رسول الله (ص) في آخر وصاياه : "أدّوا الحقوق ولا تؤ

رسول الله (ص) في آخر وصاياه : "أدّوا الحقوق ولا تؤ
ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والإجتماعية، وحشد من المؤمنين، وقال في خطبته الأولى:

في الثامن والعشرين من شهر صفر ارتفعت روح سيد الخلق نبيّنا محمد (ص) الى بارئها راضية مرضية، بعد ان أدّى الرسالة كأعظم ما يؤدي نبيّ رسالته، وبعد ان عانى وأُذي بأشدّ حالات المعاناة والأذى، حتى قال (ص): "ما أوذي نبي مثلما أوذيت "، جاءه النداء من قِبَل الله تعالى عندما اشتاق الحبيب الى حبيبه.. وقد تحدث القرآن الكريم عن مسألة وفاة رسول الله (ص) في عدة آيات، ولكل آية معنى وهدف في هذا الاتجاه.

يموت الرسول وتبقى الرسالة

الآية الأولى نزلت في معركة "أُحد"، عندما ضُرب رسول الله (ص) وشُجّت جبهته وسقطت رباعية اسنانه ونزف منه الدم، فصاح صائح: "لقد قُتل محمد"، وحصل هناك اهتزاز بين المسلمين فقال بعضهم: "فلنذهب الى ابي سفيان ليعطينا الأمان"، وقال البعض الآخر وهم المخلصون منهم: "ان كان محمد قد مات فان ربّ محمد لم يمت فتعالوا نقاتل على ما قاتل عليه ونموت على ما مات عليه"، فنـزلت هذه الآية: "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل افئن مات او قُتل ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين".

ان هذه الآية المباركة تريد ان تقول للمسلمين: ان محمداً رسول الله كأيّ رسول من الرسل، والرسول لا يخلد، فقد يموت او يُقتل، ولكن اذا مات الرسول فلن تموت الرسالة بل تبقى ليحملها من بعده اوصيائه، وليتبعها الناس الذين آمنوا بها ليسيروا عليها، فلا يجوز للذين اتبعوا الرسول ان ينقلبوا على اعقابهم بعد ان يموت الرسول، لأن الانسان الذي يؤمن بالرسول هو الذي يؤمن بأن رسالته هي من الله تعالى، وان دوره هو ان يبلّغ الرسالة وان دور الناس هو ان يؤمنوا بها، ولذلك فإن الرسالة لا ترتبط في امتدادها بحياة الرسول، بل يموت الرسول كما يموت الناس من قبله ومن بعده، ولكن تبقى الرسالة وعلى الناس أن يلتزموها، "ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً – لأن الله تعالى لا ينتفع بإيمان المؤمنين ولا يتضرر بكفر الكافرين – وسيجزي الله الشاكرين"، الذين يتجسّد شكرهم في التزامهم بخط الايمان والعمل.

ومن هذه الآية نستوحي ان علينا ان لا نتجمد في اية مرحلة من المراحل عند وفاة نبي او إمام او عالِم او قائد، لنعتبر ان مواقفنا تظل اليه مشدودة في حياته، فاذا مات مات الاسلام فننحرف عن الخط ! بل علينا ان نعرف ان الانبياء والأئمة والعلماء والمصلحين والقادة هم مراحل في حياة الامم، وانهم يبلّغون الرسالة وعلى الأمة ان تتابع الرسالة من بعدهم، وان تحمل رسالتهم التي تؤمن بها.

كل نفس تموت والمرجع هو الحكم الحق

أما الآية الثانية التي تحدث فيها الله تعالى عن وفاة النبي (ص)، هي التي نزلت عندما كان المشركون يتمنون موت النبي (ص)، فأنزل الله تعالى هذه الآية: "وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد – فالناس كلهم يموتون – افئن مت فهم الخالدون"!، هؤلاء الذين يتمنون موتك ليشمتوا بك، لو انك متّ فهل يخلدون من بعدك؟! "كل نفس ذائقة الموت" ، هذه سنّة الله في الخلق، سواء كانت النفس نفس نبي او وليّ او أي انسان عادي، "ونبلوكم بالشر والخير فتنة والينا ترجعون"، نختبركم في الحياة من خلال حركة الخير او الشر في حياتكم، ليتحدد من الذي يأخذ بالخير ومن الذي يأخذ بالشر، وبعد ذلك ستواجهون الموقف ما قدمتموه بين يدي الله تعالى.

ومن خلال ذلك نستوحي ضرورة معالجة السلبيات في علاقاتنا مع بعضنا البعض، فقد نجد - مثلاً- بعض الناس يشمتون بموت انسان ممن يختلفون معه في هذا الجانب او ذاك الجانب، مما يتطلب منهم أن يتعلموا من هذه الآية التي تؤكد بأن على الانسان الذي يشمت بموت ايّ انسان أن يتذكر انه سوف يموت من بعده لأن الله لم يكتب الخلود لأحد في الدنيا. وهناك آية تتحرك في اجواء الآية السابقة وهي : "انك ميت وانهم ميتون – أي انك عندما تعيش الصراع مع هؤلاء الكافرين المشركين ويعيشون الصراع معك، تذكر انك ستموت وسيموتون – ثم انكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون"، قد لا يقبلون منك ما تقول، وانت لا تقبل منهم ما يقولون ، لكنكم ستحشرون غداً الى الله تعالى ليكون الخصام عنده، وسيعطي الله الحكم الحق.

وهذا مما نعيشه نحن ايضاً في كل ما نختلف ونتصارع فيه، لذا علينا جميعاً ، عندما نختلف ونتنازع ونتحارب، أن لا نغفل عن حقيقة أننا سنموت وسيموت خصومنا، فكم بقي حياً من هؤلاء الذين من قبلنا ممن تحاربوا وتنازعوا وعاشوا العداوة والبغضاء؟ اين هم ؟! مات هذا الفريق باجمعه وذاك الفريق باجمعه، وهم بين يدي الله تعالى حيث سيقدّم كل واحد منهم طرحه وحجته وسيحكم الله بينهم فيما يختلفون فيه. وهذا ما عبّر عنه الإمام الحسين (ع) عندما قال: "ما خرجت اشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً، انما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي، أريد ان آمر بالمعروف وانهى عن المنكر، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومن ردّ عليّ اصبر حتى يحكم الله بيننا بالحق وهو خير الحاكمين".. فاذا عرفنا اننا سوف نقف عند ربنا لنختصم هناك ونعلم ان الله تعالى يحكم بالحق وانه وحده الذي يملك الأمر كله، فعلينا ان ننظر في خلافاتنا الآن، ونعرف أننا عندما نختلف على اساس العصبية فإن العصبية في النار، وعندما نختلف على اساس المصالح والمفاسد على حساب الحق فإن كل شيء على حساب الحق في النار. وعندما نختلف على اساس العقد النفسية التي يحملها كل فريق ضد الآخر فيعطّل مشاريعه واعماله فإن علينا ان نعرف ان كل شيء سيموت، ويبقى الله سبحانه وتعالى وحده ليحكم بالحق يوم القيامة، حيث ينادي المنادي هناك: "لمن الملك اليوم ؟– ويأتي الجواب – لله الواحد القهّار".

الرسول (ص) يختار الجنة على خزائن الدنيا

ثم، نريد ان نعرف اللحظات الأخيرة من حياة الرسول (ص) كيف كانت؟ ماذا فعل وما هي الاهتمامات التي كان يهتم بها؟ روى "ابن سعد" في "الطبقات" عن مولى رسول الله (ص) انه (ص) قال من جوف الليل: "اني قد أُمرت ان استغفر لأهل البقيع – والبقيع كان ولا يزال يمثل المقبرة الكبرى في المدينة – فانطلق معي"، فخرجت معه جتى جاء البقيع فاستغفر لأهله طويلاً، ثم قال: "ليهنئْكم ما أصبحتم فيه مما اصبح الناس فيه – يعني عندما نقارن بين الناس الآن وبين ما كنتم فيه، لرأينا أنكم لم تعيشوا في حياتكم الفتن التي تضل الناس عن الحق كما هو الحال مع الفتن التي يستقبلها الناس الآن، فاني اهنئكم لأنكم لم تعيشوا في هذه المرحلة، وإلا لأمكن ان تنحرف بكم هذه الفتن عن سواء السبيل وتهز إيمانكم – اقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع بعضها بعضا، يتبع آخرها اولها، الآخرة شر من الأولى"، ثم قال: "اني قد أُعطيت خزائن الدنيا والخلد ثم الجنة فخُيّرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة"، فقلت: بأبي انت وأمي فخذ خزائن الدنيا والخلد ثم الجنة، فقال: "قد اخترت لقاء ربي والجنة"..

وقال الشيخ المفيد (رحمه الله): مكث رسول الله في بيته ثلاثة ايام موعوكاً، ثم خرج الى المسجد معصوب الرأس، معتمداً على امير المؤمنين بيمنى يديه وعلى الفضل بن العباس باليد الاخرى حتى صعد المنبر فجلس عليه ثم قال (ص): "معاشر الناس، قد حان مني خفوق من بين اظهركم فمن كان له عندي عدة - وعد - فليأتني اعطه اياها، ومن كان له عليّ دَين فليخبرني به، معاشر الناس ليس بين الله وبين احد شيء يعطيه به خيراً او يصرف عنه به شراً إلا العمل – ما يقرّب الناس الى الله هو ما يقدمونه من عمل بين يديه، "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره" - ايها الناس لا يدّعِ مدّعٍ ولا يتمنَ متمنٍ والذي بعثني بالحق نبياً لا ينجي إلا عمل مع رحمة ولو عصيت لهويت – ولن اعص الله لأن الله تعالى عصمني من المعصية باختياري وارادتي - اللهم هل بلّغت"؟ ثم نزل فصلى بالناس صلاة خفيفة ثم دخل بيته..

لا تؤجلوا أداء الحقوق الشرعية

هذه الوصية الأخيرة من رسول الله تعطينا فكرة مفادها ان علىكل واحد منا عندما يقترب الموت منه او يتحسس الموت في حياته، وكل واحد منا يتحسس الموت في حياته كل يوم لأنه لا يعرف متى يأتي اجله، ان عليه قبل ان يفد الى ربه ان يصفي حساباته المتعلقة بحقوق الناس عنده، وهكذا بالنسبة الى حقوق الله تعالى من خمس او زكاة او كفّارات او ردّ مظالم، لا تؤجلوها لأنكم لا تدرون اذا اجّلتموها هل تستطيعون وفاءها الى الأجل الذي تؤجلونها فيه، او توصون بها، لأننا نعرف الكثير من الاغنياء الذي اوصوا بان تؤدى حقوقهم الشرعية بعد موتهم ولكن الأوصياء لم يدفعوا قرشاً واحداً منها، وهذا ما أكد عليه عليّ (ع) في قوله: "كنّ وصيّ نفسك فاعمل في مالك ما تؤثر ان يعمل فيه من بعدك". فاذا كان رسول الله (ص) يطلب من الناس في آخر حياته ان يتحدثوا عما لهم من حق، فكيف بنا نحن عندما نفارق هذه الدنيا الفانية !.

ان الله تعالى قال لنا: "لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا"، علينا ان نعيش مع رسول الله (ص) في وجداننا الثقافي ومشاعرنا الروحية وحياتنا، فان رسول الله (ص) هو المعلّم لكل المسلمين، هو المعلّم لعليّ وفاطمة (ع) ومن خلال ذلك كان هو المعلّم للأئمة (ع) وللأجيال، ولا بد ان ننفتح عليه (ص) كما ننفتح على اسمه في كل صلاة وصلوات ومناسبة . علينا ان نكون معه بعد وفاته وفي مدى الحياة كما كان المسلمون معه في الحياة.

 

الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله في ما تركه رسول الله (ص) امانة عندكم وهو دين الله الذي أراد للمسلمين جميعاً في كل زمان ومكان ان يتمثلوه في حياتهم، ليكون الإسلام كل حياتهم في البيت وموقع العمل وفي كل الساحات، فيلتزموه دعوة وعملاً ومنهجاً في كل مواقع الحياة، لا سيما من جهة الإهتمام بأمور المسلمين العامة فـ"من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم"، مما يتطلب منا ان نتعرف، من خلال هذه المسؤوليات، ماذا لنا وماذا علينا، ماذا يخطط الآخرون لنا وكيف نواجه هذا التخطيط ؟..

رسالة حرب البلقان : الحلف الأطلسي قادم !

لقد انتهت حرب البلقان أو كادت، ولا نريد – الآن – التكلم باستفاضة عن الأحداث الدامـية التي تخللتها ، فهذه الأحداث ألـحقت الكثير من الأضرار بالـمدنيين، حتى ان أمريكا – وحلفاءها - لم تجد مشكلة في قصف اللاجئين بوحشية وهي التي تتحدث عن تقنياتها العسكرية الحديثة، وما تسميه بـ"الأسلحة الذكية"، ومن المعروف أن أمريكا لا تأبه بتدمير أي بلد حين يتعلق الأمر بإخضاع حاكمه وتحقيق مصالحها فيه..

إننا نعتقد ان الدفاع عن مسلمي "كوسوفو" لم يكن السبب الأساس لإثارة الحرب، ولكنها المصالح الأمريكية، وان الخطر الذي تمثله هذه الحرب هو ما ذكرته "اولبرايت" التي تؤكد ان "الحلف الأطلسي سيشكّل قلب القوة الدولية وسيكون قائدها"، مما يعني تجاوز الأمم المتحدة، ومعها يمكن لواشنطن ان تهزّ العصا في كل مكان لمن يريد ان يعارض سياستها عبر تهديده بأن أمامه تجربة يوغوسلافيا وان الحلف الأطلسي قادم، ولكنها لن تهز العصا لإسرائيل التي تصادر حقوق الإنسان العربي والفلسطيني في احتلالها، بل تهزّ العصا في وجه العرب لحساب إسرائيل..

بأي منطق تتعامل أمريكا مع قضايا العدالة ؟!

وعلى خط آخر، فاننا نسمع أصواتاً يهودية – أمريكية وأوروبية تدعو للإفراج عن ثلاثة عشر يهودياً معتقلين في إيران بتهمة التجسس لإسرائيل، حتى ان الصحف الصهيونية تحدثت عن جهود تقوم بها فرنسا وألمانيا وأمريكا والأمين العام للأمم المتحدة للإفراج عنهم.. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية: "هذه الاعتقالات توجه رسالة مقلقة للغاية، وندعو حكومة إيران الى ضمان ان لا يمسهم سوء وان يُفرج عنهم"..

ان السبب في كل هذه الضجة ان المعتقلين من اليهود، وإنْ كانوا مواطنين إيرانيين، ولكننا لم نسمع صوتاً دولياً واحداً يدعو إسرائيل للإفراج عن المعتقلين اللبنانيين الذين اختطفتهم من لبنان، وعلى رأسهم الشيخ عبد الكريم عبيد والحاج ابو علي الديراني وغيرهم من المجاهدين، مع الفارق ان هؤلاء طلاب حرية يعملون لتحرير بلادهم من المحتل، وأولئك يتآمرون على بلدهم لحساب الأجنبي، مع ملاحظة مهمة وهي ان نظام الجمهورية الإسلامية في إيران هو من أكثر الأنظمة تقدماً وانسانية في مسألة احترام الأقليات، بما في ذلك الأقلية اليهودية..

ان أمريكا تلاحق كل الذين تتهم بالإساءة الى أمنها في أنحاء العالم، ولكنها لا توافق على ان تلاحق إيران مواطنيها الذين يتجسسون لحساب العدو؟! إننا لا ندري بأيّ منطق تتعامل أمريكا مع قضايا العدالة؟! انها (أمريكا) تستمر في الحملة على الجمهورية الإسلامية لأنها ترفض اتفاقي "أوسلو" و"واي ريفر"، كما تنتقد اجتماع المسؤولين الإيرانيين بالفصائل الفلسطينية الرافضة، وتندد بخطة إيران لبناء قوتها العسكرية الدفاعية بتهمة سعيها لبناء أسلحة الدمار الشامل كنوع من انواع الضغط السياسي والإعلامي على إيران.. ان امريكا تعمل للضغط على إيران لضمان استئناف التسوية بسرعة في المنطقة، والتي تعارضها إيران لأنها تتم لحساب إسرائيل لا لحساب العرب والمسلمين والفلسطينيين.

 

الهروب الصهيوني الكبير

وفي هذا الجو، فقد وصفت الصحف الإسرائيلية الإنسحاب من جزين بانه "الهروب الكبير"، وقد تساقط جيش العملاء وبدأ الإعلام الصهيوني يتحدث عنهم بأنهم الخونة لبلادهم وان قبولهم في داخل الكيان الصهيوني قد يثير الفساد والجريمة والمخدرات هناك.. ان على الجميع ان يعرفوا ان المقاومة هي التي تقف وراء هذا الهروب الإسرائيلي، وان العدو مضطر الى الإنسحاب ان عاجلاً أو آجلاً، وان على اللبنانيين الاستمرار في دعمهم للمقاومة ورفضهم للإحتلال كموقف واحد يؤكد على انسحاب العدو دونما شروط، ويرفض كل التهديدات والإنذارات المتكررة، سيما وان العدو بات أضعف من ان ينفّذ هكذا تهديدات.

واننا بهذه المناسبة، نحيّي المجاهدين ونبارك لهم انتصاراتهم على العدو، ولا سيما العملية الأخيرة في "عقماتا" التي أدت الى مقتل جنديين إسرائيليين وجرح اربعة.. ان هذه العملية تؤكد ان المقاومة ماضية في جهادها لإخراج العدو، وان انسحابه من منطقة معينة لا يعني الأمان له في المناطق المحتلة الأخرى..

ماذا وراء جريمة صيدا ؟

وختاماً، ماذا وراء الجريمة البشعة في صيدا؟ ان كل التحليلات في الإعلام التي تضع القضية في دائرة ردٍ فعل لدعوى هنا أو حكم هناك لا تثبت أمام الوقائع.. ان اختيار التوقيت في مرحلة تحرير جزين، وسقوط الرهان الإسرائيلي على الفتنة الطائفية، واتجاه البلد الى تثبيت الأمن للمواطنين، وفتح الملفات الكبرى لاسترجاع المال العام، وانفتاح الوطن على مرحلة متقدمة تنعش اقتصاده وتوازن سياسته وتؤكد موقعه المميز في المنطقة، ان اختيار التوقيت في ظل هذه الإنجازات يوحي بأن هناك شيئاً سياسياً يشير – بكل وضوح – الى إسرائيل التي توظّف عملاءها لإبقاء لبنان في حالة اهتزاز، لأن لبنان العيش المشترك المنفتح على الواقع العربي، المتضامن مع سوريا في مواجهة الإحتلال على قاعدة وحدة المسارين في قضية المصير، والذي يقف – دولة وشعباً – مع المقاومة التي ألحقت الهزيمة بجيش العدو في احتلاله، (ان لبنان هذا) هو العقدة التي تعيشها اسرائيل في مأزقها الكبير في الإحتلال..

ليتحول كل مواطن إلى حارس لوطنه

إن على الجميع – أمام هذه الجريمة المجزرة – ان يرتفعوا الى مستوى المرحلة، وان يواكبوا عملية التحقيق، وان لا نستعجل الأمور، ونبتعد عن إثارة الأوضاع بطريقة غير مسؤولة، وان يتحوّل كل مواطن الى حارس لوطنه كلٌ بحسب موقعه وإمكانياته، حتى نتجاوز هذا القطوع الصعب، ونصل بالبلد الى شاطئ الأمان، لأن المعركة مفتوحة على جبهة الداخل والخارج معاً، وهو ما يفرض علينا ان نقف على أرض صلبة في خط المواجهة.

ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والإجتماعية، وحشد من المؤمنين، وقال في خطبته الأولى:

في الثامن والعشرين من شهر صفر ارتفعت روح سيد الخلق نبيّنا محمد (ص) الى بارئها راضية مرضية، بعد ان أدّى الرسالة كأعظم ما يؤدي نبيّ رسالته، وبعد ان عانى وأُذي بأشدّ حالات المعاناة والأذى، حتى قال (ص): "ما أوذي نبي مثلما أوذيت "، جاءه النداء من قِبَل الله تعالى عندما اشتاق الحبيب الى حبيبه.. وقد تحدث القرآن الكريم عن مسألة وفاة رسول الله (ص) في عدة آيات، ولكل آية معنى وهدف في هذا الاتجاه.

يموت الرسول وتبقى الرسالة

الآية الأولى نزلت في معركة "أُحد"، عندما ضُرب رسول الله (ص) وشُجّت جبهته وسقطت رباعية اسنانه ونزف منه الدم، فصاح صائح: "لقد قُتل محمد"، وحصل هناك اهتزاز بين المسلمين فقال بعضهم: "فلنذهب الى ابي سفيان ليعطينا الأمان"، وقال البعض الآخر وهم المخلصون منهم: "ان كان محمد قد مات فان ربّ محمد لم يمت فتعالوا نقاتل على ما قاتل عليه ونموت على ما مات عليه"، فنـزلت هذه الآية: "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل افئن مات او قُتل ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين".

ان هذه الآية المباركة تريد ان تقول للمسلمين: ان محمداً رسول الله كأيّ رسول من الرسل، والرسول لا يخلد، فقد يموت او يُقتل، ولكن اذا مات الرسول فلن تموت الرسالة بل تبقى ليحملها من بعده اوصيائه، وليتبعها الناس الذين آمنوا بها ليسيروا عليها، فلا يجوز للذين اتبعوا الرسول ان ينقلبوا على اعقابهم بعد ان يموت الرسول، لأن الانسان الذي يؤمن بالرسول هو الذي يؤمن بأن رسالته هي من الله تعالى، وان دوره هو ان يبلّغ الرسالة وان دور الناس هو ان يؤمنوا بها، ولذلك فإن الرسالة لا ترتبط في امتدادها بحياة الرسول، بل يموت الرسول كما يموت الناس من قبله ومن بعده، ولكن تبقى الرسالة وعلى الناس أن يلتزموها، "ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً – لأن الله تعالى لا ينتفع بإيمان المؤمنين ولا يتضرر بكفر الكافرين – وسيجزي الله الشاكرين"، الذين يتجسّد شكرهم في التزامهم بخط الايمان والعمل.

ومن هذه الآية نستوحي ان علينا ان لا نتجمد في اية مرحلة من المراحل عند وفاة نبي او إمام او عالِم او قائد، لنعتبر ان مواقفنا تظل اليه مشدودة في حياته، فاذا مات مات الاسلام فننحرف عن الخط ! بل علينا ان نعرف ان الانبياء والأئمة والعلماء والمصلحين والقادة هم مراحل في حياة الامم، وانهم يبلّغون الرسالة وعلى الأمة ان تتابع الرسالة من بعدهم، وان تحمل رسالتهم التي تؤمن بها.

كل نفس تموت والمرجع هو الحكم الحق

أما الآية الثانية التي تحدث فيها الله تعالى عن وفاة النبي (ص)، هي التي نزلت عندما كان المشركون يتمنون موت النبي (ص)، فأنزل الله تعالى هذه الآية: "وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد – فالناس كلهم يموتون – افئن مت فهم الخالدون"!، هؤلاء الذين يتمنون موتك ليشمتوا بك، لو انك متّ فهل يخلدون من بعدك؟! "كل نفس ذائقة الموت" ، هذه سنّة الله في الخلق، سواء كانت النفس نفس نبي او وليّ او أي انسان عادي، "ونبلوكم بالشر والخير فتنة والينا ترجعون"، نختبركم في الحياة من خلال حركة الخير او الشر في حياتكم، ليتحدد من الذي يأخذ بالخير ومن الذي يأخذ بالشر، وبعد ذلك ستواجهون الموقف ما قدمتموه بين يدي الله تعالى.

ومن خلال ذلك نستوحي ضرورة معالجة السلبيات في علاقاتنا مع بعضنا البعض، فقد نجد - مثلاً- بعض الناس يشمتون بموت انسان ممن يختلفون معه في هذا الجانب او ذاك الجانب، مما يتطلب منهم أن يتعلموا من هذه الآية التي تؤكد بأن على الانسان الذي يشمت بموت ايّ انسان أن يتذكر انه سوف يموت من بعده لأن الله لم يكتب الخلود لأحد في الدنيا. وهناك آية تتحرك في اجواء الآية السابقة وهي : "انك ميت وانهم ميتون – أي انك عندما تعيش الصراع مع هؤلاء الكافرين المشركين ويعيشون الصراع معك، تذكر انك ستموت وسيموتون – ثم انكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون"، قد لا يقبلون منك ما تقول، وانت لا تقبل منهم ما يقولون ، لكنكم ستحشرون غداً الى الله تعالى ليكون الخصام عنده، وسيعطي الله الحكم الحق.

وهذا مما نعيشه نحن ايضاً في كل ما نختلف ونتصارع فيه، لذا علينا جميعاً ، عندما نختلف ونتنازع ونتحارب، أن لا نغفل عن حقيقة أننا سنموت وسيموت خصومنا، فكم بقي حياً من هؤلاء الذين من قبلنا ممن تحاربوا وتنازعوا وعاشوا العداوة والبغضاء؟ اين هم ؟! مات هذا الفريق باجمعه وذاك الفريق باجمعه، وهم بين يدي الله تعالى حيث سيقدّم كل واحد منهم طرحه وحجته وسيحكم الله بينهم فيما يختلفون فيه. وهذا ما عبّر عنه الإمام الحسين (ع) عندما قال: "ما خرجت اشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً، انما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي، أريد ان آمر بالمعروف وانهى عن المنكر، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومن ردّ عليّ اصبر حتى يحكم الله بيننا بالحق وهو خير الحاكمين".. فاذا عرفنا اننا سوف نقف عند ربنا لنختصم هناك ونعلم ان الله تعالى يحكم بالحق وانه وحده الذي يملك الأمر كله، فعلينا ان ننظر في خلافاتنا الآن، ونعرف أننا عندما نختلف على اساس العصبية فإن العصبية في النار، وعندما نختلف على اساس المصالح والمفاسد على حساب الحق فإن كل شيء على حساب الحق في النار. وعندما نختلف على اساس العقد النفسية التي يحملها كل فريق ضد الآخر فيعطّل مشاريعه واعماله فإن علينا ان نعرف ان كل شيء سيموت، ويبقى الله سبحانه وتعالى وحده ليحكم بالحق يوم القيامة، حيث ينادي المنادي هناك: "لمن الملك اليوم ؟– ويأتي الجواب – لله الواحد القهّار".

الرسول (ص) يختار الجنة على خزائن الدنيا

ثم، نريد ان نعرف اللحظات الأخيرة من حياة الرسول (ص) كيف كانت؟ ماذا فعل وما هي الاهتمامات التي كان يهتم بها؟ روى "ابن سعد" في "الطبقات" عن مولى رسول الله (ص) انه (ص) قال من جوف الليل: "اني قد أُمرت ان استغفر لأهل البقيع – والبقيع كان ولا يزال يمثل المقبرة الكبرى في المدينة – فانطلق معي"، فخرجت معه جتى جاء البقيع فاستغفر لأهله طويلاً، ثم قال: "ليهنئْكم ما أصبحتم فيه مما اصبح الناس فيه – يعني عندما نقارن بين الناس الآن وبين ما كنتم فيه، لرأينا أنكم لم تعيشوا في حياتكم الفتن التي تضل الناس عن الحق كما هو الحال مع الفتن التي يستقبلها الناس الآن، فاني اهنئكم لأنكم لم تعيشوا في هذه المرحلة، وإلا لأمكن ان تنحرف بكم هذه الفتن عن سواء السبيل وتهز إيمانكم – اقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع بعضها بعضا، يتبع آخرها اولها، الآخرة شر من الأولى"، ثم قال: "اني قد أُعطيت خزائن الدنيا والخلد ثم الجنة فخُيّرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة"، فقلت: بأبي انت وأمي فخذ خزائن الدنيا والخلد ثم الجنة، فقال: "قد اخترت لقاء ربي والجنة"..

وقال الشيخ المفيد (رحمه الله): مكث رسول الله في بيته ثلاثة ايام موعوكاً، ثم خرج الى المسجد معصوب الرأس، معتمداً على امير المؤمنين بيمنى يديه وعلى الفضل بن العباس باليد الاخرى حتى صعد المنبر فجلس عليه ثم قال (ص): "معاشر الناس، قد حان مني خفوق من بين اظهركم فمن كان له عندي عدة - وعد - فليأتني اعطه اياها، ومن كان له عليّ دَين فليخبرني به، معاشر الناس ليس بين الله وبين احد شيء يعطيه به خيراً او يصرف عنه به شراً إلا العمل – ما يقرّب الناس الى الله هو ما يقدمونه من عمل بين يديه، "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره" - ايها الناس لا يدّعِ مدّعٍ ولا يتمنَ متمنٍ والذي بعثني بالحق نبياً لا ينجي إلا عمل مع رحمة ولو عصيت لهويت – ولن اعص الله لأن الله تعالى عصمني من المعصية باختياري وارادتي - اللهم هل بلّغت"؟ ثم نزل فصلى بالناس صلاة خفيفة ثم دخل بيته..

لا تؤجلوا أداء الحقوق الشرعية

هذه الوصية الأخيرة من رسول الله تعطينا فكرة مفادها ان علىكل واحد منا عندما يقترب الموت منه او يتحسس الموت في حياته، وكل واحد منا يتحسس الموت في حياته كل يوم لأنه لا يعرف متى يأتي اجله، ان عليه قبل ان يفد الى ربه ان يصفي حساباته المتعلقة بحقوق الناس عنده، وهكذا بالنسبة الى حقوق الله تعالى من خمس او زكاة او كفّارات او ردّ مظالم، لا تؤجلوها لأنكم لا تدرون اذا اجّلتموها هل تستطيعون وفاءها الى الأجل الذي تؤجلونها فيه، او توصون بها، لأننا نعرف الكثير من الاغنياء الذي اوصوا بان تؤدى حقوقهم الشرعية بعد موتهم ولكن الأوصياء لم يدفعوا قرشاً واحداً منها، وهذا ما أكد عليه عليّ (ع) في قوله: "كنّ وصيّ نفسك فاعمل في مالك ما تؤثر ان يعمل فيه من بعدك". فاذا كان رسول الله (ص) يطلب من الناس في آخر حياته ان يتحدثوا عما لهم من حق، فكيف بنا نحن عندما نفارق هذه الدنيا الفانية !.

ان الله تعالى قال لنا: "لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا"، علينا ان نعيش مع رسول الله (ص) في وجداننا الثقافي ومشاعرنا الروحية وحياتنا، فان رسول الله (ص) هو المعلّم لكل المسلمين، هو المعلّم لعليّ وفاطمة (ع) ومن خلال ذلك كان هو المعلّم للأئمة (ع) وللأجيال، ولا بد ان ننفتح عليه (ص) كما ننفتح على اسمه في كل صلاة وصلوات ومناسبة . علينا ان نكون معه بعد وفاته وفي مدى الحياة كما كان المسلمون معه في الحياة.

 

الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله في ما تركه رسول الله (ص) امانة عندكم وهو دين الله الذي أراد للمسلمين جميعاً في كل زمان ومكان ان يتمثلوه في حياتهم، ليكون الإسلام كل حياتهم في البيت وموقع العمل وفي كل الساحات، فيلتزموه دعوة وعملاً ومنهجاً في كل مواقع الحياة، لا سيما من جهة الإهتمام بأمور المسلمين العامة فـ"من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم"، مما يتطلب منا ان نتعرف، من خلال هذه المسؤوليات، ماذا لنا وماذا علينا، ماذا يخطط الآخرون لنا وكيف نواجه هذا التخطيط ؟..

رسالة حرب البلقان : الحلف الأطلسي قادم !

لقد انتهت حرب البلقان أو كادت، ولا نريد – الآن – التكلم باستفاضة عن الأحداث الدامـية التي تخللتها ، فهذه الأحداث ألـحقت الكثير من الأضرار بالـمدنيين، حتى ان أمريكا – وحلفاءها - لم تجد مشكلة في قصف اللاجئين بوحشية وهي التي تتحدث عن تقنياتها العسكرية الحديثة، وما تسميه بـ"الأسلحة الذكية"، ومن المعروف أن أمريكا لا تأبه بتدمير أي بلد حين يتعلق الأمر بإخضاع حاكمه وتحقيق مصالحها فيه..

إننا نعتقد ان الدفاع عن مسلمي "كوسوفو" لم يكن السبب الأساس لإثارة الحرب، ولكنها المصالح الأمريكية، وان الخطر الذي تمثله هذه الحرب هو ما ذكرته "اولبرايت" التي تؤكد ان "الحلف الأطلسي سيشكّل قلب القوة الدولية وسيكون قائدها"، مما يعني تجاوز الأمم المتحدة، ومعها يمكن لواشنطن ان تهزّ العصا في كل مكان لمن يريد ان يعارض سياستها عبر تهديده بأن أمامه تجربة يوغوسلافيا وان الحلف الأطلسي قادم، ولكنها لن تهز العصا لإسرائيل التي تصادر حقوق الإنسان العربي والفلسطيني في احتلالها، بل تهزّ العصا في وجه العرب لحساب إسرائيل..

بأي منطق تتعامل أمريكا مع قضايا العدالة ؟!

وعلى خط آخر، فاننا نسمع أصواتاً يهودية – أمريكية وأوروبية تدعو للإفراج عن ثلاثة عشر يهودياً معتقلين في إيران بتهمة التجسس لإسرائيل، حتى ان الصحف الصهيونية تحدثت عن جهود تقوم بها فرنسا وألمانيا وأمريكا والأمين العام للأمم المتحدة للإفراج عنهم.. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية: "هذه الاعتقالات توجه رسالة مقلقة للغاية، وندعو حكومة إيران الى ضمان ان لا يمسهم سوء وان يُفرج عنهم"..

ان السبب في كل هذه الضجة ان المعتقلين من اليهود، وإنْ كانوا مواطنين إيرانيين، ولكننا لم نسمع صوتاً دولياً واحداً يدعو إسرائيل للإفراج عن المعتقلين اللبنانيين الذين اختطفتهم من لبنان، وعلى رأسهم الشيخ عبد الكريم عبيد والحاج ابو علي الديراني وغيرهم من المجاهدين، مع الفارق ان هؤلاء طلاب حرية يعملون لتحرير بلادهم من المحتل، وأولئك يتآمرون على بلدهم لحساب الأجنبي، مع ملاحظة مهمة وهي ان نظام الجمهورية الإسلامية في إيران هو من أكثر الأنظمة تقدماً وانسانية في مسألة احترام الأقليات، بما في ذلك الأقلية اليهودية..

ان أمريكا تلاحق كل الذين تتهم بالإساءة الى أمنها في أنحاء العالم، ولكنها لا توافق على ان تلاحق إيران مواطنيها الذين يتجسسون لحساب العدو؟! إننا لا ندري بأيّ منطق تتعامل أمريكا مع قضايا العدالة؟! انها (أمريكا) تستمر في الحملة على الجمهورية الإسلامية لأنها ترفض اتفاقي "أوسلو" و"واي ريفر"، كما تنتقد اجتماع المسؤولين الإيرانيين بالفصائل الفلسطينية الرافضة، وتندد بخطة إيران لبناء قوتها العسكرية الدفاعية بتهمة سعيها لبناء أسلحة الدمار الشامل كنوع من انواع الضغط السياسي والإعلامي على إيران.. ان امريكا تعمل للضغط على إيران لضمان استئناف التسوية بسرعة في المنطقة، والتي تعارضها إيران لأنها تتم لحساب إسرائيل لا لحساب العرب والمسلمين والفلسطينيين.

 

الهروب الصهيوني الكبير

وفي هذا الجو، فقد وصفت الصحف الإسرائيلية الإنسحاب من جزين بانه "الهروب الكبير"، وقد تساقط جيش العملاء وبدأ الإعلام الصهيوني يتحدث عنهم بأنهم الخونة لبلادهم وان قبولهم في داخل الكيان الصهيوني قد يثير الفساد والجريمة والمخدرات هناك.. ان على الجميع ان يعرفوا ان المقاومة هي التي تقف وراء هذا الهروب الإسرائيلي، وان العدو مضطر الى الإنسحاب ان عاجلاً أو آجلاً، وان على اللبنانيين الاستمرار في دعمهم للمقاومة ورفضهم للإحتلال كموقف واحد يؤكد على انسحاب العدو دونما شروط، ويرفض كل التهديدات والإنذارات المتكررة، سيما وان العدو بات أضعف من ان ينفّذ هكذا تهديدات.

واننا بهذه المناسبة، نحيّي المجاهدين ونبارك لهم انتصاراتهم على العدو، ولا سيما العملية الأخيرة في "عقماتا" التي أدت الى مقتل جنديين إسرائيليين وجرح اربعة.. ان هذه العملية تؤكد ان المقاومة ماضية في جهادها لإخراج العدو، وان انسحابه من منطقة معينة لا يعني الأمان له في المناطق المحتلة الأخرى..

ماذا وراء جريمة صيدا ؟

وختاماً، ماذا وراء الجريمة البشعة في صيدا؟ ان كل التحليلات في الإعلام التي تضع القضية في دائرة ردٍ فعل لدعوى هنا أو حكم هناك لا تثبت أمام الوقائع.. ان اختيار التوقيت في مرحلة تحرير جزين، وسقوط الرهان الإسرائيلي على الفتنة الطائفية، واتجاه البلد الى تثبيت الأمن للمواطنين، وفتح الملفات الكبرى لاسترجاع المال العام، وانفتاح الوطن على مرحلة متقدمة تنعش اقتصاده وتوازن سياسته وتؤكد موقعه المميز في المنطقة، ان اختيار التوقيت في ظل هذه الإنجازات يوحي بأن هناك شيئاً سياسياً يشير – بكل وضوح – الى إسرائيل التي توظّف عملاءها لإبقاء لبنان في حالة اهتزاز، لأن لبنان العيش المشترك المنفتح على الواقع العربي، المتضامن مع سوريا في مواجهة الإحتلال على قاعدة وحدة المسارين في قضية المصير، والذي يقف – دولة وشعباً – مع المقاومة التي ألحقت الهزيمة بجيش العدو في احتلاله، (ان لبنان هذا) هو العقدة التي تعيشها اسرائيل في مأزقها الكبير في الإحتلال..

ليتحول كل مواطن إلى حارس لوطنه

إن على الجميع – أمام هذه الجريمة المجزرة – ان يرتفعوا الى مستوى المرحلة، وان يواكبوا عملية التحقيق، وان لا نستعجل الأمور، ونبتعد عن إثارة الأوضاع بطريقة غير مسؤولة، وان يتحوّل كل مواطن الى حارس لوطنه كلٌ بحسب موقعه وإمكانياته، حتى نتجاوز هذا القطوع الصعب، ونصل بالبلد الى شاطئ الأمان، لأن المعركة مفتوحة على جبهة الداخل والخارج معاً، وهو ما يفرض علينا ان نقف على أرض صلبة في خط المواجهة.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية