إنَّ قصَّة التاريخ الإسلامي والتجربة الإسلاميَّة النبويّة، وما يتـفرّع عنها من تجارب الأئمَّة والصَّحابة والتابعين، هي التجربة الأمّ لكلِّ حركة إسلاميّة سابقة ولاحقة، والينبوع الصَّافي الذي يرتوي منه الظامئون الذين يعانون ظمأ المعرفة المحرق الَّذي يحسّ به كلّ من استقبل الحياة بدعوة الإسلام وواجه مشاكلها بحلوله، ما يجعل في كلِّ مشكلة جديدة رغبة شديدة في معرفة طبيعة الحلّ، من خلال الينابيع الأولى، والجذور الثَّابتة في أعماق الأرض.
أمّا تجربة النبيّ محمَّد (ص) بالذات، فهي شريعة إسلاميّة، لأنَّ عمله رسالة ومصدر تشريعي، كما أنَّ قوله رسالة ومصدر للشَّريعة، انطلاقاً من الآية الكريمة التي تدعونا إلى التأسِّي به والاقتداء بعمله: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}[الأحزاب: 21].
لقد جاء القرآن الكريم ليؤكِّد لنا عمق هذه التَّجربة ودورها الكبير، فقد كان يرعاها ويوجِّهها بالتَّأييد تارةً، وبالنَّقد أخرى، وبالتَّوجيه الروحيّ والعمليّ في بعض المجالات، حتى تحوَّل القرآن إلى وثيقة مقدَّسة للتجربة الإسلاميَّة الرائدة. وقد جاء في السِّيرة النبويَّة الشَّريفة أنَّ النبيَّ كان يواجه المشاكل التي تحلّ بالمسلمين في شؤون الحرب والسِّلم... وكانت المشكلة تتفاعل في واقعهم حتى تتحوَّل إلى قلق ينتظر كلمة النبيّ الَّذي كان ينتظر كلمة اللّه.. وربَّما تمتدّ القضيّة إلى وقت غير قصير.. والنبيّ ينتظر والمسلمون ينتظرون، وربَّما يبدو من بعض المسلمين الرأي الذي يحلو للآخرين فيتحرّكون للتنفيذ، ويهمّ النبيّ بموافقتهم على ما يريدون، فينزل الوحي بعد ذلك ليصحِّح الخطأ الذي وقعوا فيه، أو يبارك الخطوة التي ساروا عليها، وهكذا.
وبهذا، كانت كلّ آية تتحدّث عن موقعة حرب، أو واقعة سلم، أو خلاف وقع بين المسلمين أنفسهم، أو بينهم وبين الكافرين، حتى أوضاع النبيّ العائليَّة ومشاكله الخاصَّة التي لها جانب كبير في القرآن، لأنَّها تمثّل تجربة إسلاميَّة رائدة في السّلوك العائلي للأسرة المسلمة في مسؤوليَّة ربّ العائلة أمام أسرته ومسؤوليَّتهم أمامه.
وقد جاءت الآية الكريمة التي تردّ على سؤال أو اعتراض بعض النّاس حول السبب في نزول آيات متفرقة وعدم نزوله دفعة واحدة ككتاب شامل: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً}[الفرقان: 32].
قد نواجه في القرآن الكريم المواقف الحادَّة الحاسمة التي كانت تواجه النبيّ والمسلمين، بحساب المسؤوليَّة الدَّقيق فيما يأخذون وفيما يتركون، حتى إنَّك لا تشعر وأنت تقرأ الآيات الكريمة في هذا المجال بالأجواء الهادئة السَّاكنة التي تلفّ الواقع، بل تتفجَّر أمامك الأجواء لتراقب بقلق واهتمام إمكانات الانحراف أمام حالات الضّعف، فتبادرها بالتَّهديد والوعيد، أو باللَّوم والعتاب، أو بغير ذلك من الأساليب التي تنطلق من الله سبحانه وخطابه إلى النبيّ كإيحاء للأمَّة، ما يجعلك تعيش جوّ الدعوة وهي تتحرّك في نطاق المسؤوليَّة، تماماً كأيِّ داعية يقف أمام أيّ مسؤول، فيوحي إليك بأنَّ قصّة الرِّسالة لا تحتمل المجالات الشخصيَّة والحسابات الذاتيَّة، لأنَّها قضيَّة الإنسانيَّة التي لا يمكن أن تستجيب لأيِّ انفعال عاطفيّ على حساب مصالحها الحيويَّة، مهما كانت الظّروف والاعتبارات والأشخاص.
* من كتاب "السيرة النبوية القرآنيّة".
إنَّ قصَّة التاريخ الإسلامي والتجربة الإسلاميَّة النبويّة، وما يتـفرّع عنها من تجارب الأئمَّة والصَّحابة والتابعين، هي التجربة الأمّ لكلِّ حركة إسلاميّة سابقة ولاحقة، والينبوع الصَّافي الذي يرتوي منه الظامئون الذين يعانون ظمأ المعرفة المحرق الَّذي يحسّ به كلّ من استقبل الحياة بدعوة الإسلام وواجه مشاكلها بحلوله، ما يجعل في كلِّ مشكلة جديدة رغبة شديدة في معرفة طبيعة الحلّ، من خلال الينابيع الأولى، والجذور الثَّابتة في أعماق الأرض.
أمّا تجربة النبيّ محمَّد (ص) بالذات، فهي شريعة إسلاميّة، لأنَّ عمله رسالة ومصدر تشريعي، كما أنَّ قوله رسالة ومصدر للشَّريعة، انطلاقاً من الآية الكريمة التي تدعونا إلى التأسِّي به والاقتداء بعمله: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}[الأحزاب: 21].
لقد جاء القرآن الكريم ليؤكِّد لنا عمق هذه التَّجربة ودورها الكبير، فقد كان يرعاها ويوجِّهها بالتَّأييد تارةً، وبالنَّقد أخرى، وبالتَّوجيه الروحيّ والعمليّ في بعض المجالات، حتى تحوَّل القرآن إلى وثيقة مقدَّسة للتجربة الإسلاميَّة الرائدة. وقد جاء في السِّيرة النبويَّة الشَّريفة أنَّ النبيَّ كان يواجه المشاكل التي تحلّ بالمسلمين في شؤون الحرب والسِّلم... وكانت المشكلة تتفاعل في واقعهم حتى تتحوَّل إلى قلق ينتظر كلمة النبيّ الَّذي كان ينتظر كلمة اللّه.. وربَّما تمتدّ القضيّة إلى وقت غير قصير.. والنبيّ ينتظر والمسلمون ينتظرون، وربَّما يبدو من بعض المسلمين الرأي الذي يحلو للآخرين فيتحرّكون للتنفيذ، ويهمّ النبيّ بموافقتهم على ما يريدون، فينزل الوحي بعد ذلك ليصحِّح الخطأ الذي وقعوا فيه، أو يبارك الخطوة التي ساروا عليها، وهكذا.
وبهذا، كانت كلّ آية تتحدّث عن موقعة حرب، أو واقعة سلم، أو خلاف وقع بين المسلمين أنفسهم، أو بينهم وبين الكافرين، حتى أوضاع النبيّ العائليَّة ومشاكله الخاصَّة التي لها جانب كبير في القرآن، لأنَّها تمثّل تجربة إسلاميَّة رائدة في السّلوك العائلي للأسرة المسلمة في مسؤوليَّة ربّ العائلة أمام أسرته ومسؤوليَّتهم أمامه.
وقد جاءت الآية الكريمة التي تردّ على سؤال أو اعتراض بعض النّاس حول السبب في نزول آيات متفرقة وعدم نزوله دفعة واحدة ككتاب شامل: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً}[الفرقان: 32].
قد نواجه في القرآن الكريم المواقف الحادَّة الحاسمة التي كانت تواجه النبيّ والمسلمين، بحساب المسؤوليَّة الدَّقيق فيما يأخذون وفيما يتركون، حتى إنَّك لا تشعر وأنت تقرأ الآيات الكريمة في هذا المجال بالأجواء الهادئة السَّاكنة التي تلفّ الواقع، بل تتفجَّر أمامك الأجواء لتراقب بقلق واهتمام إمكانات الانحراف أمام حالات الضّعف، فتبادرها بالتَّهديد والوعيد، أو باللَّوم والعتاب، أو بغير ذلك من الأساليب التي تنطلق من الله سبحانه وخطابه إلى النبيّ كإيحاء للأمَّة، ما يجعلك تعيش جوّ الدعوة وهي تتحرّك في نطاق المسؤوليَّة، تماماً كأيِّ داعية يقف أمام أيّ مسؤول، فيوحي إليك بأنَّ قصّة الرِّسالة لا تحتمل المجالات الشخصيَّة والحسابات الذاتيَّة، لأنَّها قضيَّة الإنسانيَّة التي لا يمكن أن تستجيب لأيِّ انفعال عاطفيّ على حساب مصالحها الحيويَّة، مهما كانت الظّروف والاعتبارات والأشخاص.
* من كتاب "السيرة النبوية القرآنيّة".