سلاماً في الرَّحيلِ وفي الخلودِ تردِّدُهُ الحناجرُ كالنَّشيدِ(1)
سلاماً منْ كؤوسِ الودِّ أصفى يُطافُ به على القلبِ الودودِ
تناقَلَهُ الأجنَّة كلُّ جيلٍ يسلِّمُهُ إلى جيلٍ جديدِ
أمانةَ أمَّةٍ حزنَتْ طويلاً على غدِها ولمْ تفرحْ بِعِيدِ
بما أودعْتَها سرَّاً عميقاً لصحْوَتِها ومنْ وعيٍ فَريدِ
فصوتُكَ في مسامعِها أذانٌ يذكِّرُ بالقيامِ وبالسُّجودِ
ووجهُكَ كلَّما أفلَتْ وجوهٌ أضاءَ كأنَّهُ وجهُ الشَّهيدِ
وجسمُكَ وهوَ ثاوٍ في مزارٍ كجدِّكِ وهو في حرِّ الصَّعيدِ
أبيْتَ اللَّعنَ كمْ أسرجْتَ جيشاً مِنَ الكلماتِ تَهزأُ بالجنودِ
تُصارعُ كلَّ جبَّارٍ عنيدٍ وتصرعُ كلَّ شيطانٍ مريدِ
قَرعْتَ حديدَها بالحرفِ حتَّى أَحلْتَ الحرفَ رأياً من حديدِ
فكنْتَ تخوضُها لم تُذكِ حرباً لتسطوَ بالوعودِ وبالوعيدِ
ولكنْ بالحروفِ السُّمرِ تندى بماءِ الوردِ في حقلِ الورودِ
فإنَّ الرَّأيَ قد يغدو جيوشاً مؤلَّلةً تذبُّ عنِ الحدودِ
وإنَّ الصَّمتَ قد يغدو سلاحاً يحزُّ مِنَ الوريدِ إلى الوريدِ
فما كالرَّأي أقدحُ منْهُ زنْداً ولا كالصَّمتِ أبلغُ في الرّدودِ
وقفْتُ على ثراكَ أبا عليٍّ وقوفَ الثَّابتين على العهودِ
أُناجي فيكَ روحاً عبقريَّاً توغَّلَ بينَ أسفارِ الوجودِ
وألمحُ في ترابِكَ حدَّ سيفٍ يهشِّمُ ما تماسَكَ منْ سُدودِ
وأسمعُ همسةً خَجْلى تَرَامَتْ عَلَى فمِ عَاشِقٍ صبٍّ عَميدِ
يرابطُ عندَ بابِكَ وهوَ يَرْنُو لوعدٍ قادمٍ قبلَ الوعودِ
سألْتُ الأرضَ عنْكَ سؤالَ شاكٍ مِنَ الأوهامِ والأملِ الشَّريدِ
لماذا نازعتْكَ بُغاثُ طيرٍ وأَنْتَ النَّسرُ في الأفُقِ البعيدِ
وأَنْتَ دليلُها في كلِّ مسرىً يضيعُ به السّراةُ بكلِّ بِيدِ
وقد أوردْتَها كأساً دهاقاً ترافقُها إلى يومِ الورودِ
وَدِفْتَ ترابَها ماءً قراحاً بطعمِ الشَّهدِ في زمنِ الصَّديدِ
كشفْتَ لها الظَّلامَ إلى صباحٍ نديِّ الوجهِ مخضرٍّ سعيدِ
وَكُنْتَ رسمْتَ بالكلماتِ دَرْباً يُمَازُ بهِ الكرامُ منَ العبيدِ
فآلَتْ أن تراكَ صدى نبيٍّ وأَنْ تطغى على الرَّأيِ السَّديدِ
وَمِنْ قَدَرِ الأسودِ إذا تَهَاوَتْ تنمَّرَتِ الضِّباعُ على الأسودِ
وصَوْتُ العقلِ في غابٍ بهيمٍ كَوَقْدِ النَّارِ في جبلِ الجَليدِ
فيا لكِ أمَّةً ضَحِكَتْ عليْها شُعوبُ الأرضِ مِنْ بيضٍ وسُودِ
يشيبُ الجهلُ في دمِها غلاماً ويُولَدُ قبلَ ميلادِ الوليدِ
ويا لكِ أمَّةً قُسِمَتْ ثلاثاً وعشريناً وترغبُ بالمزيدِ
فليسَ الفكرُ يُصنَعُ من كنوزٍ مُكدَّسةٍ وفي قَصْرٍ مشيدِ
ولا رَفَعَتْ بيوتُ المالِ صرْحاً ولا لعبُ القصورِ معَ القرودِ
فلم يُقرنْ معاويةُ في عليّ ولا موسى بهارونِ الرَّشيدِ
صُروحُ العلمِ ترفعُها جباهٌ مخضَّبةٌ بكلِّ دمٍ عنيدِ
ولَوْ كانَ القصيدُ يصوغُ تاجاً لكانَ العلمُ تاجاً للقصيدِ
***
وآخرُ ما أبثُّكَ مِنْ نشيجٍ تَوَطَّنَ في السَّلاسلِ والقيودِ
كُماتُكَ مَنْ صنعْتَ بِهِمْ رجالاً كماةً في الثَّباتِ وفي الصّمودِ
ومنْ أفنَوا حياتَهمُ كفاحاً ومَنْ داسُوا على العَيْشِ الرَّغيدِ
وَمَنْ نَذَروا لوجهَ اللهِ وجهاً ومَنْ فتلوا الزّنودَ على الزّنودِ
لقدْ هُزِموا أمامَ بريقِ حكمٍ دنيٍّ لا يُعدُّ معَ العديدِ
تكشَّفَتِ الضَّمائرُ عنْ وجوهٍ مُشوَّهةٍ منَ اللَّعناتِ سُودِ
لقد صارَ الكماةُ جباةَ مالٍ وَضَاعوا بينَ أوحالِ العقودِ
ولولا فتيةٌ مِنْ أهلِ كهفٍ تأبَّتْ أن تضامَ منَ الرّقودِ
ولولا أنَّ حزبَ اللهِ يَعْلُو على صوتِ الصَّواعقِ والرُّعودِ
ولولا الحشدُ في بغدادَ يزهو برايتِهِ على رَأْسِ الحُشَودِ
لكنَّا أمَّةً ذهبَتْ هباءً وغابَتْ تَحْتَ أقدامِ اليَهُودِ
وحَاشا أمَّةً حَمَلَتْ حُسَيناً تَرَى ذلَّ الهَزيمةِ منْ يزيدِ
ورايتُها كَقَامتِها جَلالاً تسلَّمها الشَّهيدُ منَ الشَّهيدِ
أبو مدين الموسوي
1/7/2024
بغداد
(1) قصيدة ألقاها الشاعر أبو مدين الموسوي في احتفال الذّكرى الرابعة عشرة لرحيل المرجع فضل الله (رض).
سلاماً في الرَّحيلِ وفي الخلودِ تردِّدُهُ الحناجرُ كالنَّشيدِ(1)
سلاماً منْ كؤوسِ الودِّ أصفى يُطافُ به على القلبِ الودودِ
تناقَلَهُ الأجنَّة كلُّ جيلٍ يسلِّمُهُ إلى جيلٍ جديدِ
أمانةَ أمَّةٍ حزنَتْ طويلاً على غدِها ولمْ تفرحْ بِعِيدِ
بما أودعْتَها سرَّاً عميقاً لصحْوَتِها ومنْ وعيٍ فَريدِ
فصوتُكَ في مسامعِها أذانٌ يذكِّرُ بالقيامِ وبالسُّجودِ
ووجهُكَ كلَّما أفلَتْ وجوهٌ أضاءَ كأنَّهُ وجهُ الشَّهيدِ
وجسمُكَ وهوَ ثاوٍ في مزارٍ كجدِّكِ وهو في حرِّ الصَّعيدِ
أبيْتَ اللَّعنَ كمْ أسرجْتَ جيشاً مِنَ الكلماتِ تَهزأُ بالجنودِ
تُصارعُ كلَّ جبَّارٍ عنيدٍ وتصرعُ كلَّ شيطانٍ مريدِ
قَرعْتَ حديدَها بالحرفِ حتَّى أَحلْتَ الحرفَ رأياً من حديدِ
فكنْتَ تخوضُها لم تُذكِ حرباً لتسطوَ بالوعودِ وبالوعيدِ
ولكنْ بالحروفِ السُّمرِ تندى بماءِ الوردِ في حقلِ الورودِ
فإنَّ الرَّأيَ قد يغدو جيوشاً مؤلَّلةً تذبُّ عنِ الحدودِ
وإنَّ الصَّمتَ قد يغدو سلاحاً يحزُّ مِنَ الوريدِ إلى الوريدِ
فما كالرَّأي أقدحُ منْهُ زنْداً ولا كالصَّمتِ أبلغُ في الرّدودِ
وقفْتُ على ثراكَ أبا عليٍّ وقوفَ الثَّابتين على العهودِ
أُناجي فيكَ روحاً عبقريَّاً توغَّلَ بينَ أسفارِ الوجودِ
وألمحُ في ترابِكَ حدَّ سيفٍ يهشِّمُ ما تماسَكَ منْ سُدودِ
وأسمعُ همسةً خَجْلى تَرَامَتْ عَلَى فمِ عَاشِقٍ صبٍّ عَميدِ
يرابطُ عندَ بابِكَ وهوَ يَرْنُو لوعدٍ قادمٍ قبلَ الوعودِ
سألْتُ الأرضَ عنْكَ سؤالَ شاكٍ مِنَ الأوهامِ والأملِ الشَّريدِ
لماذا نازعتْكَ بُغاثُ طيرٍ وأَنْتَ النَّسرُ في الأفُقِ البعيدِ
وأَنْتَ دليلُها في كلِّ مسرىً يضيعُ به السّراةُ بكلِّ بِيدِ
وقد أوردْتَها كأساً دهاقاً ترافقُها إلى يومِ الورودِ
وَدِفْتَ ترابَها ماءً قراحاً بطعمِ الشَّهدِ في زمنِ الصَّديدِ
كشفْتَ لها الظَّلامَ إلى صباحٍ نديِّ الوجهِ مخضرٍّ سعيدِ
وَكُنْتَ رسمْتَ بالكلماتِ دَرْباً يُمَازُ بهِ الكرامُ منَ العبيدِ
فآلَتْ أن تراكَ صدى نبيٍّ وأَنْ تطغى على الرَّأيِ السَّديدِ
وَمِنْ قَدَرِ الأسودِ إذا تَهَاوَتْ تنمَّرَتِ الضِّباعُ على الأسودِ
وصَوْتُ العقلِ في غابٍ بهيمٍ كَوَقْدِ النَّارِ في جبلِ الجَليدِ
فيا لكِ أمَّةً ضَحِكَتْ عليْها شُعوبُ الأرضِ مِنْ بيضٍ وسُودِ
يشيبُ الجهلُ في دمِها غلاماً ويُولَدُ قبلَ ميلادِ الوليدِ
ويا لكِ أمَّةً قُسِمَتْ ثلاثاً وعشريناً وترغبُ بالمزيدِ
فليسَ الفكرُ يُصنَعُ من كنوزٍ مُكدَّسةٍ وفي قَصْرٍ مشيدِ
ولا رَفَعَتْ بيوتُ المالِ صرْحاً ولا لعبُ القصورِ معَ القرودِ
فلم يُقرنْ معاويةُ في عليّ ولا موسى بهارونِ الرَّشيدِ
صُروحُ العلمِ ترفعُها جباهٌ مخضَّبةٌ بكلِّ دمٍ عنيدِ
ولَوْ كانَ القصيدُ يصوغُ تاجاً لكانَ العلمُ تاجاً للقصيدِ
***
وآخرُ ما أبثُّكَ مِنْ نشيجٍ تَوَطَّنَ في السَّلاسلِ والقيودِ
كُماتُكَ مَنْ صنعْتَ بِهِمْ رجالاً كماةً في الثَّباتِ وفي الصّمودِ
ومنْ أفنَوا حياتَهمُ كفاحاً ومَنْ داسُوا على العَيْشِ الرَّغيدِ
وَمَنْ نَذَروا لوجهَ اللهِ وجهاً ومَنْ فتلوا الزّنودَ على الزّنودِ
لقدْ هُزِموا أمامَ بريقِ حكمٍ دنيٍّ لا يُعدُّ معَ العديدِ
تكشَّفَتِ الضَّمائرُ عنْ وجوهٍ مُشوَّهةٍ منَ اللَّعناتِ سُودِ
لقد صارَ الكماةُ جباةَ مالٍ وَضَاعوا بينَ أوحالِ العقودِ
ولولا فتيةٌ مِنْ أهلِ كهفٍ تأبَّتْ أن تضامَ منَ الرّقودِ
ولولا أنَّ حزبَ اللهِ يَعْلُو على صوتِ الصَّواعقِ والرُّعودِ
ولولا الحشدُ في بغدادَ يزهو برايتِهِ على رَأْسِ الحُشَودِ
لكنَّا أمَّةً ذهبَتْ هباءً وغابَتْ تَحْتَ أقدامِ اليَهُودِ
وحَاشا أمَّةً حَمَلَتْ حُسَيناً تَرَى ذلَّ الهَزيمةِ منْ يزيدِ
ورايتُها كَقَامتِها جَلالاً تسلَّمها الشَّهيدُ منَ الشَّهيدِ
أبو مدين الموسوي
1/7/2024
بغداد
(1) قصيدة ألقاها الشاعر أبو مدين الموسوي في احتفال الذّكرى الرابعة عشرة لرحيل المرجع فضل الله (رض).