"من عمل بما افترض الله عليه فهو من خير الناس"

"من عمل بما افترض الله عليه فهو من خير الناس"

لأنّ التقويم الإيماني ينطلق من العمل بالفرائض وترك المحرّمات:
"من عمل بما افترض الله عليه فهو من خير الناس"


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين، ومما جاء في خطبته الأولى:

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم}. في الخط الإسلامي الأصيل، يريد الله تعالى للمسلم أن يتحرك في حياته في خطين: خط إيجابي يتمثل بالالتزام بفرائض الله، وخط سلبي يتمثل بالاجتناب عن المحرّمات، فإذا جمع الإنسان لنفسه هذين الخطين فأخضع حياته لهما، كان في موقع رضوان الله وفي دائرة لطفه ورحمته.

الصلاة مدرسة المسلم

ونحن عندما ندرس العبادات التي فرضها الله تعالى على الإنسان من الصلاة والصوم والحج، فإننا نلاحظ أن الله تعالى أراد لهذه العبادات أن تربي الإنسان على الالتزام بفرائض الله وبحدوده، فنحن نقرأ في الصلاة في القرآن الكريم: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر}، فالله جعل الصلاة بكل عناصرها في أجزائها وشروطها، بمثابة المدرسة التي إذا دخلها الإنسان، ووعى كل دروسها وإيحاءاتها، فإنها تجعله إنساناً منضبطاً ملتزماً، لا يقدّم رجلاً ولا يؤخّر أخرى حتى يعلم أن في ذلك لله رضى، فهي تنهاه عن كل تجاوز للحدود، وهو ما يسمى بالفحشاء، وهي تنهاه عن كل منكر، وهو ما حرّمه الله تعالى. وقد ورد في الحديث: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعداً".

وعندما ندرس كل ما فرضه الله في الصلاة، فإننا نجد أنها تربط الإنسان بالله وتربي عظمته في نفسه، فالتكبير يجعل الإنسان يفكر بأن ما عدا الله ـ مهما كان كبيراً ـ فهو صغير أمامه، وعندما يشهد الإنسان لله بالوحدانية، فإنه يسقط في نفسه كل من يعتبرون أنفسهم في مواقع الآلهة، وعندما يقرأ سورة الحمد، فإنها تمنحه المنهج الذي يتحسس فيه بأن الله هو رب العالمين، وأنه الرحمن الرحيم، وأنه وحده المعبود والمستعان والهادي، وهو الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، وهو العظيم والأعلى، فتتربى عظمة الله في نفسه، وعندما يكرر صلاته في يومياته ونوافله، فإنه يزداد إحساساً بحضور الله في نفسه..

الصيام والحج طريقان للتقوى

وهكذا عندما نقرأ في الصوم: {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}، فالله تعالى جعل الصيام وسيلة للتقوى، وذلك عندما تترك طعامك وشرابك وشهواتك امتثالاً لأمر الله من دون أن يراقبك أحد في ذلك، لأنك تشعر برقابة الله عليك، فتؤكد إرادتك في طاعة الله، متقرباً إليه بذلك، وشاعراً بالإحساس برقابته عليك.

وهكذا عندما ندرس مسألة الحج من خلال الحديث الذي يقول: "لا يعبأ الله بمن أمّ هذا البيت ـ ويشير إلى الكعبة ـ إذا لم يكن فيه خصال ثلاث: ورع يحجزه عن معاصي الله، وحلم يرد به جهل الجاهل، وخلق يداري به الناس". وبذلك لا تكون العبادة مجرد حركة في السطح من مشاعر الإنسان، بل هي حركة في العمق، تنفذ إلى عقله فتضيء فيه الحق، وتنفذ إلى قلبه فتخزن فيه المحبة، وتنفذ إلى حياته فتحرك فيها التقوى كلها.

ولذلك، فلا بدّ للإنسان من أن يكون الإنسان الملتزم الذي يعيش حياته في كل أموره، في إحساسه بنفسه في فرديته، وإحساسه في مسؤوليته في عائلته ومجتمعه وأمته، ليقف عند حدود الله تعالى في كل أموره، فلا يستغرق في نفسه، بل يستغرق في مسؤوليته، ليتذكر دائماً أنه سوف يقدم على الله، وسوف يقف أمامه، وسوف يحاسبه الله على ذلك كله {يوم لا ينفع مال ولا بنون* إلا من أتى الله بقلب سليم}.

خير الناس عند الله

ونحن نقرأ في أحاديث الرسول (ص) والأئمة من أهل البيت (ع) أحاديث تحدّثنا عن قيمة أداء الفرائض واجتناب المعاصى، ففي الحديث عن علي بن الحسين(ع) قال: "من عمل بما افترض الله عليه فهو من خيرِ الناس"، هل تريدون أن أدلّكم على خير الناس؟ هو الإنسان الذي يؤدي ما افترض الله عليه في ما يريد الله أن يفعله أو يتركه، فإذا أدى فرائض الله عليه في الالتزام بالواجبات والترك للمحرّمات فيكون من خير الناس. وعن أبي عبد الله الصادق (ع) قال في قول الله عزّ وجل: {اصبروا وصابروا ورابطوا}: "اصبروا على الفرائض"، ومن الفرائض الجهاد ومواجهة التحديات التي تواجه الإنسان في مواقع الصراع.

وعن الإمام الصادق (ع) قال: "قال رسول الله (ص): اعمل بفرائض الله تكن أتقى الناس"، فالتقوى هي أن تؤدي لله فرائضه في ما افترضه عليك من الواجبات والمحرّمات، فإذا التزمت بهذه الفرائض، وأخضعت حياتك الفردية والاجتماعية في كل شؤونها لما ألزمك الله به، من فعل ما أمرك به وترك ما نهاك عنه، فإنك تكون في القمة من التقوى، لأن التقوى ليست إلا أن تراقب الله في كل شؤون حياتك. وعنه (ع): "في الحديث القدسي قال الله تعالى: ما تحبب إليّ عبدي بأحبّ مما افترضت عليه"، يعني إن هذا هو القمة في الحصول على محبة الله بالإتيان بما يحبه الله من ذلك كله.

الورع عن محارم الله

أما في مجال اجتناب المحارم، قال الإمام الصادق (ع) في قول الله عزّ وجلّ: {ولمن خاف مقام ربه جنتان}، قال: "من علم أن الله يراه ويسمع ما يقوله ويفعله من خير أو شر ـ بحيث يتحسس عندما يتكلم أو يقوم بأي عمل حضور الله في حياته ـ فيحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال، فذلك الذي خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى". وفي الحديث عن الإمام الباقر (ع): "كل عين باكية يوم القيامة غير ثلاث: عين سهرت في سبيل الله ـ في مواقع الجهاد، سواء كان جهاداً عسكرياً أو جهاداً في ساحة الصراع في جوانب أخرى ـ وعين فاضت من خشية الله ـ بكت وفاضت دموعها خوفاً من الله ـ وعين غُضّت عن محارم الله"، فلم تنظر إلى ما حرّم الله عليها. وعن الإمام الصادق (ع) قال: "فيما ناجى الله عزّ وجلّ به موسى (ع): يا موسى، ما تقرّب إليّ المتقرّبون بمثل الورع عن محارمي، فإني أبيحهم جنات عدن لا أشرك معهم أحدا"، وهذه هي قمة العمل الذي يحقق للإنسان السعادة في الآخرة من خلال دخوله الجنة وحصوله على رضوان الله. وعنه (ع): "من أشدّ ما فرض الله على خلقه ذكر الله كثيراً، ولا أعني "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" وإن كان منه، ولكن ذكر الله عندما أحلّ وحرّم، فإن كان طاعة عمل بها، وإن كان معصية تركها"، أن تذكر الله فيدفعك ذكرك لله إلى الإتيان بطاعته وترك معصيته.

وعن سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن قول الله عزّ وجلّ: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً}، من هم هؤلاء؟ قال (ع): "أما والله إن كانت أعمالهم أشدّ بياضاً من القباطي ـ ثياب بيضاء رقيقة كان يصنعها أقباط مصر ـ ولكن كانوا إذا عرض لهم الحرام لم يدعوه"، هو يصلي، ولكن إذا جاءه عرض حرام أو كلمة حرام أو موقف حرام فإنه يقبل عليه، فهؤلاء الذين لا يمنعون أنفسهم عن الحرام عندما يعرض لهم فإن أعمالهم تذهب هباءً منثوراً. وعن الإمام الصادق (ع): "قال رسول الله (ص): من ترك معصية لله ـ إما بفعل طاعته أو بترك ما نهى عنه ـ مخافة الله تبارك وتعالى أرضاه الله يوم القيامة".

الدنيا لا تغني عن الآخرة

إن الدنيا لا تغني عن الآخرة، وإن شهواتنا ولذاتنا سوف تتبخر في لحظتها، وسوف تتحوّل إلى تراب عندما يتحوّل الجسد إلى تراب، لذلك عندما يدعونا الشيطان إلى أن نترك صلاتنا وصومنا وحجنا وما فرضه الله علينا في أموالنا وأزواجنا وأوضاعنا، فعلينا أن نقول له ما علّم الله رسوله أن يقوله، وما قيمتنا أمام رسول الله (ص): {قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم}، وقد يكون شيطانك من الإنس، من أهلك وأصدقائك وأقربائك، ممّن يمنعون الإنسان عن طاعة الله ويرغّبونه في معصيته، قل لكل هؤلاء: من تكونون إذا وقفت بين يدي الله، هل تنصرونني من دون الله إذا أراد أن يعاقبني؟؟ تذكّر نفسك عندما تدخل قبرك وتقف في حشرك، "أنظر مرة عن يميني وأخرى عن شمالي، إذ الخلائق في شأن غير شأني، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه"، تذكّر ذلك اليوم الذي ينطلق فيه النداء: {وقفوهم إنهم مسؤولون}، لأن "اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل".

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله في كل ما يواجهكم في حياتكم من مسؤوليات تتصل بالجانب الفردي في ما تتصرفون به في حياتكم الخاصة، أو في الجانب العائلي في ما تتحملونه من مسؤوليات عائلية، وفي الجانب الاجتماعي في ما تواجهونه من قضايا المجتمع، وفي الجانب السياسي عندما تقفون ضد الاستكبار في كل أوضاعه وأشكاله، وعندما تنفتحون على مواقع الحق والخير والعدل، وهكذا في كل المجالات الاقتصادية والأمنية، لأنكم "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، فالله تعالى لا يريد للإنسان أن يكون حيادياً بين الحق والباطل، وبين الخير والشر.

ونحن كمسلمين نواجه كل قضايا العالم الإسلامي التي أراد الله أن نهتم بها، وجعل رسوله (ص) إسلام المسلم مرتبطاً باهتمامه بأمور المسلمين، فكان قوله (ص): "من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم"، ولذلك لا بد لنا أن نستعرض في لقائنا هذا ما يتعرض له المسلمون في العالم، الذين يواجهون التحديات التي تنطلق لتواجه أمنهم واقتصادهم وسياستهم، لا سيما في ما يتصل بموضوع القضية الفلسطينية التي هي أم القضايا، فماذا هناك؟

التأييد العالمي للوحشية الصهيونية

لا يزال الاحتلال الصهيوني للضفة الغربية يتحرك في عملية حصار وتدمير واعتقال واغتيال للمدن والقرى الفلسطينية، في عقاب جماعي للمدنيين من النساء والأطفال والشيوخ بطريقة وحشية.. في ظل تأييد واسع من الإدارة الأمريكية، ونفاق دوليّ قد تتحدث بعض مواقعه عن المطالبة بالانسحاب من دون أن تقدّم أيّ جهد في هذا المجال، وصمت عربي على مستوى الدول التي تتحرك في لعبة سياسية قد تكون أقرب إلى تنفيذ المخططات الأمريكية منها إلى حماية الشعب الفلسطيني..

أما الشعوب العربية والإسلامية، فإنها انسحبت من الشارع الاحتجاجي، تماماً كما لو كانت قد قامت بواجبها في مظاهراتها السابقة، في الوقت الذي لا تزال فيه إسرائيل تتابع الإجهاز على الشعب الفلسطيني بكل أسلحتها الأمريكية المتقدّمة، كما لا تزال أمريكا تعمل للضغط عليه بأكثر من وسيلة، مستخدمة اللجنة الرباعية الدولية وبعض الدول العربية لاستكمال خطتها التدميرية للانتفاضة، وذلك لتحقيق الأهداف الإسرائيلية الشارونية لإعلان الانتصار على الانتفاضة بإيقافها نهائياً..

إن أمريكا التي تتباكى على المدنيين الصهاينة الذين سقطوا في العمليات الاستشهادية، تعطي الفرصة السياسية والأمنية لإسرائيل لممارسة حريتها في الإجهاز على المدنيين الفلسطينيين تحت عنوان "الدفاع عن النفس"، تأكيداً للدور البشع للإدارة الأمريكية في قتل الحرية للإنسان الفلسطيني..

الاستمرار في الصمود البطولي

إن فلسطين تواجه ضغوطاً أمريكية وأوروبية وروسية وعربية، بالإضافة إلى الأمم المتحدة، وعلى الشعب الفلسطيني الاستمرار في صموده البطولي، لأن المطلوب ـ دولياً ـ هو أن يسقط هذا الشعب تحت تأثير الشروط الاستسلامية، من دون أيّ وضوح للرؤية في جديّة الوعود الدولية ـ ولا سيما الأمريكية ـ التي قد تحتاج إلى آلاف الجولات من المفاوضات، لأنها تنطلق في متاهات العناوين السياسية في مناخ ضبابي لا يعرف أحد ماذا وراءه.. إن صمودكم ـ أيها الفلسطينيون ـ يُحرج الجميع، أما تقديم التنازلات باسم الإصلاح، وتنفيذ الشروط الأمريكية والإسرائيلية، فإنه يؤكد الهزيمة.

إدانة المجازر الجزائرية

وفي جانب آخر، ننتقل إلى الجزائر، هذا البلد الذي قدّم مليون شهيد في حرب التحرير، ثم خضع للّعبة الدولية التي أربكت مسيرته الإصلاحية على الصعيد السياسي والأمني والاقتصادي، فهناك حرب غير معقولة حصدت حتى الآن أكثر من مائة ألف قتيل، وقد حمّل الإعلام الإسلاميين مسؤولية القيام بهذه المجازر البشرية التي سقط فيها الأطفال والنساء والشيوخ الذين لا حول لهم ولا قوة، ولا علاقة لهم بكل حركة الصراع الداخلي والخارجي.. ولا تزال الدوّامة الوحشية تحصد الكثير من الناس..

إننا في الوقت الذي نؤكد فيه مسؤولية بعض الأجهزة الأمنية والعسكرية وبعض السياسات الخارجية الدولية لارتباطها بمواقع السلطة المسيطرة على البلد هناك، ما جعل هذه الجهات تستخدم بعض المغرر بهم من السذّج والبسطاء الذين تعطيهم صفة إسلامية ليقوموا بهذه المجازر، فإننا نؤكد أن الإسلام يرفض ويشجب ويدين كل هذه المجازر الوحشية، وإن الذين يقومون بها لا علاقة لهم بالإسلام من قريب أو بعيد، لأن مثل هذه الأعمال لا يقبلها عقل ولا شرع ولا دين.. وعلى الإسلاميين الحركيين في العالم أن يرفعوا الصوت عالياً لإدانة كل هذه الأعمال، وفضح كل الخلفيات الكامنة وراءها.

مشاكل تنتظر الحل

وتبقى المشاكل الطائفية في الهند بين المسلمين والهندوس، التي تحصد الكثير من فقراء المسلمين وتحرق بيوتهم وتهجّرهم من بلادهم.. إننا نطالب الحكومة الهندية بالتدخّل الفاعل لمنع هذه الحرب المتحركة ضد المسلمين، كدولة تحترم نفسها ومواطنيها وتحفظ أمنهم بكل مسؤولية.

وليس بعيداً عن ذلك، يتعرّض المواطنون في كشمير لحملة قاسية ضد المطالبة بحرية تقرير المصير، في ظل صمت دولي رهيب تقوده أمريكا التي تتهم المطالبين بالاستقلال بالإرهاب، على الرغم من قرارات الأمم المتحدة التي منحتهم حق تقرير المصير قبل أكثر من خمسين سنة..

كما أن الاهتزاز الأمني في أفغانستان لا يزال يحصد الكثير من الأبرياء، ويمنع هذا البلد المسلم المنكوب من الاستقرار، بفعل اللعبة الدولية المتعددة الجنسيات التي تقودها أمريكا باسم مكافحة ما تسميه الإرهاب، من أجل السيطرة على مقدّرات هذا البلد كجزء من خطتها في السيطرة على المنطقة كلها.

الاستعداد لتحديات المرحلة

وبالعودة إلى المنطقة، نلتقي بالتهديدات الإسرائيلية لسوريا ولبنان ولأكثر من بلد عربي وإسلامي، ولا سيما إيران، من قِبَل رئيس الأركان الجديد للجيش الصهيوني الذي دعا جيشه للاستعداد للحرب الواسعة، ما يفرض على القائمين على شؤون المنطقة الاستعداد لذلك، لأن المرحلة المقبلة مليئة بالتحديات، ومحكومة بالكثير من المتغيّرات السياسية والأمنية، ولا سيما من خلال التخطيط الأمريكي ضد العراق الذي يتحرك في أكثر من لعبة سياسية على الصعيد الداخلي والخارجي.

دعوة إلى الوفاق

أما في لبنان، فإننا نأمل أن يتحوّل الوفاق السياسي الفوقي إلى برنامج عمل من أجل التخطيط لحل المشكلة الاقتصادية، أو التخفيف من تأثيراتها السلبية على المواطنين، ولمواجهة القضايا العالقة في البلد على الصعيد السياسي، في عناوين الوفاق الذي يبتعد فيه الجميع عن الذهنية الطائفية الضيّقة، لينفتحوا على ذهنية الإنسان المواطن الباحث عن أرض حرّة، وقرار حرّ، ومستقبل يضمن الحرية والأمن والرخاء للجيل الطالع الذي لا يزال يعيش الحيرة والقلق والاهتزاز، بحثاً عمّا يبقي جذوره في أعماق هذه الأرض..

أيها اللبنانيون: إن أبناءكم أمانة الله في أعناقكم، فلا تدخلوهم في المتاهات التي قد تقودهم إلى الضياع.

لأنّ التقويم الإيماني ينطلق من العمل بالفرائض وترك المحرّمات:
"من عمل بما افترض الله عليه فهو من خير الناس"


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين، ومما جاء في خطبته الأولى:

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم}. في الخط الإسلامي الأصيل، يريد الله تعالى للمسلم أن يتحرك في حياته في خطين: خط إيجابي يتمثل بالالتزام بفرائض الله، وخط سلبي يتمثل بالاجتناب عن المحرّمات، فإذا جمع الإنسان لنفسه هذين الخطين فأخضع حياته لهما، كان في موقع رضوان الله وفي دائرة لطفه ورحمته.

الصلاة مدرسة المسلم

ونحن عندما ندرس العبادات التي فرضها الله تعالى على الإنسان من الصلاة والصوم والحج، فإننا نلاحظ أن الله تعالى أراد لهذه العبادات أن تربي الإنسان على الالتزام بفرائض الله وبحدوده، فنحن نقرأ في الصلاة في القرآن الكريم: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر}، فالله جعل الصلاة بكل عناصرها في أجزائها وشروطها، بمثابة المدرسة التي إذا دخلها الإنسان، ووعى كل دروسها وإيحاءاتها، فإنها تجعله إنساناً منضبطاً ملتزماً، لا يقدّم رجلاً ولا يؤخّر أخرى حتى يعلم أن في ذلك لله رضى، فهي تنهاه عن كل تجاوز للحدود، وهو ما يسمى بالفحشاء، وهي تنهاه عن كل منكر، وهو ما حرّمه الله تعالى. وقد ورد في الحديث: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعداً".

وعندما ندرس كل ما فرضه الله في الصلاة، فإننا نجد أنها تربط الإنسان بالله وتربي عظمته في نفسه، فالتكبير يجعل الإنسان يفكر بأن ما عدا الله ـ مهما كان كبيراً ـ فهو صغير أمامه، وعندما يشهد الإنسان لله بالوحدانية، فإنه يسقط في نفسه كل من يعتبرون أنفسهم في مواقع الآلهة، وعندما يقرأ سورة الحمد، فإنها تمنحه المنهج الذي يتحسس فيه بأن الله هو رب العالمين، وأنه الرحمن الرحيم، وأنه وحده المعبود والمستعان والهادي، وهو الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، وهو العظيم والأعلى، فتتربى عظمة الله في نفسه، وعندما يكرر صلاته في يومياته ونوافله، فإنه يزداد إحساساً بحضور الله في نفسه..

الصيام والحج طريقان للتقوى

وهكذا عندما نقرأ في الصوم: {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}، فالله تعالى جعل الصيام وسيلة للتقوى، وذلك عندما تترك طعامك وشرابك وشهواتك امتثالاً لأمر الله من دون أن يراقبك أحد في ذلك، لأنك تشعر برقابة الله عليك، فتؤكد إرادتك في طاعة الله، متقرباً إليه بذلك، وشاعراً بالإحساس برقابته عليك.

وهكذا عندما ندرس مسألة الحج من خلال الحديث الذي يقول: "لا يعبأ الله بمن أمّ هذا البيت ـ ويشير إلى الكعبة ـ إذا لم يكن فيه خصال ثلاث: ورع يحجزه عن معاصي الله، وحلم يرد به جهل الجاهل، وخلق يداري به الناس". وبذلك لا تكون العبادة مجرد حركة في السطح من مشاعر الإنسان، بل هي حركة في العمق، تنفذ إلى عقله فتضيء فيه الحق، وتنفذ إلى قلبه فتخزن فيه المحبة، وتنفذ إلى حياته فتحرك فيها التقوى كلها.

ولذلك، فلا بدّ للإنسان من أن يكون الإنسان الملتزم الذي يعيش حياته في كل أموره، في إحساسه بنفسه في فرديته، وإحساسه في مسؤوليته في عائلته ومجتمعه وأمته، ليقف عند حدود الله تعالى في كل أموره، فلا يستغرق في نفسه، بل يستغرق في مسؤوليته، ليتذكر دائماً أنه سوف يقدم على الله، وسوف يقف أمامه، وسوف يحاسبه الله على ذلك كله {يوم لا ينفع مال ولا بنون* إلا من أتى الله بقلب سليم}.

خير الناس عند الله

ونحن نقرأ في أحاديث الرسول (ص) والأئمة من أهل البيت (ع) أحاديث تحدّثنا عن قيمة أداء الفرائض واجتناب المعاصى، ففي الحديث عن علي بن الحسين(ع) قال: "من عمل بما افترض الله عليه فهو من خيرِ الناس"، هل تريدون أن أدلّكم على خير الناس؟ هو الإنسان الذي يؤدي ما افترض الله عليه في ما يريد الله أن يفعله أو يتركه، فإذا أدى فرائض الله عليه في الالتزام بالواجبات والترك للمحرّمات فيكون من خير الناس. وعن أبي عبد الله الصادق (ع) قال في قول الله عزّ وجل: {اصبروا وصابروا ورابطوا}: "اصبروا على الفرائض"، ومن الفرائض الجهاد ومواجهة التحديات التي تواجه الإنسان في مواقع الصراع.

وعن الإمام الصادق (ع) قال: "قال رسول الله (ص): اعمل بفرائض الله تكن أتقى الناس"، فالتقوى هي أن تؤدي لله فرائضه في ما افترضه عليك من الواجبات والمحرّمات، فإذا التزمت بهذه الفرائض، وأخضعت حياتك الفردية والاجتماعية في كل شؤونها لما ألزمك الله به، من فعل ما أمرك به وترك ما نهاك عنه، فإنك تكون في القمة من التقوى، لأن التقوى ليست إلا أن تراقب الله في كل شؤون حياتك. وعنه (ع): "في الحديث القدسي قال الله تعالى: ما تحبب إليّ عبدي بأحبّ مما افترضت عليه"، يعني إن هذا هو القمة في الحصول على محبة الله بالإتيان بما يحبه الله من ذلك كله.

الورع عن محارم الله

أما في مجال اجتناب المحارم، قال الإمام الصادق (ع) في قول الله عزّ وجلّ: {ولمن خاف مقام ربه جنتان}، قال: "من علم أن الله يراه ويسمع ما يقوله ويفعله من خير أو شر ـ بحيث يتحسس عندما يتكلم أو يقوم بأي عمل حضور الله في حياته ـ فيحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال، فذلك الذي خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى". وفي الحديث عن الإمام الباقر (ع): "كل عين باكية يوم القيامة غير ثلاث: عين سهرت في سبيل الله ـ في مواقع الجهاد، سواء كان جهاداً عسكرياً أو جهاداً في ساحة الصراع في جوانب أخرى ـ وعين فاضت من خشية الله ـ بكت وفاضت دموعها خوفاً من الله ـ وعين غُضّت عن محارم الله"، فلم تنظر إلى ما حرّم الله عليها. وعن الإمام الصادق (ع) قال: "فيما ناجى الله عزّ وجلّ به موسى (ع): يا موسى، ما تقرّب إليّ المتقرّبون بمثل الورع عن محارمي، فإني أبيحهم جنات عدن لا أشرك معهم أحدا"، وهذه هي قمة العمل الذي يحقق للإنسان السعادة في الآخرة من خلال دخوله الجنة وحصوله على رضوان الله. وعنه (ع): "من أشدّ ما فرض الله على خلقه ذكر الله كثيراً، ولا أعني "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" وإن كان منه، ولكن ذكر الله عندما أحلّ وحرّم، فإن كان طاعة عمل بها، وإن كان معصية تركها"، أن تذكر الله فيدفعك ذكرك لله إلى الإتيان بطاعته وترك معصيته.

وعن سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن قول الله عزّ وجلّ: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً}، من هم هؤلاء؟ قال (ع): "أما والله إن كانت أعمالهم أشدّ بياضاً من القباطي ـ ثياب بيضاء رقيقة كان يصنعها أقباط مصر ـ ولكن كانوا إذا عرض لهم الحرام لم يدعوه"، هو يصلي، ولكن إذا جاءه عرض حرام أو كلمة حرام أو موقف حرام فإنه يقبل عليه، فهؤلاء الذين لا يمنعون أنفسهم عن الحرام عندما يعرض لهم فإن أعمالهم تذهب هباءً منثوراً. وعن الإمام الصادق (ع): "قال رسول الله (ص): من ترك معصية لله ـ إما بفعل طاعته أو بترك ما نهى عنه ـ مخافة الله تبارك وتعالى أرضاه الله يوم القيامة".

الدنيا لا تغني عن الآخرة

إن الدنيا لا تغني عن الآخرة، وإن شهواتنا ولذاتنا سوف تتبخر في لحظتها، وسوف تتحوّل إلى تراب عندما يتحوّل الجسد إلى تراب، لذلك عندما يدعونا الشيطان إلى أن نترك صلاتنا وصومنا وحجنا وما فرضه الله علينا في أموالنا وأزواجنا وأوضاعنا، فعلينا أن نقول له ما علّم الله رسوله أن يقوله، وما قيمتنا أمام رسول الله (ص): {قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم}، وقد يكون شيطانك من الإنس، من أهلك وأصدقائك وأقربائك، ممّن يمنعون الإنسان عن طاعة الله ويرغّبونه في معصيته، قل لكل هؤلاء: من تكونون إذا وقفت بين يدي الله، هل تنصرونني من دون الله إذا أراد أن يعاقبني؟؟ تذكّر نفسك عندما تدخل قبرك وتقف في حشرك، "أنظر مرة عن يميني وأخرى عن شمالي، إذ الخلائق في شأن غير شأني، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه"، تذكّر ذلك اليوم الذي ينطلق فيه النداء: {وقفوهم إنهم مسؤولون}، لأن "اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل".

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله في كل ما يواجهكم في حياتكم من مسؤوليات تتصل بالجانب الفردي في ما تتصرفون به في حياتكم الخاصة، أو في الجانب العائلي في ما تتحملونه من مسؤوليات عائلية، وفي الجانب الاجتماعي في ما تواجهونه من قضايا المجتمع، وفي الجانب السياسي عندما تقفون ضد الاستكبار في كل أوضاعه وأشكاله، وعندما تنفتحون على مواقع الحق والخير والعدل، وهكذا في كل المجالات الاقتصادية والأمنية، لأنكم "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، فالله تعالى لا يريد للإنسان أن يكون حيادياً بين الحق والباطل، وبين الخير والشر.

ونحن كمسلمين نواجه كل قضايا العالم الإسلامي التي أراد الله أن نهتم بها، وجعل رسوله (ص) إسلام المسلم مرتبطاً باهتمامه بأمور المسلمين، فكان قوله (ص): "من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم"، ولذلك لا بد لنا أن نستعرض في لقائنا هذا ما يتعرض له المسلمون في العالم، الذين يواجهون التحديات التي تنطلق لتواجه أمنهم واقتصادهم وسياستهم، لا سيما في ما يتصل بموضوع القضية الفلسطينية التي هي أم القضايا، فماذا هناك؟

التأييد العالمي للوحشية الصهيونية

لا يزال الاحتلال الصهيوني للضفة الغربية يتحرك في عملية حصار وتدمير واعتقال واغتيال للمدن والقرى الفلسطينية، في عقاب جماعي للمدنيين من النساء والأطفال والشيوخ بطريقة وحشية.. في ظل تأييد واسع من الإدارة الأمريكية، ونفاق دوليّ قد تتحدث بعض مواقعه عن المطالبة بالانسحاب من دون أن تقدّم أيّ جهد في هذا المجال، وصمت عربي على مستوى الدول التي تتحرك في لعبة سياسية قد تكون أقرب إلى تنفيذ المخططات الأمريكية منها إلى حماية الشعب الفلسطيني..

أما الشعوب العربية والإسلامية، فإنها انسحبت من الشارع الاحتجاجي، تماماً كما لو كانت قد قامت بواجبها في مظاهراتها السابقة، في الوقت الذي لا تزال فيه إسرائيل تتابع الإجهاز على الشعب الفلسطيني بكل أسلحتها الأمريكية المتقدّمة، كما لا تزال أمريكا تعمل للضغط عليه بأكثر من وسيلة، مستخدمة اللجنة الرباعية الدولية وبعض الدول العربية لاستكمال خطتها التدميرية للانتفاضة، وذلك لتحقيق الأهداف الإسرائيلية الشارونية لإعلان الانتصار على الانتفاضة بإيقافها نهائياً..

إن أمريكا التي تتباكى على المدنيين الصهاينة الذين سقطوا في العمليات الاستشهادية، تعطي الفرصة السياسية والأمنية لإسرائيل لممارسة حريتها في الإجهاز على المدنيين الفلسطينيين تحت عنوان "الدفاع عن النفس"، تأكيداً للدور البشع للإدارة الأمريكية في قتل الحرية للإنسان الفلسطيني..

الاستمرار في الصمود البطولي

إن فلسطين تواجه ضغوطاً أمريكية وأوروبية وروسية وعربية، بالإضافة إلى الأمم المتحدة، وعلى الشعب الفلسطيني الاستمرار في صموده البطولي، لأن المطلوب ـ دولياً ـ هو أن يسقط هذا الشعب تحت تأثير الشروط الاستسلامية، من دون أيّ وضوح للرؤية في جديّة الوعود الدولية ـ ولا سيما الأمريكية ـ التي قد تحتاج إلى آلاف الجولات من المفاوضات، لأنها تنطلق في متاهات العناوين السياسية في مناخ ضبابي لا يعرف أحد ماذا وراءه.. إن صمودكم ـ أيها الفلسطينيون ـ يُحرج الجميع، أما تقديم التنازلات باسم الإصلاح، وتنفيذ الشروط الأمريكية والإسرائيلية، فإنه يؤكد الهزيمة.

إدانة المجازر الجزائرية

وفي جانب آخر، ننتقل إلى الجزائر، هذا البلد الذي قدّم مليون شهيد في حرب التحرير، ثم خضع للّعبة الدولية التي أربكت مسيرته الإصلاحية على الصعيد السياسي والأمني والاقتصادي، فهناك حرب غير معقولة حصدت حتى الآن أكثر من مائة ألف قتيل، وقد حمّل الإعلام الإسلاميين مسؤولية القيام بهذه المجازر البشرية التي سقط فيها الأطفال والنساء والشيوخ الذين لا حول لهم ولا قوة، ولا علاقة لهم بكل حركة الصراع الداخلي والخارجي.. ولا تزال الدوّامة الوحشية تحصد الكثير من الناس..

إننا في الوقت الذي نؤكد فيه مسؤولية بعض الأجهزة الأمنية والعسكرية وبعض السياسات الخارجية الدولية لارتباطها بمواقع السلطة المسيطرة على البلد هناك، ما جعل هذه الجهات تستخدم بعض المغرر بهم من السذّج والبسطاء الذين تعطيهم صفة إسلامية ليقوموا بهذه المجازر، فإننا نؤكد أن الإسلام يرفض ويشجب ويدين كل هذه المجازر الوحشية، وإن الذين يقومون بها لا علاقة لهم بالإسلام من قريب أو بعيد، لأن مثل هذه الأعمال لا يقبلها عقل ولا شرع ولا دين.. وعلى الإسلاميين الحركيين في العالم أن يرفعوا الصوت عالياً لإدانة كل هذه الأعمال، وفضح كل الخلفيات الكامنة وراءها.

مشاكل تنتظر الحل

وتبقى المشاكل الطائفية في الهند بين المسلمين والهندوس، التي تحصد الكثير من فقراء المسلمين وتحرق بيوتهم وتهجّرهم من بلادهم.. إننا نطالب الحكومة الهندية بالتدخّل الفاعل لمنع هذه الحرب المتحركة ضد المسلمين، كدولة تحترم نفسها ومواطنيها وتحفظ أمنهم بكل مسؤولية.

وليس بعيداً عن ذلك، يتعرّض المواطنون في كشمير لحملة قاسية ضد المطالبة بحرية تقرير المصير، في ظل صمت دولي رهيب تقوده أمريكا التي تتهم المطالبين بالاستقلال بالإرهاب، على الرغم من قرارات الأمم المتحدة التي منحتهم حق تقرير المصير قبل أكثر من خمسين سنة..

كما أن الاهتزاز الأمني في أفغانستان لا يزال يحصد الكثير من الأبرياء، ويمنع هذا البلد المسلم المنكوب من الاستقرار، بفعل اللعبة الدولية المتعددة الجنسيات التي تقودها أمريكا باسم مكافحة ما تسميه الإرهاب، من أجل السيطرة على مقدّرات هذا البلد كجزء من خطتها في السيطرة على المنطقة كلها.

الاستعداد لتحديات المرحلة

وبالعودة إلى المنطقة، نلتقي بالتهديدات الإسرائيلية لسوريا ولبنان ولأكثر من بلد عربي وإسلامي، ولا سيما إيران، من قِبَل رئيس الأركان الجديد للجيش الصهيوني الذي دعا جيشه للاستعداد للحرب الواسعة، ما يفرض على القائمين على شؤون المنطقة الاستعداد لذلك، لأن المرحلة المقبلة مليئة بالتحديات، ومحكومة بالكثير من المتغيّرات السياسية والأمنية، ولا سيما من خلال التخطيط الأمريكي ضد العراق الذي يتحرك في أكثر من لعبة سياسية على الصعيد الداخلي والخارجي.

دعوة إلى الوفاق

أما في لبنان، فإننا نأمل أن يتحوّل الوفاق السياسي الفوقي إلى برنامج عمل من أجل التخطيط لحل المشكلة الاقتصادية، أو التخفيف من تأثيراتها السلبية على المواطنين، ولمواجهة القضايا العالقة في البلد على الصعيد السياسي، في عناوين الوفاق الذي يبتعد فيه الجميع عن الذهنية الطائفية الضيّقة، لينفتحوا على ذهنية الإنسان المواطن الباحث عن أرض حرّة، وقرار حرّ، ومستقبل يضمن الحرية والأمن والرخاء للجيل الطالع الذي لا يزال يعيش الحيرة والقلق والاهتزاز، بحثاً عمّا يبقي جذوره في أعماق هذه الأرض..

أيها اللبنانيون: إن أبناءكم أمانة الله في أعناقكم، فلا تدخلوهم في المتاهات التي قد تقودهم إلى الضياع.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية