من طلب رضا الله بسخط الناس كفاه الله أمور الناس

من طلب رضا الله بسخط الناس كفاه الله أمور الناس

وقفة مع فكر الإمام الحسين(ع)
من طلب رضا الله بسخط الناس كفاه الله أمور الناس


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى
:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين وأصحابه المنتجبين وعلى جميع أنبياء الله المرسلين..

الالتزام بالحسين(ع) رسالياً

مع الحسين نبقى، نستهديه، نتعلم منه، وقد درج الناس على أن يقرأوا الحسين مأساةً وحركةً في مواجهة التحديات، ولكن القليل منّا من يقرأ الحسين ثقافةً وموعظةً ونصيحة ووصية، ولهذا فإن الكثيرين منا يجهلون الإمام الحسين(ع) في فكره، كما يجهلون أئمة أهل البيت(ع) في تراثهم الثقافي الذي يشمل قضايا الإسلام كلها، لأنّ طريقتنا في الالتزام بولاية أهل البيت(ع) هي أننا التزمناها في شخصياتهم الذاتية ولم نلتزم بها في نطاق رساليتهم في ما قدموه إلينا من أسرار الرسالة ومن الوصايا التي تنفذ إلى عقل الإنسان لتضع فيه الحق وإلى قلبه لتضع في الخير، وإلى حياته لتضع فيها العدل.

ونحن في هذا الموقف نحاول أن نستهدي الإمام الحسين(ع) في بعض كلماته وفي بعض وصاياه، وقد جاء في كلمة له(ع) أنه كتب رجل إليه: يا سيدي، أخبرني بخير الدنيا والآخرة، فكتب إليه: "بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فإن من طلب رضا الله بسخط الناس كفاه الله أمور الناس، ومن طلب رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس والسلام".

ماذا يريد الحسين(ع) أن يقول؟ إنه يريد أن يقول إن على الإنسان أن يفكر أن الله هو المهيمن على الأمر كله، وهو الذي يكفي من كل شيء ولا يكفي منه شيء، وهو مقلّب القلوب، بيده قلوب الناس يحوّلها كيف شاء، حتى أنه خاطب رسوله، وهو أعز الناس عنده: {ولو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألّفت بين قلوبهم ولكنّ الله ألّف بينهم}، لأن القلوب بيده، واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه.

السير في رضا الله

يقول الإمام الحسين(ع) إن هناك صنفين من الناس الصنف الأول يطلب رضا الله في كلّ أموره، سواء كانت خاصة أو عامة، فإنه ينظر أولاً: هل أن في هذا الأمر رضى لله أو ليس فيه رضى، ولا ينظر إلى رضى الناس، حتى أنه إذا رأى رضا الله في كلمة أو في موقف أو في عمل، فإنه يتحرك به حتى لو غضب الناس عليه، وهناك بعض الأشخاص يمثلون الصنف الثاني، ممن تكون كل اهتماماته في الحياة كيف يرضى الناس عنه، سواء كان حاكماً أو سياسياً أو حزباً أو منظمة وهكذا. هذا على المستوى العام، أم على المستوى الخاص، فإنه يفكر كيف ترضى عنه زوجته، حتى لو غضب الله عليه... المهم عنده أن لا يغضب الناس منه.

والناس يرتبطون عادةً بالجانب الحسي في حياتهم: {وما قدروا الله حق قدره}، بحيث يتصورون أن قدرة الناس أعظم من قدرة الله، وإذا قلنا بأنه القادر على كل شيء، فإن إقرارنا هذا يكون في اللسان، أما إذا انطلقنا إلى الممارسة العملية، عملنا كما لو كان هؤلاء الناس هم من يملك القوة المطلقة.

لذلك يقول الله تعالى مخاطباً النبي(ص) ليخاطبنا من خلاله: {وتخشى الناس والله أحقّ أن تخشاه}. وقد ورد في الدعاء: "يا من يكفي من كل شيء ولا يكفي منه شيء". وفي الحديث: "من أراد عزاً بلا عشيرة، وهيبة بلا سلطان، فلينتقل من ذلّ معصية الله إلى عزّ طاعته".

التثقّف بالقرآن

هذا درس الإمام الحسين(ع) في منهجه الإسلامي الإصلاحي، بحيث يريد لجمهور عاشوراء أن يفكر بهذه الطريقة، في المستقبل كما كان في الماضي، أن يرفض الناس ويسير مع الله، لأن رضى الله مع الحسين، بينما جماهير ابن زياد ويزيد أسخطوا الله برضى الناس.

ويحدد الإمام الحسين(ع) في كلمة أخرى له مَنْ هو المؤمن: "إن المؤمن من اتّخذ الله عصمته"، وهو من اعتصم بالله وتمسك به وتوكل عليه، ولم يعتصم ويتمسك بغيره ويتوكل على غيره.

والإمام(ع) يحدّد طرق الحصول على العز والغنى: "إن الغنى والعز يجولان، فإذا ظفرا بموضع التوكل أوطنا". وقيل للحسين(ع): إن أبا ذر يقول: "إن الفقر أحبّ إليّ من الغنى، والسقم أحبّ إليّ من الصحة"، فقال: "رحم الله تعالى أبا ذر، أما أنا فأقول: من اتكل على حسن اختيار الله تعالى له لم يتمنّ غير ما اختاره الله عز وجل".

وقد تحدث الله عن هؤلاء ووصفهم بأنهم قد استمسكوا بالعروة الوثقى، والله هو العروة الوثقى، "وقوله ـ قول الله في كتابه ـ مرآته" أي أنه إذا أراد المؤمن أن يعرف نفسه والحياة من حوله، فإنه ينظر في القرآن ليعطيه الصورة الحقيقية لذلك كله.

"فمرة ينظر في نعت المؤمنين" كما في قوله تعالى: {الذين ينفقون في السّراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين}. {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً} {والذين آمنوا أشدّ حباً لله}، فإذا أراد الإنسان أن يتعرف إلى صفة المؤمنين يرجع إلى القرآن، حتى لا يؤخذ بالمظهر، بل ينظر في العمق. "وتارة ينظر في المتجبرين" كما في قوله تعالى:{إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبِّح أبناءهم ويستحيي نساءهم}. وهكذا قوله تعالى: {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألدّ الخصام* وإذا تولّى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد* وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه  جهنم ولبئس المهاد}.

"فهو منه في لطائف، ومن نفسه في تعارف، ومن فطنته في يقين، ومن قدسه على تمكين". فالإمام الحسين(ع) يريد أن يقول إن المؤمن هو الذي يرضى ما يختاره الله له، ولكن لا بد لقوانين الله وسننه في الكون أن تعمل عملها، يقال إن رجلاً قال للإمام الحسين(ع): إن فيك كِبراً، فقال: "كل الكِبر لله وحده ولا يكون في غيره"، لأن الكبرياء صفة الله ـ ولكن فيّ عزة ـ قال الله تعالى: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين}، قال: فما الكبر؟ قال(ع): "أن تسفّه الناس وتغمس الحق".

وصايا الحسين(ع) وتوجيهاته:

هذه هي بعض كلمات الإمام الحسين(ع)، وهي التي تبيّن الوجه الآخر للإمام الحسين(ع) الذي لا يعرفه الكثيرون، وعلى هذا الصعيد جاء في خطبة له: "يا أيها الناس، نافسوا في المكارم، وسارعوا في المغانم، ولا تحتسبوا بمعروف لم تعجلوا، واكسبوا الحمد بالنجح ولا تكتسبوا بالمطل ذماً، فمهما يكن لأحد عند أحد صنيعة له رأى أنه لا يقوم بشكرها فالله له بمكافأتها، فإنه أجزل عطاء وأعظم أجراً، واعلموا أن حوائج الناس إليكم من نعم الله عليكم ـ لأنك عندما تعطي تسمو بنفسك وترتفع بروحك ـ والله يقول: {ومن يبخل فإنما يبخل على نفسه ومن يوق شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون}، فلا تملوا النعم فتحور نقماً ـ لأن عليك إذا أعطاك الله أن تقدم مما أعطاك، لأنك لو لم تعط فأنت سارق ـ والله تعالى يقول: {وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه}، واعلموا أن المعروف مكسب حمداً ومعقب أجراً... أيها الناس، من جاد ساد ومن بخل رذل، وإن أجود الناس من أعطى من لا يرجوه، وإن أعفى الناس من عفا عن قدرة، وإن أوصل الناس من وصل من قطعه، والأصول على مغارسها بفروعها تسمو، فمن تعجّل لأخيه خيراً وجده إذا قدم عليه غداً، ومن أراد الله تبارك وتعالى بالصنيعة إلى أخيه كافأه بها في وقت حاجته، وصرف عنه من بلاء الدنيا ما هو أكثر منه، ومن نفّس كربة مؤمن فرّج الله عنه كُرب الدنيا والآخرة، ومن أحسن أحسن الله إليه والله يحب المحسنين".

هذا هو الإمام الحسين(ع) في مواعظه ونصائحه وتوجيهاته، تعالوا لنعرف منه كيف نطيع الله أكثر، وكيف نحب بعضنا البعض أكثر، وكيف نقوم بالخير أكثر، وكيف نتوحّد أكثر.

أيها الأحبة، عاشوراء مسؤولية كبرى، ستقول لكم: ماذا حصّلتم وماذا ربحتم، وماذا تغير فيكم فيها، لأنها تحمل كل هذه الروح، وكل هذا السمو، وكل هذا الخير، {قل هو الله أحد* الله الصمد* لم يلد ولم يولد* ولم يكن له كفواً أحد}.

الخطبة الثانيـة

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله، اتقوا الله، وانفتحوا على الخير كله، وعلى الحق كله، وعلى العدل كله، كونوا مع الصادقين في كلماتهم ومواقفهم، كونوا مع العادلين في كل أوضاعهم، ولا تكونوا مع المستكبرين والظالمين، لأن الله لا يحب المستكبرين والظالمين، كونوا جنود الحق والعدل، لأن الله حمّلنا مسؤولية أن ننطلق من أنفسنا بالعدل، وأن ننشره بين الناس حولنا، وأن ننكر الظلم من أنفسنا ومن الناس من حولنا، تلك هي المسألة التي نتحمل مسؤوليتها. ونحن ننتظر ـ في عقيدتنا ـ من يملأ الأرض قسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ولذلك لا بدّ أن نهيّىء للعدل موقعه، وأن نطرد الظلم من مواقعه ولو جزئياً، تعالوا لنواكب كيف يتحرك المستكبرون في العالم وفي منطقتنا، وكيف ينطلق المستضعفون في مواجهتهم لتحركات هؤلاء المستكبرين:

فشل ساحق للمشروع الإسرائيلي

الانتفاضة مستمرة، ولا يزال المجاهدون يخترقون الحواجز ويؤكدون للحكومة الصهيونية ورئيسها فشل مشروعه الأمني والعدواني، وأن اللعبة التي يمارسها الجيش الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني بين يوم وآخر في التوغل في الأراضي الفلسطينية بحجة البحث عن مطلوبين، هي لعبة خطرة لتكون بمثابة سلاح ذي حدين، وهذا هو ما لاحظناه من تكاثر العمليات الاستشهادية في العمق الصهيوني ردّاً على العمليات العدوانية من جهة، ورسالة إلى المبعوث الأمريكي أنه لم يأت ليحل المشكلة في رفع الإرهاب الإسرائيلي عن كاهل الشعب الفلسطيني، بل ليحل مشكلة إسرائيل في المأزق الأمني والسياسي الذي وقعت فيه، فيتبنى وجهة النظر الإسرائيلية في اللعب على التفاصيل الصغيرة بدلاً من التركيز على إزالة الاحتلال ورفع الحصار وتحقيق الأهداف التحريرية للفلسطينيين..

واشنطن: مسايرة لإسرائيل واستهداف للفلسطينيين

إن الرئيس الأمريكي قد أصيب بخيبة أمل لاستمرار ما يسميه "العنف"، لأنه لم يستطع إخضاع الشعب الفلسطيني لسياسة شارون في تركيع الانتفاضة تحت أقدام الجيش الإسرائيلي وحكومته.. وهذا ما لاحظناه في زيارة نائبه "تشيني" الذي أثبت ـ بامتناعه عن زيارة الجانب الفلسطيني ـ أن أمريكا لا تملك الموقف الحيادي الذي يفرضه دورها المزعوم في الوساطة، بل إنها تتبنى وجهة النظر الإسرائيلية جملة وتفصيلاً، للضغط على السلطة من جهة وعلى الانتفاضة من جهة أخرى، بتحميلها مسؤولية استمرار العنف دون أن يصدر أيّ إعلان للمجرم "شارون" وحكومته بالامتناع عن تدمير الشعب الفلسطيني في بنيته التحتية على مستوى السلطة وعلى المستوى الشعبي.

إن الظروف المحيطة بالواقع في فلسطين في امتداد الصراع سوف تبقي فعلاً هنا وردّ فعل هناك.. ويستمر دور الأسلحة الأمريكية في عملية التدمير والتقتيل والحصار بالإضافة إلى الضوء الأخضر السياسي الأميركي الذي قد يتحول إلى ضوء أصفر في بعض الحالات، حفظاً لبعض الشكليات السياسية في العلاقات العربية  الأمريكية..

مسؤولية أحرار العالم: دعم الانتفاضة

ويستمر الشعب الفلسطيني في انتفاضته الجهادية في وحدة شعبية شاملة لا بد له من المحافظة عليها، باعتبار أن ذلك  هو السبيل إلى الانتصار.. ويبقى للجماهير الشعبية العربية والإسلامية ولكل أحرار العالم أن يتحملوا مسؤوليتهم في الوقوف مع هذا الشعب المجاهد الجريح الذي يواجه الإرهاب الأمريكي والإسرائيلي والصمت الدولي في أكثر من موقع..

إن على العالم المتحضر أن يقف في حركة التحالف ضد إرهاب الدولة الذي تمارسه أمريكا وإسرائيل، بدلاً من أن يقف تحت تأثير الخديعة الأمريكية في التحالف ضد الشعوب الحرة التي تحاول أن تتظاهر وتحتج ضد الذين يفرضون عليها الظلم والفقر والحرمان ويصادرون ثراوتها ويعبثون بأمنها. إن مشكلة الاستكبار العالمي، ولا سيما الأمريكي، أنه لم يسأل نفسه لماذا هذه الكراهية الشعبية العالمية من المستضعفين.. ليعرف  في الجواب الحاسم  أنها ليست عقدة دينية وليست مزاجاً إرهابياً، بل هي غضبة الإنسان الذي يريد الحرية في قراره السياسي وفي واقعه الاقتصادي، إنه يبحث عن السلام، ولكن الذين يحركون كلمة السلام في العالم هم الذي يطلقون الحرب ضد الشعوب المستضعفة في كل مكان.

الحرب الأمريكية تستكمل ضد الإسلام

وفي هذا الاتجاه في الخطة الأمريكية، يتحدث مدير المخابرات في أميركا "جورج تينيت" في مجلس الشيوخ الأمريكي ليقول: إن الولايات المتحدة الأمريكية قررت أنه لا فرق بين إرهاب سني وإرهاب شيعي، وأن التفريق بينهما لم يعد مقبولاً، لأن هناك مصلحة مشتركة بين هذه التنظيمات الإرهابية ـ كما  يقول ـ (السنية والشيعية) في العمل ضد الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط.. ثم يبدأ باتهام إيران والعراق بعلاقتهما بـ"القاعدة" من دون دليل، مكتفياً بأن ذلك غير بعيد، ثم يقرر أن الإرهاب سيزداد في الشرق الأوسط، وأن أسبابه هي الفقر وحالة التغريب والتوتر العرقي.. إن السؤال أمام هذا الكلام هو: هل أن أمريكا تحاول إثارة شعبها ضد الذين يعارضون السياسة الأمريكية كمقدمة للدخول في المرحلة الثانية للحرب ضد ما تسميه الإرهاب؟؟ وإذا كانت تؤكد الأسباب الكامنة وراء الإرهاب فلماذا لا تعمل على معالجته بدلاً من السير في الطريق الخطأ بالهجوم على هذا الشعب وذلك الشعب؟؟ ثم ما معنى إثارة السنة والشيعة في هذه الظروف، ولماذا لم يتحدث عن الإرهاب لدى المواقع غير الإسلامية؟ فهل هو استكمال للحرب ضد الإسلام وأهله؟!

قمة بيروت: نحو سلام عربي إسرائيلي

أما القمة العربية، فإن المطلوب منها أن ترتفع إلى مستوى حاجة الشعوب العربية لمستقبل حرٍّ تملك فيه تقرير مصيرها والخروج من هذه الدوامة السياسية والأمنية والاقتصادية والتحرر من الهيمنة الأمريكية ومن الأطماع الإسرائيلية، وإذا كان المسؤولون العرب يحاولون بمبادراتهم السياسية إظهار الرغبة في السلام، فإن عليهم أن يعرفوا أن أمريكا وإسرائيل سوف تعملان على تمييع كل المبادرات في متاهات المفاوضات بالدخول في التفاصيل التي لا تبقى من أية مبادرة إلا ما يخدم مصلحة إسرائيل، لأن المطلوب ـ أمريكياً ـ هو السلام الإسرائيلي لا العربي.

إننا في هذه المرحلة في المفترق الخطر، فهل يرتفع الجميع إلى مستوى التحديات في التأسيس لعالم عربي حرّ جديد، أو أن المسألة هي كيف نتحدث عن الواقعية السياسية ضد التطرف، وذلك بالاستسلام للأمر الواقع  بحجة أنه ليس في الإمكان أفضل مما كان..

أيها المسؤولون، إن المستقبل ليس ملككم.. وإن مواقعكم الرسمية تمثل ـ خطأً أو صواباً ـ أنكم وكلاء هذه الشعوب، ولذلك فلا حرية لكم في التوقيع على أي قرار، إلا إذا كان قرار الشعب في الحرية والقوة والعزة والكرامة. فهل تكونون في مستوى المسؤولية التاريخية..؟؟

إننا ننتظر والشعوب تنتظر، والتاريخ الذي يهيئ لكم أمام أبواب المرحلة، التحيات أو اللعنات، ينتظر.

لبنان: الاستقرار مطلوب لمواجهة قضايا المصير

أما في لبنان، فإن المطلوب في هذه المرحلة هو المزيد من الاستقرار السياسي، وتجميد الأمور التي تستطيع الانتظار، وتهيئة كل الظروف السياسية للبعد عن عناصر الإثارة وعوامل الحقد، لأننا في مرحلة قد تنقلب بها قضايا المنطقة رأساً على عقب، لأن العالم  ولا سيما مواقع الاستكبار فيه  يريد استكمال الخطة التاريخية في إضعاف الموقف العربي والفلسطيني من خلال إيقاف الانتفاضة وفرض الشروط الإسرائيلية الأمريكية على الجميع حتى على القمة العربية.

وقفة مع فكر الإمام الحسين(ع)
من طلب رضا الله بسخط الناس كفاه الله أمور الناس


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى
:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين وأصحابه المنتجبين وعلى جميع أنبياء الله المرسلين..

الالتزام بالحسين(ع) رسالياً

مع الحسين نبقى، نستهديه، نتعلم منه، وقد درج الناس على أن يقرأوا الحسين مأساةً وحركةً في مواجهة التحديات، ولكن القليل منّا من يقرأ الحسين ثقافةً وموعظةً ونصيحة ووصية، ولهذا فإن الكثيرين منا يجهلون الإمام الحسين(ع) في فكره، كما يجهلون أئمة أهل البيت(ع) في تراثهم الثقافي الذي يشمل قضايا الإسلام كلها، لأنّ طريقتنا في الالتزام بولاية أهل البيت(ع) هي أننا التزمناها في شخصياتهم الذاتية ولم نلتزم بها في نطاق رساليتهم في ما قدموه إلينا من أسرار الرسالة ومن الوصايا التي تنفذ إلى عقل الإنسان لتضع فيه الحق وإلى قلبه لتضع في الخير، وإلى حياته لتضع فيها العدل.

ونحن في هذا الموقف نحاول أن نستهدي الإمام الحسين(ع) في بعض كلماته وفي بعض وصاياه، وقد جاء في كلمة له(ع) أنه كتب رجل إليه: يا سيدي، أخبرني بخير الدنيا والآخرة، فكتب إليه: "بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فإن من طلب رضا الله بسخط الناس كفاه الله أمور الناس، ومن طلب رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس والسلام".

ماذا يريد الحسين(ع) أن يقول؟ إنه يريد أن يقول إن على الإنسان أن يفكر أن الله هو المهيمن على الأمر كله، وهو الذي يكفي من كل شيء ولا يكفي منه شيء، وهو مقلّب القلوب، بيده قلوب الناس يحوّلها كيف شاء، حتى أنه خاطب رسوله، وهو أعز الناس عنده: {ولو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألّفت بين قلوبهم ولكنّ الله ألّف بينهم}، لأن القلوب بيده، واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه.

السير في رضا الله

يقول الإمام الحسين(ع) إن هناك صنفين من الناس الصنف الأول يطلب رضا الله في كلّ أموره، سواء كانت خاصة أو عامة، فإنه ينظر أولاً: هل أن في هذا الأمر رضى لله أو ليس فيه رضى، ولا ينظر إلى رضى الناس، حتى أنه إذا رأى رضا الله في كلمة أو في موقف أو في عمل، فإنه يتحرك به حتى لو غضب الناس عليه، وهناك بعض الأشخاص يمثلون الصنف الثاني، ممن تكون كل اهتماماته في الحياة كيف يرضى الناس عنه، سواء كان حاكماً أو سياسياً أو حزباً أو منظمة وهكذا. هذا على المستوى العام، أم على المستوى الخاص، فإنه يفكر كيف ترضى عنه زوجته، حتى لو غضب الله عليه... المهم عنده أن لا يغضب الناس منه.

والناس يرتبطون عادةً بالجانب الحسي في حياتهم: {وما قدروا الله حق قدره}، بحيث يتصورون أن قدرة الناس أعظم من قدرة الله، وإذا قلنا بأنه القادر على كل شيء، فإن إقرارنا هذا يكون في اللسان، أما إذا انطلقنا إلى الممارسة العملية، عملنا كما لو كان هؤلاء الناس هم من يملك القوة المطلقة.

لذلك يقول الله تعالى مخاطباً النبي(ص) ليخاطبنا من خلاله: {وتخشى الناس والله أحقّ أن تخشاه}. وقد ورد في الدعاء: "يا من يكفي من كل شيء ولا يكفي منه شيء". وفي الحديث: "من أراد عزاً بلا عشيرة، وهيبة بلا سلطان، فلينتقل من ذلّ معصية الله إلى عزّ طاعته".

التثقّف بالقرآن

هذا درس الإمام الحسين(ع) في منهجه الإسلامي الإصلاحي، بحيث يريد لجمهور عاشوراء أن يفكر بهذه الطريقة، في المستقبل كما كان في الماضي، أن يرفض الناس ويسير مع الله، لأن رضى الله مع الحسين، بينما جماهير ابن زياد ويزيد أسخطوا الله برضى الناس.

ويحدد الإمام الحسين(ع) في كلمة أخرى له مَنْ هو المؤمن: "إن المؤمن من اتّخذ الله عصمته"، وهو من اعتصم بالله وتمسك به وتوكل عليه، ولم يعتصم ويتمسك بغيره ويتوكل على غيره.

والإمام(ع) يحدّد طرق الحصول على العز والغنى: "إن الغنى والعز يجولان، فإذا ظفرا بموضع التوكل أوطنا". وقيل للحسين(ع): إن أبا ذر يقول: "إن الفقر أحبّ إليّ من الغنى، والسقم أحبّ إليّ من الصحة"، فقال: "رحم الله تعالى أبا ذر، أما أنا فأقول: من اتكل على حسن اختيار الله تعالى له لم يتمنّ غير ما اختاره الله عز وجل".

وقد تحدث الله عن هؤلاء ووصفهم بأنهم قد استمسكوا بالعروة الوثقى، والله هو العروة الوثقى، "وقوله ـ قول الله في كتابه ـ مرآته" أي أنه إذا أراد المؤمن أن يعرف نفسه والحياة من حوله، فإنه ينظر في القرآن ليعطيه الصورة الحقيقية لذلك كله.

"فمرة ينظر في نعت المؤمنين" كما في قوله تعالى: {الذين ينفقون في السّراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين}. {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً} {والذين آمنوا أشدّ حباً لله}، فإذا أراد الإنسان أن يتعرف إلى صفة المؤمنين يرجع إلى القرآن، حتى لا يؤخذ بالمظهر، بل ينظر في العمق. "وتارة ينظر في المتجبرين" كما في قوله تعالى:{إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبِّح أبناءهم ويستحيي نساءهم}. وهكذا قوله تعالى: {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألدّ الخصام* وإذا تولّى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد* وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه  جهنم ولبئس المهاد}.

"فهو منه في لطائف، ومن نفسه في تعارف، ومن فطنته في يقين، ومن قدسه على تمكين". فالإمام الحسين(ع) يريد أن يقول إن المؤمن هو الذي يرضى ما يختاره الله له، ولكن لا بد لقوانين الله وسننه في الكون أن تعمل عملها، يقال إن رجلاً قال للإمام الحسين(ع): إن فيك كِبراً، فقال: "كل الكِبر لله وحده ولا يكون في غيره"، لأن الكبرياء صفة الله ـ ولكن فيّ عزة ـ قال الله تعالى: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين}، قال: فما الكبر؟ قال(ع): "أن تسفّه الناس وتغمس الحق".

وصايا الحسين(ع) وتوجيهاته:

هذه هي بعض كلمات الإمام الحسين(ع)، وهي التي تبيّن الوجه الآخر للإمام الحسين(ع) الذي لا يعرفه الكثيرون، وعلى هذا الصعيد جاء في خطبة له: "يا أيها الناس، نافسوا في المكارم، وسارعوا في المغانم، ولا تحتسبوا بمعروف لم تعجلوا، واكسبوا الحمد بالنجح ولا تكتسبوا بالمطل ذماً، فمهما يكن لأحد عند أحد صنيعة له رأى أنه لا يقوم بشكرها فالله له بمكافأتها، فإنه أجزل عطاء وأعظم أجراً، واعلموا أن حوائج الناس إليكم من نعم الله عليكم ـ لأنك عندما تعطي تسمو بنفسك وترتفع بروحك ـ والله يقول: {ومن يبخل فإنما يبخل على نفسه ومن يوق شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون}، فلا تملوا النعم فتحور نقماً ـ لأن عليك إذا أعطاك الله أن تقدم مما أعطاك، لأنك لو لم تعط فأنت سارق ـ والله تعالى يقول: {وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه}، واعلموا أن المعروف مكسب حمداً ومعقب أجراً... أيها الناس، من جاد ساد ومن بخل رذل، وإن أجود الناس من أعطى من لا يرجوه، وإن أعفى الناس من عفا عن قدرة، وإن أوصل الناس من وصل من قطعه، والأصول على مغارسها بفروعها تسمو، فمن تعجّل لأخيه خيراً وجده إذا قدم عليه غداً، ومن أراد الله تبارك وتعالى بالصنيعة إلى أخيه كافأه بها في وقت حاجته، وصرف عنه من بلاء الدنيا ما هو أكثر منه، ومن نفّس كربة مؤمن فرّج الله عنه كُرب الدنيا والآخرة، ومن أحسن أحسن الله إليه والله يحب المحسنين".

هذا هو الإمام الحسين(ع) في مواعظه ونصائحه وتوجيهاته، تعالوا لنعرف منه كيف نطيع الله أكثر، وكيف نحب بعضنا البعض أكثر، وكيف نقوم بالخير أكثر، وكيف نتوحّد أكثر.

أيها الأحبة، عاشوراء مسؤولية كبرى، ستقول لكم: ماذا حصّلتم وماذا ربحتم، وماذا تغير فيكم فيها، لأنها تحمل كل هذه الروح، وكل هذا السمو، وكل هذا الخير، {قل هو الله أحد* الله الصمد* لم يلد ولم يولد* ولم يكن له كفواً أحد}.

الخطبة الثانيـة

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله، اتقوا الله، وانفتحوا على الخير كله، وعلى الحق كله، وعلى العدل كله، كونوا مع الصادقين في كلماتهم ومواقفهم، كونوا مع العادلين في كل أوضاعهم، ولا تكونوا مع المستكبرين والظالمين، لأن الله لا يحب المستكبرين والظالمين، كونوا جنود الحق والعدل، لأن الله حمّلنا مسؤولية أن ننطلق من أنفسنا بالعدل، وأن ننشره بين الناس حولنا، وأن ننكر الظلم من أنفسنا ومن الناس من حولنا، تلك هي المسألة التي نتحمل مسؤوليتها. ونحن ننتظر ـ في عقيدتنا ـ من يملأ الأرض قسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ولذلك لا بدّ أن نهيّىء للعدل موقعه، وأن نطرد الظلم من مواقعه ولو جزئياً، تعالوا لنواكب كيف يتحرك المستكبرون في العالم وفي منطقتنا، وكيف ينطلق المستضعفون في مواجهتهم لتحركات هؤلاء المستكبرين:

فشل ساحق للمشروع الإسرائيلي

الانتفاضة مستمرة، ولا يزال المجاهدون يخترقون الحواجز ويؤكدون للحكومة الصهيونية ورئيسها فشل مشروعه الأمني والعدواني، وأن اللعبة التي يمارسها الجيش الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني بين يوم وآخر في التوغل في الأراضي الفلسطينية بحجة البحث عن مطلوبين، هي لعبة خطرة لتكون بمثابة سلاح ذي حدين، وهذا هو ما لاحظناه من تكاثر العمليات الاستشهادية في العمق الصهيوني ردّاً على العمليات العدوانية من جهة، ورسالة إلى المبعوث الأمريكي أنه لم يأت ليحل المشكلة في رفع الإرهاب الإسرائيلي عن كاهل الشعب الفلسطيني، بل ليحل مشكلة إسرائيل في المأزق الأمني والسياسي الذي وقعت فيه، فيتبنى وجهة النظر الإسرائيلية في اللعب على التفاصيل الصغيرة بدلاً من التركيز على إزالة الاحتلال ورفع الحصار وتحقيق الأهداف التحريرية للفلسطينيين..

واشنطن: مسايرة لإسرائيل واستهداف للفلسطينيين

إن الرئيس الأمريكي قد أصيب بخيبة أمل لاستمرار ما يسميه "العنف"، لأنه لم يستطع إخضاع الشعب الفلسطيني لسياسة شارون في تركيع الانتفاضة تحت أقدام الجيش الإسرائيلي وحكومته.. وهذا ما لاحظناه في زيارة نائبه "تشيني" الذي أثبت ـ بامتناعه عن زيارة الجانب الفلسطيني ـ أن أمريكا لا تملك الموقف الحيادي الذي يفرضه دورها المزعوم في الوساطة، بل إنها تتبنى وجهة النظر الإسرائيلية جملة وتفصيلاً، للضغط على السلطة من جهة وعلى الانتفاضة من جهة أخرى، بتحميلها مسؤولية استمرار العنف دون أن يصدر أيّ إعلان للمجرم "شارون" وحكومته بالامتناع عن تدمير الشعب الفلسطيني في بنيته التحتية على مستوى السلطة وعلى المستوى الشعبي.

إن الظروف المحيطة بالواقع في فلسطين في امتداد الصراع سوف تبقي فعلاً هنا وردّ فعل هناك.. ويستمر دور الأسلحة الأمريكية في عملية التدمير والتقتيل والحصار بالإضافة إلى الضوء الأخضر السياسي الأميركي الذي قد يتحول إلى ضوء أصفر في بعض الحالات، حفظاً لبعض الشكليات السياسية في العلاقات العربية  الأمريكية..

مسؤولية أحرار العالم: دعم الانتفاضة

ويستمر الشعب الفلسطيني في انتفاضته الجهادية في وحدة شعبية شاملة لا بد له من المحافظة عليها، باعتبار أن ذلك  هو السبيل إلى الانتصار.. ويبقى للجماهير الشعبية العربية والإسلامية ولكل أحرار العالم أن يتحملوا مسؤوليتهم في الوقوف مع هذا الشعب المجاهد الجريح الذي يواجه الإرهاب الأمريكي والإسرائيلي والصمت الدولي في أكثر من موقع..

إن على العالم المتحضر أن يقف في حركة التحالف ضد إرهاب الدولة الذي تمارسه أمريكا وإسرائيل، بدلاً من أن يقف تحت تأثير الخديعة الأمريكية في التحالف ضد الشعوب الحرة التي تحاول أن تتظاهر وتحتج ضد الذين يفرضون عليها الظلم والفقر والحرمان ويصادرون ثراوتها ويعبثون بأمنها. إن مشكلة الاستكبار العالمي، ولا سيما الأمريكي، أنه لم يسأل نفسه لماذا هذه الكراهية الشعبية العالمية من المستضعفين.. ليعرف  في الجواب الحاسم  أنها ليست عقدة دينية وليست مزاجاً إرهابياً، بل هي غضبة الإنسان الذي يريد الحرية في قراره السياسي وفي واقعه الاقتصادي، إنه يبحث عن السلام، ولكن الذين يحركون كلمة السلام في العالم هم الذي يطلقون الحرب ضد الشعوب المستضعفة في كل مكان.

الحرب الأمريكية تستكمل ضد الإسلام

وفي هذا الاتجاه في الخطة الأمريكية، يتحدث مدير المخابرات في أميركا "جورج تينيت" في مجلس الشيوخ الأمريكي ليقول: إن الولايات المتحدة الأمريكية قررت أنه لا فرق بين إرهاب سني وإرهاب شيعي، وأن التفريق بينهما لم يعد مقبولاً، لأن هناك مصلحة مشتركة بين هذه التنظيمات الإرهابية ـ كما  يقول ـ (السنية والشيعية) في العمل ضد الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط.. ثم يبدأ باتهام إيران والعراق بعلاقتهما بـ"القاعدة" من دون دليل، مكتفياً بأن ذلك غير بعيد، ثم يقرر أن الإرهاب سيزداد في الشرق الأوسط، وأن أسبابه هي الفقر وحالة التغريب والتوتر العرقي.. إن السؤال أمام هذا الكلام هو: هل أن أمريكا تحاول إثارة شعبها ضد الذين يعارضون السياسة الأمريكية كمقدمة للدخول في المرحلة الثانية للحرب ضد ما تسميه الإرهاب؟؟ وإذا كانت تؤكد الأسباب الكامنة وراء الإرهاب فلماذا لا تعمل على معالجته بدلاً من السير في الطريق الخطأ بالهجوم على هذا الشعب وذلك الشعب؟؟ ثم ما معنى إثارة السنة والشيعة في هذه الظروف، ولماذا لم يتحدث عن الإرهاب لدى المواقع غير الإسلامية؟ فهل هو استكمال للحرب ضد الإسلام وأهله؟!

قمة بيروت: نحو سلام عربي إسرائيلي

أما القمة العربية، فإن المطلوب منها أن ترتفع إلى مستوى حاجة الشعوب العربية لمستقبل حرٍّ تملك فيه تقرير مصيرها والخروج من هذه الدوامة السياسية والأمنية والاقتصادية والتحرر من الهيمنة الأمريكية ومن الأطماع الإسرائيلية، وإذا كان المسؤولون العرب يحاولون بمبادراتهم السياسية إظهار الرغبة في السلام، فإن عليهم أن يعرفوا أن أمريكا وإسرائيل سوف تعملان على تمييع كل المبادرات في متاهات المفاوضات بالدخول في التفاصيل التي لا تبقى من أية مبادرة إلا ما يخدم مصلحة إسرائيل، لأن المطلوب ـ أمريكياً ـ هو السلام الإسرائيلي لا العربي.

إننا في هذه المرحلة في المفترق الخطر، فهل يرتفع الجميع إلى مستوى التحديات في التأسيس لعالم عربي حرّ جديد، أو أن المسألة هي كيف نتحدث عن الواقعية السياسية ضد التطرف، وذلك بالاستسلام للأمر الواقع  بحجة أنه ليس في الإمكان أفضل مما كان..

أيها المسؤولون، إن المستقبل ليس ملككم.. وإن مواقعكم الرسمية تمثل ـ خطأً أو صواباً ـ أنكم وكلاء هذه الشعوب، ولذلك فلا حرية لكم في التوقيع على أي قرار، إلا إذا كان قرار الشعب في الحرية والقوة والعزة والكرامة. فهل تكونون في مستوى المسؤولية التاريخية..؟؟

إننا ننتظر والشعوب تنتظر، والتاريخ الذي يهيئ لكم أمام أبواب المرحلة، التحيات أو اللعنات، ينتظر.

لبنان: الاستقرار مطلوب لمواجهة قضايا المصير

أما في لبنان، فإن المطلوب في هذه المرحلة هو المزيد من الاستقرار السياسي، وتجميد الأمور التي تستطيع الانتظار، وتهيئة كل الظروف السياسية للبعد عن عناصر الإثارة وعوامل الحقد، لأننا في مرحلة قد تنقلب بها قضايا المنطقة رأساً على عقب، لأن العالم  ولا سيما مواقع الاستكبار فيه  يريد استكمال الخطة التاريخية في إضعاف الموقف العربي والفلسطيني من خلال إيقاف الانتفاضة وفرض الشروط الإسرائيلية الأمريكية على الجميع حتى على القمة العربية.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية