"أحبونا حبّ الإسلام.. واتقوا الكذب"

"أحبونا حبّ الإسلام.. واتقوا الكذب"

في رحاب ذكرى وفاة الإمام زين العابدين(ع):
"أحبونا حبّ الإسلام.. واتقوا الكذب"


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

  يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {إنما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً}، من أهل هذا البيت الإمام علي بن الحسين زين العابدين(ع)، الذي تصادف ذكرى وفاته في الخامس والعشرين من هذا الشهر ـ يوم الاثنين القادم ـ والإمام السجاد(ع) هو من أئمة هذا البيت الذي كانت كل حياته لله وللإسلام وللناس كافة، فإذا درسنا حياته فإننا نرى أنه عاش مع أبيه الإمام الحسين(ع) وعمه الإمام الحسن(ع) في شبابه، وعاش كل تلك الأحداث التي واجهتهما قبل كربلاء، وعرف من خلال التجربة والمعاناة كل ما عاشاه من معاناة في مواجهة الحكم الجائر الذي أفسح له الواقع المتخلّف في المجتمع الإسلامي سبيل السيطرة والسلطة.

قمة الصبر والاتكال على الله

ثم عاش الإمام السجاد(ع) عمق المأساة في كربلاء، فواجه أحداثها وهو في غاية المرض، بحيث لم يستطع ـ ولله حكمته في ذلك ـ أن يجاهد مع أبيه الحسين(ع) كما جاهد أخوه وأهل بيته، وعاش كل مأساة كربلاء، عاشها في يوم عاشوراء، هذا اليوم الذي فقد فيه أباه وأهل بيته وأصحابه في أصعب المآسي التي يمكن أن يعيشها إنسان، وكان(ع) في موقعه وموقفه قمة في الصبر وإيكال الأمر الى الله والرضى بقضائه، فلم يُنقل عنه(ع) وهو يرى هذه الضحايا بين لحظة وأخرى، أنه جزع وسقط أمام المأساة.

وعاش(ع) المأساة الثانية مع عماته وأخواته وكل نساء أهل بيته وأصحابه، وهي مأساة السبي التي لم يُعهد في التاريخ الإسلامي لها مثيلاً في كل معارك المسلمين التي حصلت بينهم، فنحن نعرف أن علياً(ع) عندما انتصر في معركة الجمل، أرسل النساء اللواتي كنّ مع أم المؤمنين عائشة إلى المدينة مع كامل الرعاية والاهتمام، فكانت بدعة بني أمية وابن زياد في أن تسبى أقدس النساء في المسلمين، لا نسباً فحسب، بل أقدسهن قرباً إلى الله وإلى كل القيم الروحية والأخلاقية التي تمثّلت في السيدة زينب(ع).

 والإمام علي زين العابدين(ع) كان يمثل حينها الإمامة في أعلى مواقعها، كما كان يمثل الامتداد الجماهيري في حياة الأمة، وهذا ما رأيناه عندما ذهب إلى الحج وكان الطواف في حالة ازدحام شديدة، ما جعل ولي عهد خلافة بني أمية عاجزاً عن اختراق جموع الطائفين، فوُضع له كرسي وجلس عليه، ولكن عندما أقبل الإمام زين العابدين(ع) أفرج الناس له واستلم الحجر الأسود، وقد تعجب بعض أهل الشام بهذا الموقف وسألوا عنه، فقال ابن هشام: "لا أعرفه"، وقد أخذت الحمية الشاعر الفرزدق وأنشأ:

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته                              والبيت يعرفه والحلّ والحرم

هذا ابن خير عباد الله كلهم                                 هذا التقي النقي الطاهر العلم

الذكرى مصدر إلهام للثوّار

وسير به إلى الشام، وخطب تلك الخطبة المهمة التي فضح فيها يزيد وأسكته، واستطاع أن يعمّق ثورة الإمام الحسين (ع) في وجدان الناس بأكثر من أسلوب، لأنه(ع)، كما الأئمة(ع) من بعده، أرادوا أن تبقى هذه الذكرى مصدر إلهام للناس في كل زمان ومكان كيف تكون الثورة على الظلم والانحراف بكل ما أوتي المسلم من قوة. ولم تشغله ذكرى المأساة عن القيام بكل مسؤوليته في العالم الإسلامي، خلافاً لما يذكره خطباء المنبر الحسيني من أنه كان يمضي ليله ونهاره بكاءً على أبيه الحسين(ع)، كان يبكي حيث يكون البكاء نافذة على وعي الناس في القضية، ولكنه كان الصابر كأعظم ما يكون الصبر، ولم يكن الجازع، لأن أهل البيت(ع) هم القدوة للناس في الصبر والتمرد على الألم والحزن.

أدعيته ثقافة وانفتاح على الله

وقد نقل لنا الرواة أن أغلب العلماء والمفكرين وأصحاب التاريخ في زمانه كانوا من تلامذته، بحيث يمكن أن يقال إنه أستاذ الثقافة الإسلامية، وقد ترك لنا الإمام زين العابدين(ع) الأدعية التي تمثّل ثقافة روحية عقيدية أخلاقية اجتماعية متحركة، لأننا إذا قرأنا أدعيته(ع) في الصحيفة السجادية وفي غيرها مما روي عنه، نجد أنها تمثل قيمة ثقافية وروحية، وتؤكد ببرامجها على المفاهيم الإسلامية. ولذلك، فإننا نعتبر أن هذه الصحيفة وغيرها من الأدعية تمثل الثقافة التي لا غنى للمسلم من أن يأخذ بها إذا ما أراد الانفتاح على الله. كما ترك لنا رسالة الحقوق التي بيّن بها حق الله على العباد وحق العباد على بعضهم البعض وما الى ذلك.

منهجـه في الحيـاة

ونحن في هذا اللقاء القصير، نحاول أن نتوقف عند بعض اللقطات من حياة الإمام زين العابدين(ع)، فيروى أن شخصاً سأل "الزهري"، وهو شخصية من الشخصيات الإسلامية المعروفة آنذاك: "هل لقيت علي بن الحسين؟ قال: بلى، لقيته وما لقيت أحداً أفضل منه، والله ما علمت له صديقاً في السر ولا عدواً في العلانية، فقالوا له: وكيف ذلك؟ قال: لأني لم أرَ أحداً وإن كان يحبه إلا وهو لشدة معرفته بفضله يحسده، ولا رأيت أحداً وإن كان يبغضه إلا وهو لشدة مداراته يداريه"، وليس معنى المداراة النفاق، بل إنه (ع) كان يعيش مع الناس وينفتح عليهم بالطريقة التي لا تثير حساسياتهم.


وله(ع) مع "الزهري" قصة فيها الكثير من الموعظة، يقول الراوي: رأى "الزهري" عليّ بن الحسين(ع) في ليلة باردة مطيرة، وعلى ظهره دقيق وهو يمشي، فقال: يابن رسول الله ما هذا؟ قال(ع): "أريد سفراً أُعدّ له زاداً أحمله إلى موقع حريز"، فقال: هذا غلامي يحمله عنك فأبى، فقال: أنا أحمله عنك فإني أرفعك عن حمله، فقال (ع): "لكني لا أرفع نفسي عما ينجيني في سفري ويحسن ورودي على ما أرد عليه، أسألك بحق الله لما مضيت لحاجتك"، فانصرف عني، ولما كان بعد أيام قال له:

 يابن رسول الله لست أرى لذلك السفر الذي ذكرته أثراً، قال (ع): "يا زهري ليس ما ظننت، ولكنه الموت وله استعد، إنما الاستعداد للموت تجنّب الحرام وبذل الندى في الخير"، فالإنسان عندما يستعد للموت فإنه يستعد للوقوف بين يدي الله، لذلك فإنه لا يكذب ولا يزني ولا يشرب الخمر ولا يترك العبادات ويتجنب الحرام، وينفق مما أتاه الله من مال وعلم وقوة على الفقراء والمستضعفين.


وللإمام زين العابدين(ع) كلمة يستفيد منها كل الذين يسعون في طلب الحلال من أجل أن يعولوا أنفسهم وعيالهم، فعن الإمام الصادق(ع): "كان عليّ ابن الحسين إذا أصبح خرج غادياً في طلب الرزق، فقيل له: يابن رسول الله أين تذهب؟ قال: "أتصدق لعيالي"، قيل له: أتتصدق؟ قال: "من طلب الحلال فهو من الله عزّ وجلّ صدقة عليه". هذه الدروس لا بدّ أن نتعلّمها من أئمتنا(ع) لأنهم القدوة، ولذلك لا بدّ أن يدخلوا في عقولنا كما يدخلون في قلوبنا، لأن كل شيء يدخل في عقلك بعمق يدخل إلى قلبك بأعماق.


وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق(ع): "كان في المدينة رجل بطّال يضحك الناس منه، فقال: قد أعياني هذا الرجل أن أضحكه ـ ويقصد الإمام زين العابدين(ع) ـ فمرّ عليّ(ع) وخلفه موليان له، فجاء الرجل حتى انتزع رداءه عن رقبته، فلم يلتفت إليه عليّ(ع)، فاتبعوه وأخذوا الرداء منه فجاءوا به فطرحوه عليه، فقال (ع): "من هذا"؟ فقالوا: هذا رجل بطّال يُضحك اهل المدينة، فقال(ع): "قولوا له: إن لله يوماً يخسر فيه المبطلون".
وقيل لعلي بن الحسين(ع): كيف أصبحت يابن رسول الله؟ فقال(ع): "أصبحت مطلوباً بثمان: الله تعالى يطلبني بالفرائض، والنبي بالسنّة، والعيال بالقوت، والنفس بالشهوة، والشيطان باتباعه، والحافظان بصدق العمل، وملك الموت بالروح، والقبر بالجسد، فأنا بين هذه الخصال مطلوب". فعلى الإنسان أن يفكر كيف يطيع الله في فرائضه، وكيف يطيع النبي في سنته، وكيف يقوم بواجباته تجاه عياله، وكيف يغالب شهوته حتى لا تورطه في الحرام، وكيف يتجنب خطوات الشيطان، وكيف يستعد للموت، وكيف تكون نهايته في القبر.


ويقول(ع) وهو يعلّمنا كيف نحبهم: "أحبونا حبّ الإسلام فما زال حبكم لنا حتى صار شيناً علينا"، ويعلّق صاحب "البحار" على هذا الحديث فيقول: لعل المراد النهي عن الغلوّ، أي أحبونا حباً يكون موافقاً لقانون الإسلام لا يخرجكم عنه، ولا زال حبكم حتى أفرطتم وقلتم فينا ما لا نرضى به، فصرتم شيناً وعيباً علينا، حيث يعيبنا الناس بما تنسبونه إلينا. ويقول الإمام زين العابدين(ع): "اتقوا الكذب الصغير منه والكبير، في كل هزل وجدّ ـ وبعض الناس يستحلون الكذب في أول نيسان، وهو حرام ـ فإن الرجل ـ والمرأة ـ إذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير".
وفي الختام، يقول الإمام زين العابدين(ع): "إن الله يحب المؤمن المذنب التائب ويحب التوّابين". لذلك، في هذه الجلسة، ونحن بين يدي الله، علينا أن نتذكر ذنوبنا ونفتح قلوبنا لله، ونقول: يا ربّ اغفر لنا ذنوبنا وكفّر عنا سيئاتنا وتوفّنا مع الأبرار.

                                        الخطبة الثانية                                            
                                   بسم الله الرحمن الرحيم                                        


عباد الله.. اتقوا الله في نظم أمركم وصلاح ذات بينكم، وواجهوا مسؤولياتكم التي تكبر كلما كبرت التحديات وكلما واجهتكم المشاكل، وكلما انطلق أعداء الله من المستكبرين والظالمين من أجل إذلالكم ومصادرة قضاياكم، حاولوا أن تكونوا من الذين يكونون للظالم خصماً وللمظلوم عوناً، اتخذوا الموقف عندما تفرض عليكم التحديات أن تؤكدوا الموقف من أجل نصرة الحق وإزهاق الباطل، فإن الأحداث تتلاحق تتتابع من أجل أن تقضي على عزة هذه الأمة وكرامتها في كل الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية، وهذا ما نواجهه في هذه المرحلة الصعبة، فماذا هناك:

أمريكا: قمة الإرهاب

الحرب الأمريكية ـ الإسرائيلية تفترس كل شيء في فلسطين، الأطفال والنسوة والشيوخ والشباب المدنيين العزّل، وتدمّر البيوت والمساجد والكنائس باسم القضاء على البنية التحتية لما يسمونه الإرهاب.. إنها حرب أمريكا الثانية في المنطقة التي تتحدث عن المجرم أنه ضحية وتتحدّث عن الضحية أنه المجرم، ذلك هو منطق الرئيس الأمريكي الذي يشجب العمليات الاستشهادية التي لا يملك المجاهدون سلاحاً غيرها في مواجهة الطائرات والمدافع والصواريخ والدبابات، فيصفها بالعمليات الإرهابية..
ولكن الرئيس الأمريكي لا يتحدث عن الاحتلال الإسرائيلي للشعب الفلسطيني كله، الذي هو قمة إرهاب الدولة.. إن مشكلة أمريكا ـ ككل الدول المستكبرة ـ أنها تقلب الحقائق الواقعية لخدمة مصالحها، فتعلن الحرب على الشعوب باسم حماية الحضارة والحريات الإنسانية، وتدمّر اقتصادها باسم العولمة، وتلاحق الأحرار باسم الحرب على الإرهاب؟!

سقوط عربي أمام الوحشية الصهيونية

لقد وُضعت الخطة العسكرية في اجتياح المدن والقرى الفلسطينية بين أمريكا وإسرائيل، فما كان لـ"شارون" أن يقوم بأيّ عمل عسكري في فلسطين بعيداً عن التخطيط المشترك مع أمريكا، لأن استراتيجيتهما واحدة في إخضاع الشعب الفلسطيني للنفوذ الأمريكي ـ الإسرائيلي.. وقد أخذت بعض الدول العربية علماً بالخطة، وهُددت الدول الأخرى، فكان الصمت العربي الرسمي أمام المجزرة نتيجة لذلك.. وأفسحت الأنظمة لشعوبها المجال بالتظاهر، ولكن في دائرة قوانين الطوارئ وأجهزة المخابرات، فالمظاهرات ـ في بعض هذه الدول ـ ممنوعة في الشوارع العامة ومسموحة خلف أسوار المساجد والجامعات، لأنهم يخافون من شعوبهم أن تتمرد بالطريقة التي تهدد الأنظمة.. وهكذا، بقيت سفارات إسرائيل ومكاتبها الاقتصادية في قلب البلاد العربية، من دون أن تفكّر الأنظمة العربية في إغلاقها تحت تأثير المطالب الشعبية، بحجة أنها تريد إبقاءها للدفاع عن فلسطين؟؟
إنه زمن السقوط العربي في دائرة العجز والفشل، ويبقى للشعوب الصوت الهادر الذي هزّ دوائر الاستكبار العالمي وفي مقدمتها أمريكا، خوفاً من أن تعرض مصالحها للخطر.. ويبقى للانتفاضة البطلة المجاهدة التي تقاوم العدو بالصدور العارية، وتلاحقه من زقاق الى زقاق لتنزل به الخسائر، يبقى لها دورها الكبير في مواقع الصبر والصمود والتصدي، وهذا هو الذي أجبر الرئيس الأمريكي على تغيير لهجته، ولا نقول تغيير خطته، فطلب انسحاب إسرائيل ووقف إطلاق النار وإيقاف النشاط الاستيطاني، وأعلن عن إرسال وزير خارجيته في الأسبوع المقبل إلى المنطقة، تاركاً الوقت الكافي للعدو لكي يكمل استباحة ما تبقّى من المدن والمخيمات الفلسطينية.

العدو هدفه إخضاع الفلسطينيين

وهكذا، اكتفى الرئيس الأمريكي بالكلام ولم يقم بأيّ ضغط على شريكته إسرائيل، التي أعلنت رفضها للانسحاب قبل إيقاف الانتفاضة تحت شعار وقف إطلاق النار، لأن القضية الحيوية لدى العدو هي أن يعترف الفلسطينيون بالهزيمة والاستسلام للضغوط العسكرية والسياسية والاقتصادية، ليوقّعوا على وثيقة الشروط الإسرائيلية وعلى العرض الأمريكي في دولة فلسطينية مسالمة، تتمتع بحكم ذاتي وتخضع في كل أوضاعها للإدارة الصهيونية.. ومن الطريف أن الاتحاد الأوروبي الذي أرسل مبعوثيه إلى المنطقة قابل الإسرائيليين ولم يقابل الفلسطينيين، لأن العدو لم يسمح له بذلك، والسؤال: أية خدعة هي هذه الخدعة الأوروبية، وإلا فما هو ردّ فعل الاتحاد الأوروبي أمام هذه الإهانة؟!
إن المرحلة التي وصلت إليها تطورات الأحداث هي العودة الى أجواء الـ48، فإسرائيل تعتبر حركتها مع الفلسطينيين ـ والعرب ـ امتداداً لما تسميه معركة الاستقلال، وقد تطرح في مشاريعها الحالية تهجير الفلسطينيين إلى الأردن لتكون دولتهم هناك، وهذا هو ما يجب الانتباه إليه من قِبَل المجاهدين لكي لا تتكرر لعبة الهزيمة بالتواطؤ العربي الدولي الذي حدث في الـ48..

الوقوف في وجه التحديات والتهديدات

ولذلك، فإن المطلوب هو استمرار الانتفاضة الجهادية في فلسطين في مواقع الوحدة الوطنية، التي نريد للسلطة أن تحافظ عليها فلا تسقط تحت تأثير الضغوط الدولية، ولا سيما الأمريكية.. وإذا كانت أمريكا تطالب بالقضاء على المنظمات الفلسطينية المجاهدة، وعلى المقاومة الإسلامية في لبنان، في خطة تهديدية لأكثر من بلد عربي، ولا سيما سوريا ولبنان، وفي رسالة تحذيرية لإيران بالكف عن دعم الانتفاضة في فلسطين والمقاومة في لبنان، فإن علينا ـ كشعوب حرّة ـ أن نقف ضد ذلك كله، لدعم الموقف العربي والإسلامي الرافض للتهديد الأمريكي، لنتحرك ـ جميعاً ـ في محاصرة السياسة الأمريكية في كل مواقعها ومصالحها، ومعارضة القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة والتي تهدد كل شعوبها.. لقد فتحت أمريكا حربها الجديدة على العالمين العربي والإسلامي باسم الحرب على الإرهاب، لأنها تريد للمنطقة أن تكون مزرعة أمريكية على حساب مصالح شعوبها، وعلينا أن نخطط للوقوف في وجه ذلك كله لنتجاوز كل الخلافات الهامشية، لأن القضية تتصل بالحرية السياسية والأمنية والاقتصادية، وعلى دول المنطقة أن ترتفع إلى مستوى تطلّعات شعوبها.

معركة استقلال فلسطين

إن المعركة ـ الآن ـ هي معركة استقلال فلسطين وتحريرها من الاحتلال الصهيوني، كما هي معركة استعادة القرار الحرّ لدول المنطقة العربية والإسلامية، وعلينا الاستعداد لذلك بالتخطيط والصبر والصمود والحركة الواعية العاقلة، بعيداً عن كل انفعال يفتقد المضمون، وعن كل ارتجال يستعجل النتائج..
وعلينا في لبنان، الذي وقفت مقاومته أمام الوحشية الصهيونية بكل قوة وعنفوان وتحدٍ، أن نصمد في وجه كل التهديدات الإسرائيلية والألاعيب السياسية الدولية، ولا سيما الأمريكية، وأن يبقى التحالف والتكامل مع سوريا لمواجهة ذلك كله.. وحذارِ من أيّ صوت أو أية حركة تخلط الأوراق، وتربك المرحلة، وتثير الخلافات، وتُسقط الوحدة، لأن الوقت هو وقت التحديات الكبرى على كل صعيد.

في رحاب ذكرى وفاة الإمام زين العابدين(ع):
"أحبونا حبّ الإسلام.. واتقوا الكذب"


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

  يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {إنما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً}، من أهل هذا البيت الإمام علي بن الحسين زين العابدين(ع)، الذي تصادف ذكرى وفاته في الخامس والعشرين من هذا الشهر ـ يوم الاثنين القادم ـ والإمام السجاد(ع) هو من أئمة هذا البيت الذي كانت كل حياته لله وللإسلام وللناس كافة، فإذا درسنا حياته فإننا نرى أنه عاش مع أبيه الإمام الحسين(ع) وعمه الإمام الحسن(ع) في شبابه، وعاش كل تلك الأحداث التي واجهتهما قبل كربلاء، وعرف من خلال التجربة والمعاناة كل ما عاشاه من معاناة في مواجهة الحكم الجائر الذي أفسح له الواقع المتخلّف في المجتمع الإسلامي سبيل السيطرة والسلطة.

قمة الصبر والاتكال على الله

ثم عاش الإمام السجاد(ع) عمق المأساة في كربلاء، فواجه أحداثها وهو في غاية المرض، بحيث لم يستطع ـ ولله حكمته في ذلك ـ أن يجاهد مع أبيه الحسين(ع) كما جاهد أخوه وأهل بيته، وعاش كل مأساة كربلاء، عاشها في يوم عاشوراء، هذا اليوم الذي فقد فيه أباه وأهل بيته وأصحابه في أصعب المآسي التي يمكن أن يعيشها إنسان، وكان(ع) في موقعه وموقفه قمة في الصبر وإيكال الأمر الى الله والرضى بقضائه، فلم يُنقل عنه(ع) وهو يرى هذه الضحايا بين لحظة وأخرى، أنه جزع وسقط أمام المأساة.

وعاش(ع) المأساة الثانية مع عماته وأخواته وكل نساء أهل بيته وأصحابه، وهي مأساة السبي التي لم يُعهد في التاريخ الإسلامي لها مثيلاً في كل معارك المسلمين التي حصلت بينهم، فنحن نعرف أن علياً(ع) عندما انتصر في معركة الجمل، أرسل النساء اللواتي كنّ مع أم المؤمنين عائشة إلى المدينة مع كامل الرعاية والاهتمام، فكانت بدعة بني أمية وابن زياد في أن تسبى أقدس النساء في المسلمين، لا نسباً فحسب، بل أقدسهن قرباً إلى الله وإلى كل القيم الروحية والأخلاقية التي تمثّلت في السيدة زينب(ع).

 والإمام علي زين العابدين(ع) كان يمثل حينها الإمامة في أعلى مواقعها، كما كان يمثل الامتداد الجماهيري في حياة الأمة، وهذا ما رأيناه عندما ذهب إلى الحج وكان الطواف في حالة ازدحام شديدة، ما جعل ولي عهد خلافة بني أمية عاجزاً عن اختراق جموع الطائفين، فوُضع له كرسي وجلس عليه، ولكن عندما أقبل الإمام زين العابدين(ع) أفرج الناس له واستلم الحجر الأسود، وقد تعجب بعض أهل الشام بهذا الموقف وسألوا عنه، فقال ابن هشام: "لا أعرفه"، وقد أخذت الحمية الشاعر الفرزدق وأنشأ:

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته                              والبيت يعرفه والحلّ والحرم

هذا ابن خير عباد الله كلهم                                 هذا التقي النقي الطاهر العلم

الذكرى مصدر إلهام للثوّار

وسير به إلى الشام، وخطب تلك الخطبة المهمة التي فضح فيها يزيد وأسكته، واستطاع أن يعمّق ثورة الإمام الحسين (ع) في وجدان الناس بأكثر من أسلوب، لأنه(ع)، كما الأئمة(ع) من بعده، أرادوا أن تبقى هذه الذكرى مصدر إلهام للناس في كل زمان ومكان كيف تكون الثورة على الظلم والانحراف بكل ما أوتي المسلم من قوة. ولم تشغله ذكرى المأساة عن القيام بكل مسؤوليته في العالم الإسلامي، خلافاً لما يذكره خطباء المنبر الحسيني من أنه كان يمضي ليله ونهاره بكاءً على أبيه الحسين(ع)، كان يبكي حيث يكون البكاء نافذة على وعي الناس في القضية، ولكنه كان الصابر كأعظم ما يكون الصبر، ولم يكن الجازع، لأن أهل البيت(ع) هم القدوة للناس في الصبر والتمرد على الألم والحزن.

أدعيته ثقافة وانفتاح على الله

وقد نقل لنا الرواة أن أغلب العلماء والمفكرين وأصحاب التاريخ في زمانه كانوا من تلامذته، بحيث يمكن أن يقال إنه أستاذ الثقافة الإسلامية، وقد ترك لنا الإمام زين العابدين(ع) الأدعية التي تمثّل ثقافة روحية عقيدية أخلاقية اجتماعية متحركة، لأننا إذا قرأنا أدعيته(ع) في الصحيفة السجادية وفي غيرها مما روي عنه، نجد أنها تمثل قيمة ثقافية وروحية، وتؤكد ببرامجها على المفاهيم الإسلامية. ولذلك، فإننا نعتبر أن هذه الصحيفة وغيرها من الأدعية تمثل الثقافة التي لا غنى للمسلم من أن يأخذ بها إذا ما أراد الانفتاح على الله. كما ترك لنا رسالة الحقوق التي بيّن بها حق الله على العباد وحق العباد على بعضهم البعض وما الى ذلك.

منهجـه في الحيـاة

ونحن في هذا اللقاء القصير، نحاول أن نتوقف عند بعض اللقطات من حياة الإمام زين العابدين(ع)، فيروى أن شخصاً سأل "الزهري"، وهو شخصية من الشخصيات الإسلامية المعروفة آنذاك: "هل لقيت علي بن الحسين؟ قال: بلى، لقيته وما لقيت أحداً أفضل منه، والله ما علمت له صديقاً في السر ولا عدواً في العلانية، فقالوا له: وكيف ذلك؟ قال: لأني لم أرَ أحداً وإن كان يحبه إلا وهو لشدة معرفته بفضله يحسده، ولا رأيت أحداً وإن كان يبغضه إلا وهو لشدة مداراته يداريه"، وليس معنى المداراة النفاق، بل إنه (ع) كان يعيش مع الناس وينفتح عليهم بالطريقة التي لا تثير حساسياتهم.


وله(ع) مع "الزهري" قصة فيها الكثير من الموعظة، يقول الراوي: رأى "الزهري" عليّ بن الحسين(ع) في ليلة باردة مطيرة، وعلى ظهره دقيق وهو يمشي، فقال: يابن رسول الله ما هذا؟ قال(ع): "أريد سفراً أُعدّ له زاداً أحمله إلى موقع حريز"، فقال: هذا غلامي يحمله عنك فأبى، فقال: أنا أحمله عنك فإني أرفعك عن حمله، فقال (ع): "لكني لا أرفع نفسي عما ينجيني في سفري ويحسن ورودي على ما أرد عليه، أسألك بحق الله لما مضيت لحاجتك"، فانصرف عني، ولما كان بعد أيام قال له:

 يابن رسول الله لست أرى لذلك السفر الذي ذكرته أثراً، قال (ع): "يا زهري ليس ما ظننت، ولكنه الموت وله استعد، إنما الاستعداد للموت تجنّب الحرام وبذل الندى في الخير"، فالإنسان عندما يستعد للموت فإنه يستعد للوقوف بين يدي الله، لذلك فإنه لا يكذب ولا يزني ولا يشرب الخمر ولا يترك العبادات ويتجنب الحرام، وينفق مما أتاه الله من مال وعلم وقوة على الفقراء والمستضعفين.


وللإمام زين العابدين(ع) كلمة يستفيد منها كل الذين يسعون في طلب الحلال من أجل أن يعولوا أنفسهم وعيالهم، فعن الإمام الصادق(ع): "كان عليّ ابن الحسين إذا أصبح خرج غادياً في طلب الرزق، فقيل له: يابن رسول الله أين تذهب؟ قال: "أتصدق لعيالي"، قيل له: أتتصدق؟ قال: "من طلب الحلال فهو من الله عزّ وجلّ صدقة عليه". هذه الدروس لا بدّ أن نتعلّمها من أئمتنا(ع) لأنهم القدوة، ولذلك لا بدّ أن يدخلوا في عقولنا كما يدخلون في قلوبنا، لأن كل شيء يدخل في عقلك بعمق يدخل إلى قلبك بأعماق.


وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق(ع): "كان في المدينة رجل بطّال يضحك الناس منه، فقال: قد أعياني هذا الرجل أن أضحكه ـ ويقصد الإمام زين العابدين(ع) ـ فمرّ عليّ(ع) وخلفه موليان له، فجاء الرجل حتى انتزع رداءه عن رقبته، فلم يلتفت إليه عليّ(ع)، فاتبعوه وأخذوا الرداء منه فجاءوا به فطرحوه عليه، فقال (ع): "من هذا"؟ فقالوا: هذا رجل بطّال يُضحك اهل المدينة، فقال(ع): "قولوا له: إن لله يوماً يخسر فيه المبطلون".
وقيل لعلي بن الحسين(ع): كيف أصبحت يابن رسول الله؟ فقال(ع): "أصبحت مطلوباً بثمان: الله تعالى يطلبني بالفرائض، والنبي بالسنّة، والعيال بالقوت، والنفس بالشهوة، والشيطان باتباعه، والحافظان بصدق العمل، وملك الموت بالروح، والقبر بالجسد، فأنا بين هذه الخصال مطلوب". فعلى الإنسان أن يفكر كيف يطيع الله في فرائضه، وكيف يطيع النبي في سنته، وكيف يقوم بواجباته تجاه عياله، وكيف يغالب شهوته حتى لا تورطه في الحرام، وكيف يتجنب خطوات الشيطان، وكيف يستعد للموت، وكيف تكون نهايته في القبر.


ويقول(ع) وهو يعلّمنا كيف نحبهم: "أحبونا حبّ الإسلام فما زال حبكم لنا حتى صار شيناً علينا"، ويعلّق صاحب "البحار" على هذا الحديث فيقول: لعل المراد النهي عن الغلوّ، أي أحبونا حباً يكون موافقاً لقانون الإسلام لا يخرجكم عنه، ولا زال حبكم حتى أفرطتم وقلتم فينا ما لا نرضى به، فصرتم شيناً وعيباً علينا، حيث يعيبنا الناس بما تنسبونه إلينا. ويقول الإمام زين العابدين(ع): "اتقوا الكذب الصغير منه والكبير، في كل هزل وجدّ ـ وبعض الناس يستحلون الكذب في أول نيسان، وهو حرام ـ فإن الرجل ـ والمرأة ـ إذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير".
وفي الختام، يقول الإمام زين العابدين(ع): "إن الله يحب المؤمن المذنب التائب ويحب التوّابين". لذلك، في هذه الجلسة، ونحن بين يدي الله، علينا أن نتذكر ذنوبنا ونفتح قلوبنا لله، ونقول: يا ربّ اغفر لنا ذنوبنا وكفّر عنا سيئاتنا وتوفّنا مع الأبرار.

                                        الخطبة الثانية                                            
                                   بسم الله الرحمن الرحيم                                        


عباد الله.. اتقوا الله في نظم أمركم وصلاح ذات بينكم، وواجهوا مسؤولياتكم التي تكبر كلما كبرت التحديات وكلما واجهتكم المشاكل، وكلما انطلق أعداء الله من المستكبرين والظالمين من أجل إذلالكم ومصادرة قضاياكم، حاولوا أن تكونوا من الذين يكونون للظالم خصماً وللمظلوم عوناً، اتخذوا الموقف عندما تفرض عليكم التحديات أن تؤكدوا الموقف من أجل نصرة الحق وإزهاق الباطل، فإن الأحداث تتلاحق تتتابع من أجل أن تقضي على عزة هذه الأمة وكرامتها في كل الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية، وهذا ما نواجهه في هذه المرحلة الصعبة، فماذا هناك:

أمريكا: قمة الإرهاب

الحرب الأمريكية ـ الإسرائيلية تفترس كل شيء في فلسطين، الأطفال والنسوة والشيوخ والشباب المدنيين العزّل، وتدمّر البيوت والمساجد والكنائس باسم القضاء على البنية التحتية لما يسمونه الإرهاب.. إنها حرب أمريكا الثانية في المنطقة التي تتحدث عن المجرم أنه ضحية وتتحدّث عن الضحية أنه المجرم، ذلك هو منطق الرئيس الأمريكي الذي يشجب العمليات الاستشهادية التي لا يملك المجاهدون سلاحاً غيرها في مواجهة الطائرات والمدافع والصواريخ والدبابات، فيصفها بالعمليات الإرهابية..
ولكن الرئيس الأمريكي لا يتحدث عن الاحتلال الإسرائيلي للشعب الفلسطيني كله، الذي هو قمة إرهاب الدولة.. إن مشكلة أمريكا ـ ككل الدول المستكبرة ـ أنها تقلب الحقائق الواقعية لخدمة مصالحها، فتعلن الحرب على الشعوب باسم حماية الحضارة والحريات الإنسانية، وتدمّر اقتصادها باسم العولمة، وتلاحق الأحرار باسم الحرب على الإرهاب؟!

سقوط عربي أمام الوحشية الصهيونية

لقد وُضعت الخطة العسكرية في اجتياح المدن والقرى الفلسطينية بين أمريكا وإسرائيل، فما كان لـ"شارون" أن يقوم بأيّ عمل عسكري في فلسطين بعيداً عن التخطيط المشترك مع أمريكا، لأن استراتيجيتهما واحدة في إخضاع الشعب الفلسطيني للنفوذ الأمريكي ـ الإسرائيلي.. وقد أخذت بعض الدول العربية علماً بالخطة، وهُددت الدول الأخرى، فكان الصمت العربي الرسمي أمام المجزرة نتيجة لذلك.. وأفسحت الأنظمة لشعوبها المجال بالتظاهر، ولكن في دائرة قوانين الطوارئ وأجهزة المخابرات، فالمظاهرات ـ في بعض هذه الدول ـ ممنوعة في الشوارع العامة ومسموحة خلف أسوار المساجد والجامعات، لأنهم يخافون من شعوبهم أن تتمرد بالطريقة التي تهدد الأنظمة.. وهكذا، بقيت سفارات إسرائيل ومكاتبها الاقتصادية في قلب البلاد العربية، من دون أن تفكّر الأنظمة العربية في إغلاقها تحت تأثير المطالب الشعبية، بحجة أنها تريد إبقاءها للدفاع عن فلسطين؟؟
إنه زمن السقوط العربي في دائرة العجز والفشل، ويبقى للشعوب الصوت الهادر الذي هزّ دوائر الاستكبار العالمي وفي مقدمتها أمريكا، خوفاً من أن تعرض مصالحها للخطر.. ويبقى للانتفاضة البطلة المجاهدة التي تقاوم العدو بالصدور العارية، وتلاحقه من زقاق الى زقاق لتنزل به الخسائر، يبقى لها دورها الكبير في مواقع الصبر والصمود والتصدي، وهذا هو الذي أجبر الرئيس الأمريكي على تغيير لهجته، ولا نقول تغيير خطته، فطلب انسحاب إسرائيل ووقف إطلاق النار وإيقاف النشاط الاستيطاني، وأعلن عن إرسال وزير خارجيته في الأسبوع المقبل إلى المنطقة، تاركاً الوقت الكافي للعدو لكي يكمل استباحة ما تبقّى من المدن والمخيمات الفلسطينية.

العدو هدفه إخضاع الفلسطينيين

وهكذا، اكتفى الرئيس الأمريكي بالكلام ولم يقم بأيّ ضغط على شريكته إسرائيل، التي أعلنت رفضها للانسحاب قبل إيقاف الانتفاضة تحت شعار وقف إطلاق النار، لأن القضية الحيوية لدى العدو هي أن يعترف الفلسطينيون بالهزيمة والاستسلام للضغوط العسكرية والسياسية والاقتصادية، ليوقّعوا على وثيقة الشروط الإسرائيلية وعلى العرض الأمريكي في دولة فلسطينية مسالمة، تتمتع بحكم ذاتي وتخضع في كل أوضاعها للإدارة الصهيونية.. ومن الطريف أن الاتحاد الأوروبي الذي أرسل مبعوثيه إلى المنطقة قابل الإسرائيليين ولم يقابل الفلسطينيين، لأن العدو لم يسمح له بذلك، والسؤال: أية خدعة هي هذه الخدعة الأوروبية، وإلا فما هو ردّ فعل الاتحاد الأوروبي أمام هذه الإهانة؟!
إن المرحلة التي وصلت إليها تطورات الأحداث هي العودة الى أجواء الـ48، فإسرائيل تعتبر حركتها مع الفلسطينيين ـ والعرب ـ امتداداً لما تسميه معركة الاستقلال، وقد تطرح في مشاريعها الحالية تهجير الفلسطينيين إلى الأردن لتكون دولتهم هناك، وهذا هو ما يجب الانتباه إليه من قِبَل المجاهدين لكي لا تتكرر لعبة الهزيمة بالتواطؤ العربي الدولي الذي حدث في الـ48..

الوقوف في وجه التحديات والتهديدات

ولذلك، فإن المطلوب هو استمرار الانتفاضة الجهادية في فلسطين في مواقع الوحدة الوطنية، التي نريد للسلطة أن تحافظ عليها فلا تسقط تحت تأثير الضغوط الدولية، ولا سيما الأمريكية.. وإذا كانت أمريكا تطالب بالقضاء على المنظمات الفلسطينية المجاهدة، وعلى المقاومة الإسلامية في لبنان، في خطة تهديدية لأكثر من بلد عربي، ولا سيما سوريا ولبنان، وفي رسالة تحذيرية لإيران بالكف عن دعم الانتفاضة في فلسطين والمقاومة في لبنان، فإن علينا ـ كشعوب حرّة ـ أن نقف ضد ذلك كله، لدعم الموقف العربي والإسلامي الرافض للتهديد الأمريكي، لنتحرك ـ جميعاً ـ في محاصرة السياسة الأمريكية في كل مواقعها ومصالحها، ومعارضة القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة والتي تهدد كل شعوبها.. لقد فتحت أمريكا حربها الجديدة على العالمين العربي والإسلامي باسم الحرب على الإرهاب، لأنها تريد للمنطقة أن تكون مزرعة أمريكية على حساب مصالح شعوبها، وعلينا أن نخطط للوقوف في وجه ذلك كله لنتجاوز كل الخلافات الهامشية، لأن القضية تتصل بالحرية السياسية والأمنية والاقتصادية، وعلى دول المنطقة أن ترتفع إلى مستوى تطلّعات شعوبها.

معركة استقلال فلسطين

إن المعركة ـ الآن ـ هي معركة استقلال فلسطين وتحريرها من الاحتلال الصهيوني، كما هي معركة استعادة القرار الحرّ لدول المنطقة العربية والإسلامية، وعلينا الاستعداد لذلك بالتخطيط والصبر والصمود والحركة الواعية العاقلة، بعيداً عن كل انفعال يفتقد المضمون، وعن كل ارتجال يستعجل النتائج..
وعلينا في لبنان، الذي وقفت مقاومته أمام الوحشية الصهيونية بكل قوة وعنفوان وتحدٍ، أن نصمد في وجه كل التهديدات الإسرائيلية والألاعيب السياسية الدولية، ولا سيما الأمريكية، وأن يبقى التحالف والتكامل مع سوريا لمواجهة ذلك كله.. وحذارِ من أيّ صوت أو أية حركة تخلط الأوراق، وتربك المرحلة، وتثير الخلافات، وتُسقط الوحدة، لأن الوقت هو وقت التحديات الكبرى على كل صعيد.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية