أَضِىءْ شُمُوعَكَ

السيد محمد حسين فضل الله

أَضِئْ شُموعَكَ حَتَّى يَشْمَخَ اللَّهَبُ   * فَوَجْهُ شَمْسِكَ خَلْفَ الغَيْبِ يَحْتَجِبُ
فِي ذِمَّةِ اللهِ، نَحْوَ اللَّهِ رِحْلَتُهُ   * يَطُوفُ فيها جِنانَ الخُلْدِ، يَقْتَرِبُ
فَمقْعَدُ الصِّدْقِ عُنوانٌ لِمَرْتَبَةٍ   *   فيها تُحاكُ لَهُ أَثْوابُهُ القُشُبُ
مَا كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ الدَّهْرَ يَفْجَعُنَا   * بِسَيِّدٍ هامَ فِيهِ العُجْمُ وَالعَرَبُ
أَبَا عَلِيٍّ، شِهاباً كُنْتَ مُتَّقِداً   * لَمَّا عَلَوْتَ فَدَتْكَ السَّبْعَةُ الشُّهُبُ
تَاقَتْ إِلَيْكَ السَّمَا، لَبَّيْتَ دَعْوَتَها   *  وَبانْتِظارِكَ فِيهَا سَادَةٌ نُجُبُ
سَلِّمْ عَلَيْهِمْ، رَسُولُ اللهِ خَاتَمُهُمْ   *  وَآلُ بَيْتٍ بِسَاقِ العَرْشِ قَدْ كُتِبُوا
مَغْنَاكَ أَمْسَى سَوادُ اللَّيْلِ فارِسَهُ   *  وَضَجَّ فيهِ النَّوَى وَالحُزْنُ وَالكُرَبُ
يَبْكِيهِ مِحْرابُهُ الوَلْهَانُ في أَسَفٍ   *  وَمِنْبَرُ الجُمْعَةِ الغَرَّاءِ يَنْتَحِبُ
بَاتَتْ مَواعِظُهُ تَنْعاهُ دَامِعَةً   * وَنَافَسَتْها عَلى دَمْعاتِها الخُطَبُ
أَغْنَى الحَياةَ وَأَقْلامُ الهُدَى شَهِدَتْ   * وَالصُّبْحُ ضَاحٍ عَلى أَجْفانِها الكُتُبُ
وَكانَ حِلْيَةَ هَذا العَصْرِ في جَبَلٍ   * مِنَ السَّماحَةِ، لا حِقْدٌ وَلا غَضَبُ
وَاللُّطْفُ وَالعَطْفُ وَالإحْسَانُ دَيْدَنُهُ   * وَالفَضْلُ والدِّينُ وَالأَخْلاقُ وَالأَدَبُ
وَالفِقْهُ وَالعِلْمُ وَالتَّقْوَى وَبَسْمَتُهُ   *   وَالـمَجْدُ وَالخُلْدُ في خُطْواتِهِ اصْطَحَبُوا
مَالِي أُعَدِّدُ في شِعْري مَنَاقِبَهُ   *    وَالنَّاسُ تَعْرِفُهُ بَحْراً، وَلَا عَجَبُ!
شَمائِلٌ بَارَكَ الخَلَّاقُ صَحْوَتَها   *   كَأنَّهُ مُصْطَفًى فيها، وَمُنْتَخَبُ
غَضِبْتَ لِلْعَقْلِ أَنْ يَشْقَى فَكانَ لَهُ    * عَلى التَّقاليدِ فِكْرٌ نَيِّرٌ يَثِبُ
لاَ لَمْ يُدانِكَ في التَّجْديدِ فِكْرُ فَتًى   * فَأَنْتَ لِلْفِكْرِ، في أيَّامِنا، قُطُبُ
وَرَأْيُكَ الحُرُّ كَمْ صَالَ الحِوارُ بِهِ   * حَتَّى تَجَلَّى، وَفي صَوْلاتِهِ الغَلَبُ
لَمْ تَبْدُ بارِقَةٌ في رَأْيِهِ لَمَعَتْ   *      إلَّا وَكانَ لَها في النَّفْسِ مُرْتَقِبُ
عَلَّامَةٌ عَلَمٌ، أحْلامُهُ نَدِيَتْ   *    في الخافِقَيْنِ، فَكانَ الزَّهْرُ وَالعُشُبُ
وَمَرْجِعٌ قُدْوَةٌ في الشَّرْعِ نَابِهَةٌ   * وَآيةٌ هَمُّهُ في العُمْرِ مَا يَهَبُ
أَحْبَبْتَ كُلَّ الوَرَى حُبًّا تُؤَجِّجُهُ   * سَلامَةُ القَلْبِ تُذْكيهِ فَيَلْتَهِبُ
كَرَوْضَةٍ فَتَّحَتْ أَزْهارَ وَجْنَتِها   * وَشَبَّ فيها الهَوَى بِالعِطْرِ يَخْتَضِبُ
وَالشِّعْرُ غَنَّتْكَ صُوفِيّاً بَلابِلُهُ   *   لِلَّهِ دَرُّكَ، أَنْتَ الشَّاعِرُ الأَرِبُ
سَرَيْتَ نُوراً على الأَيَّامِ فَائْتَلَقَتْ   *  بِنُورِكَ الدَّرْبُ وَالأَيَّامُ والحِقَبُ
وَسِرْتَ لِلْحَقِّ يَحْدُوكَ الـمَدَى وَلَعاً   * بِصُحْبَةِ النَّاسِ حَتَّى كانتِ النُّخَبُ
بَذَلْتَ، أَسَّسْتَ، فَالأَيْتَامُ في رَغَدٍ   * فَأَنْتَ أُمٌّ لَهُمْ، في يُتْمِهِمْ، وَأَبُ
هذي المـَبَّراتُ بالخَيْراتِ دَائِبَةٌ   * غَدَتْ تَمِيسُ بِها الخَيْرَاتُ والدَّأَبُ
وَذِي مُقاوَمَةٌ بارَكْتَها فَمَضَتْ   * وَزَادُها الموْتُ وَالإِقْدامُ وَالرَّهَبُ
تَهْفو بِعِزٍّ إِلى المـَيْدانِ في خَبَبٍ   * وَأَطْرَبُ الوَقْعِ في جَوْلاتِها الخَبَبُ
* * *
كَبُرْتَ يا قَلَمي في ذِكْرِهِ، وَزَهَتْ   *  بِهِ القَوافِي، وَهَذا الشِّعْرُ مُنْسَكِبُ
وَاقْرَأْ لَـهُ آيـةً يَهْنَأْ بِـمَرْقَـدِهِ   * فَطَالَما كانَ بِالآياتِ يَنْجَذِبُ
أَضِئْ شُموعَكَ حَتَّى يَشْمَخَ اللَّهَبُ   * فَوَجْهُ شَمْسِكَ خَلْفَ الغَيْبِ يَحْتَجِبُ
فِي ذِمَّةِ اللهِ، نَحْوَ اللَّهِ رِحْلَتُهُ   * يَطُوفُ فيها جِنانَ الخُلْدِ، يَقْتَرِبُ
فَمقْعَدُ الصِّدْقِ عُنوانٌ لِمَرْتَبَةٍ   *   فيها تُحاكُ لَهُ أَثْوابُهُ القُشُبُ
مَا كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ الدَّهْرَ يَفْجَعُنَا   * بِسَيِّدٍ هامَ فِيهِ العُجْمُ وَالعَرَبُ
أَبَا عَلِيٍّ، شِهاباً كُنْتَ مُتَّقِداً   * لَمَّا عَلَوْتَ فَدَتْكَ السَّبْعَةُ الشُّهُبُ
تَاقَتْ إِلَيْكَ السَّمَا، لَبَّيْتَ دَعْوَتَها   *  وَبانْتِظارِكَ فِيهَا سَادَةٌ نُجُبُ
سَلِّمْ عَلَيْهِمْ، رَسُولُ اللهِ خَاتَمُهُمْ   *  وَآلُ بَيْتٍ بِسَاقِ العَرْشِ قَدْ كُتِبُوا
مَغْنَاكَ أَمْسَى سَوادُ اللَّيْلِ فارِسَهُ   *  وَضَجَّ فيهِ النَّوَى وَالحُزْنُ وَالكُرَبُ
يَبْكِيهِ مِحْرابُهُ الوَلْهَانُ في أَسَفٍ   *  وَمِنْبَرُ الجُمْعَةِ الغَرَّاءِ يَنْتَحِبُ
بَاتَتْ مَواعِظُهُ تَنْعاهُ دَامِعَةً   * وَنَافَسَتْها عَلى دَمْعاتِها الخُطَبُ
أَغْنَى الحَياةَ وَأَقْلامُ الهُدَى شَهِدَتْ   * وَالصُّبْحُ ضَاحٍ عَلى أَجْفانِها الكُتُبُ
وَكانَ حِلْيَةَ هَذا العَصْرِ في جَبَلٍ   * مِنَ السَّماحَةِ، لا حِقْدٌ وَلا غَضَبُ
وَاللُّطْفُ وَالعَطْفُ وَالإحْسَانُ دَيْدَنُهُ   * وَالفَضْلُ والدِّينُ وَالأَخْلاقُ وَالأَدَبُ
وَالفِقْهُ وَالعِلْمُ وَالتَّقْوَى وَبَسْمَتُهُ   *   وَالـمَجْدُ وَالخُلْدُ في خُطْواتِهِ اصْطَحَبُوا
مَالِي أُعَدِّدُ في شِعْري مَنَاقِبَهُ   *    وَالنَّاسُ تَعْرِفُهُ بَحْراً، وَلَا عَجَبُ!
شَمائِلٌ بَارَكَ الخَلَّاقُ صَحْوَتَها   *   كَأنَّهُ مُصْطَفًى فيها، وَمُنْتَخَبُ
غَضِبْتَ لِلْعَقْلِ أَنْ يَشْقَى فَكانَ لَهُ    * عَلى التَّقاليدِ فِكْرٌ نَيِّرٌ يَثِبُ
لاَ لَمْ يُدانِكَ في التَّجْديدِ فِكْرُ فَتًى   * فَأَنْتَ لِلْفِكْرِ، في أيَّامِنا، قُطُبُ
وَرَأْيُكَ الحُرُّ كَمْ صَالَ الحِوارُ بِهِ   * حَتَّى تَجَلَّى، وَفي صَوْلاتِهِ الغَلَبُ
لَمْ تَبْدُ بارِقَةٌ في رَأْيِهِ لَمَعَتْ   *      إلَّا وَكانَ لَها في النَّفْسِ مُرْتَقِبُ
عَلَّامَةٌ عَلَمٌ، أحْلامُهُ نَدِيَتْ   *    في الخافِقَيْنِ، فَكانَ الزَّهْرُ وَالعُشُبُ
وَمَرْجِعٌ قُدْوَةٌ في الشَّرْعِ نَابِهَةٌ   * وَآيةٌ هَمُّهُ في العُمْرِ مَا يَهَبُ
أَحْبَبْتَ كُلَّ الوَرَى حُبًّا تُؤَجِّجُهُ   * سَلامَةُ القَلْبِ تُذْكيهِ فَيَلْتَهِبُ
كَرَوْضَةٍ فَتَّحَتْ أَزْهارَ وَجْنَتِها   * وَشَبَّ فيها الهَوَى بِالعِطْرِ يَخْتَضِبُ
وَالشِّعْرُ غَنَّتْكَ صُوفِيّاً بَلابِلُهُ   *   لِلَّهِ دَرُّكَ، أَنْتَ الشَّاعِرُ الأَرِبُ
سَرَيْتَ نُوراً على الأَيَّامِ فَائْتَلَقَتْ   *  بِنُورِكَ الدَّرْبُ وَالأَيَّامُ والحِقَبُ
وَسِرْتَ لِلْحَقِّ يَحْدُوكَ الـمَدَى وَلَعاً   * بِصُحْبَةِ النَّاسِ حَتَّى كانتِ النُّخَبُ
بَذَلْتَ، أَسَّسْتَ، فَالأَيْتَامُ في رَغَدٍ   * فَأَنْتَ أُمٌّ لَهُمْ، في يُتْمِهِمْ، وَأَبُ
هذي المـَبَّراتُ بالخَيْراتِ دَائِبَةٌ   * غَدَتْ تَمِيسُ بِها الخَيْرَاتُ والدَّأَبُ
وَذِي مُقاوَمَةٌ بارَكْتَها فَمَضَتْ   * وَزَادُها الموْتُ وَالإِقْدامُ وَالرَّهَبُ
تَهْفو بِعِزٍّ إِلى المـَيْدانِ في خَبَبٍ   * وَأَطْرَبُ الوَقْعِ في جَوْلاتِها الخَبَبُ
* * *
كَبُرْتَ يا قَلَمي في ذِكْرِهِ، وَزَهَتْ   *  بِهِ القَوافِي، وَهَذا الشِّعْرُ مُنْسَكِبُ
وَاقْرَأْ لَـهُ آيـةً يَهْنَأْ بِـمَرْقَـدِهِ   * فَطَالَما كانَ بِالآياتِ يَنْجَذِبُ
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية