وفيه مسائل:
ـ يجب على الزوج بذل ما تحتاجه المرأة في مختلف مجالات حياتها، الشامل للطعام والشراب والملبس والمسكن ولوازم التجمل والنظافة ومتطلبات ضيافة زوارها من أرحامها ونحوهم، وكذا لوازم خدمتها من خدم وآلات، إضافة إلى الأثاث الذي تحتاجه في منامها وجلوسها وسائر أعمالها وحاجاتها؛ والمعيار في كون الشيء حاجة لها، وكذا في نوعه ومقداره، هو ما تعارف عليه الناس في مجتمعها وبلدها لمن هو في مثل شأنها؛ والمراد بـ (الشأن) هو: (حال الزوجة من حيث العمر والثقافة والجاه)، وهي الأمور التي تقتضي اختلاف نوع ومقدار ما يسد حاجتها من تلك الأمور التي ذكرناها، فقد يكتفى لفتاة تعيش في الريف بالنوع المتواضع من المسكن والأثاث، في حين لا يكتفى به لفتاة نشأت في المدينة، وهكذا نحوه في سائر المجالات التي تختلف باختلاف الناس والبلدان اختلافاً كبيراً. هذا، ومما يعتبر من النفقة الواجبة مصاريف الولادة ومصاريف العلاج من مختلف الأمراض، سواءً منها الأمراض المعتادة أو الأمراض الصعبة التي يحتاج علاجها إلى بذل مال كثير، إلا أن يكون ذلك حرجياً على الزوج، فيقتصر ـ حينئذٍ ـ على بذل ما لا حرج عليه فيه من نفقات علاجها من الأمراض الصعبة؛ وذلك ـ أيضاً ـ بالنحو الموافق لشأنها من نوع العلاج ومكانه وكيفيته.
ـ حيث إن المعيار في ما يجب إنفاقه هو كونه حاجة معيشية فإنه لا يجب على الزوج أن يتحمل الديون التي على زوجته، ولا نفقات تعلُّمها لعلم أو مهنة، ولا تحمل ما قد يجب عليها من نفقة تجاه أبويها أو أبنائها من زوج آخر، ولا ما يثبت عليها من فدية أو كفارة أو أرش جناية أو حج واجب عليها، فضلاً عن نفقات الأعمال والقربات المستحبة، كزيارة العتبات المقدسة ونحوها.
ـ تختلف طريقة الإنفاق باختلاف نوع الحاجة على نحوين:
الأول: ما يكون مما تذهب عينه بالانتفاع، كالطعام والشراب والدواء والوقود ونحوها، وهنا تتخير الزوجة بين الإكتفاء بما هو المتعارف من جعل الزوج لهذه الأشياء تحت تصرفها، فتتناول منها بمقدار حاجتها دون أن تتملكها وتستأثر بها، وبين أن تطالب الزوج بدفع عين المأكول والمشروب إليها بمقدار حاجتها، حيث يجب عليه إجابة طلبها؛ فإن اختارت الأول لم يكن لهـا ـ بعد أن تأخذ حاجتها منه ـ مطالبة الزوج بشيء، وإن اختارت الثاني فإن لها مطالبة الزوج بتمليكها عين ما تحتاجه حين حاجتها إليه وتسليمه لها، فيما ليس لها أن تلزمه بدفع ثمن هذه الأعيان، كما أنه ليس للرجل أن يلزمها بأخذ الثمن؛ ولو دفع لها العين غير مطبوخة لزمته نفقة طبخها.
ومما يعدّ بحكم ما تذهب عينه بالانتفاع، اللباس، فإن الزوجة فيه مخيرة بين الرضا بما يجعله الزوج منه تحت يدها فتلبسه حسب حاجتها، وبين أن تلزمه بتمليكها إياه وتسليمه لها.
الثاني: ما يكون مما تبقى عينه بالانتفاع، كالمسكن والأثاث والمركب والخادم ونحوها، ويكفي الزوجة منها توفرها عندها وبذلها لها، سواءً كانت أعيانها مملوكة للزوج أو متوفرة عنده بإجارة أو عارية، وليس للزوجة إلزامه بتمليكها أعيان تلك الأشياء إلا أن يرغب هو بذلك.
ـ يجوز للزوجة أن تتصرف فيما تتملكه من أعيان نفقتها كيفما تشاء، فيصح لها أن تنقل مثل المسكن والكرسي والفراش ونحوها، إضافة إلى ما هو مثل القمح والأرز، عن ملكها ببيع أو هبة أو إجارة أو نحوها، إلا إذا اشترط الزوج عليها ترك ذلك التصرف صراحة أو ضمناً ولو اعتماداً على ما هو المتعارف في مثل هذا المقام، فإذا نقلته عن ملكها لم يكن زوجها ملزماً بتأمين غيره لها بعد ما بذل لها نفقتها الواجبة عليه بالنحو المطلوب منه؛ وأما ما تتسلمه من دون تمليك فلا يجوز لها نقله إلى الغير ولا التصرّف فيه بغير الوجه المتعارف إلا بإذن من الزوج، ومن ذلك ما لو نهاها عن استقبال أشخاص معينين في مسكنها، فإنه لا يجوز لها إدخالهم داره التي بذلها لها لا على نحو التمليك، وهكذا سائر الأعيان المبذولة لها.
ـ إذا خرجت الزوجة عن استحقاق النفقة بطلاق أو موت أو نحوهما، فإن كان ما عندها من الأعيان التي تبقى عينهـا بالانتفـاع ـ بما في ذلك الكسوة ـ قد بذلها لها لا على نحو التمليك جاز له استردادها، وإن كان قد ملَّكها إياها لم يجز له استردادها رغم بقائها على ما هي عليه، فلا تجري عليها أحكام الهبة من جهة جواز استرجاع الموهوب مع بقاء عينه ومع كون الموهوب له غير ذي رحم، وذلك لخاصية كونه نفقة واجبة عليه، وهو ما يختلف عن ما يهبها إياه من الأعيان التي لا تستحقها بالنفقة، وذلك كأن لا تكون بحاجة إلى سيارة، فيهبها سيارة، فيجوز له الرجوع بها مع بقاء عينها ومع كونها ليست رحماً له، وهكذا سائر الموارد.
ـ ليس للزوجة أن تطلب من الطعام والشراب ونحوهما أكثر من نفقة يوم واحد، ولو دفع لها نفقة أيام، كأسبوع أو شهر، وانقضت المدة ولم تصرفها على نفسها، إما لأنها صرفت من مالها أو أنفق عليها شخص آخر، كان ما أخذته ملكاً لها وليس للزوج استرداده، وأما إذا خرجت عن الاستحقاق قبل مضي المدة فإنه يجوز للزوج استرداد ما يساوي نفقة الأيام التي خرجت فيها عن الاستحقاق، إن رغب الزوج في ذلك.
ـ يجب أن يكون ما ينفقه الرجل على زوجته، وكذا ما ينفقه عليها غيره تبرعاً مع قدرة الزوج على الإنفاق عليها، من خالص المال، فلا يصح أن ينفق الزوج عليها من أموال الحقوق الشرعية الواجبة عليه ـ من خمس أو زكاة أو كفارات أو نحوها ـ ولو كانت فقيرة في ذاتها، كما لا يصح أن ينفق عليها غير الزوج من أموال الحقوق الشرعية مع قدرة الزوج، لأن الزوجة حينئذٍ تكون غنية بزوجها حتى لو كانت في ذاتها فقيرة. نعم يجوز عند عجز الرجل عن الإنفاق عليها، ولو لغيبة تمنعه من إيصال النفقة إليها، أن يُنْفَقَ عليها من الحق الشرعي بتسليمه لها لتصرفه على نفسها وعلى من تحب، إلا أن يستغني زوجها بالحق الشرعي الذي يدفع إليه ويصبح قادراً على الإنفاق عليها مما يأخذه منه، فإنه لا يصح ـ حينئذ ـ إعطاؤها من الحق الشرعي.
ـ يجب على الزوج أن يسعى جهده لتأمين نفقة زوجته بالتكسب اللائق بحاله وشأنه، فإن لم يكن متمكناً منه أخذ من حق الفقراء من الخمس والزكاة ونحوهما بمقدار حاجته للقيام بنفقتها، فإن لم يجد، لزمه الاقتراض مع قدرته على الوفاء، فيما يشكل القول بوجوبه إذا لم يكن احتمال تمكنه من الوفاء معتداً به، فإن لم يجد، لم يجب عليه استجداء الناس وسؤالهم من أجل ذلك.
ـ إذا كان الزوج فقيراً والزوجة غنية، جاز لها إعطاؤه من الحق الشرعي الواجب عليها في مالها، وصح منه الإنفاق على نفسه وعليها من ذلك المال، سواءً في ذلك الزكاة أو غيرها من الحقوق الشرعية.