تعلمّوا ثقافة المجتمعات.. فلا تكون الثقة إلا بعد المعرفة

تعلمّوا ثقافة المجتمعات.. فلا تكون الثقة إلا بعد المعرفة

من وحي التوجيه السياسي والأمني في القرآن الكريم:
تعلمّوا ثقافة المجتمعات.. فلا تكون الثقة إلا بعد المعرفة


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين، ومما جاء في خطبته الأولى:

من بين العناوين التي أكّد عليها القرآن الكريم في علاقة المسلمين بالكافرين، سواء كانوا في المواقع الثقافية، وهم الذين ينظّرون للكفر ويفلسفونه ويثقّفون الناس به، أو في المواقع السياسية، وهم الذين يعملون على تأكيد سيطرة الكفر على العالم ومنه العالم الإسلامي، أو في المواقع الاقتصادية، وهم الذين يعملون على أن يكون اقتصاد المواقع الكافرة والمستكبرة هو الاقتصاد المسيطر على العالم، ومنه العالم الإسلامي، بحيث يكون اقتصاد المسلمين على هامش اقتصادهم ليفقد بذلك استقلاليته، أو في الجوانب الاجتماعية، وهي حركة الكفر في السيطرة على خطوط المجتمع في أخلاقياته وتقاليده وعاداته..

علاقة التعامل مع الكافرين

كيف تكون علاقة المؤمنين بالكافرين؟ هناك نوعان من العلاقة؛ فهناك علاقة التعامل وعلاقة الموالاة، أما علاقة التعامل، سواء كان اقتصادياً أو سياسياً أو أمنياً، في غير ما يضرّ الإسلام والمسلمين، باعتبار أن هناك مصالح متبادلة، فالإسلام لا يمنع أن يكون المسلم شريكاً للكافر، بحيث يبيعهم ويشتري منهم عندما يكون الكافرون مسالمين وليسوا محاربين، وهذا قول الله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم ـ والبرّ هو عمل الخير والإحسان، فجارك الكافر وشريكك الكافر ما دام مسالماً فاعمل للخير معه ـ وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين* إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولّوهم}. وعلى هذا الأساس، فإننا نفتي بعدم جواز الاعتداء على مال الكافر المسالم، بحيث نكون أمناء في التعامل معهم على أموالهم وأعراضهم ونفوسهم، فقط المحارب يمكن لك أن تواجهه على أساس علاقات الحرب، ولذلك فإن ما يفعله بعض المسلمين الذين يسافرون إلى بلاد الكفر فيسرقون أموالهم بطريقة وبأخرى، من خلال القوانين الموجودة في تلك البلاد، هو حرام.

أما في الجوانب الأخرى، في السياسة مثلاً، فهناك بعض الناس ينتمون إلى المواقع السياسية الكافرة التي تكيد للإسلام والمسلمين، كالتعامل مع أمريكا وإسرائيل على مستوى الأفراد والأنظمة، حتى أن بعض الناس قد يؤيد ويوالي الكافرين ضد المؤمنين في سبيل الحصول على موقع أو وظيفة، وقد عالج القرآن الكريم هذا الموضوع من عدة جوانب، منها قوله تعالى: {بشّر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً* الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين}، هؤلاء الذين يوالون الكافرين بمعنى الإخلاص لهم وتنفيذ خططهم ضد المسلمين، في سبيل أن يحصلوا على العزة السياسية والاقتصادية والأمنية. ثم ينهى الله تعالى هؤلاء عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين، لأن هذا السلوك لا يرضى الله عنه، ويهدد الله تعالى على هذا الفعل فيقول: {ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء ـ يعني أن الله بريء منه ولا علاقة له به، لا في عطائه ورحمته، وعندما يبرأ الله منا فمن سيخلّصنا يوم القيامة ـ إلا أن تتقوا منهم تقاة ـ إذا كانت هناك ظروف غير عادية فعليهم أن يتعاملوا معهم ـ إذا اضطروا لذلك ـ تعاملاً سطحياً وليس في العمق ـ ويحذّركم الله نفسه وإلى الله المصير}، وهذه الآية موجهة إلى كل الذين يوالون الكافرين في مواجهة المؤمنين، فينفذون خططهم الاقتصادية والسياسية والأمنية ضد سلامة الواقع الإسلامي كله.

امتلاك ثقافة المجتمعات

وفي آيات أخرى، يشرح الله تعالى النتائج السلبية لاتخاذ الكافرين بطانة، وفي هذه الآية توجيه سياسي وأمني، يقول الله تعالى:

{"يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة ـ الحاشية التي تتدخّل في الأمور السرية والخفية ـ من دونكم لا يألونكم خبالاً ـ يخطّطون لإرباك واقعكم ـ ودّوا ما عنتّم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بيّنّا لكم الآيات إن كنتم تعقلون ـ لقد بيّنا لكم الواقع الخفي الذي يكمن في المجتمع الذي يعيش معكم في حرب داخلية في نفوسهم وإن كانوا مسالمين في الظاهر، فالله تعالى يريد لنا أن نملك ثقافة المجتمعات من خلال الطبيعة الخفية التي تحملها ضدنا، بحيث لا نتعامل مع هذه المجتمعات ولا نعطيهم الثقة إلا بعد أن نتبيّن خفاياها وخططها ـ ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله ـ المسلمون يتميّزون عن الأديان الأخرى أنهم يؤمنون بكل ما أنزل الله من كتب، فالإسلام يجمع كل الديانات في داخله ـ وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضّوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إنّ الله عليم بذات الصدور* إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا ـ بحيث لا تستعجلون وتنطلقون بطريقة الانفعال الذي يكشف نقاط ضعفكم، بل تتعاملون مع الأحداث بوعي ـ لا يضرّكم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط}.

عدم موالاة الكافرين

ثم يعالج الله تعالى قضية الاندماج في المجتمع الكافر، وهو محل ابتلائنا في العالم، لا سيما الذين يهاجرون إلى البلاد غير الإسلامية، فالله تعالى يحذّر: {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا ـ في تعليمهم لكم وضغوطهم النفسية عليكم وفي كل أوضاعهم التي يفرضونها على أوضاعكم ـ يردّوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين}.. ويمنعنا الله تعالى من موالاة الكافر حتى لو كان الكافر أباً أو أخاً إذا دخل في الكفر: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ـ لو أن أباك أو أخاك دخل في الكفر فعليك أن لا تواليه لأن وقف موقف العداوة من الله ورسوله، فليكن الله ورسوله أحبّ إليكم من كل هؤلاء ـ ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون}، ويتحدث الله عن هؤلاء المنافقين فيقول: {استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك هم حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون}.

الانفتاح على محبة الله وخط العدل

ويحدّثنا الله تعالى عن المفلحين الرابحين، فيقول تعالى: {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر ـ هذا الخط الفاصل بين الإيمان والكفر ـ يوادّون ـ وهو الإخلاص من عمق النفس والموقف ـ من حادّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك هم حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون}. وعلى ضوء هذا ، فإن كلمة حزب الله لا تعبّر عن وضع مادي تنظيمي معيّن، ولكنها معبّرة عن أن يكون عقلك منفتحاً على الإيمان كله والمؤمنين كلهم، بحيث لا تعادي مؤمناً ولا مؤمنة ولا تضرّ مؤمناً ولا مؤمنة، ولا تعتدي على مؤمن ولا مؤمنة، وان يكون الإيمان في قلبك، بأن تخلص للمؤمنين والمؤمنات، ولا تحمل سوءاً ضدهم حتى لو اختلفوا معك في سياستك، وأن يكون سلوكك في خط الإيمان والعدل، بأن لا تبخس الناس أشياءهم، ولا تظلمهم لعصبية حزبية أو غير حزبية، أولئك هم حزب الله الذين ينفتحون على الله بحيث يحبون الله كما لم يحبوا أحداً، ومحبة الله هي السير على منهاج الله في ما أمر الله به ونهى عنه وما جاء به رسوله، {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}.

إن العالم الآن ينقسم إلى عالم كفر يتحالف مع استكبار، وعالم إسلام وإيمان، وعلينا أن نكون مع المؤمنين ضد الكافرين عندما تكون المعركة معركة موقع الإيمان وموقع الكفر، فعلينا أن نكون مع المؤمنين مهما قدّم لنا الكافرون من إغراءات ومواقع، لأننا سوف نقف بين يدي الله تعالى، فيسألنا عن ذلك كله، هل أننا كنا في خط الله ورسوله أم في خط الشيطان، وعلينا أن نحضر لكل سؤال جواباً، فالدنيا لا تغني عن الآخرة.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله وكونوا في موقع الإسلام ضد الكفر والاستكبار، عندما تكون هناك معركة في أيّ موقع في العالم ضد الإسلام وأهله، وها نحن نواجه في هذه المرحلة من تاريخنا الحملة الاستكبارية الكافرة ضد الإسلام في عقيدته وشريعته ومنهاجه أخلاقياته، كما نواجه الحملة العدوانية ضد المسلمين في اقتصادهم وسياستهم وأمنهم، لا سيما عندما توجه التهمة بالإرهاب ضد المسلمين الذين يطالبون بالحرية والاستقلال والعزة والكرامة، من المستكبرين الذين يريدون إسقاط الواقع الإسلامي تحت تأثير سلطانهم وقوتهم، تحت عناوين ليس لها أي واقع، فتعالوا لنرى ماذا هناك ولنحدد الموقف:

أمريكا تريد سلطة عملاء

احتفلت أمريكا بالأمس بذكرى استقلالها، تحت عنوان تأكيد حرية الشعوب في تقرير مصيرها، ولكنها تمنع الشعب الفلسطيني من ذلك، لتضع الحواجز أمامه، ولتعطي الاحتلال عنوان الدفاع عن النفس في عملية القتل اليومي، والاعتقال العشوائي، والاجتياح الوحشي، ولتقرر الامتناع عن الحوار مع الفلسطينيين إذا لم يذعنوا لشروط رئيسها في اختيار قيادة بديلة ملائمة للمصالح الإسرائيلية، وذلك بأن لا تتعاطف مع ما يسمونه الإرهاب..

وإذا أردنا أن نحوّل المطلب الأمريكي إلى الواقع الميداني، فإن معنى ذلك هو أن يكون القادة الذين يمثلون السلطة الجديدة من العملاء الذين وظّفتهم إسرائيل ليكونوا في أجهزة الموساد عيوناً على المجاهدين، أو ليسقطوا تحت تأثير الضغوط النفسية والأمنية للعدو، لأن مسيرة الانتفاضة قدّمت الدليل على أن أكثرية الشعب الفلسطيني هي مع أبطال الانتفاضة المجاهدين ممن قاموا بمواجهة العدو بالعمليات الاستشهادية وغيرها..

ثم، إن الإدارة الأمريكية تطوف العالم لتلتقي باللجنة الرباعية، المؤلفة من الاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة ـ بقيادة أمريكا ـ لتبحث معها تأكيد مفردات خطاب الرئيس الأمريكي، ولتجتمع بالمسؤولين العرب الذين يتعاطفون معها في مقترحاتها الإصلاحية للسلطة الفلسطينية، في عملية ضغط سياسي متحرّك في أكثر من جهة.. ولكن أمريكا ليست مستعدة للقاء بالقيادة الشعبية والرسمية الفلسطينية، لتدخل معها في حوار حول مقترحاتها، في الوقت الذي لم تحرّك فيه ساكناً في أيّ شأن من شؤون الكيان الصهيوني في عملياته الإرهابية السابقة واللاحقة، لأنها فقدت استقلالية قرارها السياسي في سياستها الخارجية في الشرق الأوسط، تحت ضغط إسرائيل بفعل الفئات اليهودية والأصولية المسيحية في أمريكا، التي تعمل لمصلحة إسرائيل أكثر مما تعمل لمصلحة أمريكا، وهذا ما عبّر عنه المسؤولون الصهاينة من أن الرئيس الأمريكي كان خاضعاً ـ مع إدارته ـ للضغط "الشاروني"، عندما تحدّث في خطابه بمقترحات "شارون" التي تحدّى بها العالم كله، بما في ذلك أوروبا وروسيا والأمم المتحدة والعالمين العربي والإسلامي..

ظاهرة الإرهاب إنتاج أمريكي

لقد عاشت أمريكا في ذكرى استقلالها فيما يشبه حالة طوارئ أمنية لأول مرة في تاريخها، ولم تسأل هذه الإدارة نفسها: لماذا ذلك؟ هل القضية قضية إرهاب يهبط من الفضاء، أم أن طريقة إدارة السياسة الخارجية الخاضعة لإسرائيل وللشركات الاحتكارية هي التي أنتجت ما يسمّى ظاهرة الإرهاب في العالم، عندما شعر هؤلاء الناس بأن أمريكا تحبسهم في زنزانة مصالحها واستراتيجيتها الاستكبارية ضد مصالح الشعوب؟؟

لقد وقفت أمريكا ـ ومعها إسرائيل ـ ضد الأمم المتحدة في قرارها بتشكيل المحكمة الدولية ضد جرائم الحرب، لأنها تخاف من محاكمة جنودها ومسؤوليها، والجنود الصهاينة ومسؤوليهم، بتهمة القيام بجرائم حرب، لأنها تريد لهم أن يأخذوا حريتهم في الإرهاب والتدمير والوحشية ضد الشعوب التي يعملون في مواقعها.. ولا تزال أمريكا تضغط لإيجاد مخرج لها من هذا القرار الذي صوّتت عليه الأمم المتحدة في مجلس الأمن، ما جعل أمريكا وإسرائيل معزولتين عن العالم كله.. إن أمريكا تريد أن تحاكم كل المعارضين لسياستها في العالم، ولكنها لا تسمح للعالم أن يحاكمها وحليفتها إسرائيل على جرائمهما ضد البشرية.

التعامل المزدوج

ثم إن أمريكا تهدد العراق وإيران بأنهما تعملان لصنع أسلحة الدمار الشامل التي تهدد السلام في العالم، ولكنها لا تتحدث أبداً عمّا أعلنه الإعلام الأمريكي مؤخراً من امتلاك إسرائيل لأكثر من أربعمائة قنبلة نووية وجرثومية وهيدروجينية، ما يهدد المنطقة كلها، وقد أعلنت إسرائيل أنها سوف تخطط للهجوم على إيران خوفاً من الصواريخ التي نجحت في إنتاجها، ومن احتمال امتلاكها للسلاح النووي، باعتبار أنه يشكّل خطراً عليها، من دون أن تسمح بالحديث عن الخطر الذي تمثّله ضد إيران والمنطقة كلها.. إن أمريكا لا تسمح للعالم العربي والإسلامي أن يمتلك القوة حتى لو كانت دفاعية، بل تريده خالياً من كل سلاح فاعل، حتى يسقط تحت ضغط القوة الاستكبارية من دون أية قدرة حاسمة، وهذا ما يجب على شعوبنا أن تحسب حسابه وتخطط لمواجهته.

الوفاء للمسيرة ولدماء الشهداء

إن أمريكا ـ ومعها إسرائيل ـ تعملان على اللعب بالمصير الفلسطيني، لإيجاد وضع دولي وعربي ضاغط على الشعب الفلسطيني لإيقاف الانتفاضة، من دون أن يحصل هذا الشعب على أيّ مكسب سياسي في مستوى طموحاته التحريرية في مستقبله الكبير، لأن المطلوب منه ـ أمريكياً وإسرائيلياً ـ إيجاد نظام خاضع للسياسة الأمريكية التي تعمل من أجل أن يكون على هامش الخطة الإسرائيلية، ليسقط تحت تأثير العجز والفشل والضعف الذي تعاني منه الأنظمة العربية التي لم تنتجها شعوبها، بل كانت تابعة لأجهزة المخابرات المركزية الأمريكية..

إننا ـ أمام هذا الواقع ـ ندعو الشعب الفلسطيني أن ينطلق ليكون واعياً للعبة الجديدة القديمة، وليحافظ على دماء عشرات الآلاف من الشهداء في كل تاريخ القضية الفلسطينية، وليواجه كل الطامعين في وظائف الصهاينة باسم القيادة الجديدة التي سوف تغرق في وحول الخيانة والعمالة.. حافظوا على المجاهدين الذين أعطوا فلسطين كل حياتهم، ووقفوا أمام الصهيونية بكل قوة وثبات وإقدام وعنفوان.. إنهم القيادة الشعبية الحقيقية التي يمكن أن تحقق لفلسطين مستقبلها الحر القوي الذي يجعلها دولة الحرية، بدلاً مما تخطط له أمريكا وعملاؤها لتكون دولة العبودية..

وإننا ـ في الوقت نفسه ـ نحذّر المسؤولين العرب الخاضعين للسياسة الأمريكية، من الدخول في المؤامرة على فلسطين، ليعطوا الجريمة الأمريكية غطاءً عربياً، فإذا كانوا لا يملكون القوة على تأييد القضية الفلسطينية استجابة لشعوبهم المطالِبة بالوقوف مع حرية فلسطين، فلينسحبوا من الدخول في المؤامرة الخيانية، وإلا كانت لعنة التاريخ والشعوب لهم بالمرصاد.

قوة لبنان في وحدته الوطنية

وفي نهاية المطاف، نصل إلى لبنان، لنؤكد ضرورة مواجهة الاتهامات الأمريكية والإسرائيلية للمقاومة، والتي أُريد لها أن تثير بعض الإرباك في الواقع اللبناني الداخلي، لأن هذه الاتهامات تدخل في الحرب النفسية التي لن يسقط المجاهدون ـ والشعب اللبناني معهم ـ تحت تأثيرها.. كما أن التهديدات الإسرائيلية لا واقعية لها إلا على سبيل التهويل الإعلامي ـ السياسي، فحذارِ من استغلالها من قِبَل بعض الناس لإسقاط الوحدة الوطنية التي هي القوة التي تحفظ للبلد عنفوانه واستقراره ومستقبله.. إن على الجميع أن يرتفعوا إلى مستوى السياسة الرسالة، ولا ينحدروا إلى مستوى السياسة اللعبة، لأن اللعب بمصير البلد سوف يُسقط الهيكل على رؤوس اللاعبين..

أيها الناس، إن المرحلة مقبلة على أكثر من زلزال دولي بفعل الهجمة الأمريكية التي تضع الحرب على الإرهاب عنواناً لها، ولكنها تخطط في العمق من أجل استكمال سيطرة أمريكا على العالم كله، سياسة واقتصاداً وأمناً، لتصنع أكثر من حرب في أكثر من قارة، لتسقط ثروات المستضعفين في مشاريع شركاتها الاحتكارية، ولتحاصر الدول الأخرى ـ حتى الكبرى ـ في نفوذها الواسع الذي يضغط على مصادر الطاقة في العالم.. وعلى شعوب العالم الثالث أن تخطط وتعمل على صنع القوة في مواقع المواجهة.

من وحي التوجيه السياسي والأمني في القرآن الكريم:
تعلمّوا ثقافة المجتمعات.. فلا تكون الثقة إلا بعد المعرفة


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين، ومما جاء في خطبته الأولى:

من بين العناوين التي أكّد عليها القرآن الكريم في علاقة المسلمين بالكافرين، سواء كانوا في المواقع الثقافية، وهم الذين ينظّرون للكفر ويفلسفونه ويثقّفون الناس به، أو في المواقع السياسية، وهم الذين يعملون على تأكيد سيطرة الكفر على العالم ومنه العالم الإسلامي، أو في المواقع الاقتصادية، وهم الذين يعملون على أن يكون اقتصاد المواقع الكافرة والمستكبرة هو الاقتصاد المسيطر على العالم، ومنه العالم الإسلامي، بحيث يكون اقتصاد المسلمين على هامش اقتصادهم ليفقد بذلك استقلاليته، أو في الجوانب الاجتماعية، وهي حركة الكفر في السيطرة على خطوط المجتمع في أخلاقياته وتقاليده وعاداته..

علاقة التعامل مع الكافرين

كيف تكون علاقة المؤمنين بالكافرين؟ هناك نوعان من العلاقة؛ فهناك علاقة التعامل وعلاقة الموالاة، أما علاقة التعامل، سواء كان اقتصادياً أو سياسياً أو أمنياً، في غير ما يضرّ الإسلام والمسلمين، باعتبار أن هناك مصالح متبادلة، فالإسلام لا يمنع أن يكون المسلم شريكاً للكافر، بحيث يبيعهم ويشتري منهم عندما يكون الكافرون مسالمين وليسوا محاربين، وهذا قول الله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم ـ والبرّ هو عمل الخير والإحسان، فجارك الكافر وشريكك الكافر ما دام مسالماً فاعمل للخير معه ـ وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين* إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولّوهم}. وعلى هذا الأساس، فإننا نفتي بعدم جواز الاعتداء على مال الكافر المسالم، بحيث نكون أمناء في التعامل معهم على أموالهم وأعراضهم ونفوسهم، فقط المحارب يمكن لك أن تواجهه على أساس علاقات الحرب، ولذلك فإن ما يفعله بعض المسلمين الذين يسافرون إلى بلاد الكفر فيسرقون أموالهم بطريقة وبأخرى، من خلال القوانين الموجودة في تلك البلاد، هو حرام.

أما في الجوانب الأخرى، في السياسة مثلاً، فهناك بعض الناس ينتمون إلى المواقع السياسية الكافرة التي تكيد للإسلام والمسلمين، كالتعامل مع أمريكا وإسرائيل على مستوى الأفراد والأنظمة، حتى أن بعض الناس قد يؤيد ويوالي الكافرين ضد المؤمنين في سبيل الحصول على موقع أو وظيفة، وقد عالج القرآن الكريم هذا الموضوع من عدة جوانب، منها قوله تعالى: {بشّر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً* الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين}، هؤلاء الذين يوالون الكافرين بمعنى الإخلاص لهم وتنفيذ خططهم ضد المسلمين، في سبيل أن يحصلوا على العزة السياسية والاقتصادية والأمنية. ثم ينهى الله تعالى هؤلاء عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين، لأن هذا السلوك لا يرضى الله عنه، ويهدد الله تعالى على هذا الفعل فيقول: {ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء ـ يعني أن الله بريء منه ولا علاقة له به، لا في عطائه ورحمته، وعندما يبرأ الله منا فمن سيخلّصنا يوم القيامة ـ إلا أن تتقوا منهم تقاة ـ إذا كانت هناك ظروف غير عادية فعليهم أن يتعاملوا معهم ـ إذا اضطروا لذلك ـ تعاملاً سطحياً وليس في العمق ـ ويحذّركم الله نفسه وإلى الله المصير}، وهذه الآية موجهة إلى كل الذين يوالون الكافرين في مواجهة المؤمنين، فينفذون خططهم الاقتصادية والسياسية والأمنية ضد سلامة الواقع الإسلامي كله.

امتلاك ثقافة المجتمعات

وفي آيات أخرى، يشرح الله تعالى النتائج السلبية لاتخاذ الكافرين بطانة، وفي هذه الآية توجيه سياسي وأمني، يقول الله تعالى:

{"يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة ـ الحاشية التي تتدخّل في الأمور السرية والخفية ـ من دونكم لا يألونكم خبالاً ـ يخطّطون لإرباك واقعكم ـ ودّوا ما عنتّم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بيّنّا لكم الآيات إن كنتم تعقلون ـ لقد بيّنا لكم الواقع الخفي الذي يكمن في المجتمع الذي يعيش معكم في حرب داخلية في نفوسهم وإن كانوا مسالمين في الظاهر، فالله تعالى يريد لنا أن نملك ثقافة المجتمعات من خلال الطبيعة الخفية التي تحملها ضدنا، بحيث لا نتعامل مع هذه المجتمعات ولا نعطيهم الثقة إلا بعد أن نتبيّن خفاياها وخططها ـ ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله ـ المسلمون يتميّزون عن الأديان الأخرى أنهم يؤمنون بكل ما أنزل الله من كتب، فالإسلام يجمع كل الديانات في داخله ـ وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضّوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إنّ الله عليم بذات الصدور* إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا ـ بحيث لا تستعجلون وتنطلقون بطريقة الانفعال الذي يكشف نقاط ضعفكم، بل تتعاملون مع الأحداث بوعي ـ لا يضرّكم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط}.

عدم موالاة الكافرين

ثم يعالج الله تعالى قضية الاندماج في المجتمع الكافر، وهو محل ابتلائنا في العالم، لا سيما الذين يهاجرون إلى البلاد غير الإسلامية، فالله تعالى يحذّر: {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا ـ في تعليمهم لكم وضغوطهم النفسية عليكم وفي كل أوضاعهم التي يفرضونها على أوضاعكم ـ يردّوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين}.. ويمنعنا الله تعالى من موالاة الكافر حتى لو كان الكافر أباً أو أخاً إذا دخل في الكفر: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ـ لو أن أباك أو أخاك دخل في الكفر فعليك أن لا تواليه لأن وقف موقف العداوة من الله ورسوله، فليكن الله ورسوله أحبّ إليكم من كل هؤلاء ـ ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون}، ويتحدث الله عن هؤلاء المنافقين فيقول: {استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك هم حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون}.

الانفتاح على محبة الله وخط العدل

ويحدّثنا الله تعالى عن المفلحين الرابحين، فيقول تعالى: {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر ـ هذا الخط الفاصل بين الإيمان والكفر ـ يوادّون ـ وهو الإخلاص من عمق النفس والموقف ـ من حادّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك هم حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون}. وعلى ضوء هذا ، فإن كلمة حزب الله لا تعبّر عن وضع مادي تنظيمي معيّن، ولكنها معبّرة عن أن يكون عقلك منفتحاً على الإيمان كله والمؤمنين كلهم، بحيث لا تعادي مؤمناً ولا مؤمنة ولا تضرّ مؤمناً ولا مؤمنة، ولا تعتدي على مؤمن ولا مؤمنة، وان يكون الإيمان في قلبك، بأن تخلص للمؤمنين والمؤمنات، ولا تحمل سوءاً ضدهم حتى لو اختلفوا معك في سياستك، وأن يكون سلوكك في خط الإيمان والعدل، بأن لا تبخس الناس أشياءهم، ولا تظلمهم لعصبية حزبية أو غير حزبية، أولئك هم حزب الله الذين ينفتحون على الله بحيث يحبون الله كما لم يحبوا أحداً، ومحبة الله هي السير على منهاج الله في ما أمر الله به ونهى عنه وما جاء به رسوله، {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}.

إن العالم الآن ينقسم إلى عالم كفر يتحالف مع استكبار، وعالم إسلام وإيمان، وعلينا أن نكون مع المؤمنين ضد الكافرين عندما تكون المعركة معركة موقع الإيمان وموقع الكفر، فعلينا أن نكون مع المؤمنين مهما قدّم لنا الكافرون من إغراءات ومواقع، لأننا سوف نقف بين يدي الله تعالى، فيسألنا عن ذلك كله، هل أننا كنا في خط الله ورسوله أم في خط الشيطان، وعلينا أن نحضر لكل سؤال جواباً، فالدنيا لا تغني عن الآخرة.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله وكونوا في موقع الإسلام ضد الكفر والاستكبار، عندما تكون هناك معركة في أيّ موقع في العالم ضد الإسلام وأهله، وها نحن نواجه في هذه المرحلة من تاريخنا الحملة الاستكبارية الكافرة ضد الإسلام في عقيدته وشريعته ومنهاجه أخلاقياته، كما نواجه الحملة العدوانية ضد المسلمين في اقتصادهم وسياستهم وأمنهم، لا سيما عندما توجه التهمة بالإرهاب ضد المسلمين الذين يطالبون بالحرية والاستقلال والعزة والكرامة، من المستكبرين الذين يريدون إسقاط الواقع الإسلامي تحت تأثير سلطانهم وقوتهم، تحت عناوين ليس لها أي واقع، فتعالوا لنرى ماذا هناك ولنحدد الموقف:

أمريكا تريد سلطة عملاء

احتفلت أمريكا بالأمس بذكرى استقلالها، تحت عنوان تأكيد حرية الشعوب في تقرير مصيرها، ولكنها تمنع الشعب الفلسطيني من ذلك، لتضع الحواجز أمامه، ولتعطي الاحتلال عنوان الدفاع عن النفس في عملية القتل اليومي، والاعتقال العشوائي، والاجتياح الوحشي، ولتقرر الامتناع عن الحوار مع الفلسطينيين إذا لم يذعنوا لشروط رئيسها في اختيار قيادة بديلة ملائمة للمصالح الإسرائيلية، وذلك بأن لا تتعاطف مع ما يسمونه الإرهاب..

وإذا أردنا أن نحوّل المطلب الأمريكي إلى الواقع الميداني، فإن معنى ذلك هو أن يكون القادة الذين يمثلون السلطة الجديدة من العملاء الذين وظّفتهم إسرائيل ليكونوا في أجهزة الموساد عيوناً على المجاهدين، أو ليسقطوا تحت تأثير الضغوط النفسية والأمنية للعدو، لأن مسيرة الانتفاضة قدّمت الدليل على أن أكثرية الشعب الفلسطيني هي مع أبطال الانتفاضة المجاهدين ممن قاموا بمواجهة العدو بالعمليات الاستشهادية وغيرها..

ثم، إن الإدارة الأمريكية تطوف العالم لتلتقي باللجنة الرباعية، المؤلفة من الاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة ـ بقيادة أمريكا ـ لتبحث معها تأكيد مفردات خطاب الرئيس الأمريكي، ولتجتمع بالمسؤولين العرب الذين يتعاطفون معها في مقترحاتها الإصلاحية للسلطة الفلسطينية، في عملية ضغط سياسي متحرّك في أكثر من جهة.. ولكن أمريكا ليست مستعدة للقاء بالقيادة الشعبية والرسمية الفلسطينية، لتدخل معها في حوار حول مقترحاتها، في الوقت الذي لم تحرّك فيه ساكناً في أيّ شأن من شؤون الكيان الصهيوني في عملياته الإرهابية السابقة واللاحقة، لأنها فقدت استقلالية قرارها السياسي في سياستها الخارجية في الشرق الأوسط، تحت ضغط إسرائيل بفعل الفئات اليهودية والأصولية المسيحية في أمريكا، التي تعمل لمصلحة إسرائيل أكثر مما تعمل لمصلحة أمريكا، وهذا ما عبّر عنه المسؤولون الصهاينة من أن الرئيس الأمريكي كان خاضعاً ـ مع إدارته ـ للضغط "الشاروني"، عندما تحدّث في خطابه بمقترحات "شارون" التي تحدّى بها العالم كله، بما في ذلك أوروبا وروسيا والأمم المتحدة والعالمين العربي والإسلامي..

ظاهرة الإرهاب إنتاج أمريكي

لقد عاشت أمريكا في ذكرى استقلالها فيما يشبه حالة طوارئ أمنية لأول مرة في تاريخها، ولم تسأل هذه الإدارة نفسها: لماذا ذلك؟ هل القضية قضية إرهاب يهبط من الفضاء، أم أن طريقة إدارة السياسة الخارجية الخاضعة لإسرائيل وللشركات الاحتكارية هي التي أنتجت ما يسمّى ظاهرة الإرهاب في العالم، عندما شعر هؤلاء الناس بأن أمريكا تحبسهم في زنزانة مصالحها واستراتيجيتها الاستكبارية ضد مصالح الشعوب؟؟

لقد وقفت أمريكا ـ ومعها إسرائيل ـ ضد الأمم المتحدة في قرارها بتشكيل المحكمة الدولية ضد جرائم الحرب، لأنها تخاف من محاكمة جنودها ومسؤوليها، والجنود الصهاينة ومسؤوليهم، بتهمة القيام بجرائم حرب، لأنها تريد لهم أن يأخذوا حريتهم في الإرهاب والتدمير والوحشية ضد الشعوب التي يعملون في مواقعها.. ولا تزال أمريكا تضغط لإيجاد مخرج لها من هذا القرار الذي صوّتت عليه الأمم المتحدة في مجلس الأمن، ما جعل أمريكا وإسرائيل معزولتين عن العالم كله.. إن أمريكا تريد أن تحاكم كل المعارضين لسياستها في العالم، ولكنها لا تسمح للعالم أن يحاكمها وحليفتها إسرائيل على جرائمهما ضد البشرية.

التعامل المزدوج

ثم إن أمريكا تهدد العراق وإيران بأنهما تعملان لصنع أسلحة الدمار الشامل التي تهدد السلام في العالم، ولكنها لا تتحدث أبداً عمّا أعلنه الإعلام الأمريكي مؤخراً من امتلاك إسرائيل لأكثر من أربعمائة قنبلة نووية وجرثومية وهيدروجينية، ما يهدد المنطقة كلها، وقد أعلنت إسرائيل أنها سوف تخطط للهجوم على إيران خوفاً من الصواريخ التي نجحت في إنتاجها، ومن احتمال امتلاكها للسلاح النووي، باعتبار أنه يشكّل خطراً عليها، من دون أن تسمح بالحديث عن الخطر الذي تمثّله ضد إيران والمنطقة كلها.. إن أمريكا لا تسمح للعالم العربي والإسلامي أن يمتلك القوة حتى لو كانت دفاعية، بل تريده خالياً من كل سلاح فاعل، حتى يسقط تحت ضغط القوة الاستكبارية من دون أية قدرة حاسمة، وهذا ما يجب على شعوبنا أن تحسب حسابه وتخطط لمواجهته.

الوفاء للمسيرة ولدماء الشهداء

إن أمريكا ـ ومعها إسرائيل ـ تعملان على اللعب بالمصير الفلسطيني، لإيجاد وضع دولي وعربي ضاغط على الشعب الفلسطيني لإيقاف الانتفاضة، من دون أن يحصل هذا الشعب على أيّ مكسب سياسي في مستوى طموحاته التحريرية في مستقبله الكبير، لأن المطلوب منه ـ أمريكياً وإسرائيلياً ـ إيجاد نظام خاضع للسياسة الأمريكية التي تعمل من أجل أن يكون على هامش الخطة الإسرائيلية، ليسقط تحت تأثير العجز والفشل والضعف الذي تعاني منه الأنظمة العربية التي لم تنتجها شعوبها، بل كانت تابعة لأجهزة المخابرات المركزية الأمريكية..

إننا ـ أمام هذا الواقع ـ ندعو الشعب الفلسطيني أن ينطلق ليكون واعياً للعبة الجديدة القديمة، وليحافظ على دماء عشرات الآلاف من الشهداء في كل تاريخ القضية الفلسطينية، وليواجه كل الطامعين في وظائف الصهاينة باسم القيادة الجديدة التي سوف تغرق في وحول الخيانة والعمالة.. حافظوا على المجاهدين الذين أعطوا فلسطين كل حياتهم، ووقفوا أمام الصهيونية بكل قوة وثبات وإقدام وعنفوان.. إنهم القيادة الشعبية الحقيقية التي يمكن أن تحقق لفلسطين مستقبلها الحر القوي الذي يجعلها دولة الحرية، بدلاً مما تخطط له أمريكا وعملاؤها لتكون دولة العبودية..

وإننا ـ في الوقت نفسه ـ نحذّر المسؤولين العرب الخاضعين للسياسة الأمريكية، من الدخول في المؤامرة على فلسطين، ليعطوا الجريمة الأمريكية غطاءً عربياً، فإذا كانوا لا يملكون القوة على تأييد القضية الفلسطينية استجابة لشعوبهم المطالِبة بالوقوف مع حرية فلسطين، فلينسحبوا من الدخول في المؤامرة الخيانية، وإلا كانت لعنة التاريخ والشعوب لهم بالمرصاد.

قوة لبنان في وحدته الوطنية

وفي نهاية المطاف، نصل إلى لبنان، لنؤكد ضرورة مواجهة الاتهامات الأمريكية والإسرائيلية للمقاومة، والتي أُريد لها أن تثير بعض الإرباك في الواقع اللبناني الداخلي، لأن هذه الاتهامات تدخل في الحرب النفسية التي لن يسقط المجاهدون ـ والشعب اللبناني معهم ـ تحت تأثيرها.. كما أن التهديدات الإسرائيلية لا واقعية لها إلا على سبيل التهويل الإعلامي ـ السياسي، فحذارِ من استغلالها من قِبَل بعض الناس لإسقاط الوحدة الوطنية التي هي القوة التي تحفظ للبلد عنفوانه واستقراره ومستقبله.. إن على الجميع أن يرتفعوا إلى مستوى السياسة الرسالة، ولا ينحدروا إلى مستوى السياسة اللعبة، لأن اللعب بمصير البلد سوف يُسقط الهيكل على رؤوس اللاعبين..

أيها الناس، إن المرحلة مقبلة على أكثر من زلزال دولي بفعل الهجمة الأمريكية التي تضع الحرب على الإرهاب عنواناً لها، ولكنها تخطط في العمق من أجل استكمال سيطرة أمريكا على العالم كله، سياسة واقتصاداً وأمناً، لتصنع أكثر من حرب في أكثر من قارة، لتسقط ثروات المستضعفين في مشاريع شركاتها الاحتكارية، ولتحاصر الدول الأخرى ـ حتى الكبرى ـ في نفوذها الواسع الذي يضغط على مصادر الطاقة في العالم.. وعلى شعوب العالم الثالث أن تخطط وتعمل على صنع القوة في مواقع المواجهة.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية