاب من الأراضي المحتلة الذي اعتبره المجاهدون شرطاً لتجميد الانتفاضة..

أما المشروع الأمريكي الذي تطرحه اللجنة الرباعية، فإنه لا يزال في متاهات التوقيت الأمريكي، في الوقت الضائع الذي يسمح للعدو أن يحوّلـه إلى مشروع الدولة المسخ.. وهكذا، نجد أمريكا تقف لتقتل الشعب الفلسطيني بأيدٍ إسرائيلية، من دون أن يصدر من العرب أيّ موقف حازم حول هذه الجرائم الوحشية، لأن الكثيرين منهم مشغولون بالطريقة التي يتحركون فيها مع الخطة الأمريكية لتدمير العراق في بنيته التحتية وشعبه الجريح، من دون أيّ موقف ضاغط لتلافي الحرب التي وقفت شعوب العالم ـ شرقاً وغرباً ـ ضدها، في الوقت الذي يعلمون فيه أن أمريكا لا تريد إنقاذ شعب العراق من الطاغية الذي فرضته عليه، ومنعت الانتفاضة من إسقاطه بعد حرب الكويت، بل تريد ترتيب المنطقة كلها على قياس مصالحها الاستراتيجية ـ كما صرّح وزير خارجيتها ـ كما تخطط على الصعيد العالمي للضغط على أكثر من محور دولي، حتى لا يتحوّل إلى قطب جديد يوازن القوة الأمريكية اقتصادياً وسياسياً وأمنياً..

رفض للهيمنة الأمريكية

إننا نتصوّر أن هذه الحملة العالمية ضد السياسة الأمريكية العدوانية على المنطقة، لا بد أن تتطوّر، ولا سيما لدى شعوب العالم العربي والإسلامي، التي لا بد من أن تتمرّد على الأجهزة التي تمنعها من التعبير الحرّ عن رفضها للهيمنة الأمريكية التي تحتقر الشعوب، ولا تحترم مواقفها الرافضة للحرب التي تتحرك على أساس الإعلام الكاذب الذي لا يقنع أحداً..

إنّ العالم يتساءل: لماذا لم تعلن أمريكا الحرب على أسلحة الدمار الشامل التي تملكها إسرائيل من خلال المساعدات الأمريكية، للقضاء على حركة الشعب الفلسطيني في عملية تقرير المصير؟

المؤمن لا يلدغ مرتين

ونقول لإخواننا في المعارضة العراقية: لقد جاء في الحديث المأثور: "المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين"، فلماذا نضع أصابعنا في الجحر الذي لُدغنا منه أكثر من مرة؟ وما هي الضمانات التي حصلتم عليها من المسؤول الأمريكي المشرف على مؤتمركم، وهو صنيعة اللوبي الصهيوني؟ وما هي الخطة العملانية لإيجاد حكومة شعبية عراقية أمام التصريحات الأمريكية عن حكومة عسكرية أمريكية؟ وهل لديكم تفويض شعبي من جميع العراقيين للتعاون مع الأمريكيين؟؟ إنها علامات استفهام نطرحها بمحبة، لا لمجرد تسجيل النقاط، حتى لا نصطدم بالكارثة في المستقبل القريب.

ونقول للدول العربية التي فشلت في الاتفاق على قاعدة سياسية أمنية لمواجهة الموقف، تحت تأثير الضغط الأمريكي، كما نقول لدول المؤتمر الإسلامي الذي سوف تنعقد قمته على أرض أقوى قاعدة أمريكية في المنطقة: هل تملكون معارضة القرار الأمريكي، أم أن المسألة هي الخروج بكلمات تتطاير في الهواء قبل أن ينفضّ اجتماع هذه القمة وتلك؟

الابتعاد عن العبث السياسي

ونقول للبنان: إن المرحلة المقبلة بحاجة إلى أن تكون لنا دولة تحترم شعبها، وتخطط للمستقبل الذي يهتز فيه الواقع على أكثر من صعيد، وتبتعد عن كل العبث السياسي الذي تتبادل فيه بعض المواقع الرسمية والسياسية الحصص والمصالح، ليهتز البلد عند أيّ خلاف، وليعود إلى توازنه عند المصالحات التي لن تكون حساباتها حسابات القضايا الحيوية للشعب، بل حسابات القضايا الشخصية هنا وهناك.

في رحاب يوم الغدير ومعانيه: لنكن من السائرين على خطى علي(ع) ونهجه


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين، ومما جاء في خطبته الأولى:

الولاية امتداد للرسالة

"ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم"، قالها رسول الله (ص)، ليقدّم من خلال هذه الكلمة عليّاً (ع) في موقع الولاية التي هي امتداد حركي للرسالة، قالوا: اللهم بلى، قال (ص): "اللهم اشهد"، ثم قال: "من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه"، وفي هذه الكلمة تنطلق مسألة الولاية، لتربط ربطاً رسالياً في عمق الشخصية وعمق الدعوة وامتداد الحركة، بين عليّ(ع) ورسول الله (ص)، فرسول الله هو مولى كل مؤمن ومؤمنة، لا من خلال شخصه في معنى النسب، ولكن من خلال موقعه في معنى الرسالة، وإذا كان رسول الله مولى كل مؤمن ومؤمنة؛ فعليّ (ع) من خلال هذه الكلمة الرسولية مولى كل مؤمن ومؤمنة، مولاه في كل ما ينطلق به عليّ(ع)، في عقله الذي كان عقل الرسالة، وفي قلبه الذي كان منفتحاً على كل معنى العاطفة الإنسانية في الرسالة، وفي كل سيرته التي كانت لله ولرسوله وليس فيها شيء له من قريب أو من بعيد، وإن كان عليّ (ع) لا ينطلق من ذاته، لأن ذاته عُجنت بماء الرسالة منذ الطفولة.

مسؤولية الحاكم أمام الله والناس

وهكذا، لو درسنا انطلاقة "الغدير" في أمر الله تعالى لرسوله بالتبليغ، وفي إكمال الدين بالولاية، لرأينا أن علياً (ع) اختاره الله واصطفاه، وركّزه رسول الله (ص) من خلال اصطفاء الله له، لأن علياً نفس رسول الله، وهذا ما عبّرت عنه آية المباهلة، فهو(ع) نفس رسول الله ومدينة علمه ومنطلق رسالته، وهو المجاهد في سبيل الإسلام كله، وهو الذي باع نفسه لله، وهو الذي كان حقاً كله... وعندما ندرس كل تراث عليّ (ع)، فإننا نجد أنه من خلال وعيه للرسالة الإسلامية في خطوطها العامة على كل المستويات الروحية والشرعية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، كان قد وضع البرنامج كله للحكم، ولو درسنا كل الذين تقدّموه، لما وجدنا هناك أيّ برنامج عند أيّ واحد منهم. كانت المسألة هي أن يبايَع بالخلافة، وحتى أن الذين اجتمعوا آنذاك في السقيفة وأطلقوا كلمة "منا أمير ومنكم أمير"، أو بعض الكلمات، فهل كان لديهم برنامج؟ إذا كانت المسألة كما يقولون شورى لأنهم كانوا ينكرون النص، فلماذا لم يقدّم من قال: "منا أمير ومنكم أمير" برنامجاً للولاية على المسلمين، هل من المعقول أن يقول شخص : من عشيرتنا أمير، ولكن من دون برنامج، أو أن يقول شخص: تعال لنبايعك، من دون أن يقدّم برنامجه للمسلمين؟ ولذلك ارتبكت الأمور في كثيرٍ من الأوضاع، لأنها لم تكن ناشئة من برنامج شامل يرصد قضايا المسلمين في المرحلة الجديدة التي غاب فيها رسول الله (ص)، ليعرف كلُّ مسلم ما هي الخطة والقضايا التي يمكن أن تُطرح حتى يحاسب المسلمون الخليفة على برنامجه.

وهكذا، تركت تلك المسألة تأثيراتها على كلِّ الواقع الإسلامي، وعلى كلِّ الخلفاء الذين تعاقبوا على الحكم، من أمويين وعباسيين وعثمانيين، حيث لم يكن هناك خلافة تقدّم برنامجها للمسلمين، لتقول لهم: حاسبوني على أساسها. ورسول الله (ص)، وهو الذي اصطفاه الله رسولاً للعالمين، ولم يأخذ شرعيته من انتخاب الناس، وقف أمام المسلمين ليقدّم حسابه، ويقول: "أيها الناس، إنكم لا تمسكون عليّ بشيء، إني ما أحللت إلا ما أحلّ القرآن، وما حرّمت إلا ما حرّم القرآن"، ومن الذي يقول ذلك؟ رسول الله (ص) الذي هو مسؤول أمام الله وليس مسؤولاً أمام المسلمين.

ولعلّ من أهمّ مشكلات العالم الإسلامي، هي أن المسؤول الأول في العالم الإسلامي لا يرى نفسه معنياً بأن يقدم برنامجه للأمة، وقد تربت الأمة على أن تؤيد المسؤول من دون أن تسأله عن برنامجه وتحاسبه عليه، وهذه المسألة انطلقت من التاريخ ولا تزال تفرض نفسها على حاضر المسلمين ومستقبلهم. ولعلّنا نلاحظ أن العالم الإسلامي هو عالم الديكتاتوريات، العالم الذي لا يملك أيّ فرد من الشعب فيه أن يحاسب الحاكم أو ينتقده، فقد أصبحنا نسبّح بحمد الحاكم حتى لو لم يكن في مستوى الحكم، ولا سيما أن الذين يعيّنون لنا الحكام هم الذين يسيطرون على مقدّرات العالم من غير المسلمين.

برنامج علي(ع) في الحكم

لنقرأ علياً (ع) وهو يتحدث عن برنامجه في حكمه، وعن طبيعة الحاكم للمسلمين، وذلك في أيام خلافته التي عانى فيها ما عاناه. استمعوا إليه كيف يخاطب الناس أولاً، وكيف يقدّم حسابه لله ثانياً: "أيتها النفوس المختلفة ـ فقد كان مجتمعه مجتمعاً تحركت فيه الفتن ـ والقلوب المتشتتة، الشاهدة أبدانهم والغائبة عنهم عقولهم ـ فقد أعطوا عقولهم إجازة ولم يستحضروها ليفكروا في الأمور بطريقة عقلانية موضوعية ـ أظأركم على الحق وأنتم تنفرون عنه نفور المعزى من وعوعة الأسد، هيهات ـ أنتم لستم المجتمع الذي أستطيع أن أحقق فيه برنامجي، لأنكم مجتمع صنعه الآخرون، ولا تزال بقايا الجاهلية فيه، ولأنكم مجتمع لا يزال يعيش على أساس العصبية ـ أن أُطلع بكم سرار العدل أو أقيم أعوجاج الحق"، إذ كيف نقيم العدل بالمعوجين، وكيف نقيم العدل بالظالمين...

ثم ينتقل عليّ (ع) من حديثه إليهم إلى حديثه لله، ليفضفض عمّا في نفسه، فعليّ (ع) كان يعيش الألم من خلال أنه كان يخطط من أجل أن يجعل الناس مسلمين كما هو الإسلام، لذلك كان يشكو إلى الله بين وقت وآخر، وكان يشهد الله على ما في قلبه، كالكثيرين ممن يعملون في طريق الإصلاح ولا يجدون إلا العقوق والإنكار، فيقول (ع): "اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان ـ لا أقيم وزناً للدنيا كلها، لا لمالها ولا لسلطانها، ولا لكل لذاتها وشهواتها، الدنيا عندي هي أنت يا ربّ، كل ما يرضيك وما تحبه لأنني أحبك يا ربّ ـ ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك ـ حتى نركّز معالم الدين ونقدمها للناس ونجعلها تعيش الوضوح في عقول الناس وقلوبهم وحياتهم ـ ونظهر الإصلاح في بلادك ـ لنقضي على الفساد الذي صنعه المفسدون ـ فيأمن المظلومون من عبادك ـ أن نقضي على الظلم والظالمين ـ وتقام المعطلة من حدودك، اللهم إني أول من أناب ـ أول من رجع إليك ـ وسمع ـ دعوتك ـ وأجاب ـ رسولك، لم يسبقني إلا رسول الله بالصلاة ـ فأنا كنت أول من صلى بعد رسول الله، لأنني عشت الصلاة معه قبل أن يُرسل، عندما كان يصلي إليك بتسابيحه وتهليله وتكبيره ـ وقد علمتم أنه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين البخيل، فتكون في أموالهم نهمته، ولا الجاهل فيضلهم بجهله، ولا الجافي ـ القاسي الذي لا يعيش الانفتاح على الناس بأخلاقيته ـ فيقطعهم بجفائه، ولا الحائف للدول ـ الذي يميّز الناس عن بعضهم البعض ـ فيتخذ قوماً دون قوم، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع، ولا المعطّل للسنّة فيهلك الأمة".

كان عليّ (ع) ينطلق على أساس البرنامج الذي وضعه أمامه، وقد قال في آخر خطبة الشقشقية: "لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم هذه أهون عندي من عفطة عنز".

هذا عليّ (ع) الذي يقول لابن عباس وهو يشير إلى نعله الذي كان يخسفه: "إنها أحبّ إليّ من إمرتكم هذه، إلا أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً"، كان عليّ (ع) من أكثر الناس الذين يفهمون السياسة ويعرفون ألاعيبها ويعرف كيف كان أعداؤه يغدرون ويلعبون على الحبال، ولكنه لم يكن سياسياً يطلب الحكم لنفسه، بل كان رسالياً، ولذلك كان يقول: "إن الوفاء توأم الصدق، ولا أعلم جنّة أوفى منه ـ فمن كان صادقاً لا بد وأن يكون وفياً للناس ولربه ـ وما يغدر من علم كيف المرجع ـ الذي يعرف كيف يقف أمام الله ليحاسبه ـ ولقد أصبحنا في زمان ـ فكيف هذا الزمان يا عليّ ـ اتخذ أكثر أهله الغدر كَيْساً، ونسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة، ما لهم قاتلهم الله، قد يرى الحوّل القلّب ـ البصير بتحوّل الأمور ـ وجه الحيلة ودونها مانع من أمر الله ونهيه، فيدعها رأي عين وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين".

استشراف المستقبل

ويتحدث الإمام عليّ (ع) عن بعض الأزمنة، وربما كان زماننا منها: "يأتي على الناس زمان لا يبقى فيهم من القرآن إلا رسمه، ومن الإسلام إلا اسمه، ومساجدهم يومئذ عامرة من البناء، خراب من الهدى، سكانها وعمّارها شرّ أهل الأرض، منهم تخرج الفتنة وإليهم تأوي الخطيئة، يردّون من شذّ عنها فيها، ويسوقون من تأخر عنها إليها، يقول الله تعالى: "فبي حلفت، لأبعثن على أولئك ـ الذين يأتون إلى المساجد ويفتنون بين الناس ويخربون المجتمع ـ فتنة تترك الحليم فيها حيران"، وقد فعل، ونحن نستقيل الله عثرة الغفلة، حتى نكون واعين لرسالة المسجد، ورسالة الصلاة، ورسالة الإسلام.

السير على خطى علي(ع) ونهجه

إن حبّ عليّ (ع) يكلّف، لأنه الإنسان الذي يعمل على أن لا يكون هناك باطل ولا ظلم ولا فتنة، فهل تحبون عليّاً(ع)؟ إن حبّه هو أن نسير في خطه، ونعمل من أجل أن نكون شيعته بالعمل لا بالكلمة، وقد قال حفيده الإمام الباقر (ع): "والله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه، وكانوا يعرفون بالتواضع والتخشّع وصدق الحديث وأداء الأمانة، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء، أفيكفي الرجل أن يقول أحبّ علياً وأتولاه ثم لا يكون فعّالاً، فرسول الله خير من عليّ، أفحسب الرجل أن يقول أحبّ رسول الله ثم لا يعمل بسنّته، والله ما معنا براءة من الله، من كان ولياً لله فهو لنا وليّ، ومن كان عدواً لله فهو لنا عدو، والله ما تنال ولايتنا إلا بالورع".

إن علياً (ع) يخاطب الناس في زمنه، وهو يخاطبنا في زماننا: "ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد، وعفة وسداد".

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله وتحركوا في خط الإسلام الذي أطلق العدل على أساس أن يكون القاعدة التي يرتكز عليها الإنسان في العالم، ولم يفرّق بين قوي وضعيف، وبين كبير وصغير، وبين مؤمن وكافر، فالعدل من كل الناس ولكل الناس، وقد كان عليّ (ع) إنسان العدل، وهو القائل: "الضعيف الذليل عندي قوي عزيز حتى آخذ له بحقه، والقوي العزيز عندي ضعيف ذليل حتى آخذ منه الحق"، وعندما نكون مجتمع العدل فلن نكون مع الظالمين ولا مع المستكبرين، لأن مشكلة عالمنا الإسلامي أننا نصلي ونصوم ونزكي ونحج، ولكننا نعاون المستكبرين على المستضعفين، والكافرين على المسلمين..

وهذا ما نلاحظه في أكثر مواقع الدول العربية التي أعطت أمريكا وبريطانيا كل التسهيلات من أجل أن تحارب المسلمين باسم أنها تحارب نظام الطاغية الذي صنعت منه طاغية على شعبه هنا وهناك، ونلاحظ أن كثيرين من الناس يعملون على أساس أن يتكاملوا مع المستكبرين في سياستهم وأوضاعهم، تماماً كما تتكامل الشاة مع الذئب، وهل يمكن أن تكون هناك معاهدة بين الشاة المعارضة والذئب المستكبر؟ فتعالوا لنرى ماذا هناك:

تبرير أمريكي للمجازر الإسرائيلية

إسرائيل ماضيةٌ في عمليّة إبادة الشعب الفلسطيني، ولا سيما في المواقع المدنية التي يسقط فيها الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيون الآخرون، بحجة ملاحقة المطلوبين.. وأمريكا تبرر لها ذلك بحجة الدفاع عن نفسها، من دون أن تطلب منها الانسحاب من الأراضي المحتلة الذي اعتبره المجاهدون شرطاً لتجميد الانتفاضة..

أما المشروع الأمريكي الذي تطرحه اللجنة الرباعية، فإنه لا يزال في متاهات التوقيت الأمريكي، في الوقت الضائع الذي يسمح للعدو أن يحوّلـه إلى مشروع الدولة المسخ.. وهكذا، نجد أمريكا تقف لتقتل الشعب الفلسطيني بأيدٍ إسرائيلية، من دون أن يصدر من العرب أيّ موقف حازم حول هذه الجرائم الوحشية، لأن الكثيرين منهم مشغولون بالطريقة التي يتحركون فيها مع الخطة الأمريكية لتدمير العراق في بنيته التحتية وشعبه الجريح، من دون أيّ موقف ضاغط لتلافي الحرب التي وقفت شعوب العالم ـ شرقاً وغرباً ـ ضدها، في الوقت الذي يعلمون فيه أن أمريكا لا تريد إنقاذ شعب العراق من الطاغية الذي فرضته عليه، ومنعت الانتفاضة من إسقاطه بعد حرب الكويت، بل تريد ترتيب المنطقة كلها على قياس مصالحها الاستراتيجية ـ كما صرّح وزير خارجيتها ـ كما تخطط على الصعيد العالمي للضغط على أكثر من محور دولي، حتى لا يتحوّل إلى قطب جديد يوازن القوة الأمريكية اقتصادياً وسياسياً وأمنياً..

رفض للهيمنة الأمريكية

إننا نتصوّر أن هذه الحملة العالمية ضد السياسة الأمريكية العدوانية على المنطقة، لا بد أن تتطوّر، ولا سيما لدى شعوب العالم العربي والإسلامي، التي لا بد من أن تتمرّد على الأجهزة التي تمنعها من التعبير الحرّ عن رفضها للهيمنة الأمريكية التي تحتقر الشعوب، ولا تحترم مواقفها الرافضة للحرب التي تتحرك على أساس الإعلام الكاذب الذي لا يقنع أحداً..

إنّ العالم يتساءل: لماذا لم تعلن أمريكا الحرب على أسلحة الدمار الشامل التي تملكها إسرائيل من خلال المساعدات الأمريكية، للقضاء على حركة الشعب الفلسطيني في عملية تقرير المصير؟

المؤمن لا يلدغ مرتين

ونقول لإخواننا في المعارضة العراقية: لقد جاء في الحديث المأثور: "المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين"، فلماذا نضع أصابعنا في الجحر الذي لُدغنا منه أكثر من مرة؟ وما هي الضمانات التي حصلتم عليها من المسؤول الأمريكي المشرف على مؤتمركم، وهو صنيعة اللوبي الصهيوني؟ وما هي الخطة العملانية لإيجاد حكومة شعبية عراقية أمام التصريحات الأمريكية عن حكومة عسكرية أمريكية؟ وهل لديكم تفويض شعبي من جميع العراقيين للتعاون مع الأمريكيين؟؟ إنها علامات استفهام نطرحها بمحبة، لا لمجرد تسجيل النقاط، حتى لا نصطدم بالكارثة في المستقبل القريب.

ونقول للدول العربية التي فشلت في الاتفاق على قاعدة سياسية أمنية لمواجهة الموقف، تحت تأثير الضغط الأمريكي، كما نقول لدول المؤتمر الإسلامي الذي سوف تنعقد قمته على أرض أقوى قاعدة أمريكية في المنطقة: هل تملكون معارضة القرار الأمريكي، أم أن المسألة هي الخروج بكلمات تتطاير في الهواء قبل أن ينفضّ اجتماع هذه القمة وتلك؟

الابتعاد عن العبث السياسي

ونقول للبنان: إن المرحلة المقبلة بحاجة إلى أن تكون لنا دولة تحترم شعبها، وتخطط للمستقبل الذي يهتز فيه الواقع على أكثر من صعيد، وتبتعد عن كل العبث السياسي الذي تتبادل فيه بعض المواقع الرسمية والسياسية الحصص والمصالح، ليهتز البلد عند أيّ خلاف، وليعود إلى توازنه عند المصالحات التي لن تكون حساباتها حسابات القضايا الحيوية للشعب، بل حسابات القضايا الشخصية هنا وهناك.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية