كتابات
29/08/2013

السيّد موسى الصّدر..العالِم العامل

السيّد موسى الصّدر..العالِم العامل
<

تمرُّ ذكرى تغييب الإمام السيّد موسى الصّدر ورفيقيه، وفي القلب حسرة على فقد علمٍ من أعلام الفكر الإسلاميّ الحركيّ الأصيل، هذا الإنسان العالِم المجاهد الّذي انخرط في العمل الدّؤوب من أجل رفع مستوى وعي الإنسان وخيره، فكان مثال العبد الصّالح الّذي زاوج بين روح الإيمان وقواعده، وبين العمل الصالح المنتج الّذي يبرز عظمة الشخصيّة ومدى التفاعل والانفتاح على قضايا الأمّة والواقع.

لم يكن عالِماً منظِّراً يعيش في دنيا التّجريد الكلاميّ، بل الدّاعية العامل الّذي شارك النّاس البسطاء والفقراء والمستضعفين همومهم وآلامهم وآمالهم، كما كان يفعل الأنبياء والأئمَّة(ع).

وهنا عظمة دوره في السّعي لصيانة الإنسان والحياة من كلّ ما يسيء إلى الكرامة من جهلٍ وتخلُّف وتهميش، والنّهوض بالمجتمع بكلّ أطيافه، والأخذ بيده إلى عالم المحبّة والسّلام والوئام.

لقد شكَّل السيِّد موسى الصَّدر محطّة بارزة ومفصليّة من محطّات الجهاد والصّبر والتّضحية، وأعاد مع غيره من المصلحين والمجدّدين الرّوح إلى فهم القضايا والمستجدّات على الصّعد كافّة، لما تميّز به من عمق التّحليل، ودقّة الملاحظة، واستشراف المستقبل، والذّكاء الحادّ، والدبلوماسيّة في التعامل، والحضور المميّز في ساحات العلم والعطاء، وهذا ما تشهد به سيرته وأبحاثه ومحاضراته ودروسه التفسيريّة، فكان المحلِّل والمفكّر والعالِم الّذي اتّصف بملكة الاجتهاد والإبداع.

واليوم، تفتقد ساحات العلم والجهاد لأمثال هؤلاء الكبار، من مثل السيّد موسى الصّدر، والمرجع السيّد محمد حسين فضل الله، وغيرهما ممن تركوا بصماتهم واضحة جليّة في تاريخنا المعاصر، هذه الآثار المفترض أن تحفظ وتُوظّف توظيفاً صحيحاً، عبر حفظ تجاربهم، والإفادة منها في تصحيح أوضاعنا وواقعنا المعقّد والمأزوم.

لقد جاهد هؤلاء العظام من أجل حفظ كرامات النّاس ومصالحهم، انطلاقاً من وعيهم لدورهم ومسؤوليّاتهم الّتي حملوا أمانتها، تحقيقاً لأمانة الله والرّسالة في إصلاح ذات البين، والعمل على الوحدة والحوار، ونشر ثقافة الإسلام الأصيلة، والانفتاح على الآخر، ورفض كلّ أشكال الظّلم والعدوان والدّفاع عن الحقّ، فأصبحوا بجهدهم وجهادهم نماذج لعباد الله الصّالحين المخلصين.

ولن نكون الأوفياء لهذه النّماذج الرساليّة، إلا بفهمنا السّليم لما قدّموه من عطاءات وإنجازات على الصّعد كافّة، ولن نكون الأوفياء إلا بوحدتنا وانفتاحنا على بعضنا البعض، ورفض كلّ أشكال الفتن والانقسام، وبذل كلّ الجهود والمساعي الخيّرة لإراحة الواقع، وتعميم ثقافة الوعي، ورفض كلّ أساليب الجهل والتخلّف.

هذه أمانتهم ورسالتهم، لم يعملوا ويجاهدوا لتقدّس أشخاصهم وأعيانهم، بل لتحفظ رسالتهم وتستثمر في خدمة مصالح البلاد والعباد، وإعمار الأرض والإنسان.

وعن علاقته بالسيّد موسى الصّدر، يقول سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض):

"كانت علاقتي بسماحة السيّد موسى الصّدر في النّجف الأشرف، علاقة زمالة وصداقة، وكنّا نتحرّك في إطار حركة إسلاميّة حواريّة، فكنّا نلتقي في الدّراسات العليا الفقهيّة والأصوليّة، وكنّا نلتقي مع ابن عمه السيّد محمد باقر الصّدر، والسيّد إسماعيل الصّدر، وكان أوّل لقاء بيني وبينه، عندما حضر إلى النجف ليقيم احتفالاً بالذّكرى السنويّة لأبيه، الّذي كتبت قصيدة في رثائه.

وقد عشنا معاً في النجف أربع سنوات، وكانت العلاقة وثيقة بيننا، اكتشفت من خلالها الآفاق الواسعة الّتي كان يعيشها السيّد الصّدر ويتطلّع إليها ويفكّر فيها، لأنّه قبل أن يأتي إلى النّجف، كان من بين جماعة تحاول أن تعصرن الحوزة العلميّة في قمّ، لأنّه كان إنساناً يعيش عصره، ويتطلّع إلى أن ينطلق علماء الدّين إلى أجواء العصر، ليكون لهم حسّ المعاصرة، بحيث يفهمون عقل العصر وأسلوبه وتطلّعاته".

ويتابع سماحته(رض): "كان إنساناً يتميّز بسعة الصّدر والأفق، ولذلك استطاع أن يتحرّك بالوسائل الأخلاقيّة الرّفيعة الّتي كانت تجتذب حتّى خصومه، وكان رائداً للوحدة الإسلاميّة، وكان يحاول أن يؤسّس مع الأخوة من المسلمين السنّة (المجلس الإسلامي الأعلى)...".

ويضيف سماحته: "عندما نتذكّر سماحة السيّد موسى الصّدر، نتذكّر الشخصيّة الإسلاميّة الّتي لم تنطلق من حالة عصبيّة، بل انطلقت من حالة انفتاح على الوطن كلّه في نطاق الوحدة الوطنيّة، وعلى حوار الأديان في نطاق علاقته بالحوار الإسلامي ـ المسيحي، وعلاقته بالعالم العربي في مواجهة إسرائيل.. وكان له الفضل الكبير في تأسيس المقاومة ضدّ إسرائيل..

لقد كان السيّد الصّدر الإنسان الّذي يملك صدراً واسعاً، وعقلاً واسعاً، وحركة منفتحة على الإنسان وعلى الإسلام، ولذلك فإنّنا نشعر في هذه الظّروف الصّعبة الّتي يمرّ بها لبنان والعالم الإسلاميّ بأنّنا نفتقده، ونشعر بالفراغ الهائل الّذي تركه.

لقد كانت علاقتي به علاقة صداقة عميقة، لم تمنع من أن نختلف في وجهات النّظر، وكنّا نلتقي في الأهداف والآفاق، ونتّفق على أنّ علينا أن نعمل على أساس الأفق الواسع على المستوى العربي والإسلامي، وعلى أساس المواجهة للاستكبار العالمي المتمثّل بأمريكا من جهة، وبإسرائيل من جهة أخرى.

كنّا نمثّل خطاً واحداً، هو خطّ الإسلام الحضاريّ المنفتح على العالم كلّه، وخطّ التشيّع الحضاريّ المنفتح على العالم كلّه.

كنّا معاً ضدّ التخلّف، وضدّ الخرافة، وضدّ الغلوّ، وضدّ ما يسيء إلى الأمّة، لذلك فإنّني أشعر عندما أتذكّره بالحزن الكبير، لأنّه حزن الرّسالة وحزن الأخوّة الّتي تنفتح على خطّ الرّسالة...".

[من لقاء مع محطّة NBN في ذكرى تغييب الإمام الصّدر، بتاريخ: 14-8-2007].

إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه .


<

تمرُّ ذكرى تغييب الإمام السيّد موسى الصّدر ورفيقيه، وفي القلب حسرة على فقد علمٍ من أعلام الفكر الإسلاميّ الحركيّ الأصيل، هذا الإنسان العالِم المجاهد الّذي انخرط في العمل الدّؤوب من أجل رفع مستوى وعي الإنسان وخيره، فكان مثال العبد الصّالح الّذي زاوج بين روح الإيمان وقواعده، وبين العمل الصالح المنتج الّذي يبرز عظمة الشخصيّة ومدى التفاعل والانفتاح على قضايا الأمّة والواقع.

لم يكن عالِماً منظِّراً يعيش في دنيا التّجريد الكلاميّ، بل الدّاعية العامل الّذي شارك النّاس البسطاء والفقراء والمستضعفين همومهم وآلامهم وآمالهم، كما كان يفعل الأنبياء والأئمَّة(ع).

وهنا عظمة دوره في السّعي لصيانة الإنسان والحياة من كلّ ما يسيء إلى الكرامة من جهلٍ وتخلُّف وتهميش، والنّهوض بالمجتمع بكلّ أطيافه، والأخذ بيده إلى عالم المحبّة والسّلام والوئام.

لقد شكَّل السيِّد موسى الصَّدر محطّة بارزة ومفصليّة من محطّات الجهاد والصّبر والتّضحية، وأعاد مع غيره من المصلحين والمجدّدين الرّوح إلى فهم القضايا والمستجدّات على الصّعد كافّة، لما تميّز به من عمق التّحليل، ودقّة الملاحظة، واستشراف المستقبل، والذّكاء الحادّ، والدبلوماسيّة في التعامل، والحضور المميّز في ساحات العلم والعطاء، وهذا ما تشهد به سيرته وأبحاثه ومحاضراته ودروسه التفسيريّة، فكان المحلِّل والمفكّر والعالِم الّذي اتّصف بملكة الاجتهاد والإبداع.

واليوم، تفتقد ساحات العلم والجهاد لأمثال هؤلاء الكبار، من مثل السيّد موسى الصّدر، والمرجع السيّد محمد حسين فضل الله، وغيرهما ممن تركوا بصماتهم واضحة جليّة في تاريخنا المعاصر، هذه الآثار المفترض أن تحفظ وتُوظّف توظيفاً صحيحاً، عبر حفظ تجاربهم، والإفادة منها في تصحيح أوضاعنا وواقعنا المعقّد والمأزوم.

لقد جاهد هؤلاء العظام من أجل حفظ كرامات النّاس ومصالحهم، انطلاقاً من وعيهم لدورهم ومسؤوليّاتهم الّتي حملوا أمانتها، تحقيقاً لأمانة الله والرّسالة في إصلاح ذات البين، والعمل على الوحدة والحوار، ونشر ثقافة الإسلام الأصيلة، والانفتاح على الآخر، ورفض كلّ أشكال الظّلم والعدوان والدّفاع عن الحقّ، فأصبحوا بجهدهم وجهادهم نماذج لعباد الله الصّالحين المخلصين.

ولن نكون الأوفياء لهذه النّماذج الرساليّة، إلا بفهمنا السّليم لما قدّموه من عطاءات وإنجازات على الصّعد كافّة، ولن نكون الأوفياء إلا بوحدتنا وانفتاحنا على بعضنا البعض، ورفض كلّ أشكال الفتن والانقسام، وبذل كلّ الجهود والمساعي الخيّرة لإراحة الواقع، وتعميم ثقافة الوعي، ورفض كلّ أساليب الجهل والتخلّف.

هذه أمانتهم ورسالتهم، لم يعملوا ويجاهدوا لتقدّس أشخاصهم وأعيانهم، بل لتحفظ رسالتهم وتستثمر في خدمة مصالح البلاد والعباد، وإعمار الأرض والإنسان.

وعن علاقته بالسيّد موسى الصّدر، يقول سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض):

"كانت علاقتي بسماحة السيّد موسى الصّدر في النّجف الأشرف، علاقة زمالة وصداقة، وكنّا نتحرّك في إطار حركة إسلاميّة حواريّة، فكنّا نلتقي في الدّراسات العليا الفقهيّة والأصوليّة، وكنّا نلتقي مع ابن عمه السيّد محمد باقر الصّدر، والسيّد إسماعيل الصّدر، وكان أوّل لقاء بيني وبينه، عندما حضر إلى النجف ليقيم احتفالاً بالذّكرى السنويّة لأبيه، الّذي كتبت قصيدة في رثائه.

وقد عشنا معاً في النجف أربع سنوات، وكانت العلاقة وثيقة بيننا، اكتشفت من خلالها الآفاق الواسعة الّتي كان يعيشها السيّد الصّدر ويتطلّع إليها ويفكّر فيها، لأنّه قبل أن يأتي إلى النّجف، كان من بين جماعة تحاول أن تعصرن الحوزة العلميّة في قمّ، لأنّه كان إنساناً يعيش عصره، ويتطلّع إلى أن ينطلق علماء الدّين إلى أجواء العصر، ليكون لهم حسّ المعاصرة، بحيث يفهمون عقل العصر وأسلوبه وتطلّعاته".

ويتابع سماحته(رض): "كان إنساناً يتميّز بسعة الصّدر والأفق، ولذلك استطاع أن يتحرّك بالوسائل الأخلاقيّة الرّفيعة الّتي كانت تجتذب حتّى خصومه، وكان رائداً للوحدة الإسلاميّة، وكان يحاول أن يؤسّس مع الأخوة من المسلمين السنّة (المجلس الإسلامي الأعلى)...".

ويضيف سماحته: "عندما نتذكّر سماحة السيّد موسى الصّدر، نتذكّر الشخصيّة الإسلاميّة الّتي لم تنطلق من حالة عصبيّة، بل انطلقت من حالة انفتاح على الوطن كلّه في نطاق الوحدة الوطنيّة، وعلى حوار الأديان في نطاق علاقته بالحوار الإسلامي ـ المسيحي، وعلاقته بالعالم العربي في مواجهة إسرائيل.. وكان له الفضل الكبير في تأسيس المقاومة ضدّ إسرائيل..

لقد كان السيّد الصّدر الإنسان الّذي يملك صدراً واسعاً، وعقلاً واسعاً، وحركة منفتحة على الإنسان وعلى الإسلام، ولذلك فإنّنا نشعر في هذه الظّروف الصّعبة الّتي يمرّ بها لبنان والعالم الإسلاميّ بأنّنا نفتقده، ونشعر بالفراغ الهائل الّذي تركه.

لقد كانت علاقتي به علاقة صداقة عميقة، لم تمنع من أن نختلف في وجهات النّظر، وكنّا نلتقي في الأهداف والآفاق، ونتّفق على أنّ علينا أن نعمل على أساس الأفق الواسع على المستوى العربي والإسلامي، وعلى أساس المواجهة للاستكبار العالمي المتمثّل بأمريكا من جهة، وبإسرائيل من جهة أخرى.

كنّا نمثّل خطاً واحداً، هو خطّ الإسلام الحضاريّ المنفتح على العالم كلّه، وخطّ التشيّع الحضاريّ المنفتح على العالم كلّه.

كنّا معاً ضدّ التخلّف، وضدّ الخرافة، وضدّ الغلوّ، وضدّ ما يسيء إلى الأمّة، لذلك فإنّني أشعر عندما أتذكّره بالحزن الكبير، لأنّه حزن الرّسالة وحزن الأخوّة الّتي تنفتح على خطّ الرّسالة...".

[من لقاء مع محطّة NBN في ذكرى تغييب الإمام الصّدر، بتاريخ: 14-8-2007].

إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه .


اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية