إنّ تربية الطفل بحاجة إلى شيء من هيبة الأب التي تعين الطفل على التوازن الداخلي. ولكنَّ هناك فرقاً بين هيبة تنطلق من قوّة الشخصية، وبين هيبة تنطلق من عنف وقسوة وقهر وإشعارٍ للطَّرف الآخر بالدونيّة، لأنّ الهدف من الحزم تربية شخصيَّة الطفل، وبذر عناصر الرجولة المستقبليّة فيه بالطريقة الَّتي تجعله قادراً على أن يفكِّر وَحْدَهُ ومع الآخرين.
فإذا كانت مفردة الهيبة في التربية ضروريَّة، فهذا لا يعني أنْ يستغلّها الأهل لتطويع الطفل لما يريدونه بشكلٍ كامل. ونحن عندما نربّي أطفالنا على أنْ يقولوا نعم لكلِّ ما نفرضه عليهم، فسوف تتعمَّق هذه النَّعَم لتتحوَّل إلى نَعَم أمام كلّ ظالم وحاكم ومستبدّ يملك قوَّة القهر التي كانت لدى الأب، لأنَّ مَنْ نربّيه على الخضوع للأب بشكلٍ مطلق، سوف نخلق فيه ذهنيَّة الخضوع لكلِّ مستبدٍّ ولكلِّ طاغٍ ولكلِّ قويّ.
لهذا، نفرِّق بين الطَّاعة المنفتحة وبين الطَّاعة العمياء؛ إنَّ الطاعة المنفتحة تحمل الإنسان على الخضوع للقانون الَّذي يمثّل الأبُ أداة تنفيذه في البيت، قد يكون هذا القانون قانون الله وقد يكون قانوناً آخر. فنحن نربّي الطفل على أن يحترم القانون، وفي الوقت ذاته، يشعر بإمكانية أنْ يتساءل عنه. أمَّا الطَّاعة العمياء، فتجعل الطفل إنساناً خاضعاً للقوَّة ومن يحملها وليس للقانون...
[أمّا مسألة تخويف الطّفل]، فإنّنا ممّن يرون أنَّه لا يجوز للأهل أن يتعاملوا مع الطفل على أساس إثارة عامل الخوف فيه، لأنَّ انفعاله بالخوف قد يترك تأثيراً إيجابياً على استجابته الظَّاهرة للتوجيه.
ولكنَّ هذا الخوف قد يحفر في نفسه عادة الخوف من جهة، فينشأ جباناً متردِّداً، ومن جهةٍ أخرى، يولِّد لديه إحساساً سلبياً تجاه أهله، ما قد يتحوَّل في المستقبل إلى حالة تمرُّد.
إنَّ الثقة بالأهل، وغرس المحبّة لهم والرغبة برضاهم، تحقّق - في نظري - نتائج إيجابية على سلوك الطّفل أكثر من الخوف، ذلك أنَّ المطلوب من الصغير، كما هو مطلوب من الكبير، تبنِّي السّلوك الحسن وترك السّلوك السيّئ عن قناعة، حيث يفترض أنْ ينطلق تبنِّيه لأيِّ سلوكٍ نريد تعويده عليه أو تعليمه إيّاه أو منعه عنه، من موقع الاقتناع، سواء كان الاقتناع بطريقة طفوليَّة أو بطريقة راشدة، وهنا يدخل الخوف كعنصر مشوِّش للوعي، يدفع الطّفل نحو سلوك معيّن دون أن يدخل في نفسه القناعة به، ودون أنْ يؤثّر التَّوجيه أو التَّعليم فيه داخلياً، بينما إذا تضمَّن توجيه الطفل إلى السلوك المرغوب مع بعض الاختيار، وإحاطة هذا الاختيار بما يحميه من الانحراف، فإنَّ تأثير التوجيه يكون أعمق ممّا لو فرضناه عليه بالخوف.
إنَّ قوَّة القمع قد تدفع الطّفل ليحسب حساباً للأهل في تصرّفاته، ولكنّه حساب مَن لا يقتنع بشيء، وحساب مَن يفكّر في التمرُّد على القمع. إنَّ السلوك الذي ينطلق من الخوف، سوف يتحوّل إلى حالة عكسيَّة عند ارتفاع الخوف كضابطٍ له.
* من كتاب "دنيا الطّفل".
إنّ تربية الطفل بحاجة إلى شيء من هيبة الأب التي تعين الطفل على التوازن الداخلي. ولكنَّ هناك فرقاً بين هيبة تنطلق من قوّة الشخصية، وبين هيبة تنطلق من عنف وقسوة وقهر وإشعارٍ للطَّرف الآخر بالدونيّة، لأنّ الهدف من الحزم تربية شخصيَّة الطفل، وبذر عناصر الرجولة المستقبليّة فيه بالطريقة الَّتي تجعله قادراً على أن يفكِّر وَحْدَهُ ومع الآخرين.
فإذا كانت مفردة الهيبة في التربية ضروريَّة، فهذا لا يعني أنْ يستغلّها الأهل لتطويع الطفل لما يريدونه بشكلٍ كامل. ونحن عندما نربّي أطفالنا على أنْ يقولوا نعم لكلِّ ما نفرضه عليهم، فسوف تتعمَّق هذه النَّعَم لتتحوَّل إلى نَعَم أمام كلّ ظالم وحاكم ومستبدّ يملك قوَّة القهر التي كانت لدى الأب، لأنَّ مَنْ نربّيه على الخضوع للأب بشكلٍ مطلق، سوف نخلق فيه ذهنيَّة الخضوع لكلِّ مستبدٍّ ولكلِّ طاغٍ ولكلِّ قويّ.
لهذا، نفرِّق بين الطَّاعة المنفتحة وبين الطَّاعة العمياء؛ إنَّ الطاعة المنفتحة تحمل الإنسان على الخضوع للقانون الَّذي يمثّل الأبُ أداة تنفيذه في البيت، قد يكون هذا القانون قانون الله وقد يكون قانوناً آخر. فنحن نربّي الطفل على أن يحترم القانون، وفي الوقت ذاته، يشعر بإمكانية أنْ يتساءل عنه. أمَّا الطَّاعة العمياء، فتجعل الطفل إنساناً خاضعاً للقوَّة ومن يحملها وليس للقانون...
[أمّا مسألة تخويف الطّفل]، فإنّنا ممّن يرون أنَّه لا يجوز للأهل أن يتعاملوا مع الطفل على أساس إثارة عامل الخوف فيه، لأنَّ انفعاله بالخوف قد يترك تأثيراً إيجابياً على استجابته الظَّاهرة للتوجيه.
ولكنَّ هذا الخوف قد يحفر في نفسه عادة الخوف من جهة، فينشأ جباناً متردِّداً، ومن جهةٍ أخرى، يولِّد لديه إحساساً سلبياً تجاه أهله، ما قد يتحوَّل في المستقبل إلى حالة تمرُّد.
إنَّ الثقة بالأهل، وغرس المحبّة لهم والرغبة برضاهم، تحقّق - في نظري - نتائج إيجابية على سلوك الطّفل أكثر من الخوف، ذلك أنَّ المطلوب من الصغير، كما هو مطلوب من الكبير، تبنِّي السّلوك الحسن وترك السّلوك السيّئ عن قناعة، حيث يفترض أنْ ينطلق تبنِّيه لأيِّ سلوكٍ نريد تعويده عليه أو تعليمه إيّاه أو منعه عنه، من موقع الاقتناع، سواء كان الاقتناع بطريقة طفوليَّة أو بطريقة راشدة، وهنا يدخل الخوف كعنصر مشوِّش للوعي، يدفع الطّفل نحو سلوك معيّن دون أن يدخل في نفسه القناعة به، ودون أنْ يؤثّر التَّوجيه أو التَّعليم فيه داخلياً، بينما إذا تضمَّن توجيه الطفل إلى السلوك المرغوب مع بعض الاختيار، وإحاطة هذا الاختيار بما يحميه من الانحراف، فإنَّ تأثير التوجيه يكون أعمق ممّا لو فرضناه عليه بالخوف.
إنَّ قوَّة القمع قد تدفع الطّفل ليحسب حساباً للأهل في تصرّفاته، ولكنّه حساب مَن لا يقتنع بشيء، وحساب مَن يفكّر في التمرُّد على القمع. إنَّ السلوك الذي ينطلق من الخوف، سوف يتحوّل إلى حالة عكسيَّة عند ارتفاع الخوف كضابطٍ له.
* من كتاب "دنيا الطّفل".